مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مناظرات وحوار ليالي بيشاور0%

مناظرات وحوار ليالي بيشاور مؤلف:
المحقق: السيّد حسين الموسوي
الناشر: ذوي القربى
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 1199

مناظرات وحوار ليالي بيشاور

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيّد محمّد الموسوي الشيرازي
المحقق: السيّد حسين الموسوي
الناشر: ذوي القربى
تصنيف: الصفحات: 1199
المشاهدات: 215740
تحميل: 2409

توضيحات:

مناظرات وحوار ليالي بيشاور
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 1199 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 215740 / تحميل: 2409
الحجم الحجم الحجم
مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مؤلف:
الناشر: ذوي القربى
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الله، محمّد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عليٌّ وليّ الله، فهذا التَّفاني طيلة ألف عام وأكثر، يستحيل أن يكون لغرض سياسي دنيوي، وإنّما يكون لهدف معنوي اُخروي، والتشيّع عند معتنقيه من الإيرانيّين وغيره هدفٌ لا وسيلة!

أسباب تشيّع الإيرانيّين

أمّا الأسباب التي دعت الإيرانيّين إلى التمسّك بمذهب الشيعة والالتزام بولاء أهل البيت النبوّة، متابعتهم، والسير على منهج علي بن أبى طالب وأبنائه الطيّبين، والتَّفاني في ذلك، هي:

١- عدم وجود العصبيّات القبَليّة والنزعات الطائفيّة والدواعي العشائرية عندهم، لأنّهم لم يكونوا ينتمون إلى أيّة قبيلة من قبائل قريش أو غيرها الموجودة في الجزيرة العربية، وبعيداً عن كلّ هذه، وجدوا الحقّ في عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام فانحازوا إليه، ولم تصدّهم العصبيّات والنزعات عن طريق أهل البيتعليهم‌السلام ومذهبهم.

٢- الذكاء والتعقّل عندهم(١) ، يمنعهم من التعصّب الباطل والتقليد الأعمى، فهم أهل تحقيق وتدقيق في أمر الدين والعبادة، لذلك كانت المجوسية عندهم رخوة ومتزلزلة، ولهذا السبب أسلمت أكثر بلادهم من غبر حرب وفتحت من غير مقاومة، وبعد فتح بلادهم تركوا

____________________

١) روى الإمام أحمد في مسنده ٢/٤٢٠-٤٢٢، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: لو كان العلم بالثريّا لتناوله ناس من أبناء فارس.

وفي الإصابة ٣/٤٥٩، أخرج ابن قانع بإسناده عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لو كان الدين متعلّقاً بالثريّا لتناوله قوم من أبناء فارس «المترجم».

١٠١

المجوسية من غير كره وإجبار واعتنقوا الإسلام بالحريّة والاختيار، لأنّهم عاشروا المسلمين وحقّقوا حول الإسلام، وعرفوا حقّانيّته، فتمسّكوا به وأصبح الإسلام دينهم الذي كانوا يضحّون أنفسهم دونه، ويقدمون الغالي والنفيس من أجله، ويجاهدون في سبيل الله تحت راية الاسلام مع العرب وغيرهم من المسلمين جنباً لجنب في صفٍّ واحد وبعدما دخلوا في الإسلام، واجهوا مذاهب شتّى وطرائقً قدداً، كلّ منهم يدّعي الحقّ وينسب الآخرين إلى الضلال فدقّقوا وفتّشوا عن الحقيقة، وفحصوا وحقَّقوا عن الحقّ والواقع، فوجدوه في مذهب الشيعة الإمامية الاثنى عشرية، فتمسّكوا به وانعقدت قلوبهم على معالمه، فتبعوا عليّاً وأبناءه المعصومين، ورضوا بهم أئمّة وقادة وسادة، لأنّ الله تعالى جعلهم كذلك.

٣- إنّ عليّاًعليه‌السلام كان يعرف حقوق الإنسان وحقوق الأسرى في الإسلام، لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يوصي المسلمين بالاسرى ويقول: أطعموهم ممّا تطعمون، وألبسوهم ممّا تلبسون، ولا تؤذوهم إلى آخره، فكان عليٌّعليه‌السلام يلتزم بتطبيق هذه الحقوق، وأمّا غيره فما كان يعرفها! وإذا كان يعرفها ما كان يلتزم بها.

وحينما جاءوا بأسرى الإيرانيين إلى المدينة، عاملهم بعض المسلمين بما لا يليق، فقام عليٌّعليه‌السلام بالدفاع عن ابنَتيْ الملك حين أمر الخليفة أبو حفص ببيعهنّ، ولكنّ عليّاًعليه‌السلام منعه وقال:إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منع من بيع الملوك وأبنائهم وبناتهم، وإنّما تنتخب كلّ واحدة من هاتين رجلاً من المسلمين فتتزوّج منه.

١٠٢

وعلى هذا انتخبت إحداهنّ - وهي «شاه زنان» - محمّد بن أبي بكر، وانتخبت «شهربانو» - وهي الأخرى - الإمام الحسينعليه‌السلام .

