مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مناظرات وحوار ليالي بيشاور0%

مناظرات وحوار ليالي بيشاور مؤلف:
المحقق: السيّد حسين الموسوي
الناشر: ذوي القربى
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 1199

مناظرات وحوار ليالي بيشاور

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيّد محمّد الموسوي الشيرازي
المحقق: السيّد حسين الموسوي
الناشر: ذوي القربى
تصنيف: الصفحات: 1199
المشاهدات: 215759
تحميل: 2410

توضيحات:

مناظرات وحوار ليالي بيشاور
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 1199 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 215759 / تحميل: 2410
الحجم الحجم الحجم
مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مؤلف:
الناشر: ذوي القربى
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

. . . . .

____________________

= ١٠ - أساس الاقتباس / في الكلمة الرابعة.

١١ - الخصائص الكبرى: ٢/ ٢٦٦.

١٢ - تاريخ الخلفاء: ٢٦ و٥٧٣.

١٣ - كنز العمّال: ١٣ / ٨ و٨٥.

١٤ - المرقاة في شرح المشكاة: ٥/ ٦١٠.

١٥ - اللمعات في شرح المشكاة: ٢/٧٠٠.

١٦ - المشرع الروي: ١٢.

١٧ - جمع الفوائد: ٢/ ٢٣٦.

١٨ - وسيلة المتعبّدين في متابعة سيّد المرسلين:٢/٢٣٤.

١٩ - غرائب القرآن - لنظام الدين النيسابوري - ٢٥/٢٨ عند آية المودّة.

٢٠ - معجم الزوائد ومنبع الفوائد: ٩/ ١٦٨.

٢١ - نزهة المجالس ومنتخب النفائس: ٢/ ٢٢٢.

٢٢ - الرسالة العليّة في الأحاديث النبوية ٣٣/ ٣٧١.

٢٣ - الجامع الصغير، شرح المنّاوي: ٢/ ٥١٩ و ٥/ ٥١٧.

٢٤ - إحياء الميّت بفضل أهل البيت، النسخة الصغرى، حديث: ٢٠ و٢١ و٢٢.

٢٥ - كنوز الحقائق هامش الجامع الصغير:٢ ص ٨٩.

٢٦ - السراج المنير في شرح الجامع الصغير:٢ ص ١٨ و٣ ص ٢٩٩.

٢٧ - الصراط السوي في مناقب آل النبي / باب أهل البيت أمان للاُمّة وأنّهم سفينة نوح.

٢٨ - نزل الأبرار بما صحّ في مناقب أهل البيت الأطهار:٦.

٢٩ - قرّة العينين - لولي الله الدهلوي -: ١٢٠.

٣٠ - حاشية الجامع الصغير، لمحمد بن سالم الحنفي: ٢/١٩.

٣١ - إسعاف الراغبين - المطبوع بهامش نور الأبصار -: ١٢٣.

٣٢ - وسيلة النجاة في مناقب السادات / في بابه.

٣٣ - الحقّ المبين في فضائل أهل بيت سيّد المرسلين / في بابه.

٣٤ - مشارق الأنوار في فوز أهل الإعتبار: ٨٦. =

١٨١

وذكر غير هؤلاء من أعاظم علمائكم بأسانيدهم وطرقهم أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلّف عنها هلك، أو: غرق، أو: هوى، والعبارات شتّى، ولعلّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قاله كراراً وبعبارات شتّى.

وقد أشار الإمام محمد بن إدريس الشافعي إلى صحّة هذا الحديث الشريف في أبيات له نقلها العلّامة العجيلي في «ذخيرة المآل»:

ولمـّا رأيت الناس قد ذهبت بهم

مذاهبُهم في أبحر الغيّ والجهْلِ

____________________

= ٣٥ - الفتح المبين / في فصل ذكر فضائل أهل البيت.

٣٦ - الفتح الكبير في ضمّ الزيادة إلى الجامع الصغير: ١/ ٤١٤.

٣٧ - السيف اليماني المسلول في عنق من يطعن في أصحاب الرسول: ٩.

٣٨ - المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: ٤/ ٧٥.

٣٩ - شفاء الغليل: ٢٢٠ و٢٥٣.

٤٠ - أرجح المطالب: ٣٢٩.

٤١ - روح المعاني - للآلوسي - ٢٥/ ٣٠.

٤٢ - راموز الاحاديث: ٣٩١.

٤٣ - رشفة الصادي: ٧٩.

٤٤ - مجمع بحار الأنوار في غرائب التنزيل ولطائف الاخبار / مادّة (زخ).

٤٥ - تاج العروس في اللغة / مادّة (زخ).

٤٦ - لسان العرب / مادّة (زخ).

ذَكَرَ هؤلاء الثلاثة - من أصحاب كتب اللغة العربية - عبارة ابن الأثير الجزري في كتابه «النهاية في غريب الحديث» قال في مادّة (زخ) وفيه: مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح، من تخلّف عنها زُخّ به في النار. أي دُفع ورُمي.

