النور المبين في شرح زيارة الأربعين

النور المبين في شرح زيارة الأربعين0%

النور المبين في شرح زيارة الأربعين مؤلف:
الناشر: دار الأنصار
تصنيف: متون الأدعية والزيارات
ISBN: 964-8956-16-2
الصفحات: 246

النور المبين في شرح زيارة الأربعين

مؤلف: مهدي تاج الدين
الناشر: دار الأنصار
تصنيف:

ISBN: 964-8956-16-2
الصفحات: 246
المشاهدات: 22882
تحميل: 2849

توضيحات:

النور المبين في شرح زيارة الأربعين
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 246 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 22882 / تحميل: 2849
الحجم الحجم الحجم
النور المبين في شرح زيارة الأربعين

النور المبين في شرح زيارة الأربعين

مؤلف:
الناشر: دار الأنصار
ISBN: 964-8956-16-2
العربية

الأول : منها بكاء القلب وهي عباة عن الهم والغم على ما جرى عليهم من الأعداء وهو أول المراتب وثمرته له وثوابه من الله أن يعطي بكل نفس ثواب تسبيح لله كما قال الصادقعليه‌السلام : نفس المهموم لظلمنا تسبيح ، وهمه لنا عبادة ، وكتمان سرنا جهاد في سبيل الله

والقسم الثاني : منها وجع القلب وهو يحصل من تراكم الهموم والغموم ، فإذا كثر همه وغمه لمصائب أهل البيت يتألم من ذلك حتى يوجع قلبه ، فإذا عرض عليه ذلك كان له من الأجر ما قال الصادقعليه‌السلام لمسمع : وأن الموجع قلبه لنا ليفرح قلبه يوم يرانا عند موته الحديث(١)

__________________

(١) معالي السبطين : ١٤٢ عن بحار الأنوار ٤٤ : ٢٨٩ والحديث هو عن مسمع قال : قال لي أبو عبد الله الصادقعليه‌السلام : يا مسمع أنت من أهل العراق أما تأتي قبر الحسينعليه‌السلام ، قلت : لا أنا رجل مشهور من أهل البصرة وعندنا من يتبع هوى هذا الخليفة وأعداؤنا كثيرة من أهل القبائل من النصاب وغيرهم ولست آمنهم أن يرفعوا حالي عند ولد سليمان فيميلون عليّ ، قالعليه‌السلام لي : أفما تذكر ما صنع به ، قلت : بلى ، قال : فتجزع ، قلت : أي والله وأستعبر لذلك حتى يرى أهلي أثر ذلك عليّ فامتنع من الطعام حتى يستبين ذلك في وجهي ، قالعليه‌السلام : رحم الله دمعتك أما أنك من الذين يعدون من أهل الجزع لنا والذين يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا ويخافون لخوفنا ويأمنون إذا أمنا أما أنك سترى عند موتك حضور آبائي لك ووصيتهم ملك الموت بك وما يلقونك به من البشارة ما تقرّ به عينك قبل الموت فملك الموت أرق عليك وأشد رحمة لك من الأُم الشفيقة على ولدها ، قال ثم استعبر واستعبرت معه فقال : الحمد لله الذي فضلنا على خلقه بالرحمة وخصنا أهل البيت بالكرامة لنا يا مسمع : ان الأرض والسماء لتبكيان منذ قتل أمير المؤمنينعليه‌السلام رحمة لنا وما بكى لنا من الملائكة أكثر ومارقأت دموع الملائكة منذ قتلنا وما بكى أحد رحمة لنا ولما لقينا إلّا رحمة الله قبل أن تخرج الدمعة من عينه فإذا سالت دموعه على خده فلو أن قطرة من دموعه سقطت في جهنم لأطفئت حرها حتى لا يوجد لها حر وأن الموجع قلبه لنا ليفرح يوم يرانا عند موته فرحة لا تزال

٨١

والقسم الثالث : دوران الادمع في الحدقة بلا خروج منها وهذه مرتبة فوق مرتبة وجع القلب وله من الأجر أيضاً فوق ذلك ، كما قال جعفر بن محمدعليه‌السلام : لمسمع يا مسمع وما بكى أحد رحمة لنا .

والقسم الرابع : من البكاء خروج الدمع من العين ولو بقدر جناح بعوضة وهذا هو الذي قاله الصادقعليه‌السلام من ذكرنا أو ذُكرنا عنده فخرج من عينه دمع مثل جناح البعوضة غفر الله له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر ، وفي خبر آخر قالعليه‌السلام : من ذكر الحسين عنده فخرج من عينيه من الدموع مقدار جناح ذباب كان ثوابه على الله ( عزّ وجل ) ولم يرض له دون الجنة

والقسم الخامس : خروج الدمعة مع التقاطر ولها خواص ومنافع منها قال الصادق لمسمع فلوا أن قطرة من دموعه .

