مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مناظرات وحوار ليالي بيشاور0%

مناظرات وحوار ليالي بيشاور مؤلف:
المحقق: السيّد حسين الموسوي
الناشر: ذوي القربى
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 1199

مناظرات وحوار ليالي بيشاور

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيّد محمّد الموسوي الشيرازي
المحقق: السيّد حسين الموسوي
الناشر: ذوي القربى
تصنيف: الصفحات: 1199
المشاهدات: 215760
تحميل: 2410

توضيحات:

مناظرات وحوار ليالي بيشاور
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 1199 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 215760 / تحميل: 2410
الحجم الحجم الحجم
مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مؤلف:
الناشر: ذوي القربى
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ويعارضه الخبر المتواتر المسلَّم عليه وهو عزل أبي بكر بأمر الله سبحانه ونصب الإمام عليّعليه‌السلام مكانه وتبليغه الآيات بوحده. ومن الواضح لزوم التمسك بالخبر المرويّ في الصحاح والمسانيد والمجمع عليه بين الرواة والمحدِّثين، وطرح الخبر الضعيف المعارض.

والنتيجة الحاصلة من هذا الخبر أنّ السنّ غير دخيل في نيابة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وخلافته، بل اتفاق العقلاء والنبلاء بلزوم العلم والتقوى في الإمام الذي يتعيّن لقيادة الأمّة.

ولهذا قدَّمَ اللهُ ورسولُهصلى‌الله‌عليه‌وآله علياًعليه‌السلام إذ كان أعلم الصحابة حتّى قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في حقه: عليٌّ باب علمي ومبيِّنٌ لأمتّي ما أُرْسلْتُ به من بعدي(١) . فخصّه دون غيره بهذه الفضيلة العالية والمنقبة السامية.

____________________

١) أيها القارئ الكريم هذا الحديث مشهور عند المحدثين والعلماء ولذا لم يذكر المؤلف مصدراً له وأرسله إرسال المسلَّمات، ولكني أذكر بعض مصادره ليطمئن قلبك، فأقول: رواه العلّامة القندوزي في الينابيع صفحة ٢٧٩، طبع المكتبة الحيدريّة، أخرجه في ضمن المناقب السبعين في فضائل أهل البيت فقال: الحديث التاسع والعشرون، عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عليٌّ باب علمي ومبيِّن لأمتي ما أُرسلت به من بعدي، حُبّه إيمان وبغضه نفاق والنظر إليه رأفة ومودّته عبادة، قال: رواه صاحب الفردوس.. وهو الديلمي في فردوس الأخبار واخرجه العلّامة الهمداني الشافعي في كتابه مودّة القربى في أواخر المودّة السابعة قال: أبو ذر رفعة: عليٌّ باب علمي ومبيِّن لأمتي ما أُرسلت به من بعدي، حبُّهُ إيمان وبغضه نفاق والنظر إليه رأفة وعبادة، قال: رواه أبو نعيم الحافظ بإسناده ونقله المتقي الهندي في كنز العمال: ج ٦ / ١٥٦ وقال: أخرجه الديلمي عن أبي ذر.

أقول: واعلم أنّ علماء المسلمين اتّفقوا بأنّ علياًعليه‌السلام كان أعلم الناس بعد رسول=

١٠٨١

. . . . .

____________________

=

اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وذلك لِمَا رُوىَ عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن طريق سلمان (رض) قال: أعلم أمتي من بعدي علي بن أبي طالب: أخرجه المتقي الهندي في كنز العمّال: ج ٦ / ١٥٦ وقال أخرجه الديلمي، والمناوي أيضاً أخرجه في كنوز الحقائق: ص ١٨، ونقله القندوزي أيضاً في الينابيع / الباب الرابع عشر في غزارة علمه، نقله عن الموفق بن أحمد بسنده عن سلمان رضي الله عنه. وذكره ضمن المناقب السبعين في فضائل أهل البيت «الحديث السادس والعشرون» عن سلمان. وذكره أيضاً العلّامة الهمداني في كتابه مودّة القربى / في المودة الخامسة، والسابعة عن سلمان أيضاً.

وروى المتقي في كنز العمال: ج ٦/ ١٥٦ عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال: علي بن أبي طالب أعلم الناس بالله والناس، قال: أخرجه أبو نعيم الحافظ.

ونقل العلّامة القندوزي في ينابيع المودّة / الباب الرابع عشر في غزارة علمه: عن محمد بن علي الحكيم الترمذي في شرح الرسالة الموسومة بالفتح المبين قال ابن عباس (رض) وهو إمام المفسرين: العلم عشرة أجزاء لعليّ تسعة أجزاء وللناس العُشر الباقي وهو أعلمهم به الخ ثمّ قال الترمذي ولهذا كانت الصحابة (رض) يرجعون إليه في أحكام الكتاب ويأخذون عنه الفتاوي كما قال عمر بن الخطاب في عِدّة مواطن: لولا عليٌ لهلك عمر. وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : أعلم أمتي عليّ بن أبي طالب.

وقال القندوزي في الباب: أخرج ابن المغازلي بسنده عن أبي الصباح عن ابن عباس (رض) قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لمـّا صرت بين يدي ربي كلّمني وناجاني، فما علمتُ شيئاً إلا علّمته علياً فهو باب علمي. ونقله في الباب أيضاً عن الموفق بن أحمد الخوارزمي بنفس الإسناد بتفصيل أكثر.

وروى القندوزي في الباب أيضاً فقال: وعن الكلبي قال ابن عبّاس: علم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من علم الله وعلم عليّ من علم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وعلمي من علم عليّ، وما =

١٠٨٢

. . . . .

____________________

=

علمي وعلم الصحابة في علم عليّ إلّا كقطرة في سبعة أبحر، - أقول: ومما يزيد في أهميّة الكلام أنّ قائله ملقب بحر الأمة - ونقل القندوزي في الباب أيضاً فقال: إنّ ابن المغازلي وموفق الخوارزمي أخرجا بسنديهما عن علقمة عن ابن مسعود(رض) قال: كنت عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فسُئل عن علم عليّ. فقال: قسمت الحكمة عشرة أجزاء فأعطي عليّ تسعة أجزاء والناس جزءاً واحداً وهو أعلم به منه.

