موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٥

موسوعة الأسئلة العقائديّة8%

موسوعة الأسئلة العقائديّة مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
ISBN: 978-600-5213-05-8
الصفحات: 667

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 667 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 296878 / تحميل: 6702
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الأسئلة العقائديّة

موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٥

مؤلف:
ISBN: ٩٧٨-٦٠٠-٥٢١٣-٠٥-٨
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

( محمّد إبراهيم الإبراهيم ـ الكويت ـ ٢٣ سنة ـ ثانوية عامّة )

من التزم منهم بوصية الرسول فهو ممدوح :

س : يرجى تزويدي بأسماء جميع معاصرين النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله من الصحابة ، مع ذكر الموالي منهم لأهل البيت والمعادي لهم؟ دون الحاجة لذكر الموقف الذي حصل له.

مع خالص شكري وتقديري لجهودكم المبذولة في خدمة الدين والمسلمين ، ودمتم موفّقين إن شاء الله.

ج : فكما روى علماء المذاهب الإسلامية : إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسكتم بهما فلن تضلّوا بعدي أبداً » ، قالهصلى‌الله‌عليه‌وآله في عدّة مواطن ، آخرها قبيل وفاته ، ويعتبر هذا الحديث وصية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى أُمّته.

وكذا قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في يوم غدير خم : «من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه »(١) ، فجمع المسلمين ، وأخذ منهم البيعة لعليعليه‌السلام .

فالصحابة الذين عملوا بوصية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والتزموا بالبيعة التي أخذها منهم لعليعليه‌السلام يوم غدير خم ، فهؤلاء هم الصحابة الذين استقاموا على الطريق السوي.

نعم ، ربما كان بعض الصحابة ، ولظروف قاسية لم يلتزموا بوصية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فترة ، ثمّ عادوا إلى الحقّ ، فهؤلاء أيضاً من الممدوحين.

وما ورد على لسان الروايات بالارتداد بالنسبة إلى الصحابة الذين لم يلتزموا بوصية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فهو ارتداد عن الولاية والإمامة لا ارتداد عن الإسلام.

وكُلّ متفحّص في كتب الحديث والسير والتاريخ سيشخص الصالح من الصحابة من الطالح.

____________

١ ـ الدرّ المنثور ٢ / ٢٩٣.

١٤١

( أحمد ـ ـ سنّي )

حديث لا تسبّوا أصحابي :

س : قال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا تسبّوا أصحابي ، فإنّ أحدكم لو أنفق مثل أُحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه » (١) ، ما صحّة هذا الحديث؟ ومن هو الذي رواه من الصحابة؟

ج : قد روى هذا الحديث أبو هريرة ، وأبو سعيد الخدري ، وآخرون.

وعلى فرض صحّة الحديث ، فليس المقصود هو أنّه لا تسبّوا كُلّ الصحابة ، حتّى ولو كان منافقاً ، أو فاسقاً ، أو مرتدّاً ، أو ، بل المقصود : لا تسبّوا الصحابة الذين آمنوا ، وعملوا الصالحات ، وأطاعوا الله ورسوله ، ويؤيّد هذا قوله تعالى :( وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم ـ أي من الصحابة ـمَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ) (٢) ، وأمّا غير المؤمنين من الصحابة لا يغفر لهم.

إذاً فمجرّد اسم الصحابي لا ينفع ، بل لابدّ أن يكون مؤمناً ، وعاملاً للصالحات ، ومطيعاً لله ورسوله.

( أبو أيمن علي ـ الجزائر ـ سنّي )

تساؤلات؟

س : أنا من المداومين على قراءة كتب إخواننا الشيعة وأشرطتهم ، خصوصاً المستبصرين منهم ، وأحاول جهدي الاقتناع بمحصّلاتهم العقائدية ، لكنّني ألاحظ عليهم الكثير من التحفّظات ، وهي كالتالي : مواقفهم المبدئية من بعض الصحابة ، تجعلهم يرمونهم بأيّ كان من النقائص ، كتفسيرهم مثلاً لحادثة الإفك ، والغار ، وغيرها كثير.

____________

١ ـ مسند أحمد ٣ / ١١ و ٦٤ و ٦ / ٦ ، صحيح البخاري ٤ / ١٩٥ ، سنن أبي داود ٢ / ٤٠٤ ، السنن الكبرى للبيهقي ١٠ / ٢٠٩.

٢ ـ الفتح : ٢٩.

١٤٢

ألا تعتقدون أنّ ما تقومون به في هذا الموقع يعمّق فجوة الخلاف بين المسلمين؟

ألا تعتقدون الإخوّة في قناة المنار قدوة لكم في حرصهم على الوئام الإسلامي؟ وهناك أسئلة كثيرة أتمنّى أن يتّسع صدركم لها ، ودمتم في رعاية الله.

ج : نحيّي فيكم هذه الروح الشفّافة ، والتطلّع والبحث في كتب الشيعة والمستبصرين منهم ، وهذا كُلّه إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على وجود روح البحث والتحقيق عندكم ، والتجرّد عن تقليد الموروث بلا دليل ، وهذه صفة قلّ من يتّصف بها في عصرنا الحاضر.

وأمّا تحفّظاتكم في مسألة الصحابة ، فإنّ البحث في هذا الموضوع لابدّ وأن يبحث فيه بحثاً مبنائياً ، نشرع فيه من بداية الهرم وحتّى منتهاه ، وبداية الهرم هو مسألة كون الصحابة جميعاً عدول ، وهنا عندنا بعض التحفّظات والأسئلة :

١ ـ هل الصحابة معصومون؟

٢ ـ إذا قلنا : لا ، فكيف نثبت عدالتهم ككُلّ؟!

٣ ـ هل فيهم من قتل بعضهم بعضاً؟

٤ ـ هل فيهم مَن كفّر بعضهم بعضاً؟

٥ ـ هل فيهم من لعن وسبّ وشتم بعضهم بعضاً؟

٦ ـ إذا كان كُلّ هذا موجود ، فكيف نقول بعدالتهم جميعاً؟!

٧ ـ مَن هم المنافقون؟

٨ ـ هل المنافق كافر؟

٩ ـ أم المنافق مَن أظهر الإسلام وأبطن الكفر؟

١٠ ـ هل الآيات الواردة في المنافقين تقصد بعض الصحابة؟

١١ ـ إذاً مَن هم المنافقون من الصحابة؟!

١٢ ـ ألم يضعّف علماء الحديث : « أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم» ورموه بالوضع؟!(١) .

____________

١ ـ لسان الميزان ٢ / ١٣٧ و ٣١٢.

١٤٣

١٣ ـ هل أنّ ما استدلّ من آيات على عدالة الصحابة ، هل هو صريح أو يدلّ على عدالة جميعهم ، إذ بحثنا في الكُلّ؟

وبعد كُلّ هذا ، فإذا لم نستطع أن نثبت عدالة جميع الصحابة ، يحقّ لنا بل يجب أن نبحث في حالاتهم وخصوصياتهم ، فمن ثبتت عدالته فهو الصحابي الذي يقتدى به ، ونطمئن بما ينقله من أحاديث ، ومن لم تثبت عدالته وغيّر وبدّل ، فإنّه ليس فقط لا يستحقّ الاقتداء به ، وأخذ معالم الدين منه ، بل يستحقّ لعنة الله والرسول والمؤمنين.

وفي الختام : كما أنّنا نقدّر ما تقوم به قناة المنار من الحفاظ على الوحدة الإسلامية ، والتقريب بين المذاهب ، وهذا فرض على الجميع ، عقيدة نعتقد بها ، ولكن لا ينافي هذا الجلوس على طاولة الحوار الهادئ الهادف ، الحوار الأخوي ، وذلك للوصول إلى نتيجة فيما اختلفنا فيه ، فإن توصّلنا إلى نتيجة فهو المطلوب ، وإلاّ فإنّ اختلاف الرأي لا يفسد للودّ قضية.

هذا ، وإنّ وحدتنا وتقاربنا الظاهري مع الاعتراف بوجود اختلافات أساسية ، ومن دون أن نوجد الجوّ الهادئ للحوار الهادف قربة إلى الله ، فإنّ هكذا وحدة سوف لن تستمرّ ، لأنّ الاختلافات ستظهر وستؤثّر ، وربما لو ظهرت ستكون شديدة بعض الشيء ، لأنّ الإخفاء سيولد الكبت ، والكبت يولد الانفجار.

( علي ـ السعودية ـ )

حديث خير القرون قرني :

س : ما مدى صحّة الحديث : « خير القرون قرني ، ثمّ الذين يلونهم ، ثمّ الذين يلونهم »؟ (١) وما هي دلالته؟ جزاكم الله خيراً ، ونفعنا بكم.

____________

١ ـ أحكام القرآن للجصّاص ١ / ٦١٥ ، تفسير القرآن العظيم ٣ / ٣٣١ و ٤ / ٣٠٥ ، الإصابة ١ / ٢١ ، البداية والنهاية ٦ / ٢٨٣.

١٤٤

ج : في الجواب نشير إلى نقاط :

١ ـ إنّ هذا الحديث وأمثاله لم يرد من طرق الشيعة ، وإنّما ورد من طرق أهل السنّة ، وهو لا يمكن أن يكون حجّة علينا ، لأنّ قانون المناظرة والمحاججة أن تذكر المسائل المتّفق عليها بين الطرفين ، أو أن يحتجّ بما وافق عليه الطرف الآخر ، «ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم »(١) .

٢ ـ بعد الإغماض عمّا في سند هذا الحديث عند أهل السنّة ، فإنّه لا دلالة لهذا الحديث على ما يقصده أهل السنّة منه ، وذلك بادعائهم خيرية جميع الناس الموجودين في قرن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لأنّ قولنا : إنّ قريش أفصح العرب وأكرمهم ، لا يقتضي لغة وعرفاً أن يكون كُلّ واحد من آحاده كذلك ، لظهور وجود الآحاد المتّصفة بأضداد ذلك.

٣ ـ هذا الحديث معارض بما رواه أهل السنّة عن عمر ، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أتدرون أيّ الخلق أفضل إيماناً »؟ قالوا : الملائكة ، قال : « وحقّ لهم بل غيرهم » ، قالوا : الأنبياء ، قال : « وحقّ لهم بل غيرهم » ، ثمّ قال : « أفضل الخلق إيماناً قوم في أصلاب الرجال يؤمنون بي ولم يروني ، فهم أفضل الخلق إيماناً »(٢) .

٤ ـ وكذلك هذا الحديث معارض بأحاديث أُخرى مثل : « مثل أُمّتي مثل المطر ، لا يدرى أوّله خير أم آخره »(٣) ، وقوله : « ليدركن المسيح أقواماً ، إنّهم لمثلكم أو خير ثلاثاً »(٤) .

٥ ـ إن مظلومية أهل بيت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر متسالم عليه ، وكُلّ ما ذكرته كتب الحديث والتاريخ ممّا جرى على فاطمةعليها‌السلام ، وعلي أمير المؤمنين

____________

١ ـ تهذيب الأحكام ٩ / ٣٢٢.

٢ ـ فيض القدير ٤ / ٣٦٩ ، كنز العمّال ١٢ / ١٨٢ ، الجامع لأحكام القرآن ٤ / ١٧٢.

٣ ـ مسند أحمد ٣ / ١٣٠ و ١٤٣ و ٤ / ٣١٩ ، مجمع الزوائد ١٠ / ٦٨ ، مسند أبي داود : ٩٠ و ٢٧٠ ، مسند أبي يعلى ٦ / ٣٨٠.

٤ ـ فتح الباري ٧ / ٥ ، المصنّف لابن أبي شيبة ٤ / ٥٦٧ و ٨ / ٥٤٨.

١٤٥

والحسنينعليهم‌السلام ، كُلّ هذا كان في تلك البرهة من الزمن ، وكُلّ الفتن كانت في تلك البرهة من الزمن!!

