موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٥

موسوعة الأسئلة العقائديّة8%

موسوعة الأسئلة العقائديّة مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
ISBN: 978-600-5213-05-8
الصفحات: 667

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 667 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 296998 / تحميل: 6703
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الأسئلة العقائديّة

موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٥

مؤلف:
ISBN: ٩٧٨-٦٠٠-٥٢١٣-٠٥-٨
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

( موسى ـ السعودية ـ )

تعقيب على الجواب السابق :

أشكركم على هذا الردّ الوافي ، وأتمنّى لكم دوام الصحّة والعافية ، وأن ينفع الله بعلمكم الأُمّة الإسلامية.

( عبد الله ـ ـ )

اعتراضاته :

س : تحية طيّبة وبعد ، أنا من الذين يتعرّضون لبعض المواجهات مع بعض الأشخاص من العامّة والوهّابية ، وحيث إنّه يوجّهون بعض الإشكالات على مذهب الحقّ ، ورغبتنا منّا في الحصول على الردّ المناسب وعدم الرد المتسرّع ، أوجّه لكم هذه الرسالة من أحد أهل السنّة ، والتي سوف أكون شاكراً لكم ، لو حصلت على الردّ المناسب على هذه الرسالة.

أمّا أنّ عمر ابن الخطّاب اعترض على أمر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله في حياته ، فاعلم أنّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله له أمران : أمر في شؤون الدين والتشريع ، فلا يسع أحداً أن يشاور فيها ، ولا يقدّم بين يدي الله ورسوله ، وأمر في شؤون الحياة ، وهو الذي تطبّق فيه الشورى.

في غزوة بدر نزل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بالصحابة في مكان ، وأشار الحباب بن المنذر بمكان أخر فاختير مكان الحباب.

في غزوة أُحد كان رأي الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله المكوث في المدينة ، وكان رأي شباب الصحابة الخروج ، وكان الخروج

هنا يقول : أنّه لم يصدر أيّ حديث بذمّ عمر بن الخطّاب من الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا أيّ قول أثر عن علي بن أبي طالب يذمّ فيه عمراً ، إذا كان لديك قول ممّا سبق فإلينا به.

ثالثاً : إذا حكمت بعدم عدالة عمر ، فهذا يعني أنّه ليس بكفؤ للزواج من بنت علي بن أبي طالب ، فلماذا زوجّه إذن؟ إن قلت : بسبب التهديد ، فهذا قول

٤٠١

مردود ، لأنّه لا اعتقد أنّ الفارس يرضخ لتهديد عمر ، الذي ذكرتم في جبنه الأقاويل.

وإن قلت : بسبب التهديد ، فكيف يحلّ لمعصوم أن يتنازل عن أمر فاضل إلى مفضول تحت التهديد ، وهو المعصوم من الله عصمتين ، عصمة من الخطأ في أمر الدين ، وعصمة من أن يقتله أحد من البشر ، قال تعالى :( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى ) (١) ، وقال تعالى :( وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) (٢) .

فإن أسقطت هاتين العصمتين على الإمام علي بن أبي طالب ، فهذا يتنافى تماماً مع رضوخه للتهديد ، وإن لم تسقطها عليه ، فهذا يناقض عقيدة العصمة عندكم ، وإن قلت بالأُولى دون الثانية ، فهذا يعني أنّ كلام الإمام هو وحي من الله ، فهل أنت تقول بهذا القول؟ وإن قلت بالثانية دون الأُولى ، فالإمام علي مات شهيداً مقتولاً.

إن قلت : إنّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله زوّج ابنته بأحد المشركين قبل الهجرة ، فأقول لك : إنّ ذلك قبل اكتمال شرائع الدين ، ولكن بعد اكتمال شرائع الدين لا يحلّ ذلك ، وإن قلت : إنّ الإمام زوّج عمر عن رضى منه ، فهذا يعني كفاءة وعدالة عمر ، وهو عكس ما أنت عليه الآن.

وإن قلت بالقول الشائع ، إنّه هناك ملابسات خاصّة ، فعليك بذكر تلك الملابسات.

وإن قلت : إنّ الإمام زوّجها خطأً ، فذلك ينافي العصمة ، وهل صحيح أنّه هناك من اجتهد مقابل قول الرسول في حياته ، ولم يصدر من الرسول أيّ شيء حيال هذا الاجتهاد؟

انتظر الردّ بفارغ الصبر ، وأرجو أن يكون سريعاً.

ج : يمكنكم أن تبعثوا بهذه الرسالة إلى من ذكر لكم هذه الإشكالات لتكون جواباً على استفساراته :

____________

١ ـ النجم : ٣.

٢ ـ المائدة : ٦٧.

٤٠٢

أودّ في البداية أن الفت انتباهكم إلى أنّ المشكلة تكمن في أنّكم في مقام الاستشهاد والاستدلال تحاولون التمسّك بالأخبار والتاريخ الوارد في كتبكم ، وتجعلون ذلك حجّة علينا ، أمّا حينما تصل النوبة إلينا فلا حقَّ لنا أن نستشهد بما ورد في كتبنا ، فلماذا باؤكم تجرُّ دون بائنا؟ وهل هذا من العدل والإنصاف؟!

وعلى أيّ حال ما أشرتم إليه أوّلاً من انقسام الأمر إلى قسمين فهذا وجيه ، ولكن ماذا نفعل إذا كانت المخالفة في شؤون الدين ، فتعال واقرأ :

١ ـ عن ابن عباس : لما حضر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطّاب ، قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : «هلمَّ اكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده » ، قال عمر : إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قد غلب عليه الوجع ، وعندكم القرآن ، حسبنا كتاب الله.

فاختلف أهل البيت فاختصموا ، فمنهم من يقول : قربّوا يكتب لكم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كتاباً لن تضلّوا بعده ، ومنهم من يقول ما قال عمر ، فلمّا اكثروا اللغو والاختلاف عند النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال رسول الله : «قوموا »(١) .

وينقل البخاري نفسه أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «آتوني بكتاب اكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده أبداً » ، فتنازعوا ولا ينبغي عند نبيّ تنازع ، فقالوا : هجر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) .

إنّه ما أعظمه من اعتراض! وهل يوجد اعتراض أكبر من هذا يوجّه إلى النبيّ؟ ويقابل به بهذا الشكل من الوقاحة؟ إنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله يطلب أن يكتب لهم كتاباً لن يضلّوا بعده أبداً ، وهل يوجد كتاب أعظم من هذا الكتاب الذي لا يضلّ بعده المسلمون؟ ويأتي الاعتراض والردّ على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بأنّه غلبه الوجع أو هجر ، وهل تعلم ما معنى ذلك؟ أي أنّه يتكلّم بلا شعور ولا إدراك ، في الوقت الذي

____________

١ ـ صحيح البخاري ٧ / ٩ و ٨ / ١٦١ ، صحيح مسلم ٥ / ٧٦ ، المصنّف للصنعاني ٥ / ٤٣٨ ، مسند أحمد ١ / ٣٢٤.

٢ ـ صحيح البخاري ٤ / ٣١.

٤٠٣

يقول عنه تعالى :( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى ) (١) ، ماذا يتصوّر من جريمة أعظم من هذه الجريمة؟

واقبح من هذا أن يأتي المرقّع فيقول : إنّ المقصود الاستفهام ، أي أهَجَر ، وهل الاستفهام أقلّ قبحاً من نسبة الهجر إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله من دون الاستفهام.

٢ ـ عن أبي وائل قال : « قام سهل بن حنيف يوم صفّين فقال : أيّها الناس اتهموا أنفسكم ، لقد كنّا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم الحديبية ، ولو نرى قتالاً لقاتلنا ، وذلك في الصلح الذي كان بين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وبين المشركين ، فجاء عمر بن الخطّاب ، فأتى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا رسول الله ألسنا على حقّ وهم على باطل؟

قال : « بلى » ، قال : أليس قتلانا في الجنّة وقتلاهم في النار؟ قال : « بلى » ، قال : ففيم نعطي الدنية في ديننا ونرجع ، ولمّا يحكم الله بيننا وبينهم؟ فقال : «يا بن الخطّاب إنّي رسول الله ، ولن يضيعني الله أبداً ».

قال : فانطلق عمر فلم يصبر متغيّظاً ، فأتى أبا بكر ، فقال : يا أبا بكر ألسنا على حقّ وهم على باطل؟ قال : بلى ، قال : أليس قتلانا في الجنّة وقتلاهم في النار؟ قال : بلى ، قال : فعلامَ نعطي الدنية في ديننا ونرجع ، ولمّا يحكم الله بيننا وبينهم؟

فقال : يا بن الخطّاب إنّه رسول الله ، ولن يضيعه الله أبداً ، قال : فنزل القرآن على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالفتح ، فأرسل إلى عمر فأقرأه إيّاه ، فقال : يا رسول الله أو فتح هو؟ قال : «نعم » فطابت نفسه ورجع »(٢) .

ولا ندري ما هو الاعتراض إذا لم تكن مواجهة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بهذه الشدّة اعتراضاً.

____________

١ ـ النجم : ٣ ـ ٤.

٢ ـ صحيح مسلم ٥ / ١٧٥ ، صحيح البخاري ٤ / ٧٠ و ٦ / ٤٥ ، مسند أحمد ٣ / ٤٨٦.

٤٠٤

وقد يقول قائل : هل في المشورة بأس؟ وهل من القبيح أن يدلي بعض الصحابة برأيه في موضوع معيّن؟ ولماذا لا نحمل هذين الخبرين على ذلك؟

والجواب واضح ، فإنّ التشاور يعني إبداء الرأي من دون رفض ومعارضة بخلاف الاعتراض ، فإنّه يعني الرفض والإنكار دون مجرد إبداء الرأي ، وواضح أنّه في هذين الحديثين نجد الرفض والإنكار بأعلى درجاته ، إنّه إلى حدِّ نسبة الهجر إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإلى حدٍّ لا يكتفي عمر بجواب الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى يذهب إلى أبي بكر ، وينزل القرآن بعد ذلك ، وتطيب آنذاك نفس الخليفة ، إنّه إلى حدٍّ يتغيّض على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وأمّا ما أشرتم إليه من أنّه هل هناك ذمّ من الإمام علي بن أبي طالبعليه‌السلام ؟ فجوابه : إنّ الشخص الذي تصدر منه مثل هذه المواجهة للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ الذي هو أعظم شخصية إسلامية ـ ويسكت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله خوفاً على الإسلام من أن يصاب بثلمة بسبب الاختلاف ، فكيف بالإمام عليعليه‌السلام ؟

هل تتوقّعون منه الاعتراض والذمّ؟ وقد صدر أكبر ذمّ منهعليه‌السلام للخليفة الثاني ، وذلك بعد موت الخليفة في الخطبة الشقشقية المعروفة ، التي من أجلها أنكرتم وأنكر أصحابكم نسبة نهج البلاغة إلى الإمام عليعليه‌السلام ، ولكن ليس وراء الحقّ إلاّ الضلال.

