مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مناظرات وحوار ليالي بيشاور0%

مناظرات وحوار ليالي بيشاور مؤلف:
المحقق: السيّد حسين الموسوي
الناشر: ذوي القربى
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 1199

مناظرات وحوار ليالي بيشاور

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيّد محمّد الموسوي الشيرازي
المحقق: السيّد حسين الموسوي
الناشر: ذوي القربى
تصنيف: الصفحات: 1199
المشاهدات: 215756
تحميل: 2410

توضيحات:

مناظرات وحوار ليالي بيشاور
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 1199 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 215756 / تحميل: 2410
الحجم الحجم الحجم
مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مؤلف:
الناشر: ذوي القربى
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

العباد» وأكثر علماء الحنفية انتقدوا كثيراً من الأحاديث المـُدرَجة في الصحيحين وقالوا: إنّها من الروايات الضعاف وهي غير صحيحة.

وبعض المحقّقين من علمائكم مثل كمال الدين جعفر بن ثعلب بالغ في بيان فضائح بعض الروايات من الصحيحين، وأقام الأدلّة العقلية والنقلية على خلافها.

فلسنا وحدنا المنتقدين لصحيحَيْ مسلم والبخاري والقائلين بوجود الخرافات فيهما حتّى تهرّج ضدّنا!

الحافظ: بيّنوا لنا من خرافات الصحيحين كما تزعمون حتّى نترك التحكيم في ذلك للحاضرين.

قلت: أنا لا اُحبّ أن أخوض في هذا البحث، ولكن تلبية لطلبكم، ولكي تعرفوا أنّي لا أتكلّم إلّا عن علم وإنصاف، وعن وجدان وبرهان، أذكر بعض تلك الروايات باختصار:

رؤية الله سبحانه

إذا أردتم الاطّلاع على الأخبار التي تتضمّن الكفر في الحلول والاتّحاد وتجسّم الله سبحانه ورؤيته في الدنيا أو في الآخرة على اختلاف عقائدكم، فراجعوا: صحيح البخاري ج ١، باب فضل السجود من كتاب الصلاة، وج ٤ باب الصراط من كتاب الرقاق، وصحيح مسلم ج ١، باب اثبات رؤية المؤمنين ربّهم في الآخرة، ومسند أحمد ج ٢ ص ٢٧٥، وأنقل لكم نموذجين من تلك الأخبار الكفرية:

١٤١

١- عن أبي هريرة: إنّ النار تزفر و تتقيّظ شديداً، فلا تسكن حتّى يضع الربّ قدمه فيها، فتقول: قطّ قطّ، حسبي حسبي.

وعنه: إنّ جماعة سألوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : هل نرى ربّنا يوم القيامة؟

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : نعم، هل تضارّون في رؤية الشمس بالظهيرة صحواً ليس معها سحاب الى آخرها.

بالله عليكم أنصفوا! أما تكون هذه الكلمات كفراً بالله سبحانه وتعالى.

وقد فتح مسلم باباً في صحيحه كما مرّ ونقل أخباراً عن أبي هريرة وزيد بن أسلم وسويد بن سعيد وغيرهم في رؤية الله تبارك وتعالى.

وقد ردّ هذه الأخبار كثيرٌ من كبار علمائكم وعَدوُّها من الموضوعات والأكاذيب على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، منهم الذهبي في «ميزان الاعتدال» والسيوطي في «اللآلي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة» وسبط ابن الجوزي في «الموضوعات» فهؤلاء كلّهم أثبتوا - بأدلّة ذكروها - كذب تلك الأخبار وعدم صحّتها.

وإذا لم تكن هناك أدلّة على بطلانها سوى الآيات القرآنية الصريحة في دلالتها على عدم جواز رؤية الباري عزّ وجلّ لكفى، مثل:( لاَ تُدْرِکُهُ الْأَبْصَارُ وَ هُوَ يُدْرِکُ الْأَبْصَارَ وَ هُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) (١) .

وفي قصّة موسى بن عمرانعليه‌السلام وقومه إذ طلبوا منه رؤية الله تعالى وهو يقول لهم: لا يجوز لكم هذا الطلب، ولكنّهم أصرّوا فقال:( رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْکَ قَالَ لَنْ تَرَانِي ) (٢) و( لَنْ ) تأتي في النفي الأبدي.

____________________

١) سورة الأنعام، الآية ١٠٣.

٢) سورة الأعراف، الآية ١٤٣.

١٤٢

قال السيّد عبد الحيّ - وهو إمام جماعة المسجد -: ألم ترووا عن عليّ كرّم الله وجهه أنّه قال: لم أكن أعبد ربّاً لم أره؟!

قلت: حفظتَ شيئاً وغابت عنك أشياء، إنّك ذكرت شطراً من الخبر ولكنّي أذكر لك الخبر كلّه حتّى تأخذ الجواب من نصّ الخبر:

روى ثقة الإسلام الشيخ محمد بن يعقوب الكليني قدّس سرّه(١) في كتاب الكافي كتاب التوحيد باب إبطال الرؤية وروى أيضاً الشيخ الكبير حجّة الاسلام أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق طاب ثراه(٢) في كتاب التوحيد باب ابطال عقيدة رؤية الله تعالى، رويا عن الإمام جعفر بن محمد الصادقعليه‌السلام أنّه قال: جاء حَبْرٌ إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام فقال: يا أمير المؤمنين هل رأيت ربّك حين عبدته؟

فقالعليه‌السلام : ويلك! ما كنت أعبد ربّاً لم أره.