- أقول: ولا يخفى أنّ خبر تقسيم العلم والحكمة إلى عشرة أجزاء..الخ مشهور عند ابن عباس أيضاً وقد نقل القندوزي بعض مصادره في الباب المذكور -.

وروى العلّامة الهمداني في كتابه مودّة القربى / المودّة الثالثة عشر عن عكرمة عن ابن عباس (رض) قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعبدالرحمن بن عوف: يا عبدالرحمن إنكم أصحابي، وعليٌ بن أبي طالب أخي ومنّي وأنا من عليّ فهو باب علمي ووصيّي.

وروى أيضاً في / المودة الثالثة: عن هاشم بن البريد قال ابن مسعود: قرأت سبعين سورة على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقرأت البقية على أعلم هذه الأمة بعد نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله علي بن أبي طالب.

وأخرج الإمام أحمد في المسند: ج ٥ / ٢٦، في حديث طويل قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لفاطمة: أ وَما ترضين أنّي زوجتُكِ أقدم أمتي سلماً وأكثرهم علماً وأعظمهم حلماً. وذكره المتقي في كنزالعمال: ج ٦/١٣٥ وقال: أخرجه أحمد بن حنبل والطبراني، وذكره أيضاً الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد: ج ٩ /١٠١ و ١١٤، وقال: رواه أحمد والطبراني برجال وُثّقوا.

وجاء في رواية أُسْد الغابة: ج ٥ / ٥٢٠ والمتقي في الكنز: ج ٦/ ٣٩٦ أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: يا فاطمةْ فوالله لقد أنكحتُكِ أكثرهم علماً وأفضلهم حلماً وأولهم سلماً. قال المتقي: أخرجه أبن جرير وصححه، والدولابي في الذريّة الطاهرة. =

١٠٨٣

. . . . .

____________________

=

وفي الكنز أيضاً: ج ٦/ ١٥٣، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : أما ترضين أنّي زوجتُكِ أول المسلمين إسلاماً وأعلمهم علماً الخ قال: أخرجه الحاكم عن أبي هريرة، وأخرجه الطبراني والخطيب عن ابن عباس.

وفي الكنز أيضاً: ج ٦ / ١٥٣، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : زوّجتكِ خير أهلي، أعلمهم علماً وأفضلهم حلماً وأوّلهم سلماً، قال أخرجه الخطيب - البغدادي - في المتفق والمفترق عن بريدة. وفي الكنز أيضاً، عن أبي إسحاق قال: إنّ علياًعليه‌السلام لمـّا تزوّج فاطمة قال لها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : لقد زوجتكه وإنّه لأوّل أصحابي سلماً وأكثرهم علماً وأعظمهم حلماً، قال: أخرجه الطبراني، ورواه الحافظ الهيثمي أيضاً في مجمعه: ج ٩ / ١٠١ وفي مجمع الزوائد أيضاً: ج ٩ / ١١٣، روى عن سلمان (رض) قال: قلت: يا رسول الله إنّ لكلّ نبيّ وصيّاً، فمن وصيُّك؟

فسكت عنّي. فلمّا كان بعد رآني فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا سلمان، فأسرعتُ إليه، قلت: لبيك. قال: تعلم مَن وصيُّ موسى؟

قال: نعم يوشع بن نون. قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : لِمَ؟ قلت: لأنه كان أعلمهم يومئذ.

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : فإنّ وصيَّي وموضعَ سرّي وخير مَن أتركُ بعدي وينجز عدتي ويقضي دَيْني، علي بن أبي طالب. قال: رواه الطبراني. (أقول) لا يخفى أنّ جواب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لسلمان: فإن وصيي وموضع سرّي ...الخ. تفريعٌ على تعليل سلمان وصاية يوشع بن نون لموسى بن عمران بأنّه كان أعلمهم يومئذ، فالتفريع معناه أنّ علياًعليه‌السلام أيضاً وصيي لأنّه أعلمهم.

وروى ابن الأثير في أُسْد الغابة: ج ٦ / ٢٢، عن يحي بن معين بسنده عن عبد الملك ابن سليمان قال: قلت لعطاء: أكان في أصحاب محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله أعلم من عليّعليه‌السلام ؟ قال: لا والله لا أعلم.

وذكره ابن عبد البر في الإستيعاب: ج ٢ / ٤٦٢ والمناوي في فيض القدير: ج ٣ / ٤٦ =

١٠٨٤

النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بعث علياً سفيراً إلى اليمن

ولقد نقل كبار علمائكم وأعلامكم خبر إرسال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله علياًعليه‌السلام إلى اليمن ليقضي بين أهلها ويرشدهم، وانّ النسائي وهو أحد أصحاب الصحاح عندكم، روى في الخصائص العلويّة ست روايات بإسناده إلى الإمام عليّعليه‌السلام بطرق مختلفة مضمونها أنّهعليه‌السلام قال: بعثني النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى اليمن فقلت: إنّك تبعثني وأنا شاب، إلى قومّ هم أسنّ مني، فكيف أقضي بينهم؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ الله سيهدي قلبك ويثبّت لسانك - أي على الحقّ -(١) .

____________________

=

في الشرح، والمحب الطبري في الرياض النضرة: ج ٢ / ١٩٤ وقال: أخرجه القلعي، وفي الصواعق المحرقة: الفصل الثالث في ثناء الصحابة والسلف عليه -عليه‌السلام - قال: وأخرج ابن سعد عن سعيد بن المسيب قال: لم يكن أحدٌ من الصحابة يقول سلوني إلّا عليٌّ، وقد اشتهر عنهعليه‌السلام : سلوني قبل أنْ تفقدوني.