وأمّا ما أشرتم إليه من أنّه إذا حكمت بعدم عدالة عمر فكيف زوجّه الإمامعليه‌السلام بابنته ، بعد عدم كونه كفؤاً ، فهو مضحك حقّاً ، حيث ليس لكم اطلاع على أنّ المسلم كفؤ المسلمة ، وليس العادل كفؤ العادلة ، إنّ التكافؤ لابدّ أن يكون بالإسلام وليس بالعدالة ، وبهذا تبطل جميع المقدّمات والشقوق المنطقية أو العقلية ، التي سوّدتم صحيفتكم بها.

نسأله تبارك وتعالى الهداية والتوفيق.

٤٠٥
٤٠٦

العولمة والحداثة :

( خليفة الرحمن ـ السعودية ـ )

موقف الإسلام منهما :

س : ما مفهوم كُلّ من المصطلحين التاليين : الحداثة؟ العولمة؟ وما موقف الإسلام منهما؟ وما دور الشباب المسلم تجاه ما يعنيانه؟ وفّقكم الله وسدّد خطاكم.

ج : تارة نتكلّم عن الحداثة في مفهومها اللغوي ، وتارة في مفهومها العلماني.

فالحداثة بمفهومها اللغوي هي بمعنى الأكثر جدّة ، فهذا الجديد أو الأجد إذا كان ينسجم مع أحكام الإسلام وقوانينه ولا يعارضه ، فموقف الإسلام منه موقف إيجابي لا سلبي ، فالإسلام لا يحارب الجدّة والحداثة ، نعم هو يحارب كُلّ ما يتعارض مع أحكامه وقوانينه.

وأمّا الحداثة بمفهومها العلماني هي عبارة عن الابتداع في كُلّ شيء من شؤون الحياة ، حتّى لو أدّى إلى ضرب الدين عرض الجدار ، وهذا ممّا لاشكّ فيه يتنافى مع روح الإسلام ، فالإسلام مع الحداثة التي تنسجم مع قوانينه الخالدة ، وضدّ الحداثة التي هي الدعوة إلى ضدّها ، ولكن بأسلوب جديد وحديث.

٤٠٧

وأمّا بالنسبة إلى العلمانية فهي بمفهومها الوضعي عبارة عن الرجوع إلى نتائج البحث العلمي البشري البحت بعيداً عن الدين ، فالعلمانية بهذا المفهوم تتنافى مع الدين.

ولاشكّ أنّ الدين قائم على أساس العلم ، والعلم قائم على الأسس العقلية المتينة ، والقواعد المنطقية الصحيحة ، ولا يوجد في الدين ما يتنافى مع ضرورات العقل ، والمقرّرات العقلية للعلم ، أمّا المقرّرات غير القطعية فبما أنّها عُرضة للتغيير فلا يمكن أن نربط الدين بها ، فيصبح الدين متغيّراً ، فليس من الصحيح أن نقول : أنّ الدين تبع للعلم.

إذاً ، العلمانية لا تعتقد بالثوابت الدينية ، وإنّما تعتمد على نتائج الفكر البشري المحدود.

وبتعبير آخر أوضح : إنّ العلمانية أُريد لها أن تكون شيئاً مضادّاً للدين ، يعني هناك أطروحتان لإدارة الحياة : أطروحة إلهية ، وأطروحة وضعية بشرية بعيدة عن قوانين الدين ، ولهذا حينما تقارن التشريعات يقال : هذا تشريع ديني إلهي ، وهذا تشريع وضعي بشري.

فالأطروحة العلمانية هي الأطروحة الوضعية التي تتقيّد بنتائج الفكر البشري ، بعيدة عن الدين عقائداً وأخلاقاً وأحكاماً ، وبهذا تتنافى مع الدين.

وليس المقصود من العلمانية في الاصطلاح معناها اللغوي المشتقّ من العلم ، لأنّ العلم في حدود القواعد المنطقية والأُسس العقلية السليمة يقرّ بالدين ، ولا يتنافى مع الدين في الحدود المسموح بها.

أمّا هناك أُمور غير مسموح بها لأنّها فوق طاقة العقل البشري ، ولهذا تجد المختبرات العلمية تكتشف اليوم أمراً ثمّ تنسفه غداً ، أمّا في الدين لا يوجد شيء من هذا القبيل إنّما حلال محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله حلال إلى يوم القيامة ، وحرامه حرام إلى يوم القيامة.

٤٠٨

فالتغيّر إنّما يكون في الموضوعات أو في المصاديق ، أمّا في أصل الأحكام فإنّها ثابتة لا تقبل التبديل والتعديل.

( ـ ـ )

المجتمع الحديث :

س : ما هو المقصود من المجتمع الحديث؟ وشكراً.

ج : المجتمع الحديث هو الذي يستخدم أفراده وحكومته أكثر المنجزات العلمية والتكنولوجية تطوّراً في إنجاز أعمالهم ونيل أهدافهم ، أي أنّهم في المجتمع الحديث ، إذا أرادوا إرسال نداء أو رسالة لا يرسلون قاصداً بل يستخدمون أفضل وسائل الاتصال في أسرع وقت ، وفي منتهى الدقّة ، كما أنّ الحكومة تمتلك أفضل المعلومات ، وتستخدم أرقى العلوم تطوّراً لتحليل قضاياها ، كما أنّها مسلّحة بآخر المنجزات الصناعية.

٤٠٩
٤١٠

الغدير :

( حميد ـ عمان ـ )

دلالة حديث الغدير على إمامة عليعليه‌السلام :

س : ما هو حديث الغدير؟ وكيف يدلّ على إمامة علي عليه‌السلام ؟

ج : حديث الغدير هو : قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في حجّة الوداع بغدير خم ، حينما قام في الناس خطيباً ـ من خطبة طويلة ـ : « يا أيّها الناس إنّ الله مولاي ، وأنا مولى المؤمنين ، وأنا أولى بهم من أنفسهم ، فمن كنت مولاه ، فهذا مولاه ـ يعني علياً ـ اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ».

وقد روى هذا الحديث كثير من الصحابة ، وأورده جمع كبير من علماء الفريقين في كتبهم ، وأرسلوه إرسال المسلّمات(١) .

ودلالة الحديث على خلافة وولاية عليعليه‌السلام واضحة ، فلا يمكن حمل الولاية على معنى المحبّ والصديق وغيرهما ، لمنافاته للمطلوب بالقرائن الحالية والمقالية.

أمّا المقالية : فإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ذكر ولاية علي بعد ولاية الله وولايته ، ثمّ جاء بقرينة واضحة على أنّ مراده من الولاية ليس هو الصديق والمحبّ وما

____________

١ ـ مسند أحمد ١ / ١١٨ و ١٥٢ و ٤ / ٢٨١ و ٣٧٠ و ٥ / ٣٤٧ و ٣٧٠ ، الجامع الكبير ٥ / ٢٩٧ ، سنن ابن ماجة ١ / ٤٥ ، المستدرك ٣ / ١٠٩ ، المصنّف لابن أبي شيبة ٧ / ٤٩٥ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٠٤ ، المعجم الكبير ٤ / ١٧ و ٥ / ١٧٠ و ٥ / ١٩٢ و ٥ / ٢٠٤ ، شواهد التنزيل ٢ / ٣٨١ ، التاريخ الكبير ١ / ٣٧٥ ، الكامل في ضعفاء الرجال ٣ / ٢٥٦ ، ٦ / ٨٢ و ٣٥٠ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٢١٣ و ٢١٧ و ٢٣٠ ، تهذيب الكمال ٢٠ / ٤٨٤ ، تهذيب التهذيب ٧ / ٢٩٦ ، الجوهرة : ٦٧ ، البداية والنهاية ٥ / ٢٣١ ، السيرة النبوية لابن كثير ٤ / ٤٢١ ، ينابيع المودّة ٢ / ٢٤٩ و ٢٨٣ و ٣٩١.

٤١١

شاكل ، وذلك بقوله : « وأنا أولى بهم من أنفسهم » ، فهي قرينة تفيد أنّ معنى ولاية الرسول ، وولاية الله تعالى ، هو الولاية على النفس ، فما ثبت للرسول يثبت لعليعليه‌السلام ، وذلك لقوله : «من كنت مولاه فهذا مولاه ».

وأمّا الحالية : فإنّ أيّ إنسان عاقل إذا نعيت إليه نفسه وقرب أجله تراه يوصي بأهم الأُمور عنده ، وأعزّها عليه.

وهذا ما صنعه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حينما حج حجّة الوداع ، حيث جمع المسلمين وكانوا أكثر من مائة ألف في يوم الظهيرة في غدير خم ، ويخطبهم تلك الخطبة الطويلة ، بعد أن أمر بإرجاع من سبق ، وانتظار من تأخّر عن العير ، وبعد أمره لتبليغ الشاهد الغائب.

كُلّ هذا فعله الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ليقول للناس : إنّ علياً محبّ لكم صديق لكم ، فهل يليق بحكيم ذلك؟ وهل كان خافياً على أحد من المسلمين حبّ عليعليه‌السلام للإسلام والمسلمين؟ وهو الذي عرفه الإسلام بإخلاصه وشجاعته ، وعلمه وإيمانه.

أم أن ذلك يشكّل قرينة قطعية على أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله جمعهم لينصب بعده خليفة بأمر الله تعالى :( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) (١) .

نسأله تعالى أن يعرّفنا الحقّ حقّاً ويوفّقنا لاتباعه.

( عبد السلام ـ هولندا ـ سنّي )

عيد من الأعياد الإسلامية :

س : هل للمسلمين عيدين فقط ، كما يوجد في بعض الأحاديث أم لا؟ وهل هناك أحاديث بأنّ صيامه سنّة مؤكّدة؟ اذكروها إن أمكن ، ولكم جزيل الشكر.