وفي ما ذكرناه من المصادر كفاية لمن أراد الحقّ والهداية. «المترجم»

١٨٢

ركبتُ على اسم الله في سفن النجا

وهم أهل بيت المصطفى خاتم الرسلِ

وأمسكتُ حبل الله وهو ولاؤهم

كما قد اُمرنا بالتمسّك بالحبلِ

إذا افترقت في الدين سبعون فرقة

ونيّفاً على ما جاء في واضح النقلِ

ولم يك ناجٍ منهم غير فرقة

فقل لي بها يا ذا الرجاحة والعقلِ

أفي الفرقة الهلاك آل محمّد

أم الفرقة اللاتي نجت منهم قل لي

فإنْ قلتَ في الناجين فالقول واحد

وإنْ قلتَ في الهلاك حفت عن العدلِ

إذا كان مولى القوم منهم فإنّني

رضيت بهم لا زال في ظلّهم ظلّي

رضيت عليّاً لي إماماً ونسله

وأنتَ من الباقين في أوسع الحلِّ

فلا يخفى على من أمعن ونظر في هذه الأبيات لعرف تصريح الشافعي وهو إمام أهل السُنّة والجماعة، بأنّ آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ومن تمسّك بهم هم الفرقة الناجية وغيرهم هالكون، وفي وادي الضلالة تائهون!!

فحسب أمر النبيّ الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو كما قال الله الحكيم:( وَ مَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إلّا وَحْيٌ يُوحَى ) (١) .

____________________

١) سورة النجم، الآية ٣ و٤

١٨٣

الشيعة يتمسّكون بآل محمّد الأطهار وعترته الأبرار، ويتوسّلون بهم إلى الله سبحانه، هذا من جانب.

ومن جانب آخر فقد خطر الآن ببالي، بأنّ الناس إذا كانوا لا يحتاجون إلى وسيلة للتقرّب إلى ربّهم عزّ وجلّ والاستعانة به، وإنه مَنْ توسّل بأحدٍ إلى الله تعالى فقد أشرك.

فلماذا كان عمر بن الخطّاب - وهو الفاروق عندكم - يتوسّل ببعض الناس إلى الله سبحانه في حالات الشدّة والاضطرار؟!

الحافظ: حاشا الفاروق عمر رضي الله عنه من هذا العمل، إنّه غير ممكن!! وإنّي لأوّل مرّة أسمع هذه الفرية على الخليفة! فلا بُدّ أن تبيّنوا لنا مصدر هذا القول حتّى نعرف صحّته وسقمه.

قلت: كما ورد في كتبكم المعتبرة: أنّ الفاروق كان في الشدائد يتوسّل إلى الله سبحانه بأهل بيت النبيّ وعترته الطاهرة، وقد تكرّر منه هذا العمل في أيّام خلافته عدّة مرّات، ولكنّي اُشير إلى اثنين منها حسب اقتضاء المجلس:

١- نقل ابن حجر في كتابه الصواعق بعد الآية: ١٤، في المقصد الخامس، أواسط الصفحة: ١٠٦، قال:

وأخرج البخاري أنّ عمر بن الخطّاب كان إذا قحطوا استسقى بالعبّاس وقال: اللهمّ إنّا كنّا نتوسّل إليك بنبيّنا محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا قحطنا فتسقينا، وإنّا نتوسّل إليك بعمّ نبيّنا فاسقنا، فَيُسْقَوْن.

قال ابن حجر: وفي تاريخ دمشق: إنّ الناس كرّروا الاستسقاء عام الرمادة سنة سبع عشرة من الهجرة فلم يسقوا. فقال عمر: لأسْتَسقينَّ غداً بمن يسقيني الله به، فلمّا أصبح غَدَا للعبّاس فدقّ عليه

١٨٤

الباب، فقال: من؟ قال: عمر قال: ما حاجتك؟ قال: اُخرج حتّى نستسقي الله بك. قال: اجلس.

فأرسل إلى بني هاشم أن تطهّروا وألبسوا من صالح ثيابكم، فأتوه، فأخرج طيباً فطيّبهم، ثمّ خرج وعليٌّعليه‌السلام أمامه بين يديه والحسن عن يمينه والحسين عن يساره وبنو هاشم خلف ظهره.

فقال: يا عمر! لا تخلط بنا غيرنا. ثمّ أتى المصلّى فوقف، فحمد الله وأثنى عليه. وقال: اللهمّ إنّك خلقتنا ولم تؤامرنا، وعملت ما نحن عاملون قبل أن تخلقنا، فلم يمنعك علمك فينا عن رزقنا، اللهمّ فكما تفضّلت في أوّله، تفضّل علينا في آخره.

قال جابر: فما برحنا حتّى سحّت السماء علينا سحّاً، فما وصلنا إلى منازلنا إلّا خوضاً.

فقال العبّاس: أنا المسقى ابن المسقى ابن المسقى ابن المسقى ابن المسقى ابن المسقى. خمس مرّات، أشار إلى أنّ أباه عبد المطّلب استسقى خمس مرّات فسُقي(١) .