وذهب كلٌّ منهما مع زوجته بعقد شرعي ونكاح إسلامي إلى بيته، فولدت شاه زنان من محمد ولده «القاسم» وأصبح من فقهاء المدينة وهو والد «اُمّ فروة» والدة الإمام جعفر بن محمد الصادقعليه‌السلام ، وولدت شهربانو الإمام عليّ بن الحسين زين العابدينعليه‌السلام .

فلمّا رأى بعض الإيرانيّين وسمع آخرون منهم بزواج ابنتي يزدجرد واحترام الإمام عليّعليه‌السلام لهما، شكروا هذا الموقف التاريخي العظيم، والقرار الإنساني الجسيم، من أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام وكان هذا من أهمّ الأسباب التي دعت الإيرانيين إلى تحقيقٍ أكثر حول شخصية أبي الحسنعليه‌السلام ، وعليٌّعليه‌السلام هو الرجل المقدّس الذي كلّما زاد الإنسان معرفة به، زاد حبّاً له وتعظيماً.

٤- إرتباط الإيرانيّين وعلاقتهم بسلمان الفارسي وهو منهم، ثمّ لسابقته الفاخرة في الإسلام، ومكانته المرموقة عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، حتّى عدّه من أهل بيته، في الحديث الذي اشتهر عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله في كتب الشيعة والسُنّة أنّه قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : سلمان منّا أهل البيت(١) .

وكان يُنادى من ذلك اليوم: بسلمان المحمّدي.

ولسائر فضائله ومناقبه أصبح محور الإيرانيّين ومرجعهم في اُمور الدنيا والدين.

____________________

١) مستدرك الحاكم: ٣/ ٥٩٨، وشرح مختصر صحيح البخاري - لأبي محمّد الأزدي -: ٢ / ٤٦. «المترجم»

١٠٣

ولمـّا كان سلمان من شيعة أهل البيت والموالين لآل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ومن المخالفين لاجتماع السقيفة والخليفة المنتخَب فيها، أرشد قومه وهداهم إلى مذهب الشيعة، ودعاهم إلى التمسّك بحبل الله المتين وصراطه المستقيم، وهو ولاية وإمامة أبى الحسن أمير المؤمنين، لأنّه شهد يوم الغدير، وبايع عليّاًعليه‌السلام بالخلافة، وسمع أحاديث عديدة من فَم النبيّ الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله في شأن أبي الحسن وسمع كراراً حديث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من أطاع عليّاً فقد أطاعني، ومن أطاعني فقد أطاع الله، ومن خالف عليّاً فقد خالفني، ومن خالفني فقد خالف الله(١) .

٥- لو تعمّقنا في الموضوع وتفحّصنا التاريخ للوصول إلى جذوره، لوجدنا أنّ من أهمّ أسباب التفاف الإيرانيّين حول عليّ وبنيهعليهم‌السلام ، وابتعادهم عن الغاصبين لحقوق آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله هو: سوء معاملة الخليفة عمر بن الخطّاب مع الإيرانيّين بعدما أسلموا وهاجر كثير منهم إلى المدينة المنوّرة، فكانت سيرته معهم خلاف سيرة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مع سلمان، وكانت سيرته معهم تصرّفات شخصية تُنْبئ عن حقد دفين في قلبه لهم، وكان يحقّرهم ويمنعهم من الحقوق الاجتماعية التي منحها الله تعالى لكلّ إنسان(٢) .

____________________

١) ذكر الحديث الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين - طبعة دار المعرفة بيروت -: ٣ / ١٢١ مع اختلاف فليراجع.

٢) روى مالك في الموطّأ: ٢/١٢، عن الثقة عنده، أنّه سمع سعيد بن المسيّب يقول: «أبى عمر بن الخطّاب أن يورّث أحداً من الأعاجم إلّا أحداً وُلد في العرب» وعلى هذا يفتي مالك فيقول: «وإنْ جاءت امرأة حامل من أرض العدوّ فوضعته في أرض العرب فهو ولدها، يرثها إنْ مات، ميراثها في كتاب الله» مع <=

١٠٤

أمّا معاملة الإمام عليعليه‌السلام معهم فقد كانت حسنة كمعاملة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لسلمان الفارسي.

لهذا كان حبّ الإمام عليّ وبنيهعليهم‌السلام ، وبغض عدوّه وظالميه، مكنون في قلوب الإيرانيّين، ولم يجدوا فرصة في لإظهارهما حتّى القرن الرابع الهجري في عهد: آل بويه ودولتهم، فأظهروا حبّهم لعليّ وأبنائهعليهم‌السلام وبغضهم لظالميه وأعدائه.

وليس هناك أيّ ارتباط بين تشيّع الإيرانيّين وحكومة هارون وابنه المأمون العبّاسي.

