موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٥

موسوعة الأسئلة العقائديّة8%

موسوعة الأسئلة العقائديّة مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
ISBN: 978-600-5213-05-8
الصفحات: 667

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 667 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 296779 / تحميل: 6701
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الأسئلة العقائديّة

موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٥

مؤلف:
ISBN: ٩٧٨-٦٠٠-٥٢١٣-٠٥-٨
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

القسم بغير الله :

( عبد المجيد البحراني ـ )

جائز ولكن لا يصحّ :

س : توجد رواية ذكرت في أكثر من مصدر من مصادرنا ، ونصّ الرواية عن الإمام المعصوم : « إنّ لله عزّ وجلّ أن يقسم من خلقه بما شاء ، وليس لخلقه أن يقسموا إلاّ به »(١) .

فيقول السائل : نجد أنّ البعض يقسم على الآخر بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وسائر الأئمّة عليهم‌السلام ، فكيف نجمع بين هذه الرواية وبين ما يفعله البعض؟

ج : إنّ الأحاديث المروية في الوسائل(٢) ، والمقارنة والجمع فيما بينها ، يوصلنا إلى نتيجة : أنّ هذه الرواية لا تدلّ على الحرمة ، بل على عدم ترتّب آثار اليمين ، فلا يكون يميناً ، وليس عليه كفّارة إن خالف ، لأنّ اليمين الذي تترتّب عليه الآثار ، وتجب بمخالفته الكفّارة ، هو الحلف بالله وأسمائه الخاصّة ، حتّى أنّك تشاهد في الرسائل العملية التعبير : بلا يصحّ الحلف بالله وبأسمائه تعالى ، ولم يقولوا : لا يجوز.

وللتوضيح أكثر ، فإنّ الروايات المروية في هذا الباب على قسمين :

__________________

١ ـ الكافي ٧ / ٤٤٩ ، من لا يحضره الفقيه ٣ / ٣٧٦ ، تهذيب الأحكام ٨ / ٢٧٧.

٢ ـ وسائل الشيعة ٢٣ / ٢٥٩.

٦١

قسم : تنهى عن القسم بغير الله ، كهذا الحديث وأمثاله.

وقسم فيها القسم بغير الله ، كقول الإمام الرضاعليه‌السلام في حديث : « لا وقرابتي من رسول الله »(١) ، وقول الإمام الرضاعليه‌السلام أيضاً : « تعدوا وبيت الله الحقّ »(٢) ، وقول أبي جرير القمّي لأبي الحسنعليه‌السلام : جعلت فداك ، قد عرفت انقطاعي إلى أبيك ثمّ إليك ، ثمّ حلفت له : وحقّ رسول الله ، وحقّ فلان وفلان حتّى انتهيت إليه(٣) .

ولمّا سمع أمير المؤمنينعليه‌السلام رجلاً يقول : لا والذي احتجب بسبع طباق ، قال : فعلاه بالدرّة وقال له : «ويحك إنّ الله لا يحجبه شيء عن شيء » ، فقال الرجل : فأُكفّر عن يميني يا أمير المؤمنين؟ قال : «لا ، لأنّك حلفت بغير الله »(٤) .

فالجمع بين هذه الأحاديث جعل العلماء يفتون بعدم صحّة القسم بغير الله ، بمعنى عدم ترتّب آثار القسم عليه ، لا عدم الجواز.

( الغريب ـ أمريكا ـ ٣٠ سنة ـ مهندس كهرباء )

يترتّب عليه أثر دنيوي وأُخروي :

س : هل يترتّب أثر دنيوي أو أُخروي للقسم بالقرآن الكريم كذباً؟

ج : أمّا من حيث الأثر التكليفي كالكفّارة فلا ، لانحصاره بالحلف بـ « الله » فقط ، نعم يترتّب عليه أثر دنيوي وأُخروي لفرية الكذب ، منها : حرمان الهداية ، قال تعالى :( إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ ) (٥) ، ووراثة الفقر ، فعن الإمام عليعليه‌السلام : « واعتياد الكذب يورث الفقر »(٦) .

__________________

١ ـ الكافي ١ / ١٨٧.

٢ ـ الأمالي للشيخ الصدوق : ٧٧٩.

٣ ـ الكافي ١ / ٣٨٠.

٤ ـ الفصول المختارة : ٦٥.

٥ ـ غافر : ٢٨.

٦ ـ الخصال : ٥٠٥.

٦٢

وذهاب البهاء ، قال النبيّ عيسىعليه‌السلام : «من كثر كذبه ذهب بهاؤه »(١) ، وقد جُعل الكذب شرّ مفاتيح الشرّ ، قال الإمام الباقرعليه‌السلام : «إنّ الله جعل للشرّ أقفالاً ، وجعل مفاتيح تلك الأقفال الشراب ، والكذب شرّ من الشراب »(٢) .

ومن الآثار الآخروية التعرّض لعقاب الله تعالى ، والمكوث في النار ، قال المولى جلّ وعلا :( وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ ) (٣) .

وهذا العمل ، أي الحلف بالقرآن الكريم كاذباً ، فيه جناية مزدوجة ، الأُولى جرأة صارخة على كتاب الله العزيز ، الذي قال المولى سبحانه فيه :( لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللهِ ) (٤) ، والثانية جريمة الكذب والافتراء التي تمحق الحقوق وتهدر الكرامات.

أعاذنا الله من شرور أنفسنا ، ووفّقنا لما يحبّه ويرضاه.

( أحمد ـ ـ ٣١ سنة )

حكمه في المذاهب الأربعة :

س : هل يجوز الحلف بغير الله عزّ وجلّ؟ وما هو حكمه عند المذاهب الأربعة؟ وشكراً.

ج : تضافر الحلف بغير الله تعالى في الكتاب العزيز والسنّة النبوية ، فقد حلف النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في غير مورد بغير اسم الله.

فعن أبي هريرة قال : جاء رجل إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا رسول الله أيّ الصدقة أعظم أجراً؟ فقال : «أما وأبيك لتنبئنه أن تصدق وأنت صحيح شحيح ، تخشى الفقر وتأمل البقاء »(٥) .

__________________

١ ـ الكافي ٢ / ٣٤١.

٢ ـ المصدر السابق ٢ / ٣٣٩.

٣ ـ الجاثية : ٧.

٤ ـ الحشر : ٢١.

٥ ـ صحيح مسلم ٣ / ٩٣.

٦٣

هذا وقد حلف غير واحد من الصحابة بغير الله تعالى كأبي بكر ، فعن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه ، أنّ رجلاً من أهل اليمن ـ أقطع اليد والرجل ـ قدم فنزل على أبي بكر ، فشكا إليه أنّ عامل اليمن قد ظلمه ، فكان يصلّي من الليل ، فيقول أبو بكر : وأبيك ، ما ليلك بليل سارق(١) .

وهذا علي بن أبي طالبعليه‌السلام قد حلف بغيره تعالى في غير واحد من خطبه ، كقوله : « ولعمري ما عليّ من قتال من خالف الحقّ ، وخابط الغي من إدهان ولا إيهان »(٢) ، وكقولهعليه‌السلام : «ولعمري ما تقادمت بكم ولا بهم العهود »(٣) ، إلى غير ذلك من الأقسام الواردة في كلامهعليه‌السلام وسائر أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام .

ومجمل القول : إنّ الكتاب العزيز هو الأُسوة للمسلمين عبر القرون ، فإذا ورد فيه الحلف من الله تعالى بغير ذاته تعالى من الجماد والنبات والإنسان ، فيستكشف منه أنّه أمر سائغ لا يمتّ إلى الشرك بصلة ، وتصوّر جوازه لله سبحانه دون غيره أمر غير معقول ، فإنّه لو كان حقيقة الحلف بغير الله شركاً ، فالخالق والمخلوق أمامه سواء.

نعم ، الحلف بغير الله لا يصحّ في القضاء وفضّ الخصومات ، بل لابدّ من الحلف بالله تعالى ، أو بإحدى صفاته التي هي رمز ذاته ، وقد ثبت هذا بالدليل ، ولا علاقة له بالبحث.

وأمّا المذاهب الفقهية فغير مجمعين على أمر واحد.

أمّا الحنفية فقالوا : بأنّ الحلف بالأب والحياة ـ كقول الرجل : وأبيك ، أو : وحياتك وما شابه ـ مكروه.

وأمّا الشافعية فقالوا : بأنّ الحلف بغير الله ـ لو لم يكن باعتقاد الشرك ـ فهو مكروه.

__________________

١ ـ الموطّأ ٢ / ٨٣٥.

٢ ـ شرح نهج البلاغة ١ / ٣٣١.

٣ ـ المصدر السابق ٦ / ٣٨٧.

٦٤

وأمّا المالكية فقالوا : إنّ في القسم بالعظماء والمقدّسات ـ كالنبيّ والكعبة ـ فيه قولان : الحرمة والكراهة ، والمشهور بينهم : الحرمة.

وأمّا الحنابلة فقالوا : بأنّ الحلف بغير الله وبصفاته سبحانه حرام ، حتّى لو كان حلفاً بالنبيّ أو بأحد أولياء الله تعالى.

هذه فتاوى أئمّة المذاهب الأربعة ، ولسنا الآن بصدد مناقشتهم ، ولكن الحري بفقهائهم ـ ولاسيّما في العصر الراهن ـ فتح باب الاجتهاد والرجوع إلى المسألة والنظر إليها بمنظار جديد ، إذ كم ترك السلف للخلف.

على أنّ نسبة الحرمة إلى الحنابلة غير ثابتة أيضاً ، لأنّ ابن قدامة يصرّح في كتاب المغني ـ الذي كتبه على غرار فقه الحنابلة ـ : « أنّ أحمد بن حنبل أفتى بجواز الحلف بالنبيّ ، وأنّه ينعقد لأنّه أحد ركني الشهادة »(١) .

وقال أحمد : « لو حلف بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله انعقدت يمينه ، لأنّه حلف بما لا يتمّ الأيمان إلاّ به فتلزمه الكفّارة »(٢) .

__________________

١ ـ أُنظر : المغني لابن قدامة ١١ / ٢٠٩.

٢ ـ المجموع ١٨ / ١٨.