____________________

١- أرى من المناسب أن أنقل للقارئ الكريم بقيّة ما نقله السيد المؤلّف (رحمه الله) من كتاب الصواعق المحرقة، ص ١٠٦، لأنّي وجدت في عباراته ما يخصّ البحث في توضيح الموضوع فلا يبقى ريب وشكّ فيه، فقد جاءت فيها كلمات: الوسيلة، التقرّب، الشفاعة، التوجّه.. وإليك نصّه:

وأخرج الحاكم: أنّ عمر لمـّا استسقى بالعبّاس خطب فقال: يا أيّها الناس! إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يرى للعبّاس ما يرى الولد لوالده، يعظّمه ويفخّمه ويبرّ قسمه، فاقتدوا أيّها الناس برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عمّه العبّاس فاتّخذوه وسيلة إلى الله عزّ وجلّ فيما نزل بكم.

وأخرج بن عبد البرّ من وجوهٍ، عن عمر، أنّه استسقى به. قال: اللهمّ إنّا نتقرّب =

١٨٥

٢- في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد(١) قال:

وروى عبد الله بن مسعود: إنّ عمر بن الخطّاب خرج يستسقي بالعبّاس، فقال: اللهمّ إنّا نتقرّب إليك بعمّ نبيّك وقفيَّةِ آبائه وكبر رجاله، فإنّك قلت وقولك الحقّ:( وَ أَمَّا الْجِدَارُ فَکَانَ لِغُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ ) (٢) فحفظتهما لصلاح أبيهما، فاحفظ اللهمّ نبيّكَ في عمّه، فقد دنونا به إليك مستشفعين ومستغفرين.

ثمّ أقبَلَ على الناس فقال:( اسْتَغْفِرُوا رَبَّکُمْ إِنَّهُ کَانَ غَفَّاراً ) (٣) إلى آخره.

انتهى نقل ابن أبي الحديد.

فهذا عمل الخليفة، يتوسّل ويتقرّب بعمّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الله

____________________

= إليك بعمّ نبيّك ونستشفع به، فاحفظ فيه نبيّك كما حفظت الغلامين بصلاح أبيهما، وأتيناك مستغفرين ومستشفعين ...الخبر.

وفي رواية لابن قتيبة: اللهمّ إنّا نتقرّب إليك بعمّ نبيّك وبقيّة آبائه وكبرة رجاله، فإنّك تقول وقولك الحقّ:( وَ أَمَّا الْجِدَارُ فَکَانَ لِغُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَ کَانَ تَحْتَهُ کَنْزٌ لَهُمَا وَ کَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً ) فحفظتهما لصلاح أبيهما، فاحفظ اللهمّ نبيّك في عمّه، فقد دنونا به إليك مستشفعين.

وأخرج ابن سعد: إنّ كعباً قال لعمر: إنّ بني إسرائيل كانوا إذا أصابتهم سنة استسقوا بعصبة نبيّهم، فقال عمر: هذا العبّاس انطلقوا بنا إليه، فأتاه، فقال: يا أبا فضل! ما ترى للناس فيه؟ وأخذ بيده وأجلسه معه على المنبر وقال: اللهمّ إنّا قد توجّهنا إليك بعمّ نبيّك، ثمّ دعا العبّاس. «المترجم».

١) شرح نهج البلاغة: ٧/ ٢٧٤ ط. دار إحياء التراث العربي - بيروت.

٢) سورة الكهف، الآية ٨٢.

٣) سورة نوح، الآية ١٠.

١٨٦

سبحانه، وما اعترض عليه أحد من الصحابة، ولا يعترض اليوم أحد منكم على عمله، بل تحسبون أعماله حجّة فتقتدون به، ولكنّكم تعارضون الشيعة لتوسّلهم بآل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله وعترته، وتنسبون عملهم إلى الكفر والشرك والعياذ بالله!!

فإذا كان التوسّل بآل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله والاستشفاع بعترته الهادية عند الله عزّ وجلّ شركٌ، فحسب رواياتكم فإنّ الخليفة الفاروق يكون مشركاً كافراً، وإذا تدفعون عنه الشرك والكفر، ولا تقبلون نسبته إليه، بل تصحّحون عمله وتدعون المسلمين إلى الاقتداء به، فعمل الشيعة وتوسّلهم بآل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله أيضاً ليس بشرك، بل حسن صحيح.

وعلى هذا يجب أن تستغفروا ربّكم من هذه الافتراءات والاتّهامات التي تنسبونها لشيعة آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله وتكفّرونهم وتقولون إنّهم مشركون.

ويجب عليكم أن تنبّهوا جميع أتباعكم وعوامكم الجاهلين على أنّكم مخطئين في اعتقادكم بالنسبة للشيعة، فهم ليسوا بمشركين، بل هم مؤمنون وموحّدون حقّاً.

أيّها الحاضرون الكرام والعلماء الأعلام! إذا كان عمر الفاروق مع شأنه ومقامه الذي تعتقدون به له عند الله سبحانه، وأهل المدينة، مع وجود الصحابة الكرام فيهم، دعاؤهم لا يستجاب إلّا أن يتوسّلوا بآل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ويجعلوهم الواسطة والوسيلة بينهم وبين الله عزّ وجلّ حتّى يجيب دعوتهم ويسقيهم من رحمته، فكيف بنا؟! وهل يجيب الله سبحانه دعوتنا من غير واسطة وبلا وسيلة؟!

١٨٧

فآل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعترته في كلّ زمان هم وسائل التقرّب إلى الله تعالى، وبهم - أي : بسببهم وبشفاعتهم ودعائهم - يرحم الله عباده.