أقول: فانصفوا( هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ) ؟

«المترجم»

١) لقد روى هذا الخبر جمعٌ من أعلام العامّة منهم: أحمد في المسند: ج ١ / ٨٣، ط الميمنة بمصر، والعلامة ابن سعد في الطبقات: ج ٢ / ٣٣٧ طبع دار الصارف بمصر، والعلّامة أبو نعيم الحافظ في حلية الأولياء: ج ٤ ص ٣٨١ ط السعادة بمصر، وقال: رواه أبو معاوية، وجرير، وابن نمير، ويحي بن سعيد عن الأعمش. وأخرجه القاضي أبو بكر بن وكيع في أخبار القضاء: ج ١ / ٨٤ ط مصر، والعلّامة البيهقي في السنن الكبرى: ج ١٠ / ٨٦، ط حيدر آباد الدكن، والعلّامة أبو اليقظان في شرف النبي، والمحب الطبري في الرياض النضرة: ج ٢ ص ١٩٨ ط محمد أمين الخانجي بمصر، وفي كتابه الآخر ذخائر العقبى: ٨٣ ط مكتبة القدسي بمصر، =

١٠٨٥

ورواه العلّامة الراغب الاصبهاني في محاضرات الأدباء، فيظهر من الخبر أنّ السنّ لا يكون ملحوظاً عند الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله في مثل هذه الأمور يعني الحكم والقضاء بين الناس، وإنما الملحوظ العلم والعدالة والكفاءات الأخرى مثل الورع والنصّ من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي ينطق

____________________

= والراغب الإصفهاني في محاضرات الأدباء: ج ٤ ص ٤٧٧ ط مكتبة الحياة بيروت، والعلّامة الأمرتسري في أرجح المطالب: ص ٣٩ و ٤٨٠ ط لاهور وأخرجه في ص ١١٩ وقال: أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجة والبزّار وأبو يعلي وابن حبّان والحاكم، باختلاف يسير. وأخرجه الحافظ الطيالسي في مسنده ص ١٩ ط حيدر آباد الدكن، والعلّامة ابن كثير في البداية والنهاية: ج ٥ / ١٠٧ ط السعادة بمصر، والعلّامة أبو الحسن النباهي المالكي في قضاة الأندلس ص ٢٣ ط دار الكاتب بالقاهرة، والعلّامة عبد الغني الدمشقي في ذخائر المواريث: ج ٣ / ١٤، والعلّامة الشيباني في تيسير الوصول: ج ٢ / ٢١٦، وشيخ الإسلام الحمويني في فرائد السمطين، والعلّامة الزرندي في نظم درر السمطين: ص ١٢٧ ط مطبعة القضاء والعلّامة محمد بن طولون الدمشقي في الشذورات الذهبية: ص ١١٩ ط بيروت، والعلامة المتقي في منتخب كنز العمال المطبوع بهامش المسند: ج ٥ / ٣٦ ط الميمنة والعلّامة الشيخ عمر بن علي الجندي في طبقات الفقهاء: ص ١٦ ط مصر، والعلّامة ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: ج ٢ / ٢٣٦ طبع القاهرة والعلّامة البستوي الحنفي في محاضرة الأوائل: ص ٦٢ ط الاستانة، والعلّامة الكنجي في كتاب كفاية الطالب، خَصَّ الباب الخامس عشر بهذا الخبر ورواه بسنده ثمّ قال: هذا حديث حسن المتن والسند.

أقول: هذا ما توصلتُ إليه من المصادر المعتبرة والكتب المنتشرة، وربما توجد مصادر أخرى ولكن فيما ذكرت كفاية لإثبات الحق والواقع.

«المترجم»

١٠٨٦

عن الله سبحانه.

عليٌّعليه‌السلام هادي الأمّة بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله

وقد نصّ القرآن الحكيم في ذلك لعليّعليه‌السلام وصرّح به النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لمـّا نزلت الآية الكريمة:

( إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَ لِکُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ) (١) .

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنا المنذر وعليٌّ الهاد، وفي روايةٍ خاطبُ علياعليه‌السلام وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنا المنذر وأنت الهادي وبك يهتدي المهتدون، هكذا رواه جمع من أعلامكم ومفسريكم منهم الثعلبي في تفسيره كشف البيان، ومحمد بن جرير الطبري في تفسيره، والعلّامة الكنجي الشافعي في كفاية الطالب / باب ٦٢ مسنداً عن تاريخ ابن عساكر، والشيخ سلمان القندوزي الحنفي في ينابيع المودّة / آخر الباب السادس والعشرين / رواه عن الثعلبي والحمويني والحاكم الحسكاني وابن صبّاغ المالكي، والعلّامة الهمداني في مودة القربى، والخوارزمي في المناقب عن ابن عباس وعن الإمام عليعليه‌السلام وعن أبي بريدة السلمي روايات عديدة وبطرق شتى رووا باختلاف في الألفاظ وبمعنى واحد، وهو أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: أنا المنذر، وخاطباً علياً فقال: وأنت الهادي وبك يهتدي المهتدون بعدي.

ولو كان هذا النصّ يَردُ في شان أي واحدٍ من الأصحاب،لكُنَّا نتّبعه ونتمسَّكَ به، كما تبعنا علياًعليه‌السلام وتمسّكنا به لوجود هذا النصّ

____________________

١) سورة الرعد، الآية ٧.

١٠٨٧

الجليّ وأمثاله في حق عليّعليه‌السلام نطقَ بها النبي الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله (١) .

الفرق بين السياسة الدينية والدنيوية

ثم إنّ الشيخ عبد السلام قال: بأنّ علياًعليه‌السلام ما كان عارفاً بإدارة البلاد ومن عدم سياسته حدثت الاضطرابات والحروب الدامية أيام خلافته بين المسلمين.