فكيف يعبّر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن تلك الفترة بأنّها ، وفيها سفكت دماء أهل بيتهعليهم‌السلام ، وظلمت ابنته ، وقتل الحسن والحسينعليهما‌السلام ؟!

كُلّ ذلك ، وقد أخبر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله عن ما يجري على أهل بيته بأحاديث كثيرة.

ولا تنس عزيزي القارئ فترة بني أُمية التي كانوا يسبّون فيها أمير المؤمنين عليعليه‌السلام ، ويلعنونه على المنابر.

٦ ـ كُلّ ما جرى من محن على أهل بيت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكذلك ما جرى من فتن عمياء ، كُلّ ذلك جرى من أناس شاهدوا الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو شاهدوا من شاهد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فتكون الحجّة عليهم أكمل ، والعقاب أشدّ بكثير ممّن لم تتمّ عليهم الحجّة.

وأخيراً : فإنّ هذا الحديث وأمثاله لا يمكن أن يستند عليه باحث متجرّد عن أيّ تعصّب ، هدفه إصابة الحقّ.

إضافة إلى أنّ اختلاف الأئمة نشأ نتيجة اختلاف القرن الأوّل الذي وقعت فيه الحروب ، وسفكت الدماء وقتل بعضهم بعضاً.

( ـ ـ سنّي )

الرسول لم يصلحهم :

س : لقد قرأت الكثير عن الشيعة أو الرافضة ، ولكن عندي ملاحظة على موضوع الصحابة ، واتهامكم لهم ، ألم يستطع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يصلح الصحابة؟ ألم يستطع أن يحذّرنا منهم؟ وهم من حملوا لنا رسالة الإسلام والقرآن ، وأوصلوه لنا بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ألم يستطع علي رضی‌الله‌عنه أن يخلّصنا منهم؟ وهو أشجع الرجال وأقواهم.

١٤٦

ج : إنّ الشيعة ليس لها عداء شخصي وخصومة مع الصحابة ، بل وبعبارة واضحة : لا تعتقد ولا تلتزم بما سمّوه الآخرين بـ « عدالة الصحابة» ، أي لم تر أصلاً موضوعياً ـ من الكتاب والسنّة والعقل والإجماع ـ في المقام يطهّر الصحابة بأجمعهم عن الخطأ والزلل ، وهذا لم يكن اتهاماً منّا لهم ، بل هو نتيجة متابعة الدليل والعقل.

وأمّا الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فهو وإن كان يستطيع أن يصلح المنحرف منهم بالقدرة الإلهية والمعجزة ، ولكن ليس هذا دأب الرسل ، ولم تكن وظيفته تفرض عليه أن يعالج كافّة الانحرافات بالقهر والغلبة :( فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ ) (١) ، وإلاّ فأين دور الامتحان والاختبار؟!

وهكذا كان معاملة الإمام عليعليه‌السلام معهم ، فكان يداريهم ما لم يقفوا في وجه الحكومة ، ثمّ عندما أقدموا على محاربته تصدّى لهم.

وأمّا أنّ رسالة الإسلام والقرآن قد وصلت إلينا بواسطة المنحرفين من الصحابة ، فهذا بهتان عظيم ، بل أنّ المعارف والأحكام كانت لها حملة لا تأخذهم في الله لومة لائم ، وهم أهل البيتعليهم‌السلام ، والخطّ الموالي لهم في مختلف العصور والفترات دون انقطاع ، وحاش للإسلام أن يحتاج لبعض المنحرفين والمنافقين والظلمة ـ وإن تلبّسوا بزيّ الصحابة ـ في نقل ثقافته وفكره إلى الأجيال.

وهنا نشير إلى نكتة مهمّة في مقام النقض وهي : إنّ الكثير من الأنبياء والرسل السابقين على نبيّنا محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لم يستطيعوا أن يبلّغوا رسالات ربّهم ، بل قُتلوا وشرّدوا ، فهل يصحّ لنا أن نعترض ونقول : ألم يستطيعوا أن يصلحوا أُمّتهم؟!

القضية ليست قضية استطاعة وعدمها ، وإنّما اختبار وامتحان ، فالأنبياء والرسل بعثوا ليوضّحوا للناس البينات ،( وَلَقَدْ جَاءكُم مُّوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ

____________

١ ـ الغاشية : ٢١ ـ ٢٢.

١٤٧

اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ ) (١) ،( وَلَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلاَّ الْفَاسِقُونَ ) (٢) ، وذلك :( لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ ) (٣) .

وثمّة مسألة أُخرى وهي : إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نوّه إلى مسألة ما سيحدث بعده من الاختلاف بين الصحابة ، وأن بعضهم سيضرب رقاب بعض ، وأنّهم سيرجعون بعدّه مرتدّين.

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّكم محشورون إلى الله تعالى ، ويؤخذ بقوم منكم ذات الشمال ، فأقول : يا ربّ أصحابي! فيقال لي : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، لم يزالوا مرتدّين على أعقابهم مذ فارقتهم ، فأقول كما قال العبد الصالح :( كُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا توفّيتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ) (٤) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ليردن عليّ الحوض رجال ممّن صحبني ورآني ، حتّى إذا رفعوا إليّ ورأيتهم اختلجوا دوني ، فلأقولن : ربّ أصحابي أصحابي؟ فيقال : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك »(٥) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « بينا أنا قائم فإذا زمرة ، حتّى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال : هلمّ ، فقلتُ : أين؟ قال : إلى النار والله ، قلتُ : ما شأنهم؟ قال : إنّهم ارتدّوا بعدك على أدبارهم القهقري ، ثمّ إذا زمرة فلا أراهم يخلص منهم إلاّ مثل همل النعم ، فأقول : أصحابي أصحابي ، فقيل : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، فأقول : بُعداً بُعداً ـ أو : سحقاً سحقاً ـ لمن بدّل بعدي »(٦) .

____________

١ ـ البقرة : ٩٢.

٢ ـ البقرة : ٩٩.

٣ ـ الأنفال : ٤٢.

٤ ـ المائدة : ١١٧ ، مسند أحمد ١ / ٢٣٥ و ٢٥٣ ، صحيح البخاري ٤ / ١١٠ و ١٤٣ و ٥ / ١٩٢ و ٢٤٠ و ٧ / ١٩٥ ، صحيح مسلم ٨ / ١٥٧.

٥ ـ مسند أحمد ٥ / ٤٨ ، صحيح البخاري ٧ / ٢٠٨ ، صحيح مسلم ٧ / ٧٠ ، المصنّف لابن أبي شيبة ٧ / ٤١٥ ، مسند ابن راهويه ١ / ٣٧٩.

٦ ـ صحيح البخاري ٧ / ٢٠٨ ، كنز العمّال ١١ / ١٣٢ ، تاريخ مدينة دمشق ٨ / ١٠٨.

١٤٨

( السيّد يوسف البيومي ـ لبنان ـ ٢٥ سنة ـ طالب جامعة وحوزة )

تفسير آية( محمّد رَّسُولُ اللهِ )

س : إنّ هناك آية في القرآن الكريم تتكلّم عن أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والسنّة يستدلّون بها على عدالتهم ، وهذه الآية هي : ( محمّد رَّسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء ) (١) ، فما هو التفسير الحقيقي لهذه الآية؟ وكيف يمكن أن ندحض زعمهم؟ ولكم الأجر والثواب.

ج : ننقل لكم نصّ ما قاله الشيخ المفيدقدس‌سره حول الآية في كتابه « الإفصاح » : « فإن قال : أفليس الله تعالى يقول في سورة الفتح :( مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ ) ، وقد علمت الكافّة أنّ أبا بكر وعمر وعثمان من وجوه أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ورؤساء من كان معه ، وإذا كانوا كذلك فهم أحقّ الخلق ، بما تضمّنه القرآن من وصف أهل الإيمان ، ومدحهم بالظاهر من البيان ، وذلك مانع من الحكم عليهم بالخطأ والعصيان؟!

قيل لهم : إنّ أوّل ما نقول في هذا الباب : أنّ أبا بكر وعمر وعثمان ، ومن تضيفه الناصبة إليهم في الفضل ـ كطلحة والزبير ، وسعد وسعيد ، وأبي عبيدة ، وعبد الرحمن ـ لا يتخصّصون من هذه المدحة بما خرج عنه أبو هريرة وأبو الدرداء ، بل لا يتخصّصون بشيء لا يعمّ عمرو بن العاص ، وأبا موسى الأشعري ، والمغيرة بن شعبة ، وأبا الأعور السلمي ، ويزيد ومعاوية بن أبي سفيان ، بل لا يختصّون منه بشيء دون أبي سفيان صخر بن حرب ، وعبد الله ابن أبي سرح ، والوليد بن عقبة بن أبي معيط ، والحكم بن أبي العاص ،

____________

١ ـ الفتح : ٢٩.

١٤٩

ومروان بن الحكم ، وأشباههم من الناس ، لأنّ كُلّ شيء أوجب دخول من سمّيتهم في مدحة القرآن ، فهو موجب دخول من سمّيناه ، وعبد الله بن أبي سلول ، ومالك بن نويرة ، وفلان وفلان ، إذ إنّ جميع هؤلاء أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ومن كان معه ، ولأكثرهم من النصرة للإسلام ، والجهاد بين يدي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والآثار الجميلة والمقامات المحمودة ما ليس لأبي بكر وعمر وعثمان ، فأين موضع الحجّة لخصومنا في فضل من ذكره على غيره؟ من جملة من سمّيناه ، وما وجه دلالتهم منه على إمامتهم ، فإنا لا نتوهّمه ، بل لا يصحّ أن يدّعيه أحد من العقلاء؟!

ثمّ يقال لهم : خبّرونا عمّا وصف الله تعالى به من كان مع نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله بما تضمّنه القرآن ، أهو شامل لكُلّ من كان معهصلى‌الله‌عليه‌وآله في الزمان ، أم في الصقع والمكان ، أم في ظاهر الإسلام ، أم في ظاهره وباطنه على كُلّ حال ، أم الوصف به علامة تخصيص مستحقّه بالمدح دون من عداه ، أم لقسم آخر غير ما ذكرناه؟

فإن قالوا : هو شامل لكُلّ من كان مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في الزمان أو المكان أو ظاهر الإسلام.

ظهر سقوطهم وبان جهلهم ، وصرّحوا بمدح الكفّار وأهل النفاق ، وهذا ما لا يرتكبه عاقل.

وإن قالوا : إنّه يشمل كُلّ من كان معه على ظاهر الديانة وباطنها معاً ، دون من عددتموه من الأقسام.

قيل لهم : فدلّوا على أئمّتكم وأصحابكم ، ومن تسمّون من أوليائكم ، أنّهم كانوا في باطنهم على مثل ما أظهروه من الإيمان ، ثمّ ابنوا حينئذ على هذا الكلام ، وإلاّ فأنتم مدعون ومتحكّمون بما لا تثبت معه حجّة ، ولا لكم عليه دليل ، وهيهات أن تجدوا دليلاً يقطع به على سلامة بواطن القوم من الضلال ، إذ ليس به قرآن ولا خبر عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومن اعتمد فيه على غير هذين ، فإنّما اعتمد على الظنّ والحسبان.

١٥٠

وإن قالوا : إنّ متضمّن القرآن من الصفات المخصوصة ، إنّما هي علامة على مستحقّي المدحة من جماعة مظهري الإسلام ، دون أن تكون منتظمة لسائرهم على ما ظنّه الجهّال.

قيل لهم : فدلّوا الآن على من سمّيتموه كان مستحقّاً لتلك الصفات ، لتتوجّه إليه المدحة ، ويتمّ لكم فيه المراد ، وهذا ما لا سبيل إليه حتّى يلج الجمل في سمّ الخياط.