فهم ليسوا مستقلّين في قضاء الحوائج وكفاية المهامّ، وإنّما الله سبحانه هو القاضي للحاجات والكافي للمهمّات، وآل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله عباد صالحون وأئمّة مقرّبون، لهم جاه عظيم عند ربّهم، وهم شفعاء وجهاء عند الله عزّ وجلّ، منحهم مقام الشفاعة بفضله وكرمه، فقد قال سبحانه:( مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إلّا بِإِذْنِهِ ) (١) .

هذا هو اعتقادنا في النبيّ وعترته الهادية وآله المنتجبين الطيّبين الطاهرين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، ولن تجدوا في كتبنا الاعتقادية والكتب الجامعة للزيارات والأدعية المأثورة عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام أكثر ممّا ذكرت لكم.

الحافظ: إنّ ما بيّنتموه عن اعتقادكم بأهل البيت، رضي الله عنهم، مخالف لِما سمعناه من الآخرين وقرأناه بخصوصكم في كتب علمائنا المحقّقين.

قلت: دَعُوا و اتركوا ما سمعتموه أو قرأتموه عنّا، واعتمدوا على ما تشاهدوه منّا وتقرأوه في كتبنا. فهل طالعتم وتدبّرتم في كتب علمائنا الأعلام الجامعة للزيارات والأدعية المرويّة عن أئمّتنا، أئمّة أهل البيت والعترة الهاديةعليهم‌السلام ؟!

الحافظ: ما وصلت يدي حتّى الآن إلى كتبكم.

قلت: إنّ العقل يقضي أن تقرأ كتبنا أوّلاً، فإذا وجدت فيها

____________________

١) سورة البقرة، الآية ٢٥٥.

١٨٨

إشكالاً ممّا كنت تسمعه عنّا، فحينئذٍ أشكِل علينا، وأنا الآن معي كتابين، أحدهما: كتاب « زاد المعاد » تأليف العلّامة المجلسي (قدّس سرّه)، والآخر: « هديّة الزائرين » تأليف الفاضل المعاصر، والمحدّث المتبحّر، الحاج الشيخ عبّاس القميّ دامت بركاته، فاُقدّم لكم هذين الكتابين الجليلين لتقرأوها وتتدبّروا في عباراتها، لتعرفوا حقيقة الأمر.

فأخذوا يتصفّحون الكتابين وينظرون في الكلمات والجُمَل بدقّة، وإذا بالسيّد عبد الحيّ قد وصل إلى دعاء التوسّل، فكأنّه وصل إلى بغيته ومقصده، فأشار إلى الحاضرين بالسكوت فسكتوا، ثمّ بدأ بقراءة دعاء التوسّل كلمة كلمة، والحاضرين منصتون يستمعون، وكان بعضهم يعرف العربية ويدرك معاني الكلمات والجمل، فكانوا يهزّون رؤوسهم ويبدون أسفهم لابتعادهم عن مذهب أهل البيتعليهم‌السلام ، فيقول بعضهم لبعض: كيف قلّبوا الاُمور ونحن غافلون، والتبس علينا الحقّ ونحن جاهلون؟!

فلمّا انتهى السيّد عبد الحيّ من قراءة الدعاء، قلت: أيّها الإخوة! بالله عليكم انصفوا!!!

في أيّه كلمة أو عبارة من هذا الدعاء شممتم رائحة الشرك أو الغلوّ، أيّها العلماء أجيبوني؟!

فإنْ لم يكن فيه شيء من الشرك والغلوّ، فلماذا تقذفون الشيعة المؤمنين بالشرك؟!

لماذا تزرعون بذر العداء والبغضاء بين المسلمين الّذين جعل الله سبحانه بينهم المودّة والإخاء؟!

لماذا( تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَ تَکْتُمُونَ الْحَقَّ وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ‌ ) (١) ؟!

____________________

١) سورة آل عمران، الآية ٧١.

١٨٩

لماذا تضلّون أتباعكم الغافلين الجاهلين فتشحنون قلوبهم ضدّ الشيعة المؤمنين، فينظرون إليهم شزراً على أنّهم مشركون؟!

وكم من جهّالكم المتعصّبين تأثّروا بكلام علمائهم - أنتم وأمثالكم - فأباحوا دماء الشيعة وأموالهم، فقتلوهم ونهبوهم( ..وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ) (١) ، ويظنّون أنّ الجنّة وجبت لهم بذلك العمل الشنيع!!

ولا شكّ أنّ وزر هذه الجنايات والفجائع هي في ذمّتكم أيضاً، وأنتم العلماء مسؤولون عنها وتحاسبون عليها أكثر من الجاهلين!

هل سمعتم إلى الآن، أنّ شيعياً التقى بأحد أهل السُنّة فقتله قربة إلى الله؟!

لا، ولن يقدم شيعي حتّى العامّي منهم على مثلها أبداً، لأنّ علماءنا ومبلّغينا دائماً يعلنون في أتباعهم، أنّ أهل السُنّة والجماعة هم إخواننا في الدين فلا يجوز أذاهم. فكيف بقتلهم ونهب أموالهم؟!