٦٥
٦٦

قول آمين في الصلاة :

( السيّد سلمان ـ البحرين ـ )

لا يصحّ لتوقيفية العبادات :

س : أمّا بعد ، لا أرى أيّ مانع في استخدام كلمة آمين في الصلاة ، إذا كانت بمعنى : اللهم استجب ، فالصلاة في طبيعة الحال هي نوع من أنواع الدعاء ، الذي تصحبه حركات نصّ الباري عليها ، ليقوم بها العبد للتأكيد على صدقية هذا الدعاء ، والحاجة إليه ، وللاعتراف بربوبية الله عزّ وجلّ.

كما أنّ كلمة آمين كثيراً ما تنطلق من أفواه خطبائنا على المنابر بعد الفراغ من مجالس الذكر ، فهل يجوز ذكرها على المنابر؟ ولا تجوز في الصلاة؟ وما هو الفرق؟

ج : إنّ العبادات توقيفية ، بمعنى عدم جواز الإضافة من عندنا ، وأن كانت حسنة المعنى ، بل الالتزام بكُلّ تفاصيلها بما ورد من نصوص في ذلك.

وكلمة آمين كلمة حسنة ، نستعملها ونستعمل غيرها من الألفاظ ، ولكنّ استعمالها في الصلاة يحتاج إلى نصّ صريح ، ولم يرد النصّ فتكون بدعة ، والبدعة : إدخال شيء ما في الدين وهو ليس منه.

ونعطيك مثالاً آخر يوضّح لك المطلب : من المستحبّات صلاة ألف ركعة في شهر رمضان ، كانت تصلّى هذه الألف في عهد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأبي بكر فرادى ،

٦٧

ولمّا كان في عهد عمر بن الخطّاب ، دخل المسجد فرأى الناس يصلّونها فرادى ، فجمعهم فصلّى بهم هذه النافلة جماعة ، ثمّ قال : نعمت البدعة هذه(١) .

أُنظر يا أخي ، تارة يكون الملاك الالتزام بما جاء به الشرع ، وتارة يكون بالذوقيات ، لا بما حدّده الشرع ، والعقل والفطرة والقرآن والسنّة كُلّها تدلّ على وجوب الالتزام بما جاء به الشرع ، وإلاّ فكان الدين لعبة بيد الحكّام ، تتلاعب به الأذواق.

( عبد السلام ـ هولندا ـ سنّي )

مبطل للصلاة :

س : شكراً لكم على هذه الصفحة العقائدية الهادفة ، وأتمنّى لكم دوام النجاح.

سؤالي هو بخصوص آمين ، حيث أنّ علماء الشيعة لم يتوحّدون على جواب واحد : فمنهم من يقول : إنّ آمين تبطل الصلاة ، لأنّ أي زيادة أو نقصان في الصلاة هو مبطل لها ، مع أنّكم تستحبّون بقول شيء آخر غير آمين ، ولا أتذكر بالضبط القول الذي تقولونه بعد( وَلاَ الضَّالِّينَ ) .

فهل يوجد حديث يحرّم أو ينهي على قول آمين ، سواء في كتب العامّة؟ أو في كتبكم؟ وشكراً لكم.

ج : الكلام في قول آمين كما يلي : إنّ هذه اللفظة لم ترد على لسان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد الحمد ، وبما أنّ العبادات ـ وعلى رأسها الصلاة ـ توقيفية ، بمعنى أنّها موقوفة على إذن الشارع وما ورد عنه ، فيجب التقيّد بما صدر عنه فيها.

فإذا لم تكن لفظة آمين واردة عن الشارع ، فإمّا أن يقصد المصلّي من الإتيان بها بعد الحمد أنّها جزء من الصلاة ـ كما يفعله أهل السنّة ـ أو لا يقصد الجزئية بها.

__________________

١ ـ أُنظر : صحيح البخاري ٢ / ٢٥٢ ، المصنّف للصنعاني ٤ / ٢٥٩ ، صحيح ابن خزيمة ٢ / ١٥٥ ، المغني لابن قدامة ١ / ٧٩٨ ، الموطّأ ١ / ١١٤.

٦٨

فإن كان الأوّل فالصلاة باطلة ، لدخولها تحت عنوان البدعة ، والتي هي : إدخال ما ليس من الدين في الدين.

وإن لم يقصد بها الجزئية ـ سواء الجزء الواجب أو المستحبّ ـ فتارة يقصد بها مطلق الدعاء لله تعالى ، والذي هو بمعنى : ربّ استجب ، وأُخرى يأتي بها لا بعنوان الدعاء.

فإن قصد الأوّل فلابأس به ، ويجوز الإتيان بها بعنوان مطلق استحباب الدعاء في إثناء الصلاة ، وإن لم يقصد الدعاء فالصلاة باطلة ، لأنّه لغو وكلام زائد في الصلاة ، وقد اتفق الأعلام على أنّ الكلام الزائد في الصلاة عمداً مبطل لها.

وأمّا ما تقوله الشيعة بعد سورة الحمد ، فهو عبارة عن دعاء ، قولهم : الحمد لله ربّ العالمين ، وقد وردت النصوص والروايات الكثيرة في استحباب هذا الدعاء بعد سورة الحمد ، مضافاً إلى الأدلّة العامّة ، والتي تقول باستحباب الدعاء وذكر الله في كُلّ وقت ومكان.

( أبو أحمد ـ الكويت ـ )

من البدع التي أُحدثت بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله :

س : نشكركم على جهودكم الطيّبة ، وجعلها الله في ميزان حسناتكم.

أمّا بعد : هل توجد روايات في كتب العامّة ، من أنّ أوّل من سنّها في الصلاة عمر؟ أي : قول آمين ، هذا وتقبّلوا منّا فائق الاحترام والشكر.

ج : لم يقل أحد من الشيعة أو السنّة بأنّ عمر سنّ قول آمين في الصلاة ، ولكنّ الوارد في رواياتنا عن أهل البيتعليهم‌السلام : أنّها من البدع التي أُحدثت بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومن هنا حكم فقهاء الشيعة ببطلان الصلاة حال التلفّظ بها بقصد الجزئية ، كما يفعله أهل السنّة.

٦٩

وما ورد في روايات أهل السنّة عن قول آمين كُلّها تعاني من مشاكل في أسانيدها ، فمنها المرسل ، ومنها مروية عن رجال متّفق على تضعيفهم ، ومنها مروية عن رجال مختلف فيهم ، ومنها مروية عن مجهولين ، وهكذا.

إذاً ، كُلّها أحاديث عليها علامات استفهام ، ولا يصحّ الاعتماد عليها.

( عبد السلام ـ هولندا ـ سنّي )

الروايات الدالّة على مشروعيتها ضعيفة السند :

س : أنا سنّي مالكي ، أُريد الإجابة على سؤالي : ما هو الدليل بأنّ التأمين بدعة ، يوجد حديث في الكتب السنّية بأنّ التأمين سنّة نبوية ، فما هو تعقيبكم على ذلك؟ ولكم جزيل الشكر.

ج : التأمين في الصلاة بعد قراءة الحمد محظور ومبطل عند الشيعة ، لخروجه عن مصداقية الصلاة ، إذ هو من كلام الآدميين ، ولا يصلح شيء منه في الصلاة ، ولهم في هذا المجال أحاديث وردت عن طريق أئمّتهمعليهم‌السلام .

ويؤيّد هذا الحكم بأنّ الروايات التي وردت عند أهل السنّة لمشروعية التأمين ، بأجمعها غير صالحة للاستناد بسبب ضعف السند ، إذ أكثرها نقلت عن أبي هريرة ، وهو كما نعلم مغموز فيه ، ويكفيك أن تقرأ كتابي : أبو هريرة للسيّد شرف الدين ، وشيخ المضيرة أبي هريرة للشيخ محمود أبو ريّة ، لتطلّع على شخصيته.

وبعضها القليل قد جاء في طريقه محمّد بن كثير العبدي ، الذي جرّحه يحيى بن معين ، وبعضها الآخر قد اشتمل على حجر بن عنبس في السند ، الذي أنكره ابن القطّان ، وقال : إنّه لا يعرف ، وأحياناً وردت عن أبي عبد الله ، الذي أنكره صاحب الزوائد ، وعن بشر بن رافع ، الذي ضعّفه أحمد ، ونسبه ابن حبّان بالوضع في الرواية.

٧٠

فهي كما ترى لا يوجد فيها حديث صحيح السند ، قابل للاعتماد في إثبات هذه السنّة المزعومة!!

ثمّ على فرض ورود أحاديث في هذا المجال ، فهي متعارضة مع روايات أُخرى تحدّثت عن صلاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولم يرد فيها التأمين ، فعلى سبيل المثال :

عن محمّد بن عمرو بن عطاء قال : سمعت أبا حميد الساعدي في عشرة من أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فيهم أبو قتادة الحارث بن ربعي فقال أبو حميد الساعدي : أنا أعلمكم بصلاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قالوا : فأعرض علينا ، قال : كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ثمّ يقرأ ثمّ يكبّر(١) ، فلم يذكر التأمين ، وعليه فيجب علينا إسقاط طرفي المعارضة من الحجّية ـ كما هو مقرّر في علم الأُصول ـ ثمّ الحكم بعدم ورود التأمين في الصلاة.

__________________

١ ـ السنن الكبرى للبيهقي ٢ / ٧٢ ، سنن الدارمي ١ / ٣١٣ ، شرح معاني الآثار ١ / ٢٢٣ ، صحيح ابن حبّان ٥ / ١٩٦.

٧١
٧٢

القياس :

( أحمد أزهر ـ الإمارات ـ )

في نظر الشيعة :

س : هل تؤمن الشيعة بمبدأ القياس في التشريع الإسلامي؟

ج : الشيعة لا تعمل بالقياس في أحكامها الشرعية ، وذلك لوجود النهي عنه في النصوص الشرعية ، ولبطلانه عقلاً ، ولوجود قواعد كُلّية وأدلّة تامّة تغنينا عن إعمال القياس.

( علي نزار ـ الكويت ـ ٢٣ سنة ـ طالب كُلّية الدراسات التجارية )

تعريفه :

س : ما معنى القياس الذي يعدّه العامّة مصدراً من مصادر التشريع في فقههم؟ ومن المعلوم أنّ القياس باطل في عرف مدرسة أهل البيت عليهم‌السلام الحقّة ، ودمتم سالمين.

ج : إنّ القياس في اللغة هو : التقدير ، ومنه قست الثوب بالذراع ، إذ قدّرته به ، وفي الاصطلاح عرّف تارة بالاجتهاد ، وأُخرى ببذل الجهد لاستخراج الحقّ ، ولكن يرد على هذين التعريفين أنّهما غير جامعين ولا مانعين.