والسادس : سيلان الدمعة على الوجه والصدر واللحية وهذا هو بكاء الأئمةعليهم‌السلام ولها من الأجر فوق أن تحصى ، منها ما قال الرضاعليه‌السلام لريان بن شبيب : إن بكيت على الحسين حتى تسيل

__________________

تلك الفرحة في قلبه حتى يرد علينا الحوض وأن الكوثر ليفرح بمحبنا إذا ورد عليه حتى أنه ليذيقه من ضروب الطعام ما لا يشتهي أن يصدر عنه يا مسمع من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبداً ولم يشق بعدها أبداً وهو في برد الكافور وريح المسك وطعم الزنجبيل أحلى من العسل وألين من الزبد وأصفى من الدمع وأزكى من العنبر يخرج من تسنيم ويمر بأنهار الجنان يجري على رضراض الدر والياقوت فيه من القدحان أكثر من عدد نجوم السماء يوجد ريحه من مسيرة ألف عام قدحانه من الذهب والفضة وألوان الجواهر يفوح في وجه الشارب منه كل فاتحة حتى يقول الشارب منه ليتني تركت هاهنا لا أبغي بهذا بدلاً ولا عنه حولاً أما أنك يا مسمع ممن تروي منه وما من عين بكت لنا إلّا نعمت بالنظر إلى الكوثر ؟ قال : وان الشارب منه ليعطى من اللذة والطعم والشهوة له أكثر مما يعطاه من هو دونه في حبنا وإن على الكوثر أمير المؤمنينعليه‌السلام وفي يده عصى من عوسج يحطم بها أعدائنا

٨٢

منها ما قال زين العابدينعليه‌السلام أيما مؤمن دمعت عيناه دمعاً حتى تسيل على خده لأذى مسنا من عدونا في الدنيا ، بوأه الله مبوأ صدق في الجنة ، وأيما مؤمن مسه أذى فينا فدمعت عيناه حتى يسيل دمعه على خديه من مضاضة ما أُوذي فينا ، صرف الله عن وجهه الأذى وأمنه يوم القيامة من سخط النار ، أيما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين بن عليعليه‌السلام دمعة حتى تسيل على خده ، بوأه الله بها في الجنة غرفاً يسكنها أحقاباً

وبقيت مرتبة أُخرى وهي أعلى من تلك المراتب وأفضلها وهنيئاً لمن عمل بها وهي البكاء مع تقاطر الدمعة وسيلانها على الخد واللحية مع الصراخ والنحيب والشهقة ، وكفى له من الأجر والثواب دعاء الإمام الصادقعليه‌السلام له بقوله : اللهم ارحم تلك الصرخة التي كانت لأجلنا ، وهذا بكاء الزهراءعليها‌السلام في كل يوم كما ورد في الخبر : أنها تنظر إلى قميص ولدها الحسينعليه‌السلام وتشهق شهقة حتى يسكتها أبوها ولم يزل هذا القميص مع الزهراء ولا ينفك عنها إلى أن ترد المحشر ، وهي آخذة بذلك القميص المتلطخ بالدم وقد تعلقت بقسائم العرش ، وتقول : رب احكم بيني وبين قاتل ولدي الحسينعليه‌السلام

نظم :

كأني ببنت المصطفى قد تعلقت

يداها بساق العرش والدمع اذرت

وفي حجرها ثوب الحسين مضرجاً

وعنها جميع العالمين بحسرة

تقول يا عدل اقض بيني وبين من

تعدى على ابني بين قهر وقسوة

أجالوا عليه بالصوارم والقنا

وكم جال فيهم من سنان وشفرة

٨٣

وقال الآخر :

لابد أن ترد القيامة فاطم

وقميصها بدم الحسين ملطخ

ويل لمن شفعاؤه خصماؤه

والصور في يوم القيامة ينفخ

في البحار(١) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يمثل لفاطمة في يوم القيامة رأس الحسينعليه‌السلام متشحطاً بدمه فتصيح وا ولداه وا ثمرة فؤاداه ، فتصعق الملائكة لصيحة فاطمة وينادي أهل القيامة : قتل الله قاتل ولدك يا فاطمة ، فيقول الله تعالى ذلك أفعل به وبشيعته وأحبائه وأتباعه .

في الخصال عن أمير المؤمنينعليه‌السلام : إن الله اطلع على الأرض فاختارنا واختار لنا شيعة ينصروننا ويفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا ، ويبذلون أموالهم وأنفسهم فينا أُولئك منا وإلينا ، وقال الصادقعليه‌السلام : رحم الله شيعتنا إنهم أُوذوا فينا ولم نؤذ فيهم ، شيعتنا منا قد خلقوا من فاضل طينتنا وعجنوا بنور ولايتنا رضوا بنا أئمة ورضينا بهم شيعة يصيبهم مصابنا ويبكيهم مصابنا ويحزنهم حزننا ويسرهم سرورنا ، ونحن أيضاً نتألم لألمهم ونطلع على أحوالهم ، فهم معنا لا يفارقونا ولا نفارقهم ، لأن مرجع العبد إلى سيده ومعوله على مولاه فهم يهجرون من عادانا ويمدحون من والانا ويباعدون من آذانا ، اللهم أحي شيعتنا في دولتنا وأبقهم في ملكنا وملكتنا ، اللهم إن شيعتنا منا ومضافون إلينا فمن ذكر مصابنا وبكى لأجلنا استحى الله أن يعذبه ، وقال الصادقعليه‌السلام رحم الله شيعتنا لقد شاركونا في المصيبة بطول الحزن والحسرة على مصاب الحسينعليه‌السلام