فأقول في جوابه: إنّ هذا الكلام تحريف للحقائق وتلبيسٌ للوقائع، والشيخ إنما نقل كلام الأسلاف المعاندين والمعادين للإمام عليّعليه‌السلام ولا أدري ما هو مرادهم ومقصودهم من كلمة السياسة

____________________

١) أقول: روى الحاكم الحسكاني في كتابه شواهد التنزيل: ج ١ / ٢٩٣ إلى ٣٠٣، ط الأعلمي بيروت، روى من تسع عشرة طريقاً - أي من رقم - ٣٩٨ إلى ٤١٦ - بأنّ المنذر في الآية الكريمة:( إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَ لِکُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ) هو سيد المرسلين محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والهادي هو علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

وروى غير من ذكرهم المؤلّف الكريم من أعلام العامة جمع منهم: شيخ الإسلام الحمويني في فرائد السمطين في الباب ٢٨ / تحت الرقم ١٢٣ والعسقلاني في لسان الميزان: ج ٢ / ١٩٩، والسيوطي في الدر المنثور في تفسير ذيل الآية الكريمة وقال: أخرجه ابن مردوية وأبو نعيم في المعرفة، والديلمي وابن عساكر، وابن النجار، وأخرجه المتقي في كنز العمال: ج ٦ ص ١٥٧ عن الديلمي وعن ابن عباس، ورواه الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد: ج ٧ / ٤١ وقال: رواه عبدالله بن أحمد والطبراني في الصغير والأوسط، ورجال المسند ثقات. ورواه الحاكم النسابوري في المستدرك: ج ٣ / ١٢٩ وقال: هذا حديث صحيحُ الإسناد.

واعلم أنّ هناك مصادر أخرى من العامة، ولكن فيما ذكرنا كفاية لمن أراد الهداية.

«المترجم»

١٠٨٨

ولإدارة؟ فإن كانت السياسة والإدارة عندهم بمعنى الكذب والدَّجَل والظلم والنفاق ومزج الحق بالباطل والتلبيس والتدليس - كما نرى أبناء الدنيا يرتكبونها لأجل الحصول على الحكم والسلطان - فإنّي أصدّقكم بأنّ علي بن أبي طالبعليه‌السلام كان يفقد هذه السياسة والإدارة، لأنّها بعيدة عن الدين والإسلام، أمّا إذا فسرنا السياسة بالإدارة الحكيمة المقرونة بالعدل والإنصاف بأن يساوي بين الرعيّة ويأخذ الحق من الظالم ويردّه للمظلوم، ولا تأخذه في الله لومة لائم في إقامة الحدود وسدّ الثغور وتنفيذ الأحكام، فالإمام عليعليه‌السلام أعظم سياسي وأحكم إداري في الإسلام. ولقد يحدثنا التاريخ أنّه لمـّا بويع له بالخلافة عزل الولاة والحكّام الذين كانوا من قِبَل عثمان بن عفّان، وهم الذين - بسوء تصرفاتهم - سبّبوا ثورة المسلمين على خليفتهم عثمان فقتلوه.

وذكر المؤرخون أنّ ابن عباس أشار على ابن عمة أمير المؤمنين في معاوية فقال: وَلِّهِ شهراً وأعزُلْهُ دهراً. وكذا المغيرة أشار عليه بذلك، ولكنّهعليه‌السلام قال: لا والله لا أبقيه ساعة واحدة على ولايته، وما كنت أطلب النصر بالجور! فلو أبقيتُ معاوية وأمثاله على ولايتهم وأقررتهم على مظالمهم وجرائمهم، بِمَ أجيب الله سبحانه؟ وكيف ألقاه في يوم الحساب؟!

وكان يقولعليه‌السلام : لولا التقوى لكنتُ أدهى العرب، والله ما معاوية بأدهى منّي ولكنّه يغدر ويمكر. وقد تكرّر منهعليه‌السلام هذا الكلام وشبهه كما في تاريخ الطبري، وفي العقد الفريد لابن عبد ربه، وفي شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد.

فكلام الشيخ بأنّ الاضطرابات والحروب التي وقعت أيام خلافة

١٠٨٩

الإمام عليّعليه‌السلام كانت من عدم سياسته وسوء إدارته وتدبيره، فغير صحيح وباطل، إذ من الواضح أنّ لتلك الحروب والاضطرابات أسباب وعلل أخرى.

أسباب الاضطرابات والحروب

في خلافة الإمام عليّعليه‌السلام

أولا: الوقايع والأحداث التي وقعت وحدثت بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كاستبداد القوم بالأمر من غير مشاورة الإمام عليّ والعبّاس وسائر رجال بني هاشم، وهجومهم على بيت الرسالة وإحراقهم الباب وضرب فاطمةعليه‌السلام حتى قتلوا جنينها المسمّى محسناً، وسحبهم الإمام عليّعليه‌السلام إلى المسجد ليبايع أبا بكر، ومنعهم حق أهل بيت النبوّة من الخمس الذي عيّنه الله تعالى لهم في كتابه، هذه الأحداث الأليمة وأمثالها جَرَّأتْ المنافقين والذين في قلوبهم مرض، الحاقدين على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وعترته الطاهرة، فأظهروا مكنونات صدورهم، والضغائن الكامنة في نفوسهم ولاسيما في عهد الإمام عليّعليه‌السلام وخلافته التي كانت بعد أحداث قتل عثمان بن عفّان، فجعلوا ذلك وسيلة وحجّة لإيجاد الاضطرابات والخلافات بين المسلمين، فعملوا كلّ ما في وسعهم لشبّ نيران الإحن وإثارة الحروب والفِتن، حتى صارما صار وحدث ما حدث.

ثانياً: كما قال هوعليه‌السلام : ما ترك ليَ الحق من صديق. فإنّ طبيعة البشر كما قال الله سبحانه:( أَکْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ کَارِهُونَ ) (١) والإمام

____________________

١) سورة المؤمنون، الآية ٧٠

١٠٩٠

عليّعليه‌السلام كان يعمل بالعدل ويحقّ الحق ويبطل الباطل، فما تحمَّلَهُ أكثر الناس وخاصّةً أبناء الدنيا والطامعين في بيت المال وحقوق الفقراء، ولاسيما الذين تعوّدوا في خلافة عثمان على نهب بيت المال واستملاك الأموال العامّة والتصرّف فيها واللعب بها، وهؤلاء كانوا يجدون بغيتهم عند معاوية فمالوا إليه ونصروه، والناس إلى أشباههم أمْيَل.