نعم نبيّن لأتباعنا، الاختلافات المذهبية بيننا وبينكم، ولكن نقول لهم أيضاً: بأنّها رغم خلافنا مع العامة في بعض المسائل، فهم إخواننا في الدين، فلا يجوز لنا أن نعاديهم ونبغضهم.

أمّا علماء السُنّة مع كلّ الاختلافات النظرية والاجتهادية الموجودة بين أئمّة المذاهب الأربعة في الاُصول والفروع،يحسبون أتباع الأئمّة الأربعةأصحاب دين واحد، وهم أحرار في اختيار أيّ مذهب شاؤا من المذاهب الأربعة.

ولكن كثيراً من اُولئك العلماء - ومع الأسف - يحسبون شيعة المرتضى وأتباع العترة الهاديةعليهم‌السلام مشركين وكفّاراً.. بحيث يحلّ

____________________

١) سورة الكهف، الآية ١٠٤.

١٩٠

سفك دمائهم ونهب أموالهم، فليس لهم حرّيّة العقيدة واختيار المذهب في البلاد السُنّية، حتّى أنّهم يضطّرون لأن يعيشوا بينكم في خوف وتقيّة مخافة أن يقتلوا بيد جهّالكم الغافلين أو عتاتكم المعاندين!!

فكم من عالم ورع وفقيه متّقي قُتل شهيداً بفتوى بعض علمائكم، كما أنّ كثيراً من علمائكم يصرّحون بلعن الشيعة في كتبهم.

ولكن لا يوجد شيعي واحد، حتّى من العوام الجاهلين، يُحِلُّ سفك دم سُنّي أو يجوّز لعنه لأنّه سُنّي.

الحافظ: إنّك تريد إثارة العواطف والإحساسات بهذا الكلام، فأيّ عالم من الشيعة قتل بفتوى علمائنا؟!

وأيّ عالم منّا يلعن الشيعة؟!

قلت: لا اُريد أن اُبيّن هذا الموضوع بالتفصيل لأنّه يحتاج إلى وقت طويل فيستغرق منّا ساعات عديدة ومجالس مديدة، ولكن أنقل لكم قليلاً من كثير ممّا سجّله التاريخ، ليتّضح لكم الأمر وتعرفوا ما جهلتموه!

فلو تصفّحتم كتب بعض علمائكم الكبار الّذين اشتهروا بالتعصّب ضدّ الشيعة الأخيار لوجدتم تصريحاتهم بلعن الشيعة المؤمنين بالإصرار والتكرار!

منهم: الإمام الفخر الرازي في تفسيره المشهور، فكأنّه كان مترصّداً ليجد مجالاً حتّى يصبّ جام غضبه ولعنه على شيعة آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فنجده عند آية الولاية(١) وآية إكمال الدين(٢) وغيرهما

____________________

١)( إِنَّمَا وَلِيُّکُمُ الله وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا ) سورة المائدة، الآية ٥٥.

٢)( الْيَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِينَکُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْکُمْ نِعْمَتِي ) سورة المائدة، الآية ٣.

١٩١

يكرّر هذه الكلمات.. وأمّا الروافض لعنهم الله.. هؤلاء الروافض لعنهم الله.. أما قول الروافض لعنهم الله.. إلى آخره.

وأمّا إفتاء بعض علمائكم بقتل علمائنا الأعلام فكثير، منها:

قتل الشهيد الأوّل

من جملة الفجائع التي حدثت على مفاخر العلم وأهل التقوى وشيعة آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله بفتوى غريبة من قاضيَيْن كبيرين من قضاة الشام، وهما: برهان الدين المالكي وعباد بن جماعة الشافعي.

وقد أصدرا حكم قتل أفقه علماء الإسلام في عصره وهو: العالم العامل، والتقي الفاضل، والزاهد الورع، أبو عبدالله محمد بن جمال الدين المكّي العاملي (رضوان الله تعالى عليه)، ومن سعة اطّلاعه في المسائل الفقهية أنّه صنَّفَ وألّف كتاب اللمعة الدمشقية في السجن في اُسبوع واحد، وليس عنده أي كتاب فقهي سوى كتاب: «المختصر النافع».

وكتاب «اللمعة» يُدَرَّس في الحوزات العلمية حتّى اليوم لاحتوائه على أكثر الفروع والمباني الفقهية. وكان الشيخ الشهيد (قدّس سرّه) مرجعاً لعلماء المذاهب الأربعة في حلّ المعضلات العلمية وكشف الأحكام الدينية، وكان يعيش في تقيّة، أي يخفي مذهبه من الحكومة ومن عامة الناس، ومع ذلك عرفوا منه التشيّع فشهد عليه نفرٌ عند الحاكم، فحوّله الحاكم إلى القاضي فزجّه القاضي في السجن حسداً و حقداً.

فبقي سنة كاملة سجيناً في قلعة الشام يعاني من التجويع

١٩٢

والتعذيب، وبعدها حكم برهان الدين المالكي وابن جماعة الشافعي بإعدامه، فقتلوه أوّلاً بالسيف ثمّ صلبوه، و لم يكتفوا بهذا المقدار من إظهار الحقد الدفين، فحرّكوا الهمج الرعاع العوامّ كالأنعام، فرجموا جسد ذلك العالم الفقيه بالحجارة، وأعلنوا أنّهم فعلوا كلّ ما فعلوه بذلك الفقيه الفاضل والعالم العامل، لأنّه رافضي مشرك!!