دولة آل بويه

وأمّا آل بويه - الّذين بدأت دولتهم في شيراز في القرن الرابع الهجري، وسرعان ما سرى نفوذهم في كلّ بلاد إيران والعراق، بل امتدّ سلطانهم في جميع بلاد بني العبّاس، وكانت كلمتهم تحكم في كلّ الولاة والحكّام، وليس للخليفة العبّاسي إلّا مراسيم الخلافة - فقد كانوا من شيعة إيران، وآل بويه مع هذه القدرة والنفوذ، ومع أنّهم كانوا من شيعة وموالينَ لعليٍّ وبنيهعليهم‌السلام ، فهم لم يحاربوا التسنّن، كما

____________________

=

العلم أنّ حكم التوارث بين المسلمين عرباً كانوا أم أعاجم، واين ماوُلدوا، في أرض العرب أو غيرها من ضروريات دين الإسلام، نطق به كتاب الله ورسوله، فليس هناك تخصيص، وليس من شروط التوارث الولادة في أرض العرب ولا العروبة شرط الإسلام، ولكن كم لهذه القضية في حكومة عمر من نظائر وهي تنبئ عن نزعته القومية والعصبية الجاهلية المتأصّلة فيه«المترجم».

١٠٥

فعل الكثير من ملوك أهل السُنّة مع الشيعة، ولم يتعصّبوا للشيعة على السُنّة، وإنّما أعطوا الشيعة حرّيّة إبداء العقيدة فحسب(١) .

____________________

١) ولو راجعت تاريخ ابن الأثير المسمّى بالكامل، حوادث ما بعد عام ٤٤٠، لعرفت عَفْوَهُم وتغاضيهم عن أهل التسنّن في كثير من الحوادث التي أجّجوا نارها والفتن التي أحدثوها ضدّ الشيعة.

نعم، آل بويه أعانوا علماء الشيعة على تأسيس المدارس لنشر علوم آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ولنشر الكتب في بيان عقائد الإمامية ودفع الشبهات عنهم، وكانوا يحبّون التفاهم مع السُنّة والجماعة عن طريق الاستدلال العلمي والحوار المنطقي، لا السيطرة عليهم بالقهر والغلبة.

وفي تاريخ « الكامل » في حوادث ٣٧٢، قال: وكان - عضد الدولة - محبّاً للعلوم وأهلها، مقربّاً لهم، محسناً إليهم، وكان يجلس معهم يعارضهم في المسائل، فقصده العلماء من كلّ بلد وصنّفوا له الكتب، ومنها: الإيضاح في النحو، والحجة في القراءات، والملكي في الطبّ والناجي في التاريخ... إلى غير ذلك.

فابن الأثير يشهد لهم بحبّهم لعامة أهل العلم لا الشيعة الخاصة. وحينما وجد الشيعة حرّيّة العقيدة في دولة آل بويه، اظهروا ولاءهم وحبّهم للإمام عليّ وبنيه وأعلنوا عداءهم وبغضهم لأعدائه وظالميه.. وكان بدء ذلك في بغداد عاصمة بني العبّاس، وكان يرأس هذه الحركة، زعيم الطائفة الشيعية، وأعلم أهل زمانه في العلوم الدينية: الشيخ المفيد، وهو عربي من بغداد، وتلاميذه: السيّد الرضي والسيّد المرتضى وغيرهما ولا يشكّ أحد في عروبتهم.

كما لا يشكّ أحد من العلماء المحقّقين، أنّ الّذين انضمّوا تحت راية الإمام عليّعليه‌السلام في حربه مع عائشة وطلحة والزبير في يوم الجمل، وفي حربه مع معاوية وابن العاص في صفّين وفي النَّهروان، كانوا شيعته وأتباعه، وقد كانوا من المهاجرين والانصارالّذين بايعوه في المدينةوكانوا من أهل الكوفة واليمن،كلّهم من العرب ويرجع أصلهم ونسبهم إلى عدنان وقحطان، أكانت قريش من الفرس؟! أم =

١٠٦

شيعة إيران في عهد المغول

وفي سنة ٦٩٤ هجرية فتح غازان خان المغولي بلاد إيران، ولكنّه أسلم وسمّي بـ: «السلطان محمود» وكان يظهر الحبّ والولاء لآل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ويحترم محبيّهم، وكان الشيعة في حريّة العقيدة في دولته، ولمـّا توفّي سنة ٧٠٧ هجرية خلفه أخوهُ، وقد أسلم هو أيضاً وسمّي: «محمد شاه خدابنده» ولمـّا اطّلع هذا على كثرة المذاهب، وأهل كلّ مذهب يزعمون أنّهم على حقّ وأنّ غيرهم على ضلال،

____________________

=

الاوس والخزرج، أم همدان وكندة، أم تميم ومضر، وغيرهم من قبائل الجزيرة العربية؟؟!

وأمّا المشاهير من أصحابه وأركان جيشه: فمالك الأشتر وهاشم المرقال وصعصعة ابن صوحان وعمّار بن ياسر وقيس بن سعد بن عبادة وابن عبّاس ومحمد بن أبي بكر وعدّي بن حاتم الطائي وأويس القرني ونظراؤهم، أيّهم كان فارسياً حتّى ينسب مذهبهم إلى الفرس؟!

ولو كان مقياس الحقّ والباطل العربية والفارسية فإنّ المذاهب الأربعة أحقّ بالانتساب إلى الفرس والأعاجم، لأنّ أبا حنيفة وهو الإمام الأعظم لأهل السُنّة فارسي أعجمي.