ثالثاً: فتِّشوا في التاريخ عن أسباب واقعة الجمل، وكيف حدثت؟ ولماذا؟ تجدونها أسباب دنيوية لا دينيّة، فإنّ طلحة والزبير أرادا ولاية البصرة والكوفة، حبّاً للرآسة والدنيا وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حبُّ الدنيا رأس كل خطيئة.

وكان الإمام عليّعليه‌السلام يعرف طلحة والزبير حقَّ المعرفة ولم يجد فيهما الورع اللازَّم في الوالي وكذلك ليست فيهم الكفاءات الأخرى، لذلك لم يتنازل الإمام عند رغبتهما ولم يُلبِّي طلبهما(١) فذهبا إلى أم

____________________

١) قال ابن أبي الحديد في شرح النهج: ج ١١ / ١٠، ط دار إحياء الكتب العربية: وأراد طلحة أن يولِّيَه البصرة، وأراد الزبير أن يولّيَه الكوفة فلما شاهدا صَلابتَه في الدين وقوّته في العزم وهَجْرَهُ الإدهان والمراقبة، ورفضه المدالسة والمواربة، وسلوكه في جميع مسالكه منهج الكتاب والسنّة، وقد كانا يعلمان ذلك قديماً من طبعه وسجيّته، وكان عمر قال لهما ولغيرهما: إنّ الأجلح إنْ وَليَها ليحملنّكم على المحجّة البيضاء والصراط المستقيم، وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من قَبْلُ قال: وأنْ تُوَلُّوها عليّاً تجدوه هادياً مهديّاً. إلّا أنّه ليس الخبرُ كالعيان ولا القول كالفعل ولا الوعد كالإنجاز، وحَالا عنه، وتنكَّرا له، ووقعا فيه،وعاباه وغمصاه، وتطلّبا له العلل والتأويلات، وتنقما عليه الإستبداد وترك المشاورة، وانتَقَلا من ذلك إلى الوقيعة فيه بمساواة الناس في قسمة المال، وأثنيا على عمر وحمدا سيرتَه وصوّبا =

١٠٩١

. . . . .

____________________

= رأيَه. وقالا إنّه كان يفضِّل أهل السوابق، وضلَّلا علياًعليه‌السلام فيما رآه وقالا: إنّه أخطأ، وأنّه خالف سيرة عمر واستنجدا عليه بالرؤساء من المسلمين، كان عمر يفضلهم وينفلهم في القسم على غيرهم - والناس أبناء الدنيا ويحبّون المال حبّاً جمّاً - فتنكّرتْ على أمير المؤمنينعليه‌السلام بتنكّرهما قلوب كثيرة الخ.

ثم قال ابن أبي الحديد في صفحة ١٥ - ١٦: ثم نرجع إلى الحديث الأول، فنقول: إنّ طلحة والزبير لمـّا أيسا من جهة عليّعليه‌السلام ومن حصول الدنيا من قِبَله، قَلَّبا له ظهر المِجَنّ. فكاشفاه وعاتباه قبل المفارقة عتاباً لاذعاً وتأخّرا عنه أيّاماً، ثمّ جاءاه فاستأذناه في الخروج إلى مكة للعمرة، فأذِن لهما بعد أنْ أحلَفهما ألّا ينقضا بيعتهُ، ولا يغدرا به، ولا يشقّا عصى المسلمين، ولا يوقِعا الفرقة بينهم، وأنْ يعودا بعد العمرة إلى بيوتهما بالمدينة، فحلفا على ذلك كلِّه، ثم خرجا ففعلا ما فعلا.

قال: وروى شيخنا أبو عثمان، لمـّا خرج طلحة والزبير إلى مكة، وأوْهَما الناس أنّهما خرجا للعمرة قال عليعليه‌السلام لأصحابه: والله ما يريدان العمرة، وإنّما يريدان الغَدْرةَ( فَمَنْ نَکَثَ فَإِنَّمَا يَنْکُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَ مَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً ) الفتح: ١٠.

قال: وروى الطبراني في التاريخ: لمـّا بويع طلحة والزبير علياًعليه‌السلام سألاه أن يؤمِّرهما على الكوفة والبصرة، فقال: بل تكونان عندي أتجمل بكما، فإنّني استوحش لفراقكما.

أقول: وما كان معاوية بأحسن منهما وهو أيضا ما قاتل علياعليه‌السلام إلا من أجل الملك والدنيا ولقد نقل ابن أبي الحديد في شرح النهج: ج ١٥ / ١٢٣، ط دار إحياء الكتب العربية كتاب معاوية إلى عليعليه‌السلام جاء فيه: وقد كنت سالتك الشام على أنْ تلزمني لك بيعة وطاعة، فأبيتَ ذلك عليَّ.

ثم نقل جواب الإمام عليعليه‌السلام في ج ١٦ / ١٥٤، من نفس الطبعة / جاء فيه: فأمّا =

١٠٩٢

. . . . .

____________________

= سؤالك المتاركة والإقرار لك على الشام. فلو كنتُ فاعلاً ذلك اليوم، لَفعلتُه أمس. أقول: فالذين يأخذون على أمير المؤمنين سلام الله عليه سياسته وينتقدون إدارته وتدبيره، كأنّهم يريدون منه أنْ يداهن هؤلاء الذين حَلِيَتِ الدنيا في أعينهم وراقهم زِبرِجُها، أتباع الهَوى وطُلّاب الدنيا ومبتغي الملك والرآسة مَهما كلّف الثمن حتى إذا توقّف ذلك على إراقة دماء عشرات الآلاف من المسلمين والمؤمنين، ولكن حاشا علي بن أبي طالبعليه‌السلام أنْ يخضع لهؤلاء ويطيعهم، كيف؟ وقد قال الله الحكيم:( فَلاَ تُطِعِ الْمُکَذِّبِينَ‌ * وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ‌ ) سورة القلم، الآية ٨ و ٩.