ثمّ يقال لهم : تأمّلوا معنى الآية ، وحصّلوا فائدة لفظها ، وعلى أيّ وجه تخصص متضمّنها من المدح ، وكيف مخرج القول فيها؟ تجدوا أئمّتكم أصفاراً ممّا ادعيتموه لهم منها ، وتعلموا أنّهم باستحقاق الذمّ وسلب الفضل بدلالتها منهم بالتعظيم والتبجيل من مفهومها ، وذلك أنّ الله تعالى ميّز مثل قوم من أصحاب نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله في كتبه الأُولى ، وثبوت صفاتهم بالخير والتقى في صحف إبراهيم وموسى وعيسىعليهم‌السلام ، ثمّ كشف عنهم بما ميّزهم به من الصفات التي تفرّدوا بها من جملة المسلمين ، وبانوا بحقيقتها عن سائر المقرّبين.

فقال سبحانه :( مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنجِيلِ ) وكأنّ تقدير الكلام : إنّ الذين بينت أمثالهم في التوراة والإنجيل من جملة أصحابك ومن معك ـ يا محمّد ـ هم أشدّاء على الكفّار ، والرحماء بينهم الذين تراهم ركّعاً سجّداً ، يبتغون فضلاً من الله ورضواناً.

وجرى هذا في الكلام مجرى من قال : زيد بن عبد الله إمام عدل ، والذين معه يطيعون الله ، ويجاهدون في سبيل الله ، ولا يرتكبون شيئاً ممّا حرّم الله ، وهم المؤمنون حقّاً دون من سواهم ، إذ هم أولياء الله الذين تجب مودّتهم دون من معه ممّن عداهم ، وإذا كان الأمر على ما وصفناه ، فالواجب أن تستقرئ الجماعة في طلب هذه الصفات ، فمن كان عليها منهم فقد توجّه إليه المدح

١٥١

وحصل له التعظيم ، ومن كان على خلافها ، فالقرآن إذاً منبّه على ذمّه ، وكاشف عن نقصه ، ودالّ على موجب لومه ، ومخرج له عن منازل التعظيم.

فنظرنا في ذلك واعتبرناه ، فوجدنا أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وجعفر بن أبي طالب ، وحمزة بن عبد المطلب ، وعبيدة بن الحارث ، وعمّار بن ياسر ، والمقداد ابن الأسود ، وأبا دجانة ـ وهو سمّاك بن خرشة الأنصاري ـ وأمثالهم من المهاجرين والأنصار ( رضي الله عنهم ) ، قد انتظموا صفات الممدوحين من الصحابة في متضمّن القرآن.

وذلك أنّهم بارزوا من أعداء الملّة الأقران ، وكافحوا منهما الشجعان ، وقتلوا منهم الأبطال ، وسفكوا في طاعة الله سبحانه دماء الكفّار ، وبنوا بسيوفهم قواعد الإيمان ، وجلوا عن نبيّهمصلى‌الله‌عليه‌وآله الكرب والأحزان ، وظهر بذلك شدّتهم على الكفّار ، كما وصفهم الله تعالى في محكم القرآن ، وكانوا من التواصل على أهل الإسلام ، والرحمة بينهم على ما ندبوا إليه ، فاستحقّوا الوصف في الذكر والبيان.

فأمّا إقامتهم الصلاة وابتغاؤهم من فضل الله تعالى القربات ، فلم يدفعهم عن علو الرتبة في ذلك أحد من الناس ، فثبت لهم حقيقة المدح لحصول مثلهم فيما أخبر الله تعالى عنهم في متقدّم الكتب ، واستغنينا بما عرفنا لهم ممّا شرحناه في استقراء غيرهم ، ممّن قد ارتفع في حاله الخلاف ، وسقط الغرض بطلبه على الاتفاق.

ثمّ نظرنا فيما ادعاه الخصوم لأجل أئمّتهم ، وأعظمهم قدراً عندهم من مشاركة من سمّيناه فيما ذكرنا من الصفات وبيّناه ، فوجدناهم على ما قدّمناه من الخروج عنها ، واستحقاق أضدادها على ما رسمناه.

وذلك أنّه لم يكن لأحد منهم مقام في الجهاد ، ولا عرف لهم قتيل من الكفّار ، ولا كلّم كلاماً في نصرة الإسلام ، بل ظهر منه الجزع في مواطن القتال ، وفرّ في يوم خيبر وأُحد وحنين ، وقد نهاهم الله تعالى عن الفرار ، وولّوا

١٥٢

الأدبار ، مع الوعيد لهم على ذلك في جلي البيان ، وأسلموا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله للحتوف في مقام بعد مقام ، فخرجوا بذلك عن الشدّة على الكفّار ، وهان أمرهم على أهل الشرك والضلال ، وبطل أن يكونوا من جملة المعنيين بالمدحة في القرآن ، ولو كانوا على سائر ما عدا ما ذكرناه من باقي الصفات ، وكيف وأنّى يثبت لهم شيء منها بضرورة ولا استدلال ، لأنّ المدح إنّما توجّه إلى من حصل له مجموع الخصال في الآية دون بعضها ، وفي خروج القوم من البعض بما ذكرناه ، ممّا لا يمكن دفعه إلاّ بالعناد ، ووجوب الحكم عليهم بالذمّ بما وصفناه؟! وهذا بيّن جلي والحمد لله.

ثمّ يقال لهم : قد روى مخالفوكم عن علماء التفسير من آل محمّدعليهم‌السلام : أنّ هذه الآية إنّما نزلت في أمير المؤمنين والحسن والحسين والأئمّةعليهم‌السلام من بعدهم خاصّة دون سائر الناس ، وروايتهم لما ذكرنا عمّن سمّينا أولى بالحقّ والصواب ، ممّا ادعيتموه بالتأويل والظنّ الحسبان والرأي ، لإسنادهم مقالتهم في ذلك إلى من ندب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الرجوع إليه عند الاختلاف ، وأمر باتباعه في الدين ، وأمن متبعه من الضلال.

ثمّ إنّ دليل القرآن يعضده البيان ، وذلك أنّ الله تعالى أخبر عمّن ذكره بالشدّة على الكفّار ، والرحمة لأهل الإيمان ، والصلاة له ، والاجتهاد في الطاعات ، بثبوت صفته في التوراة والإنجيل ، وبالسجود لله تعالى وخلع الأنداد ، ومحال وجود صفة ذلك لمن سجوده للأوثان ، وتقرّبه لللات والعزّى دون الله الواحد القهّار ، لأنّه يوجب الكذب في المقال ، أو المدحة بما يوجب الذمّ من الكفر والعصيان.

وقد اتفقت الكافّة على أنّ أبا بكر وعمر وعثمان ، وطلحة والزبير ، وسعداً وسعيداً ، وأبا عبيدة وعبد الرحمن ، قد عبدوا قبل بعثة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله الأصنام ، وكانوا دهراً طويلاً يسجدون للأوثان من دون الله تعالى ، ويشركون به الأنداد ، فبطل أن تكون أسماؤهم ثابتة في التوراة والإنجيل ، بذكر السجود على ما نطق به القرآن ، وثبت لأمير المؤمنين والأئمّة من ذرّيتهعليهم‌السلام ذلك ، للاتفاق على أنّهم لم يعبدوا قط غير الله تعالى ، ولا سجدوا لأحد سواه ، وكان

١٥٣

مثلهم في التوراة والإنجيل واقعاً موقعه على ما وصفناه ، مستحقّاً به المدحة قبل كونه ، لما فيه من الإخلاص لله سبحانه على ما بيّناه.

ووافق دليل ذلك برهان الخبر عمّن ذكرناه ، من علماء آل محمّدعليهم‌السلام ، بما دلّ به النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله من مقاله الذي اتفق العلماء عليه ، وهذا أيضاً ممّا لا يمكن التخلّص منه مع الإنصاف.

ثمّ يقال لهم : خبّرونا عن طلحة والزبير ، أهما داخلان في جملة الممدوحين بقوله تعالى :( مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ ) إلى آخره ، أم غير داخلين في ذلك؟

فإن قالوا : لم يدخل طلحة والزبير ونحوهما في جملة القوم.

خرجوا من مذاهبهم ، وقيل لهم : ما الذي أخرجهم من ذلك ، وأدخل أبا بكر وعمر وعثمان ، فكُلّ شيء تدعونه في استحقاق الصفات ، فطلحة والزبير أشبه أن يكونا عليها منهم ، لما ظهر من مقاماتهم في الجهاد ، الذي لم يكن لأبي بكر وعمر وعثمان فيه ذكر على جميع الأحوال؟!

فلا يجدون شيئاً يعتمدون عليه في الفرق بين القوم ، أكثر من الدعوى الظاهرة الفساد.

وإن قالوا : إنّ طلحة والزبير في جملة القوم الممدوحين بما في الآية.

قيل لهم : فهلاّ عصمهما المدح الذي ادعيتموه لهم ، من دفع أمير المؤمنينعليه‌السلام عن حقّه ، وإنكار إمامته ، واستحلال حربه ، وسفك دمه ، والتديّن بعداوته على أيّ جهة شئتم : كان ذلك من تعمّد ، أو خطأ ، أو شبهة ، أو عناد ، أو نظر ، أو اجتهاد!

فإن قالوا : إنّ مدح القرآن ـ على ما يزعمون ـ لم يعصمهما من ذلك ، ولابدّ من الاعتراف بما ذكرناه ، لأنّ منع دفعه جحد الاضطرار.

قيل لهم : فبما تدفعون أنّ أبا بكر وعمر وعثمان ، قد دفعوا أمير المؤمنينعليه‌السلام عن حقّه ، وتقدّموا عليه وكان أولى بالتقدّم عليهم ، وأنكروا إمامته وقد كانت ثابتة ، ودفعوا النصوص عليه وهي له واجبة ، ولم يعصمهم

١٥٤

ذلك ، ثمّ توجّه المدح لهم من الآية ، كما لم يعصم طلحة والزبير ممّا وصفناه ، ووقع منهم في إنكار حقّ أمير المؤمنينعليه‌السلام ، كما وقع من الرجلين المشاركين لهم فيما ادعيتموه من مدح القرآن ، وعلى الوجه الذي كان منهما ذلك ، من تعمّد أو خطأ أو شبهة أو اجتهاد أو عناد؟ وهذا ما لا سبيل لهم إلى دفعه ، وهو مبطل لتعلّقهم بالآية ، ودفع أئمّتهم عن الضلالة ، وإن سلم لهم منها ما تمنّوه تسليم جدل للاستظهار.

ويؤكّد ذلك : أنّ الله تعالى مدح من وصف بالآية ، بما كان عليه في الحال ، ولم يقض بمدحه له على صلاح العواقب ، ولا أوجب العصمة له من الضلال ، ولا استدامة لما استحقّ به المدحة في الاستقبال.

ألا ترى أنّه سبحانه قد اشترط في المغفرة لهم والرضوان ، الإيمان في الخاتمة ، ودلّ بالتخصيص لمن اشترط له ذلك ، على أنّ في جملتهم من يتغيّر حاله ، فيخرج عن المدح إلى الذمّ واستحقاق العقاب ، فقال تعالى فيما اتصل به من وصفهم ومدحهم بما ذكرناه من مستحقّهم في الحال :( كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ) (١) .

فبعضهم في الوعد ولم يعمهم به ، وجعل الأجر مشترطاً لهم بالأعمال الصالحة ، ولم يقطع على الثبات ، ولو كان الوصف لهم بما تقدّم موجباً لهم الثواب ، ومبيّناً لهم المغفرة والرضوان ، لاستحال الشرط فيهم بعده وتناقض الكلام ، وكان التخصيص لهم موجباً بعد العموم ظاهر التضاد ، وهذا ما لا يذهب إليه ناظر ، فبطل ما تعلّق به الخصم من جميع الجهات ، وبان تهافته على اختلاف المذاهب في الأجوبة والإسقاطات ، والمنّة لله »(٢) .

____________

١ ـ الفتح : ٢٩.

٢ ـ الإفصاح : ١٣٩.

