مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مناظرات وحوار ليالي بيشاور0%

مناظرات وحوار ليالي بيشاور مؤلف:
المحقق: السيّد حسين الموسوي
الناشر: ذوي القربى
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 1199

مناظرات وحوار ليالي بيشاور

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيّد محمّد الموسوي الشيرازي
المحقق: السيّد حسين الموسوي
الناشر: ذوي القربى
تصنيف: الصفحات: 1199
المشاهدات: 222255
تحميل: 2580

توضيحات:

مناظرات وحوار ليالي بيشاور
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 1199 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 222255 / تحميل: 2580
الحجم الحجم الحجم
مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مؤلف:
الناشر: ذوي القربى
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

هذا حديثٌ حسن عال، وقد فُسِّرت الحكمة بالسنّة لقوله عزّ وجلّ:( وَ أَنْزَلَ الله عَلَيْكَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ ) (١) ، الآية، يدل على صحة هذا التأويل، وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إنّ الله تعالى أنزل عليَّ الكتاب ومثله معه، أراد بالكتاب القرآن، ومثله معه ما علَّمه الله تعالى من الحكمة وبيّن له من الأمر والنهي والحلال والحرام، فالحكمة هي السُنّة فلهذا قال: أنا دار الحكمة وعليٌ بابها.

ولقد روى ابن عساكر في تاريخه مع ذكر السند، والخطيب الخوارزمي في المناقب، وشيخ الاسلام الحمويني في فرائد السمطين، والديلمي في فردوس الأخبار والكنجي الشافعي في كفاية الطالب الباب الثامن والخمسون، والعلامة القندوزي في ينابيع المودة / الباب الرابع عشر، وابن المغازلي الشافعي في المناقب حديث رقم ١٢٠ وغيرهم من كبار علمائكم رَووا عن ابن عباس وجابر بن عبدالله الأنصاري أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أخذ بيد عليّعليه‌السلام فقال: هذا أمير البَرَرة وقاتل الكفرة منصورٌ من نَصَره،مخذولٌ من خذله، ثم مدَّ بها صوته.

فقال: أنا مدينة العلم و عليّ بابها فمن أراد العلم فليأتِ الباب.

وروى صاحب المناقب الفاخرة عن ابن عباس أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: أنا مدينة العلم و عليٌ بابها، و من أراد علم الدين فليأت الباب. ثم قال لِعليّعليه‌السلام : أنا مدينة العلم وأنت الباب، كذب مَن يزعم أنه يصل المدينة، إلّا من الباب.

وأخرج الحديث ابن أبي الحديد في مواضع عديدة من شرح نهج البلاغة، وشيخ الإسلام الحمويني عن ابن عباس، وأخرجه الموفق الخوارزمي في المناقب عن عمرو بن العاص، وأخرجه محب الدين

____________________

١) سورة النساء، الآية ١١٣.

١١٢١

الطبري في ذخائر العقبي، وأحمد في المسند والعلّامة علي بن شهاب الهمداني في مودّة القربى، وحتى ابن حجر - مع كثرة تعصّبه - في الصواعق المحرقة ضمن الفصل الثاني من الباب التاسع / الحديث التاسع من الأربعين حديثاً في فضائل الإمام علي أخرجه عن البزار والطبراني في الأوسط عن جابر بن عبد الله، وأخرجه عن ابن عدي عن عبد الله ابن عمر وعن الحاكم والترمذي عن عليّعليه‌السلام كلهم رووا عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: أنا مدينة العلم و علي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب. فالحديث مشهور ومنشور في كتب كبار علمائكم، وهو بحكم العقل والعقلاء دليلٌ على إمامة الإمام عليّ وخلافته وأنّه مقدّم على غيره، لأنّ العلماء في كل أمة وملّة مقدَّمون على الجاهلين وخاصة تأكيد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في الحديث، بأنّ من أراد العلم فليأت الباب، أو كذب من زعم أنه يصل الى المدينة إلّا من الباب، وإضافةً على كل هذا قول الله سبحانه:( وَ لَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَ أْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها وَ اتَّقُوا الله لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) (١) .

ومن الواضَح أنّ الألف واللام في كلمة العلم تفيد الجنس أي كل علم كان عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من علم الدين والدنيا وعلم الظاهر والباطن وأسرار الكون والخلقة لا يمكن الوصول إليها إلّا عن طريق الإمام عليّعليه‌السلام .

بالله عليكم أنصفوا! هل كان للناس بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يغلقوا هذا الباب الذي فتحه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لاُمّته كي يتوصّلوا منه إلى الحقائق الدينية والدقائق العلميّة التي أودعها الله سبحانه نبيَّه المصطفى ورسوله

____________________

١) سورة البقرة، الآية ١٨٩.

١١٢٢

المرتضى الذي هو أجلى مصاديق الآية الشريفة:( عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً * إلّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ ) (١) فلقد ارتضاه الله سبحانه وأعطاه من غيبه أكثر مما أعطى لسائر الأنبياء والمرسلين؟

الشيخ عبدالسلام: نحن لا ننكر حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أنا مدينة العلم وعليٌ بابها » وإن ناقش بعض العلماء سند الرواية وضعّفه، وبعضٌ ادّعى فيه التواتر وصحّحه، وبعض ناقش في مدلول الحديث، ولكن مع غضّ النظر عن كل المناقشات المطروحة حول الحديث، فلا يدلّ على أنّ سيدنا علياً كرم الله وجهه كان عنده علم الغيب والباطن.

