الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ١٠

الغدير في الكتاب والسنة والأدب0%

الغدير في الكتاب والسنة والأدب مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 389

الغدير في الكتاب والسنة والأدب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الشيخ الأميني
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الصفحات: 389
المشاهدات: 57891
تحميل: 2044


توضيحات:

الجزء 1 المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11
المقدمة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 389 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 57891 / تحميل: 2044
الحجم الحجم الحجم
الغدير في الكتاب والسنة والأدب

الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء 10

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

فقال له معاوية: ذهب والله خيرٌ قليلٌ، وبقي شرٌّ كثير، فما لنا عندك؟ قال: إن أحسنت لم أحمدك، وإن أسأت لُمتك، قال: والله ما أنصفتني، قال: ومتى أنصفك؟ فوالله لقد شججت أخاك حنظلة فما أعطيتك عقلاً ولا قوداً وأنا الذي أقول:

أصخر بن حرب لا نعدّك سيّداً

فسد غيرنا إذ كنت لست بسيّدِ

وأنت الذي تقول:

شربت الخمر حتى صرت كلاًّ

على الأدنى وما لي من صديقِ

وحتى ما أوسّد من وساد

إذا أنسوا سوى الترب السحيقِ

ثمَّ وثب على معاوية يخبطه بيده ومعاوية ينحاز ويضحك.

رواها ابن عساكر في تاريخه ٧: ٣٤٦، وقال ابن حجر في الاصابة ٢: ٢٩١: روى الكوكبي من طريق عبسة بن عمر وقال: وفد عبد الله بن الحارث على معاوية فقال له معاوية: ما بقي منك؟ قال: ذهب والله خيري وشرّي، فذكر قصَّة. [يعني هذه].

٥ - أخرج ابن عساكر في تاريخه، وابن سفيان في مسنده، وابن قانع وابن مندة من طريق محمّد بن كعب القرظي قال: غزا عبد الرَّحمن بن سهل الأنصاري في زمن عثمان، ومعاوية أميرٌ على الشام فمرّت به روايا خمر - لمعاوية - فقام إليها برمحه فبقر كلَّ راوية منها فناوشه الغلمان حتّى بلغ شأنه معاوية فقال: دعوه فانّه شيخُ قد ذهب عقله. فقال: كلّا والله ما ذهب عقلي ولكن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهانا أن ندخل بطوننا وأسقيتنا خمراً، و أحلف بالله لئن بقيت حتّى أرى في معاوية ما سمعت من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأبقرنّ بطنه أو لأموتنَّ دونه.

وذكره ابن حجر في الاصابة ٢: ٤٠١، ولخّصه في تهذيب التهذيب ٦: ١٩٢، وأخرجه ملخّصاً أبو عمر في الاستيعاب ٢: ٤٠١، وذكره ابن الأثير في اسد الغابة ٣: ٢٩٩ باللفظ المذكور إلى ( وأسقيتنا ) فقال: أخرجه الثلاثة ( يعني ابن مندة وأبو نعيم وأبو عمر ).

قال الأميني: لعلَّ في الناس مَن يحسب أنّ سلسلة الاستهتار بمعاقرة الخمور كانت مبدوَّة بيزيد بن معاوية، وإن لم يحكم الضمير الحرّ بانتاج أبوين صالحين في دار طنّبت بالصَّلاح والدين تخلو عن الخمور والفجور ولداً مستهتراً مثل يزيد الطاغية المتخصّص

١٨١

في فنون العيث والفساد، لكن هذه الأنباء تُعلمنا انَّ هاتيك الخزاية كانت موروثة له من أبيه الماجن المشيع للفحشاء في الذين آمنوا بحمل الخمور إلى حاضرته على القطار تارة، وعلى حماره اُخرى، بملأ من الأشهاد، ونصب أعين المسلمين، وتوزيعها في الملأ الدينيِّ، وهو يحاول مع ذلك أن لا ينقده أحدٌ، ولا ينقم عليه ناقمٌ، وكم لهذه المحاولة من نظائر ينبو عنها العدد ولا تقف على حدّ، فهو وما ولد سواسية في الخمر والفحشاء، والمجون وهذه هي التي أسقطته عند صلحاء الامّة، وحطّته عن أعينهم، فلا يرون له حرمةً ولا كرامة، ولا يقيمون له وزناً، حتى انَّه لّما استخلف قام على المنبر فخطب الناس فذكر أبا بكر وعمر وعثمان ثمَّ قال: وليت فأخذت حتى خالط لحمي ودمي، فهو خير منّي، و أنا خير ممَّن بعدي. يا أيّها الناس! إنّما أنا لكم جنّة، فقام عبادة بن صامت فقال: أرأيت إن احترقت الجنّة؟ قال: إذن تخلص إليك النار، قال: من ذلك أفرّ، فأمر به فاُخذ، فأضرط بمعاوية، ثمَّ قال: علمت كيف كانت البيعتان حين دُعينا إليهما؟ دُعينا على أن نبايع على أن لا نزني ولا نسرق ولا نخاف في الله لومة لائم، فقلتَ: أمّا هذه فاعفني يا رسول الله، ومضيتُ أنا عليها، وبايعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولأنت يا معاوية أصغر في عيني من أن أخاف في الله عزّ وجلّ(١) .

وذكر معاوية الفرار من الطاعون في خطبته فقال له عبادة: امّك هند أعلم منك(٢) وسيوافيك قوله له: لا اُساكنك بأرض، وقوله: لنحدّثنَّ بما سمعنا من رسول الله وإن رغم معاوية، ما اُبالي أن لا اصحبه في جنده ليلة سوداء، وقال أبو الدرداء له: لا اُساكنك بأرض أنت بها.

ومن جرّاء هذه المكافحة والكشف عن عورات الرجل كتب معاوية إلى عثمان بالمدينة: انَّ عبادة قد أفسد عليَّ الشام وأهله، فإمَّا أن تكفْه إليك، وإمّا أن اُخلي بينه وبين الشام. فكتب إليه عثمان: أن أرحل عبادة حتّى ترجعه إلى داره من المدينة فبعث بعبادة حتّى قدم المدينة، فدخل على عثمان في الدار وليس فيها إلّا رجلٌ مِن السابقين أو من التابعين الّذين قد أدركوا القوم متوافرين فلم يفج عثمان به إلّا وهو

____________________

١ - تاريخ الشام لابن عساكر ٧: ٢١٣.

٢ - أخرجه ابن عساكر والطبرانى كما فى تاريخ الشام ٧: ٢١٠.

١٨٢

قاعدٌ في جانب الدار فالتفت إليه وقال: مالنا ولك يا عبادة؟ فقام عبادة بين ظهراني الناس فقال: إنِّي سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبا القاسم يقول: إنّه سيلي اموركم بعدي رجالٌ يعرفونكم ما تنكرون، وينكرون عليكم ما تعرفون، فلا طاعة لمن عصى، فلا تضلّوا بربّكم، فوالذي نفس عبادة بيده إنّ فلاناً - يعني معاوية - لمن اُولئك. فما راجعه عثمان بحرف(١) .