١٥٥

( عبد الله النمر ـ السعودية ـ )

حقيقة الخلاف حولهم بين الشيعة والسنّة :

س : أُريد معرفة حقيقة الخلاف بين الشيعة وأهل السنّة في مسألة الصحابة؟

ج : الكلام حول عدالة الصحابة عنوان وتعبير لا يرسم حقيقة الخلاف بين الشيعة الإمامية وأهل السنّة ، لأنّ الخلاف ليس في كُلّ الصحابة ، فانّ الإمامية تعدل الصحابة ممّن تابع ووالى علياًعليه‌السلام ـ كسلمان والمقداد وعمّار وأبي ذر ، وخالد بن سعيد بن العاص وأخيه ، وابن التيّهان وذي الشهادتين ، وجابر بن عبد الله الأنصاري ، وأبي بردة الأسلمي ، وغيرهم جمع غفير ممّن والى علياًعليه‌السلام ـ وكذلك غالب وجلّ الأنصار فإنّهم ممدوحون عندهم.

وإنّما الخلاف حقيقة هو في أصحاب السقيفة ، هذا من جانب ، ومن جانب آخر فإنّ القرآن الكريم قد نطق بوجود المنافقين ، والذين في قلوبهم مرض ، والمرجفون ، ومنهم الذين يلمزون رسول الله في الصدقات ، ومنهم الذين يؤذون النبيّ ، ويقولون : هو أُذن ، ومنهم من عاهد الله ونكث ، ومنهم الذين يلمزون المطوّعين من المؤمنين ، ومنهم المخلّفون بمقعدهم ، ومنهم الخوالف ، ومنهم المعذرون ، ومنهم الذين مردوا على النفاق ، ومنهم المرجون ، ومنهم الذين ارتابت قلوبهم ، ومنهم الذين ابتغوا الفتنة ، ومنهم أهل الإفك ، وغيرهم من الطوائف التي نصّ عليها القرآن ، فكما قد مدح طائفة منهم ، فقد ذمّ طوائف عديدة كثيرة ، أفتؤمنون ببعض وتكفرون ببعض؟!

وفي سورة المدّثر ـ وهي رابع سورة من البعثة ، نزلت على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ يشير القرآن إلى اندساس مجموعة في صفوف المسلمين الأوائل ، ويطلق عليهم اسم( الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ ) (١) ، أي ممّن يظهر الإسلام ويبطن المرض في قلبه ، وقد فسّرت سورة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله معنى المرض ، وهو الظغينة والعداء للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله

____________

١ ـ المائدة : ٥٢.

١٥٦

وخاصّته ، وقد ذمّ القرآن بعض أهل بدر في سورة الأنفال ، كما ذمّ بعض أهل أُحد في سورة آل عمران ، كما ذمّ طوائف من الصحابة في واقعة الأحزاب في سورة الأحزاب وسورة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذمّ جماعة منهم في واقعة حنين.

بل في واقعة أُحد قال تعالى :( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ ) (١) .

وقد اشترط القرآن الكريم لنجاة الصحابي وكُلّ مسلم شرائط ، إن وفى بها نجى وسلم وفاز ، وإلاّ فيهلك ويخسر ، لقوله تعالى مخاطباً أصحاب بيعة الرضوان :( إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ الله يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ الله فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ) (٢) ، فالناكث هالك منهم بحكم القرآن الكريم ، ومن ثمّ اصطلح بين الصحابة اشتراط أن لا يبدّل الواحد منهم في الدين ، ولا يحدث حدث.

وفي ذيل سورة الفتح ، وعد القرآن بعض الذين مع الرسول بالنجاة فقال :( وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ) (٣) ، فقال تعالى :( مِنْهُم ) أي بعضهم لا كُلّهم.

وقد روى البخاري ومسلم في كتاب الفتن والعلم : إنّ جمع من الصحابة يرتدّون على أدبارهم القهقري بعد رسول الله ، ويبعدون عن حوض الكوثر ، ويختلسون دون رسول الله ، فيقولصلى‌الله‌عليه‌وآله : «ربّ أصحابي أصحابي ، فيقال : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، فأقول : سحقاً سحقاً »(٤) .

____________

١ ـ آل عمران : ١٤٤.

٢ ـ الفتح : ١٠.

٣ ـ الفتح : ٢٩.

٤ ـ مسند أحمد ٢ / ٣٠٠ و ٣ / ٢٨ و ٥ / ٣٣٣ ، صحيح البخاري ٧ / ٢٠٨ و ٨ / ٨٧ ، صحيح مسلم ١ / ١٥١ و ٧ / ٦٦ ، السنن الكبرى للبيهقي ٤ / ٧٨.

١٥٧

( خالد ـ الجزائر ـ ٢٧ سنة ـ التاسعة أساسي )

عدم ثبوت توبة طلحة والزبير :

س : هل ثبتت توبة الزبير ابن العوام بعد محاربته للإمام عليعليه‌السلام ؟

إذ إنّ كثيراً من المصادر التاريخية تذكر أنّ الزبير انسحب من المعركة بعد أن ذكّره أمير المؤمنينعليه‌السلام بكلام ، فتبعه ابن جرموز فقتله ، وهو يصلّي ، وأصبح ابن جرموز فيما بعد من كبار الخوارج.

وهل صحّت توبة طلحة ، إذ إنّ المصادر تذكر أن مروان بن الحكم قتله أثناء المعركة؟ حتّى يختلط الحابل بالنابل ، فهل أراد طلحة الانسحاب من المعركة ـ كالزبير ـ فقتله مروان حتّى لا يتمّ الصلح؟

ج : إنّ طلحة والزبير قد ضلاّ وأضلاّ الكثير بنكثهما البيعة مع أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وبهذا أصبحا جاحدين لإمام زمانهما ، وشملهما الحديث : «من مات وليس عليه إمام مات ميتة جاهلية »(١) .

وأيضاً قد فقدا إيمانهما بخروجهما على إمام زمانهما ، فاعتُبرا من الغاوين المنحرفين.

وأمّا توبتهما فلم تثبت بطريق صحيح ، لأنّهما قُتلا وهما مصمّمان على الحرب مقيمان على الفسق ، ولو كانا تائبين للزمهما أن يصرّحا بخطئهما ، وظلمهما واعتداءاتهما ، ثمّ كان يجب عليهما الحضور في معسكر الإمامعليه‌السلام ، وإطاعة أوامره ونواهيه ، لا الانسحاب والفرار من المعركة ؛ إذ قد يحتمل أن انسحاب الزبير كان بسبب بدو العجز والانكسار في معسكر الضلال.

وأمّا قضية طلحة فهي أوضح ، لأنّه كان عازماً على الاستمرار في القتال إلى أن غدر به صاحبه.

____________

١ ـ كتاب السنّة : ٤٨٩ ، مجمع الزوائد ٥ / ٢٢٥ ، مسند أبي يعلى ١٣ / ٣٦٦ ، المعجم الأوسط ٦ / ٧٠.

١٥٨

وبالجملة : فهما إلى النار ، ولا سبيل إلى فرض صحّة توبتهما ؛ وهذا ما عليه أعلام الشيعة ، كالشيخ المفيد وغيره من وجوه الطائفة.

( فراس العبدواني ـ ـ )

لا يصحّ الترضي على جميعهم :

س : هل صحيح أنّه يستحبّ الترضي للصحابة ، ولا يصحّ أن يقال بعد ذكر اسم الإمام علي بقول عليه‌السلام أو ( كرّم الله وجهه ) ، والصحيح أن يقال : رضی‌الله‌عنه .

ج : هذه دعوى بلا دليل ، إذ إنّ من الصحابة :

١ ـ يسار بن سبع ـ المعروف بأبي الغادية الجهني ـ وهو من الصحابة بإجماع أهل السنّة ، وهو قاتل عمّار بن ياسررضی‌الله‌عنه ، وقد صحّ عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قوله : « قاتل عمّار وسالبه في النار »(١) ، فهذا الشخص في النار بشهادة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما اعترف شيخ الوهّابية ناصر الدين الألباني ، فكيف ترضى على أهل النار؟!

٢ ـ مسلم بن عقبة المري ، ذكره ابن عساكر وابن حجر من الصحابة(٢) ، وهو الذي غزا المدينة ، واستباح بنات الصحابة والتابعين ، وقد صحّ عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قوله : «من آذى أهل المدينة آذاه الله ، وعليه لعنة الله والملائكة »(٣) ، واعترف النووي بأنّه من أهل النار ، فكيف تترضى عليه؟!

٣ ـ بسر بن أرطاة ، قد أوقع بأهل المدينة ومكّة أفعال قبيحة ، وآذى الصحابة ، وارتكب الأُمور العظام منها ما نقله أهل الأخبار والحديث : من ذبحه عبد الرحمن وقثم ابني عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب ، وهما

____________

١ ـ المستدرك ٣ / ٣٨٧ ، مجمع الزوائد ٧ / ٢٤٤ و ٩ / ٢٩٧ ، الآحاد والمثاني ٢ / ١٠٢ ، الجامع الصغير ٢ / ٢٣٣ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٣ / ٤٧٤.

٢ ـ تاريخ مدينة دمشق ٥٨ / ١٠٢ ، الإصابة ٦ / ٢٣٢.

٣ ـ مجمع الزوائد ٣ / ٣٠٧ ، الجامع الصغير ٢ / ٥٤٧ ، كنز العمّال ١٢ / ٢٣٧ ، فيض القدير ٦ / ٢٥.

١٥٩

صغيران بين يدي أُمّهما ، وكان معاوية سيّره إلى الحجاز واليمن ليقتل شيعة علي ، ويأخذ البيعة له ، فسار إلى المدينة ففعل بها أفعالاً شنيعة ، وسار إلى اليمن ففعل فيها كذلك.

وقال الدارقطني : « بسر بن أرطاة له صحبة ، ولم تكن له استقامة بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ودخل المدينة فهرب منه كثير من أهلها ، وقتل فيها كثيراً ، وأغار على همدان باليمن ، وسبى نساءهم ، فكنّ أوّل مسلمات سُبين في الإسلام »(١) .

فكيف ترضى على القتلة المستبيحين للنفس المحرّمة ، وللزنا؟!

٤ ـ معاوية بن خديج أو حديج ، ذكروا في ترجمته أنّه كان صحابياً ، وكان من أسبّ الناس لعليعليه‌السلام ، وقد صحّ عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قوله : « من سبّ علياً فقد سبّني »(٢) ، فكيف تترضى على رجل يسبّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

٥ ـ المغيرة بن شعبة ، ولي لمعاوية الكوفة ، وكان ينال من عليعليه‌السلام ، ولم يكتفِ بذلك ، بل أمر الولاة بالنيل منه ، وقد صحّ عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قوله : «ولا يحبّه إلاّ مؤمن ، ولا يبغضه إلاّ منافق »(٣) ، فكيف تترضى على المنافقين؟!

٦ ـ مروان بن الحكم ، كان يسبّ علياًعليه‌السلام ، فكيف تترضى عليه؟!

٧ ـ معاوية بن أبي سفيان ، كان يسبّ علياً ، ويأمر الولاة بسبّه ، فكيف تترضى عليه؟!

____________

١ ـ أُسد الغابة ١ / ١٨٠ ، تهذيب ٤ / ٦٢.

٢ ـ مسند أحمد ٦ / ٣٢٣ ، ذخائر العقبى : ٦٦ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٢١ ، السنن الكبرى للنسائي ٥ / ١٣٣ ، خصائص أمير المؤمنين : ٩٩ ، نظم درر السمطين : ١٠٥ ، الجامع الصغير ٢ / ٦٠٨ ، كنز العمّال ١١ / ٥٧٣ و ٦٠٢ ، تاريخ مدينة دمشق ١٤ / ١٣٢ و ٣٠ / ١٧٩ و ٤٢ / ٢٦٦ و ٥٣٣ ، البداية والنهاية ٧ / ٣٩١ ، سبل الهدى والرشاد ١١ / ٢٥٠ و ٢٩٤ ، ينابيع المودّة ١ / ١٥٢ و ٢ / ١٠٢ و ١٥٦ و ٢٧٤ و ٣٩٥ ، جواهر المطالب ١ / ٦٥.