قال: وكيف رأيته.

قالعليه‌السلام : ويلك! لا تدركه العيون بمشاهدة الأبصار، ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان.

فكلام أمير المؤمنينعليه‌السلام صريح في نفي رؤيته سبحانه بالبصر، بل يدرك بالبصيرة وبنور الإيمان.

وعندنا دلائل عقلية ونقلية أقامها علماؤنا في الموضوع، وتبعهم بعض علمائكم، مثل: القاضي البيضاوي، وجار الله الزمخشري في

____________________

١) الكافي: ١/٩٨، كتاب التوحيد، الحديث ٦.

٢) التوحيد: ١٠٩، الحديث ٦، الباب ٨.

١٤٣

تفسيريهما، أثبتا أنّ رؤية الله سبحانه لا تمكن عقلاً.

فمن يعتقد برؤية الله سواءً في الدنيا أو في الآخرة، يلزم أن يعتقد بجسميّته عزّ وجلّ، وبأنّه محاط ومظروف، ويلزم أن يكون مادّة حتّى يُرى بالعين المادّية، وهذا كفر كما صرّح العلماء الكرام من الفرقين!!

الأخبار الخرافية

ثمّ إنّي أعجب كثيراً من اعتقادكم بالصحاح الستّة، وبالأخصّ صحيحي البخاري ومسلم على أنّهما كالوحي المنزل، فلو نظرتم فيهما بعين التحقيق والنقد، لا بعين القبول والتسليم، لاعتقدتم بكلامي، ولقبلتم أنّ صحاحكم، وحتّى صحيحي مسلم والبخاري لا تخلو من الخرافات والموهومات، وإليكم بعضها:

١- أخرج البخاري في كتاب الغسل، باب من اغتسل عرياناً، وأخرج مسلم في ج ٢ باب فضائل موسى، وأخرج أحمد في مسنده ج ٢ ص ٣١٥ عن أبي هريرة قال: كانوا بنوا إسرائيل يغتسلون عراة ينظر بعضهم إلى سوأة بعض، وكان موسى يغتسل وحده، فقالوا: والله ما يمنع موسى أن يغتسل معنا إلّا أنّه آدر - أي ذو أدرة، وهي: الفتق -.

قال فذهب مرّة ليغتسل فوضع ثوبه على حجر، ففرّ الحجر، بثوبه، فجعل موسى يجري بأثره ويقول: ثوبي حجر! ثوبي حجر! حتى نظر بنو إسرائيل إلى سوأة موسى!!! فقالوا: والله ما بموسى من بأس، فقام الحجر بعد حتّى نُظر إليه، فأخذ موسى ثوبه فطفق بالحجر

١٤٤

ضرباً!! فوالله إنّ بالحجر نُدَباً ستّة أو سبعة!!

بالله عليكم أنصفوا.. هل يرضى أحدكم أن تنسب إليه هذه النسبة الموهنة الشنيعة؟! التي لو نُسبَت إلى سوقيّ عاميّ لغضب واستشاط! فكيف بنبيّ صاحب كتاب وشريعة، وصاحب حكم ونظام، يخرج في اُمّته وشعبه عرياناً وهم يمنعون النظر إلى سوأته هل العقل يقبل هذا؟!

وهل من المعقول أنّ الحجر يسرق ملابس موسى ويفرّ بها وموسى يركض خلفه، والحجر يفرّ من بين يديه وموسى ينادي الحجر، والحجر أصمّ لا يسمع ولا يبصر؟!!

وهل من المعقول أنّ موسى بن عمران يقوم بعمل جنوني فيضرب الحجر ضرباً مبرّحاً حتّى يئنّ الحجر؟!!

ليت شعري أبيده كان يضرب الحجر؟! فهو المتألّم لا الحجر!!

أم كان يضربه بالسيف، فالسيف ينبو وينكسر!

أم كان الضرب بالسوط، فالسوط يتقطّع!

فما تأثير الضرب بأيّ شكل كان، على الحجر؟!

فكلّ ما في الحديث من المحال الممتنع عقلاً، وهو من الأحاديث المضحكة التي من التزم بها فقد استهزأ بالله ورسله!!

قال السيّد عبد الحيّ: هل حركة الحجر أهمّ أم انقلاب عصا موسى إلى ثعبان وحيّة تسعى؟!! أتنكرون معاجز موسى بن عمران فقد نطق بها القرآن؟!

قلت: نحن لا ننكر معاجز موسى ومعاجز سائر الأنبياءعليه‌السلام ، بل نؤمن بصدور المعاجز من الأنبياء ولكن في محلهها، وهو مقام تحدّيهم

١٤٥

الخصوم في إحقاق الحقّ ودحض الباطل. وموضوع الحجر في غير محلّ الاعجاز، فأيّ إحقاق حقّ ودحض باطل في التشهير بكليم، وإبداء سوأته على رؤوس الأشهاد من قومه؟! بل هو تنقيص من مقامه! ولا سيّما وهم يشاهدونه يركض وراء حجر لا يسمع فيناديه: ثوبي حجر!!، أو يشتدّ ويغضب على حجر لا يشعر ولا يدرك فينهال عليه ضرباً!!