ج : اتفق المسلمون على وجود عيدين في الإسلام ، عيد الأضحى ، وعيد الفطر ، وتترتّب عليه بعض الأحكام الفقهية ، مثل حرمة الصيام فيهما.

____________

١ ـ المائدة : ٦٧.

٤١٢

أمّا مسألة صومه ، فهناك أحاديث كثيرة في فضله ، رويت من طرق الشيعة وأهل السنّة على السواء.

وإليك بعض ما روي في كتب السنّة : عن أبي هريرة قال : من صام يوم ثمان عشرة من ذي الحجّة ، كتب الله له صيام ستين شهراً ، وهو يوم غدير خم ، لما أخذ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بيد علي بن أبي طالب فقال : « ألست ولي المؤمنين» ؟

قالوا : بلى يا رسول الله ، فقال : « من كنت مولاه فعلي مولاه ».

فقال عمر بن الخطّاب : بخ بخ لك يا بن أبي طالب ، أصبحت مولاي ومولى كُلّ مسلم ، فأنزل الله تعالى :( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ ) (١) .

وعليه فعيد الغدير من الأعياد الإسلامية الكبرى ، لأنّه المتمّم لمفاهيم عيدي الفطر والأضحى ، إذ بعيد الفطر يتميّز الصائمون من غيرهم ، وبعيد الأضحى يتميّز الحجّاج ، ومن يعظّمون الحجّ عن غيرهم ، وبعيد الغدير يتميّز من يقدّس هذين العيدين بأبعادهما الإسلامية كاملة.

( أحمد جعفر ـ البحرين ـ ١٩ سنة ـ طالب جامعة )

نزول آيتي البلاغ والإكمال في علي :

س : أودّ أن أسأل حضراتكم عن الآيتين :( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ) ، و( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ) ؟

فالأُولى رقمها ( ٦٧ ) في سورة المائدة ، والثانية رقمها ثلاث في نفس السورة ، وكما نسمع في الروايات أنّ آية البلاغ نزلت قبل آية الإكمال ، لكن في القرآن نجدها بعد آية الإكمال ، كيف ذلك؟

ثمّ هل إنّ الروايات القائلة بنزول الآيتين في شأن الإمام عليعليه‌السلام متواترة؟

ج : إنّ القرآن الكريم رتّبت آياته من قبل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بأمر الوحي عن الله تعالى ، ولا علاقة لذلك بترتيب السابق واللاحق في النزول ، وهذا ما يسمّى

____________

١ ـ المائدة : ٣ ، شواهد التنزيل ١ / ٢٠٠ و ٢٠٣ ، تاريخ بغداد ٨ / ٢٨٤ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٢٣٣ ، البداية والنهاية ٧ / ٣٨٦ ، المناقب : ١٥٦.

٤١٣

بالنظم ـ أي نظم آيات السورة بحسب أغراض ومصالح معينة ، قد تظهر أسبابها عندنا ، وقد تخفى أسباب بعضها كذلك ـ.

واعلم إنّ آية( بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ) إذا أخذنا فيها ترتيب الآيات ـ وهو ما نسمّيه بسياق الآيات ـ بنظر الاعتبار ، فإنّ الآيات التي قبلها والتي بعدها تتحدّث عن أهل الكتاب ، فالآية التي قبلها هي :( وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ ) ، والآية التي بعدها هي :( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ ) ، مع أنّ اليهود والنصارى في ذلك العهد النبوي لم يكن لهم شأنٌ وخطر ، فهم ليس بأهل قوّةٍ ولا شوكةٍ ، ولا سطوة حتّى يخشى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله منهم ، إن هو بلّغ الإسلام ، فإنّ الإسلام عند نزول الآية قد أعزّه الله تعالى بقوّته ، وتمكّنت سطوته ، فلا معنى لخوف النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله من النصارى في تبليغ الإسلام ، وإذا كان الأمر كذلك ، فإنّ الآية تشير إلى تبليغ أعظم ، وأمر أخطر لم يألفه المسلمون ، وسيرتاب منه المنافقون ، ويتزعزع لعظم خطره أهل الجاه والدنيا ، وهذا الأمر هو تبليغ ولاية عليعليه‌السلام الذي لا يطيقه المنافقون ، والذين في قلوبهم مرض ، فإنّهم سيحاولون إلى التصدّي لجهودهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

لذا أخبره تعالى أنّه سيعصمك من خطر هؤلاء ومن مؤامراتهم ، مضافاً إلى أنّ الروايات من قبل الفريقين تؤكّد أنّ آية( بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ ) نزلت في تبليغ ولاية عليعليه‌السلام (١) ، ممّا يعني أنّ ترتيب الآيات وسياقها لا علاقة له بمعنى الآية وسبب نزولها.

لذا فلا عليك أن ترى تقدّم آية( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) على آية( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ) ، فإنّ روايات أهل السنّة والشيعة كُلّها متّفقة على نزولهما في تبليغ ولاية عليعليه‌السلام .

____________

١ ـ أُنظر : أسباب نزول القرآن : ١٣٥ ، شواهد التنزيل ١ / ٢٣٩ و ٢٤٩ و ٢٥٦ و ٣٥٣ و ٤٠٢ و ٢ / ٣٩١ و ٤٥١ ، الدرّ المنثور ٢ / ٢٩٨ ، فتح القدير ٢ / ٦٠ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٢٣٧ ، المناقب : ٧ ، ينابيع المودّة ١ / ٣٥٩ و ٢ / ٢٤٩ و ٢٨٥.

٤١٤

( أبو مهدي ـ ـ )

أحد الأدلّة على إمامة علي :

س : لقد ناقشت أحد إخواننا السنّة حول قضية الغدير ، والتي صرّح فيها الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بالولاية لعليعليه‌السلام ، فأجابني : بأنّ الموقف كان بيان من الرسول ليوضّح منزلة عليعليه‌السلام منه وحبّه ، والسبب الوحيد هو ليزيل ما في قلوب بعض الصحابة عليه ، ولو أراد خلافته فلم لم يصرّح بوضوح ، كأن يقول : يا أيّها الناس إنّ علياً إمامكم من بعدي ، وقد فرض الله طاعته عليكم.

فالرجاء إعطائي جواباً شافياً مع الشكر الجزيل.

ج : قد صرّح رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بإمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام من بعده في عدّة أحاديث ، من بداية الدعوة الإسلامية وإلى يوم الغدير ، ومن تلك الأحاديث :

١ ـ حديث الدار : عن علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، أنّه لمّا نزلت هذه الآية على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ) (١) : « دعاني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقال لي : يا علي ، إنّ هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم ، فاسمعوا له وأطيعوه »(٢) ، فهل تجد أصرح من هذه العبارة؟

٢ ـ حديث الولاية : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليعليه‌السلام : « أنت وليّ كُلّ مؤمن بعدي »(٣) ، أو : « أنت وليّ كُلّ مؤمن بعدي ومؤمنة »(٤) ، أو : « أنت وليّي في كُلّ مؤمن بعدي »(٥) .

____________

١ ـ الشعراء : ٢١٣.

٢ ـ تاريخ الأُمم والملوك ٢ / ٦٣ ، كنز العمّال ١٣ / ١١٤ ، شرح نهج البلاغة ١٣ / ٢١١ ، جواهر المطالب ١ / ٨٠ ، جامع البيان ١٩ / ١٤٩ ، شواهد التنزيل ١ / ٤٨٦ ، تفسير القرآن العظيم ٣ / ٣٦٤ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٤٩ ، السيرة النبوية لابن كثير ١ / ٤٥٩.

٣ ـ ذخائر العقبى : ٨٧ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٢٠ ، مسند أبي داود : ٣٦٠ ، خصائص أمير المؤمنين : ٦٤ ، المعجم الكبير ١٢ / ٧٨ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ١٩٩ ، الجوهرة : ٦٤ ، البداية والنهاية ٧ / ٣٨١ ، جواهر المطالب ١ / ٢١٢ ، ينابيع المودّة ٢ / ٨٦.

٤ ـ المستدرك ٣ / ١٣٤.

٥ ـ مسند أحمد ١ / ٣٣١ ، كتاب السنّة : ٥٥٢ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ١٠٢.

٤١٥

أليس هذا الحديث يدلّ على ثبوت الأولوية بالتصرّف لعليعليه‌السلام ؟ وهذه الأولوية مستلزمة للإمامة.

٣ ـ حديث الغدير : أخرج أحمد بن حنبل بسند صحيح وغيره عن زيد بن أرقم قال : نزلنا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بواد يقال له : وادي خم ، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « فمن كنت مولاه فإنّ علياً مولاه ، اللهم عاد من عاداه ، ووال من والاه »(١) .

فأثبت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في هذا الحديث لعليعليه‌السلام ما ثبت له من الأولوية بالناس من الناس ، أي من أنفسهم ، ثمّ إنّهم ـ أي الصحابة ـ جميعاً بايعوه على هذا ، وسلّموا عليه بإمرة المؤمنين ، وهنّؤوه ، ونظمت فيه الأشعار.

( هاشم ـ الكويت ـ ١٨ سنة ـ طالب جامعة )

المولى بمعنى الإمام لا المحب والنصير :

س : نشكركم على إتاحة الفرصة لنا بالاستفادة منكم ، أدام الله توفيقكم.

سؤالي هو : لماذا لا تكون عبارة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : « من كنت مولاه فهذا مولاه » دليلاً وقرينة على أنّ معنى « المولى » هو المحبّ والنصير؟

ج : إنّ هذه الشبهة هي محاولة منسوخة من قبل البعض لتأويل معنى « المولى » في حديث الغدير(٢) ، ولكنّها مردودة لوجوه :

منها : إنّ صدر الحديث لا يحتمل فيه هذا التوجيه ، إذ لا يعقل أن يأمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله الناس بالاجتماع والإصغاء إلى مجرّد معنى المحبّة والنصرة.

وبعبارة أُخرى : لدينا قرينة حالية صريحة بأنّ ذاك الاهتمام البالغ لا يتصوّر أن ينصب فقط لبيان كون عليعليه‌السلام محبّاً وناصراً ، لمن كان النبيّ محبّاً وناصراً له ، أو بمعنى : من أحبّني وتولاّني فليحبّ علياً وليتولّه.

____________

١ ـ مسند أحمد ٤ / ٣٧٢ ، البداية والنهاية ٧ / ٣٨٥.

٢ ـ شرح تجريد العقائد : ٣٦٨.