أمّا كونهما غير جامعين ، فلخروج القياس الجلي عنهما ، إذ لا جهد ولا اجتهاد فيه في استخراج الحكم.

٧٣

وأمّا كونهما غير مانعين ، فلدخول النظر في بقية الأدلّة ، كالكتاب والسنّة ، وغيرهما من مصادر التشريع ضمن هذا التعريف ، مع أنّها ليست من القياس المصطلح بشيء.

والمشهور أنّه : حمل معلوم على معلوم في إثبات حكم لهما ، أو نفيه عنهما بأمر جامع بينهما ، من حكم أو صفة.

ولكن سجّلت على هذا التعريف عدّة مفارقات ، لعلّ أهمّها ما أورده الآمدي عليه من لزوم الدور ، ولهذا عرّفه الآمدي بأنّه : « عبارة عن الاستواء بين الفرع والأصل في العلّة المستنبطة من حكم الأصل »(١) .

وعرّفه ابن الهمام : « هو مساواة محلّ لآخر في علّة حكم له شرعي ، لا تدرك بمجرّد فهم اللغة » ، ويبدو أنّ هذا التعريف أسلم التعاريف من الإشكالات والمؤاخذات.

ثمّ إنّ الذي رفضه أهل البيتعليهم‌السلام من القياس ، هو القياس في الأحكام الشرعية ، لعدم إحراز علّة الحكم التي بنى الشارع عليها حكمه ، وأمّا القياس في مجال أُصول العقائد فلا مانع فيه.

( جابر عبد الواحد ـ البحرين ـ )

أدلّته :

س : أشكركم على جهودكم ، وأسألكم عن أدلّة القياس التي أعتمد عليها أهل السنّة في حجّيته؟ مع ذكر ردّ علمائنا عليهم ، وأرجو أن يكون فيه شيء من التطويل ، وجزاكم الله خير الجزاء.

ج : الأدلّة التي ذكرها المثبتون للقياس كثيرة ، وهذه الأدلّة تعتمد على الكتاب ، والسنّة ، والإجماع ، والعقل.

أدلّتهم من الكتاب : وقد استدلّوا من الكتاب بعدّة آيات هي :

__________________

١ ـ الإحكام في أُصول الأحكام للآمدي ٣ / ١٩٠.

٧٤

١ ـ قوله تعالى :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ) (١) .

وتقريبها : أنّ القياس بعد استنباط علّته بالطرق الظنّية من الكتاب والسنّة ، يكون ردّاً إلى الله والرسول ، ونحن مأمورون بالرجوع إليهما بهذه الآية ، ومعناه أنّنا مأمورون بالرجوع إلى القياس عند التنازع ، وليس معنى الأمر بذلك إلاّ جعل الحجّية له.

ولكن يرد عليه بعض المؤاخذات وهي :

أ ـ إنّ دلالة الآية متوقّفة على أن يكون القياس الظنّي ردّاً إلى الله والرسول ، وهو موضع النزاع ، ولذلك احتجنا إلى هذه الآية ونظائرها لإثبات كونه ردّاً.

ب ـ الآية إنّما وردت في التنازع والرجوع إلى الله والرسول لفضّ النزاع والاختلاف ، ومن المعلوم أنّ الرجوع إلى القياس لا يفضّ نزاعاً ولا اختلافاً ، لاختلاف الظنون.

وعلى هذا ، فالآية أجنبية عن جعل الحجّية لأيّ مصدر من مصادر التشريع قياساً أو غير قياس ، وموردها الرجوع إلى من له حقّ القضاء ، والحكم باسم الإسلام لفضّ الخصومات.

ج ـ إنّ الآية لا تدلّ على حجّية القياس بقول مطلق ، إلاّ بضرب من القياس ، وذلك لورودها في خصوص باب التنازع ، فتعميمها إلى مقام الإفتاء والعمل الشخصي ، لا يتمّ إلاّ من طريق السبر والتقسيم أو غيره.

٢ ـ قوله تعالى :( هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللهِ فَأَتَاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ ) (٢) .

__________________

١ ـ النساء : ٥٩.

٢ ـ الحشر : ٢.

٧٥

موضع الدلالة من الآية كلمة اعتبروا ، بدعوى أنّ في القياس عبوراً من حكم الأصل ومجاوزة عنه إلى حكم الفرع ، فإذا كنّا مأمورين بالاعتبار فقد أُمرنا بالعمل بالقياس ، وهو معنى حجّيته.

ولكن هذه الاستفادة كسابقتها لا يتّضح لها وجه ، وذلك :

أ ـ إنّ إثبات الحجّية لمطلق الاعتبار بحيث يشمل المجاوزة القياسية موقوف على أن يكون المولى في مقام البيان من هذه الجهة ، والمقياس في كونه في مقام البيان ، هو أنّنا لو صرّحنا بالمعنى الذي يراد بيانه لكان التعبير سليماً ، وظاهر الدلالة على كونه مراداً لصاحبه.

ب ـ مع التنزّل وافتراض مجيئها لبيان هذا المعنى ولو بإطلاقها ، إلاّ أنّها واردة لجعل الحجّية لأصل القياس كدليل.

٣ ـ قوله تعالى :( قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ ) (١) .

وقد قرّب دلالتها صاحب مصادر التشريع بقوله : إنّ الله عزّ وجلّ ، استدلّ بالقياس على ما أنكره منكرو البعث ، فإنّ الله عزّ وجلّ قاس إعادة المخلوقات بعد فنائها على بدأ خلقها وإنشائها أوّل مرّة ، لإقناع الجاحدين بأنّ من قدر على بدأ خلق الشيء قادر على أن يعيده ، بل هذا أهون عليه ، فهذا الاستدلال بالقياس إقرار لحجّية القياس وصحّة الاستدلال به ، وهو قياس في الحسّيات ، ولكنّه يدلّ على أنّ النظير ونظيره يتساويان.

والجواب على هذا التقريب :

أ ـ إنّ هذه الآية لو كانت واردة لبيان الإقرار على حجّية القياس ، لصحّ أن يعقّب بمضمون هذا الإقرار ، ولسلّم الكلام كأن نقول : قل يحييها الذي أنشأها أوّل مرّة ، فقيسوا النبيذ على الخمر.

__________________

١ ـ يس : ٧٨ ـ ٧٩.

٧٦

ب ـ لو سلّم ذلك ـ جدلاً ـ فالآية غاية ما تدلّ عليه ، هو مساواة النظير للنظير ، أي جعل الحجّية لأصل القياس لا لمسالكه ، والدليل الذي يتكفّل حجّية الأصل لا يتكفّل بيان ما يتحقّق به.

ج ـ ولو سلّمنا أيضاً دلالته على حجّية مسالكه ، فهي لا تدلّ عليها بقول مطلق ، إلاّ بضرب من القياس ، لأنّ الآية إنّما وردت في قياس الأُمور المحسوسة بعضها على بعض ، فتعميمها إلى الأُمور الشرعية موقوف على السبر والتقسيم أو غيره ، فيلزم الدور.

٤ ـ قوله تعالى :( فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ) (١) .

قد استدلّ بها الشافعي على حجّيته ، حيث قال : « فهذا تمثيل الشيء بعدله ، وقال تعالى :( يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ ) ، وأوجب المثل ، ولم يقل أيّ مثل ، فوكّل ذلك إلى اجتهادنا ورأينا »(٢) .

والجواب : إنّ الشارع وإن ترك لنا أمر تشخيص الموضوعات ، إلاّ أنّه على وفق ما جعل لها الشارع ، أو العقل من الطرق ، وكون القياس الظنّي من هذه الطرق كالبيّنة هو موضع الخلاف ، والآية أجنبية عن إثباته.

٥ ـ قوله تعالى :( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ ) (٣) .

قد استدلّ بها ابن تيمية على القياس بتقريب : أنّ العدل هو التسوية ، والقياس هو التسوية بين مثلين في الحكم ، فيتناوله عموم الآية.

وقد أجاب عنه الشوكاني : « بمنع كون الآية دليلاً على المطلوب بوجه من الوجوه ، ولو سلّمنا لكان ذلك في الأقيسة التي قام الدليل على نفي الفارق فيها ، فإنّه لا تسوية إلاّ في الأُمور المتوازنة ، ولا توازن إلاّ عند القطع بنفي الفارق ، لا في

__________________

١ ـ المائدة : ٩٥.

٢ ـ إرشاد الفحول ٢ / ١٢٧.

٣ ـ النحل : ٩٠.

٧٧

الأقيسة التي هي شعبة من شعب الرأي ، ونوع من أنواع الظنون الزائفة ، وخصلة من خصال الخيالات المختلّة »(١) .

والأنسب أن يقال : إنّ هذه لو تمّت دلالتها على الأمر بالقياس ، بما أنّه عدل ، فهي إنّما تدلّ على أصل القياس ، لا على مسالكه المظنونة ، والكلام إنّما هو في القياس المعتمد على استنباط العلل.

أدلّتهم من السنّة : أمّا ما استدل به من السنّة ، فروايات تكاد تنتظم في طائفتين تتمثّل :

أولاهما : حديث معاذ بن جبل ، حيث ورد فيه : لمّا بعثهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى اليمن قال : «كيف تقضي إذا عرض لك قضاء »؟ قال : أقضي بكتاب الله ، قال : « فإن لم تجد في كتاب الله »؟ قال : فبسنّة رسول الله ، قال : «فإن لم تجد في سنّة رسول الله ، ولا في كتاب الله »؟ قال : أجتهد رأيي ، قال : فضرب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله صدره ، وقال : «الحمد لله الذي وفّق رسول رسول الله لما يرضاه رسول الله »(٢) .

وتقريبه : أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أقرّ الاجتهاد بالرأي في طول النصّ ، بإقراره لاجتهاد معاذ ، وهو شامل بإطلاقه للقياس.

ويردّ على الاستدلال بالرواية :

١ ـ إنّها ضعيفة بجهالة الحارث بن عمرو ، حيث نصّوا على أنّه مجهول ، وبإغفال راويها لذكر من أخذ عنهم الحديث من الناس من أصحاب معاذ.

٢ ـ إنّ هذا الحديث غير وافي الدلالة على ما سيق لإثباته ، وذلك :

أ ـ إنّ إقرار النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لمعاذ ربما كان لخصوصية يعرفها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فيه ، تبعده عن الوقوع في الخطأ ، ومجانبة الواقع ، وإلاّ لما خوّله هذا التخويل المطلق في استعمال الرأي.