السيّد عبد الحيّ: أيّ حقّ أعلى من إبراء نبيّ الله؟! فالناس عرفوا بذلك أنْ ليس فيه فتق!

قلت: على فرض أنّ موسى كان ذا أدرة، فما تأثير هذا المرض على مقامه ونبوّته؟!

صحيح أنّ الأنبياء يجب أن يكونوا براء من النواقص مثل: العمى والصمم والحول، وأنّ النبيّ لا يولد فلجاً أو مشلولاً أو به زيادة أو نقيصة في أحد أعضائه، أمّا الأمراض العارضة على البشر فلا تعدّ نواقص، فإنّ يعقوب بكى حزناً لفراق يوسف حتّى ابيضّت عيناه، وإنّ أيّوب اُصيب بقروح في بدنه، والنبيّ الأكرم وهو سيّد الأوّلين والآخرين، كسرت ثناياه في جهاده مع الأعداء في اُحد، فهذه الأشياء لا تنقص شيئاً من شأن الأنبياء ولا تُنزل من مقامهم وقدرهم.

والفتق مرض عارض على جسم الإنسان، فما هي أهمّيّته حتّى يبرىء الله عزّ وجلّ كليمه بهذا الشكل الفظيع المهين. عن طريق خرق العادة والمعجزة، ثمّ تنتهي بهتك حرمة النبيّ وكشف سوأته أمام بني اسرائيل؟! وهل بعده يبقى شأن وقدر لموسى عند قومه؟! وهل بعد ذلك سيطيعوه ويحترموه؟!!

١٤٦

ولكي يقتنع السيّد عبد الحيّ ويقرّ بوجود أخبار خرافية في الصحيحين،أنقل رواية اُخرى عن أبي هريرة مضحكة أيضاً، ولا أظنّ أحداً من الحاضرين - بعد استماع هذه الرواية - سيدافع عن أبي هريرة، أو يعتقد بصحّة روايات البخاري ومسلم!

نقل البخاري في ج ١، باب من أحبّ الدفن في الأرض المقدّسة، وج ٢، باب وفاة موسى، ونقل مسلم في ج ٢ باب فضائل موسى عن أبي هريرة، قال: جاء ملك الموت إلى موسىعليه‌السلام ، فقال له أجب ربّك.

قال أبو هريرة: فلطم موسى عينَ ملَكِ الموت ففقأها!!

فرجع الملك إلى الله تعالى، فقال: إنّك أرسلتني إلى عبدٍ لك لا يريد الموت ففقأ عيني!

قال: فردّ الله إليه عينه وقال: ارجع إلى عبدي فقل: الحياة ترد؟! فإنْ كنت تريد الحياة فضع يدك على متن ثور فما توارت بيدك من شعرةٍ فإنّك تعيش بها سنة.

وأخرجه الإمام أحمد في مسنده ج ٢ ص ٣١٥، عن أبي هريرة، ولفظه: إنّ ملك الموت كان يأتي الناس عياناً، فأتى موسى فلطمه ففقأ عينه.

وأخرجه ابن جرير الطبري في تاريخه ج ١، في ذكر وفاة موسى ولفظه: إنّ ملك الموت كان يأتي الناس عياناً حتّى أتى موسى فلطمه ففقأ عينه - إلى أن قال: - إنّ ملك الموت إنّما جاء إلى الناس خفيّاً بعد موت موسى!

١٤٧

وقد علّقتُ فقلتُ : لأنّه يخاف من الجهّال أن يفقوا عَيَنهُ الأخرى.

فضحك جمع من الحاضرين بصوتٍ عالٍ.

ثمّ قلت : بالله عليكم أنصفوا ألم يكن هذا الخبر الذي أضحككم من الخرافات والخزعبلات؟! وإنّي لأتعجّب من رواة هذا الخبر وناقله!!

وأستغرب منكم إذ تصدّقون هذا الخبر وأشباهه، ولا تسمحون لأحد أن يناقشها وينتقدها، حتّى لعلمائكم!!

فإن في هذه الرواية ما لا يجوز على الله تعالى ولا على أنبيائه ولا على ملائكته!!

أيليق بالله العظيم أن يصطفي من عباده، جاهلاً خشناً يبطش بملك من الملائكة المقرّبين وهو مبعوث من عند الله تعالى، فيلطمه لطمة يفقأ بها عينه؟!

أليس هذا العمل عمل المتمرّدين والطاغين الّذين يذمّهم الله العزيز إذ يقول:( وَ إِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ‌ ) (١) ؟!

فكيف يجوز هذا على من اختاره الله الحكيم لرسالته، واصطفاه لوحيه، وآثره بمناجاته، وكلّمه تكليماً(٢) وجعله من اُولي العزم؟!

وكيف يكره الموت هذه الكراهة الحمقاء فيلطم ملك الموت وهو مأمور من قبل الله تعالى، تلك اللطمة النكراء فيفقأ بها عينه مع شرف مقامه ورغبته في القرب من الله تعالى والفوز بلقائه عزّ وجلّ؟!