وحذا معاوية في هذه الموبقة حذو أبيه أبي سفيان فانّه كان يشرب الخمر وهو من أظهر آثامه وبوائقه، وقد جاء في حديث أبي مريم السلولي الخمّار بالطائف انّه نزل عنده وشرب وثمل وزنا بسمَّية امّ زياد بن أبيه، والحديث يأتي في استلحاق معاوية زياداً.

فبيت معاوية حانوت الخَمر، ودكّة الفجور، ودار الفحشاء والمنكر من أوّل يومه، والخمر شعار أهله، وما أغنتهم النذر إذ جاءت، وهم بمجنب عن قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - لا بل هم أهله - لعنت الخمر وشاربها، وساقيها، وبائعها، ومبتاعها، وحاملها، والمحمولة إليه، وعاصرها، ومعتصرها، وآكل ثمنها(٢) .

وعن قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : شارب الخمر كعابد وثن. وفي لفظ: مدمن خمر كعابد وثن(٣) .

وعن قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ثلاثةُ حرّم الله تبارك وتعالى عليهم الجنّة: مدمن الخمر، والعاق، والديّوث الذي يقرُّ في أهله الخبث(٤) .

وعن قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ثلاثةٌ لا يدخلون الجنّة أبداً: الديّوث، والرجلة من النساء، ومدمن الخمر(٥) .

____________________

١ - مسند أحمد ٥: ٣٢٥، تاريخ ابن عساكر ٧: ٢١٢.

٢ - سنن أبي داود ٢: ١٦١، سنن ابن ماجة ٢: ١٧٤، جامع الترمذى ١: ١٦٧، مستدرك الحاكم ٤: ١٤٤، ١٤٥. وأخرجه أحمد فى المسند ٢: ٧١، وإبن أبي شيبة، وإبن راهويه والبزار، وابن حبان، راجع نصب الراية للزيلعى ٢: ٢٦٤.

٣ - أخرجه ابن ماجة وابن حبان والبزار وغيرهم، راجع الترغيب والترهيب ٣: ١٠٢، نصب الراية ٢: ٢٩٨.

٤ - أخرجه أحمد والنسائى والبزار والحاكم وصححه. راجع الترغيب والترهيب ٣: ١٠٤.

٥ - أخرجه الطبرانى، وابن المنذر فى الترغيب والترهيب ٣: ١٠٤ وقال: رواته لا أعلم فيهم مجروحاً.

١٨٣

وعن قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : مَن شرب الخمر خرج نور الإيمان من جوفه.

وعن قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : مَن شرب الخمر سقاه الله من حميم جهنّم.

وعن قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنَّ عند الله عهداً لمن يشرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال قالوا: يا رسول الله! وما طينة الخبال؟ قال: عرق أهل النار. أو: عصارة أهل النار.

وعن قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : مَن شرب حسوة من خمر لم يقبل الله منه ثلاثة أيّام صرفاً ولا عدلاً، ومن شرب كأساً لم يقبل الله صلاته أربعين صباحاً، ومدمن الخمر حقّاً على الله أن يسقيه من نهر الخبال قيل: يا رسول الله! وما نهر الخبال؟ قال صديد أهل النار(١) إلى أحاديث كثيرة في الترهيب من هذا الرجس الذي كان يشربه معاوية ووالده وولده.

_ ٢ _

معاوية يأكل الربا

١ - أخرج مالك والنسائي وغيرهما من طريق عطاء بن يسار: انَّ معاوية رضي الله عنه باع سقاية من ذهب أو ورق بأكثر من وزنها، فقال له أبو الدرداء رضي الله عنه: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن مثل هذا إلّا مثلاً بمثل. فقال معاوية: ما أرى بهذا بأساً.

فقال له أبو الدرداء رضي الله عنه: مَن يعذرني من معاوية؟ أنا اُخبره عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يخبرني عن رأيه، لا اساكنك بأرض أنت بها، ثمَّ قدم أبو الدرداء رضي الله عنه على عمر بن الخطاب رضي الله عنه فذكر له ذلك فكتب عمر إلى معاوية: أن لا تبع ذلك إلّا مثلاً بمثل، وزناً بوزن.

راجع موطأ مالك ٢: ٥٩، اختلاف الحديث للشافعي هامش كتابه الامّ ٧: ٢٣، سنن النسائي ٧: ٢٧٩، سنن البيهقي ٥: ٢٨٠.

٢ - وأخرج مسلم وغيره من طريق أبي الأشعث قال: غزونا غزاةً وعلى الناس معاوية فغنمنا غنايم كثيرة فكان فيما غنمنا آنيةٌ من فضَّة فأمر معاوية رجلاً أن يبيعها في أعطيات الناس فتسارع الناس في ذلك فبلغ عبادة بن الصامت فقام فقال: إنِّي سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينهى عن بيع الذهب بالذَهب والفضّة بالفضّة، والبرُّ بالبُرّ، والشعير بالشعير والتمر بالتمر، والملح بالملح، إلّا سواءً بسواء عيناً بعين فمن زاد أو ازداد فقد أربى، فردَّ

____________________

١ - راجع الترغيب والترهيب ٣: ١٠١ - ١١٠.

١٨٤

الناس ما أخذوا، فبلغ ذلك معاوية فقام خطيباً فقال: ألا ما بال رجالٍ يتحدَّثون عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحاديث قد كنّا نشهده ونصحبه فلم نسمعها منه؟ فقام عبادة بن الصامت فأعاد القصّة ثمَّ قال: لنحدِّثنَّ بما سمعنا من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإن كره معاوية، أو قال: وإن رغم، ما اُبالي أن لا أصحبه في جنده ليلةً سوداء.

راجع صحيح مسلم ٥: ٤٣، سنن البيهقي ٥: ٢٧٧، تفسير القرطبى ٣: ٣٤٩.

٣ - وأخرج البيهقي وغيره من طريق حكيم بن جابر عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه: قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: الذهب الكفّة بالكفّة، والفضّة الكفَّة بالكفة حتّى خصّ انَّ الملح بالملح فقال معاوية: إنَّ هذا لا يقول شيئاً. فقال عبادة رضي الله عنه: أشهد أنّي سمعت رسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول ذلك.

وزاد النسائي: قال عبادة: إنّي والله ما اُبالي أن لا أكون بأرض يكون بها معاوية، وفي لفظ ابن عساكر: إنّي والله ما اُبالي أن أكون بأرضكم هذه.

راجع مسند أحمد ٥: ٣١٩، سنن النسائي ٧: ٢٧٧، سنن البيهقي ٥: ٢٧٨، تاريخ ابن عساكر ٧: ٢٠٦.