٣ ـ شرح نهج البلاغة ٨ / ١١٩ و ٩ / ١٧٢ و ١٨ / ٢٤ ، كنز العمّال ١٤ / ٨١ ، تاريخ مدينة دمشق ١٢ / ٣٩٨ و ٤٢ / ١٣٤ و ٢٧٩ ، تهذيب التهذيب ٨ / ٤١١ ، جواهر المطالب ١ / ٢٥٠ ، ينابيع المودّة ٢ / ١٧٩ و ٤٩٢.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

النساء :

( لجين ـ الكويت ـ ٢١ سنة ـ طالبة جامعة )

معالجة الروايات التي تذمّ المرأة :

س : أرجو المعذرة ، ولكن الموضوع له شجون في القلب ، عن كيف نكون نحن من خلقنا البارئ ناقصات؟ هل نحن لا نستحقّ لقب الإنسانية الذي هو لنا؟ أرجو إفادتي في تفسير هذه الروايات التالية ، مع بيان مصادرها أو آراء العلماء الأجلاّء الأفاضل فيها :

١ ـ قال النبيّ : « شاوروا النساء وخالفوهن ، فإنّ خلافهن بركة »(١) .

٢ ـ قال النبيّ : « ليس على النساء جمعة ولا جماعة ولا تستشار »(٢) .

٣ ـ قال الإمام الصادق : « استعيذوا بالله من شرار نسائكم ، وكونوا من خيارهن على حذر ، ولا تطيعوهن في المعروف ، فيدعونكم إلى المنكر »(٣) .

٤ ـ قال الإمام علي : « يا معاشر الناس ، لا تطيعوا النساء على حال »(٤) .

٥ ـ قال الإمام الصادق : « يستشير رجلاً عاقلاً »(٥) .

٦ ـ قال الإمام علي : « إيّاك ومشاورة النساء ، فإنّ رأيهن إلى الأفن ، وعزمهن إلى الوهن »(٦) .

__________________

١ ـ بحار الأنوار ١٠٠ / ٢٦٢.

٢ ـ من لا يحضره الفقيه ٤ / ٣٦٤.

٣ ـ الكافي ٥ / ٥١٨.

٤ ـ من لا يحضره الفقيه ٣ / ٥٥٤.

٥ ـ المحاسن ٢ / ٦٠٢.

٦ ـ الكافي ٥ / ٣٣٨.

٣٨١

٧ ـ قال النبيّ : « فإنّ أكثركن حطب جهنّم »(١) .

٨ ـ قال تعالى :( إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ ) (٢) .

ج : إنّ الله تعالى قد شاء أن تكون استمرارية الحياة البشري على دعامتين : الرجل والمرأة ، فكُلّ منهما له الدور الأساسي في هذا المجال.

ومن جانب آخر فقد أودع بمقتضى المصلحة والحكمة في كُلّ منهما قوى ومشاعر لتوظيفها في الجهة المقصودة ، فكان السهم الأوفر من العواطف والحنان والأحاسيس نصيب المرأة ، بما أنّها تكون في الغالب ربّة البيت ، وأُمّاً للأطفال ، في حين أنّ وظيفة الرجل وهي إدارة العائلة والتوغّل في المجتمع يحتاج بالضرورة إلى تدبير أرقى وعقل مدبّر ، فكان نصيبه من قوّة العقل ـ بعيداً عن إثارة العواطف عنده ـ أكثر.

وهذا الفارق الأساسي لا يعني أنّ الرجل ـ بما هو رجل ـ في جميع الأحوال يكون أعظم درجةً من المرأة في الإسلام ، بل هو بمعنى تقسيم الوظائف والأدوار ليس إلاّ ، حتّى أنّه ورد عن الإمام الصادقعليه‌السلام : «ربّ امرأة خير من رجل »(٣) .

وهنا لابدّ من التنبيه بأنّ المقصود من كلام الإمامعليه‌السلام في هذه الرواية ليس أمثال فاطمة وزينبعليهما‌السلام ، فإنّ الحكم بالنسبة إلى أمثالهما واضح ، بل الكلام هو في مجال سائر الناس ، كما يظهر من مفاد الرواية.

ثمّ البحث في الروايات والآية المشار إليها في السؤال يتطلّب أُموراً :

أوّلاً : إنّ الآية الكريمة :( إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ ) نقل لكلام عزيز مصر ، ولا يدلّ على تأييده من جانب الله تعالى ، على أنّ الإشارة فيها إلى زوجته بالذات ، فلا يشمل باقي النساء لزوماً.

__________________

١ ـ المصدر السابق ٥ / ٥١٤.

٢ ـ يوسف : ٢٨.

٣ ـ من لا يحضره الفقيه ٢ / ٤٢٧.

٣٨٢

ثانياً : الروايات المذكورة بما أنّ أكثرها مرسلة ومقطوعة السند ، أو أنّ بعضها تحتوي في السند على رجال غير موثقين ، فلا يعتمد عليها في الاستدلال ، ولا حجّية لأكثرها سنداً.

ثالثاً : ومع غض النظر عن البحث في السند ، فإنّ الكثير من الروايات لا يصلح دليلاً على مدّعى القائل ، فعلى سبيل المثال : «يستشير رجلاً عاقلاً » لا ينفي استشارة امرأة عاقلة ؛ أو أنّ شاوروا النساء يتعارض مع « إيّاك ومشاورة النساء ».

وإنّ «ولا تطيعوهن في المعروف » مقطوع البطلان ، إذ كيف يكون معروفاً وفي نفس الوقت منهياً عنه! أو أنّ «لا تطيعوا النساء على حال » لا إطلاق له ، إذ قد يكون كلامهن ورأيهن ـ ولو في مورد واحد ـ صحيحاً ، فكيف ينبغي أن لا تطاع حتّى في هذه الحالة.

وحتّى أنّ «إنّهن ناقصات عقل ودين »(١) ليس معناه نقص الرتبة والمنزلة ، بل المراد هنا هو النقص التكويني والوظائفي ـ كما بيّناه في صدر الجواب ـ وهكذا باقي الموارد.

مضافاً إلى أنّ كافّة هذه الأحاديث ـ لو سلّمنا بصدورها بهذه الكيفية من المعصومينعليهم‌السلام ـ معارضة في إطلاقاتها ومفاهيمها مع أمثال الرواية التي ذكرناها في المقدّمة ، وعليه لابدّ من رفع اليد عنها ، أو تأويلها بما لا يتصادم مع صريح تلك الرواية أي «ربّ امرأة خير من رجل ».

ومن جملة ما يمكن أن يقال في سبيل علاج تلك الأحاديث هو : أن نلتزم بأنّها قضايا خاصّة تشير إلى موارد معيّنة ، وإن جاءت بنحو الإطلاق ، فإنّ هذا نوع من بديع الكلام ، كما هو المسلّم في الآية( إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ ) ، إذ المخاطب زوجته فقط ، ولكن يذكر الحكم بنحو العموم لما فيه من التأثير في المخاطب.

__________________

١ ـ شرح نهج البلاغة ١٨ / ١٩٩.

٣٨٣

( حسين ناصر العباس ـ السعودية ـ ٤٠ سنة ـ خرّيج ثانوية )

ورود ذم لركوبها الخيل :

س : هناك قول سمعته من أحد المؤمنين وهو : أنّ الفروج لا تركب السروج ، فهل هذا القول لأحد المعصومين عليهم‌السلام ؟ وأن كان الحديث صحيحاً ، فهل معنى ذلك أنّ النساء يحرم عليهن ركوب الخيل؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً.

ج : قد ورد الخبر بذلك ضمن الأخبار الواردة عن بعض الأئمّةعليهم‌السلام عن أحوال الناس قبل ظهور الإمام المهديعليه‌السلام (١) ، وظاهر العبارة ذمّ ذلك إلاّ عند الضرورة والاضطرار ، والله العالم.

( ـ العراق ـ )

مسائل مختلفة تتعلّق بها :

س : أشكركم على إتاحة هذه الفرصة للسؤال ، وعندي أسئلة حول كتاب أحكام النساء للشيخ المفيدقدس‌سره :

١ ـ في صفحة ٥٦ يقول : يكره لهن تعلّم الكتابة ، وقراءة الكتب ، هل هذا يتناسب مع الشريعة؟

٢ ـ في صفحة ٥٧ يقول : ولا يحلّ لها أن تصل شعرها بشعر غيرها من الناس ، ولابأس أن تصله بأصواف الغنم ، ألا ينطبق هذا مع الحديث الذي يرويه أهل السنّة « لعن الله الواصلة والمستوصلة »؟

٣ ـ في ص ٥٨ يقول : لا يحلّ لهن الاجتماع في العرسات ، ولا يجتمعن في المصائب.

٤ ـ حديث : « أوصيكم بالضعيفين المرأة واليتيم » هل هو صحيح؟

٥ ـ أهل السنّة يدعون إلى قعود المرأة في البيت بدليل آية القرّ ، ما هو الجواب الراد على هؤلاء؟

__________________

١ ـ أُنظر : كمال الدين وتمام النعمة : ٣٣١.

٣٨٤

٦ ـ يقول الشيخ في إحدى محاضراته : أنّه لا توجد آية في القرآن تقول أنّ الرجل أفضل ـ بمعنى أحسن ـ من المرأة ، هل هذا صحيح؟

٧ ـ آية :( إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ ) (١) وردت على لسان العزيز ، فهل هي عامّة تشمل كُلّ النساء؟

ج : نجيب على أسئلتكم على الترتيب :

١ ـ لابدّ أوّلاً من التمييز بين العلم والتعلّم ، وبين الكتابة والقراءة ، فإنّ مصطلح الأُمّية والجهل لم يعدّ في المحافل الرسمية الدولية ، بمعنى عدم الكتابة والقراءة ، كما أعلنت اليونسكو عن ذلك في السنوات الأخيرة ، فإنّ العلم والتعلّم مقابل الجهل والأُمّية عرّفوه أخيراً ، بمعنى حرمان الإنسان العلم اللازم له كي يستثمر البيئة والوسط المعاش الذي هو فيه.

مثلاً : الزارع والفلاّح في الريف لا نستطيع أن نطلق عليهما الأُمّية والجهل لمجرّد عدم تعلّم الكتابة والقراءة ، والحال أنّهما يمتلكان علم الزراعة والفلاحة ، بحيث يتمكّنا من التغلّب والسيطرة على قواعد البيئة الزراعية والفلاّحية ، وعلى العكس لو كان ابن الزارع والريف يعرف الكتابة والقراءة ، لكن لا يعلم الموروث العلمي الزارعي والفلاحي من آبائه وقومه ، فإنّه يعدّ أُمّياً وجاهلاً لكونه لا يعرف العلم اللازم لحياته المعاشة.

وكذلك الحال في أصحاب وأرباب الصناعات والحرف ، فإنّ العلم والتعلّم في حقّهم ، لا تعنى بالضرورة الكتابة والقراءة ، بل تعنى في الدرجة الأُولى هو إتقانهم للصناعة والحرفة المتلبّسين هم بها.

ومن ثمّ تثار الأزمة في مجتمعات المدن في العصر الحاضر أنّ السلك التعليمي على صعيد المدارس والجامعات لا يلبّي حاجة المجتمع في جوانب الصناعة والزراعة والتجارة وغيرها من المجالات ، فإنّ تلك المدارس والجامعات لاسيّما في

__________________

١ ـ يوسف : ٢٨.

٣٨٥

دول العالم الثالث تغذّي الطلاّب والمتعلّمين بعلوم لا تستثمر بعد سنين التخرّج من المدرسة والجامعة ، وبالتالي فلا يكون الفرد المتخرّج منهما مؤهّلاً للوظيفة في القطّاعات الكثيرة في مؤسّسات المجتمع.