عليعليه‌السلام عالم بظاهر القرآن وباطنه

قلت لا شك ولا ريب أنّ أساس علم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله هو كتاب الله العزيز، وكما ورد في الأحاديث المرويّة عن طرقكم والمذكورة في مصادركم، أنّ الإمام أمير المؤمنين عليٌّعليه‌السلام كان أعلم الناس - بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله - بعلوم القرآن ظاهره وباطنه، ولقد روى أبو نعيم الحافظ في الحلية: ج ١ / ٦٥، والعلّامة الكنجي الشافعي في كفاية الطالب / الباب الرابع والسبعون، والعلّامة القندوزي في ينابيع المودّة / الباب الرابع عشر نقلاً من كتاب فصل الخطاب عن عبدالله بن مسعود قال: إنّ القرآن أُنزل على سبعة أحرف ما منها حرف إلّا له ظهر و بطن، و إن عليّ بن أبي طالب عنده علم الظاهر و الباطن.

كما ويحصل من جملة من الروايات المشهورة عندكم والمنشورة

____________________

١) سورة الجن، الآية ٢٥ و ٢٦.

١١٢٣

في كتبكم، أنّ علياًعليه‌السلام كان علمه لَدُنيّاً لأنّه كان المرتضى من بين الخلق بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ولقد ارتضاه الله واصفاه وجعله وليّاً.

ولقد روى أبو حامد الغزالي في كتابه في بيان العلم اللدنيّ عن عليّعليه‌السلام أنه قال: ولقد وضع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لسانه في فمي وزقّني من لعابه، ففُتح لي ألف باب من العلم يفتح لي من كل باب ألف باب.

وروى العلّامة القندوزي في ينابيع المودّة / الباب الرابع عشر في غزارة علمه، عن الأصبغ بن نباتة قال: سمعت أمير المؤمنينعليه‌السلام يقول: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله علّمني ألف باب و كل باب منها يفتح ألف باب، حتى علمتُ ما كان و ما يكون إلى يوم القيامة، وعلمت علم المنايا و البلايا و فصل الخطاب.

وروى في الباب عن ابن المغازلي بسنده عن عليّعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا علي أنا مدينة العلم وأنت بابها، كذب من زعم أنّه يدخل المدينة بغير الباب قال الله عزّ وجلّ:( وَ أْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها ) وقال عليٌ: علمني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ألف باب من العلم فانفتح من كل واحدمنها ألف باب.

وروى القندوزي أيضاً في الباب الرابع عشر، عن ابن المغازلي بسنده عن أبي الصباح عن ابن عباس (رض) قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لما صرت بين يدي ربّي كلَّمني وناجاني فما علمتُ شيئاً إلّا علّمته عليّاً فهو باب علمي.

وكذلك نقل في الباب من الموفق بن أحمد الخوارزمي أيضاً عن أبي الصباح عن ابن عباس عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: أتاني جبرئيل بدرنوك من الجنّة فجلست عليه، فلمّا صرت بين يدي ربّي كلّمني و ناجاني فما

١١٢٤

علمتُ شيئاً إلّا علّمتُهُ علياً فهو باب علمي، ثم دعاه إليه فقال: يا علي! سلمكَ سلمي و حربك حربي و أنت العَلَم فيما بيني و بين أُمَّتي.

وأما الخبر المروي عن عليّعليه‌السلام : علّمني رسول الله ألف باب من العلم فمرويٌ في كثيرٍ من مصادركم وأخرجه كبار أعلامكم مثل: أحمد في المسند وفي المناقب، ومحمد بن طلحة العدوي في مطالب السئول، والموفق الخوارزمي في المناقب وأبي حامد الغزالي، وجلال الدين السيوطي والثعلبي والمير سيد علي بن شهاب الهمداني بألفاظ مختلفة ومن طرق شتى نقلوه في كتبهم. ولقد روى الحافظ أبو نعيم في حلية الأولياء والمولى علي المتقي في كنز العمال: ج ٦ / ٣٩٢ وأبو يعلى وغيرهم، بإسنادهم إلى عبد الله بن عمر قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في مرض موته: ادعوا إليَّ أخي، فجاء أبو بكر فأعرض عنه. ثم قال ادعوا إليَّ أخي. فجاء عثمان، فأعرض عنه، ثم دُعيَ له عليٌ فستره بثوبه و أكبَّ عليه فلمّا خرج من عنده قيل له: ما قال لك؟ قال: علّمني ألف باب يفتح كل باب ألف باب.

وأخرج الحافظ أبو نعيم في حلية الأولياء: ج ١ / ٦٥، ومحمد الجزري في أسنى المطالب / ص ١٤، والعلّامة الكنجي في كفاية الطالب / الباب الثامن والأربعون، رواه بإسنادهم عن أحمد بن عمران ابن سلمة عن سفيان الثوري عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال: كنت عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فسُئل عن عليّعليه‌السلام فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : قُسمت الحكمة عشرة أجزاء، فأُعطي عليٌّ تسعة أجزاء و الناس جزءاً واحداً. ثمّ قال العلامة الكنجي: هذا حديث حسن عال تفرّد به أحمد

١١٢٥

بن عمران بن سلمة وكان ثقة عدلاً مرضيّاً.