__________________

١ ـ إرشاد الفحول ٢ / ١٢٨.

٢ ـ مسند أحمد ٥ / ٢٣٠ و ٢٣٦ و ٢٤٢ ، سنن الدارمي ١ / ٦٠ ، الجامع الكبير ٢ / ٣٩٤ ، السنن الكبرى للبيهقي ١٠ / ١١٤ ، مسند أبي داود : ٧٦.

٧٨

ب ـ إنّ هذا الحديث وارد في خصوص باب القضاء ، وربما اختصّ باب القضاء بأحكام لا تسري إلى عالم الإفتاء.

ج ـ إنّ هذا الحديث معارض بما دلّ على الردع عن إعمال الرأي ، ولا أقلّ من تخصيصه بخروج الآراء الفاسدة جمعاً بين هذه الأدلّة.

ثانيهما : ما ورد من الأحاديث المشعر بعضها باستعمال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله للقياس ، وبما أنّ عمله حجّة باعتباره سنّة واجبة الإتباع ، فإنّ هذه الطائفة من الأحاديث دالّة على حجّية القياس.

والأحاديث التي ذكروها كثيرة :

منها : حديث الجارية الخثعمية أنّها قالت : يا رسول الله ، إنّ أبي أدركته فريضة الحجّ شيخاً زمناً لا يستطيع أن يحجّ ، إن حججت عنه أينفعه ذلك؟ فقال لها : «أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته ، أكان ينفعه ذلك »؟ قالت : نعم ، قال : «فدين الله أحقّ بالقضاء ».

ووجه الاحتجاج به كما قرّبه الآمدي : إنّه ألحق دين الله بدين الآدمي في وجوب القضاء ونفعه ، وهو عين القياس.

ومنها : الحديث الذي جاء فيه : إنّه قال لأُمّ سلمة ، وقد سئلت عن قُبلة الصائم : هل أخبرته أنّي أُقبّل وأنا صائم ، وإنّما ذكر ذلك فيما يقول الآمدي تنبيهاً على قياس غيره عليه.

ومنها : قوله لما سئل عن بيع الرطب بالتمر : أينقص الرطب إذا يبس؟ فقالوا : نعم ، فقال : «فلا إذن »(١) .

والجواب على هذه الأحاديث :

١ ـ إنّ هذه الأحاديث لو كانت واردة في مقام جعل الحجّية للقياس ، فغاية ما يستفاد منها ، جعل الحجّية لمثل أقيستهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ممّا كان معلوم العلّة لديه ، كما هو مقتضى ما تلزم به رسالته ، من كونه لا يعدو في تشريعاته ما أمر بتبليغه من الأحكام.

__________________

١ ـ الإحكام في أُصول الأحكام للآمدي ٤ / ٣٤.

٧٩

ومثل هذا العلم بالحكم لا يتوفّر إلاّ عند العلم بالعلّة في الفرع ، على أنّ نسبة ما يصدر منه للقياس موقوف على إمكان صدور الاجتهاد منه ، أمّا إذا نفينا ذلك عنه ، وقصرنا جميع تصرّفاته على خصوص ما يتلقّاه من الوحي( إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى ) (١) ، فتشبيه قياساتنا بقياساته ، وإثبات الحجّية لها على هذا الأساس قياس مع الفارق الكبير ، وقد أشار عمر بن الخطّاب إلى هذا الفارق في بعض خطبه ، بقوله : يا أيّها الناس ، إنّ الرأي إنّما كان من رسول الله مصيباً ، لأنّ الله كان يريه ، وإنّما هو منّا الرأي والتكلّف(٢) .

ومع هذا الفارق ، كيف يمكن لنا أن نسري الحكم إلى قياساتنا المظنونة ، أليست صحّة هذه التسرية إليها مبنية على ضرب من القياس المظنون ، وهو موضع الخلاف!

٢ ـ إنّ هذه الأنواع من الأحاديث ليست من القياس في شيء ، فرواية الخثعمية واردة في تحقيق المناط من قسمة الأوّل ، أي تطبيق الكبرى على صغراها.

فالكبرى ـ وهي مطوية ـ : « كُلّ دين يقضى » هي في واقعها أعمّ من ديون الله وديون الآدميين ، وقد طبّقها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على دين الله لأبيها ، فحكم بلزوم القضاء ، وأين هذا من القياس المصطلح؟ على أنّا لو سلّمنا أنّه منه ، فهو من قبيل قياس الأولوية بقرينة قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «فدين الله أحقّ » أي أولى بالقضاء ، وهو ليس من القياس.

وما يقال عن رواية الخثعمية ، يقال عن الرواية الثالثة حيث نقّحصلى‌الله‌عليه‌وآله بسؤاله صغرى لكبرى كُلّية ، وهي كُلّما ينقص لا يجوز بيعه.

ولسان الرواية الثانية يأبى نسبة مضمونها إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فهو أسمى من أن يشهر بشيء يعود إلى شؤونه وعوالمه الخاصّة مع نسائه.

__________________

١ ـ النجم : ٤.

٢ ـ الإحكام في أُصول الأحكام لابن حزم ٦ / ٧٧٩.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

يحب ويرضى من غير رقة، ويبغض ويغضب من غير مشقة. يقول لمن أراد كونه كن فيكون. لا بصوت يقرع، ولا بنداء يسمع، وإنما كلامه سبحانه فعل منه أنشأه، ومثله لم يكن من قبل ذلك كائناً، ولو كان قديماً لكان إلهاً ثانياً.

لا يقال كان بعد أن لم يكن، فتجري عليه الصفات المحدثات، ولا يكون بينها وبينه فصل، ولا له عليها فضل، فيستوي الصانع والمصنوع، ويتكافأ المبتدئ والبديع.

خلق الخلائق على غير مثال خلا من غيره، ولم يستعن على خلقها بأحد من خلقه، وأنشأ الأرض فأمسكها من غير اشتغال، وأرساها على غير قرار، وأقامها بغير قوائم، ورفعها بغير دعائم، وحصنها من الأود والإعوجاج، ومنعها من التهافت والإنفراج. أرسى أوتادها، وضرب أسدادها، واستفاض عيونها، وخد أوديتها، فلم يهن ما بناه، ولا ضعف ما قواه.

هو الظاهر عليها بسلطانه وعظمته، وهو الباطن لها بعلمه ومعرفته، والعالي على كل شيء منها بجلاله وعزته، لا يعجزه شيء منها طلبه، ولا يمتنع عليه فيغلبه، ولا يفوته السريع منها فيسبقه، ولا يحتاج إلى ذي مال فيرزقه.

خضعت الأشياء له، وذلت مستكينة لعظمته، لا تستطيع الهرب من سلطانه إلى غيره فتمتنع من نفعه وضره، ولا كفؤ له فيكافئه، ولا نظير له فيساويه.

هو المفني لها بعد وجودها، حتى يصير موجودها كمفقودها، وليس فناء الدنيا بعد ابتداعها بأعجب من إنشائها واختراعها.

أوّل الدين معرفته.... وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه

- نهج البلاغة ج ١ ص ١٤

ومن خطبة لهعليه‌السلام يذكر فيها ابتداء خلق السماء والأرض وخلق آدم:

الحمد لله الذي لا يبلغ مدحته القائلون، ولا يحصي نعماءه العادون، ولا يؤدي حقه المجتهدون. الذي لا يدركه بعد الهمم، ولا يناله غوص الفطن، الذي ليس

١٤١

لصفته حد محدود، ولا نعت موجود، ولا وقت معدود، ولا أجل ممدود فطر الخلائق بقدرته، ونشر الرياح برحمته، ووتد بالصخور مَيَدَان أرضه..

أول الدين معرفته، وكمال معرفته التصديق به، وكمال التصديق به توحيده، وكمال توحيده الإخلاص له، وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه، لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف، وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة، فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه، ومن قرنه فقد ثناه، ومن ثناه فقد جزأه، ومن جزأه فقد جهله، ومن جهله فقد أشار إليه، ومن أشار إليه فقد حده، ومن حده فقد عده، ومن قال فيم فقد ضمنه، ومن قال علام فقد أخلى منه.

كائن لا عن حدث، موجود لا عن عدم، مع كل شيء لا بمقارنة، وغير كل شيء لا بمزايلة، فاعل لا بمعنى الحركات والآلة، بصير إذ لا منظور إليه من خلقه، متوحد إذ لا سكن يستأنس به، ولا يستوحش لفقده.

أنشأ الخلق إنشاء، وابتدأه ابتداء، بلا رَوِيَّةً أجالها، ولا تجربة استفادها، ولا حركة أحدثها، ولا همامة نفس اضطرب فيها، أحال الأشياء لأوقاتها، ولاءم بين مختلفاتها، وغرز غرائزها، وألزمها أشباحها، عالماً بها قبل ابتدائها، محيطاً بحدودها وانتهائها، عارفاً بقرائنها وأحنائها.

ثم أنشأ سبحانه فتق الأجواء، وشق الأرجاء، وسكائك الهواء، فأجرى فيها ماء متلاطماً تياره، متراكماً زخاره، حمله على متن الريح العاصفة، والزعزع القاصفة، فأمرها برده، وسلطها على شده، وقرنها إلى حده، الهواء من تحتها فتيق، والماء من فوقها دفيق.

ثم أنشأ سبحانه ريحاً اعتقم مهبهاً، وأدام مربها، وأعصف مجراها، وأبعد منشاها، فأمرها بتصفيق الماء الزخار، وإثارة موج البحار، فمخضته مخض السقاء، وعصفت به عصفها بالفضاء، ترد أوله إلى آخره، وساجيه إلى مائره، حتى عب عُبَابُه، ورمى بالزبد ركامه، فرفعه في هواء منفتق، وجو منفهق، فسوى منه سبع

١٤٢

سموات، جعل سفلاهن موجاً مكفوفاً، وعلياهن سقفاً محفوظاً، وسمكاً مرفوعاً، بغير عمد يدعمها، ولا دسار ينظمها.