____________________

١) سورة الشعراء، الآية ١٣٠.

٢) إشارة إلى سورة النساء، الآية ١٦٤، والآية هكذا( وَ کَلَّمَ الله مُوسَى تَکْلِيماً ) .

١٤٨

وما ذنب ملك الموت؟! هل هو إلّا رسول الله إلى موسى؟! فبِمَ استحقّ الضرب بحيث تُفْقَأ عينه؟! وهل جاء إلّا عن الله وهل قال لموسى سوى: أجب ربّك؟!

أيجوز على اُولي العزم من الرسل إيذاء الكرّوبيّين من الملائكة وضربهم حينما يبلّغونهم رسالة ربّهم وأوامره عزّ وجلّ؟!

تعالى الله، وجلّت أنبياؤه وملائكته عن كلّ ذلك وعمّا يقول المخرفون.

إنّ هكذا ظلم فاحش لا يصدر من آدميّ جاهل فكيف بكليم الله!

ثمّ إنّ الهدف والغرض من بعثة الأنبياء وإرسال الرسل: هداية البشر وإصلاحهم، ومنعهم من الفساد والتعدّي والوحشية، فلذلك فإنّ الله سبحانه وكُلَّ أنبيائه ورسله منعوا الإنسان من الظلم حتّى بالنسبة للحيوان، فكيف بالنسبة لَمَلك مقرَّبٍ؟!

فلذا نحن نعتقد ونجزم بأنّ هذا الخبر افتراء على الله وكليمه، وجاعلُ هذا الخبر كذّاب مفترٍ يريد الحطّ من شأن النبيّ موسى ويريد هتك حرمة الأنبياء وتحقيرهم عند الناس.

أنا لا أتعجّب من أبي هريرة وأمثاله، لأنّه كما كتب بعض علمائكم أنّه كان يجلس على مائدة معاوية ويتناول الأطعمة الدسمة اللذيذة، ويجعل الروايات ويضعها على ما يشاء معاوية وأشباهه.

وقد جلده عمر بن الخطّاب لكذبه على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وجعل الأحاديث عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فضربه بالسوط حتّى أدمى ظهره!!!

ولكن أستغرب وأتعجّب من الّذين له مرتبة علمية بحيث لو أمعنوا ودقّقوا النظر لَميَّزوا بين الصحيح والسقيم، ولكنّهم أغمضوا

١٤٩

أعينهم ونقلوا هذه الأخبار الخرافية في كتبهم، وأخذ الآخرون عنهم ونشروها فيكم، حتّى أنّ جناب الحافظ رشيد يعتقد كما يزعم: أنّ هذه الكتب أصحّ الكتب بعد كلام الله المجيد، وهو لم يطالعها بدقّة علمية، وإلاّ لما كان يبقى على الاعتقاد الذي ورثه من أسلافه عن تقليدٍ أعمى.

وما دامت هذه الأخبار الخرافية توجد في صحاحكم وكتبكم ، فلا يحقّ لكم أن تثيروا أيّ إشكال على كتب الشيعة لوجود الأخبار الغريبة فيها، وهي غالباً قابلة للتأويل والتوجيه!

خبر عن إمامنا الحسينعليه‌السلام (١)

كلّ عالم منصف إذا كان يسلك طريق الاصلاح، إذا وجد هكذا خبر مبهم - وما أكثرها في كتبكم وكتبنا - إنْ كان يمكنه أنْ يؤوّله بالأخبار الصريحة الاُخرى فليفعل، وإنْ لم يمكن ذلك فليطرحه ويسكت عنه، لا أنّه يتّخذه وسيلة لتكفير طائفة كبيرة من المسلمين.

والآن لمـّا لم يوجد تفسير الصافي عندنا في المجلس حتّى تراجع سند الخبر وندقّق فيه النظر، ولربّما شرحه المؤلّف بشكل مقبول.

إذ لو عرف المسلم إمام زمانه فقد توصّل عن طريقه إلى معرفة ربّه كالخبر المشهور: من عرف نفسه فقد عرف ربّه عزّ وجلّ.

أو نقول في تقريب الخبر إلى أذهان الحاضرين: إنّنا لو تصوّرنا

____________________

١) هذا العنوان انتخبه المترجم

١٥٠

اُستاذاً تخرج على يده جمع من العلماء، في مراتب مختلفة من العلم، فإذا أراد أحد أن يعرف مدى عظمة ذلك الاُستاذ، يجب عليه أن ينظر إلى أعظم تلامذته وأعلاهم مرتبة حتّى يصل من خلاله إلى حقيقة الاُستاذ وعظمته العلمية.

كذلك في ما نحن فيه: فإنّ آيات الله كثيرة، بل كلّ شيء هو آية الله تعالى، إلّا أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله هو الآية العظمى والحجّة الكبرى، ومن بعده عترته الأبرار الأئمّة الأطهارعليه‌السلام ، فإنّهم محالّ معرفة الله.

وقد ورد عنهم: بنا عُرف الله، وبنا عُبِدَ الله، أي: بسببنا وبواسطتنا عرف الله، وبعدما عرفوه عبدوه.