وكذلك رواه جماعة من أعلامكم بالإسناد إلى علقمة عن عبد الله وفيه زيادة ونصّه: قسمت الحكمة عشرة أجزاء، فأُعطيَ عليٌّ تسعة أجزاء و أعطي الناس جزءاً واحداً وهو أعلم بالعُشْر الباقي، أخرجه الموفق بن أحمد الخوارزمي في المناقب والمتقي في الكنز: ج ٥ / ١٥٦ و ٤٠١ وابن المغازلي في الفضائل والقندوزي في الينابيع / الباب الرابع عشر بنفس الطريق عن ابن مسعود، وأخرجه محمد بن طلحة العدوي في مطالب السئول عن حلية الأولياء.

ونقل العلامة القندوزي في الينابيع في الباب الرابع عشر عن محمد بن علي حكيم الترمذي في شرح الرسالة الموسومة بالفتح المبين عن ابن عباس قال: العلم عشرة أجزاء، لعليّ تسعة أجزاء و للناس عُشْر الباقي وهو أعلمهم به.

وأخرج القندوزي في الباب، والمتقي في كنز العمال: ج ٦ / ١٥٣ والموفق الخوارزمي في المناقب / ٤٩، وفي مقتل الحسين ج ١ / ٤٣، والديلمي في فردوس الأخبار،أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: أعلم أمتي من بعدي علي بن أبي طالب.

عليٌ تلميذُ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

نستنتج من الروايات السابقة أنّ علم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وما تلقّاه من الوحي قد علّم به الإمام عليّعليه‌السلام .

ونحن الشيعة لا نقول بأنّ الإمام عليّ والأئمة الأحد عشر من ولده سلام الله عليهم أجمعين، كانوا مثل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في تلقّي

١١٢٦

العلوم من الله عزّ وجلّ عن طريقٍ مستقيم أبو بواسطة الوحي. بل نعتقد بأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي ارتضاه الله جلّ وعلا وأعطاه من العلوم ما لم يعطه لأحد من العالمين وأطْلَعَهُ على الغيب أكثر مما اطلَع عليه جميع الأنبياء والمرسلين، اتّخذَ علياً أخاً له ووارثاً لعلومه وموضعاً لأسراره إذْ وَجَدَه أهلاً لذلك، فما بقي عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله شيءٌ من ودائع النبوة وعلوم الوحي والرسالة من الظاهر والباطن والغيب والشهود إلّا وأودعه في علي بن أبي طالب. وعلّمه إيّاه(١) .

وعليٌّعليه‌السلام أودع تلك العلوم في بنيه الأئمة الأحد عشر، توارثوها بإرادة الله تعالى واحداً تلو الآخر، واليوم ودائع النبوة وأعلام الرسالة وعلوم الوحي كلّها مودعة عند الإمام المهدي المنتظر، الحجة الثاني عشر وآخر أئمة أهل البيتعليهم‌السلام .

ولقد روى القندوزي في الينابيع في الباب الرابع عشر، أنّ علياًعليه‌السلام كان يقول: سلوني عن أسرار الغيوب فإنّي وارث علوم

____________________

١) وترى في نهج البلاغة عبارات كثيرة في مواضع عديدة صرّح فيها عليّ سلام الله عليه على ما اطلعه عليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من علم الغيب الذي منحه الله عزّ وجلّ، فقال في الخطبة المرقمة ١٧٦ أولها: أيها الناس غير المغفول عنهم ...إلى أن قالعليه‌السلام : وَ الله لَوْ شِئْتُ أَنْ أُخْبِرَ كُلَّ رَجُلٍ مِنْكُمْ بِمَخْرَجِهِ وَ مَوْلِجِهِ وَ جَمِيعِ شَأْنِهِ لَفَعَلْتُ وَ لَكِنْ أَخَافُ أَنْ تَكْفُرُوا فِيَّ بِرَسُولِ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أَلَا وَ إِنِّي مُفْضِيهِ إِلَى الْخَاصَّةِ مِمَّنْ يُؤْمَنُ ذَلِكَ مِنْهُ وَ الَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ وَ اصْطَفَاهُ عَلَى الْخَلْقِ مَا أَنْطِقُ إِلا صَادِقاً وَ لَقَدْ عَهِدَ إِلَيَّ بِذَلِكَ كُلِّهِ وَ بِمَهْلِكِ مَنْ يَهْلِكُ وَ مَنْجَى مَنْ يَنْجُو وَ مَآلِ هَذَا الْأَمْرِ وَ مَا أَبْقَى شَيْئاً يَمُرُّ عَلَى رَأْسِي إِلا أَفْرَغَهُ فِي أُذُنِي وَ أَفْضَى بِهِ إِلَيَّ.

ولقد أثبتعليه‌السلام كلما ادَّعاه واختصَّ به، وما ادّعاه أحد غيره.

«المترجم»

١١٢٧

الأنبياء والمرسلين. ونقل عنه قبل هذا في نفس الباب، قال: سلوني قبل أن تفقدوني فلأنا بطرق السماء أعلم مني بطرق الأرض … الخ.

ونقل القندوزي في الباب أيضاً قال: وفي مسند أحمد بسنده عن ابن عباس: وقال عليٌ على المنبر: سلوني قبل أنْ تفقدوني، سلوني عن كتاب الله، وما من آية إلّا و أنا أعلم حيث أنزلت، بحضيضِ جبل أو سهل أرض، سلوني عن الفتن، فما من فتنة إلّا و قد علمتُ مَنْ كسبها و مَنْ يُقتل فيها. قال أحمد روى عنه نحو هذا كثيراً.