__________________

(١) بحار الأنوار ٤٣ : ٢٢٢

٨٤

قال المرحوم شيخنا التستري : اعلم أن مجرد الحضور والجلوس في هذه المجالس التي انعقدت لأجل التذكر والتذكار لمناقب أهل البيت والبكاء والتباكي على مصائبهم له أجر عظيم وفوائد جليلة في الدنيا والآخرة

منها : ما قال الرضاعليه‌السلام : من تذكر مصابنا وبكى لما ارتكب منا كان معنا في درجتنا يوم القيامة ، ومن ذكر بمصابنا فبكى وأبكى لم تبك عينه يوم تبكي العيون ، ومن جلس مجلساً يحى فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب

منها : إنها محبوبة لله ولرسوله ولأوصيائه كما يظهر من كلام الصادقعليه‌السلام لفضيل يا فضيل تجلسون وتحدثون ( وتتحدثون خ ل ) قال : نعم جعلت فداك ، قال : إن تلك المجالس لأحبها فأحيوا أمرنا ، يا فضيل فرحم الله من أحيى أمرنا ، يا فضيل من ذكرنا أو ذُكرنا عنده فخرج من عينه مثل جناح بعضوة ( الذباب خ ل ) غفر الله له ذنوبه ولو كانت أكثر من زبد البحر ، فإذا كانت هذه المجالس محبوبة للصادقعليه‌السلام فيقيناً محبوبة لباقي الأئمة ومحبوبة عند الرسول عند الله

منها : إنها منظورة للحسينعليه‌السلام لأنه في يمين العرش وأنه ليرى من يبكيه ، ويسأل آباءه أن يستغفروا له ويقول : لو يعلم الباكي على ما أعد الله له لكان فرحه أكثر من جزعه

منها : إنه مادام جالساً في المجلس جليس مع الملائكة لأن المجلس محل شهود الملائكة ومحل هبوطهم فيه ، ويوافقون الباكي في البكاء والنحيب ، ويدعون الله له ويطلبون منه الرحمة له ولآبائه ، كما قال الصادقعليه‌السلام لجعفر بن عفّان حين دخل عليه فقربه وأدناه ثم قال : يا جعفر ، قال : لبيك جعلني الله فداك ، قال : بلغني أنك تقول الشعر في الحسينعليه‌السلام وتجيد قال : نعم جعلني الله فداك ،

٨٥

قال : قل فأنشدتهعليه‌السلام فبكى ومن حوله حتى صارت على وجهه ولحيته ثم قال : يا جعفر والله لقد شهدت ملائكة الله المقربون هاهنا يسمعون قولك في الحسينعليه‌السلام ولقد بكوا كما بكينا وأكثر ولقد أوجب الله تعالى لك يا جعفر في ساعته الجنة بأسرها وغفر الله لك فقال : يا جعفر ألا أزيدك ؟ قال : نعم يا سيدي ، قالعليه‌السلام : ما من أحد قال في الحسينعليه‌السلام شعراً فبكى وأبكى به إلّا أوجب الله له الجنة وغفر له ، وللصادقعليه‌السلام مجلس لإقامة عزاء الحسينعليه‌السلام والبكاء عليه وذلك كلما دخل عليه أحد من الراثين على الحسينعليه‌السلام فيأمره بالرثاء فيرثي ، قال : أبو هارون المكفوف : دخلت على أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام فقال لي أنشدني في الحسينعليه‌السلام فأنشدته :

أمرر على جدث الحسين

فقل لأعظمه الزكية

قال فلما بكى أمسكت أنا قال : مر ، فمررت :

يا أعظماً لا زلت من

وطفاء ساكبة روية

وإذا مررت بقبره فأطل به

وقف المطية

فابك المطهر للمطهر

والمطهرة التقية

كبكاء معولة أتت يوماً

لواحدها المنية

ثم قال ، زدني ، فأنشدته :

يا مريم قومي واندبي مولاك

وعلى الحسين فاسعدي ببكاك

قال فبكى وتهايج النساء فلما أن سكتن قال : يا أبا هارون من أنشد في الحسينعليه‌السلام فأبكى عشرة فله الجنة ، ثم جعل ينتقص واحداً واحداً حتى بلغ الواحد فقال : من أنشد في الحسين وأبكى واحداً فله الجنة ، ثم قال : من ذكره فبكى فله الجنة

٨٦

وفي الخبر ما ذكر الحسين بن عليعليه‌السلام عند إمامنا الصادقعليه‌السلام في يوم قط فرئي أبو عبد اللهعليه‌السلام متبسماً في ذلك اليوم إلى الليل ، وكان يقولعليه‌السلام : الحسين عبرة كل مؤمن ومؤمنة كما أن علياًعليه‌السلام كلما رأى الحسينعليه‌السلام يبكي ويقول : يا عبرة كل مؤمن ومؤمنة ، وقال الحسين أنا يا أبتاه يقول نعم يا بني وما قال الحسينعليه‌السلام هو أحرق لقلوب الشيعة قال : أنا قتيل العبرة ما ذكرت عند مؤمن ولا مؤمنة إلّا بكيا واغتما لمصابي(١)