٤١٦

ومجمل الكلام : إنّ القرينة المقامية والحالية توجب رفع اليد عن معنى المحبّ والناصر للمولى في صدر الحديث ، بل وصرفه إلى معنى الأولوية على الأنفس التي هي الإمامة.

وأمّا تتمّة الحديث ، فلابدّ من لحاظها مع صدر الحديث لا بالاستقلال ، فيكون الدعاء الوارد في ذيل الحديث متوجّهاً إلى من قبل إمامة عليعليه‌السلام .

( أبو حسين ـ الكويت ـ )

بلّغ الرسول فيه لا في نفس الحجّ :

س : عندي سؤال حفظكم الله :

بالنسبة لواقعة غدير خم ، ما هو المغزى لتأخّر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بإبلاغ الناس عن ولاية الإمام علي عليه‌السلام ؟ لماذا لم يخطب بالناس في الحجّ؟ مع أنّ الناس هناك كانوا أكثر؟ أفيدوني.

ج : إنّ الوحي الإلهي لا يخضع في أصل وجوده وكيفية نزوله للعقل البشري ، لأنّ دوره هو هداية الإنسان ، فلا يقع تحت شمول القواعد والتحليلات العقلية.

وفي المقام ، لا يسعنا التكهّن بمصلحة مكان وزمان واقعة الغدير ، بل وحتّى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان قد تعبّد فيهما ، فعندما نزل الوحي وقرأ جبرائيلعليه‌السلام آية التبليغ ، انصدع الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله لأمر السماء ، وبلّغ ما أمر به ، ولم يتقدّم أو يتأخّر في تنفيذه.

فالمهم في الموضوع : أن نرى تواتر حديث وواقعة الغدير ، فإنّها ـ بحمد الله تعالى ـ مسجّلة في أُمّهات مصادر الفريقين ، ولم ولن يستطيع المناوئون إخفاء فضائل أهل البيتعليهم‌السلام أو تضييعها ، فأصل الحادث أمر مسلّم ، وأمّا حكمة إبدائه في ذلك المقطع من الزمان والمكان فيه شيء آخر ، قد يذكر له وجوه استحسانية ، فلا يهمّنا معرفتها بعد أن تيقّنا أصل الواقعة.

٤١٧

ثمّ إنّ مدلول حديث الغدير هو إمامة أمير المؤمنين عليعليه‌السلام ، وهذا المعنى جاء في حديث الثقلين ، ثمّ إنّ حديث الثقلين قد ورد في عدّة أمكنة ، منها : في حجّة الوداع عند زمزم(١) ، وفي عرفات(٢) ، وفي مسجد الخيف(٣) .

فترى أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قد بلّغ في أزمنة وأمكنة متعدّدة ـ قبل وبعد الغدير ـ ولاية الإمام عليعليه‌السلام ، وأمّا خصوصية الغدير فتكمن في نزول آية التبليغ والإكمال فيها ، وبيعة المسلمين الذين حضروا المشهد بأجمعهم مع أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وهذه المسألة فريدة في نوعها في تثبيت إمامة الإمام عليعليه‌السلام والتأكيد عليها.

( سعد ـ الكويت ـ )

تحقيق حول معنى المولى :

س : أهل السنّة يقولون : إنّ كلمة مولاه لا تعني أولى بالشيء ، ويقولون : تعني النصرة والمحبّة ، ويستندون بآية( فَإِنَّ الله هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ) (٤) فكيف نردّ على هذه الآية؟

ثمّ هل هناك فرق بين كلمة مولى وكلمة والي وكلمة أُولي؟ ولماذا لم يقل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في الغدير أُولي؟ وشكراً.

ج : إنّ الولاية التي نؤمن بها هي : الإمامة والإمارة ، والسلطة الدينية والدنيوية ، وقيادة الأُمّة بعد نبيّهاصلى‌الله‌عليه‌وآله على الصراط المستقيم ، والمحجّة البيضاء ، والحفاظ على الإسلام والمسلمين.

____________

١ ـ تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٠٩.

٢ ـ الجامع الكبير ٥ / ٣٢٨ ، المعجم الأوسط ٥ / ٨٩ ، المعجم الكبير ٣ / ٦٦ ، سبل الهدى والرشاد ١١ / ٦ ، نظم درر السمطين : ٢٣٢ ، ينابيع المودّة ١ / ١٠٩ و ١٢٥.

٣ ـ ينابيع المودّة ١ / ١٠٩.

٤ ـ التحريم : ٤.

٤١٨

وقد عبَّر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عن هذه الولاية بعدّة ألفاظ منها : « ولي ومولى » ، وهذين اللفظين قد صحّحهما أهل السنّة أيضاً ، ووردت بألفاظٍ أُخرى عند الفريقين ، ولكن أهل السنّة ضعّفوها ، مثل لفظ : « خليفة وأمير و... ».

وأمّا النقاش في اللفظين الصحيحين عند الفريقين ، فهما بالاتفاق بمعنى واحد ، وهو الولاية ، قال الفرّاء : والوليُّ والمولى واحدٌ في كلام العرب.

قال أبو منصور : من هذا قولُ سيّدنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «أيُّما امرأة نكحتْ بغير إذن مولاها » ، ورواه بعضهم : «بغير إذن وليِّها » لأنّهما بمعنى واحد.

وروى ابن سلام عن يونس قال : ومنه قول سيّدنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « من كنت مولاه فعلي مولاه » أي : مَنْ كنت وليُّه.

قال الزجاج : والولاية التي بمنزلة الإمارة مكسورة والوليُّ : ولي اليتيم الذي يلي أمره ، ويقوم بكفايته ، وولي المرأة : الذي يلي عقد النكاح عليها ، ولا يدعها تستبد بعقد النكاح دونه.

وقال ابن منظور : وليّ : في أسماء الله تعالى : الوليُّ هو الناصر ، وقيل : المتولّي لأُمور العالم والخلائق القائم بها ، ومن أسمائه عزّ وجلّ : الوالي ، وهو مالك الأشياء جميعها المتصرّف فيها.

وقال ابن الأثير : وكأنّ الولاية تُشعر بالتدبير والقدرة والفعل ، وما لم يجتمع ذلك فيها لم يطلق عليه اسم الوالي(١) .

ومن هذا القول الأخير لابن الأثير تعلم الردّ على أهمّ إشكالاتهم حول الولاية ، بأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يجب عليه أن يقول « والي» ، وليس ولي أو مولى.

فاشتراط الفعل والقدرة على الولي كي يسمّى والياً ، غير متوفّر في الإمام عليعليه‌السلام في زمان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهوصلى‌الله‌عليه‌وآله على قيد الحياة ، فهوعليه‌السلام لم يعمل ، ولم يباشر بالولاية في زمان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أبداً ، وهذا ما أشار إليه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في بعض الروايات بقوله : «بعدي ».

____________

١ ـ لسان العرب ١٥ / ٤٠٦.

٤١٩

وفي البعض الآخر قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « تركت فيكم » ، وفي حديث الغدير قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « يوشك أن يأتيني رسول ربّي عزّ وجلّ فأُجيب ، وإنّي مخلّف فيكم الثقلين »(١) .

وروي عن أبي هريرة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « ما من مؤمن إلاّ وأنا أولى الناس به في الدنيا والآخرة اقرؤا إن شئتم : النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ »(٢) .

فهذا البيان كُلّه قد قرَّره أهل اللغة ، وهو المرجع الذي سوف نفهم الآيات الكريمة ، والأحاديث الشريفة على أساسه ، ونرى ما إذا دلّت على ذلك.

فبعد أن رأينا أنّ لفظة « ولي أو مولى » تأتي في اللغة بمعان عديدة ، منها ما ندّعيه هنا في هذا المقام ، وكذلك تدلّ على معانٍ عدّة أُخرى ، فيشترط أهل اللغة والعقل والعلم الشرعي : بأنّ اللفظ المشترك بين معانٍ متعدّدة ، يسمّى مشتركاً لفظياً ، ولا يجوز استخدامه في أيّ معنى من المعاني ، حتّى تنصب له القرينة الدالّة ، والمحددة للمعنى الذي يريده المتكلّم.

ولدينا على إثبات مدّعانا قرائن عديدة ، منها حالية ، ومنها مقالية ، نذكر أهمها :

١ ـ القرائن الحالية : وهي اختيار النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله غدير خم ـ ذلك المكان الذي يعتبر مفترق الطرق بين مكّة والمدينة ـ وبعد الحجّ ، بل بعد حجّة الوداع التي دعا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله المسلمين كافّة للتشرّف بحضورها ، حتّى حضر معه مائة ألف مسلم أو أكثر ، وهذا المكان منه يفترق المسلمون للرجوع إلى ديارهم ، وهو أقرب نقطة على كلّ أحد من الجهات المختلفة للبلاد الإسلامية.

فهو آخر مكان يمكن فيه اجتماع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بأكثر المسلمين في ذلك الوقت ، قبل الافتراق والرحيل إلى الرفيق الأعلى.

____________

١ ـ مسند أحمد ٤ / ٣٦٧ ، صحيح مسلم ٧ / ١٢٢ ، السنن الكبرى للبيهقي ٢ / ١٤٨ ، الجامع الصغير ١ / ٢٤٤ ، كنز العمّال ١ / ١٧٨ ، دفع شبه التشبيه : ١٠٣.

٢ ـ صحيح البخاري ٦ / ٢٢ ، السنن الكبرى للبيهقي ٦ / ٢٣٨ ، جامع البيان ٢١ / ١٤٧ ، تفسير القرآن العظيم ٣ / ٤٧٦ ، الدرّ المنثور ٥ / ١٨٢.

٤٢٠

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

( أمريكا ـ ـ )

كيفية التدريس ومنح الألقاب في الحوزة :

س : أنا شاب من اليمن أدرس في الولايات المتحدة ، عندي سؤال أتمنّى من الله أن تجيبوني عليه : كيف تتمّ طريقة التدريس في الحوزات العلمية؟ وكيف يتمّ اعتماد المراتب والألقاب مثل : حجّة الإسلام ، وآية الله العظمى ، وما هي معاني تلك الصفات؟

ج : لاشكّ بأنّ الدراسة الحوزوية تجتمع مع الدراسة الأكاديمية في بعض النقاط ، وتختلف عنها في نقاط أُخرى ، ونذكر هنا بعض النقاط التي تتميّز بها الدراسة الحوزوية :

١ ـ للطالب الحرّية الكاملة في انتخاب الأُستاذ الذي يريده ، والمادّة الدراسية ، حسب مقرّرات خاصّة ومواد معيّنة.