ولو استقرت أرباب الصحاح الستّة، لعرفت أنّهم جميعاً من العجم، والصحاح الستّة هي الأساس لمذاهب السُنّة.

وإمّا أصحاب التفاسير فأشهرهم: النيسابوري والطبري والزمخشري والرازي و

ولكن لا اعتبار عندنا للقوميات، وليست القومية عندنا معياراً للحقّ والباطل، فقد قال الله عزّ وجلّ في سورة الحجرات الآية ١٣:( إِنَّ أَکْرَمَکُمْ عِنْدَ الله أَتْقَاکُمْ ) «المترجم».

١٠٧

أحبّ أن يعرف الحقيقة ويكشف عن الحقّ ليتمسكّ به، فأمر بإحضار العلماء من كلّ مذهب، ثمّ أمرهم بالمناقشة والمناظرة والمحاورة بمحضره.

وكان العلّامة الكبير الشيخ جمال الدين حسن بن يوسف الحلّي، ممثّل الشيعة في المجلس، وهو وحده ناظر جميع علماء المذاهب الأربعة الحاضرين في مجلس السلطان، وأفْحَمَهم بالأجوبة الكافية والأدلة الشافية، وأورد عليهم مسائل وإشكالات فلم يتمكّنوا من ردّها.

هنالك ظهر الحقّ وزهق الباطل، وأعلن «خدابنده» وحاشيته تشيّعهم، وأصدَر بعد ذلك بياناً إلى جميع ولاته على البلاد، وأخبرهم بما جرى في مجلسه، وأنّه تشيّع على علمٍ ودراية، لذا يجب أن تلقى الخطب في الجمعة والجماعات باسم الإمام علي وأبنائهعليه‌السلام ، وطبع الدراهم والدنانير بكلمة: لا إله إلّا الله، محمّد رسول الله، عليٌّ وليّ الله، وسعى كثيراً واجتهد لنشر مذهب الشيعة في البلاد.

والملوك الصفويّون من بعد المغول، جدّوا واجتهدوا في نشر مذهب الشيعة، وأعلنوه المذهب الرسمي في إيران، وقدّموا خدمات عظيمة للبلاد والعباد تحت راية علماء الشيعة ومفكّريهم.

وإلى يومنا هذا، فإنّ المذهب الرسمي في إيران هو مذهب الشيعة الإمامية الاثنا عشرية، وهذا منذ عهد آل بويه قبل فترة الصفوية بسبعمائة عام، والمجوس أقليّة لا يعدّون شيئاً بالنسبة للمسلمين في إيران بل هناك أقلّيّات اُخرى، ربّما يكون عددهم أكثر من المجوس، وهم أيضاً لا يعدّون شيئاً بالنسبة للمسلمين الشيعة في بلاد الفرس.

فالأكثرية الساحقة في إيران، يعتقدون بـ: توحيد الله سبحانه وتعالى، وبرسالة محمد بن عبدالله خاتم الأنبياء صلوات الله عليهم

١٠٨

أجمعين، وبإمامة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب وأبنائه المعصومين الأحد عشرعليه‌السلام .

الحافظ: إنّي أتعجّب منك أيّها السيّد الحجازي المكّي المدني، حيث حللتم في إيران نسيت أصلك، وتركت شريعة جدّك، وصرت مدافعاً عن الإيرانيّين، وحسبتهم أتباع عليّ كرم الله وجهه، والحال أنّ علياً برئ من عقائدهم ومذهبهم، لأنّهم يؤلّهون عليّاً ويجعلوه بمنزلة الربّ (عزّ وجلّ) في أشعارهم وأقوالهم، وهو باليقين برئ من هذه العقيدة، لأنّه كان عبداً مطيعاً لله سبحانه وتعالى.

والآن أقرأ عليك بعض أشعار شعراء إيران الشيعة حتّى تعرف صدقي وصحّة كلامي، فقد أنشد الشاعر الإيراني، عن لسان عليّ كرّم الله وجهه كفراً صريحاً، وهو:

مظهر كلّ عجائب كيست؟ من

مظهر كلّ العجائب من؟ أنا!

مظهر سرّ غرايب كيست؟ من

مظهر سر الغرائب من؟ أنا!

صاحب عون نوائب كيست؟ من

صاحب عون النوائب من؟ أنا..!

در حقيقت ذات واجب كيست؟ من

في الحقيقة ذات الواجب من؟ أنا..!

ويقول الآخر:

در مذهب عارفان آگاه

الله علي، علي است الله!

في مذهب العرفاء العالمين

الله علي، علي هو الله!

١٠٩

فهل بعد هذا تشكّ في كفرهم؟!

قلت:

إنّي لا أشكّ، ولا كنت شاكّاً، في كفر القائلين لهذه الأبيات وأمثالها، والعجب ثمّ العجب منك، إذ تنسب هؤلاء الشعراء الملاحدة والغلاة والزنادقة، إلى الشيعة الموحّدين لله تعالى، وعلى هذا الحساب الجائر والخيال القاصر، تفتون - لأتباعكم - بكفر الشيعة، وتسمحون لعوامِكم بنهب أموا الشيعة وسفك دمائهم وهتك أعراضهم.