فهم الطريق إلى الله، والأدلاّء على الله، ومن تمسّك بغيرهم فقد ضلّ ومن يهتد، ولذا جاء في الحديث المتّفق عليه بين الفرقين، والخبر المقبول الصحيح عند الجميع، أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال:

أيّها الناس! إنّي تارك فيكم الثقلين ما إنْ تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، وهما لن يفترقا حتّى يردا عَلَيّ الحوض(١) .

____________________

(حديث الثقلين في كتب العامة)

١) أجمع المسلمون على صدور حديث الثقلين عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإليكم بعض مصادر هذا الحديث الشريف من كتب العامة:

١) مسند أحمد: ٥/١٨١ و ١٨٢، عن الركين بن الربيع بن عميلة الفزاري، وفي ٣/٢٦ عن عبد الملك بن أبي سليمان العرزمي، وج ٥/١٨٩ عن أبي أحمد الزبيري الحبّال. =

١٥١

. . . . .

____________________

= ٢) صحيح مسلم: ٢/٢٣٧ عن طريق أبي خيثمة النسائي وص ٢٣٨ عن طريق سعيد ابن مسروق الثوري.

٣) صحيح الترمذي ٢/٢٢٠، عن سليمان الأعمش.

٤) المنمّق: ٩، عن محمد بن حبيب البغدادي.

٥) الطبقات الكبرى: ١/١٩٤، عن محمد بن سعد الزهري.

٦) المطالب العالية: حديث رقم ١٨٧٣ عن اسحاق بن مخلّد.

٧) إحياء الميت بفضائل أهل البيت: ١١ و ١٢، الحديث السادس، عن زيد بن أرقم، والحديث السابع عن زيد بن ثابت، والحديث الثامن عن أبي سعيد الخدري، وفي ص ١٩ الحديث الثاني والعشرون عن أبي هريرة، والحديث الثالث والعشرون عن عليعليه‌السلام ، وفي ص ٢٦ الحديث الأربعون عن جابر، وفي ص ٢٧ عن عبدالله بن حنطب وهو الحديث الثالث والأربعون، وفي ص ٣٠ الحديث الخامس والخمسون عن البارودي عن أبي سعيد، والحديث السادس والخمسون عن زيد بن ثابت.

٨) كتاب الإنافة في رتبة الخلافة: ١٠ عبد الله بن حنطب.

٩) البدور السافرة عن اُمور الآخرة: ١٦ عن زيد بن ثابت.

١٠) تفسير الدرّ المنثور: ٢/٦٠ عند تفسير: واعتصموا بحبل الله جميعاً وفي ج ٦/٧ عند تفسير: قل لا أسألكم عليه أجراً إلّا المودّة في القربى.

١١) الخصائص الكبرى: ٢/٢٦٦ عن زيد بن أرقم.

١٢) الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير - بشرح المنّاوي -: ٢/١٧٤ عن زيد بن ثابت.

١٣) النثير في مختصر نهاية ابن الأثير في مادّة: ثقل.

١٤) نوادر الاُصول: ٦٨، عن طريق نصر بن علي الجهضمي، وص ٦٩ عن جابر ابن عبدالله وعن حذيفة بن اُسيد الغفاري.

١٥) المعجم الصغير: ١/١٣١ عن طريق عبّاد بن يعقوب الروجني الأسدي ، وص ١٣٥ عن أبي سعيد الخدري بطرق عديدة. =

١٥٢

. . . . .

____________________

= ١٦) المعجم الكبير ٥/١٧٠ و ١٧١ عن زيد بن ثابت بطرق عديدة، وج ٥/١٨٥ و ١٨٦ و١٨٧ و١٩٠ و١٩٢ عن زيد بن أرقم بطرق عديدة.

١٧) سنن الدرامي ٢/٤٣١ بسنده عن زيد بن أرقم.

١٨) تذكرة خواصّ الاُمّة: ٣٢٢ عن طريق أبي داود.

١٩) صحيح الترمذي: ٢/٢١٩ بسنده عن جابر بن عبدالله، وعن أبي ذرّ الغفاري، عن أبي سعيد الخدري، وعن زيد بن أرقم، وعن حذيفة ين اُسيد.

٢٠) المسترك على الصحيحين: ٣/١٠٩ عن طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل، وص ١١٠ عن طريق أبي بكر بن اسحاق ودعلج بن أحمد السجزي.

٢١) الخصائص - للنسائي -: ٩٣ بسنده عن زيد بن أرقم.

٢٢) مسند ابن الجعد: ٢/٩٧٢ عن أبي سعيد الخدري.

٢٣) كنز العمال: ١٥/٩١ عن زيد بن أرقم، وعن أبي سعيد.

٢٤) فرائد السمطين: ٢/٢٦٨ عن زيد بن أرقم، وص ٢٧٢ عن أبي سعيد، وص ٢٧٤ عن حذيفة بن اُسيد الغفاري.

٢٥) لسان العرب: ٤/٥٣٨ مادّة (عترة)، وج ١١ / ٨٨ مادّة (ثقل)، وج ٤/١٣٧ مادّة (حبل).

٢٦) تاج العروس من جواهر القاموس: ٧/٣٤٥ مادّة (ثقل).

٢٧) مجمع البحار - لمحمد طاهر الفتني - مادّة (ثقل).

٢٨) منتهى الأرب: ج ١ / ١٤٣ مادّة (ثقل).