٢ ـ لا يقيّم الطالب بالامتحان فحسب ، وإنّما يقيّم من خلال دراسته ومباحثته ، ومناقشته وتدريسه.

٣ ـ تقوم الدراسة في الحوزة على شكل حلقات غالباً.

٤ ـ مناقشة الأُستاذ في كُلّ جزئية وبكُلّ حرّية.

٥ ـ تعتمد الدراسة في الحوزة على أسلوب طرح الموضوع والفكرة من قبل الأُستاذ ، ثمّ مناقشته من قبل الطلبة ، ثمّ مباحثة الطلبة فيما بينهم لهضم المادّة ، ثمّ مراجعة الأُستاذ بعد ذلك.

٦ ـ تعتمد الدراسة في الحوزة على مطالعة مسبقة على الدرس ، ثمّ الحضور في الدرس ، ثمّ مطالعة ملحقة بعد الدرس وتقييد النقاط الغامضة ، ثمّ السؤال من الطالب الآخر ، أو الرجوع إلى الأُستاذ.

٧ ـ إنّ التدريس في الحوزة مبنيّ على اللياقات الموجودة عند الأُستاذ ، وليس على منح درجات أو رتب ، وأمثال ذلك.

٥٢١

وأمّا بالنسبة إلى مسألة الألقاب والمنح في الحوزة ، فهي مسألة اعتبارية تمنح نتيجة لدراسات معيّنة من أهل الخبرة ، فلا تقبلوها من كُلّ أحد ، لأنّها قد تمنح بلا حقّ.

ولا يخفى عليكم أنّ هذه الألقاب ليس لها مداليل واقعية ، يعني عندما نلقّب هذا بآية الله ، ليس معناه أنّ الآخر أو الآخرين ليسوا بآية من آيات الله ، ولكن لقّب هذا بآية الله باعتبار تبنّى بعض المسائل الفقهية والأُصولية ، ودرس ودرّس وباحث لمدّة مطوّلة.

( حيدر النور ـ كندا ـ ٣١ سنة ـ طالب إعدادية )

مقوّمات شخصية الإنسان :

س : من أين تتكوّن شخصية الإنسان؟ هل من الوالدين أو من الثقافة؟

ج : إنّ تكوّن شخصية الإنسان تتقوّم على أُسس وخطوط عريضة هي : عالم النطفة والخلق ، وأجواء البيت والأُسرة ، والثقافة العامّة المتداولة في الوسط الاجتماعي المحيط به ، التي تشمل حتّى مجالات التعليم والتعلّم ، ومستوى ثقافة المعلّم ، وحقّ الاختيار الدائم والمستمر في جميع هذه المراحل.

وباختصار : هذه كُلّها ممّا تكوّن شخصية كُلّ إنسان في التقدير الإلهي لخلقه.

نعم ، مع فرض وجود النقص في كُلّ من الجوانب المذكورة ، يمكن للإنسان أن يعوّضه في مجال آخر منها ، وحينئذٍ لا تفرض حالة شخصية غير قابلة للتغيير ، وعليه يجب أن يسعى الإنسان لتحسين شخصيّته وتصحيحها دائماً نحو الأفضل والأكمل.

( علي العلي ـ الكويت ـ )

أسباب ثورة الزنج :

س : ما هي أسباب ثورة الزنج؟ ومن قام بها؟ وفي أيّ زمن حصلت؟

٥٢٢

ج : نقلت كتب التاريخ : أنّ ثورة الزنج دامت نحواً من أربع عشرة سنة « ٢٥٥ ـ ٢٧٠ هـ = ٨٦٩ ـ ٨٨٣ م » ، والذي قاد هذه الثورة على الأشهر هو علي بن محمّد ابن أحمد بن علي بن عيسى بن زيد بن الإمام علي زين العابدينعليه‌السلام .

والسبب الرئيسي لهذه الثورة هو ما كان يعانيه الزنج من الفقر والحرمان والبؤس ، وللمزيد من الإطلاع راجع :

١ ـ شرح نهج البلاغة ٨ / ١٢٦.

٢ ـ تاريخ الأُمم والملوك ٧ / ٥٤٧.

٣ ـ الكامل في التاريخ ٧ / ٢٠٥.

٤ ـ ثورة الزنج للدكتور فيصل السامر.

( علي عدنان العلي ـ الكويت ـ )

الفرق بين العلم الحصولي والحضوري :

س : هناك من يقول أنّ العلم الحصولي لا ينفكّ عن العلم الحضوري ، بل هما متلازمان ، مثلاً : الجهاز الذي أمامي هو علم حصولي ، وصورته علم حضوري ، والعلم الحضوري مقتصر على الأحاسيس والشعور وما شابه ، ما مدى صحّة هذه المقولة؟

ج : هناك فرق بين العلمين في المنشأ ، ينبغي التنبّه له : فما كان صورته المنتزعة بأدوات الإحساس هي الحاضرة عند العالم ـ دون وجوده الخارجي ـ فهو علم حصولي والصورة المذكورة هي المعلومة بالذات ، وفي نفس الوقت واسطة لمعرفة ذلك الوجود الخارجي.

وما كان وجوده حاضراً ومعلوماً عند العالم من دون توسيط شيءٍ أو صورة ، فهو علم حضوري ، كعلم الإنسان بنفسه.

فإن قال قائل : إنّ العلم في هذا المثال أيضاً حصولي.

قلنا : بأنّ هذا التوهّم باطل ، إذ العلم الحصولي يحتاج إدراكه إلى توسيط صورة تدلّ على الوجود الخارجي ، فلو قلنا بهذا في المثال المذكور يلزمنا تعيين صورة دالّة

٥٢٣

على الإنسان عند نفسه ، ثمّ نبحث عن نوعية العلم لهذه الصورة ، فلو كان العلم لها حضوري ثبت المطلوب ، وإن قلنا بأنّه حصولي يحتاج هذا الآخر لمعرفته إلى صورة ذهنية أُخرى ، وهلّم جرّاً يتسلسل الأمر ، والتسلسل واضح البطلان.

فالحلّ : أن نقطع السبيل ونجزم بوجود نوع من العلم لا يحتاج في إدراكه إلى صورة توسيطية ، بل إنّه مجرّد حضور المعلوم والمدرَك عند العالم والمدرِك ، وهو الذي يسمّى بالعلم الحضوري ، ويختلف جذريّاً مع العلم الحصولي.

( السيّد الموسوي الساري ـ البحرين ـ )

الدليل العقلي على التمسّك بالإسلام :

س : ما هو الدليل العقلي على لزوم التمسّك بالدين الإسلامي ورفض بقية الديانات؟

ج : إنّ الدليل العقلي على لزوم التمسّك بالدين الإسلامي دون بقية الأديان هو بالكمال ، بمعنى أنّ العقل يقدّم الشيء الكامل والفاضل على الشيء الناقص والمفضول ، باعتبار تقديم الكامل عدل ، والعدل حسن عقلاً ، كما أنّه يقبح عقلاً تقديم الناقص على الكامل مع وجود الكامل ، باعتبار تقديم الناقص حينئذ ظلم ، والظلم قبيح عقلاً ، فتقديم الكامل من الحُسن العقلي.

ومن المعلوم : أنّ الدين الإسلامي هو خاتم الأديان وآخرها ، فلابدّ وأن يكون أكملها وأجمعها لجميع جوانب حياة الإنسان وأبعاده ، وممّا يدلّ على كماله الروايات الشريفة والآيات المباركة ، منها : قوله تعالى :( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ) (١) .

إذاً ، العقل يلزمنا أن نختار الدين الإسلامي باعتباره الدين الكامل ، كما يحكم أنّ المتأخّر ينسخ المتقدّم ، وأنّ في الثاني ما في الأوّل ولا عكس ، فإنّ الاثنين يضمّ الواحد ولا عكس ، كما هو واضح.

__________________

١ ـ المائدة : ٣.

٥٢٤

وبمثل هذه الملاكات العقلية يقدّم الدين الإسلامي على غيره عقلاً ، كما يقدّم نقلاً ، فإنّ الشرائع السماوية الأُخرى ، أخبرت بظهور الدين الإسلامي ، وأنّه خاتم الشرائع السماوية ، كما أنّ نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله خاتم الأنبياءعليهم‌السلام .

( علي العلي ـ الكويت ـ )

الطريق إلى معرفة الثقافة الإسلامية :

س : ما هي الطريقة لتكوين ثقافة إسلامية؟ وما هي الكتب المهمّة في هذا المجال؟

ج : إنّ سؤالكم مركب من كلمتين : ثقافة وإسلامية ، فالثقافة لوحدها لا تكون كاملة ما لم تضاف إلى الكلمة الثانية « إسلامية » ، فيمكننا أن نعرّف الثقافة بالعلم بالشيء والعمل به ، العلم بالتعاليم الإسلامية ، والعمل بهذه التعاليم ، هو الذي يخلق عند الإنسان ثقافة إسلامية ، فإذا عرفنا الإسلام بمفاهيمه الصحيحة وعملنا بها ـ إذ أنّ للإسلام تعاليم وقوانين في جميع المجالات ـ حصلت لنا ثقافة إسلامية.

وبما أنّ الإسلام لم يصلنا بالصورة المتكاملة إلاّ عن طريق أهل البيتعليهم‌السلام ، وأهل البيت أدرى بما في البيت ، وقد نقلوا الصورة الصحيحة للإسلام ومفاهيمه ـ كما نزل به جبرائيل الأمين على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ فالرجوع إلى كلامهم للوصول إلى ثقافة إسلامية يكون ضرورياً لكُلّ طالب حقّ وحقيقة.

ومن الكتب التي ننصحكم بقراءتها كتاب : « التكامل في الإسلام » لأحمد أمين ، وكتب الشيخ محمّد جواد مغنية ، والسيّد شرف الدين ، والشيخ المظفر ، والشيخ كاشف الغطاء.

٥٢٥

( أمير أحمد ـ أمريكا ـ ١٦ سنة ـ طالب )

الكافر يكافأ في الدنيا على أعماله الإيجابية :

س : هل يثاب أديسون ـ مخترع الكهرباء ـ على خدمته الفاضلة للبشرية من قبل الله تعالى؟ بالرغم من أنّه ـ كما تعرفون ـ لم تكن نيّته قربة إلى الله تعالى ، وحفظكم الله تعالى.