٤ - وأخرج ابن عساكر في تاريخه ٧: ٢١٢: من طريق الحسن قال: كان عبادة بن الصامت بالشام فرأى آنية من فضّة، يباع الإناء بمثلي ما فيه، أو نحو ذلك فمشى إليهم عبادة فقال: أيّها الناس من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا عبادة ابن الصامت، ألا وانّي سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مجلس من مجالس الأنصار ليلة الخميس في رمضان ولم يصم رمضان بعده يقول: الذهب بالذهب، مثلاً بمثل، سواءً بسواء، وزناً بوزن، يداً بيد، فما زاد فهو ربا، والحنطة بالحنطة، قفيز بقفيز، يد بيد، فما زاد فهو ربا، والتمر بالتمر قفيز بقفيز، يد بيد، فما زاد فهو ربا. قال: فتفرَّق الناس عنه. فاُتي معاوية فاُخبر بذلك فأرسل إلى عبادة فأتاه فقال له معاوية: لئن كنت صحبت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسمعت منه لقد صحبناه وسمعنا منه فقال له عبادة: لقد صحبته وسمعت منه، فقال له معاوية: فما هذا الحديث الذي تذكره؟ فأخبره به، فقال له معاوية: اُسكت عن هذا الحديث ولا تذكره فقال له: بلى، وإن رغم أنف معاوية، ثمّ قام فقال له معاوية: ما نجد شيئاً أبلغ فيما بيني وبين أصحاب محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الصفح عنهم.

١٨٥

٥ - عن قبيصة بن ذؤيب: انَّ عبادة أنكر على معاوية شيئاً فقال: لا اُساكنك بأرض، فرحل إلى المدينة فقال له عمر: ما أقدمك؟ فأخبره فقال له عمر: ارحل إلى مكانك فقبّح الله أرضاً لست فيها وأمثالك، فلا إمرة له عليك.

تاريخ ابن عساكر كما في كنز العمّال ٧: ٧٨، والإستيعاب ٢: ٤١٢، اُسد الغابة ٣: ١٠٦.

قال الأميني! إنَّ من ضروريّات الدين الحنيف الثابتة كتاباً وسنّة وإجماعاً حرمة الرِّبا، وانّه من أكبر الكبائر قال الله تعالى: الذين يإكلون الرِّبا لا يقومون إلّا كما يقوم الذي يتخبَّطه الشيطان من المسِّ ذلك بأنّهم قالوا:( إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ) (١) .

وقال عزّوجلّ:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (٢٧٨) فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِ هِ ) (٢) .

وتواترت السّنة الشريفة في المسألة وبلغت حدّاً لا يسع لأيِّ مسلم ولو كان قرويّاً أن يدّعي الجهل به فضلاً عمّن يدّعي إمرة المؤمنين. ومنها:

١ - جاء من غير طريق إنَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعن آكل الرّبا وموكّله وشاهديه وكاتبه(٣) .

٢ - صحّ عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إجتنبوا السبع الموبقات. قيل: يا رسول الله وما هنّ؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرَّم الله إلّا بالحقِّ، وأكل مال اليتيم، وأكل الرّبا. الحديث(٤) .

٣ - أخرج البزّار من طريق أبي هريرة مرفوعاً: الكبائر سبعٌ: أوَّلهن الشرك بالله. وقتل النفس بغير حقّها، وأكل الرّبا.

____________________

١ - سورة البقرة ٢٧٥.

٢ - سورة البقرة: ٢٧٩.

٣ - صحيح مسلم ٥: ٥٠، سنن أبى داود ٢: ٨٣، جامع الترمذى، المحلى ٨: ٤٦٨، سنن ابن ماجة ٢: ٤٠، سنن البيهقى ٥: ٢٧٥، ٢٨٥، الترغيب والترهيب ٢: ٢٤٧، تيسير الوصول ١: ٦٨.

٤ - صحيح مسلم ١: ٢٧١، وفى ط ٥: ٥٠، المحلى لابن حزم ٨: ٤٦٨، الترغيب و الترهيب ٢: ٢٤٧.

١٨٦

٤ - أخرج البخاري وأبو داود عن أبي جحيفة: لعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الواشمة والمستوشمة، وآكل الرِّبا وموكله.

٥ - أخرج الحاكم بإسناد صحيح عن أبي هريرة مرفوعاً: أربعٌ، حقُّ على الله أن لا يدخلهم الجنَّة ولا يذيقهم نعيمها: مدمن الخمر، وآكل الرّبا، وآكل مال اليتيم بغير حقّ، والعاقُّ لوالديه.

٦ - أخرج الحاكم والبيهقي بإسناد صحيح من طريق ابن مسعود مرفوعاً: الربا ثلاث وسبعون باباً أيسرها مثل أن ينكح الرَّجل اُمّه.

٧ - أخرج البزّار بإسناد صحيح مرفوعاً: الرّبا بضعٌ وسبعون باباً والشرك مثل ذلك.

٨ - أخرج البيهقي بإسناد لا بأس به من طريق أبي هريرة مرفوعاً: الرّبا سبعون باباً أدناها كالذي يقع على اُمّه.

٩ - أخرج الطبراني في الكبير عن عبد الله بن سلام مرفوعاً: الدرهم يصيبه الرَّجل من الرّبا أعظم عند الله من ثلاثة وثلاثين زنية يزنيها في الإسلام.

وعن عبد الله موقوفاً: الرِّبا اثنان وسبعون حوباً، أصغرها حوباً كمن أتى اُمّه في الإسلام.ودرهمٌ من الرِّبا أشدّ من بضع وثلاثين زنية. قال: ويأذن الله بالقيام للبرّ والفاجر يوم القيامة إلّا آكل الرِّبا فانّه لا يقوم إلّا كما يقوم الذي يتخبَّطه الشيطان من المسِّ.

١٠ - أخرج أحمد والطبراني في الكبير ورجال أحمد رجال الصحيح من طريق عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة مرفوعاً: درهم ربا يأكله الرّجل وهو يعلم، أشدُّ من ستّة وثلاثين زنية.

١١ - أخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي من طريق أنس بن مالك قال: خطبنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فذكر أمر الرِّبا وعظَّم شأنه وقال: إنَّ الدرهم يصيبه الرّجل من الرِّبا أعظم عند الله في الخطيئة من ستّ وثلاثين زنية يزنيها الرّجل.

١٢ - أخرج الطبراني في الصغير والأوسط من طريق إبن عبّاس مرفوعاً: من أكل درهماً من ربا فهو مثل ثلاثة وثلاثين زنية.

١٨٧

وفي لفظ البيهقي: انَّ الرّبا نيف وسبعون باباً أهونهنّ باباً مثل من أتى امّه في الإسلام، ودرهمٌ من ربا أشدّ من خمس وثلاثين زنية.

١٣ - أخرج الطبراني في الأوسط من طريق البراء بن عازب مرفوعاً: الرِّبا اثنان وسبعون باباً أدناها مثل إتيان الرجل اُمّه.

١٤ - أخرج ابن ماجة والبيهقي وابن أبي الدنيا من طريق أبي هريرة مرفوعاً: الرّبا سبعون حوباً أيسرها أن ينكح الرّجل اُمّه.

١٥ - أخرج الحاكم بإسناد صحيح عن ابن عبّاس مرفوعاً: إذا ظهر الزِّنا والرِّبا في قرية فقد أحلّوا بأنفسهم عذاب الله.

وفي لفظ أبي يعلى بإسناد جيّد من طريق ابن مسعود: ما ظهر في قوم الزِّنا و الرّبا إلّا أحلّوا بأنفسهم عذاب الله.

١٦ - أخرج أحمد من طريق عمرو بن العاصي مرفوعاً: ما من قوم يظهر فيهم الرّبا إلّا اُخذوا بالسنة(١) .