وعلى هذا الجرم الذي ليس مثله جرم في الإسلام!!

أمروا بحرق جسده الشريف، وذرّوا رماده في الفضاء.

وكان ذلك في التاسع أو التاسع عشر من جمادى الأولى عام ٧٨٦ من الهجرة النبوية الشريفة، في عهد الملك برقوق وحاكمه يومذاك على الشام: بيد مرو.

قتل الشهيد الثاني

ومن جملة الفجائع الشنيعة ضدّ مذهب الشيعة، والتي حدثت بسبب فتوى بعض علمائكم، قتل العالم الفقيه، والتقي النبيه، العالم الرّباني، المعروف بالشهيد الثاني، الشيخ زين الدين بن نور الدين علي بن أحمد العاملي (قدّس الله نفسه الزكية).

وكان هو أشهر العلماء وأعظمهم في بلاد الشام، وكان يعيش في عزلة من الناس، دائباً على التأليف والتصنيف، يقضي أوقاته في تحقيق المسائل واستنباط الأحكام وتدوينها، وقد صنّف أكثر من مائتي مؤلّف في مختلف العلوم.

فحسده علماء عصره لتوجّه الناس إليه وتعظيمهم له، فبعث قاضي صيدا واسمه الشيخ معروف، كتاباً إلى السلطان سليم العثماني

١٩٣

جاء فيه : قد وجد في بلاد الشام رجل مبدع خارج عن المذاهب الأربعة.

فأمر السلطان بإرسال الشيخ زين الدين إلى إسلامبول ليحاكموه، وكان الشيخ آنذاك في الحجّ فلم ينتظروا رجوعه، بل أرسلوا له جماعة فقبضوا عليه في المسجد الحرام، وقد قال تعالى:( وَ مَنْ دَخَلَهُ کَانَ آمِناً ) (١) فسجنوه أربعين يوماً في مكّة ثمّ بعثوه عن طريق البحر إلى إسلامبول عاصمة الخلافة.

ولمـّا وصل إليها ونزل الساحل، ضربوا عنقه وقطعوا رأسه قبل أن يحاكموه، ورموا بجثته في البحر وبعثوا برأسه الى السلطان!!

فيا أيّها الحاضرون الكرام ! بالله عليكم أنصفوا!!

هل قرأتم أو سمعتم أنّ أحد علماء الشيعة عامل واحداً من علماء السُنّة أو عوامّها بهذا الشكل، وقد كانوا متمكّنين ومقتدرين في ظلّ ملوك الشيعة وحكوماتها التي حكمت على كثير من بلاد السنة؟!

بالله عليكم! هل إنّ عدم الانتماء إلى المذاهب الأربعة ذنب يستوجب القتل؟! ليت شعري ما هو دليلهم؟!

هل إنّ المذاهب الأربعة التي وُجِدَت بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعشرات السنين هي التي يجب الانتماء إليها والتمسّك بها والعمل على طبقها؟! ولكنّ المذهب الذي كان على عهد النبي الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله وكان مَرضيّاً عنده، لا يجوز التمسك به؟! وإنّ المتمسّك به يجب قتله!!

وإذا كان كذلك، فبرأي من كان المسلمون يأخذون ويعملون في الفترة الواقعة بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وقبل ميلاد الأئمّة الأربعة وانتشار آرائهم؟!

أم تقولون إنّ الأئمّة الأربعة كانوا على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

____________________

١) سورة آل عمران، الآية ٩٧.

١٩٤

وأخذوا منه بلا واسطة؟!

الحافظ: لم يدّع أحد بأنّ الأئمّة الأربعة أو أحدهم أدرك النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وتشرّف بصحبته أو سمع حديثه.

قلت: وهل ينكر أحدٌ صحبة الإمام عليعليه‌السلام لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله واستماع حديثه الشريف، حتى أصبح باب علم الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟!

الحافظ: لا ينكر أحد ذلك، بل كان عليٌّ (رضي الله عنه)، من كبار الصحابة، وفي بعض الجهات كان أفضلهم.

قلت: على هذه القاعدة لو اعتقدنا بأنّ متابعة الإمام عليعليه‌السلام والأخذ منه في المسائل الفقهية واجب لمـّا قاله النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في حقّه: ان من أطاعه فقد أطاعني، ومن عصاه فقد عصاني، وهو باب علمي، ومن أراد أن يأخذ من علمي فليأت الباب.

فهل هذا الاعتقاد كفر؟! أم الذي خالف النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقد كفر؟! لقوله سبحانه وتعالى:( مَا آتَاکُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ مَا نَهَاکُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) (١) !

وإذا قلنا: إن من لم يعتقد بما قاله النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في علي بن أبي طالب والأئمة من ولده الذين جعلهم عدل القرآن الحكيم في حديث الثقلين وألزم متابعتهم والتوسل بهم في حديث السفينة وهما حديثان مقبولان عندكم أيضاً كما ذكرنا مصادركم فيهما.

فلو قلنا: بأنّ من خالف عترة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته الطاهرين فقد تمرّد على الله ورسوله وخرج من الدين، ما قلنا شططاً، وما ذهبنا غلطاً، بدليل الحديثين الشريفين، السفينة والثقلين، وأدلّة عقلية ونقلية اُخرى.