٢٩) المؤتلف والمختلف: ٢/١٠٤٥ عن أبي ذرّ الغفاري، وفي ج/٤ ٢٠٦٠ عن أبي سعيد الخدري.

٣٠) أخرجه أبو اسحاق الثعلبي في تفسيره عند:( وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ الله جَمِيعاً ) سورة آل عمران، الآية ١٠٣.

٣١) حلية الأولياء لأبي نعيم: ١/٣٥٥، وأخرجه أيضاً في كتابه «منقبة المطهّرين» بطرق عديدة وأسانيد سديدة، عن أبي سعيد الخدري وزيد بن أرقم =

١٥٣

. . . . .

____________________

= وأنس بن مالك والبراء بن عازب وجبير بن مطعم.

٣٢) المناقب - للخوارزمي - : ٩٣، عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم.

٣٣) مصابيح السُنّة بشرح القاري: ٥/٥٩٣، عن زيد بن أرقم، وفي ج ٥/٦٠٠ عن جابر.

٣٤) الشفا بتعريف حقوق المصطفى - بشرح القاري -: ٤٨٥.

٣٥) تاريخ ابن عساكر، ج ٢، من ترجمة عليّعليه‌السلام .

٣٦) تاريخ ابن كثير: ٥/٢٠٨.

٣٧) تفسير ابن كثير: ٥/٤٥٧ عند تفسير آية التطهير، وفي ج ٦/١٩٩ و٢٠٠ عند تفسير آية المودّة.

٣٨) لباب التأويل: ١/٣٢٨ عند تفسير( وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ الله جَمِيعاً ) .

٣٩) معالم التنزيل: ٦/١٠١ عند تفسير آية المودّة وفي ج ٧ عند تفسير آية( سَنَفْرُغُ لَکُمْ أَيُّهَا الثَّقَلاَنِ ) الآية ٣١ من سورة الرحمن.

٤٠) الفخر الرازي في تفسير عند آية( وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ الله ) .

٤١) غرائب القرآن:١/٣٤٩ عند تفسير( وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ الله ) .

٤٢) جامع الأصول لابن الاثير: ١/١٧٨ عن جابر الأنصاري.

٤٣) النهاية - لابن الأثير - في مادّة (ثقل) رواه عن زيد بن أرقم.

٤٤) أسد الغابة: ٣/١٤٧ بترجمة عبدالله بن حنطب. وفي ج ٢/١٢ بترجمة سيّدنا الإمام المجتبىعليه‌السلام عن زيد بن أرقم.

٤٥) مشارق الأنوار - بشرح ابن الملك -: ٣/١٥٧.

٤٦) مطالب السؤول: ٨.

٤٧) كفاية الطالب - للعلامة الكنجي الشافعي - في الباب الأول.

٤٨) تهذيب الأسماء واللغات: ١/٣٤٧.

٤٩) ذخائر العقبي في مناقب ذوي القربى: ١٦.

٥٠) مشكاة المصابيح: ٣/٢٥٥ و ٢٥٨ عن زيد بن أرقم. =

١٥٤

الحافظ: لا ينحصر الدليل على كفركم وشكركم في هذه الرواية حتّى تؤوّلها وتخلص منها، بل في كلّ الأدعية الواردة في كتبكم نجد أثر الكفر والشرك، من قبيل: طلب حاجاتكم من أئمّتكم من غير أن تتوجّهوا إلى الله ربّ العالمين، وهذا أكبر دليل على الكفر والشرك!!

قلت: ما كنت أظنّك أن تتبّع أسلافك إلى هذا الحدّ، فتغمض

____________________

= ٥١) نظم درر السمطين: ٢٣١ عن زيد بن أرقم.

٥٢) المنتقى في سيرة المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بطرق عديدة وشرح وافٍ.

٥٣) فيض القدير في شرح الجامع الصغير: ٣/١٥.

٥٤) مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: ٩/١٦٣.

٥٥) الفصول المهمّة في معرفة الائمة - لابن الصباغ المالكي - : ٢٣.

٥٦) الرسالة العلية في الأحاديث النبوية: ٢٩ و٣٠.

٥٧) المواهب اللدُنّيّة بشرح الزرقاني: ٧/٤ - ٨.

٥٨) الصواعق الحرقة ٢٥ و ٨٦ و ٨٧ و ٨٩ و ٩٠ و ١٣٦، أخرجه بطرق عديدة وألفاظ كثيرة، وقال: رواه عشرون صحابياً.

٥٩) إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون: ٣/٣٣٦.

٦٠) نزل الأبرار بما صح من مناقب أهل البيت الأطهار: ١٢.

٦١) إزالة الخفا عن سيرة المصفى: ٢/٥٤.

٦٢) إسعاف الراغبين: ١١٠.

٦٣) ينابيع المودّة، ج ١ عقد فصلاً خاصّاً بحديث الغدير والثقلين.

٦٤) تتمّة الروض النضير: ٥/٣٤٤.

٦٥) مشكل الآثار: ٢/٣٠٧.

٦٦) الذرّيّة الطاهرة ١٦٨.