وكذلك نقل القندوزي في الباب من الموفق بن أحمد الخوارزمي وعن الحمويني بسنديهما عن أبي سعيد البحتري قال: رأيت علياً جلس على المنبر فكشف عن بطنه وقال: سلوني قبل أن تفقدوني، فإنّما بين الجوانح منّي علمٌ جمّ، هذا سفط العلم، هذا لُعاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، هذا ما زقّني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله زقّاً زقّا.

ونقل القندوزي في الباب عن مسند الإمام أحمد ومناقب موفق بن أحمد الخوارزمي بسنديهما عن سعيد بن المسيّب قال: لم يكن أحدٌ من الصحابة يقول: سلوني إلّا عليّ بن أبي طالب. ورواه عنه ابن حجر في الصواعق أيضاً.

ولا يخفى أن معتقدنا نحن الشيعة أنّ كلّ ما كان عند الإمام عليّ سلام الله عليه من أنواع العلوم فإنّه اكتسبها وتعلّمها من سيد المرسلين وخاتم النبيين محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله . ولقد أَمْلى عليه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من علومه الباطنية وأسراره الغيبية بكل ما يحدث في العالم ويقع في المستقبل، وكتب عليٌّعليه‌السلام كل ذلك بالرموز والحروف المقطّعة وقد اشتهر بين

١١٢٨

العلماء بعلم الجفر الجامع، هذا العلم مما خُصّ به عليٌعليه‌السلام وأبنائهُ الأئمة المعصومون سلام الله عليهم أجمعين.

كما ذكر ذلك الغزالي في بعض تصانيفه وقال: إنّ عند علي بن أبي طالب كتاب يُسمّى بالجفر الجامع لشئون الدنيا والآخرة وهو يشتمل على كل العلوم والحقائق ويحوي على دقائق الأسرار وخواصّ الأشياء وآثار الحروف والأسماء وتأثيرات العوالم العُلويّة والسُفليّة وكل ما في الأرض والسماء و لا يطلع على ذلك الكتاب أحدٌ غير علي بن أبي طالب وأولاده الأحد عشر وهمُ الذين حازوا درجة الولاية وتوصّلوا إلى مقام الإمامة، وقد وصلهم الكتاب وعلومه بالوراثة.

ولقد أشار وصرّح باختصاص هذا العلم وذلك الكتاب بالإمام عليّ وأبنائه المعصومين، العلّامة القندوزي في كتابه ينابيع المودة / الباب الثامن والستون / وفيه قد نَقَل في الموضوع شرحاً مبسوطاً من كتاب الدرّ المنظّم للشيخ كمال الدين محمد بن طلحة الحلبي الشافعي.

وكذلك ذكر صاحب شرح المواقف وهو من علماء العامّة قال: إنّ الجفر والجامعة كتابان لعليّ بن أبي طالب قد ذكر فيهما على طريقة علم الحروف، الحوادث إلى انقراض العالم، وأولاده يحكمون بهما.

النواب: ما هو منشأ هذا الكتاب المسمّى بالجفر الجامع؟ وكيف وصل ليد سيّدنا عليّ كرم الله وجهه؟

قلت: في العام العاشر الهجري، بعدما رجع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من حجة الوداع هبط جبرائيل وأخبرهصلى‌الله‌عليه‌وآله باقتراب أجله ودنوّ منيّته، فدعا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ربّه ورفع يديه، وقال: اللهم وَعْدك الذي وعدتني، إنّك لا تخلف الميعاد.

١١٢٩

فطلب من الله عزّ وجلّ وفاء الوعد المعهود بينهما.

فأوحى الله تعالى إليهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أن خذ علياً معك واذهبا إلى جبل أحد فإذا صعدتما الجبل فاجلس مستدبرا القبلة وناد الوحوش وحيوانات الصحراء، فتجتمع الحيوانات أمامك وتجد بينها معزاً وحشياً أحمر اللون قصير القرن، فأمُرْ علياً فليأخذُهُ ويذبحه ويسلخ جلده من طرف رقبته، ثم يدبغه، ولمـّا فعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما أمره ربّه، نزل جبرئيل ومعه دواة وقلم أعطاهما للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ليعطيهما للإمام عليّعليه‌السلام حتّى يكتب ما يقوله جبرئيل وكان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يملي ما يسمعه على الإمام عليّعليه‌السلام فيكتبه على ذلك الجلد المدبوغ، وهذا الجلد لا يندرس ولا يبيد وهو الآن موجود عند الإمام المنتظر المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشريف، ويوجد في ذلك الجلد كل ما كان وما يكون إلى يوم القيامة، وهذا الجلد هو الكتاب الذي عبَّر عنه الغزالي بالجفر الجامع وقال فيه علوم المنايا والبلايا والقضايا وفصل الخطاب.

النواب: كيف يسع جلد ماعز ليحتوي على كل ما يحدث إلى يوم القيامة، ويحتوي على العلوم التي أشرتم إليها وذكرها الغزالي؟

قلت: لقد ذكرنا أنها مذكورة بطريقة الرمز والحروف وأنّ مفتاح تلك الرموز ومعاني تلك الحروف هو علمٌ خاصٌ بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وعلّمه علياًعليه‌السلام ثمّ ورثه أولاده الأئمة الأحد عشر، ولا يقدر على حل رموزه وفهم علومه غيرهم، وقد جاء في الخبر أنّ علياًعليه‌السلام فتح ذلك الجلد مرةً أمام ولده محمد بن الحنفيّة فما فهم شيئاً منه.