ثم اعلم أنّ كل دَمٍ سُفِك بأمر الله ورسوله بسيف عليّ أو غيره، فإنّ العرب بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عصّبت تلك الدماء، بعليّ بن أبي طالبعليه‌السلام وحده، لأنّه لم يكن في رهطه مَن يستحق في عادتهم وسنّتهم الجاهلية أنْ يعصب به تلك الدماء إلّا بعليّ وحده، وهذه عادة العرب إذا قُتل منها قتلى طالبتْ بتلك الدماء القاتلَ، فإن مات أو تعذّرت عليها مطالبته طالبت بها أمثل الناس من أهله، وحيث كان عليٌ:عليه‌السلام نفس رسول الله وأقرب الناس إليه وأحبّ أهله له حتى قالصلى‌الله‌عليه‌وآله فيه: عليٌ مني وأنا من علي. وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : حربه حربي وسلمه سلمي. وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : من أحبَّه فقد أحبَّني، ومن أبغضه فقد أبغضني وأمثال هذه الأحاديث الشريفة،التي تكشف عن الإتحاد والتآلف بين عليّ وبين النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .فالذين أحجموا عن أذى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في حياته خوفاً من سيفه وسوطه إذ كان صاحب الجيش والعُدّة وأمرهُ مطاعٌ وقوله نافذ، فخافوا منه واتّقوه وأمسكوا عن إظهار بغضه وعداوته، «فلما مضى المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى دار المقامة والخُلْد، انتهزوا الفرصة وانتهكوا الحرمة وغادروه على فراش الوفاة وأسرعوا لِنقضِ البيعة ومخالفة المواثيق المؤكّدة فحشر سفلة الأعراب وبقايا الأحزاب، الفَسَقَة الغوُاة والحَسَدَة البُغاة أهلُ النكث والغدر والخلاف والمكر، والقلوب المنتنة من قَذَرِ الشرك، والأجساد المشحَنَة من دَرَن =

١٠٩٣

. . . . .

____________________

= الكفر، الذين أضَبّوا على النفاق وأَكَبّوا على علائق الشقاق، فهجموا على دار النبوّة والرسالة ومهبط الوحي والملائكة ومستَقَرّ سلطان الولاية ومعدن الوصيّة والخلافة والإمامة حتى نقضوا عهد المصطفى في أخيه عَلَم الهُدى والمبيّن طريقَ النجاة من طُرق الرَّدى، وجَرَحِوا كبد خير الورى في ظلم ابنته واضطِهاد حبيبته واهتضام عزيزته بضعة لحمه وفِلذة كبده وخذلوا بعلها وصغّروا قدره واستحلّوا محارمه وقطعوا رحِمَه وأنكروا أُخوّتَه وهَجَروا مودّته ونقضوا طاعتَه وجَحّدوا ولايته وأطمعوا العبيد في خلافته، وقادوه إلى بيعتهم مصلتةً سيوفَها مقذعةً أسنّتها وهو ساخطُ القلب هائج الغَضَب شديد الصبر كاظم الغَيْظ يدعونه إلى بيعتهمُ التي عمّ شومْها الإسلام وزرعت في قلوب أهلها الآثام وبدّلت الأحكام وغيّرت المقام، وأباحتْ الخمس للطُلَقاء وسلّطتْ أولاد اللُعناء على الفروج والدماء، وخَلَطت الحلال بالحرام واستخفّت بالإيمان والإسلام وهَدَمَت الكعبة وأغارت على دار الهجرة يوم الحَرّة وأبرزت بنات المهاجرين والأنصار للنّكال والسَّوئة وألبستْهُنّ ثَوْبَ العار والفضيحة، ورخّصت لأهل الشُبّهَةِ في قتل العِترة وأهل بيت الصَّفوة وإبادة نسله واستيصال شأفَتِه وسَبيِ حَرَمِه وقتل أنصاره وكسر منبره وقَلْبِ مَفخره وإخفاء دينه وقطع ذِكِره». [هذه مقاطع وعبارات من زيارة أئمة المؤمنينعليه‌السلام ].

نعم هكذا عاملوا الإمام عليّ سلام الله عليه ومع ذلك ما انخمدت نائرة أضغانهم وما انطفأت جمرة أحقادهم، حتى أحدَثوا فاجعة الطّف الأليمة، ولمـّا ناشدهم الحسين بن عليعليه‌السلام سبط رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قائلاً: ويْلَكُمْ بما تقاتلوني بقتيل منكم قتلتُه، أو مالٍ استملكتُه، أو دمٍ سفكته، أو حكم من أحكام الله سبحانه بَدَّلتُه؟!

قالوا: إنّما نقاتلك بغضاً لأبيك، لما فعل بأشياخنا يوم بدرٍ وحنين!! =

١٠٩٤

المؤمنين عائشة وكانت مستعدّة لإعلان الخلاف على أمير المؤمنين فأثاراها وثارت وأَلَّبَت الناس على أمير المؤمنين سلام الله عليه وسبَّبت قتل المسلمين وسفك دماء الأبرياء المؤمنين! فهل بعد هذا يصحّ أنْ نقول: أنّ وجوب الجمل كانت لسوء تدبير الإمام عليّعليه‌السلام وعدم سياسته! أم أنّها كانت بسبب أطماع طلحة والزبير وأحقاد عائشة على الإمام عليّعليه‌السلام وبغضها لآل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ ولا يخفى أنّها بقتالها وإعلان مخالفتها لخلافة الإمام علي مهدّت لمعاوية وعمرو بن العاص وأعطتهما الشرعيّة الكاذبة في مخالفتهما للامام عليّعليه‌السلام وقتالهما له.

نعم، والله هي التي أسّست وشرَّعت مخالفة أمير المؤمنينعليه‌السلام وقتاله والحرب عليه. مع أنّها كانت قد سمعتْ من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: يا علي حربُكَ حربي وسِلْمك سلمي، ويقول: إنّ الله قد عهد إليَّ أنَ مَنْ خرج على عليّ فهو كافر في النار(١) .