ثم زينها بزينة الكواكب، وضياء الثواقب، وأجرى فيها سراجاً مستطيراً، وقمراً منيراً، في فلك دائر، وسقف سائر، ورقيم مائر، ثم فتق ما بين السموات العلا، فملأهن أطواراً من ملائكته، منهم سجود لا يركعون، وركوع لا ينتصبون، وصافون لا يتزايلون، ومسبحون لا يسأمون، لا يغشاهم نوم العين، ولا سهو العقول، ولا فترة الأبدان، ولا غفلة النسيان. ومنهم أمناء على وحيه، وألسنة إلى رسله، ومختلفون بقضائه وأمره. ومنهم الحفظة لعباده، والسدنة لأبواب جنانه. ومنهم الثابتة في الأرضين السفلى أقدامهم، والمارقة من السماء العليا أعناقهم، والخارجة من الأقطار أركانهم، والمناسبة لقوائم العرش أكتافهم، ناكسة دونه أبصارهم، متلفعون تحته بأجنحتهم، مضروبة بينهم وبين من دونهم حجب العزة وأستار القدرة، لا يتوهمون ربهم بالتصوير، ولا يجرون عليه صفات المصنوعين، ولا يحدونه بالأماكن، ولا يشيرون إليه بالنظائر.

ثم جمع سبحانه من حَزْن الأرض وسهلها، وعذبها وسبخها، تربة سنَّها بالماء حتى خلصت، ولاطها بالبلة حتى لزبت، فجبل منها صورة ذات أحناء ووصول، وأعضاء وفصول، أجمدها حتى استمسكت، وأصلدها حتى صلصلت، لوقت معدود، وأمد معلوم، ثم نفخ فيها من روحه، فمثلت إنساناً ذا أذهان يجيلها، وفكر يتصرف بها، وجوارح يختدمها، وأدوات يقلبها، ومعرفة يفرق بها بين الحق والباطل، والأذواق والمشام، والألوان والأجناس. معجوناً بطينة الألوان المختلفة، والأشباه المؤتلفة، والأضداد المتعادية، والأخلاط المتباينة، من الحر والبرد، والبلة والجمود، واستأدى الله سبحانه الملائكة وديعته لديهم، وعهد وصيته إليهم، في الإذعان بالسجود له، والخشوع لتكرمته....

١٤٣

كان المسلمون يعرفون قيمة الجواهر فيكتبونها

- التوحيد للشيخ الصدوق ص ٣١

حدثنا أبيرضي‌الله‌عنه قال: حدثنا سعد بن عبد الله قال: حدثنا أحمد بن أبي عبد الله، عن أبيه محمد بن خالد البرقي، عن أحمد بن النضر وغيره، عن عمرو بن ثابت، عن رجل سماه، عن أبي إسحاق السبيعي، عن الحارث الأعور قال: خطب أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام يوماً خطبة بعد العصر، فعجب الناس من حسن صفته وما ذكر من تعظيم الله جل جلاله، قال أبو إسحاق فقلت للحارث: أو ما حفظتها قال: قد كتبتها، فأملاها علينا من كتابه:

الحمد لله الذي لا يموت، ولا تنقضي عجائبه، لأنه كل يوم في شأن، من إحداث بديع لم يكن. الذي لم يولد فيكون في العز مشاركاً، ولم يلد فيكون موروثاً هالكاً، ولم تقع عليه الأوهام فتقدره شبحاً ماثلاً، ولم تدركه الأبصار فيكون بعد انتقالها حائلاً، الذي ليست له في أوليته نهاية، ولا في آخريته حد ولا غاية، الذي لم يسبقه وقت، ولم يتقدمه زمان، ولم يتعاوره زيادة ولا نقصان، ولم يوصف بأين ولا بمكان، الذي بطن من خفيات الأمور، وظهر في العقول بما يرى في خلقه من علامات التدبير. الذي سئلت الأنبياء عنه فلم تصفه بحد ولا بنقص، بل وصفته بأفعاله، ودلت عليه بآياته، ولا تستطيع عقول المتفكرين جحده، لأن من كانت السماوات والأرض فطرته وما فيهن وما بينهن هو الصانع لهن، فلا مدفع لقدرته.

الذي بان من الخلق فلا شيء كمثله. الذي خلق الخلق لعبادته وأقدرهم على طاعته بما جعل فيهم، وقطع عذرهم بالحجج، فعن بينة هلك من هلك وعن بينة نجا من نجا. ولله الفضل مبدئاً ومعيدا....

الحمد لله اللابس الكبرياء بلا تجسد، والمرتدي بالجلال بلا تمثل، والمستوي على العرش بلا زوال، والمتعالي عن الخلق بلا تباعد منهم، القريب منهم بلا ملامسة منه لهم، ليس له حد ينتهي إلى حده، ولا له مثل فيعرف بمثله، ذل من

١٤٤

تجبر غيره، وصغر من تكبر دونه، وتواضعت الأشياء لعظمته، وانقادت لسلطانه وعزته، وكلت عن إدراكه طروف العيون، وقصرت دون بلوغ صفته أوهام الخلائق، الأول قبل كل شيء والآخر بعد كل شيء، ولا يعدله شيء، الظاهر على كل شيء بالقهر له، والمشاهد لجميع الأماكن بلا انتقال إليها، ولا تلمسه لامسة ولا تحسه حاسة، وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله وهو الحكيم العليم. أتقن ما أراد خلقه من الأشياء كلها بلا مثال سبق إليه، ولا لغوب دخل عليه، في خلق ما خلق .... إلى آخر الخطبة.

أمير المؤمنين يردّ على تجسيم اليهود

- قال الصدوق في كتابه التوحيد ص ٧٧

حدثنا أبوسعيد محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق المذكر المعروف بأبي سعيد المعلم بنيسابور، قال حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان، قال حدثنا علي ابن سلمة الليفي، قال حدثنا إسماعيل بن يحيى بن عبد الله، عن عبد الله بن طلحة بن هجيم، قال حدثنا أبو سنان الشيباني سعيد بن سنان، عن الضحاك، عن النزال بن سبرة قال: جاء يهودي إلى علي بن أبي طالبعليه‌السلام فقال: يا أمير المؤمنين متى كان ربنا؟ قال فقال له عليعليه‌السلام : إنما يقال: متى كان لشيء لم يكن فكان، وربنا تبارك وتعالى هو كائن بلا كينونة كائن، كان بلا كيف يكون، كائن لم يزل بلا لم يزل، وبلا كيف يكون، كان لم يزل ليس له قبل، هو قبل القبل بلا قبل وبلا غاية ولا منتهى، غاية ولا غاية إليها، غاية انقطعت الغايات عنه، فهو غايه كل غاية.

أخبرني أبوالعباس الفضل بن الفضل بن العباس الكندي فيما أجازه لي بهمدان سنة أربع وخمسين وثلاثمائة قال: حدثنا محمد بن سهل يعني العطار البغدادي لفظاً من كتابه سنة خمس وثلاثمائة قال: حدثنا عبد الله بن محمد البلوي قال: حدثني عمارة بن زيد، قال: حدثني عبد الله بن العلاء قال: حدثني صالح بن سبيع، عن عمرو بن محمد بن صعصعة بن صوحان قال: حدثني أبي، عن أبي المعتمر مسلم بن أوس قال: حضرت مجلس عليعليه‌السلام في جامع الكوفة فقام إليه رجل مصفر

١٤٥

اللون كأنه من متهودة اليمن فقال: يا أمير المؤمنين صف لنا خالقك وانعته لنا كأنا نراه وننظر إليه، فسبح عليعليه‌السلام ربه وعظمه عز وجل وقال:

الحمد لله الذي هو أول بلا بدء مما، ولا باطن فيما، ولا يزال مهما، ولا ممازج مع ما، ولا خيال وهما، ليس بشبح فيرى، ولا بجسم فيتجزى، ولا بذي غاية فيتناهى، ولا بمحدث فيبصر، ولا بمستتر فيكشف، ولا بذي حجب فيحوى.

كان ولا أماكن تحمله أكنافها، ولا حملة ترفعه بقوتها، ولا كان بعد أن لم يكن، بل حارت الأوهام أن تكيف المكيف للأشياء ومن لم يزل بلا مكان، ولا يزول باختلاف الأزمان، ولا ينقلب شاناً بعد شان.

البعيد من حدس القلوب، المتعالي عن الأشياء والضروب، والوتر علام الغيوب، فمعاني الخلق عنه منفية، وسرائرهم عليه غير خفية، المعروف بغير كيفية، لا يدرك بالحواس، ولا يقاس بالناس، ولا تدركه الأبصار، ولا تحيط به الأفكار، ولا تقدره العقول، ولا تقع عليه الأوهام، فكل ما قدره عقل أو عرف له مثل فهو محدود، وكيف يوصف بالأشباح، وينعت بالألسن الفصاح، من لم يحلل في الأشياء فيقال هو فيها كائن، ولم ينأ عنها فيقال هو عنها بائن، ولم يخل منها فيقال أين، ولم يقرب منها بالإلتزاق، ولم يبعد عنها بالإفتراق، بل هو في الأشياء بلا كيفية، وهو أقرب إلينا من حبل الوريد، وأبعد من الشبه من كل بعيد.

لم يخلق الأشياء من أصول أزلية، ولا من أوائل كانت قبله بدية،بل خلق ما خلق، وأتقن خلقه، وصور ما صور، فأحسن صورته، فسبحان من توحد في علوه، فليس لشيء منه امتناع، ولا له بطاعة أحد من خلقه انتفاع، إجابته للداعين سريعة، والملائكة له في السماوات والأرض مطيعة، كلم موسى تكليماً بلا جوارح وأدوات، ولا شفة ولا لهوات، سبحانه وتعالى عن الصفات، فمن زعم أن إله الخلق محدود، فقد جهل الخالق المعبود .... والخطبة طويلة أخذنا منها موضع الحاجة.. انتهى.

وقد تقدم في الفصل الأول رده على كعب الأحبار فى مجلس الخليفة عمر.

١٤٦

ويوجّه المسلمين إلى التفكّر في عظمة المخلوقات فيصف الطاووس

- نهج البلاغة ج ٢ ص ٧٠

١٦٥ ومن خطبة لهعليه‌السلام يذكر فيها عجيب خلقة الطاووس:

ابتدعهم خلقاً عجيباً من حيوان وموات، وساكن وذي حركات، فأقام من شواهد البينات على لطيف صنعته وعظيم قدرته، ما انقادت له العقول معترفة به ومسلمة له، ونعقت في أسماعنا دلائله على وحدانيته.

وما ذرأ من مختلف صور الأطيار، التي أسكنها أخاديد الأرض وخروق فجاجها، ورواسي أعلامها، من ذات أجنحة مختلفة، وهيئات متباينة، مصرفة في زمان التسخير، ومرفرفة بأجنحتها في مخارق الجو المنفسح، والفضاء المنفرج.