وأمّا الأئمة المعصومونعليه‌السلام فكانوا في أكثر الأحيان يستخرجون من ذلك الكتاب القضايا والحوادث التي كانوا يخبرون بها قبل وقوعها.

١١٣٠

الإمام الرضاعليه‌السلام يخبر عن موته من الجفر والجامعة

ولقد روى كثير من علمائكم أنّ المأمون لمـّا عرض ولاية العهد على الإمام الرضا وأخذ له البيعة وكتب كتاباً له بذلك بخطه وأعطاه الإمامعليه‌السلام ليوقّع أدناه ويختمه بإمضائه وختمه الشريف، فكتب هذه العبارات خلف الكتاب كما في شرح المواقف: أقول و أنا عليّ بن موسى بن جعفر: إنّ أمير المؤمنين عضّده الله بالسداد، و وفّقه للرشاد عرف من حقنا ما جهله غيره، فوصلَ أرحاماً قُطِعَت، و آمن نفوساً فزعت، بل أحياها و قد تلفت، و أغناها إذْ افتقرت، مبتغياً رضى ربّ العالمين، و سيجزي الله الشاكرين. و لا يضيع أجر المحسنين، و أنّه جعل إليَّ عهده و الإمرة الكبرى إنْ بقيتُ بعده إلى أنْ كتب في آخره: ولكنّ الجفر والجامعة يدلّان على ضدّ ذلك( وَ مَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَ لاَ بِکُمْ ) (١) ( إِنِ الْحُکْمُ إِلاَّ لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَ هُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ‌ ) (٢) وهكذا رواه العلامة سعد بن مسعود بن عمر التفتازاني في كتاب شرح مقاصد الطالبيين في علم أصول الدين(٣) .

____________________

١) سورة الأحقاف، الآية ٩.

٢) سورة الأنعام، الآية ٥٧.

٣) وروى العلّامة الشهير بابن الطقطقي البغدادي في كتابه «الفخري» ص ١٦١ طبع بغداد، إنّ الإمام الرضاعليه‌السلام كتب فيما كتب خلف كتاب العهد:... إنّي قد اجبت امتثالاً للأمر وإنْ كان الجفر والجامعة يدلّان على ضد ذلك. وروى الحافظ عبد الكريم الرافعي في كتابه التدوين: ج ٤/٥١ ط طهران: والجفر والجامعة يدلّان على الضدّ من ذلك( وَ ما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَ لا بِكُمْ ) ( إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ =

١١٣١

الصحيفة السماويّة

ولقد ورد في روايات أهل البيتعليهم‌السلام خبر صحيفة نزلت على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قُبيل وفاته فأعطاها لعلي بن أبي طالبعليه‌السلام وفيها علومٌ كثيرة مما يجري في العالم ولا سيما ما يجري عليهم وما يجب عليهم من مقابلة الأحداث والوقايع، ولقد أوصاهم الله سبحانه فيها بوصايا مهمّة، ولذلك نقل هذا الخبر تحت عنوان (الوصيّة) المؤرخ الجليل والحبر النبيل الشهير بالمسعودي المتوفى عام ٣٤٦ من الهجرة النبويّة، قال في كتابه إثبات الوصيّة: فلمّا قَرُبَ أمرهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنزل الله جلّ وعلا إليه من السماء كتاباً مسجّلاً نزل به جبرئيلعليه‌السلام مع أمناء الملائكة فقال جبرئيل: يا رسول الله! مُرْ مَنْ عندك بالخروج من مجلسك إلّا وصيّك ليقبض منّا كتاب الوصيّة و يشهدنا عليه.

فأمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مَن كان عنده في البيت بالخروج ما خلا أمير المؤمنينعليه‌السلام و فاطمة والحسن والحسينعليه‌السلام .

فقال جبرئيل: يا رسول الله إنّ الله يقرأ عليك السلام و يقول لك: هذا كتاب بما كنت عهدت و شرطت عليك و أشهدت عليك ملائكتي و كفى بي شهيداً.

فارتعَدَت مفاصل سيدنا محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: هو السلام و منه

____________________

=يَقُصُّ الْحَقَّ وَ هُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ ) لكنّي امتثلتُ أمر أمير المؤمنين وآثرت رضاه والله يعصمني وايّاه وهو حسبي وحسبه ونعم الوكيل، وكذلك أخرجه بنصَّه العلّامة محمد مبين الهندي في كتابه وسيلة النجاة ص ٣٧٨ طبع لكنهو. ورواه آخرون باختلاف يسير في الألفاظ.

«المترجم»

١١٣٢

السلام و إليه يعود السلام، صدق الله، هات الكتاب. فدفعه إليه، فدفعه من يده إلى عليّعليه‌السلام وأمره بقراءته وقال: هذا عهد ربّي إليَّ و أمانته، و قد بلّغتُ و أدّيتُ.

فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : و أنا أشهد لك بأبي أنت و أمي بالتبليغ و النصيحة و الصدق على ما قلت، و يشهد لك به سمعي و بَصَري و لحمي و دمي. فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أخذتَ وصيّتي و قبلتها منّي و ضمنتَ لله تبارك وتعالى و لي الوفاء بها؟ قال: نعم عليَّ ضمانُها و على الله عزّ وجلّ عَوْني.

و كان فيما شرطه على أمير المؤمنينعليه‌السلام : الموالاة لأولياء الله والمعاداة لأعداء الله والبراءة منهم، و الصبر على الظلم و كظم الغيظ وأخذ حقك منك وذهاب خمسك و انتهاك حرمتك، و على أن تُخضَب لحيتك من رأسك بدم عبيط.

فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : قبلتُ و رضيتُ و إنْ انتُهكَتْ الحرمة و عُطِّلَتْ السنن و مُزِّق الكتاب و هُدمتْ الكعبة و خُضبتْ لحيتي من [دم] رأسي صابراً محتسباً.

فأشْهَدَ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جبرئيل وميكائيل والملائكة المقرّبين على أمير المؤمنينعليه‌السلام .

ثم دعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فاطمة و الحسن و الحسين فأعلمهم من الأمر مثل ما أعلمه أمير المؤمنينعليه‌السلام وشرح لهم ما شرح له. فقالوا مثل قوله. وخُتمتْ الوصيّة بخواتيم من ذهب لم تُصبه النار و دُفعتْ إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام .

وفي الوصيّة سُنَنُ الله جلّ وعلا وسنن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وخلاف

١١٣٣

مَن يخالف ويغيِّر ويبدِّل، وشيءٌ من شيء من جميع الأمور والحوادث بعدهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو قول الله عزّ وجلّ في سورة يس، الآية ١٢:( وَ کُلَّ شَيْ‌ءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ ) «انتهى».

فأوصياء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وخلفائه يمثّلونه في أخلاقه وصفاته وهم ورثوا علومه وفضائله، ولقد أعلنصلى‌الله‌عليه‌وآله وعرَّف علياًعليه‌السلام باب علمه لأمّته وأمر مَنْ أراد العلم بإتيانهعليه‌السلام . ومما يؤكِّد بأنّ عليّاًعليه‌السلام وارثُ علوم النبوة وأنّه عيبة علوم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قولهعليه‌السلام سلوني قبل أنْ تفقدوني. ولا يمكن لأحدٍ أنْ يعلن بهذا الكلام إلّا إذا كان محيطاً بجميع العلوم، وهذا الأمر لا يتسنّى إلا لمن كان متّصلاً بمنبع العلوم وبالعالَم الأعلى، ويحظى بالعلم اللَّدُنّي الذي يتلقّاه من الله تعالى. ولقد اتفق العلماء والمحدّثون على أنّه، انفرد عليٌّعليه‌السلام من بين الخلق بهذا الإعلان، وما قاله أحدٌ سواه(١) .

____________________

١) قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: ج ١٣ /١٩٦، ط دار احياء الكتب العربية في شرح كلام الإمام عليعليه‌السلام : أيها الناس سلوني قبل أن تفقدوني فَلأنا بطرق السماء أعلمُ منّي بطرق الأرض. قال: أجمع الناس كلّهم على أنّه لم يقلْ أحدٌ من الصحابة ولا أحد من العلماء: «سلوني». غير علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، ذكر ذلك ابن عبد البر المحدّث في كتاب «الاستيعاب» والمراد بقوله:

«فلأنا بطرق السماء أعلم منّي بطرق الأرض ما اختصّ» به من العلم بمستقبل الأمور ولا سيّما في الملاحم والدول.

وقد صدّق هذا القول عنه ما تواتر عنه من الاخبار بالغيوب المتكررّة لا مرّة ولا مائة مرّة، حتّى زال الشك والريب في أنّه إخبار عن علم، وأنّه ليس على طريق الاتفاق، قال: وقد ذكرنا كثيراً من ذلك فيما تقدّم من هذا الكتاب. «انتهى كلام ابن أبي الحديد».

«المترجم»

١١٣٤

قال الحافظ ابن عبد البر الأندلسي في كتابه الاستيعاب في معرفةالأصحاب: اِنّ كلمة سلوني قبل أنْ تفقدوني ما قالها أحدٌ غير علي بن أبي طالب إلّا كان كاذباً.

ولقد روى العلّامة أبو العباس أحمد بن خلِّكان في كتابه وفيات الأعيان والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد: ج ١٣/١٦٣، بأنّ مُقاتل بن سليمان - وكان من أعلام العلماء عندكم وكان سريعاً جدّاً في جواب المسائل - أعلن يوماً على المنبر وبين حشد من الناس فقال: سلوني عما دون العرش!

فقام شخصٌ وسأله: مَنْ حَلَق رأس آدمعليه‌السلام في الحج؟ فحاد عن الجواب، فسأله آخر: كيف تهضم النملة أكلها؟ ألها معدة ومصران؟ فنكّس مقاتل بن سليمان رأسه خَجَلاً، ولم يجبه! ثم قال: إنّ الله فضحني بهذه الأسئلة التي ألقاها على ألسنتكم، لأنّي أُعجبتُ بكثرة علمي فجاوزتُ حدّي.

مصادر قوله: سلوني قبل أن تفقدوني

نعم ذكر العلماء قضايا من هذا القبيل عن الذين ادّعوا هذا الأمر ولكن أخزاهم الله على رؤوس الأشهاد.

وكما بيّن كثير من كبار علمائكم: أنّه ما ادّعى أحدٌ من الصحابة غير علي بن أبي طالب هذا المدَّعى.

روى أحمد في المسند، وموفق بن احمد الخوارزمي في المناقب، والخواجة كلان الحنفي كما في الينابيع، والعلّامة البغوي في المعجم ومحبّ الدين الطبري في الرياض النضرة: ج ٢ /١٩٨، وابن حجر في

١١٣٥

الصواعق تحت عنوان: ٧٦ الفصل الثالث في ثناء الصحابة والسلف عليه. كلهم رووا عن سعيد بن المسيَّب قال: لم يكن من الصحابة يقول: سلوني، إلّا عليّ بن أبي طالب.