____________________

= ولما وضعوا رأس الحسينعليه‌السلام أمامَ يزيد بن معاوية وحوله بنات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله سبايا، وجعل يضربُ الرأس الشريف بخيزرانة عنده ويترنّم:

ليت أشياخي ببدر شهدوا الخ نعم والله ما كربلاء لولا السقيفة!!

«المترجم»

١) لقد ذكرنا في التعليقات السابقة بعض مصادر هذين الحديثيْن الشريفين ونذكر الآن بعض المصادر حتّى يطمئن قلب القارىء الكريم.

أما حديث حربك حربي وسلمك سلمي فهو مشهور جداً حتى قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: ج ٤ / ٢٢١، طبع القاهرة: قد ثبت أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعليعليه‌السلام : حربك حربي وسلمك سلمي. =

١٠٩٥

إخبار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عن حروب عليّ عليه‌السلام بعده

ولقد روى أعلام العامّة في كتبهم بأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أخبر عن قتال عليّعليه‌السلام للناكثين والقاسطين والمارقين، والمراد من الناكثين طلحة والزبير وجيشهما، ومن القاسطين معاوية وابن العاص وأتباعهما، ومن المارقين الخوارج. وهذه الفئات الثلاثة كلهم كانوا بُغاتاً مستوجبين القتل.

وأمّا الذين ذكروا حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وإخباره عن الناكثين والقاسطين والمارقين، وأمره صلوات الله عليه الإمام عليّعليه‌السلام بحربهم وقتالهم، فأكثر محدثي السنّة وعلماء العامّة منهم أحمد بن حنبل في المسند وسبط ابن الجوزي في التذكرة والعلّامة القندوزي في ينابيع المودة، وأبو عبدالرحمن النسائي في الخصائص، ومحمد بن طلحة العدوي في مطالب السئول، والعلّامة الكنجي الشافعي في كفاية

____________________

= وقال في نفس المجلّد والصفحة: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليعليه‌السلام في ألف مقام: أنا حرب لمن حاربْتَ وسلمٌ لمن سالمت.

وأمّا الحديث الثاني فقد رواه جماعة من أعلام العامّة، منهم العلّامة القندوزي في ينابيع المودّة صفحة ٢٤٧ طبع اسلامبول، ورواه العلّامة الهمداني الشافعي في مودّة القربى / المودّة الثالثة، ورواه العلّامة المولى محمد صالح الترمذي في المناقب المرتضوية / صفحة ١١٧ طبع بمبي، كلهم عن عائشة قالت: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ الله قد عهد إليَّ مَن خرج على عليّ فهو كافر في النار.

أما كان في هذا حاجزٌ لها عن حرب الجمل وقتالها الإمام عليّعليه‌السلام ؟!

«المترجم»

١٠٩٦

الطالب / الباب السابع والثلاثون: في أنّ علياًعليه‌السلام قاتل الناكثين والقاسطين والمارقين، ولقد روى العلّامة الكنجي في هذا الباب، بسنده المتّصل بسعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لأمّ سَلَمة: هذا علي بن أبي طالب لحمه من لحمي ودمه من دمي وهو منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي؛ يا أم سَلَمة هذا عليٌّ أمير المؤمنين وسيد المسلمين ووعاء علمي ووصيي وبابي الذي أوتى منه، أخي في الدنيا والآخرة ومعي في المقام الأعلى، يَقْتُل القاسطين والناكثين والمارقين. ثم قال العلّامة الكنجي: وفي هذا الحديث دلالة على أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وعدَ علياًعليه‌السلام بقتل هؤلاء الطوائف الثلاث، وقول الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله حقّ ووعده صدق، وقد أمرصلى‌الله‌عليه‌وآله علياً بقتالهم، روى ذلك أبو أيّوب عنه وأخبر أنّه قاتل المشركين والناكثين والقاسطين وأنّهعليه‌السلام سيقاتل المارقين(١) . « انتهى كلام الكنجي ».

____________________

١) وروى ابن أبي الحديد في شرح النهج: ج ٣ / ٣٩٧، ط دار إحياء الكتب العربية عن ابن ديزيل وهو بسنده عن أبي صادق قال: قَدِم علينا أبو أيوب الأنصاري العراق فأهدتْ له الأزْد جُزُراً فبعثوها معي، فدخلت إليه فسلّمتُ عليه، وقلت له: يا أبا أيّوب، قد كرَّمك الله عزّ وجلّ بصحبة نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ونزوله عليك، فمالي أراك تستقبل الناس بسيفك تقاتلهم، هؤلاء مرّة وهؤلاء مرّة! قال: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عهد إلينا أنْ نقاتل مع عليّ الناكثين، فقد قاتلهم، وعهد إلينا أنْ نقاتل معه القاسطين، فهذا وجهُنا إليهم - يعني معاوية وأصحابه - وعهد إلينا أنْ نقاتل معه المارقين، ولم أرهم بعد. رواه أيضاً عن أبي صادق بطريق آخر، صاحب كنز العمال: ج ٦ / ٨٨، باختلاف يسير في الألفاظ. وقال: أخرجه ابن عساكر وروى ما معناه عن أبي أيوب أيضاً العلّامة الكنجي الشافعي في كفاية الطالب / الباب =

١٠٩٧

. . . . .

____________________

= السابع والثّلاثون بسنده عن مخنف بن سليم عن أبي أيوب الأنصاري، ورواه أيضا عن طريق مخنف، أُسْد الغابة: ج ٤ / ٣٣، وذكره المتّقي أيضاً في كنز العمال: ج ٦ / ٨٨، وقال: أخرجه ابن جرير، وذكره الهيثمي في مجمعه ج ٩ / ٢٣٥، عن طريق مخنف بن سليم أيضاً، وقال: رواه الطبراني.

ونقل الحاكم في المستدرك: ج ٣ / ١٣٩، بسنده عن عقاب بن ثعلبة قال: حدثني أبو أيوب الأنصاري في خلافة عمر بن الخطاب، قال: أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّ بن أبي طالب بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين، وأخرجه في نفس الصفحة، بسنده عن الأصبغ بن بياتة عن أبي أيوب أيضاً، ولكن بألفاظ أخرى.