كَوَّنها بعد أن لم تكن، في عجائب صور ظاهرة، وركبها في حقاق مفاصل محتجبة، ومنع بعضها بعبالة خلقة، أن يسمو في السماء خفوفاً، وجعله يدف دفيفاً، ونسقها على اختلافها في الأصابيغ بلطيف قدرته، ودقيق صنعته، فمنها مغموس في قالب لون لا يشوبه غير لون ما غمس فيه، ومنها مغموس في لون صبغ قد طوق بخلاف ما صبغ به، ومن أعجبها خلقاً الطاووس الذي أقامه في أحكم تعديل، ونضد ألوانه في أحسن تنضيد، بجناح أشرج قصبه، وذنب أطال مسحبه.

إذا درج إلى الأنثى نشره من طيه، وسما به مطلاً على رأسه، كأنه قلع داري عَنَجَهُ نُوتِيُّهُ، يختال بألوانه، ويميس بزيفانه، يفضي كإفضاء الديكة، وَيُؤرُّ بملاقحة أرَّ الفحول المغتلمة للضراب الضراب.

أحيلك من ذلك على معاينة، لا كمن يحيل على ضعيف إسناده، ولو كان كزعم من يزعم أنه يلقح بدمعة تسفحها مدامعه، فتقف في ضفتي جفونه، وأن أنثاه تطعم ذلك، ثم تبيض لا من لقاح فحل، سوى الدمع المنبجس، لما كان ذلك بأعجب من مطاعمة الغراب.

تخال قصبه مداري من فضة، وما أنبت عليها من عجيب داراته، وشموسه

١٤٧

خالص العقيان، وفلذ الزبرجد، فإن شبهته بما أنبتت الأرض قلت: جني جني من زهرة كل ربيع، وإن ضاهيته بالملابس فهو كموشى الحلل، أو مونق عصب اليمن، وإن شاكلته بالحلي فهو كفصوص ذات ألوان قد نطقت باللجين المكلل.

يمشي مشي المرح المختال، ويتصفح ذنبه وجناحيه فيقهقه ضاحكاً لجمال سرباله، وأصابيغ وشاحه، فإذا رمى ببصره إلى قوائمه، زقا معولاً بصوت يكاد يبين عن استغاثته، ويشهد بصادق توجعه، لأن قوائمه حمش كقوائم الديكة الخلاسية، وقد نجمت من ظنبوب ساقه صيصية خفية.

وله في موضع العرف قنزعة خضراء موشاة، ومخرج عنقه كالإبريق، ومغرزها إلى حيث بطنه كصبغ الوسمة اليمانية، أو كحريرة ملبسة مرآة ذات صقال، وكأنه متلفع بمعجر أسحم، إلا أنه يخيل لكثرة مائه وشدة بريقه أن الخضرة الناضرة ممتزجة به، ومع فتق سمعه خط كمستدق القلم في لون الأقحوان، أبيض يقق، فهو ببياضه في سواد ما هنالك يأتلق، وقل صبغ إلا وقد أخذ منه بقسط، وعلاه بكثرة صقاله وبريقه، وبصيص ديباجه ورونقه، فهو كالأزاهير المبثوثة لم تربها أمطار ربيع، ولا شموس قيظ، وقد يتحسر من ريشه، ويعرى من لباسه، فيسقط تترى، وينبت تباعاً، فينحت من قصبه انحتات أوراق الأغصان، ثم يتلاحق نامياً حتى يعود كهيئته قبل سقوطه، لا يخالف سالف ألوانه، ولا يقع لون في غير مكانه.

وإذا تصفحت شعرة من شعرات قصبه أرتك حمرة وردية، وتارة خضرة زبرجدية، وأحياناً صفرة عسجدية.

فكيف تصل إلى صفة هذا عمائق الفطن، أو تبلغه قرائح العقول، أو تستنظم وصفه أقوال الواصفين! وأقل أجزائه قد أعجز الأوهام أن تدركه، والألسنة أن تصفه، فسبحان الذي بهر العقول عن وصف خلق جلاه للعيون، فأدركته محدوداً مكوناً، ومؤلفاً ملوناً، وأعجز الألسن عن تلخيص صفته، وقعد بها عن تأدية نعته.

وسبحان من أدمج قوائم الذرة والهمجة، إلى ما فوقهما من خلق الحيتان والأفيلة،

١٤٨

ووأى على نفسه أن لا يضطرب شبح مما أولج فيه الروح، إلا وجعل الحمام موعده، والفناء غايته...

ويصف النملة والجرادة

- نهج البلاغة ج ٢ ص ١١٥

١٨٥ ومن خطبة لهعليه‌السلام :.... ولو فكروا في عظيم القدرة وجسيم النعمة، لرجعوا إلى الطريق، وخافوا عذاب الحريق، ولكن القلوب عليلة، والبصائر مدخولة.

ألا تنظرون إلى صغير ما خلق كيف أحكم خلقه، وأتقن تركيبه، وفلق له السمع والبصر، وسوى له العظم والبشر. أنظروا إلى النملة في صغر جثتها، ولطافة هيئتها، لا تكاد تنال بلحظ البصر، ولا بمستدرك الفكر، كيف دبت على أرضها، وصبت على رزقها، تنقل الحبة إلى جحرها، وتعدها في مستقرها، تجمع في حرها لبردها، وفي وردها لصدرها، مكفولة برزقها، مرزوقة بوفقها، لا يغفلها المنان، ولا يحرمها الديان، ولو في الصفا اليابس، والحجر الجامس.

ولو فكرت في مجاري أكلها، في علوها وسفلها، وما في الجوف من شراسيف بطنها، وما في الرأس من عينها وأذنها، لقضيت من خلقها عجباً، ولقيت من وصفها تعبا. فتعالى الذي أقامها على قوائمها، وبناها على دعائمها، لم يشركه في فطرتها فاطر، ولم يعنه في خلقها قادر.

ولو ضربت في مذاهب فكرك لتبلغ غاياته، ما دلتك الدلالة إلا على أن فاطر النملة هو فاطر النخلة، لدقيق تفصيل كل شيء، وغامض اختلاف كل حي، وما الجليل واللطيف، والثقيل والخفيف، والقوي والضعيف، في خلقه إلا سواء، وكذلك السماء والهواء، والرياح والماء. فانظر إلى الشمس والقمر، والنبات والشجر، والماء والحجر، واختلاف هذا الليل والنهار، وتفجر هذه البحار، وكثرة هذه الجبال، وطول هذه القلال، وتفرق هذه اللغات، والألسن المختلفات.

١٤٩

فالويل لمن جحد المقدر وأنكر المدبر. زعموا أنهم كالنبات ما لهم زارع، ولا لاختلاف صورهم صانع، ولم يلجؤوا إلى حجة فيما ادعوا، ولا تحقيق لما أوعوا. وهل يكون بناء من غير بان، أو جناية من غير جان.

وإن شئت قلت في الجرادة، إذ خلق لها عينين حمراوين، وأسرج لها حدقتين قمراوين، وجعل لها السمع الخفي، وفتح لها الفم السوي، وجعل لها الحس القوي، ونابين بهما تقرض، ومنجلين بهما تقبض، يرهبها الزراع في زرعهم، ولا يستطيعون ذبها ولو أجلبوا بجمعهم، حتى ترد الحرث في نزواتها، وتقضي منه شهواتها، وخلقها كله لا يكون إصبعاً مستدقة.

فتبارك الله الذي يسجد له من في السموات والأرض طوعاً وكرهاً، ويعفرِّ له خداً ووجهاً، ويلقى إليه بالطاعة سلماً وضعفاً، ويعطى له القياد رهبة وخوفاً، فالطير مسخرة لأمره، أحصى عدد الريش منها والنفس، وأرسى قوائمها على الندى واليبس، وقدر أقواتها، وأحصى أجناسها، فهذا غراب، وهذا عقاب، وهذا حمام، وهذا نعام. دعا كل طائر باسمه، وكفل له برزقه، وأنشأ السحاب الثقال فأهطل ديمها، وعدد قسمها، فبلَّ الأرض بعد جفوفها، وأخرج نبتها بعد جدوبها.

عليعليه‌السلام مؤسّس علم التوحيد

- أمالي المرتضى ج ١ ص ١٠٣

إعلم أن أصول التوحيد والعدل مأخوذة من كلام أمير المؤمنين عليعليه‌السلام وخطبه، وأنها تتضمن من ذلك ما لا مزيد عليه ولا غاية وراءه، ومن تأمل المأثور في ذلك من كلامه، علم أن جميع ما أسهب المتكلمون من بعد في تصنيفه وجمعه، إنما هو تفصيل لتلك الجمل، وشرح لتلك الأصول.

وروي عن الأئمة من أبناءهعليهم‌السلام من ذلك ما لا يكاد يحاط به كثرة، ومن أحب الوقوف عليه وطلبه من مظانه أصاب منه الكثير الغزير، الذي في بعضه شفاء للصدور السقيمة،

١٥٠

ونتاج للعقول العقيمة، ونحن نقدم على ما نريد ذكره شيئاً مما روي عنهم في هذا الباب. فمن ذلك ما روي عن أمير المؤمنين عليعليه‌السلام وهو يصف الله تعالى:

بمضادته بين الأشياء علم أن لا ضد له، وبمقارنته بين الأمور علم أن لا قرين له، ضاد النور بالظلمة، والخشونة بالليل، واليبوسة بالبلل، والصرد بالحرور، مؤلف بين متباعداتها، مفرق بين متدانياتها.

وروي عنهعليه‌السلام أنه سئل: بم عرفت ربك؟ فقال: بما عرفني به. قيل: وكيف عرفك؟ قال: لا تشبهه صورة، ولا يحس بالحواس، ولا يقاس بقياس الناس.

وقيل لهعليه‌السلام : كيف يحاسب الله الخلق؟ قال: كما يرزقهم. فقيل كيف يحاسبهم ولا يرونه؟ فقال: كما يرزقهم ولا يرونه.

وسأله رجل فقال: أين كان ربك قبل أن يخلق السماء والأرض؟ فقال: أين سؤال عن مكان، وكان الله ولا مكان.