__________________

(١) معالي السبطين : ١٤٧

٨٧

اَللّهُمَّ اِنّي اَشْهَدُ اَنَّهُ وَلِيُّكَ وَابْنُ وَلِيِّكَ ، وَصَفِيُّكَ وَابْنُ صَفِيِّكَ

اَللّهُمَّ : اصلها يا الله حذف ياء المنادى وابدلت مكانها الميم في آخرها فصارت اللهم ، فهي في الأصل منادى ، وقد مرّ الكلام في كلمه الله جل جلاله فراجع

اني اشهد :

ان الشهادة قد يراد منها الاقرار في الظاهر بأن الإمام الحسينعليه‌السلام ولي الله تعالى وابن وليه وهذا ثابت بالأدلة النقلية والعقلية ودلت عليه الآثار والمعجزات ومن أحسنها دلالة القرآن الذي هو معجز مستقل في إثباته وشاهد حاضر في مرأى المسلمين وقد سبق البحث في مقام ولايتهم(١)

وقد يراد بالشهادة هي الشهادة المشهودة لأصحاب الكشف والشهود خاصة من أهل اللبّ والعلم والمعرفة

والحاصل : ان من عرف الله ، وعرف صفاته وافعاله وآثار افعاله وأوليائه بالأدلة العقلية والنقلية ، ظهر له بالضرورة ان الإمام الحسينعليه‌السلام انه ولي الله وابن وليه ، خصوصاً إذا كان ممن عرف أسرار هذا الدين والمذهب الحق الجعفري بظاهره وباطنه من المعارف التي عجزت عن مثلها الالبّاء وعقلاء العالم ، وأيضاً عرف واحاط علماً بسيرة الإمام الحسينعليه‌السلام وأهل البيت سلام الله عليهم أجمعين وأخلاقهم وآدابهم حصل له القطع بان هذه السيرة قد صدرت عن حكمة رباينة لا يمكن مثلها من الخلق ، وإن بلغ في الكمال ما بلغ ، فنرى أن أقوالهم يصدق بعضها بعضاً وكذا أفعالهم تصدق أقوالهم من دون معارضه كما لا يخفى على البصير الناقد الساير في سيرهم وأفعالهمعليهم‌السلام فإن هذا النظام لا يكون إلّا عن مصلحة إلهية ووحي إلهي

__________________

(١) راجع بحث الولاية

٨٨

وبعبارة اُخرى : إن الشهادة بولايتهم وإمامتهم لابد من أن تكون بعد الشهادتين ، أما عقيدة فهي واجبة وأما الاقرار اللساني فهو مستحب

وكيف كان فالتصريح بالنبوة يستلزم التصريح بولايتهم وامامتهم فالإمام الحسينعليه‌السلام هو ركن من أركان الولاية الربانية فلذلك لابد التصريح في زيارته إلى هذه الولاية الحقة والاقرار بها قلباً ولساناً له وللأئمة المعصومينعليهم‌السلام

ووجوب الاطاعة لهم في جميع الاُمور والاقرار بفضلهم لأن مقامهم مقام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في وجوب الطاعة ولانهم كالنبي في كونهم حملوا حمولة الرب وهذا هو السر في كونهم كالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في تلك الشؤون

قال أبو جعفرعليه‌السلام : ولا يستكمل عبد الإيمان حتى يعرف انه يجري لآخرهم ما يجري لأولهم في الحجة والطاعة والحلال والحرام سواء ولمحمد وأمير المؤمنين فصلهما(١)

وعن اكمال الدين باسناده عن الثمالي عن أبي جعفر عن أبيه عن جده الحسينعليه‌السلام قال : دخلت أنا وأخي على جدي رسول الله فاجلسني على فخذه وأجلس اخي الحسن على فخذه الآخر ثم قبّلنا وقال : « بابي انتما من إمامين سبطين اختاركما الله مني ومن أبيكما ومن اُمكما واختار من صلبك يا حسين تسعة أئمة تاسعهم قائمهم وكلهم في الفضل والمنزلة سواء عند الله تعالى »(٢)

وَصَفِيُّكَ وَابْنُ صَفِيِّكَ :

وقد مر شرح الصفي في عبارة السَّلام على صفي الله وابن صفيه ، فراجع

__________________

(١) بحار الأنوار ٢٥ : ٣٥٣

(٢) بحار الأنوار ٢٥ : ٣٥٦

٨٩

الْفآئِزُ بِكَرامَتِكَ ، اَكْرَمْتَهُ بِالشَّهادَةِ

الفائز : من الفوز : الظفر ، أي نال ما أراد من النعيم المقيم

والكريم : من كل شيء هو جيّده في صنفه أو نوعه أو جنسه والكَرم قيل : هو سخاء النفس بما تحب ، وهو ليس صفة خاصّة بل هو صفة لكل حسن مرضىٍّ فاضل في جنسه ، كما يقال كتاب كريم ، مقام كريم ، زوج كريم ، رسول كريم ، وإنه لقرآن كريم