فكم شبّت فتن على إثر هذه الفتاوى، في أفغانستان وطاجيكستان وأوزبكستان وتركستان والهند وباكستان وغيرها، التي يندى منها جبين البشرية، وتبكي لها عين الإنسانية والله يعلم كم من الشيعة المؤمنين قُتلوا بأسلحة أتباعكم العوام، لأنّهم بسبب هذه التقوّلات الموهومة والاتّهامات المزعومة على شيعة آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله يحسبونهم كفّاراً، حتّى أنّ في الأزمنة السالفة كان اعتقاد كثير من أهل السُنّة في هذه المناطق التي ذكرتها أنّ من قتل عدداً من الروافض - الشيعة - وجبت له الجنّة!!

إعلموا أنّ مسؤولية هذه الدماء التي سُفكت، إنّما تكون عليكم، وسوف تُسألون عنها في المحشر، يوم ينادي المنادي:( وَ قِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ ) (١) ! فما يكون جوابكم عند الله تعالى؟!

أسألكم إذا كفر عدد قليل لا يُعبأ بهم في قوم مؤمنين يبلغ عددهم الملايين، هل صحيح أن يحكم على كلّ القوم بالكفر؟!

ألم تكن في بلادكم أقلّيّات مشركة وطوائف كافرة؟! وهم

____________________

١) كما في سورة الصافّات، الآية ٢٤.

١١٠

يُعَدّون من الأفغان فهل صحيح نحكم على كلّ أفغاني بالكفر والشرك؟

ألم تكن جماعات من الغلاة الّذين يؤهلون عليّاً في تركيا وغيرها من البلاد الإسلامية؟! فهل صحيح أن نحكم على أهل كلّ بلد يعيش فيه عدد من الغلاة بالكفر والإلحاد؟!

فإنّ اعتقادكم هذا بالإيرانيّين دون غيرهم، ينبئ عن غيظ وحقد مكنون في قلوبكم ضدّهم، ويكشف عن تعصّب بغيض ضدّ الشيعة.

وأمّا الأبيات التي قرأتها وأمثالها، إنْ هي إلّا من شعر الغلاة، وهم غير الشيعة، بل الشيعة الإمامية وعلمائهم يكفّرون الغلاة ويتبرّؤن منهم، وقد أفتى علماء الشيعة في إيران وفي كلّ مكان بكفر الغلاة ونجاستهم وقالوا بوجوب الاجتناب عنهم والتبرّي منهم.

الإسلام يرفض التعصّب القومي

وأمّا قولك: بأنّي سيّد حجازي مكّي مدني، فلماذا صرت مدافعاً عن الإيرانيين؟!

فمن الواضح أنّي أفتخر بنسبي إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وانتسابي لمكّة والمدينة، ولكنّي أحمد الله الذي لم يجعل في نفسي شيئاً من النزعة القومية التي تتفرّع عن جذور الجاهلية.

لأنّ جدّي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإنْ روي عنه أنّه قال: حبّ الوطن من الإيمان، وبهذه العبارة دعا كل قوم إلى الدفاع عن وطنه والتفاني لبلاده أمام هجوم. ولكنّه حارب النزعات القومية والعصبيّات

١١١

القبلية بشدة(١) مثلما حارب عبادة الأصنام، وسعى جاهداً لتوحيد القوميات كلّها تحت راية التوحيد والإسلام، فنادى بأعلى صوته كراراً بين أصحابه: الناس سواسية كأسنان المشط، لا فخر لعربي على عجمي، ولا أبيض على أسود، إلّا بالتقوى.

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : أيّها الناس، ليبلّغ الشاهدُ الغائبَ، إنّ الله تبارك وتعالى قد أذهب عنكم بالإسلام نخوة الجاهلية، والتفاخر بآبائها وعشائرها.

أيّها الناس! كلّكم لآدم وآدم من تراب، ألا إنّ خيركم عند الله وأكرمكم عليه، أتقاكم وأطوعكم له.

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله حين فتح مكّة: يا معشر قريش! إنّ الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظّمها بالآباء، الناس من آدم وآدم خُلق من تراب، قال الله تعالى:( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاکُمْ مِنْ ذَکَرٍ وَ أُنْثَى وَ جَعَلْنَاکُمْ شُعُوباً وَ قَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَکْرَمَکُمْ عِنْدَ الله أَتْقَاکُمْ ) (٢) .

فهذا جدّي وهو النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله وسيّد بني آدم، كان يحترم بلال الحبشي وسلمان الفارسي وصهيب الرومي ويساويهم في المعاملة مع أقرانهم من العرب، كأبي ذرّ الغفاري والمقداد الكندي وعمّار بن ياسر وغيرهم.

ولكنّ أبا لهب الذي وُلد في أشرف بيت من قريش، وهو عمّ النبي الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله حين كفر بالله العظيم، تبرّأ منه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

____________________

١) روى أبو داود في سننه: ٢/٣٣٢، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ليس منّا من دعا إلى عصبية، وليس منّا من قاتل على عصبية، وليس منّا من مات على عصبية. «المترجم».