الإمام زين العابدينعليه‌السلام ينظم زبور آل محمد

- قالعليه‌السلام في أدعيته المعروفة بالصحيفة السجادية، الدعاء الأول:

الحمد لله الأول بلا أول كان قبله، والآخر بلا آخر يكون بعده، الذي قصرت عن رؤيته أبصار الناظرين، وعجزت عن نعته أوهام الواصفين، ابتدع بقدرته الخلق ابتداعاً، واخترعهم على مشيته اختراعاً، ثم سلك بهم طريق إرادته، وبعثهم في سبيل محبته، لا يملكون تأخيراً عما قدمهم إليه، ولا يستطيعون تقدماً إلى ما أخرهم عنه، وجعل لكل روح منهم قوتاً معلوماً مقسوماً من رزقه، لا ينقص من زاده ناقص، ولا يزيد من نقص منهم زائد، ثم ضرب له في الحياة أجلاً موقوتاً، ونصب له أمداً محدوداً، يتخطى إليه بأيام عمره، ويرهقه بأعوام دهره، حتى إذا بلغ أقصى أثره، واستوعب حساب عمره، قبضه إلى ما ندبه إليه من موفور ثوابه، أو محذور عقابه، ليجزي الذين أساؤا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى، عدلاً منه تقدست أسماؤه، وتظاهرت آلاؤه، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون....

١٥١

- الصحيفة السجادية الدعاء الثاني والثلاثون

وكان من دعائهعليه‌السلام بعد الفراغ من صلاة الليل: اللهم ياذا الملك المتأبد بالخلود والسلطان، الممتنع بغير جنود ولا أعوان، والعز الباقي على مر الدهور وخوالي الاعوام، ومواضي الأزمان والأيام، عز سلطانك عزاً لا حد له بأولية، ولا منتهى له بآخرية، واستعلى ملكك علواً سقطت الأشياء دون بلوغ أمده، ولا يبلغ أدنى ما استأثرت به من ذلك أقصى نعت الناعتين، ضلت فيك الصفات، وتفسخت دونك النعوت، وحارت في كبريائك لطائف الأوهام.

كذلك أنت الله الأول في أوليتك، وعلى ذلك أنت دائم لا تزول.

وأنا العبد الضعيف عملاً، الجسيم أملاً، خرجت من يدي أسباب الوصلات إلا ما وصلته رحمتك، وتقطعت عني عصم الآمال إلا ما أنا معتصم به من عفوك، قلَّ عندي ما أعتد به من طاعتك، وكثر علي ما أبوء به من معصيتك، ولن يضيق عليك عفو عن عبدك وإن أساء، فاعف عني.....

- الصحيفة السجادية ج ٢ ص ٢١

دعاؤهعليه‌السلام في التحميد لله عز وجل:الحمد لله الذي تجلى للقلوب بالعظمة، واحتجت عن الأبصار بالعزة، واقتدر على الأشياء بالقدرة، فلا الأبصار تثبت لرؤيته، ولا الأوهام تبلغ كنه عظمته، تجبر بالعظمة والكبرياء، وتعطف بالعز والبر والجلال، وتقدس بالحسن والجمال، وتجمل بالفخر والبهاء، وتهلل بالمجد والآلاء، واستخلص بالنور والضياء. خالق لا نظير له، وواحد لاند له، وماجد لا ضد له، وصمد لا كفو له، وإله لا ثاني معه، وفاطر لا شريك له، ورازق لا معين له، الأول بلا زوال، والدائم بلا فناء، والقائم بلا عناء، والباقي بلا نهاية، والمبدئ بلا أمد، والصانع بلا ظهير، والرب بلا شريك، والفاطر بلا كلفة، والفاعل بلا عجز.

ليس له حد في مكان، ولا غاية في زمان، لم يزل ولا يزول ولن يزال، كذلك أبداً هو الإله الحي القيوم، الدائم القديم، القادر الحكيم ....

١٥٢

الإمام محمد الباقرعليه‌السلام يجيب على سؤال متى وجد الله

- الكافي ج ٨ ص ١٢٠

عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن الحسن بن محبوب، عن أبي حمزة ثابت بن دينار الثمالي وأبي منصور، عن أبي الربيع قال: حججنا مع أبي جعفرعليه‌السلام في السنة التي كان حج فيها هشام بن عبد الملك، وكان معه نافع مولى عمر بن الخطاب، فنظر نافع إلى أبي جعفرعليه‌السلام في ركن البيت وقد اجتمع عليه الناس فقال نافع: يا أمير المؤمنين من هذا الذي قد تداك عليه الناس؟ فقال: هذا نبي أهل الكوفة، هذا محمد بن علي!

فقال: أشهد لآتينه فلأسألنه عن مسائل لا يجيبني فيها إلا نبي أو ابن نبي أو وصي نبي، قال: فاذهب إليه وسله لعلك تخجله.

فجاء نافع حتى اتكأ على الناس ثم أشرف على أبي جعفرعليه‌السلام فقال: يا محمد بن علي إني قرأت التوراة والإنجيل والزبور والفرقان، وقد عرفت حلالها وحرامها، وقد جئت أسألك عن مسائل لا يجيب فيها إلا نبي أو وصي نبي أو ابن نبي، قال فرفع أبو جعفرعليه‌السلام رأسه فقال: سل عما بدا لك.

فقال: أخبرني كم بين عيسى وبين محمد من سنة.

قال: أخبرك بقولي أو بقولك؟

قال: أخبرني بالقولين جميعاً.

قال: أما في قولي فخمسمائة سنة، وأما في قولك فستمائة سنة.

قال: فأخبرني عن قول الله عز وجل لنبيه: واسأل من أرسلنا قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون. من الذي سأل محمد، وكان بينه وبين عيسى خمسمائة سنة.

فقال: فتلا أبو جعفرعليه‌السلام هذه الآية: سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا. فكان من الآيات التي

١٥٣

أراها الله تبارك وتعالى محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله حيث أسرى به إلى بيت المقدس أن حشر الله عز ذكره الأولين والآخرين من النبيين والمرسلين، ثم أمر جبرئيلعليه‌السلام فأذن شفعاً وأقام شفعاً وقال في أذانه حي على خير العمل، ثم تقدم محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله فصلى بالقوم فلما انصرف قال لهم: على ما تشهدون وما كنتم تعبدون؟ قالوا: نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنك رسول الله، أخذ على ذلك عهودنا ومواثيقنا.

فقال نافع: صدقت يا أبا جعفر، فأخبرني عن قول الله عز وجل: أولم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما.

قال: إن الله تبارك وتعالى لما أهبط آدم إلى الأرض وكانت السماوات رتقاً لا تمطر شيئاً، وكانت الأرض رتقاً لا تنبت شيئاً، فلما أن تاب الله عز وجل على آدمعليه‌السلام أمر السماء فتقطرت بالغمام ثم أمرها فأرخت عزاليها، ثم أمر الأرض فأنبتت الأشجار وأثمرت الثمار وتفهقت بالأنهار، فكان ذلك رتقها، وهذا فتقها.

قال نافع: صدقت يابن رسول الله، فأخبرني عن قول الله عز وجل: يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات، أي أرض تبدل يومئذ.

فقال أبو جعفرعليه‌السلام : أرض تبقى خبزة يأكلون منها حتى يفرغ الله عز وجل من الحساب.

فقال نافع: إنهم عن الأكل لمشغولون.

فقال أبو جعفر: أهم يومئذ أشغل أم إذ هم في النار؟

فقال نافع: بل إذ هم في النار.

قال: فوالله ما شغلهم إذ دعوا بالطعام فأطعموا الزقوم، ودعوا بالشراب فسقوا الحميم.

قال: صدقت يابن رسول الله، ولقد بقيت مسألة واحدة.

قال: وما هي.

قال: أخبرني عن الله تبارك وتعالى متى كان؟

١٥٤

قال: ويلك متى لم يكن حتى أخبرك متى كان! سبحان من لم يزل ولا يزال، فرداً صمداً لم يتخذ صاحبة ولا ولداً، ثم قال: يا نافع أخبرني عما أسألك عنه.

قال: وما هو.

قال: ما تقول في أصحاب النهروان، فإن قلت إن أمير المؤمنين قتلهم بحق فقد ارتددت، وإن قلت إنه قتلهم باطلاً فقد كفرت.

قال: فولى من عنده وهو يقول: أنت والله أعلم الناس حقاً حقا، فأتى هشاماً فقال له: ما صنعت؟ قال: دعني من كلامك، هذا والله أعلم الناس حقاً حقا، وهو ابن رسول الله حقاً، ويحق لأصحابه أن يتخذوه نبياً!! انتهى.

والظاهر أن الإمام الباقرعليه‌السلام سأل نافعاً عن رأيه في الخوارج، لأن نافعاً كان ناصبياً مؤيداً لرأي الخوارج في تكفير عليعليه‌السلام .

ويركز في المسلمين قاعدة: لا تشبيه ولا تعطيل

- التوحيد للصدوق ص ١٠٤

أبي رحمه‌الله قال: حدثنا سعد بن عبد الله الأشعري قال: حدثنا أحمد بن محمد بن خالد، عن محمد بن عيسى عمن ذكره قال: سئل أبو جعفرعليه‌السلام أيجوز أن يقال: إن الله عز وجل شيء قال: نعم، يخرجه عن الحدين حد التعطيل وحد التشبيه.

الإمام الصادقعليه‌السلام : لا نفي ولا تشبيه ولا جبر ولا تفويض

- قال الصدوق في كتابه التوحيد ص ١٠٢

حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه‌الله قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار قال: حدثنا العباس بن معروف قال: حدثنا ابن أبي نجران عن حماد بن عثمان، عن عبدالرحيم القصير قال: كتبت على يدي عبد الملك بن أعين إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام بمسائل، فيها: أخبرني عن الله عز وجل هل يوصف بالصورة وبالتخطيط فإن رأيت جعلني الله فداك أن تكتب إلي بالمذهب الصحيح من التوحيد،

١٥٥

فكتبعليه‌السلام بيد عبد الملك بن أعين:

سألت رحمك الله عن التوحيد وما ذهب إليه من قبلك، فتعالى الله الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، تعالى الله عما يصفه الواصفون المشبهون الله تبارك وتعالى بخلقه، المفترون على الله. واعلم رحمك الله أن المذهب الصحيح في التوحيد ما نزل به القرآن من صفات الله عز وجل، فانف عن الله البطلان والتشبيه، فلا نفي ولا تشبيه، هو الله الثابت الموجود، تعالى الله عما يصفه الواصفون، ولا تَعْدُ القرآن فتضل بعد البيان.