١٧ - أخرج أحمد وابن ماجة مختحراً والإصبهاني من طريق أبي هريرة مرفوعاً: رأيت ليلة اُسري بي لمـّا انتهينا السّماء السابعة فنظرت فوقي فإذا أنا بزعد وبروق وصواعق فأتيت على قوم بطونهم كالحيّات تُرى من خارج بطونهم قلت: يا جبريل: مَن هؤلاء؟ قال: هؤلاء أكلة الرّبا.

وأخرج الإصبهاني من طريق أبي سعيد الخدري بلفظ قريب من هذا.

١٨ - أخرج الطبراني بإسناد رواته رواة الصحيح عن ابن مسعود مرفوعاً: بين يدي السّاعة يظهر الرِّبا والزنا والخمر.

١٩ - أخرج الطبراني والاصبهاني من طريق عوف بن مالك مرفوعاً: إيّاك والذنوب التي لا تغفر، [إلى أن قال:] وآكل الرّبا، فمن أكل الرِّبا بعث يوم القيامة مجنوناً يتخبِّط ثمَّ قرأ: الذين يأكلون الرِّبا لا يقومون إلَّا كما يقوم الذي يتخبّطه الشيطان من المسِّ.

٢٠ - روى عبد الله بن أحمد في زوائده من طريق عبادة بن الصامت مرفوعاً: والذي

____________________

١ - السنة: العام المقحط،

١٨٨

نفسي بيدي ليبيّتن اُناسٌ من امّتي على أشر وبطر ولعب ولهو، فيصبحوا قردةً وخنازير باستحلالهم المحارم واتِّخاذهم القينات، وشربهم الخمر، وبأكلهم الرِّبا.

هذه جملةٌ من أحاديث الباب جمعها وغيرها الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب ٢: ٢٤٧ - ٢٥١.

٢١ - صحّ عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من خطبة له في حجَّة الوداع قوله: ألا و إنَّ كلَّ شيء من أمر الجاهليَّة موضوعٌ تحت قدمي هاتين، وربا الجاهليَّة موضوعٌ، و أوّل ربا أضعه ربا العبّاس بن عبد المطلب وانّه موضوعٌ كلّه(١) .

٢٢ - وروى أئمّة الحديث واللفظ لمسلم عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً: الذهب بالذهب، والفضَّة بالفضَّة، والبرّ والبرّ، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح مثلاً بمثل، يداً بيد، فمن زاد واستزاد فقد أربى، والآخذ والمطعي فيه سواء.

راجع صحيح مسلم ٥: ٤٤، سنن النسائي ٧: ٢٧٧، ٢٧٨، سنن البيهقي ٥: ٢٧٨.

٢٣ - ومن طريق أبي سعيد مرفوعاً: لا تبيعوا الذهب بالذهب إلّا مثلاً بمثل، ولا تشفّوا بعضها على بعض. ولا تبيعوا الورق بالورق إلّا مثلاً بمثل. الحديث.

راجع صحيح مسلم ٥: ٤٢، صحيح البخاري ٣: ٢٨٨، كتاب الامّ للشافعي ٣: ٢٥، سنن النسائي ٧: ٢٧٨، سنن البيهقي ٥: ٢٧٦، ٢٧٨، بداية المجتهد ٢: ١٩٤.

٢٤ - من طريق ابن عمر: الذهب بالذهب لا فضل بينها، بهذا عهد صاحبنا إلينا وعهدنا إليكم. كتاب الامّ للشافعي، سنن البيهقي ٥: ٢٧٩.

٢٥ - من طريق أبي هريرة مرفوعاً: الذهب بالذهب وزنا بوزنِ مثلاً بمثل، والفضّة بالفضّة وزناً بوزن مثلاً بمثل، فمن زاد أو ازداد فقد أربى.

صحيح مسلم ٥: ٤٥، سنن النسائي ٧: ٢٧٨، سنن ابن ماجة ٢: ٣٤.

٢٦ - من طريق عبادة بن الصامت مرفوعاً: الذهب بالذهب تبرها وعينها، والفضّة بالفضّة تبرها وعينها، والبرُّ بالبرّ مدى بمدى، والشعير بالشعير مدى بمدى، والتمر بالتمر مدى بمدى، والملح بالملح مدى بمدى، فمن زاد أو ازداد فقد أربى.

سنن أبي داود ٢: ٨٥، وبلفظ قريب من هذا عن عبادة في كتاب الامّ للشافعي ٣: ١٢.

____________________

١ - صحيح مسلم ٤: ٤١، سنن البيهقى ٥: ٢٧٤، سنن أبى داود ٢: ٨٣.

١٨٩

وعلى هذه السَّنة الثابتة جرت الفتاوى قال القرطبي في تفسيره ٥: ٣٤٩: أجمع العلماء على القول بمقتضى هذه السّنة وعليها جماعة فقهاء المسلمين إلّا في البرّ والشعير، فإنّ مالكاً جعلهما صنفاً واحداً.

وقال ابن رشد في بداية المجتهد ٢: ١٩٤: أجمع العلماء على انّ بيع الذهب بالذهب والفضّة بالفضّة لا يجوز إلّا مثلاً بمثل.

وفي الفقه على المذاهب الأربعة ٢: ٢٤٥: لا خلاف بين أئمَّة المسلمين في تحريم ربا النسيئة، فهو كبيرةٌ من الكبائر بلا نزاع، وقد ثبت ذلك بكتاب الله تعالى وسنَّة رسوله وإجماع المسلمين.الخ

وفي ص ٢٤٧: أمّا ربا الفضل وهو أن يبيع أحد الجنسين بمثله بدون تأخير في القبض فهو حرامٌ في المذاهب الأربعة.

هذا ما عند الله وعند رسوله وعند المسلمين أجمع لكن معاوية بلغت به الرفعة مكاناً يقول فيه: قال الله ورسوله وقلت، هما يحرّمان الربا بأشدّ التحريم، ويستحلّه معاوية، وينهى عن رواية سنَّة جاءت فيه، ويُشدِّد النكير عليها وعلى مَن رواها حتى يغادر الصحابيُّ الصالح من جرّائه عقر داره، فماذا للقائل أن يقول فيمن يحادّ الله ورسوله، ويستحلّ ما حرّماه، ويتعدّ حدودهما؟ أو يقول فيمن يسمع آيات الله تُتلى عليه ثمَّ يصرُّ مستكبراً كأن لم يسمعها.

ولأن صحّ للجاحظ إكفار معاوية لمحض مخالفته للسنَّة الثابتة باستلحاق زياد كما سيوافيك شرحه فهو بما ذكرناه هنا وفي غير واحد من موارده ومصادره أكفر كافر.

ولنا حقُّ النظر إلى ناحية اُخرى من هذه القصّة وهي بيع آنية الفضَّة من دون كسرها المحرَّم في شريعة الإسلام تحريماً باتّاً لا خلاف فيه راجع المحلّى لابن حزم ٨: ٥١٤، نعم: هذا حكم الإسلام ومعاوية لا يبالي به فيبيع ما يشاء كيف يشاء، وسيرى وبال أمره يوم يقوم الناس لرّب العالمين، يوم لا تملك نفسٌ لنفس شيئاً والأمر يومئذِ لله.