٢) سورة الحجرات، الآية ١٣.

١١٢

والمسلمون، ونزلت سورة في ذمّه فيها:( تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَ تَبَ‌ ) (١) إلى آخرها.

نعم:

لقد رفع الإسلام سلمانَ فارس

وقد وضع الشرك الشريفَ أبا لَهَبِ

التمييز العنصري سبب الحروب

كلّ من يطالع تاريخ العالم، يعرف أنّ أكثر الحروب في العالم أو كلّها نشبت بسبب حمية الافتخارات الجاهلية، من نزعات قومية وتفرقة عنصرية وغيرها.

فالألمانيّون يعتقدون أنّ قومية (الجرمن) تفوق القوميات الأخرى.

واليابنيون يريدون سيادة بني الأصفر على العالم.

والأوربّيون يفضّلون البيض على غيرهم.

والأمريكيون يريدون السيطرة على العالم بزعمهم أنّهم أفضل الخليقة، ويفضّلون البيض على السود بشكل فظيع، وقد وضعوا قوانين ظالمة تسحق حقوق السود، فلا يحقّ لهم أن يدخلوا في الأماكن والمحلاّت المخصصة للبيض، حتّى في الكنائس والمعابد!

وفي المعاهد العلمية، العلماء السود يجلسون في صفّ النعال والبيض الّذين هم أنزل رتبة في العلم، يعلون عليهم في المجلس.

ولا يحقّ للسود مناقشة البيض في المطارحات والمناظرات العلمية، لذلك خصّصوا لهم معاهد خاصة.

____________________

١) سورة المسد، الآية ١.

١١٣

وحتّى في القطارات والمطارات وغيرها، نجد التمييز العنصري ظاهر، وقانونه الجائر ونافذ في الدول التي تدّعي التمدّن والالتزام بحقوق الإنسان!

وأشدّ مظاهر التمييز العنصري اليوم هو في أمريكا، وهي تزعم سيادة العالم والدِّفاع عن حقوق البشر وحرّيّة الإنسان في كلّ الأقطار والأمصار، ولكنّها تعامل السود الّذين يشكلون نسبة عظيمة من الشعب الأمريكي كالحيوان، بل يفضّلون عليهم بعض الحيوانات، فالسود في أمريكا محرومون من حقوقهم الاجتماعية والإنسانية التي منحها الله تعالى لكلّ البشر على حدٍّ سواء.

ولكنّ الإسلام العظيم وقائده الكريم محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله منذ أكثر من ألف وثلاثمائة عام، ألغى النزعات القومية والتفرقة العنصرية، وحاربها كما حارب الكفر والشرك، وعبّر عنها بالنخوة والعادات الجاهلية.

ثمّ إنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله احتضن بلال الحبشي وصهيب الرومي بالتكريم والمحبة، كما احتضن أبا ذرّ وعمّار وسلمان، وقال في كلّ واحد منهم، ما بيّن فيه مكانَتهُ وقُربَهُ عند الله سبحانه وتعالى.

وعيّن بلال الحبشي - الأسود - مؤذّناً في مسجده، وهو مقام رفيع في الاسلام، فإنَّ المؤذن: داعي الله ومناديه في عبادة المؤمنين.

وقد جعل الله عزّ وجلّ التقوى معياراً في التكريم والتفضيل، فقال عزّ من قائل:( إِنَّ أَکْرَمَکُمْ عِنْدَ الله أَتْقَاکُمْ ) (١) .

وأنا - بعيداً عن النزعات القومية و التعصّبات الجاهلية - اُلزم نفسي بالدفاع عن الحقّ وإن كان أكثره من غير قومي، واُحارب الباطل

____________________

١) سورة الحجرات، الآية ١٣.

١١٤

وإن كان أكثر أهله من قومي، فأصر التشيّع لأنّه المذهب الحقّ وإن كان أكثر المتمسّكين به إيرانيّين، وأحارب الباطل وأرفضه وإنْ كان أكثر الحجازيّين.

نحن أبناء الدليل

حيثما مال نَميل

الغلاة ليسوا من الشيعة

لقد نسبتَ أشعار الغلاة الإيرانيّين إلى الشيعة الموحّدين المؤمنين، فخلطت الحابل بالنابل.

فإنّ شيعة الإمام عليّعليه‌السلام ، سواءً أكانوا إيرانيّين أم عرباً أم غيرهم، كلّهم يوحّدون الله تعالى ويطيعونه ويعبدونه ولا يشركون به شيئاً، ويشهدون بأنّ محمدا بن عبدالله عبده ورسوله، و خاتم النبيّين، ولا نبيّ بعده إلى قيام يوم الدين.

ويعتقدون بأنّ عليّ بن أبي طالب وليّ الله وعبده الصالح، اتّخذه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أخاً، وأوصى إليه وجعله خليفته من بعده، كلّ ذلك بأمر من الله تبارك وتعالى.