ج : تدلّ العمومات التي وردت في بعض الروايات : بأنّ الكافر يكافأ في هذه الدنيا على أعماله الإيجابية ، التي خدمت النوع البشري ، حتّى لا يبقى له حقّ في الآخرة ، ويؤيّده حكم العقل بعدم ضياع عمله ، وإن كان كافراً( وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ ) (١) .

نعم ، هناك بعض الروايات تفيد : بأنّ الكفّار القاصرين الذين لم تصل إليهم الأدلّة ، ولم يكونوا معاندين ، موكلون في الحكم عليهم في الآخرة إلى الله تعالى ، وعبّرت عنهم ـ هذه الروايات ـ بالمستضعفين والمرجوّين لشمول رحمة الباري لهم.

( محمّد حسام ـ سوريا ـ ٣٢ سنة ـ طبيب أسنان )

تشخيص الحقّ من الباطل بالعقل :

س : ألا تعتقدون بأنّ كُلّ واحد في هذه الأرض يعتبر نفسه أنّه الأقرب إلى الأصحّ؟ فما هي الآليات العملية التي يمكن أن نطبّقها للوصول إلى إقناع الطرف الآخر؟ بأنّه يمكن أن يكون بعيداً عن الحقّ ، طبعاً أتكلّم من وجهة الفهم النبوي لشريعة الله على الأرض ، وشكراً لكم.

ج : إنّ الآلية الوحيدة ـ في نقطة الصفر ـ للبحث عن الحقّ والحقيقة هو العقل ، والاعتماد على الدليل مهما كانت نتائجه ، ويؤيّده ما ورد في أحاديث الشيعة :

__________________

١ ـ فصلت : ٤٦.

٥٢٦

أنّ أوّل ما خلق الله هو العقل(١) ؛ ولا يخفى أنّ في كُلّ موضوع حقّ وباطل ، فالدليل القوي والمتين يكون مع الحقّ ويردّ الباطل ، فلا مجال لتوهّم وجود دليلين أساسيين لصالح الحقّ والباطل على حدّ سواء ، بل كُلّ ما في الأمر أنّ للباطل شبهات يخيّل أنّها دلائل ، ولكن عندما تعرض وتقاس بأدلّة الحقّ ، تنكشف زيفها ، فللباطل جولة ، ولكن للحقّ دولة.

فالمهمّ في هذا المجال : أن يدرس أدلّة كُلّ مدّع للحقّانية في قبال أدلّة الآخرين ـ ولا يكفي مجرّد ادّعائه هذا المقال ـ حتّى يحصحص الحقّ من خلاله ، ثمّ( فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ ) (٢) .

( أحمد ـ فلسطين ـ سنّي )

لابدّ من معرفة من نحبّ :

س : أنا أحبّ الشيعة لأنّهم أكثر المسلمين ثورة على الظلم.

ج : الحبّ له مراحل ، لابدّ من تخطّي هذه المراحل لأجل الوصول إلى الحبّ الحقيقي ، ومن أهمّ مراحل الرقي في الحبّ معرفة من نحبّ.

وبعد هذه المقدّمة ندعوك لمعرفة الشيعة الذين تحبّهم ، والتشيّع الذي يعتقدون به ، لا ندعوك لأن تتشيّع!! بل ندعوك لأن تعرف الشيعة والتشيّع ، وتعرف أدلّتهم من كتبهم ، لا من كتب خصومهم.

( بنت العفاف ـ البحرين ـ )

معنى تجرّد الروح :

س : هناك اختلاف بين المحقّقين وعلماء الكلام في قضية تجرّد الروح ، أرجو من حضرتكم التوضيح مع التفصيل ، وهل المجرّدات تتعرّض للفناء؟

__________________

١ ـ شرح نهج البلاغة ١٨ / ١٨٥ ، من لا يحضره الفقيه ٤ / ٣٦٩.

٢ ـ يونس : ٣٢.

٥٢٧

ج : هذه المسألة طرحت من زمن أفلاطون وأرسطو.

فأفلاطون كان يقول : إنّ الروح جاءت من عالم المجرّدات والمثل ، وما وراء الطبيعة ، وحلّت في الإنسان ، وهي كالطائر في القفس تريد الخلاص منه ، وسبب حلولها في البدن معصيتها ، فحبسها الله في البدن

أمّا أرسطو يخالف أفلاطون ويقول : إنّها مع كونها مجرّدة ، ولكنّها تخلق مع البدن.

هذا خلاصة ما قيل حولها ، ولمّا وصلت إلى يد العرفاء قالوا : إنّ الإنسان له جسد ونفس وروح ، أمّا الروح فهي إلهية ، كما في قوله تعالى :( وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي ) (١) ، وأمّا النفس فهي صاحبة الأهواء والغرائز ، لكنّها تتكامل شيئاً فشيئاً ، إلى أن تصل إلى مرحلة النفس المطمئنة ، وتتّحد مع الروح.

وأمّا الحكماء والفلاسفة فلا يفرّقون بين الروح والنفس ، وجعلوهما شيئاً واحداً ، وهي مع كونها مجرّدة لكنّها ناقصة ، وتتكامل شيئاً فشيئاً.

والمجرّدات لا تفنى ، لأنّ الفناء خاصّ بالمادّيات ، وما ليس بمادّي لا فناء له.

طبعاً هذه المسألة طرحت في الغرب من زمن ديكارت ، وأختلف الفلاسفة فيها ، فقسم منهم ـ وهم الإلهيون ـ يعتقدون بالفصل التامّ بين الروح والجسد ، ويقولون : إنّ بينهما تنافراً ولا يلتقيان ، وقسم منهم ـ وهم المادّيون ـ لا يعتقدون بهذا ، بل يقولون بمادّية الروح أو النفس ، وانعدامها بعد الموت.

( عبد المنعم ـ البحرين ـ )

محاسبة النفس :

س : كيف يحقّق المسلم رضا نفسي عمّا يفعله من أفعال ركنية أو واجبة أو مستحبّة بحيث تحقّق رضا الله عنه؟

__________________

١ ـ الحجر : ٢٩.

٥٢٨

ج : قال تعالى :( يُنَبَّأُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ) (١) .

هذه الآيات وإن كانت حاكية عن الوضع في يوم القيامة ، إلاّ أنّنا يمكن أن نستفيد منها في عالمنا هذا ـ عالم الحياة الدنيا ـ إذ أنّ الإنسان يوم القيامة ينبأ ، وفي عالم الدنيا يستطيع أن يستخبر من نفسه حقائق الأُمور ، من دون لفّ ودوران ، ليعلم أنّ أعماله هل هي خالصة لله تعالى أم يشوبها الشرك؟ وكذلك هل استتبع أعماله أو يستتبعها منّةً وحسابات أُخرى أم لا؟

ولهذا العمل في الحياة الدنيا ، واستخبار الإنسان لنفسه ، يسمّى بمحاسبة النفس ، التي ورد في الحثّ عليها الروايات الكثيرة.

فيعيّن الإنسان وقتاً بين الحين والآخر ، يخلو فيه مع نفسه ، ويحاسبها على جميع أعماله ، فما شاهد منها الخير والإخلاص حمد الله وسأله أن يزيده منها ، وما رأى غير ذلك استغفر الله وصمّم على أن لا يعود.

( نورة إبراهيم ـ البحرين ـ )

معنى كلمة الحلوليون :

س : ما معنى كلمة الحلوليون؟

ج : تطلق كلمة الحلوليون على القائلين بأنّ الله تعالى حلّ في الأجسام ، أو حلّ في جسم معيّن ، ولهذا سمّوا بهذا الاسم ، وفي تعريف هذا المصطلح من المعاني الفلسفية ما يصعب فهمه على الجميع.

( إبراهيم ـ فلسطين ـ )

حول الوطنية والقومية والديمقراطية :

س : ما هو تعريفكم للوطنية والقومية والديمقراطية؟

__________________

١ ـ القيامة : ١٣ ـ ١٥.

٥٢٩

ج : نحن لا ننفي الوطنية والقومية والديمقراطية بالكُلّية ، ولا نؤيّدها مطلق التأييد ، بل نحن مع القومية والوطنية والديمقراطية ـ بمعناها اللغوي ـ الشرعية ، بمعنى أن نكون معها مادامت لا تخالف النصوص الدينية ، ونكون ضدّها إذا خالفت النصوص الدينية.

( عبد الحليم نواصر ـ الجزائر )

المرجعية أولت اهتماماً لقضية فلسطين :

س : اقتراحي يتمثّل في التكثيف من المسائل التي توحّد المسلمين حول القضية الفلسطينية.

ج : المرجعية الشيعية أولت اهتماماً كبيراً لقضية فلسطين ، وأصدر مراجع الدين بياناتهم وابدوا فيها عن استنكارهم ، وأوصوا الأُمّة الإسلامية بالتماسك والوحدة لأجل الدفاع عن الفلسطينيين ، ولا زالت الشيعة في أنحاء العالم وعلى رأسهم حزب الله الذي دعمته المرجعية الشيعية ، بل أحد المصاديق الخارجية لتلامذة المرجعية الشيعية ، لازالوا هم السبّاقين في التضحية والفداء.

( ـ ـ )

توضيح عن الديمقراطية والوطنية والقومية :

س : أُريد توضيحاً عن الديمقراطية والوطنية والقومية إذا أمكن ، وشكراً.

ج : الديمقراطية تعني الحرّية ، والحرّية تارة تكون للفرد وأُخرى للمجتمع ، والديمقراطية المطلقة والتي لا تتقيّد بأيّ قيد غير مقبولة عند الشارع المقدّس ، بل الديمقراطية المقيّدة ـ التي تحفظ كرامة الإنسان والمجتمع ، ولا تتعدّى الحدود التي رسمها الشارع ـ هي المقبولة عند الشارع.

وأمّا الوطنية والقومية ، فهما اصطلاحان منتزعان من الوطن والقوم ، والمراد منهما : أن يتعصّب كُلّ إنسان لقومه ووطنه ، وهذا أيضاً بإطلاقه غير صحيح

٥٣٠

عند الشارع ، لأنّ التعصّب للقوم والوطن يسبّب ضياع حقوق الآخرين ، ويزيغ الإنسان عن العدل والحقّ ، ولكن القومية والوطنية إذا حدّدتا وقيّدتا بضوابط عقلية وشرعية فإنّهما سيكونان مقبولان شرعاً وعقلاً.