_ ٣ _

معاوية يتمّ فى السفر

أخرج الطبراني وأحمد بإسناد صحيح من طريق عباد بن عبد الله بن الزبير قال: لمـّا

١٩٠

قدم علينا معاوية حاجّاً، قدمنا معه مكّة قال: فصلّى بنا الظهر ركعتين ثمَّ انصرف إلى دار الندوة، قال: وكان عثمان حين أتّم الصّلاة فإذا قدم مكّة صلّى بها الظهر والعصر والعشاء الآخر أربعاً أربعاً، فإذا خرج إلى منى وعرفات قصَّر الصَّلاة، فإذا فرغ من الحجِّ وأقام بمنى أتمّ الصّلاة حتّى يخرج من مكّة، فلمَّا صلّى بنا الظهر ركعتين نهض إليه مروان ابن الحكم وعمرو بن عثمان فقالا له: ما عاب أحدٌ ابن عمّك بأقبح ما عبته به، فقال لهما: وما ذاك؟ قال: فقالا له: ألم تعلم أنّه أتمَّ الصَّلاة بمكة، قال: فقال لهما: ويحكما و هل كان غير ما صنعت؟ قد صلّيتهما مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومع أبي بكر وعمر رضي الله عنهما قالا: فإنَّ ابن عمّك قد أتمّها وإنَّ خلافك إيّاه له عيبٌ، قال: فخرج معاوية إلى العصر فصلّاها بنا أربعاً(١) .

قال الأميني: انظر إلى مبلغ هؤلاء الرجال أبناء بيت اميّة من الدين، ولعبهم بطقوس الإسلام، وجرأتهم على الله وتغيير سنّته، وأحداثهم في الصَّلاة وهي أفضل ما بُنيت عليه البيضاء الحنيفية، وانظر إلى ابن هند حلف الخمر والرِّبا كيف يترك ما جاء به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ووجد هو عمله عليه، ووافقه هو مع أبي بكر وعمر، ثمَّ يعدل عنه لمحض انَّ ابن عمّه غيَّر حكم الشريعة فيه، وانَّ مروان بن الحكم طريد رسول الله وابن طريده، الوزغ ابن الوزغ، اللعين ابن اللعين على لسان النبيِّ العظيم، وصاحبه عمرو بن عثمان ما راقهما إتِّباعه السنّة، فاستهان مخالفتها دون أن يعيب ابن عمّه بعمله، فأحيى اُحدوثة ذي قرباه، وأمات سنّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، غير مكترث لما سمعته أذن الدنيا عن ابن عمر: الصَّلاة في السَّفر ركعتان من خالف السنّة فقد كفر(٢) فزهٍ به من خليفة للمسلمين وألف زهٍ.

_ ٤ _

احدوثة الاذان فى العيدين

أخرج الشافعي في كتاب الاُم ١: ٢٠٨ من طريق الزهري قال: لم يوذّن للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولأبي بكر ولا لعمر ولا لعثمان في العيدين حتّى أحدث ذلك معاوية بالشام فأحدثه الحجّاج بالمدينة حين أمَّر عليها.

____________________

١ - مرّ تفصيل الكلام حول ما أحدثه عثمان فى صلاة المسافر خلاف سنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌ فى الجزء الثامن ص ١٠٠ - ١١٩، وأسلفنا الحديث فى ج ٨: ٢٦٩.

٢ - راجع ج ٨: ١١٥.

١٩١

وفي المحلّى لابن حزم ٥: ٨٢: أحدث بنو اميّة تأخير الخروج إلى العيد وتقديم الخطبة قبل الصَّلاة والأذان والإقامة.

وفي البحر الزخّار ٢: ٥٨: لا أذان ولا إقامة لها [لصلاة العيدين] لما مرَّ ولا خلاف انّه محدَث يب(١) أحدثه معاوية. ( ابن سيرين ) بل مروان وتبعه الحجّاج ( ابو قلابة ) بل ابن الزبير، والمحدث بدعة لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فهو ردٌّ وشرّها محدثاتها. وينادى لها: الصَّلاة جامعة.

وفي فتح الباري لابن حجر ٢: ٣٦٢: اُختلف في أوّل من أحدث الأذان فيها، فروى ابن ابي شيبة باسناد صحيح عن سعيد بن المسيب انَّه معاوية، وروى الشافعي عن الثقة عن الزهري مثله، وروى ابن المنذر عن حصين بن عبد الرَّحمن قال: أوَّل من أحدثه زياد بالبصرة. وقال الداودي: اوَّل من أحدثه مروان، وكلّ هذه لا ينافي انَّ معاوية أحدثه كما تقدَّم في البداءة بالخطبة.

وقال فيما أشار إليه في البداءة بالخطبة: لا مخالفة بين هذين الأثرين وأثر مروان لأنَّ كلاًّ من مروان وزياد كان عاملاً لمعاوية فيحمل على انّه ابتدأ ذلك وتبعه عمّاله(٢) .

وقال القسطلاني في ارشاد الساري ٢: ٢٠٢، أوّل من أحدث الأذان فيها معاوية.

رواه ابن أبي شيبة باسناد صحيح، زاد الشافعي في روايته: فأخذ به الحجّاج حين أمَّر على المدينة أو زياد بالبصرة رواه ابن المنذر، أو مروان قاله الداودي، أو هشام قاله ابن حبيب، أو عبد الله بن الزبير رواه ابن المنذر أيضا. ويوجد في شرح الموطأ للزرقاني ١: ٣٢٣ نحوه.

وفي أوائل السيوطي ص ٩. أوّل من أحدث الأذان في الفطر والأضحى بنو مروان أخرجه ابن أبي شيبة عن أبي سيرين(٣) وأخرج أيضاً عن ابن المسيب قال: أوّل مَن أحدث الأذان في العيدين معاوية، وأخرج عن حصين قال: أوّل من أذّن في العَيد زياد.

____________________

١ - اشارة إلى سعيد بن المسيب.

٢ - راجع ما اسلفناه فى الجزء الثامن ص ١٦٠، ١٦٤، ١٦٥، ط ٢.

٣ - كذا فى النسخ والصحيح: ابن سيرين.

_١٢_

١٩٢

وفي نيل الأوطار للشوكاني ٣: ٣٦٤: قال ابن قدّامة في المغني: روي عن ابن الزبير: انّه اذّن وأقام، وقيل: إنّ أوّل من أذّن في العيدين زياد. وروى ابن أبي شيبة في « المصنّف » بإسناد صحيح عن ابن المسيب قال: أوّل مَن أحدث الأذان في العيد معاوية.

قال الأميني: إنَّ من المتسالم عليه عند أئمَّة المذاهب عدم مشروعيّة الأذان والإقامة إلّا للمكتوبة فحسب، قال الشافعي في كتابه « الامّ » ١: ٢٠٨: لا أذان إلّا للمكتوبة فإنّا لم نعلمه اذّن لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلّا للمكتوبة وأحبّ أن يأمر الإمام المؤذّن أن يقول في الأعياد وما جمع النّاس له من الصّلاة: الصَّلاة جامعة. أو: آن الصَّلاة. وإن قال: هلمّ إلى الصَّلاة، لم نكرهه وإن قال: حيَّ على الصّلاة. فلا بأس، وإن كنت اُحبّ أن يتوقّى ذلك لأنّه من كلام الأذان. إلخ.