وبكلمة : فأصبح في العرف التعليمي العلم في مقابل الأُمّية والجهل هو ليس بمعنى الكتابة والقراءة ، بل بمعنى معرفة العلم اللازم للعمل في المحيط والبيئة المعاشة ، فنعرف من ذلك أنّ الكتابة والقراءة ليس إلاّ آلة غير منحصرة للتعلّم ، وليست هي الآلة الوحيدة ، كما أنّ الكتابة والقراءة ليستا هما نفس العلم والمعرفة ، والعلم والمعرفة قد رغّب فيهما كُلّ من القرآن وسنّة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأهل بيتهعليهم‌السلام .

وقد يعزى هذا الحكم بالكراهة دون الحرمة في الكتابة والقراءة ، أنّهما كانا في العصور السابقة طابعاً لأعمال الرجال ولأعمال النظام الاجتماعي خارج المنزل ، أي عليهما صبغة المهن والأعمال المستلزمة للاختلاط بالرجال.

وقد ورد في الحديث : «وعلّموهن سورة النور »(١) ، كما ورد استفتاء وتعلّم عدّة من النساء من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّةعليهم‌السلام .

٢ ـ قد فسّر فقهاء أهل السنّة لعن الواصلة والمستوصلة : بوصل المرأة شعرها بشعر غيرها ، ومن ثمّ أفتوا بالحرمة ، ولكن ذلك نتيجة ابتعادهم عن الثقل الثاني وهو عترة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإنّه قد ورد في روايات أهل البيتعليهم‌السلام تفسير الواصلة والمستوصلة بالقوّادة والمقودة للفاحشة ، فالواصلة التي تقود لجمع الرجال بالنساء على الفاحشة ، والمستوصلة هي التي تقاد لذلك(٢) .

٣ ـ فتوى فقهاء العصر على حلّية اجتماع النساء في الأعراس والمصائب ، شريطة أن لا يرتكب في تلك المجالس المعصية ، كما هو مقتضى الغالب في

__________________

١ ـ الكافي ٥ / ٥١٦.

٢ ـ المصدر السابق ٥ / ١١٩.

٣٨٦

تلك المجالس ، فإنّ مجالس الأعراس في العادة ما يتغنّى بالمثير لشهوة الجنسية ، ويحصل الابتذال والرقص وغير ذلك ، ممّا يسبب الانحراف في السلوك الخُلقي ، وكذلك مجالس المصائب في موتى أهالي النساء ، فإنّه ربما ترتكب بعض الشنائع لإظهار المصاب في العادات التقليدية القديمة ، ولعلّ ذلك هو محمل فتوى الشيخ.

٤ ـ وردت نصوص قرآنية وروائية عديدة توصي بحسن رعاية اليتيم ، وكذلك في المرأة ، وأنّهن قوارير فلا تكسر ، وأنّها ريحانة تعامل باللين والمودّة والمداراة ، وأنّ عقاب القبر هو من سوء المعاملة مع العيال.

٥ ـ لا ريب أنّ من أعظم مسؤوليات المرأة هو تربية الجيل الناشئ الصالح للمجتمع ، وهو وظيفة منزلية ، كما أنّ من مسؤوليتها توفير الراحة والسكون النفسية للرجل في البيت ، وهو محطّة دفء واستقرار مهمّ عظيم لكُلّ أعضاء الأُسرة ، مضافاً إلى أنّ القرّ في الآية قد بيّن الغاية منه ، هو لأجل عدم التبرّج تبرّج الجاهلية الأُولى ، أي محافظة المرأة على الستر على بدنها ، ومفاتن جسدها ، كي لا تتلوّث بيئة المجتمع بالإثارات الغريزية الحيوانية ، فيكون الجوّ العام الخارجي جوّاً حيوانياً غرائزياً ، كما هو عليه الحال في المجتمعات الغربية ، حيث تبذلت المرأة عند خروجها من المنزل ، وأصبحت سلعة جنسية وأداة حيوانية لمسيرة الجنس ، والاستهلاك التجاري.

وتكبّلت المرأة مسؤوليات الرجل خارج المنزل ، فضاعت وظائف الأُسرة من دون من يتحمّل مسؤوليّتها ، فتصدّعت وأورثت ظواهر اجتماعية حادّة تفتك بالاستقرار الاجتماعي والأمني والروحي.

٦ ـ الأفضلية في القرآن أعطيت للمتّقي :( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ ) (١) ، وكما ذكر القرآن الأنبياء والمرسلين والأئمّةعليهم‌السلام ، فقد ذكر فاطمة في سورة

__________________

١ ـ الحجرات : ١٣.

٣٨٧

المباهلة ، والحشر ذي القربى والمودّة لهم وغيرها من السور ، وذكر مريم وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون ، وأُمّ موسى وأُمّ مريم وغيرهن.

نعم ، هذا لا يعني تشاكل وظائف الجنسين وكيفية أدوارهما ومسؤوليّتهما ، وإن كان باب الكمال مفتوح لكُلّ منهما ، لاسيّما الأخروي الأبدي ، وإن كان هناك عوائق ومؤهّلات تخصّ كُلّ جنس على حده يجب الجمع في النظرة ، وفي قراءة النصوص الدينية إلى ذلك نصوص العوائق ، ونصوص المؤهّلات المساعدة في كُلّ جنس.

٧ ـ ورد في الروايات أنّ المرأة إذا لم تلتزم ، وصارت من جند الشر والشيطان ، فإنّ لها قابليات خطيرة للفتنة ، وافتتان الرجال والمجتمع بهن من ناحية الشهوة وغيرها ، ممّا يدلّل على خطورة موقعية المرأة في المجتمع والأُسرة وتنشأة الأجيال.

( عمرو إبراهيم يوسف ـ مصر ـ ٢٥ سنة ـ بكالوريوس تجارة )

معنى ناقصة عقل ودين :

س : أرجو تفسير حديث : « إنّهن ناقصات عقل ودين » (١) .

ج : مع غض النظر عن البحث في سند الحديث ، نلفت انتباهكم إلى أنّ نفس الحديث يشرح المراد من النقص في الدين ، وذلك بتركها للصلاة في أيّام عادتها ، وكذلك يشرح المراد من النقص في العقل ، بجعل شهادة امرأتين تعادل شهادة رجل واحد ، ويعود ذلك إلى تركيبتها البدنية ، حيث خلقها الله تعالى لتكون أُمّاً تغلب عليها العاطفة ، وبذلك تستطيع أن تتحمّل أنواع المصاعب في تربيتها لأولادها ، بما أودعها الله من عاطفة كبيرة ، ولولا تلك العاطفة المودعة في المرأة لحدث نوع من الخلل في التركيبة الاجتماعية ، حيث كُلّ من الرجل والمرأة أودع الله تعالى فيهم من القدرات البشرية ما تحتاجه وتفرضه وظيفته.

__________________

١ ـ شرح نهج البلاغة ٩ / ١٩٢ و ١٨ / ١٩٩.

٣٨٨

وبعد هذا ، فإنّ العاطفة الغالبة على المرأة سبّبت في أن تكون شهادة امرأتين تعادل شهادة رجل واحد.

( السيّد علي الموسوي ـ إيران ـ ٢٧ سنة ـ طالب حوزة )

( لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ ) :

س : إنّ القرآن يثبت في آيات عديدة تساوي الإنسانية بين الرجال والنساء ، وأنّ الرجل بما هو الرجل ، والمرأة بما هي المرأة ، لا كرامة لهما ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ ) (١) ، إذاً فلماذا ( لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ ) (٢) ؟

ج : ننقل لكم ما ذكره الشيخ لطف الله الصافي حول هذا الموضوع :

« وأمّا الاختلاف في قدر نصيب الرجل والمرأة في بعض الموارد كالبنت والابن ، حيث قدّر للذكر مثل حظّ الأُنثيين ، وكالزوج والزوجة ، فليس فيه احتقار للمرأة وبخس حقّها ، بل إنّما جعل نصيب الرجل أكثر لكثرة حوائجه الاقتصادية ونفقاته المالية ، ولما أُلقي عليه من النفقات ـ كنفقة الزوجة والأولاد ـ أو يلقى عليه العرف والعادة ـ كتجهيز البنات ـ وإعطاء صداق زوجة الولد وغيرها.

وأمّا المرأة فليس عليها هذه النفقات ، ولا تدفع المهر عند الزواج ، بل تأخذه بعكس الرجل ، كما يتحمّل زوجها نفقتها ، فحاشا الإسلام أن يدع الضعيف ويوفّر نصيب القوي ، أو ينظر في مثل هذه الأحكام المالية المتضمّنة لحكم اقتصادية إلى ما ليس له دخل في تشريعها ، فهذا الفرق الطفيف بينهما ليس إلاّ لإقامة العدل بين الذكر والأُنثى ، والأخذ بأسباب الواقع والحقيقة.

ويدفع تعليل هذه الأحكام بتفضيل الرجال على النساء ، إنّ الله تعالى ساوى بين الأبوين في الميراث ، فقال سبحانه :( وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا

__________________

١ ـ الحجرات : ١٣.

٢ ـ النساء : ١١.

٣٨٩

السُّدُسُ ) (١) ، فلو كان الإسلام فضّل نصيب الرجل على المرأة مطلقاً لعلّة أنّ هذا رجل وهذه امرأة لما ساوى بينهما في هذا المقام ، وفي بعض المقامات الأُخر.

فهذا شاهد على أنّ الحكمة في امتياز الرجل على المرأة في الميراث ، ليس فضله عليها ، وهذا التوهّم إنّما نشأ من عدم مراجعة نصوص الكتاب والسنّة والتأمّل فيها.

والحاصل : أنّ من سبر الشرائع والقوانين وتواريخ الملل ، يجد أنّ أيّ شريعة من الشرائع ، وأُمّة من الأُمم ، لم تنصف المرأة كما أنصفها الإسلام وشريعته السمحاء.

فالإسلام قرّر حقوق المرأة ، وناصر المرأة ، وكرّم المرأة ، وحرّر المرأة ، وأخذ بيدها ممّا كانت تتردى فيه.

فعلى الذين يهتفون في بلاد المسلمين ، وتعلو صيحاتهم منادين بحقوق المرأة ، ويظهرون الترحّم على النساء ، إن كانوا صادقين أن يدعوا الجميع ، الرجال والنساء إلى النظام الإسلامي ، الذي عالج مشاكل الحياة الإنسانية كُلّها.

وإن كانت نزعتهم في ذلك أن يتّخذوا المرأة مطيّة لشهواتهم ، وأن يروّجوا الدعارة ، وفوضى الأخلاق ، وانحطاط الآداب ، وخروج النساء كاسيات عاريات ، يخلعن جلبات الحياء والعفّة ، وينزعن زيّ النجابة ، ويسلكن مسلك المرأة الغربية ، فنعوذ بالله من فتنهم ، ومن دعاياهم الفاسدة الهدّامة ، التي هي من أضرّ ألاعيب الاستعمار على المسلمين »(٢) .

( علي ـ أمريكا ـ ٢٧ سنة ـ طالب )

معنى غيرة المرأة كفر :

س : حفظكم الله ورعاكم لما فيه خدمة الجميع ، وأثابكم الله خيراً ، وأعطاكم الأجر والثواب.

__________________

١ ـ نفس الآية السابقة.

٢ ـ مجموعة الرسائل ١ / ٢٢٥.

٣٩٠

أتمنّى أن تشرحوا لي لماذا غيرة المرأة كفر؟ وغيرة الرجل إيمان؟ وهل في جميع الحالات تصبح غيرة المرأة كفر؟ حتّى لو تصرّف زوجها مع النساء الأجانب؟ ولكم شكري وامتناني.