وعليه فإن الإمام الحسينعليه‌السلام فاز بكرامة الله تعالى وهي الشهادة غاية الفوز ، بحيث لم يدانه أحد فإن الله تعالى أكرمه وجميع الأئمةعليهم‌السلام بما لم يكرم به أحد من خلقه ، حتى الأنبياء ما عدا جدّهصلى‌الله‌عليه‌وآله وذلك لحقيقة ما همّ عليه من القرب والمعرفة والعبادة ، ومن كونهم مظاهر جماله وجلاله وغير ذلك ، فلا محالة فازوا بما لم يفز به أحد من الخلق ، وظفروا بما طلبوا من الكرامة لديه ، ووصلوا إلى المقام الأعلى والمكان الرفيع وكما ورد في الزيارة « أتاكم الله ما لم يأت أحد من العالمين » فهم( عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ) (١)

ثم إن التكريمات التي كرّم الله بها ـ بحسب الظاهر لمطلق الإنسان ـ إلّا أنها في الحقيقة لمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وآله الطاهرين المنتجبين بمحل من الامكان بحيث لا يحوم حول حماها انسان ، بل كل ما سواهم من سائر الخلق والموجودات والملائكة والأنبياء والبشر ، فالكرامة والتكرمه التي تكون لسائر الخلق تكون بالتبعية والمعلولية لها كل واحد منها بنسبته ، وإلّا المصداق لتلك التكرمات بالنحو الأتم الأكمل هو لمحمد وأهل بيته عليهم أفضل الصلاة والسلام

وفي الحديث أنزلوهم أحسن منازل القرآن

__________________

(١) سورة الأنبياء : ٢٦ ـ ٢٧

٩٠

وقيل المراد بالكرامة هو : الكريم من الأعمال ، يعني أن ما أُمر به الإمام الحسينعليه‌السلام من الأعمال وبالأخص الشهادة في سبيل الله فإنها كرامة من الله تعالى وهي أجودها ، لأن المأمور بالأعمال إنما يؤمر بقدر قابليته وارتفاع مرتبته ، أو عدم ارتفاعها

ولما كانت مبادئ الإمام الحسينعليه‌السلام ومبادئ أهل البيتعليهم‌السلام أكرم المبادئ فلابد من أن يكون ما أُمروا به شيئاً يليق بذلك المبدأ إلى منتهى غاياته

فهذه الفقرة ناظرة إلى عمل وفعل الإمام الحسينعليه‌السلام وبالأخص منزلة الشهادة التي نالها في سبيل احياء دين الله تعالى بحيث أكرمه الله تعالى بها وجعل سفينته اسرع سفن الهداية(١)

بالشهادة : وقد مر البحث سابقاً عنها في مقام الشهيد في فقرة ( المظلوم الشهيد ) من الزيارة فراجع

__________________

(١) الشموس الطالعة في مشارق زيارة الجامعة للسيّد حسين الهمداني مع تصرف

٩١

وَحَبَوْتَهُ بِالسَّعادَةِ

الحبوة : يقال حبوت الرجل حِباءً : اعطيته الشيء بغير عوض ، وفي الحديث أن أول حبائك الجنة أي عطاؤك

وفي الحديث صلاة الحبوة وهي صلاة جعفر بن أبي طالب المعروفة بصلاة جعفر الطيارة المشهورة بين الفريقين ، سُميت بذلك لأنها حباء من الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ومنحة منه وعطية من الله تفضل بها على جعفر الطياررضي‌الله‌عنه (١)

وعن لسان العرب الحباء : العطاء بلا مَنٍّ ولا جزاء

السعادة : خلاف الشقاء

وعن الإمام الصادقعليه‌السلام : السعادة سبب خير تمسّك به السعيد فيجرّه إلى النجاة والشقاوة سبب خذلان تمسّك به الشقي فجرّه إلى الهلكة وكل بعلم الله تعالى(٢)

وقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : السعادة ما أفضت إلى الفوز ، وقال السعيد من اخلص الطاعة

وعنهعليه‌السلام : من أجهد نفسه في اصلاحها سعد ، ومن أهمل نفسه في لذاتها شقي وبُعد ، وعنهعليه‌السلام ثلاث من حافظ عليها سعد : إذا ظهرت عليك نعمة فاحمد الله وإذا ابطأ عنك الرزق فاستغفر الله ، وإذا اصابئك شدّة فاكثر من قول : لا حول ولا قوة إلّا بالله

وعنهعليه‌السلام : اسعد الناس من عرف فضلنا وتقرب إلى الله بنا وأخلص حُبنا وعمل بما الله ندبنا ، وانتهى عما عنه نهينا فذاك منا وهو في دار المُقامة معنا(٣)

__________________

(١) مجمع البحرين ١ : ٢٩٤

(٢) بحار الأنوار ١٠ : ١٨٤

(٣) ميزان الحكمة ٤ : حرف السين

٩٢

أقول : فكيف كان فإن الله تعالى أعطى الإمام الحسينعليه‌السلام السعادة في الدنيا حيث رفع اسمه ونصبت له المأتم في كل مكان وإلى قيام القيامة ، رغم الجهد الذي صدر من اعدائه في طمس ذكره ، ولكن الله تعالى رفع ذكره هذا في هذه النشأة ، وناهيك ما أعدّ له تعالى في النشأة الآخرة ويكفيك في ذلك أن حساب الخلائق قبل يوم القيامة بيدهعليه‌السلام كما في الخبر