ومن مالك في الموطأ ١: ١٤٦: انّه سمع غير واحد من علمائهم يقول: لم يكن في عيد الفطر ولا في الأضحى نداء ولا إقامة منذ زمان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى اليوم، قال مالك: وتلك السنّة التي لا اختلاف فيها عندنا.

وقال الشوكاني في نيل الأوطار ٣: ٣٦٤: أحاديث الباب تدلّ على عدم شرعيَّة الأذان والإقامة في صَلاة العيدين، قال العراقي: وعليه عمل العلماء كافّة. وقال ابن قدامة في المغني: ولا نعلم في هذا خلافاً ممّن يعتدُّ بخلافه.

وقد تضافرت الأخبار الدالّة على هدي الرسول الأعظم في صلاة العيدين وانّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلّاها بغير أذان ولا اقامة وإليك جملة منها:

١ - عن جابر بن عبد الله: شهدت مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم العيد فبدأ بالصَّلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة، ثمَّ قام متوكّأ على بلال فأمر بتقوى الله، وحثّ على الطاعة ووعظ الناس وذكّرهم، ثمّ مضى حتى أتى النساء فوعظهنّ وذكَّرهنَّ.

صحيح البخاري مختصراً ٢: ١١١، صحيح مسلم ٣: ١٨، سنن النسائي ٣: ١٨٦، سنن الدارمى مختصرا ومفصلا ١: ٣٧٥، ٣٧٧، وأخرجه بلفظ قريب من هذا من طريق ابن عباس في ص ٣٧٦، ٣٧٨، زاد المعاد لابن القيم ١: ١٧٣.

٢ - عن جابر بن سمرة: صلّيتُ مع النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم العيد غير مرّة ولا مرّتين بغير أذان ولا إقامة.

١٩٣

صحيح مسلم ٣: ٢٩، سنن أبى داود ١: ١٧٩، جامع الترمذى ٣: ٤، مسند أحمد ٥: ٩٢، ٩٤، ٩٥، ٩٨، ١٠٧ بألفاظ شتّى، سنن البيهقى ٣: ٢٨٤، فتح البارى ٢: ٣٦٢.

٣ - عن ابن عبّاس وجابر قالا: لم يكن يؤذّن يوم الفطر ولا يوم الأضحى.

صحيح البخاري ٢: ١١١، صحيح مسلم ٣: ١٩، جامع الترمذى ٣: ٤، المحلى لابن حزم ٥: ٨٥، سنن النسائى ٣: ١٨٢، سنن البيهقي ٣: ٢٨٤.

٤ - عن ابن عباس: إنَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلّى العيد بلا أذان ولا إقامة، وأبا بكر وعمر أو عثمان. شكَّ يحيى.

سنن أبي داود ١: ١٧٩، سنن ابن ماجة ١: ٣٨٦، قال الزرقاني في شرح الموطأ ١: ٣٢٣: إسناده صحيح.

٥ - عن عبد الرَّحمن بن عابس قال: سأل رجل ابن عبّاس: أشهدت العيد مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قال: نعم ولولا منزلتي منه ما شهدته من الصغر فأتى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم العلَم الذي عند دار كثير بن الصلت فصلّى ثمّ خطب ولم يذكر أذاناً ولا إقامة.

سنن أبي داود ١: ١٧٩.

٦ - عن عطاء أخبرني جابر: أن لا أذان لصلاة يوم الفطر حين يخرج الإمام ولا بعد ما يخرج ولا إقامة ولا نداء ولا شيىء لا نداء يومئذ ولا إقامة.

صحيح مسلم ٣: ١٩.

٧ - عن عبد الله بن عمر: خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في يوم عيد فصلّي بغير أذان ولا إقامة.

سنن النسائي حكاه عنه ابن حجر في فتح الباري ٢: ٣٦٢، والزرقاني في شرح الموطأ ١: ٣٢٣.

٨ - عن سعد بن أبي وقّاص: انّ النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلّى بغير أذان ولا إقامة.

أخرَجَهُ البزَّار في مسنده كما في فَتحِ البَاري ٢: ٣٦٢، ونيل الأوطار ٣: ٣٦٣.

٩ - عن البراء بن عازب: انَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلّى في يوم الأضحى بغير أذان ولا إقامة.

١٩٤

أخرجه الطبراني في الأوسط كما في الفتح ٢: ٣٦٢: ونيل الأوطار ٣: ٣٦٣.

١٠ - عن أبي رافع: انَّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يخرج إلى العيد ماشياً بغَير أذان ولا إقامة.

أخرجه الطبراني في الكبير كما في نيل الأوطار ٣: ٣٦٤.

١١ - عن عطاء: انّ ابن عبّاس أرسل إلى ابن الزبير أوّل ما بويع له انّه لم يكن يؤذّن للصّلاة يوم الفطر فلا تؤذّن لها، قال: فلم يؤذِّن لها ابن الزبير يومه. صحيح مسلم ٣: ١٩، صحيح البخاري ٢: ١١١.

هذه شريعة الله التي شرعها في صلاة العيدين، واستمرَّ عليها العمل في دور النبوّة، ولم تزل متَّبعة على عهد الشيخين وهلمَّ جرّاً حتّى أحدث رجل النفاق بدعته الشنعاء وأدخل في الدين ما ليس منه، فكان مصيره ومصير بدعته ومَن عمل بها إلى النار، وكان على الاُمّة منه يوم أسود عند حشرها، كما كان منه عليها يوم أحمر في دنياها، فأيّ خليفة هذا يجرُّ على قومه الويلات في النشأتين جمعاء؟ وهذه وما شابهها من بدع الرجل تنمّ عن تهاونه بالشريعة وعدم التزامه بسننها وفروضها، وإنّما كان يعمل بما يرتأيه وتحبّذ له ميوله غير مكترث لمخالفته الدين، متى وجد فيه حريجة من شهواته، ومدخلاً من أهوائه، فحسب أنَّ في تقديم الأذان دعوة إلى الإجتماع وملتمحاً للابِّهة، وعزب عنه أن دين الله لا يقاس بهذه المقاييس وإنّما هو منبعثٌ عن مصالح لا يعلم حقائقها إلَّا الله، ولو كانت لتلك المزعمة مقيلٌ من الحقِّ لجاء بها نبيُّ العظمةصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فدع معاوية يتورَّط في سيئاته، ويُهملج في تركاضه إلى الضَّلال، والله يعلم منقلبه ومثواه.