والجدير أنّهعليه‌السلام أعلن ذلك مراراً وتكراراً لا مرة واحدة، فلقد روى العلّامة ابن كثير في تفسيره: ج ٤ وابن عبد البر في الاستيعاب والقندوزي في ينابيع المودّة، مؤيّد الدين الخوارزمي في النماقب، واحمد في المسند، والحمويني في الفرائد، وابن طلحة الحلبي في الدّر المنظوم والعلّامة الهمداني في مودّة القربى، وأبو نعيم الحافظ في حلية الأولياء، ومحمد بن طلحة العَدوي في مطالب السؤول، وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة، وغيرهم من محققيكم ومحدثيكم، رووا عن طرق شتى وبألفاظ عديدة عن عامر بن وائلة وعبد الله بن عباس وأبي سعيد البحتري وأنس بن مالك وعبد الله بن مسعود وغيرهم: بأنّهم سمعوا أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام على المنبر يقول: سلوني قبل أن تفقدوني، فإنّ بين جوانحي لعلماً جمّاً، سلوني فإنّ عندي علم الأوّلين والآخرين.

وفي سُنن أبي داود ص ٣٥٦، ومسند أحمد ج ١ /٢٧٨، وصحيح البخاري: ج ١/٤٦ وج ١٠ /٢٤١، رووا بأسانيدهم: أنّ علياًعليه‌السلام قال: سلوني عما شئتم، ولا تسألوني عن شيءٍ إلّا أنبأكم به.

ونقل العلّامة القندوزي الحنفي في كتابه ينابيع المودّة في الباب الرابع عشر، عن موفق بن أحمد الخوارزمي وشيخ الإسلام الحمويني بإسنادهما عن أبي سعيد البحتري قال: رأيتُ علياً رضي الله عنه على منبر الكوفة وعليه مدرعة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو متقلّد بسيفه ومتعمم

١١٣٦

بعمامتهصلى‌الله‌عليه‌وآله فجلس على المنبر فكشف عن بطنه وقال: سلوني قبل أنْ تفقدوني فإنّما بين الجوانح مني علمٌ جمّ هذا سفط العلم، هذا لُعاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله هذا ما زقّني رسول الله زقّاً زقّاً، فوالله لو ثُنيتْ لي الوسادة فجلست عليها لأفتيتُ أهل التوراة بتوراتهم و أهل الإنجيل بإنجيلهم حتى يُنطق اللهُ التوراة والإنجيل فيقولان صدق عليٌّ قد أفتاكم بما اُنزل الله فيَّ و أنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون.

وكذلك أخرج شيخ الإسلام الحمويني في فرائد السمطين، ومؤيد الدين الخوارزمي في المناقب، بأنّ علياًعليه‌السلام قال فوق المنبر: سلوني قبل أنْ تفقدوني، فوالذي فَلَقَ الحبة وبرأ النسمة لا تسئلوني عن آيةٍ من كتاب الله إلّا حدّثتكم عنها مات نزلت بليلٍ أو نهار، في مقامٍ أو مسير في سهلٍ أم في جبل، وفي مَنْ نزلت في مؤمنٍ أو منافق وما عنى اللهُ بها، أم عام أم خاص.

فقام ابن الكوّا - وهو من الخوارج - فقال:

أخبرني عن قوله تعالي:( الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) (١) فقالعليه‌السلام : أولئك نحن و أتباعنا في يوم القيامة، غرّا محجَّلين رواء مرويين يُعرَفون بسيماهم.

و روى أحمد في المسند، والعلّامة القندوزي في الينابيع في الباب الرابع عشر، عن ابن عباس، أنّ علياً قال على المنبر: سلوني قبل أنْ تفقدوني سلوني عن كتاب الله وما من آية إلّا و أنا أعلم حيث أُنزلت بحضيض جبل أو سهل أرضٍ، و سلوني عن الفتن فما من فتنة إلّا و قد علمتُ مَنْ كسبها و مَنْ يُقتل فيها.

____________________

١) سورة البينة، الآية ٧.

١١٣٧

وأخرج ابن سعد في الطبقات والعلّامة الكنجي في كفاية الطالب الباب الثاني والخمسون، وأبو نعيم الحافظ في حلية الأولياء: ج ١/ ٦٨ بإسنادهم عن علي بن أبي طالبعليه‌السلام أنه قال: و الله ما نزلت آية إلّا و قد علمتُ فيمَن نزلت و أين نزلت وعلى مَن نزلت، إنّ ربّي وَهَبَ لي قلباً عقولاً و لساناً طلقاً. وفي نفس الكتب أيضاً: سلوني عن كتاب الله فإنّه ليس من آية إلّا وقد عَرَفْتُ بليلٍ نزلت أم بنهارٍ، في سهلٍ أم في جبل.

وكذلك روى الموفق الخوارزمي في المناقب عن الأعمش عن عباية بن ربعي أنّه قال: كان عليٌ (رض) كثيراً ما يقول: سلوني قبل أنْ تفقدوني! فو الله ما من أرض مُخْصَبَة و لا مُجْدَبَة و لا فئة تضل مائة أو تهدي مائة إلّا و أنا أعلم قائدها و سائقها و ناعقها إلى يوم القيامة.