( عبد السلام ـ المغرب ـ )

التشبّه بالكفّار حرام :

س : الإخوة الأفاضل القائمين على هذا الموقع : هل النهي عن التشبّه بالكفّار وارد في الفقه الإمامي؟ هل بالإمكان إيراد بعض الأمثلة المنهي عنها؟ وجزاكم الله خيراً.

ج : نعم ، التشبّه بالكفّار وارد في الفقه الإمامي وهو حرام ، وتشخيصه يرجع إلى العرف الذي يحكم بأنّه تشبّه بالكفّار.

( ريما الجزيري ـ البحرين ـ )

حقوق الناس وإبراء ذمّتهم :

س : أُريد أن أشكركم على جهودكم البنّاءة لخدمة وبناء هذا المجتمع.

طالما رددت في أحد الأدعية : « وقد خفقت أجنحة الموت عند رأسي وقد نزلت منزلة الآيسين من خيري فمن يكون أسوأ حالاً منّي » ، وتفكّرت فيها كثيراً جدّاً.

ولكن السؤال هو : أنّ الله سبحانه رحيم ، ورحمته وسعت كُلّ شيء ، أي أنّ الله ممكن أن يغفر لنا ذنوبنا التي تتّصل به ـ كالأحكام الفقهية من صلاة وصوم و ـ ولكن ماذا عن حقوق الناس؟ فما هي حقوقهم؟ وكيف التكفير عنها عند ظلم أي إنسان؟ وإذا كان هناك تعذّر من الوصول إليه ـ لسبب من الأسباب ـ فما العمل؟ وهل من اللازم عند براءة الذمّة ذكر الظلم الذي وقع على هذا الإنسان؟ أعينوني أعانكم الله.

٥٣١

ج : الإنسان عليه أن يبقى دائماً يعيش حالة الخوف والرجاء ، الخوف من جهنّم ، ورجاء رحمة الله تعالى ، لمّا يقرأ آيات الرحمة والغفران يحصل له الرجاء ، ولمّا يقرأ آيات العذاب وجهنّم يحصل له الخوف.

وأمّا حقوق الناس ، فهي على قسمين : مادّية ، ومعنوية.

أمّا المادّية ، فيجب على كُلّ إنسان غصب حقّاً من مال أو عين أو تصرّف بأموال غيره ، أو تسلّط عليها ، فيجب أن يرجع كُلّ شيء ليس له إلى أهله.

وأمّا المعنوية ، كالغيبة والافتراء على الآخرين و ، فإنّه يجب أن يستميحه في هذه الحياة الدنيا ويبرأ ذمّته ، وإن كان هناك تعذّر من الوصول إليه فيستغفر له ، ويتصدّق عنه عسى أن ينفع يوم لا ينفع مال ولا بنون.

( أبو الزين ـ الأردن ـ )

الحسن والقبح العقليين :

س : في موضوع الحُسن والقبح يعقّب صديقي قائلاً : وأمّا وصف الأفعال بالقبح والحسن ، فإننا لا ننكر أنّ العقل يقبّح ويحسّن بعض الأُمور ، لكن لا مدخلية له في تقبيح أفعال يترتّب عليها حساب ، وتحسينها التي هي محلّ التكليف الشرعي ، بل الشرع هو الذي يحسّن ويقبّح الأفعال ابتداءً دون مدخلية للعقل فيها ، وإلاّ فكيف تفرّون من إباحة شرب الخمر ثمّ تحريمها؟

وأين العقل من هذا؟ أو كذلك إباحة زواج الأخت في الشرائع السابقة؟ هل حقّاً أنّ الأشاعرة لا ينكرون أنّ العقل يقبّح ويحسّن بعض الأُمور؟ وهل يطرد ذلك مع قواعدهم؟

ج : الذي ينبغي أن يقال : هو أنّ العقل بعدما يحكم في كُلّ مورد ، يرى الملازمة أيضاً بين هذا الحكم وحكم الشارع ، نعم لو لم يدرك العقل الملازمة المذكورة تماماً في موضوعٍ ما لم يحكم بوجود الحكم الشرعي في ذلك المجال.

٥٣٢

وبعبارة أُخرى : لو أدرك العقل العلّية التامّة بين الأفعال ومواصفاتها من الحُسن والقبح ، فحينئذٍ يحكم بتحسين أو تقبيح الشرع لها ، وإلاّ فلا.

وممّا ذكرنا يظهر عدم ورود النقوض المذكورة ـ إباحة شرب الخمر وزواج الأُخت ـ فإنّ العقل لم يحكم بالبداهة على حرمة الموردين بدون معونة الشرع ، أي أنّ العقل لا يستقلّ في حصول الضرر الذي يبلغ حدّ الضرر المحرّم ، وأن كان يعلم بالضرورة بوجود الضرر بنحو الموجبة الجزئية ، وهذا المقدار لا يكفي في حكم العقل بالتحسين والتقبيح ، ومن ثمّ الحكم بالملازمة على حكم الشرع في المجالين.

وأمّا الأشاعرة ، فلا يرون للعقل دوراً في الحكم بالحسن والقبح ، وإنّما دوره ينحصر في دركه لهما ، فلا مجال لتوغّل العقل في حوزة معرفة حكمة الأحكام وغيرها ، فمثلاً لا يرى الأشعري قبحاً في ايلام الأطفال ، أو عذاب المؤمنين وإدخالهم النار ، أو إدخال الكافرين الجنّة(١) .

وهي كما ترى أحكام مناقضة للعقل بالبداهة ، فلا تتصوّر في ساحة الباري تعالى.

( أحمد ـ ـ )

تسمية المولود بيد الزوج :

س : هل للزوجة أن تسمّي المولود بخلاف رضا الزوج؟ في حال اختلاف الآراء ، هل للزوجة الحقّ في التصرّف بالتسمية على اعتبار المشقّة والأذى الحاصل من الحمل والولادة؟ وفي حال عدم الاتفاق على التسمية ، فما هو المترتّب على الزوجة والزوج عمله؟

ج : إنّ الأمر في هذه المسألة سهل ، ويمكن الوصول إلى حلّ ، بالأخصّ إذا كانت العلاقة الزوجية مبتنية على المحبّة والتفاهم ، فلا مجال لأمثال

__________________

١ ـ اللمع في أُصول الفقه : ١١٦.

٥٣٣

هكذا اختلافات بسيطة لتكدّر العيش السعيد الذي يسعى إليه كُلّ زوجين صالحين.

ولكن ، إن كان ولابدّ ، فإنّ الشارع المقدّس ، وحسماً للنزاع ، فإنّه يكون قول الزوج هو المقدّم ، وذلك من باب :( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء ) (١) .

( محمّد علي حسن ـ البحرين ـ )

التوبة وشروطها :

س : هل الإنسان إذا فعل أشياء غير أخلاقية هل يقبل الله توبته؟ وشكراً.

ج : علّمنا أئمّتناعليهم‌السلام أن نكون دوماً بين الخوف والرجاء ، رجاء رحمة الله تعالى ، والخوف من عقاب الله تعالى ، والآيات القرآنية والأحاديث الشريفة تؤكّد على( إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء ) (٢) ، ولكن بشرط أن تكون توبة حقيقية لا يعود بعدها إلى الذنب وفعل القبيح( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا ) (٣) .

وإذا كان للناس عليه حقّ أن يتخلّص منه ، ويرجع إلى كُلّ ذي حقّ حقّه ، حتّى أنّه ورد عن الأئمّةعليهم‌السلام :( إنّ من أكبر الكبائر عند الله اليأس من روح الله ) (٤) .

( هادي ـ البحرين ـ )

الفرق بين الاحتمال والمُحتمل :

س : ما الفرق بين الاحتمال والمُحتمل؟

__________________

١ ـ النساء : ٣٤.

٢ ـ النساء : ٤٨.

٣ ـ التحريم : ٨.

٤ ـ الكافي ٢ / ٥٤٥.

٥٣٤

ج : الاحتمال : هو إبداء الفرض ، والمُحتمل : هو ما يكون متعلّقاً لهذا الفرض والاحتمال ، فالاحتمال هو : المصدر ، والمُحتمل : اسم مفعول ومتعلّق هذا المصدر.

نعم ، قد يذكر البعض هاتين الكلمتين في الاستدلالات الفلسفية والكلامية ، أو حتّى الأُصولية ، بصورة الفرق بين قوّة الاحتمال وقوّة المُحتمل ، والمقصود منها :

أنّه قد يكون في مورد خاصّ نفس الاحتمال والفرض ذا أهمّية عند العقل والعقلاء ، وإن لم يبدوا اهتماماً لما يحتملونه أو يفرضوه ، أي : أنّ عملية الاحتمال هو بنفسه له موضوعية في ذلك البحث مع غضّ النظر عن متعلّق الاحتمال.

وقد يكون ـ على العكس ـ المُحتمل معتبراً عند العقل والعقلاء وملحوظاً عندهم ، وإن كان الاحتمال ليس بذلك الشأن ، أي : أنّ العقلاء يرون المورد خطيراً فيكون مورد اهتمامهم فيحتملونه ، وإن كان عملية الاحتمال ليس فيها تلك الأهمّية.

( علياء ـ البحرين ـ ٢١ سنة )

الذنوب الكبيرة والصغيرة :

س : على أيّ أساس تقسّم الذنوب إلى الكبيرة والصغيرة؟ وما هي الذنوب التي تستلزم الخلود في النار؟ أُريد الجواب في أسرع وقت ممكن ، ولكم جزيل الشكر.

ج : قال المحقّق النراقي : « وقد اختلفوا أوّلاً في تقسيم الذنوب إلى الكبائر والصغائر ، فحكي عن جماعة ـ منهم : المفيد والطبرسي والشيخ في العدّة والقاضي والحلبي ـ إلى عدم التقسيم ، بل الذنوب كُلّها كبائر ، ونسبه الثاني ـ أي الطبرسي ـ في تفسيره إلى أصحابنا ، مؤذناً بدعوى الاتفاق ، وكذلك الحلّي ،

٥٣٥

حيث قال ـ بعد نقل القول بالتقسيم إلى الكبائر والصغائر ، وعدم قدح الثاني نادراً في قبول الشهادة عن المبسوط ـ : ولا ذهب إليه أحد من أصحابنا ، لأنّه لا صغائر عندنا في المعاصي إلاّ بالإضافة إلى غيرها.