هذا قليل من كثير، وكلّه من كتب العامة ليكون أوفع في نفوسهم، وترى فيه الكفاية لمن أراد الهداية. «المترجم»

١٥٥

عينيك، وتتكلّم من غير تحقيق بكلّ ما تكلّموا، فإنّ هذا الكلام في غاية السخافة، وبعيد عن الإنصاف والحقيقة، فاما انك لا تدري ما تقول أو انك لا تعرف معنى الكفر والشرك!!

الحافظ: إنّ كلامي في غاية الوضوح، ولا أظنّه يحتاج إلى توضيح،فإنّه من البديهة أنّ من أقرّ بوجود الله عزّ وجلّ واعتقد أنّه هو الخالق والرازق، وأن لا مؤثّر في الوجود إلّا هو، لا يتوجّه إلى غيره في طلب حاجة، وإذا توجّه فقد أشرك بالله العظيم.

والشيعة كما نشاهدهم ونقرأ كتبهم لا يتوجّهون إلى الله أبداً، بل دائماً يطلبون حوائجهم من أئمّتهم بغير أن يذكروا الله، حتّى نشاهد فقرائهم والسائلين الناس في الأسواق ذِكرهم: يا علي ويا حسين، ولم أسمع من أحدهم حتّى مرّة يقول: يا الله!!وهكذا كلّه دليل على أنّ الشيعة مشركون، فإنّهم لا يذكرون الله تعالى عند حوائجهم ولايطلبون منه قضاءها وإنّما يذكرون غير الله ويطلبون حوائجهم من غيره سبحانه!!

قلت: لا أدري.. هل أنت جاهل بالحقيقة ولا تعرف مذهب الشيعة؟!

أم إنّك تعرف وتحرف، وتسلك طريق اللجاج والعناد؟!

لكن أرجو أن لا تكون كذلك، فإنّ من شرائط العالم العامل:الإنصاف.

وفي الحديث الشريف: إنّ العالم بلا عمل كشجرة بلا ثمر.

ولمـّا نسبت إلينا الشرك في حديثك كراراً والعياذ بالله! وأردت بهذه الدلائل العامّية التافهة أن تثبت كلامك السخيف الواهي، وتكفّر

١٥٦

الشيعة الموحّدين المخلصين في توحيد الله عزّ وجلّ غاية الخلوص، والمؤمنين بما جاء به خاتم الأنبياءصلى‌الله‌عليه‌وآله فإذا كان هذا التكرار والإصرار في تكفيرنا بحضورنا فكيف هو في غيابنا؟!

واعلم أنّ أعداء الإسلام الّذين يريدون تضعيف المسلمين وتفريقهم حتّى يستولوا على ثرواتهم الطبيعية ويغصبوا أراضيهم، فهم فرحون بكلامهم هذا،ويتخذوه وسيلة لضرب المسلمين بعضهم ببعض، كما أنّني أجد الآن في هذا المجلس بعضالعوام الحاضرين من أتباعكم قد تأثّروا بكلامكم، فبدؤا ينظرون إلينا نظراً شزراً، حاقدين علينا باعتقادهم أنّنا كفّار فيجب قتلنا ونهب أموالنا!!!

وفي الجانب الآخر، أنظر إلى الشيعة الجالسين، وقد ظهرت على وجوههم علائم الغضب، وهم غير راضين من كلامك هذا، ونسبة الشرك والكفر إليهم، فيعتقدون أنّك مفترٍ كذّاب، وأنّك رجل مُغْرِضِ، وعن الحقّ مُعرِض، لأنّهم متيقّنون ببراءة أنفسهم ممّا قلت فيهم ونسبت إليهم.

والآن لكي تتنوّر أفكار الحاضرين بنور الحقيقة واليقين، ولكي تتبدَّد عن أذهانهم ظلمات الجهل وشبهات المغرضين، أتكلّم للحاضرين باختصار، موجزاً عن الشرك ومعناه، واُقدّم لكم حصيلة تحقيق علمائنا الأعلام، أمثال: العلّامة الحلّي،والمحقّق الطوسي، والعلّامة المجلسي (رضوان الله عليهم)، وهم استخرجوها واستنبطوها من الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث المرويّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وعترته الهادية (سلام الله عليهم).

نوّاب: إنّ انعقاد هذا المجلس كان لتفهيم العوام وإثبات الحقّ

١٥٧

أمامهم، كما قلت سالفاً، فأرجوكم إن تراعوا جانبهم في حديثكم، وأن تتكلّموا بشكل نفهمه نحن العوام.

قلت: حضرة النوّاب! إنّني دائماً اُراعي هذا الموضوع، لا في هذا المجلس فحسب، بل في جميع مجالسي و محاضراتي و محاوراتي العلمية و الكلامية، فإنّي دائماً أتحدّث بشكل يفهمه الخاصّ والعامّ، لأنّ الغرض من إقامة هذه المجالس وانعقادها -كما قلتم - هو تعليم الجهلاء وتفهيم الغافلين، وهذا لا يتحقّق إلّا بالبيان الواضحوالحديث السهل البسيط الذي يفهمه عامّة الناس، والأنبياء كلّهم كانوا كذلك.

فقد رُوي عن خاتم الأنبياء وسيّدهمصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: إنّا معاشر الأنبياء اُمرنا أن نكلّم الناس على قدر عقولهم(١) .