____________________

١) سورة الحشر، الآية ٧.

١٩٥

ولكن مع كلّ ذلك ما صدرت منا هكذا فتاوىً خطيرة تشجّع عوامّ الشيعة وملوكهم على ارتكاب جنايات فجيعة في حقّ أهل السُنّة والجماعة، بالنسبة إلى علمائهم أو جّهالهم.

وإنّما علماؤنا دائماً يعلنون: أنّ أهل السُنّة والجماعة إخواننا في الدين، ويجب أن نتّحد كلّنا ضدّ غير المسلمين المعادين، غاية ما هنالك إنّنا نقول: إنّ الأمر اشتبه والحقّ التبس عليكم، ولكنّكم تبعاً لبعض علمائكم تقولون فينا خلاف ما نقوله فيكم، إنّكم تقولون في حقّ الشيعة المؤمنين أتباع أهل بيت النبوةعليهم‌السلام : إنّهم أهل البدع وغلاة ورفضة ويهود وكفرة ومشركون و و و.!!!

وتبيحون بل توجبون قتل من لم ينتمِ إلى أحد المذاهب الأربعة، وليس عندكم أيّ دليل شرعي وعقلي وعُرفي في ذلك!

الحافظ: ما كنت أظنّ أنّكم هكذا تفترون علينا، وتكذبون على علمائنا أموراً بعيدة عن الحقيقة، وإنما هي من أباطيل الشيعة وأكاذيبهم الشنيعة، وهم يقصدون بها إثارة وأحاسيس الناس واكتساب عطفهم وحنانهم.

قلت: كلّ ما نقلته لكم هو حقّ وصدق بشهادة التاريخ، وكيف تظنّ بأنّي أفتري عليكم وعلى مذهبكم أو علمائكم، في وجودك وحضور كثير من العلماء معك، وكذلك بحضور هذا الجمع الغفير من أتباعكم، أيُعقل ذلك؟!

واعلم أنّي نقلت قضيّتين من التاريخ كنموذج من معاملة علمائكم وقضاتكم مع فقهائنا وعلمائنا.

وإذا تصفّحتم تاريخ خوارزم وحملاتهم على إيران، وقوم أزبك

١٩٦

وحملاتهم على بلاد خراسان، وحملات الأفغان على إيران، وقتلهم عامّة الناس بلا رحمة، ونهب أموالهم وسبي نسائهم وأطفالهم وبيعهم في الأسواق كما يعامل الكفّار، لصدّقتم كلامي وما كذّبتم حديثي!

وفي زمن السلطان حسين الصفوي وصل الأفغان - وهم قومك وأبناء وطنك - إلى أصفهان، فلم يرحموا حتى المراضع والرضع، فقتلوا ونهبوا وسبوا، وهتكوا حرمات المسلمين في كلّ أرض وطؤوها من بلاد إيران، كلّ ذلك بفتاوى علمائهم من أهل السُنّة والجماعة، حتّى أنّهم أفتوا ببيع اُسارى الشيعة كالعبيد، فباعوا - كما يحدّثنا التاريخ - أكثر من مائة ألف رجل شيعي على أبناء السُنّة وغيرهم في أسواق تركستان!!

الحافظ: إنّ تلك المعارك كانت سياسية لا ترتبط بفتاوى علمائنا.

كلام خان خيوه

قلت: يذكر التاريخ أنّ في أوائل حكومة ناصر الدين شاه قاجار، وفي وزارة أمير كبير ميرزا تقي خان، حينما كانت الدولة منشغلة بإخماد الفتن التي آثارها رجل اسمه: «سالار» في خراسان، وكانت سلطة الدولة الضعيفة في تلك المقاطعة.

اغتنم الفرصة أمير خوارزم وهو: محمد أمين خان أزبك المعروف بخان خيوه، وهجم بجيش جرّار على خراسان، وقتل ونهب ودمّر وأسَرَ جمعاً كثيراً من الناس، فساقه إلى بلاده سبايا.

وبعدما اُخمدت فتنة سالار، بعثت الدولة القاجارية سفيراً إلى خان خيوه ليفاوضه في شأن السبايا واستخلاصهم، وكان السفير هو رضا قلي خان، الملقّب بهدايت، وهو من كبار الدولة ورجال البلاط الملكي.

١٩٧

فلمّا وصل إلى خوارزم والتقى بخان خيوه، دار بينهم كلام طويل سجّله التاريخ جملة جملة، وكلمة كلمة، والشاهد هنا هو هذه العبارة: إنّ المغفور له هدايت قال لخان خيوه:

إنّ الدول الكافرة تعامل الإيرانيّين معاملة حسنة، وهم في أمن وأمان من جيوش روسية والإفرنج، ولكنّكم مع الأسف تعاملون الإيرانيّين معاملة الكفّار والمشركين، وهم معكم على دين واحد، لا فرق في قبلتنا وقرآننا ونبيّنا، نحن وأنتم نعتقد ونشهد: أن لا إله إلّا الله، محمّد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلماذا تهجم بجيوشك على بلادنا، وتدمّر ديارنا، وتقتل وتنهب، وتأسر المسلمين وتبيعهم في الأسواق كأسرى الكفّار والمشركين؟!