وروى الخطيب البغدادي في تاريخه: ج ١٣ / ١٦٨، بسنده عن علقمة والأسود قالا: أتينا أبا أيّوب الأنصاري عند منصرفه من صفين فقلنا له: يا أبا أيوب إنّ الله أكرمك بنزول محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وبمجيء ناقته تفضّلاً من الله وإكراماً لك حتى أناخت ببابك دون الناس، ثم جئت بسيفك على عاتقك تضرب به أهل لا إله إلّا الله!

فقال: يا هذا إنّ الرائد لا يكذب أهله، وإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أمَرنا بقتال ثلاثة مع عليّعليه‌السلام : بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين، فأمّا الناكثون فقد قاتلناهم أهل الجمل طلحة والزبير وأمّا القاسطون فهذا منصرفنا من عندهم - يعني معاوية وعمرواً - وأمّا المارقون فهم أهل الطرقات وأهل السُعيفات وأهل النخيلات وأهل النهروانات، والله ما أدري أين هم؟ ولكن لابدّ من قتالهم إن شاء الله.

قال: وسمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول لعمار: تقتلك الفئة الباغية وأنت إذ ذاك مع الحق والحق معك يا عمار بن ياسر! إن رأيتَ علياً قد سلكَ وادياً وسلكَ الناس وادياً غيره، فاسلُك مع عليّ فإنّه لن يُدْليكَ في رديً ولن يُخرجك من هدى، يا عمار! مَنْ تَقَلّد سيفاً أعان به علياً على عدوّه، قلَّدهُ اللهُ يوم القيامة وِشاحَيْن من دُرّ، ومن تَقلّد سيفاً أعان به عدوّه عليّ عليه قلّده اللهُ يوم القيامة وِشاحيْن من نار. =

١٠٩٨

. . . . .

____________________

= قلنا: يا هذا! حسبك رحمك الله حسبك رحمك الله!

وروى الخطيب البغدادي في تاريخه أيضاً: ج ٨ / ٣٤٠ بسنده عن خليد العصري قال: سمعتُ أمير المؤمنين علياًعليه‌السلام يقول يوم النهروان: أمرني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بقتال الناكثين والمارقين والقاسطين.

وروى ابن الأثير الجزري في أسد الغابة: ج ٤ / ٣٢ بسنده عن أبي سعيد الخدري قال: أمرنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين، فقلنا: يا رسول الله! أمرتنا بقتال هؤلاء فمع مَن؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : مع علي بن أبي طالب، معه يُقتل عمار بن ياسر.

وروى الحافظ الهيثمي في مجمعه ج ٧ / ٢٣٨ قال: وعن أبي سعيد قال: سمعتُ عمّاراً ونحن نريد صفين، يقول: أمرني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين، قال: رواه الطبراني وروى الهيثمي أيضاً في نفس الصفحة قال: وعن عليّعليه‌السلام قال: عهد إليَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في قتال الناكثين والقاسطين والمارقين، قال: وفي رواية اُخرى: أُمرتُ بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين، قال: رواه البزّار والطبراني في الأوسط. وروى الهيثمي أيضاً في مجمعه ج ٩ ص ٢٣٥، قال: وعن عبدالله - يعني ابن مسعود - قال - أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين، قال: رواه الطبراني. وروى المتقي في كنز العمال: ج ٦ ص ٣١٩ عن ابن مسعود أيضاً قال: خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فأتى منزل أم سلمة (رض) فجاء عليٌّعليه‌السلام فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يا أم سلمة! هذا والله قاتل القاسطين والناكثين والمارقين من بعدي قال: أخرجه الحاكم في الأربعين وابن عساكر. أقول: وذكره المحب الطبري أيضاً في الرياض النضرة: ج ٢ / ٢٤٠ وقال: أخرجه الحاكمي.

وروى الجزري في أسد الغابة أيضاً: ج ٤ / ٣٣ بسنده عن علي بن ربيعة قال: =

١٠٩٩

ونحن نعتقد أن قتال الإمام عليّعليه‌السلام مع هذه الفرق الثلاث كقتال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مع الكفار والمشركين.

الشيخ عبدالسلام: بأي دليل تعتقدون بهذا المعتقد علماً بأنّ الذين قاتلوا علياً كرّم الله وجهه كانوا مسلمين يشهدون بالتوحيد ويُقرُّون بالرسالة ويعملون بالقرآن، ويصلّون ويصومون؟!

قلت: دليلنا حديث رسول الله المشهور والمنشور في كتب أعلامكم ومحدِّثيكم مثل النسائي في الخصائص صفحة ٤٠ / طبع التقدم بالقاهرة / بسنده إلى أبي سعيد الخدري، والعلّامة القندوزي في ينابيع المودّة / الباب الحادي عشر نقل عن كتاب جمع الفوائد عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ منكم مَنْ يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله. فقال أبو بكر(رض): أنا؟ فقال

____________________

= سمعت علياًعليه‌السلام على منبركم هذا يقول: عهد إليَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنْ أُقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين. ورواه المتقي في كنز العمال: ج ٦ ص ٨٢ عن طريق علي بن ربيعة أيضاً، وقال: أخرجه البزّار وأبو يعلي.

وروى السيوطي في الدُّرُ المنثور عند تفسير قوله تعالى:( فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِکَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ ) في سورة الزخرف، الآية ٤١ روى عن جابر بن عبدالله الأنصاري عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: نَزَلت في علي بن أبي طالب، إنّه ينتقم من الناكثين والقاسطين بعدي، قال الله عزّ وجلّ:( وَ أَمَّا الْقَاسِطُونَ فَکَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً ) الجن: ١٥ فبهذا النص الصريح يكون معاوية وأصحابه الذين قاتلوا عليّاًعليه‌السلام ، حطب جهنّم لا محالة.

أكتفي بهذا المقدار، وهناك روايات كثيرة أخرى بطرق شتى في كتب أعلام العامة.

«المترجم»

١١٠٠