والحاصل : أن الوصف بالكبر والصغر إضافي(١) .

وذهب طائفة منهم : الشيخ في النهاية والمبسوط ، وابن حمزة والفاضلان والشهيدان ، بل أكثر المتأخّرين كما في المسالك ، بل عامّتهم كما قيل ، ونسب إلى الإسكافي والديلمي أيضاً إلى انقسام المعاصي إلى الكبائر والصغائر ، بل يستفاد من كلام الصيمري ، وشيخنا البهائي في الحبل المتين ـ على ما حكي عنهما ـ الإجماع عليه.

وهو الحقّ ، لظاهر قوله سبحانه :( إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ ) (٢) ، وقوله :( وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثمِ وَالْفَوَاحِشَ ) (٣) .

ولقول عليعليه‌السلام : «من كبير أوعد عليه نيرانه ، أو صغير أرصد له غفرانه ».

ورواية ابن سنان : «لا صغيرة مع الإصرار ، ولا كبيرة مع الاستغفار ».

ومرسلة الفقيه : «من اجتنب الكبائر كفّر الله عنه جميع ذنوبه ».

وفي خبر آخر : «إنّ الأعمال الصالحة تكفّر الصغائر ».

وفي آخر : هل تدخل الكبائر في مشيئة الله؟ قال : «نعم ».

وتشهد له الأخبار الواردة في ثواب بعض الأعمال : «أنّه يكفّر الذنوب إلاّ الكبائر »

ثمّ أختلف القائلون بالتقسيم في تفسير الكبائر وتحديدها ، فمنهم من قال : إنّ كُلّ ما وجب فيه حدّ فهو كبيرة ، وما لم يقرّر فيه حدّ فهو الصغيرة.

__________________

١ ـ مستند الشيعة ١٨ / ١٢٢.

٢ ـ النساء : ٣١.

٣ ـ الشورى : ٣٧.

٥٣٦

ومنهم من قال : ما ثبت تحريمه بقاطع فهو كبيرة ، ومنهم من قال : كُلّ ما آذن بقلّة الاكتراث في الدين فهو كبيرة ، ومنهم من قال : ما يلحق صاحبه العقاب الشديد من كتاب أو سنّة.

وقيل : إنّها ما نهى الله عنه في سورة النساء من أوّلها إلى قوله سبحانه :( إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ ) ، وقيل : إنّها سبع ، وقيل : إنّها تسع ، وقيل : عشرون ، وقيل : أزيد.

وعن ابن عباس : أنّها إلى السبعمائة أقرب منها إلى السبعة ، وبه صرّح في الروضة ، وفي الدروس : أنّها إلى السبعين أقرب منها إلى السبعة.

والمشهور بين أصحابنا : أنّها ما توعّد عليها إيعاداً خاصّاً ، ولكن اختلفت كلماتهم في بيان الإيعاد الخاصّ »(١) .

وحاصل ما نستفيده من كلام المحقّق النراقي هو : في مسألة الذنوب قولان : قول يرى أنّ الذنوب كُلّها كبيرة ، ولا توجد ذنوباً صغيرة ، وقول يرى أنّ الذنوب كبيرة وصغيرة ، وعلى القول الثاني فأساس التقسيم يختلف باختلاف تعريفهم للكبيرة.

ثمّ إنّ عدد الذنوب الكبيرة مختلف فيه ، وعليه لا يمكن إعطاء عدداً معيّناً للذنوب التي يستلزم منها الخلود في النار ، ولكن ورد في بعض الروايات ذكر بعضها ، منها :

الكفر بالله تعالى ، والشرك به ، والزنا ، فعن علي بن أبي طالبعليه‌السلام عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال في وصية له : «يا علي في الزنا ستّ خصال ، ثلاث منها في الدنيا ، وثلاث في الآخرة : فأمّا في الدنيا فيذهب بالبهاء ، ويعجّل الفناء ، ويقطع الرزق ، وأمّا التي في الآخرة فسوء الحساب ، وسخط الرحمن ، والخلود في النار »(٢) .

__________________

١ ـ مستند الشيعة ١٨ / ١٢٤.

٢ ـ الخصال : ٣٢١.

٥٣٧

( ياسمين ـ النرويج ـ )

علّة تحريم لحم الخنزير :

س : لماذا حرّم الخنزير في القرآن الكريم؟

ج : لقد حرّم الله تعالى لحم الخنزير بقوله :( إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ ) (١) .

ولا يُباح بحال من الأحوال لمسلم أن يتناول منه شيئاً ، إلاّ في حالة الضرورة التي تتوقّف فيها صيانة حياته على تناوله ، كما لو كان في مفازة ، ولا يجد طعاماً سواه ؛ وفقاً لقاعدة : أنّ الضرورات تبيح المحظورات ، المقرّرة في القرآن العظيم بقوله تعالى في الآية السابقة التي جاءت بتحريم الميتة ولحم الخنزير :( مَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ) .

وقال الله تعالى في موطن آخر بعد ذكر تلك المحرّمات :( إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ ) (٢) .

وقد نقل الشيخ الصدوققدس‌سره عدّة أحاديث حول علّة تحريم لحم الخنزير ، منها :

١ ـ عن محمّد بن عذافر عن بعض رجاله ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : قلت له : لم حرّم الله عزّ وجلّ الخمر والميتة والدم ولحم الخنزير؟

فقال : «إنّ الله تبارك وتعالى لم يحرّم ذلك على عباده ، وأحلّ لهم ما سوى ذلك من رغبة فيما أحلّ لهم ، ولا زهد فيما حرّمه عليهم ، ولكنّه تعالى خلق الخلق فعلم ما يقوم به أبدانهم وما يصلحهم ، فأحلّه لهم وأباحه ، وعلم ما يضرّهم ، فنهاهم عنه وحرّمه عليهم ، ثمّ أحلّه للمضطّر في الوقت الذي لا يقوم بدنه إلاّ به ، فأمره أن ينال منه بقدر البلغة لا غير ذلك » ، ثمّ قال : «وأمّا

__________________

١ ـ البقرة : ١٧٣.

٢ ـ الأنعام : ١١٩.

٥٣٨

لحم الخنزير ، فإنّ الله تعالى مسخ قوماً في صور شتّى ، مثل الخنزير والقرد والدب ، ثمّ نهى عن أكل المثلة لكيما ينتفع بها ، ولا يستخف بعقوبته ، وأمّا الخمر »(١) .

٢ ـ عن محمّد بن سنان أنّ الرضا كتب إليه فيما كتب من جواب مسائله : « حرّم الخنزير لأنّه مشوّه ، جعله الله تعالى عظة للخلق ، وعبرة وتخويفاً ، ودليلاً على ما مسخ على خلقته ، ولأنّ غذاؤه أقذر الأقذار »(٢) .

وقد أثبتت الاكتشافات الطبّية في عصرنا الحديث ، الذي اكتُشفت فيه عوامل الأمراض ، وخفايا الجراثيم الضارّة : أنّ الخنزير يتولّد من لحمه في جسم الإنسان الذي يأكله دودة خطرة ، توجد بذرتها في لحم الخنزير ، وتنشب في أمعاء الإنسان بصورة غير قابلة للعلاج بالأدوية الطاردة لديدان الأمعاء.

وقد جاء في موسوعة لاروس الفرنسية : « إنّ هذه الدودة الخبيثة « التريشين » تنتقل إلى الإنسان ، وتتّجه إلى القلب ، ثمّ تتوطّن في العضلات ، وخاصّة في الصدر والجنب والحنجرة والعين ، والحجاب الحاجز ، وتبقى أجنّتها محتفظة بحيويتها في الجسم سنين عديدة.

ولا يمكن الوقوف عند هذا الاكتشاف في التعليل ، بل يمكن للعلم الذي اكتشف في الخنزير هذه الآفة ، أن يكتشف فيه في المستقبل آفات أُخرى ، لم تعرف بعد.

إذاً ، لم يحرّم الله تعالى شيئاً على الإنسان ، إلاّ بعد علمه تعالى بأنّه مضرّ ومهلك ، وما أراد سبحانه لعباده سوى الراحة والسعادة ، ولذلك حرّم أكل لحم الخنزير في كافّة الكتب السماوية ، لهذه العلل التي نقلناها ، ولعلل لم نعلمها بعد.

__________________

١ ـ علل الشرائع ٢ / ٤٨٣.

٢ ـ المصدر السابق ٢ / ٤٨٤.

٥٣٩

( منصور ـ البحرين ـ ٣٣ سنة ـ خرّيج جامعة )

تعقيب على الجواب السابق :

تعليق على موضوع أكل لحم الخنزير : فقد وجدنا أنّ كُلّ أكلة يتناولها الإنسان تؤثّر مباشرة على نفسيته بالسلب أو الإيجاب ، وتناول لحم الخنزير ممّا يساعد على ذهاب الغيرة والشرف في الإنسان ، كما ترون في حال الشعوب التي تربّت على أكل النجاسات والمحرّمات ، وتولّد أيضاً في النفس خبثاً لا يقاس بأيّ خبث.

ولعلّي استشهد بمقطع للحوراء زينب عند كلامها مع الطاغية يزيد بن معاوية ، حيث تقول : « وكيف يستبطأ في بغضنا أهل البيت وكيف يرتجى مراقبة من لفظ فوه أكباد الأزكياء »(١) إشارة إلى واقعة أُحد ، ومحاولة هند هضم كبد الشهيد حمزة بن عبد المطلبعليه‌السلام .

( خالد عبد القادر ـ مصر ـ )

الذكاء الوجداني :

س : أُريد معرفة بعض المعلومات عن الذكاء الوجداني.

ج : تؤكّد نظريات الذكاء الحديثة على تعدّد الذكاء ، وأهمّها نظرية الذكاء المتعدّدة ، أي أنّ الذكاء ليس أحاديّاً ، والفرق بين الأفراد ليس في درجة أو مقدار ما يملكون من ذكاء ، وإنّما في نوعية الذكاء.

ومن أنواع الذكاء ، الذكاء الوجداني الذي عرّف بقدرة الفرد على فهم مشاعره الشخصية ، واستخدام هذه المعرفة لاتخاذ القرارات الصائبة ، والتكيّف مع ضغوط الحياة ، والتحكّم في الانفعالات ، والتعاطف مع الآخرين ، والقدرة على إثارة الحماس في النفس.

__________________

١ ـ اللهوف في قتلى الطفوف : ١٠٦.

٥٤٠

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667