فأجاب خان خيوه: إنّ علماءنا وقضاتنا في بخارى وخوارزم: يفتون بأنّ الشيعة كفّار وأهل بدع وضلال، وجزاؤهم القتل ونهب الأموال، وهم يوجبون علينا هذه المعاملة مع الإيرانيّين، فيبيحون لنا دماءهم ونساءهم وأموالهم!!

وللاطّلاع التامّ فليراجع: تاريخ روضة الصفا الناصري، وكذلك مذكّرات سفر خوارزم، تأليف رضا قلي خان هدايت.

هجوم الأزبك

كما إنّ أحد أمراء الأزبك المسمّى عبدالله خان حاصر بجيوشه منطقة خراسان، فكتب علماء خراسان إليه كتاباً جاء فيه: نحن نشهد أن لا إله إلّا الله، وأنّ محمداً رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلماذا تُغير علينا بجيشك وتقاتلنا وتهتك حريمنا ونحن أتباع القرآن الكريم والعترة الهادية، وإنّ

١٩٨

الوحشية والمعاملة السيّئة التي نجدها منكم غير مقبولة في الإسلام، وإنّ الله سبحانه لا يجيزها لكم بالنسبة للكفّار، فكيف مع المسلمين؟!

فلمّا وصل الكتاب إلى يد عبد الله خان أعطاه لعلماء السُنّة وقضاتهم الّذين كانوا يرافقونَهُ في حملاته على المسلمين الشيعة، وطلب منهم أن يجيبوا ويردّوا على الكتاب.

فأجاب علماء السُنّة - ردّاً على كتاب علماء خراسان - بجواب مشحون بالتهم والأكاذيب على الشيعة و قذفوهم بالكفر!! لكنّ علماء خراسان ردّوا عليهم، ونسفوا تهمهم وأكاذيبهم، وأثبتوا أنّ الشيعة مؤمنون بالله ورسوله وبكلّ ما جاء به النبيّ الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ومن أراد الوقوف على تلك الردود والإجابات فليراجع كتاب «ناسخ التواريخ».

فشاهد الكلام إنّ علماء السنة الأزبكيّين كتبوا: إنّ الشيعة رفضة وكفّار، فدماؤهم وأموالهم ونساؤهم مباحة للمسلمين!!

وأمّا في بلادكم أفغانستان، فإنّ الشيعة يعانون أشدّ الضغوط والهجمات الوحشية منكم ومن أمثالكم أهل السُنّة والجماعة.

والتاريخ مليء بالفجائع والجنايات التي ارتكبوها جماعة السُنّة في حقّ الشيعة في أفغانستان، ومن جملتها:

في سنة ١٢٦٧ هجرية في يوم عاشوراء وكان يوافق يوم الجمعة، وكانت الشيعة مجتمعة في الحسينيّات في مدينة قندهار، وكانوا يقيمون شعائر العزاء على مصائب سبط الرسول وسيّد الشهداء، الحسين بن عليّ (عليه ‌السّلام و آله) وأنصاره الّذين استشهدوا معه في سبيل الله تعالى.

وإذا بأهل السُنّة والجماعة يهجمون عليهم بالأسلحة الفتّاكة، ولم

١٩٩

يكن الشيعة مسلّحين ولا مستعدين لقتال، حتّى أنّهم لم يتمكّنوا من الدفاع عن أنفسهم، فقتل قومكم جمعاً كثيراً حتّى الأطفال بأفجع أنواع القتل، ونهبوا أموالهم وأموال الحسينيّات!!

والأعجب من ذلك، أنّ أحداً من علماء السُنّة لم يندّد بهذا العمل الوحشي الشيطاني، ولم يبدِ أسفه على تلك الجناية البشعة، فكان سكوت العلماء تأييداً لعمل الجهّال المهاجمين، والجناة المتعصّبين، وربّما كان كلّ ذلك بتحريك بعض علمائهم، والله أعلم.

والتاريخ يحدّثنا عن هجمات كثيرة من هذا النوع ضدّ الشيعة في أفغانستان وبلاد الهند والباكستان أيضاً، فكم من نفوس مؤمنة اُزهقت، ودماء بريئة سُفكت، وأموال محترمة نهبت، وحرمات دينية هتكت، بأيدي أهل السنّة والجماعة، وقد قتلوا حتّى بعض فقهائنا الكبار وعلمائنا الأبرار.

قتل الشهيد الثالث

ولقد زرت في سفري هذا مقابر بعض شهداء هذه الحوادث الأليمة في مدينة «أكبر آباد آگره» وبالأخصّ قبر الشهيد الثالث، العالم الورع، والفقيه التقي، الذي ينتهي نسبه الشريف الى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو:

القاضي السيّد نور الله التستري (قدّس الله سرّه)، وهو أحد ضحايا هذه التعسّفات والتعصّبات التي توجد في أهل السُنّة العامّة.

فقد استشهد هذا العالم الجليل، والحبر النبيل، سنة ١٠١٩ هجرية، على أثر سعاية علماء العامة في «أكبر آباد آگره » عند الملك المغولي الجاهل المتعصّب جهانگير، في الهند.

٢٠٠