بل أكثر من ذلك فإن السعادة التي حباها الله تعالى إياه لم تختص به بل تشمل كل من والاه ووالا أهل البيتعليهم‌السلام وعاد أعدائه وأعداء أهل البيتعليهم‌السلام ، لأنه بولائهم للحسينعليه‌السلام تكفّر عنهم عظائم الذنوب لأن المحب والموالي لهم يُوفّق للصواب في اعتقاداته ، وعلومه ، وأفعاله ، وأقواله ، وأعماله ، وهذا بخلاف غيرهم كما نرى ذلك منهم

وثانياً : يبصره الله عيوب نفسه ، فيشتغل باصلاحها وينصرف عن عيوب غيره لما يرى من عيوبه ماقتاً لنفسه ، ويرى نفسه مقصراً في طاعة ربه ، وهذه أحوال العباد والمؤمنين العارفين وقد رزقها الله تعالى لمحب الحسين وأهل البيتعليهم‌السلام

وثالثاً : أن الله تعالى يرزقه الحياة الطيبة المشار إليها بقوله :( فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ) (١) المفسرة بالقنوع والقناعة

ففي « الفقيه » عن أمير المؤمنينعليه‌السلام في حديث : « ولقد سمعت حبيبي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : لو أن المؤمن خرج من الدنيا وعليه مثل ذنوب أهل الأرض ، لكان الموت كفارة لتلك الذنوب ، ثم قال : من قال لا إله إلّا الله باخلاص فهو بريء من الشرك ، ومن خرج من الدنيا لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة ثم تلا هذه الآية
__________________

(١) سورة النحل : ٩٧

٩٣

( إِنَّ اللَّـهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ) (١) من شيعتك ومحبيك يا علي ، قال أمير المؤمنينعليه‌السلام فقلت يا رسول الله هذا لشيعتي ؟ قال : أي وربي إنه لشيعتك »(٢)

وقد ورد في الحديث أن الموالي للحسينعليه‌السلام ولأهل البيت هو يختار الموت باختياره ورضاه ليكون محباً للقاء الله تعالى والأحاديث في ذلك كثيرة منها(٣)

عن ابن فضال عن علي بن عقبة عن عقبة بن خالد قال : دخلنا على أبي عبد اللهعليه‌السلام أنا ومعلّى بن خنيس قال : « يا عقبة لا يقبل الله عن العباد يوم القيامة إلّا هذا الّذي أنتم عليه وما بين أحدكم وبين أن يرى ما تقرّ به عينه إلّا أن تبلغ نفسه هذه ، وأومأ بيده إلى الوريد ، قال : ثمّ اتّكأ وغمز إلى المعلّى أن سله فقلت : يابن رسول الله إذا بلغت نفسه هذه فأيّ شيء يرى ؟ فردد عليه بضع عشرة مرّة « أي شيء يرى » فقال في كلها : يرى ، لا يزيد عليها ، ثمّ جلس في آخرها فقال : يا عقبة ، قلت : لبيك وسعديك

فقال : أبيت إلّا أن تعلم ؟ فقلت : نعم يابن رسول الله إنّما ديني مع دمي ، فإذا ذهب دمي كان ذلك ، وكيف بك يابن رسول الله كلّ ساعة وبكيت ، فرقّ لي فقال : يراهما والله ، قلت : بأبي أنت وأُمي من هما ؟ فقال : ذاك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعليعليه‌السلام ، يا عقبة لن تموت نفس مؤمنة أبداً حتّى تراهما ، قلت : فإذا نظر إليهما المؤمن أيرجع إلى الدّنيا ؟ قال : لا ، بل يمضي أمامه ، فقلت له : يقولان شيئاً جعلت
__________________

(١) سورة النساء : ٤٨

(٢) الفقية ٤ : ٢٩٤

(٣) محاسن البرقي : ١٧٥ ، رقم ١٠٨

٩٤

فداك ؟ فقال : نعم ، يدخلان جميعاً على المؤمن ، فيجلس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عند رأسه وعليعليه‌السلام عند رجليه فيكبّ عليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فيقول : يا وليّ الله أبشر أنا رسول الله ، إني خير لك ممّا تترك من الدُّنيا

ثمّ ينهض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فيقدم عليه علي ( صلوات الله عليه ) حتى يكبّ عليه فيقول : يا وليّ الله أبشر أنا علي بن أبي طالب الذي كنت تحبّني أما لأنفعنّك ، ثمّ قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : أما إن هذا في كتب الله عزّ وجل ، قلت : أين هذا جعلت فداك من كتاب الله ؟ قال : في سورة يونس ، قول الله تبارك وتعالى هاهنا :( الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرَىٰ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّـهِ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) (١) »