ج : قال الإمام عليعليه‌السلام : «غيرة المرأة كفر ، وغيرة الرجل إيمان »(١) ، والمقصود من كلامهعليه‌السلام : بأنّ غيرة المرأة على الرجل قد تؤدّي إلى الكفر ، وليست هي كفراً قطعاً ، فإنّها إذا اعترضت على زوجها إذا أحتاج إلى زواج آخر مثلاً ، قد تؤدّي غيرتها عليه إلى إنكار معلوم من الدين بالضرورة ، وهو جواز التعدّد للرجل ، فتنكر النصّ ، أو تعترض على الله تعالى ، أو على الإسلام ، وقد تكيد بزوجها ، أو تعصي ربّها ، أو تقصّر معه ، أو تلجأ إلى وسائل شيطانية ، أو غير ذلك ، وكُلّ ذلك من الظلم الذي قد يؤدّي إلى الكفر.

أمّا مسألة غيرتها العادية ، وتدلّلها عليه ، أو محاولة بيان اهتمامها وحبّها واعتزازها به ، فليس ذلك مقصوداً من الحديث ، وخصوصاً ما ذكرت من بعض التصرّفات مع النساء الأجنبيات ، مع امرأة أجنبية دون وجود نية حقيقية للزواج ، فغيرة زوجته في هذه الحالة عليه من الإيمان قطعاً ، ومن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

والخلاصة : فغيرة المرأة إذا كانت مانعة للزوج من الارتباط بأُخرى ، فهو من الاعتراض على الحقّ الجائز فعله للرجل.

أمّا غيرة الرجل على زوجته فهو حرص وإيمان لعدم جواز ارتباطها بغيره مع ارتباطها به ، بأيّ حال من الأحوال.

( أحمد ـ الإمارات ـ ١٩ سنة ـ طالب حوزة )

النظر إلى المبتذلات منهنّ :

س : هذه شبهة وردت في إحدى مواقع الوهّابية في المنتديات ، أرجو الردّ السريع : يقول فضل الله في كتابه النكاح ١ / ٦٦ : « فلو أنّ النساء قد اعتادت

__________________

١ ـ شرح نهج البلاغة ١٨ / ٣١٢.

٣٩١

الخروج بلباس البحر ، جاز النظر إليهن بهذا اللحاظ وفي ضوء ذلك قد يشمل الموضوع النظر إلى العورة عندما تكشفها صاحبتها ، كما في نوادي العراة ، أو السابحات في البحر في بعض البلدان ، أو نحو ذلك ».

قلت : أيّ دين وأي منطق هذا؟

أرجو المساعدة على الردّ على تلك الحثالة الوهّابية ، وشكراً.

ج : إنّ هناك مسألة فقهية يذكرها الفقهاء وهي : جواز النظر إلى النساء المبتذلات ، والمراد بهنّ النساء اللاتي لا ينتهين إذا نُهين عن التكشّف ، حيث لا يمنع معهن أمر بمعروف ونهي عن منكر ، وقد ذكر السيّد فضل الله جملة من مصاديق هذه المسألة ، كالنساء اللاتي يرتدين لباس البحر مثلاً ، أو ما يتواجد منهنّ في نوادي العراة وغيرها.

وبالطبع إنّ أمثال هذه الموارد مشروطة بعدم التلذّذ ، وإلاّ حرمت حسب القاعدة ، ولا يعني ذلك أنّ هذا السيّد يدعو الناس للوقوف على شواطئ البحار لينظروا ما شاء لهم النظر إلى أجساد النساء العاريات ، أو ليدخلوا نوادي العراة كي يشاهدوا عورات النساء ، فهذا ممّا لا يقول به عاقل ، فضلاً عن عالم.

وبيان الجواز هنا يشير بوضوح إلى مسألة فيما لو ابتلي إنسان ما بالتواجد في مكان تكون فيه أمثال هذه الحالات ، فالحكم الشرعي له حسب الأدلّة الشرعية هو الجواز المشروط بعدم التلذّذ ، وإلاّ حرم النظر عليه.

ونسأل هنا : ألا يبتلى المسلمون في الدول الغربية بمثل هذه المواقف فيما لو اضطرتهم الظروف للتواجد في هذه الدول ، فما هو الحكم الشرعي الذي يراه المتحذلقون لهؤلاء المبتلين بمثل هذه الحالات؟ وفي أماكن يكون توقّع العمل في مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا فائدة منه ، بل قد يؤدّي إلى الضرر حسب أحكام وقوانين تلك الدول ، فهل تراهم يأمرون المسلمين المتواجدين في تلك الأماكن بوضع الأغطية على عيونهم يسيرون في تلك البلدان؟ أم ماذا يقولون للمبتلين بمثل هذه المواقف؟ فليجيبونا مشكورين؟

٣٩٢

النصّ على الأئمّة :

( أحمد ـ ـ )

نقوضات على النصّ في الإمامة وردّها :

س : لقد وجدت هذا في أحد المنتديات ، فما ردّكم عليه : إذا فرضنا أنّ الإمامة نصّ عليها الله تعالى ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله فنجد الآتي :

١ ـ إنّ علياًرضي‌الله‌عنه رفض أن يصبح خليفة بعد استشهاد عثمان بن عفّان.

٢ ـ إنّ علياًرضي‌الله‌عنه أصبح وزيراً في عهد أبي بكر ، فهذا يخالف النصّ.

٣ ـ أصبح علياً والياً عند فتح المقدس والشام في عصر عمر ، فماذا يعني لك النصّ في الولاية؟ هل تعتقد بمن استطاع أن يخترق بصره عرش الرحمن والثرى في الأرض أن يعجز أن يأخذ الولاية؟

فماذا تعني لك النصّ بالولاية؟ هل تعتقد بمن فتح خيبر بضربة سيفه حتّى عجز جبرائيلعليه‌السلام أن يمسك يده ، لكي لا يصل سيفه إلى سابع أرض ، بعاجز أن يأخذ الخلافة؟ ودمتم سالمين.

ج : الموضوع الذي ذكرتموه فيه عدّة تساؤلات :

أوّلها : لماذا رفض عليعليه‌السلام الخلافة بعد مقتل عثمان؟ وهذا ما سنأتي إلى تفصيله.

ثانيها : إنّ علياًعليه‌السلام أصبح وزيراً في عهد أبي بكر؟ هذا كذب محض ، لا يسنده أيّ شاهد تاريخي ضعيف ، فضلاً عن أن يكون صحيحاً ، فعليعليه‌السلام لم يصبح وزيراً في يومٍ من الأيّام لأبي بكر أو عمر أو عثمان ، وهذه افتراءات وتقوّلات جاءت من أتباع ابن تيمية.

٣٩٣

ثالثها : أصبح عليعليه‌السلام والياً للمقدس عند فتحها في عهد عمر؟ هذا من المضحكات ، فهو مثل سابقه دعوى لا دليل عليها ، وزوبعة كلام يتشدّق بها أتباع ابن تيمية ، بلا سند أو عمد ، كشيخهم الذي كثرت ادعاءاته بدون سند ولا دليل.

الرابعة : هو الربط بين فضائل عليعليه‌السلام ـ وخصوصاً الشجاعة منها ـ وبين عدم أخذه للسلطة ومغالبته عليها.

وبتعبير آخر : الاتكاء على نظرية الاستبعاد ، فإنّ من كان في الشجاعة ما يذكر لهعليه‌السلام في الفتوحات والحروب كيف يغلب؟ وكيف يؤخذ حقّه في السلطة؟

وهذا الاعتراض متوقّف على فهم الإمامة في القرآن الكريم والسنّة المطهرة ، والتي بني عليها المذهب الشيعي أُسسه ، والأخ صاحب هذا المقال باعتبار كونه يعيش ذهنياً في نظرية مدرسة الخلفاء التي صوّرت الإمامة مساوية للحكومة والسلطة ، فلأجل ذلك يحتاج تفهيمه إلى شرح ما ، وبيان للموضوع.

أمّا التساؤل الأوّل فيجاب : إذا رجعنا إلى الوراء قليلاً وسرنا مع الأحداث نعرف السبب الذي دعا علياًعليه‌السلام أن يرفض ، وإليك بيان موجز من ذلك :

الإمامة التي يطرحها القرآن الكريم والسنّة النبوية ـ والتي سار عليها المذهب الاثنا عشري ـ تعني رئاسة عامّة على أُمور الدين والدنيا ، أي القيمومة الكاملة من قبل شخصٍ ، وهو الذي يسمّى إمام على سائر المخلوقات ، وهو المتصرّف لأُمورهم الدينية والدنيوية ، أي هو العارف بالأحكام والمبيّن لها ، والذي يسوس الرعية ، وهو الذي يحملها على ما يراه.

قال الله تعالى مخاطباً إبراهيمعليه‌السلام :( إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (١) ، وقال تعالى :( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ

__________________

١ ـ البقرة : ١٢٤.

٣٩٤

الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ) (١) ، وقال تعالى :( وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ ) (٢) ، وقال تعالى :( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (٣) ، إلى غيرها من الآيات الكثيرة الناطقة بالولاية والإمامة والخلافة الإلهية.

ومن الواضح أنّ هذه الخلافة لا تساوي الحكومة بالمفهوم الذي فسّرته مدرسة الخلفاء للإمامة ، وذلك واضح في القرآن الكريم ، حيث أنّه جعل إبراهيم إماماً مع كونه لم يكن حاكماً ، ولم يستلم الحكومة بعد ، فالإمامة لو كانت بمعنى الحكومة التي نفهمها الآن لما كان إبراهيم إماماً ، مع أنّه إمام ولم يكن حاكماً.

فمن ذلك نفهم أنّ الإمامة القرآنية تعني السلطة الواقعية على الكائنات ، والتصرّف في شؤونها الدينية والدنيوية ، وأنّ الحكومة السياسية هي وظيفة من وظائف الإمامة وشعبة من شعبها ، فالإمام فيه اقتضاء وقابلية الحكومة ، وأنّ المفروض على الرعية تسلّم الأمر إليه ، ولهذا يظهر الفرق واضحاً بين الإمامة العامّة التي هي جعل من الله ، ولا دخل للإنسان فيها ، بل هي من مختصّات الذات الإلهية المقدّسة ، فالله هو المعيّن للإمام لا غير.

وأمّا السلطة والحكومة فبما أنّها تعني التصرّف بشؤون الناس السياسية فتحتاج إلى بيعة ومناصر وتحتاج إلى مؤازر ، ولأجل ذلك أخذ الرسول الأكرم محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله البيعة لعليعليه‌السلام يوم غدير خم ، فإنّ سرّ أخذ البيعة هو ذلك.

هذا مفهوم الإمامة الكُلّية ، وبه يتّضح الفرق بين مذهب الشيعة ومذهب مدرسة الخلفاء ، فإنّهم فسّروا الإمامة بما يساوي الحكومة التي نعرفها بمعناها اليوم.

__________________

١ ـ فاطر : ٣٢.

٢ ـ الزخرف : ٢٨.

٣ ـ المائدة : ٥٥.

٣٩٥

وأمّا مصداق الإمامة ، وأنّ مَن هو الإمام؟ فهذا تحدّده السنّة النبوية المطهرة ، والسنّة النبوية بيّنت أنّ الإمام بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله هو علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، كما في حديث الغدير المتواتر ، والذي يقول فيه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : «من كنت مولاه فعلي مولاه »(١) .

وكذلك في أحاديث أُخرى كثيرة ، تشير إلى ما لا ريب فيه ولا مناقشة تعتريه ، وهو ما أخرجه الحاكم في المستدرك ، وصرّح بصحّته ، والحديث هو : قال ابن عباس : وقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «أنت ولي كُلّ مؤمن من بعدي ومؤمنة »(٢) ، وصرّح الشيخ الألباني بصحّته وبطرق عديدة للحديث(٣) .