_ ٥ _

يصلى معاوية الجمعة يوم الاربعاء

إنّ رجلاً من أهل الكوفة دخل على بعير له إلى دمشق في حال منصرفهم عن صفّين فتعلّق به رجلٌ من دمشق فقال: هذه ناقتي أخذت منِّي بصفّين. فارتفع أمرهما إلى معاوية وأقام الدمشقي خمسين رجلاً بيّنة يشهدون انّها ناقته فقضى معاوية على الكوفي وأمره بتسليم البعير إليه فقال الكوفي: أصلحك الله انّه جملٌ وليس بناقة فقال معاوية: هذا حكمٌ قد مضى، ودسّ إلى الكوفيِّ بعد تفرّقهم فأحضره وسأله عن ثمن بعيره

١٩٥

فدفع إليه ضعفه وبرّه وأحسن إليه وقال له: أبلغ عليّاً أنّي اُقابله بمائة الف ما فيهم من يفرِّق بين الناقة والجمل. ولقد بلغ من أمرهم في طاعتهم له أنّه صلّى بهم عند مسيرهم إلى صفّين الجمعة في يوم الأربعاء وأعاروه رؤسهم عند القتال وحملوه بها وركنوا إلى قول عمرو بن العاص: انَّ عليّاً هو الذي قتل عمّار بن ياسر حين أخرجه لنصرته، ثمّ ارتقى بهم الأمر في طاعته إلى أن جعلوا لعن عليّ سنّة ينشأ عليها الصغير ويهلك عليها الكبير(١) .

قال الأميني: اشتملت هذه الصحيفة السوداء على أشياء تجد البحث عن بعضها في طيّات كتابنا هذا كاتّخاذ لعن عليّ أمير المؤمنين سنّة يدؤب عليها، وكتأويل عمرو ابن العاص قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعمّار: تقتلك الفئة الباغية، بأنَّ عليّاًعليه‌السلام هو الذي قتل عمّاراً لإلقائه بين سيوف القوم ورماحهم، وكبيان ما يُعرب عن حال أصحاب معاوية ومبلغهم من العقل والدين، وهذه كلمة معاوية ومعتقده فيهم، وهو على بصيرة منهم، وقد كان يستفيد من اولئك الهمج بضؤلة عقليّتهم، وخور نفسيّاتهم، وبعدهم عن معالم الدين ونواميس الشريعة المقدَّسة، فيجمعهم، على قتال إمام الحقِّ تارة وللشهادة بأنّهعليه‌السلام هو الذي قتل عثمان طوراً إلى موارد كثيرة من شهادات الزور التي كان يُغريهم بها كقصَّة حجر بن عدي وأمثالها.

والذي يهمّنا هاهنا أوَّلا حكمه الباطل على ناقة لم تكن توجد هنالك، وإنّما الموجود جمل قد شاهده وعلم به وانّه خارجٌ عن موضوع الشهادة، لكنّه نفّذ الحكم الباطل المبتني على خمسين شهادة، زورٌ كلّها، ويقول بملء فمه: هذا حكمٌ قد مضى. والحقيقة غير عازبة عنه ويتبجّح انّه يقابل إمام الهدىعليه‌السلام بمائة ألف من اولئك الحمر المستنفرة لكنّه لم يقابل إمام الحقِّ بهم فحسب، وإنّما كان يقابل النبيّ الأعظم ودينه الأقدس وكتابه العزيز بتلكم الرعرعة الدهماء.

ويهمّنا ثانياً تغييره وقت صلاة الجمعة عند مسيره إلى صفّين - في تلك السفرة المحظورة التي اُنشأت على الضدِّ من رضى الله ورسوله - إلى يوم الأربعاء، وإلى الغاية لم يظهر لي سرُّ هذا التغيير، هل نسي يوم الجمعة فحسب يوم الأربعاء انَّه يوم الجمعة؟ ومن العجب انّه لم يذكره أحدٌ من ذلك الجيش اللجب، ولا ذكّره منهم

____________________

١ - مروج الذهب ٢: ٧٢.

١٩٦

أحد. أو أنّه كان يبهضه ما جاء عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في فضل يوم الجمعة وفضل ساعاته والأعمال الواردة فيه، وقد اتّخذه هوصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمسلمون من بعده عيداً تمتاز به هذه الاُمّة عن بقيَّة الاُمم؟ وما كان ابن هند يستسهل أن يجري في الدنيا سنّة للنبيّ متَّبعة لم يولها إخلالاً وعبثاً، فبدر إلى ذلك التبديل عتوّاً منه، وما أكثر عبثه بالدين وحيفه بالمسلمين؟

ولعلّه اختار يوم الأربعاء لما ورد فيه من أنّه أثقل الأيّام، يوم نحس مستمر(١) فأراد أن يرفع النحوسة بصلاة الجمعة، ولم يعبأ باستلزام ذلك تغيير سنّة الله التي لا تبديل لها، والجمعة سيّد الأيّام خير يوم طلعت عليه الشمس(٢) .

وبهذا وأمثاله يُستهان بما يؤثر عن الرَّجل من تقديم وقت الجمعة إلى الضحى(٣) ووقتها المضروب لها في شريعة الإسلام الزوال لا غيره، وهي بدل الظهر، ووقتها وقتها وهذه سنَّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الثابتة المتَّبعة، فعن سلمة بن الاكوع قال: كنّا نجمع مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا زالت الشمس ثمّ نرجع نتّبع الفيء(٤)

وعن سلمة أيضاً قال: كنّا نصلّي مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم الجمعة وليس للحيطان فيئاً يستظلّ به(٥)

وعن جابر بن عبد الله لمـّا سُئل متى كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصلّي الجمعة؟ قال: كان يصلّي ثمّ نذهب إلى جمالنا لنريحها حين تزول الشمس(٦)

وعن أنس بن مالك قال: إنَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يصلّي الجمعة حين يميل الشمس(٧) .

وعن الزبير بن العوام قال: كنّا نصلّي مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الجمعة ثمَّ نبتدر الفيء فما يكون إلّا موضع القدم أو القدمين. وفي رواية أبي معاوية: ثمَّ نرجع فلا نجد

____________________

١ - راجع ثمار القلوب ص ٥٢١، ٥٢٢.

٢ - أخرجه الحاكم والترمذى والنسائى وأبو داود.

٣ - راجع فتح البارى ٢: ٣٠٩، نيل الاوطار ٣: ٣١٩، ٣٢٠.

٤ - صحيح مسلم ٣: ٩، سنن البيهقى ٣: ١٩٠، نصب الراية ٢: ١٩٥.

٥ - صحيح مسلم ٣: ٩، سنن البيهقى ٣: ١٩١.

٦ - مسند أحمد، سنن النسائى، صحيح مسلم ٣: ٨، ٩، سنن البيهقى ٣: ١٩٠، المحلى ٥: ٤٤.

٧ - صحيح البخارى، مسند أحمد، سنن أبى داود، سنن النسائى، سنن البيهقى ٣: ١٩٠ نصب الراية ٢: ١٩٥.

١٩٧

في الأرض من الظلِّ إلّا موضع أقدامنا(١)

وقال البخاري في صحيحه: باب وقت الجمعة إذا زالت الشمس، وكذلك روي عن عمر وعلي والنعمان بن بشير وعمرو بن حُريث رضي الله عنهم.

وقال البيهقي في سننه الكبرى ٣: ١٩١: ويذكر هذا القول عن عمر وعليّ ومعاذ ابن جبل والنعمان بن بشير وعمرو بن حريث أعني في وقت الجمعة إذا زالت الشمس.

وقال ابن حزم في المحلّى ٥: ٤٢: الجمعة هي ظهر يوم الجمعة، ولا يجوز أن تصلّى إلّا بعد الزّوال، وآخر وقتها آخر وقت الظهر في سائر الأيّام.