أقسام الشرك

إنّ الحاصل من الآيات القرآنية، والأحاديث المرويّة، والتحقيقات العلمية، أنّ الشرك على قسمين، وغيرهما فروع لهذين، وهما:

الشرك الجلي، أي: الظاهر، والآخر الشرك الخفي، أي المستتر.

«الشرك الجليّ»

أمّا الشرك الظاهري، فهو عبارة عن: اتّخاذ الإنسان شريكاً لله عزّوجلّ، في الذات أو الصفات أو الأفعال أو العبادات.

أ - الشرك في الذات، وهو أن يشرك مع الله سبحانه وتعالى في ذاته أو توحيده،كالثنويّة وهم المجوس، اعتقدوا بمبدأين: النور والظلمة.

وكذلك النصارى فقد اعتقدوا بالأقانيم الثلاثة: الأب

____________________

١) البحار: ٧٧/١٤٠، الحديث ١٩، الباب ٧.

١٥٨

والابن وروح القدس، وقالوا: لكلّ واحد منهم قدرة وتأثيراً مستقلاً عن القسمين الآخرين، ومع هذا فهم جميعاً يشكّلون المبدأ الأوّل والوجود الواجب، أي: الله، فتعالى الله عمّا يقولون علوّاً كبيراً.

والله عزّ وجلّ ردّ هذه العقيدة الباطلة في سوره المائدة، الآية ٧٢، بقوله:( لَقَدْ کَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ الله ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَ مَا مِنْ إِلٰهٍ إلّا إِلٰهٌ وَاحِدٌ ) وبعبارة اُخرى : فالنصارى يعتقدون: أنّ الألوهية مشتركة بين الأقانيم الثلاثة، وهي: جمع اقنيم - بالسريانية - ومعناها بالعربية: الوجود وقد أثبت فلاسفة الاسلام بطلان هذه النظريةعقلاً، وأنّ الاتّحاد لا يمكن سواءً في ذات الله تبارك وتعالى أو في غير ذاته عزّ وجلّ.

ب - الشرك في الصفات وهو: أن يعتقد بأنّ صفات الباري عزّ وجلّ، كعلمه وحكمته وقدرته وحياته هي أشياء زائدة على ذاته سبحانه، وهي أيضاً قديمةكذاته جلّ وعلا، فحينئذٍ يلزم تعدد القديم وهو شرك، والقائلون بهذا هم الأشاعرة أصحاب أبي الحسن علي بن اسماعيل الأشعري البصري، وكثير من علمائكم التزموا بل اعتقدوا به وكتبوه في كتبهم، مثل: ابن حزم وابن رشد وغيرهما، وهذا هو شرك الصفات لأنهم جعلوا لذات الباري جلّ وعلا قرناء في القدم والأزلية وجعلوا الذات مركّباً.والحال أنّ ذات الباري سبحانه بسيط لا ذات أجزاء، وصفاتُه عينُ ذاته.

ومثاله تقريباً للأذهان - ولا مناقشة في الأمثال -:

هل حلاوة السكّر شيء غير السكّر؟

وهل دهنية السمن شيء غير السمن؟

فالسكّر ذاته حلو، أي: كلّه.

١٥٩

والسمن ذاته دهن، أي: كلّه.

وحيث لا يمكن التفريق بين السكّر وحلاوته، وبين السمن ودهنه،كذلك صفات الله سبحانه، فإنّها عين ذاته، بحيث لا يمكن التفريق بينها وبين ذاته عزّوجلّ، فكلمة: «الله» التي تطلق على ذات الربوبية مستجمعة لجميع صفاته، فالله يعني: عالم، حيٌّ، قادر، حكيم إلى آخر صفاته الجلالية والجماليّة والكماليّة.

ج - الشرك في الأفعال وهو الاعتقاد بأنّ لبعض الأشخاص أثراً استقلالياً في الأفعال الربوبية والتدابير الإلهية كالخلق والرّزق أو يعتقدون أن لبعض الأشياء أثراً استقلالياً في الكون، كالنجوم، أو يعتقدون بأن الله عزّ وجلّ بعدما خلقالخلائق بقدرته، وفوّض تدبير الاُمور وإدارة الكون إلى بعض الأشخاص، كاعتقادالمفوّضة، وقد مرّت روايات أئمّة الشيعة في لعنهم وتكفيرهم، وكاليهود الّذين قال الله تعالى في ذمّهم:( وَ قَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ الله مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَ لُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ کَيْفَ يَشَاءُ ) (١) .

د - الشرك في العبادات وهو أنّ الإنسان أثناء عبوديته يتوجّه إلى غير الله سبحانه، أو لم تكن نيّته خالصة لله تعالى، كأن يرائي أو يريد جلبانتباه الآخرين إلى نفسه أو ينذر لغير الله عزّ وجلّ..!!

فكلّ عمل تلزم فيه نيّة القربة إلى الله سبحانه، ولكنّ العامل حين العمل إذا نواه لغير الله أو أشرك فيه مع الله غيره، فهو شرك والله عزّ وجلّ يمنع من ذلك في القرآن الكريم إذ يقول:( فَمَنْ کَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَ لاَ يُشْرِکْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ) (٢) .

____________________

١) سور المائدة، الآية ٦٤.

٢) سورة الكهف، الآية ١١٠.

١٦٠