إنّ هذا الحديث يقصم ظهور القوم ، إذ لا يمكنهم تأويله بالمحبّة أو النصرة ، لأنّ معنى ذلك أنّ علي بن أبي طالبعليه‌السلام يحبّ المؤمنين وينصرهم بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولو على نحو السالبة الجزئية ، أي بعض المؤمنين يحبّهم وينصرهم بعد الرسول لا في حياته ، وهذا يشهد القرآن والسنّة والتاريخ بكذبه ، لأنّ علياً كان وما زال منذ بعث النبيّ إلى يوم استشهاده ناصراً ومحبّاً للمؤمنين.

هذا عرض موجز لمفهوم الإمامة الكُلّي وشخصها الجزئي يمهّد لنا الدخول في الموضوع ، فبعد اتضاح معنى الإمامة ، وأنّها تنصيب من الله سبحانه ، وأنّ الإمام إمام ، تسلّم السلطة أو لا ، كما في حديث النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في حقّ الحسن والحسين حيث قال : «الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا »(٤) .

فعلى ذلك ، لماذا رفض الإمام عليعليه‌السلام بيعة القوم بعد وفاة عثمان؟ مع أنّه منصّب من الله ، وأنّ الظرف تهيّأ للحكم والسيادة؟

الجواب : إذا رجعنا إلى الفترة التي أعقبت وفاة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نعرف ذلك ، فبعد أن ظهر قوله تعالى للعيان وأتضح :( أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ

__________________

١ ـ الدرّ المنثور ٢ / ٢٩٣.

٢ ـ المستدرك ٣ / ١٣٤.

٣ ـ سلسلة الأحاديث الصحيحة ٥ / ٢٦١.

٤ ـ علل الشرائع ١ / ٢١١.

٣٩٦

وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ ) (١) ، وانقلب الأمر على آل بيت النبيّ ، وصدق قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كما يرويه عليعليه‌السلام حينما قال : «قال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ الأُمّة ستغدر بك بعدي »(٢) .

فأخذها أبو بكر وابن الخطّاب من علي بن أبي طالب مدّعين الشورى ، وأنّ النبيّ لم يوصّ ، في حين عدم حضور الشورى كبار الصحابة من المهاجرين والأنصار ـ كعلي والعباس ، وطلحة والزبير ، وعمّار وأبي ذر ، وسلمان وسعد ابن عبادة وغيرهم ـ فأخذ الأمر وزحزح عن علي إلى أبي بكر ، فصار الإمام بين أمرين : إمّا أن يقاتلهم على الخلافة التي هو أحقّ بها أم يصبر؟

ومن المعلوم أنّ الدخول معهم في معركة لم يكن صالحاً للإسلام ، بل يقضى عليه ، وتذهب أتعاب النبيّ وعلي خلال السنين السالفة هباءً منثوراً ، وذلك لكثرة المنافقين في المدينة وحولها.

قال الله تعالى :( وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ ) (٣) ، وقال تعالى :( إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ ) (٤) ، وقال تعالى :( وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ السَّوْءِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (٥) .

فإذاً المبرّر لسكوت الإمام عليعليه‌السلام هو وجود المنافقين في المجتمع الإسلامي ، وكانوا بكثرة ، ويشكّلون قوّة لا يستهان بها ، وهم يتربّصون بالمسلمين الفلتات والزلاّت.

فلو نازع أمير المؤمنينعليه‌السلام القوم لكان في ذلك فرصة لهم في ضرب المجتمع الإسلامي والإسلام ، وإرجاع الناس إلى الجاهلية الأُولى ، فحفاظاً على ذلك لم

__________________

١ ـ آل عمران : ١٤٤.

٢ ـ المستدرك ٣ / ١٤٢ ، شرح نهج البلاغة ٤ / ١٠٧ ، كنز العمّال ١١ / ٢٩٧ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٤٤٨ ، البداية والنهاية ٦ / ٢٤٤ و ٧ / ٣٦٠.

٣ ـ التوبة : ١٠١.

٤ ـ المنافقون : ١.

٥ ـ التوبة : ٩٨.

٣٩٧

يدخل أمير المؤمنينعليه‌السلام مع القوم في نزاع ، وصبر على خلافة الأوّل ، وعلى خلافة الثاني ، ولم يدخل معهم في وزارة أو إمرة ، بل كان معتزلاً عنها ، ومن يدّعي أنّه تولّى أمراً ، أو استوزر من قبل الخليفة ، فهو كاذب لا مستند تاريخي له.

إلى أن وصل الأمر إلى الثالث ، وبوصولها إليه ابتعد المسلمون كثيراً عن الخطّ الذي رسمه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ووضح الشرخ المنحرف داخل المجتمع ، بخلافه على زمن الأوّل والثاني ، فإنّ الانحراف لم يكن بالمستوى الذي وصل إليه في خلافة عثمان ، لأنّ عثمان بن عفّان ولّى بني عمّه على الأمصار ، وعزل الصحابة الأخيار ، وولّى الطلقاء الذين هم من المنافقين والذين لم يسلموا ، بل استسلموا ، خوفاً على دمائهم ، لا رغبة في الإيمان.

فهؤلاء عندما ولاّهم عثمان عاثوا في الأرض الفساد ، واستعبدوا العباد ، وغيّروا السنّة ، وبدّلوا الشريعة ، فلذلك رفض أمير المؤمنين البيعة ، لأنّه لو كانت الخلافة جاءته بعد عمر لكان هناك مجال واسع لإصلاح الانحراف الذي خلّفه أبو بكر وعمر ، فلذلك دخلعليه‌السلام في الشورى ، الذين عيّنهم عمر.

وأمّا بعد تولّي عثمان الخلافة فإنّ الانحراف وصل إلى أوجه ، بحيث لا ينفع معه إصلاح ولا تعديل ، فلذلك رفض البيعة ، وقال لهم : افعلوا بها كما شئتم ، فكما قدّمتم الأوّل والثاني والثالث عليّ فالآن لا حاجة لي بها ، قدّموها إلى غيري ، واطلبوا لها غيري يسايرها مع هذا الانحراف ، لأنّه إذا أخذها عليعليه‌السلام لا تستطيعون أن تسيروا حسب ما يريد ، ولا تطيقوا تعاليمه التي هي تعاليم القرآن ، لأنّه غرس بنو أُمية في نفوسهم تعاليم الجاهلية ، وأبعدوهم عن تعاليم الإسلام ، فلذلك لا يستطيعون مسايرة الإمام وإتباعه ، وهذا ما عرفهعليه‌السلام من الأوّل ، فلذلك قال لهم : «دعوني والتمسوا غيري ».

وإليك هذان النصّان التاريخيان يوضّحان ما قلناه ، ويشهدان عليه :

١ ـ روي عن ابن عباس أنّه قال : دخلت على عمر يوماً ، فقال لي : يا ابن عباس لقد أجهد هذا الرجل نفسه في العبادة حتّى نحلت رياءً.

قلت : من هو؟

٣٩٨

فقال : هذا ابن عمّك ـ يعني علياً ـ.

قلت : وما يقصد بالرياء أمير المؤمنين؟

قال : يرشح نفسه بين الناس للخلافة.

قلت : وما يصنع بالترشيح ، قد رشّحه لها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فصرفت عنه.

قال : إنّه كان شابّاً حدثاً فاستصغرت العرب سنّه وقد كمل الآن ، ألم تعلم أنّ الله تعالى لم يبعث نبيّاً إلاّ بعد الأربعين.

قلت : يا أمير المؤمنين ، أمّا أهل الحجى والنهى فإنّهم مازالوا يعدّونه كاملاً منذ رفع الله منار الإسلام ، ولكنّهم يعدّونه محروماً محدوداً.

فقال : أمّا إنّه سيليها بعد هياط ومياط ، ثمّ تزل قدمه فيها ، ولا يقضى فيها إربة ، ولتكونن شاهداً عليه يا عبد الله ، ثمّ يتبيّن الصبح لذي عينين ، وتعلم العرب صحّة رأي المهاجرين الذين صرفوها عنه بادئ بدء(١) .

فأنظر إلى قوله : سيليها بعد هياط ومياط ، أي : تصله مضطربة قد نخر فيها الفساد نخراً ، وانحرفت أشدّ الانحراف ، فلا يستطيع أن يصنع فيها شيء ، فلذلك ستلفظه لعدم طاقتها له.

٢ ـ لمّا ضرب عمر بن الخطّاب ، قال الإمام لقوم من بني هاشم : «إن أطيع فيكم قومكم من قريش لم تؤمروا أبداً » ، وقال للعباس : «عدل بالأمر عنّي يا عم » ـ يقصد عمر بن الخطّاب ـ قال : وما علمك؟

قال : « قرن بي عثمان ، وقال عمر : كونوا مع الأكثر ، فإن رضي رجلان رجلاً ورجلان رجلاً ، فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف ، فسعد ـ أي سعد بن أبي وقّاص ـ لا يخالف ابن عمّه ـ يعني عبد الرحمن ـ وعبد الرحمن صهر عثمان لا يختلفان ، فيوليهما أحدهما الآخر ، فلو كان الآخران معي لم يغنيا شيئاً ».

__________________

١ ـ تاريخ الأُمم والملوك ٣ / ٤٥٦.

٣٩٩

فقال العباس : لم أرفعك إلى شيء إلاّ رجعت إليّ مستأخراً بما أكره ، أشرت عليك عند مرض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن تسأله عن هذا الأمر فيمن هو ، فأبيت ، وأشرت عليك عند وفاته أن تعاجل البيعة فأبيت ، وقد أشرت عليك حين سمّاك عمر في الشورى اليوم أن ترفع نفسك عنها ، ولا تدخل معهم فيها ، فأبيت ، فاحفظ عنّي واحدة ، كُلّما عرض عليك القوم الأمر فقل : لا ، إلاّ أن يولّوك ، وأعلم أنّ هؤلاء لا يبرحون يدفعونك عن هذا الأمر حتّى يقوم لك به غيرك ، وأيم الله لا تناله إلاّ بشر لا ينفع معه خير.

فقال علي : «أما إنّي أعلم أنّهم سيولّون عثمان ، وليحدثن البدع والأحداث ، ولئن بقى لأذكّرنّك ، وإن قتل أو مات ليتداولنها بنو أُمية بينهم ، وإن كنت حيّاً لتجدني حيث تكرهون » ، ثمّ تمثّل :

حلفت بربّ الراقصات عشية غدون خفافاً يتبدرن المحصبا ليجتلبن رهط ابن يعمر غدوة نجيعاً بنو الشداخ ورداً مصلبا(١) .

فكلمة : وأيم الله لا تناله إلاّ بشرٍ لا ينفع معه خير ، وتداول بني أُمية لها ، هو الذي يوضّح سرّ رفض أمير المؤمنينعليه‌السلام للبيعة.

وأمّا التساؤل الرابع فجوابه : أتّضح جلياً أمره ، وأنّ المسألة لم تكن مسألة شجاعة وإظهار القوّة ، وإنّما مسألة بقاء الشريعة وذهابها ، فهناك كما أسلفنا المنافقون من الصحابة ، وهناك المحيطين بالمدينة من الأعراب المنافقين ، والذين يتربّصون الدوائر بالمسلمين ، ويتحينون الفرصة التي يرون ضعف المسلمين بها حتّى يقضوا عليهم ، ويرجعوهم إلى الجاهلية.

فهنا ليست الحرب مع المشركين كي يبرز لها عليعليه‌السلام كما برز في الحروب والغزوات ، بل هنا انحراف في داخل المجتمع ، وهنا أنفس مريضة في داخل المسلمين والمجتمع المدني ، فيحتاج التعامل معها إلى حنكة وخبرة أكثر ممّا يحتاجه من

__________________

١ ـ شرح نهج البلاغة ١ / ١٩١ و ١٢ / ٢٦٢ ، تاريخ الأُمم والملوك ٣ / ٢٩٤ ، الكامل في التاريخ ٣ / ٦٨ ، تاريخ المدينة المنوّرة ٣ / ٩٢٥.

٤٠٠

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667