وقال ابن رشد في البداية ١ ص ١٥٢: أمّا الوقت فإنَّ الجمهور على أنَّ وقتها وقت الظهر بعينه أعني وقت الزَّوال، وأنَّها لا تجوز قبل الزَّوال، وذهب قومٌ إلى أنّه يجوز أن تصلّى قبل الزَّوال وهو قول أحمد بن حنبل.

وقال النووي في شرح صحيح مسلم(٢) بعد سرد بعض أحاديث الباب: قال مالك وأبو حنيفة والشافعي وجماهير العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم: لا تجوز الجمعة إلّا بعد زوال الشمس، ولم يخالف في هذا إلّا أحمد بن حنبل وإسحاق فجوّزاها قبل الزَّوال، قال القاضي: ورُوي في هذا أشياء عن الصحابة لا يصحّ منها شيىءٌ إلّا ما عليه الجمهور.

وقال القسطلاني: هو مذهب عامَّة العلماء وذهب أحمد إلى صحّة وقوعبا قبل الزّوال متمسّكا بما روي عن أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم أنّهم كانوا يصلّون الجمعة قبل الزَّوال من طريق لا تثبت(٣)

طرق ما تمسّك به أحمد تنتهي إلى عبد الله بن سيدان السَّلمي زيّفها الحفّاظ لمكان ابن سيدان قال الزيلعي في نصب الراية ٢: ١٩٦: فهو حديثٌ ضعيفٌ. وقال النووي. في الخلاصة: اتّفقوا على ضعف ابن سيدان. وقال ابن حجر في فتح الباري ٢: ٣٠٩: انّه تابعيٌّ كبيرٌ إلّا أنّه غير معروف العدالة، قال ابن عدي: شبه المجهول. وقال البخاري:

____________________

١ - سنن البيهقى ٣: ١٩١.

٢ - هامش ارشاد السارى ٤: ١٦٢.

٣ - ارشاد السارى ٢: ١٦٤

١٩٨

لا يتابع على حديثه بل عارضه ما هو أقوى منه. ثمّ ذكر من عمل أبي بكر وعمر وعلي على خلاف حديث ابن سيدان بأسانيد صحيحة.

فالسنّة الثابتة في توقيت الجمعة هي السنّة المتّبعة في صلاة الظهر، وإقامة معاوية الجمعة في الضحى خروجٌ عن سنَّة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهديه، وشذوذٌ عن سيرة السلف كشذوذه في بقيَّة أفعاله وتروكه.

_ ٦ _

احدوثة الجمع بين الاختين

أخرج ابن المنذر عن القاسم بن محمّد: انَّ حيّاً سألوا معاوية عن الاُختين ممّا ملكت اليمين يكونان عند الرَّجل يطؤهما؟ قال: ليس بذلك بأسٌ، فسمع بذلك النعمان ابن بشير، فقال: أفتيت بكذا وكذا؟ قال: نعم. قال: أرأيت لو كان عند الرَّجل اخته مملوكته يجوز له أن يطأها.

قال: أما والله لربما وددتني أدرك، فقل لهم: اجتنبوا ذلك، فانّه لا ينبغي لهم؟ فقال: إنّما الرحم من العتاقة وغيرها(١)

قال الأميني: هذا الباب المرتج فتحه عثمان كما أسلفنا تفصيله في الجزء الثامن ص ٢٢٠ - ٢٢٩ وقد عُدَّ ذلك من أحداثه، ولم يوافقه عليه أحدٌ من السَّلف والخلف ممّن يُعبأ به وبرأيه، حتّى جاء معاوية معلِّياً على ذلك البنيان المتضعضع، معلّياً بما شذّ عن الدين الحنيف، أخذاً باُحدوثة ابن عمِّه، صفحاً عن كتاب الله وسنّة نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد أتينا هنالك في بطلانه بما لم يبق معه في القوس منزع.

_ ٧ _

احدوثة معاوية فى الديات

أخرج الضحّاك في الديات ص ٥٠ من طريق محمّد بن اسحاق قال: سألت الزهري قلت: حدّثني عن دية الذمّي كم كانت على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قد اختلف علينا فيها. فقال: ما بقي أحدٌ بين المشرق والمغرب أعلم بذلك منّي، كانت على عهد رسول الله ألف دينار وأبي بكر وعمر وعثمان حتّى كان معاوية أعطى أهل القتيل خمسمائة دينار، و وضع في بيت المال خمسمائة دينار.

____________________

١ - الدر المنثور ٢: ١٣٧

١٩٩

وفي لفظ البيهقي في سننه ٨: ١٠٢: كانت دية اليهود والنصارى في زمن النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مثل دية المسلم وأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، فلمّا كان معاوية أعطى أهل المقتول النصف، وألقى النصف في بيت المال، قال: ثمَّ قضى عمر بن عبد العزيز في النصف وألقى ما كان جعل معاوية.

وفي الجوهر النقيِّ: ذكر أبو داود في مراسيله بسند صحيح عن ربيعة بن أبي عبد الرَّحمن قال: كان عقل الذمّي مثل عقل المسلم في زمن رسول الله وزمن أبي بكر وزمن عمر وزمن عثمان حتّى كان صدراً من خلافة معاوية، فقال معاوية: إن كان أهله اُصيبوا به فقد اُصيب به بيت مال المسلمين، فاجعلوا لبيت مال المسلمين النصف ولأهله النصف خمسمائة دينار، ثمّ قتل رجلٌ من أهل الذمّة. فقال معاوية: لو انّا نظرنا إلى هذا الذي يدخل بيت المال فجعلناه وضيعاً عن المسلمين وعوناً لهم، قال لمن هناك: وضع عقلهم إلى خمسمائة.

وقال ابن كثير في تاريخه ٨: ١٣٩: قال الزهري: مضت السنّة انّ دية المعاهد كدية المسلم، وكان معاوية أوّل من قصّرها إلى النصف وأخذ النصف.

قال الأميني: تقدّم في الجزء الثامن ص ١٧٦: انّ دية الذميّ في دور النبوّة لم يكن ألفاً كما حسبه الزهري، ولم يذهب إليه أحدٌ من أئمّة المذاهب إلّا أبا حنيفة وإنَّ أوّل مَن جَعلها ألفاً هو عثمان، وعلى أيِّ حالٍ فما ارتكبه معاوية فيه بدعٌ ثلاثٌ.

١ - أخذ الدية ألفاً.

٢ - تنصيفه بين ورثة المقتول وبيت المال.

٣ - وضعه حصّة بيت المال أخيراً إن كانت الألف سنَّة ولبيت المال فيها حقّ.

فمرحىّ بخليفة يجهل حكماً واحداً من الشريعة من شتّى نواحيه، أو: يعلمه لكنَّه يتلاعب به كيفما حبّذته له ميوله، وهو لا يقيم للحكم الإلهي وزناً، ولا يرى لِلَّه حدوداً لا يتجاوزها، ويقول: لو أنّا نظرنا.. إلخ. ولا يبالي بما تقوَّل على الله ولا يكترث لمغبّة ما أحدثه في الدين وفي الذكر الحكيم قوله تعالى:( وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (٤٤) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (٤٥) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ ) سورة الحاقة ٤٤، ٤٥، ٤٦.

٢٠٠