ونظير هذه الأحاديث كثيرة جدّاً ، فيظهر منها أنّه تعالى قد خصّ شيعة الإمام الحسينعليه‌السلام والإمام علي وعباده الصّالحين بالسّعادة الدنيوية والأُخروية ، بما ذكروا بأنّه تعالى لا يقبض روحه إلّا برضاه ، لتكون باختياره محبّاً للقاء الله تعالى ، لأنّ من كره لقاء الله ، كره الله لقاءه وإنّما يفعل الله تعالى به ذلك ( أي يقبض روحه ) برضاه مع حبّه للقاء الله تعالى ، لما ثبت في محلّه : أن الروح في حال النزع إن كانت مع حبّها له تعالى كانت في نعيم مقيم وسرور وبهجة إلى أن يدخل الجنّة ، وإن كانت مع كراهتها له تعالى كانت في عذاب وشدة وضيق ، كما علمته من بيان موت عدوّ الله تعالى

ولعمري إن هذه السعادة هي السعادة المنجية ، التي لا يعدلها شيء ، حيث يحضر عنده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله والإمام الحسينعليه‌السلام والأئمةعليهم‌السلام وأمير المؤمنينعليه‌السلام
__________________

(١) سورة يونس : ٦٣ ـ ٦٤

٩٥

ويبشرونه بما سمعت ، وهذه السعادة إنما هي لمن والاهم وآمن بسرّهم وعلانيتهم وأحبّهم ، وأقرّ بفضلهم ومقامهم الذي رتبهم الله فيه ، وجحد أعداءهم وما يدعون لهم من المقام ، وأبغضهم كما لا يخفى ، فالمقرون بولايتهم التشريعية والتكوينية التي مرّ بيانهما لهم هي السّعادة الأبديّة(١)

فالحمد لله ربنا على هدايته لولاية ولاة أمره ونعوذ به من موالاة أعدائهم ، ونسأله البراءة منهم آمن ثم آمين برحمتك يا أرحم الراحمين

__________________

(١) الأنوار الساطعة في شرح زيارة الجامعة ٤ : ٢١١

٩٦

وَاَجْتَبَيْتَهُ بِطيبِ الْوِلادَةِ

اجتبيته : لا ريب ان الاجتباء هو الاختيار والاصطفاء كما في اللغة ، وهذا الاجتباء له مصاديق من حيث الشدّة والضعف في الاختيار

وفي هذه الزيارة نسب الاجتباء إلى طيب ولادة الإمام الحسينعليه‌السلام مبالغة في تعظيم الاجتباء لهعليه‌السلام ، وكونهعليه‌السلام من صفوة الموجودات يكون مصطفيً على أحسن وجه وأكمل وأتم وجه ممكن يكون مجتباً ؛ لأن الاجتباء عنوان الفعل في الخارج أي يكون مصداقه ما هو موجود خارجاً ، ولذا جعل الاجتباء بالولادة التي هي السبب للفعل والعمل بخلاف سائر بعض الجمل في الزيارة فإنها عللت بالصفات المعنوية الثابتة قبل الفعل

وقد ورد في زيارة الجامعة « واجتباكم بقدرته » بمعنى أنهم لما كانوا مظهر قدرته كما دلت عليه الأخبار فلا أحد في القدرة وآثارها مثلهم ، فيكون الباء في « بقدرته » بمعنى اللام الغائية ، أي اجتباكم لغاية اظهار قدرته تعالى النافذة التي ليست فوقها قدرة في الوجود(١)

بطيب الولادة :

من النعم الكبرى التي أنعم الله بها على بعض العباد ، هي نعمة طيب الولادة بل هي اوّل النعم على المؤمنين وبها احراز النعيم والسعادة في الدنيا والآخرة

ولذا ورد في الأخبار مَن حارب الإمام الحسينعليه‌السلام في كربلاء والأُلوف الذين حضروا واقعة الطف كانوا ما بين ولد زنا أو حيضة ، وأما مَن حضر وكثر السواد ولم يقاتل فهو ممن حمل به في الحيض(٢)

__________________

(١) الانوار الساطعة في شرح زيارة الجامعة للشيخ جواد الكربلائي مع تصرف

(٢) علل الشرائع ١ : ١٤١ ، باب علة محبة أهل البيت

٩٧

وعن الإمام الصادقعليه‌السلام قال : كان قاتل يحيى بن زكريا ولد زنا ، وكان قاتل الحسينعليه‌السلام ولد زنا ولم تبكي السماء إلّا عليهما(١)

وأيضاً ورد في الروايات انه لا يبغض أهل البيتعليهم‌السلام إلّا ولد زنا أو حيض

عن اُم سلمة قالت : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول لعليعليه‌السلام لا يبغضكم إلّا ثلاثة : ولد زنا ومنافق ومَن حملت به اُمه وهي حائض(٢)

فكيف كان فإن طيب الولادة لها الأثر الكبير في سعادة الإنسان فقد ورد عن الإمام الصادقعليه‌السلام : مَن وجد بَرد حُبنا في كبده فليحمد الله على أول النعم

قال الراوي قلت : جعلت فداك ما أوّل النعم ، قال : طيب الولادة(٣)

وقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : احمدوا الله على ما اختصكم به من بادئ النعم أعني طيب الولادة(٤)

وعن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا أبا ذر من احبنا أهل البيت فليحمد الله على أول النعم ، قال : يا رسول الله وما أول النعم ، قال : طيب الولادة ، إنه لا يحبنا أهل البيت إلّا من طاب مولده