ويعتقدون بإمامة الحسن المجتبىعليه‌السلام بعد أبيه المرتضى، ومنم بعده إمامة الحسين الشهيدعليه‌السلام ، ثمّ إمامة تسعة من أولاد الحسينعليه‌السلام نصّ عليهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعرّفهم بأوصافهم وصفاتهم، وقد عصمهم الله تعالى من الذنب، وأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، وهم عباده المكرمون، ولا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون.

ومن كان يقول ويعتقد غير هذا في الإمام عليّ وبنيه الأئمة الأحد عشرعليه‌السلام فلا تنسبوه إلى الشيعة.

١١٥

ونحن الشيعة في إيران وغيره براء من الغالين في الإمام عليّ أو بنيه، كالسبئية والخطابية والغرابية والحلولية وغيرهم، وهذه الفرق أقلّيات متفرّقة في أكثر البلاد الإسلامية لا إيران فقط، إلّا أنّه في تركيا يبلغ عددهم الملايين، مع ذلك لا تنسبون مسلمي تركيا - بما فيهم الشيعة الأتراك - إلى الغلاة!

فالشيعة في كلّ مكان بريئون من هذه الفرق، ويتألّمون من انتسابها إليهم، كما أنّ المسلمون عموماً يتبرَّءون منها عندما ينسب المستشرقون هذه الفرقة الغالية إلى الإسلام.

والشيعة: علماؤها وفقهاؤها في إيران وغيرها حكموا على الغلاة بالكفر، وأفْتَوا بنجاستهم ووجوب الاجتناب عنهم، ومع هذا كله، تنسبون إلينا هذه الفِرَق الضالّة، أو تحسبوننا منهم!! إنْ هذا إلّا بهتان عظيم.

فلو كنتم تقرءون كتبنا الكلامية، لوجدتم ردود متكلّمينا وعلمائنا على عقائد الغلاة الإلحادية، بالدلائل العقلية والنقلية، وسأنقل لكم بعض الأخبار المرويّة في كتبنا عن أئمّة الشيعة، وقد جمع قسماً منها المحدّث الجليل، والحبر النبيل، علامة عصره، ونابغة دهره، الشيخ المولى باقر المجلسي - قدس سره - في كتابه « بحار الأنوار » الذي هو أضخم دائرة معارف الشيعة الإمامية وعدد أجزائه مائة وعشر مجلّدات.

١- روي في ج ٢٥ ص ٢٧٣، حديث ١٩: عن أبي هاشم الجعفري قال سألت أبا الحسن الرضاعليه‌السلام عن الغلاة و المفوِّضة فقال الغلاة كفّار و المفوّضة مشركون من جالسهم أو خالطهم أو واكلهم أو

١١٦

شاربهم أو واصلهم أو زوّجهم أو تزوّج إليهم أو أمّنهم أو ائتمنهم على أمانة أو صدّق حديثهم أو أعانهم بشطر كلمة خرج من ولاية الله عزّ و جلّ و ولاية الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله و ولايتنا أهل البيت.

٢- وفي ج ٢٥ ص ٢٨٣، حديث ٣٣: عن الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام قال : الغلاة شرّ خلق الله يصغّرون عظمة الله و يدّعون الربوبية لعباد الله و الله إنّ الغلاة لشرٌّ من اليهود و النصارى و المجوس و الذّين أشركوا.

٣- وفي ج ٢٥ ص ٢٨٦، حديث ٤٠: عن أبان بن عثمان قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول لعن الله عبد الله بن سبأ إنّه ادّعى الربوبية في أمير المؤمنين و كان و الله أمير المؤمنينعليه‌السلام عبداً لله طائعاً الويل لمن كذب علينا و إنّ قوماً يقولون فينا ما لا نقوله في أنفسنا نبرأ إلى الله منهم نبرأ إلى الله منهم.

٤- وفي ج ٢٥ ص ٢٨٦، حديث ٤١: عن الثمالي قال: قال عليّ بن الحسينعليه‌السلام لعن الله من كذب علينا إنّي ذكرت عبد الله بن سبإ فقامت كلّ شعرة في جسدي لقد ادّعى أمراً عظيماً ! ما له لعنه الله كان عليّعليه‌السلام و الله عبداً لله صالحاً ، أخو رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ما نال الكرامة من الله إلّا بطاعته لله و لرسوله و ما نال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الكرامة من الله إلّا بطاعته لله عزّ وجلّ.

٥- وفي ج ٢٥ ص ٢٩٦، حديث ٥٥: عن المفضّل بن يزيد قال: قال أبو عبد اللهعليه‌السلام - و ذكر أصحاب أبي الخطّاب و الغلاة - فقال لي : يا مفضّل لا تقاعدوهم و تواكلوهم و لا تشاربوهم و لا تصافحوهم و لا توارثوهم.

١١٧

٦- ج ٢٥ ص ٢٩٧، حديث ٥٩: عن الصادقعليه‌السلام : لعن الله من قال فينا ما لا نقوله في أنفسنا و لعن الله من أزالنا عن العبودية لله الذي خلقنا و إليه مآبنا و معادنا و بيده نواصينا.