- توحيد الصدوق ص ١٠٣

حدثني محمد بن موسى بن المتوكل رحمه‌الله قال: حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن يعقوب السراج قال: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : إن بعض أصحابنا يزعم أن لله صورة مثل صورة الإنسان، وقال آخر إنه في صورة أمرد جعد قطط، فخر أبو عبد الله ساجداً، ثم رفع رأسه، فقال: سبحان الله الذي ليس كمثله شيء، ولا تدركه الأبصار، ولا يحيط به علم، لم يلد لأن الولد يشبه أباه، ولم يولد فيشبه من كان قبله، ولم يكن له من خلقه كفواً أحد، تعالى عن صفة من سواه علواً كبيرا.

المؤمنون يرون الله بعقولهم وقلوبهم في الدنيا والآخرة

- بحار الأنوار ج ٤ ص ٣١

لي: الطالقاني، عن ابن عقدة، عن المنذر بن محمد، عن علي بن إسماعيل الميثمي، عن إسماعيل بن الفضل قال: سألت أبا عبد الله جعفر بن محمد الصادقعليهما‌السلام عن الله تبارك وتعالى هل يرى في المعاد فقال: سبحان الله وتعالى عن ذلك علواً كبيرا. يا ابن الفضل، إن الأبصار لا تدرك إلا ماله لون وكيفية، والله خالق الألوان والكيفية.

١٥٦

- بحار الأنوار ج ٤ ص ٤٤

يد: الدقاق، عن الأسدي، عن النخعي، عن النوفلي، عن البطائني، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قلت له: أخبرني عن الله عز وجل هل يراه المؤمنون يوم القيامة.

قال: نعم وقد رأوه قبل يوم القيامة.

فقلت: متى؟

قال: حين قال لهم: ألست بربكم قالوا بلى. ثم سكت ساعة ثم قال: وإن المؤمنين ليرونه في الدنيا قبل يوم القيامة، ألست تراه في وقتك هذا؟ قال أبو بصير فقلت له: جعلت فداك فأحدث بهذا عنك؟ فقال لا، فإنك إذا حدثت به فأنكره منكر جاهل بمعنى ما تقوله، ثم قدر أن ذلك تشبيه كَفَر، وليست الرؤية بالقلب كالرؤية بالعين، تعالى الله عما يصفه المشبهون والملحدون.

ضه: سأل محمد الحلبي الصادقعليه‌السلام فقال: رأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ربه قال: نعم رآه بقلبه، فأما ربنا جل جلاله فلاتدركه أبصار حدق الناظرين، ولا تحيط به أسماع السامعين.

- بحار الأنوار ج ٤ ص ٣٣

ج: عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قوله: لا تدركه الأبصار، قال: إحاطة الوهم، ألا ترى إلى قوله: قد جاءكم بصائر من ربكم، ليس يعني بصر العيون. فمن أبصر فلنفسه، ليس يعني من أبصر بعينه، ومن عمي فعليها، ليس يعني عمى العيون، إنما عنى إحاطة الوهم، كما يقال فلان بصير بالشعر، وفلان بصير بالفقه، وفلان بصير بالدراهم، وفلان بصير بالثياب. الله أعظم من أن يرى بالعين.

الإمام الصادقعليه‌السلام يردّ على الحلول والثنائية بين الذات والصفات

- الكافي ج ١ ص ٨٢

عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد البرقي، عن أبيه، عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبي، عن ابن مسكان، عن زرارة بن أعين قال: سمعت أبا

١٥٧

عبد اللهعليه‌السلام يقول: إن الله خلو من خلقه وخلقه خلو منه، وكل ما وقع عليه شيء ما خلا الله فهو مخلوق، والله خالق كل شيء، تبارك الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.

- الكافي ج ١ ص ٨٣

علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن العباس بن عمرو الفقيمي، عن هشام بن الحكم عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنه قال للزنديق حين سأله: ما هو قال: هو شيء بخلاف الأشياء، أرجع بقولي إلى إثبات معنى وأنه شيء بحقيقة الشيئية، غير أنه لا جسم ولا صورة ولا يحس ولا يجس ولا يدرك بالحواس الخمس، لا تدركه الأوهام ولا تنقصه الدهور، ولا تغيره الأزمان، فقال له السائل: فتقول إنه سميع بصير قال: هو سميع بصير: سميع بغير جارحة وبصير بغير آلة، بل يسمع بنفسه ويبصر بنفسه، ليس قولي إنه سميع يسمع بنفسه وبصير يبصر بنفسه أنه شيء والنفس شيء آخر، ولكن أردت عبارة عن نفسي إذ كنت مسؤولاً وإفهاماً لك إذ كنت سائلاً، فأقول: إنه سميع بكله لا أن الكل منه له بعض، ولكني أردت إفهامك والتعبير عن نفسي، وليس مرجعي في ذلك إلا إلى أنه السميع.

- الكافي ج ١ ص ٨٧

علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النضر بن سويد، عن هشام بن الحكم أنه سأل أبا عبد اللهعليه‌السلام عن أسماء الله واشتقاقها: الله مما هو مشتق؟ قال: فقال لي: يا هشام الله مشتق من أله، والإله يقتضي مألوهاً والإسم غير المسمى، فمن عبد الإسم دون المعنى فقد كفر ولم يعبد شيئاً، ومن عبد الإسم والمعنى فقد كفر وعبد اثنين، ومن عبد المعنى دون الإسم فذاك التوحيد، أفهمت يا هشام؟ قال فقلت: زدني قال: إن لله تسعة وتسعين إسماً فلو كان الإسم هو المسمى لكان كل إسم منها إلهاً، ولكن الله معنى يدل عليه بهذه الأسماء وكلها غيره، يا هشام الخبز إسم للمأكول والماء إسم للمشروب والثوب إسم للملبوس والنار إسم للمحرق، أفهمت يا هشام فهماً تدفع به وتناضل به أعداءنا والمتخذين مع الله عز وجل غيره؟ قلت: نعم.

١٥٨

قال فقال: نفعك الله به وثبتك يا هشام، قال هشام فوالله ما قهرني أحد في التوحيد حتى قمت مقامي هذا.

- علي بن إبراهيم، عن العباس بن معروف، عن عبد الرحمن بن أبي نجران قال: كتبت إلى أبي جعفرعليه‌السلام أو قلت له: جعلني الله فداك نعبد الرحمن الرحيم الواحد الأحد الصمد؟ قال: فقال: إن من عبد الإسم دون المسمى بالأسماء أشرك وكفر وجحد ولم يعبد شيئاً بل أعبد الله الواحد الأحد الصمد المسمى بهذه الأسماء دون الأسماء أن الأسماء صفات وصف بها نفسه.

- الكافي ج ١ ص ١٠٣

علي بن محمد، عن سهل بن زياد، وعن غيره، عن محمد بن سليمان، عن علي بن إبراهيم، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قال: إن الله عظيم رفيع لا يقدر العباد على صفته، ولا يبلغون كنه عظمته، لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير، ولا يوصف بكيف ولا أين وحيث، وكيف أصفه بالكيف وهو الذي كيف الكيف حتى صار كيفاً فعرفت الكيف بما كيف لنا من الكيف، أم كيف أصفه بأين وهو الذي أين الأين حتى صار أيناً فعرفت الأين بما أين لنا من الأين، أم كيف أصفه بحيث وهو الذي حيث الحيث حتى صار حيثاً فعرفت الحيث بما حيث لنا من الحيث، فالله تبارك وتعالى داخل في كل مكان وخارج من كل شيء، لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار. لا إله إلا هو العلي العظيم، وهو اللطيف الخبير.

الإمام الكاظمعليه‌السلام يردّ على تجسيد النصارى

- وقال الصدوق في كتابه التوحيد ص ٣٠

حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمدانيرضي‌الله‌عنه قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن القاسم بن يحيى، عن جده الحسن بن راشد، عن يعقوب بن جعفر قال: سمعت أبا إبراهيم موسى بن جعفرعليهما‌السلام وهو يكلم راهباً من النصارى،

١٥٩

فقال له في بعض ما ناظره: إن الله تبارك وتعالى أجل وأعظم من أن يحد بيد أو رجل أو حركة أو سكون، أو يوصف بطول أو قصر، أو تبلغه الأوهام، أو تحيط به صفة العقول. أنزل مواعظه ووعده ووعيده، أمر بلا شفة ولا لسان، ولكن كما شاء أن يقول له كن، فكان خبراً كما أراد في اللوح.

ويبيّن أنّ الله تعالى غنيٌّ عن النزول والحركة

- قال الصدوق في كتابه التوحيد ص ١٨٣

حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه‌الله قال: حدثنا محمد بن عبد الله الكوفي قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي، عن علي بن العباس، عن الحسن بن راشد، عن يعقوب بن جعفر الجعفري، عن أبي إبراهيم موسى بن جعفرعليهما‌السلام قال: ذكر عنده قوم يزعمون أن الله تبارك وتعالى ينزل إلى السماء الدنيا، فقال: إن الله تبارك وتعالى لا ينزل، ولا يحتاج إلى أن ينزل، إنما منظره في القرب والبعد سواء، لم يبعد منه قريب، ولم يقرب منه بعيد، ولم يحتج بل يحتاج إليه، وهو ذو الطَّول، لا إله إلا هو العزيز الحكيم. أما قول الواصفين: إنه تبارك وتعالى ينزل، فإنما يقول ذلك من ينسبه إلى نقص أو زيادة، وكل متحرك محتاج إلى من يحركه أو يتحرك به، فظن بالله الظنون فهلك، فاحذروا في صفاته من أن تقفوا له على حد، فتحدوه بنقص أو زيادة أو تحرك أو زوال أو نهوض أو قعود، فإن الله جل عن صفة الواصفين ونعت الناعتين وتوهم المتوهمين.

الإمام الرضاعليه‌السلام يعلّم تلاميذه الدفاع عن التوحيد

- توحيد الصدوق ص ١٠٧

حدثنا جعفر بن محمد بن مسرور رحمه‌الله قال: حدثنا محمد بن جعفر بن بطة قال: حدثني عدة من أصحابنا، عن محمد بن عيسى بن عبيد قال قال لي أبو الحسنعليه‌السلام : ما تقول إذا قيل لك أخبرني عن الله عز وجل شيء هو أم لا؟ قال فقلت له: قد أثبت

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667