ولادة الإمام الحسينعليه‌السلام :

لقد ظهرت في ولادة الإمام الحسينعليه‌السلام كرامات ومعجزات نشير إليها تبركاً وتيمناً بما منح الله تعالى الحسينعليه‌السلام لطيب ولادته ، ولكن قبل ذلك لابد أن نعلم
__________________

(١) بحار الأنوار ٤٤ : ٣٠٢

(٢) بحار الأنوار ٧٨ : ١٠٤

(٣) وسائل الشيعة ٩ : ٥٤٧

(٤) بحار الأنوار ٢٧ : ١٤٨

٩٨

أن الإمام الحسينعليه‌السلام ولد في الثالث من شهر شعبان المبارك السَّنة الرابعة للهجرة ـ وولد لستّة أشهر ولم يولد مولود لستة أشهر وعاش إلّا الحسين ويحيى بن زكريا وقيل عيسى بن مريم ـ في المدينة المنورة وسماه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حسيناً كما سمّى أخاه من قبل حسناً ، ولم يسمَّ بهذين الإسمين أحد من العرب قبلهما ، وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يحبّهما حبّاً شديداً ويقول : هما ريحانتاي من الدنيا ، اللّهمّ إنّي أحبّهما وأحبّ من يحبّهما

ولمّا ولد الحسينعليه‌السلام قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لصفيّة بنت عبد المطلب : يا عمّة هلمي إلى إبني ، فقالت : يا رسول الله أنا لم ننظّفه بعد ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عمّة أنت تنظّفينه ، إن الله تعالى قد نظّفه وطهّره ، فَدَفَعته وهو في خرقة بيضاء فأذّن في أُذنه اليمنى وأقام في اليسرى ، ووضع لسانه في فيه والحسين يمصّه يغذيه اللّبن والعسل ، ثمّ دفعه إليّ وهو يبكي ويقول : لعن الله قوماً هم قاتلوك يا بني ، قالها ثلاثاً ، فقلت : من يقتله ؟ قال : تقتله الفئة الباغية من بني أُميّة

ولمّا ولدعليه‌السلام أوحى الله إلى مالك خازن النيران : أخمد النّيران على أهلها كرامة لمولود ولد لمحمّد في دار الدُنيا ، وأوحى الله إلى الحور العين أن تتزيّن كرامة للحسينعليه‌السلام ، ثمّ أوحى الله إلى جبرئيل أن يهبط إلى النبي في ألف قبيل وكلّ قبيل ألف ألف ملك على خيول مسرجة ملجّمة من الدر والياقوت أن يهنّئوا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بالمولد ( وبها قضيّة فطرس عتيق الحسينعليه‌السلام )(١)

لشهر شعبان فضل ليس نحصيه

إذ كان مولد سبط المصطفى فيه

سبط النبي ونجل الطّهر حيدرة

من فاق جاهاً ونال السؤل راجيه

صلّى عليه إله العرش ما سجعت

ورق ومال غصن في تثنيه

__________________

(١) نور الأبصار : ١٦٥

٩٩

وقد قام بنفسه بتربيتهما حتّى تركهما نموذجين مثاليّين ومثلين كاملين للمسلم القرآني الذي يريده الإسلام ، فكانا بذلك القدوة العليا لكلّ إنسان في الدنيا وفي كلّ صفات الإنسانيّة وشرائطها ، ومن ثَمَّ منحهما النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مقام السيادة على كافّة شباب أهل الجنّة كما هو نصّ الحديث الشريف المتواتر : الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة ، ومعلوم أن السّيادة في عرف الإسلام تعني الأفضليّة والأكمليّة والتفوق في العلم والعمل الصّالح

ولا شك أنّ المراد بشباب الجنّة هو كل أهل الجنّة قاطبة ما عدا جدّهما المصطفى وأبيهما علي المرتضى اللّذين خرجا من تحت هذا العموم بأدلّة خاصة أُخرى

فهما سيّدا أهل الجنّة جميعاً لأنّ كل من في الجنّة شباب ليس فيهم شيخ ولا كهل ولا عجوز حسب ما ورد في النصوص

وبناءاً على ما سبق يكون الحسينعليه‌السلام قد عاش مع جدّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ستّ سنوات وعاش بعده إحدى وخمسين سنة ، فكان عمره الشريف يوم شهادته نحواً من سبع وخمسين سنة ، وقيل : ثمانية وخمسين سنة بناء على أن ولادته كانت سنة ثلاث من الهجرة ، قضاها في عبادة الله وطاعة رسوله وخدمة الناس وختمها بأعظم تضحية عرفها التاريخ حتى الآن ، من حيث القدسيّة والشرف

كانعليه‌السلام أكثر الناس علماً وأفضلهم عملاً ، وأسخاهم كفاً وأحسنهم خلقاً ، وأوسعهم حلماً ، وأكرمهم نفساً ، وأرقهم قلباً ، وأشدّهم بأساً وشجاعة

هذه كلها حقائق ثابتة بالإجماع ، ومتواترة بين المؤرخين وأهل السّير يعترف له بها حتّى الأعداء

١٠٠