وروى جلال الدين السيوطي في تاريخ الخلفاء: ص ١٢٤ وبدر الدين الحنفي في عمدة القارئ ومحب الدين الطبري في الرياض النضرة: ج ٢/١٩٨، والسيوطي أيضاً في تفسير الإتقان: ج ٢/٣١٩، وابن حجر العسقلاني في فتح الباري: ج ٨ /٤٨٥، وفي تهذيب التهذيب: ج ٧/ ٣٣٨ رووا أنّ علياًعليه‌السلام قال: سلوني! والله لا تسألوني عن شيءٍ يكون إلى يوم القيامة إلّا أخبرتكم، وسلوني عن كتاب الله فوالله ما من آيةٍ إلّا و أنا أعلم أ بِلَيْلٍ نَزَلَت أم بنهار في سهلٍ أم في جبل.

أما تدل هذه الكلمات والعبارات على اطلاع قائلها على المغيَّبات وعلمِهِ بالمستقبل وما سوف يحدث في العالم. ولقد أثبتَ ذلك فيما أخبر عن حال بعض الأشخاص، وإليك نماذج من ذلك:

١١٣٨

الإمام عليعليه‌السلام يخبر عن قاتل ولده الحسين عليه‌السلام

روى ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة روايات كثيرة تحكي عن إخبار عليّعليه‌السلام عن الأمور الغيبيّة فقال في الجزء الثاني: ٢٨٦، ط دار إحياء الكتب العربيّة: روى ابن هلال الثقفي في كتاب «الغارات» عن زكريّا بن يحيى العطّار عن فُضيل عن محمد بن عليّ قال: لمـّا قال عليٌّعليه‌السلام : سلوني قبل أنْ تفقدوني فوالله لا تسألوني عن فئةٍ تضِلّ مائة و تهدي مائة إلّا أنبأتكم بناعقها و سائقها، قامَ إليه رجل فقال: أخبرني بما في رأسي و لحيتي من طاقة شعر، فقال له عليٌّعليه‌السلام : و الله لقد حدَّثني خليلي أنّ على كل طاقة شعر من رأسك مَلَكاً يلعنك وأنّ على كلّ طاقة شعر من لحيتك شيطاناً يُغويك و إنّ في بيتك سَخْلاً يقتل ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله و كان ابنهُ - قاتلُ الحسينعليه‌السلام - يومئذ طفلاً يحبو وهو سنان بن أنس النخعيّ.

اخبارهعليه‌السلام عن عاقبة خالد بن عرفطة

ونقل ابن أبي الحديد في نفس الصفحة التي ذكرتها آنفاً قال: و روى الحسن بن محبوب عن ثابت الثمالي عن أبي إسحاق السبيعي عن سويد بن غفلة أنّ علياًعليه‌السلام خطب ذات يوم، فقام رجل من تحت منبره فقال: يا أمير المؤمنين! إنّي مررتُ بوادي القرى، فوجدتُ خالد بن عرفطة قد مات فاستغفر له. فقالعليه‌السلام : و اللّه ما مات و لا يموت حتّى يقود جيش ضلالة، صاحب لوائه حبيب بن عمار- حمار -.

فقام رجل آخر من تحت المنبر فقال: يا أمير المؤمنين أنا حبيب

١١٣٩

بن عمار - حمار -، و إنّي لك شيعة و محب. فقال : أنت حبيب بن حمار – حمار -؟ قال: نعم. قال له ثانية: و اللّه إنّك لحبيب بن حمار- عمار-؟ فقال: إي و اللّه. قال: أما و اللّه إنّك لحاملُها و لتحملنّها، و لتدخلنّ بها من هذا الباب. و أشار إلى باب الفيل بمسجد الكوفة، قال ثابت: فوالله ما مِتُّ حتّى رأيتُ ابنَ زياد، وقد بعث عمر بن سعد إلى الحسين بن عليعليه‌السلام ، وجعل خالد بن عرفطة على مقدَّمته وحبيب ابن حمار - عمار - صاحب رايته، فدخل بها من باب الفيل.

إخبارهعليه‌السلام عن حكومة معاوية وظلمه للشيعة

وأنّ من يطالع نهج البلاغة يجد فيه عبارات كثيرة في إخبار عليّعليه‌السلام على الملاحم والفتن وظهور بعض السلاطين وخروج صاحب الزنج واستيلائه على البصرة وهجوم المغول وجنكيز على بلاد الإسلام وحكومتهم بها وإخبارهعليه‌السلام عن سيرة بعض مَنْ يدَّعون الخلافة وظلمهم الفظيع وعملهم الفجيع للناس عامّة وللشيعة خاصّة، ولا سيما إذا راجعتم شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ٢ / ٢٨٦ - ٢٩٦ و ج ١٠ / ١٣ - ١٥ ط. دار إحياء الكتب العربية، وقد نقل في ج ٤ / ٥٤ من نفس الطبعة قال: من كلام لهعليه‌السلام لأصحابه: أما إنّه سيظهَرُ عليكم بعدي رجلٌ رحبُ البلعوم، مندَحِق البطن، يأكلُ ما يجد، و يطلبُ ما لا يجد، فاقتلوه و لن تقتلوه. ألا و إنّه سيأمرُكم بسبّي و البراءة منّي، فأمّا السبّ فسبّوني فإنّه لي زكاةٌ و لكم نَجاةٌ، و أمّا البراءةُ فَلَا تبرَّءوا منّي فإنّي وُلدتُ على الفِطرة و سبقتُ إلى الإيمان و الهجرة.

١١٤٠