٧- وفي ج ٢٥ ص ٣٠٣، حديث ٦٩: عن صالح بن سهل قال كنت أقول في أبي عبد اللهعليه‌السلام بالربوبية فدخلت فلمّا نظر إليّ قال يا صالح إنّا و الله عبيد مخلوقون لنا ربّ نعبده و إن لم نعبده عذّبنا.

هذا رأي أئمّة الشيعة في ابن سبأ وأبي الخطّاب والمفوّضة والغلاة، ومع هذا كله، فإنّكم وكثير من كُتّابكم تنسبون الشيعة إلى ابن سبأ الملعون!

فهل وجدتم كتابٍ واحدٍ من كتب الشيعة الإمامية الجعفرية - المنسوبين إلى الامام جعفر الصادقعليه‌السلام - كلمة واحدة في مدح ابن سبأ؟!

هذه كتبنا من أكثر من ألف سنة ملأت المكتبات والمدارس - اقرؤها بدقّة، وطالعوها بتدبّر، فلن تجدول شطر كلمة في تأييد ابن سبأ وعقائده وأفكاره، بل تجدون ردّه ولعنه، وأنّه يهودي كافر.

فارجعوا عن كلامكم واعدلوا عن قولكم ورأيكم عن الشيعة، واخشوا الله وخافوا الحساب، يوم تسألون عن كلّ حرفٍ حرفٍ ممّا قلتم، فقد قال تعالى :( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إلّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) (١) .

____________________

١) سورة ق، الآية ١٨.

١١٨

وقال سبحانه( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ‌ * وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ‌ ) (١) .

فأرجوكم أن تحاوروني بكلام نابع من الواقع والحقيقة، ولا تأخذوا ما يقول أعداؤنا وخصومنا فينا، فإنّ الخصم قلّما ينصف خصمه.

فكما أحتجّ وأتكلّم أنا بالاستناد إلى كتبكم وصحاحكم في إثبات ما أقول، فإنّ اُصول المحاجّة والحوار تقتضي أن تكونوا كذلك.

الحافظ: إنّ نصائحكم مقبولة، وإن شاء الله لا نقول إلّا ما فيه رضاه، وإنّي حين سمعت هذه الروايات عندكم في ردّ الغلاة، زاد تعجّبي فيكم، لأنّا نسمع منكم في هذا الحوار تعابير في أئمّتكم، يُشمّ منها رائحة الغلوّ، وهم غير راضين بتلك الكلمات، بالرغم من أنّكم تحرصون على كلّ كلمة تلفظونها، حتّى لا نؤاخذكم بها، ولا تكون سبباً للطعن فيكم.

قلت: أنا لستُ جاهلاً معانداً، ولا متعصّباً جامداً، فإذا كانت في كلامي هفوات ومغالاة، فالواجب أن تنبّهوني، فإنّ الإنسان في معرض السهو والنسيان، وأرجوكم أن تذكروا كلّ ما كان في نظركم غلوّاً أو كفراً أو خارجاً عن ميزان العقل والمنطق.

الحافظ: إنّ الله تعالى خصّ نبيّه محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله بتحيّة الصلاة، والسلام في الآية الكريمة:( إِنَّ الله وَ مَلاَئِکَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا

____________________

١) سورة الزلزلة، الآية ٧ و ٨.

١١٩

الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً ) (١) ولكنّ الشيعة كلّهم - وحتى جنابكم في هذا المجلس - كلّما ذكرتك أحد أئمّتكم ألحقتم باسمه جملة : «سلام الله عليه» أو «صلوات الله عليه» عوض أن تقولوا: «رضي الله عنه» فإنّكم تشركون أئمّتكم مع النبيّ في ما خصّه الله تعالى من التحيّات، فعملكم هذا بدعة وضلال وخلاف لنصّ القرآن الكريم.

قلت: إنّ الشيعة لم يخالفوا نصّاً في أيّ عمل من أعمالهم الدينية، ولكنّ أعداءهم كالخوارج والنواصب وبني اُميّة وأتباعهم في القرون الماضية افتروا عليهم، واعترضوا على بعض أعمالهم بأنّها بدعة.

وعلماؤنا ردّوا عليهم وأجابوهم بأدلّة عقلية ونقلية أثبتوا بها أنّ الشيعة ليسوا أهل البدع والضلال، أجابوهم على الإشكال الذي أوردته بالتفصيل، ولكن رعاية للوقت، وإنّي أرى آثار التعب والنعاس تبدو على بعض الحاضرين، اُجيبكم باختصار:

أولاً: إنّ الله عزّ وجلّ في الآية الكريمة يأمر المؤمنين بالصلاة والسلام على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ولا ينهى عن الصلاة والسلام على غير النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ثانياً: كما أنّ الله تعالى قال في الآية الكريمة:( إِنَّ الله وَ مَلاَئِکَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيّ ) فقد قال في سورة الصافات( سَلاَمٌ عَلَى إِلْ‌يَاسِينَ ) (٢) .

____________________

١) سورة الاحزاب، الآية ٥٦.

٢) سورة الصافات، الآية ١٣٠.

١٢٠