مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مناظرات وحوار ليالي بيشاور0%

مناظرات وحوار ليالي بيشاور مؤلف:
المحقق: السيّد حسين الموسوي
الناشر: ذوي القربى
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 1199

مناظرات وحوار ليالي بيشاور

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيّد محمّد الموسوي الشيرازي
المحقق: السيّد حسين الموسوي
الناشر: ذوي القربى
تصنيف: الصفحات: 1199
المشاهدات: 215845
تحميل: 2414

توضيحات:

مناظرات وحوار ليالي بيشاور
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 1199 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 215845 / تحميل: 2414
الحجم الحجم الحجم
مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مؤلف:
الناشر: ذوي القربى
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الذكور!! فإذن أنتم أسباطه وأبناء بنته، لا أولاده وذرّيّته!!

قلت: ما كنت أحسبك معانداً أو لجوجاً، وإلّا لَما قمت مقام المجيب على سؤالكم، ولَما قبلت الحوار معكم!

الحافظ: لا يا صاحبي! لا يلتبس الأمر عليك، فإنّا لا نريد المراء واللّجاج وإنّما نريد أن نعرف الحقيقة، فإنّي وكثير من العلماء نظرنا في الموضوع ما بيّنته لكم، فإنّا نرى أنّ عقب الإنسان ونسله إنّما هو من الأولاد الذكور لا البنات، وذلك كما يقول الشاعر في هذا المجال:

بنونا بنو أبنائنا، وبناتنا

بنوهنّ أبناء الرجالِ الأباعدِ

فإنْ كان عندكم دليل على خلافه يدلّ على أنّ أولادَ بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أولادهُ وذرّيّتهُ فبيّنوه لنا حتّى نعرفه، وربّما نقتنع به فنكون لكم من الشاكرين.

قلت: إنّ الدلائل من كتاب الله (عزّوجلّ) والروايات المعتبرة لدى الفريقين على ذلك قويّة جدّاً.

الحافظ: أرجو منكم أن تبيّنوها حتّى نستفيد بذلك.

قلت: إنّي وفي أثناء كلامكم تذكرت مناظرة حول الموضوع، جرت بين الخليفة العبّاسي هارون، وبين: الإمام أبي إبراهيم موسى بن جعفر الكاظمعليه‌السلام ، فقد أجابهعليه‌السلام بجواب كاف وشاف اقتنع به هارون وصدّقه.

الحافظ: كيف كانت تلك المناظرة أرجو أن تبيّنوها لنا؟

قلت: قد نقل هذه المناظرة علماؤنا الأعلام في كتبهم المعتبرة، منهم: ثقة عصره، ووحيد دهره، الشيخ الصدوق في كتابه القيّم: «عيون أخبار الرضا»(١) .

____________________

١) عيون أخبار الرضا: ج ١ ص ٨٤ ح ٩.

٢١

ومنهم: علّامة زمانه، وبحّاثة قرنه، الشيخ الطبرسي في كتابه الثمين:«الاحتجاج» وأنا أنقلها لكم من كتاب «الاحتجاج»(١) وهو كتاب علمي قيّم، يضم بين دفّتيه أضخم تراث علمي وأدبي لا بُدّ لأمثالك أيّها الحافظ من مطالعته، حتّى ينكشف لكم الكثير من الحقائق العلمية والوقائع التاريخية الخافية عليكم.

أولاد البتولعليها‌السلام ذريةُ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله

روى العلّامة الطبرسي أبو منصور أحمد بن علي في الجزء الثاني من كتابه: «الاحتجاج» رواية مفصّلة وطويلة تحت عنوان: «أجوبة الإمام موسى بن جعفرعليه‌السلام لأسئلة هارون» وآخر سؤال وجواب، كان حول الموضوع الذي يدور الآن بيننا، وإليكم الحديث بتصرّف:

هارون: لقد جوّزتم للعامّة والخاصة أن ينسبوكم إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ويقولوا لكم: يا أولاد رسول الله، وأنتم بنو عليّ، وإنّما يُنسب المرء إلى أبيه، وفاطمة إنّما هي وعاء، والنبيّ جدّكم من قِبَل اُمّكم؟؟!

الإمامعليه‌السلام : لو أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله نُشر فخطب إليك كريمتك، هل كنت تجيبه؟!

هارون: سبحان الله! ولم لا أجيبُهُ، وأفتخر على العرب والعجم وقريش بذلك.

الإمامعليه‌السلام : لكنّه لا يخطب إليّ، ولا اُزوّجه.

هارون: ولِمَ؟!

الإمامعليه‌السلام : لأنّه ولدني ولم يلدك.

____________________

١) الاحتجاج: ج ٢ المناظرة رقم ٢٧١ ص ٣٣٥.

٢٢

هارون: أحسنت!!

ولكن كيف قلتم: إنّا ذرّيّة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والنبيّ لم يعقّب؟! وإنّما العقب للذّكر لا للأنثى، وأنتم وُلْد بنت النبي، ولا يكون ولدها عقباً لهصلى‌الله‌عليه‌وآله !!

الإمامعليه‌السلام : أسألك بحقّ القرابة والقبر ومن فيه إلّا أعفيتني عن هذه المسألة.

هارون: لا أوْ تخبرني بحجّتكم فيه يا ولد عليّ! وأنت يا موسى يعسوبهم وإمام زمانهم، كذا اُنْهيَ لي، ولست أعفيك في كلّ ما أسألك عنه، حتّى تأتيني فيه بحجّة من كتاب الله، وأنتم معشرَ وُلدْ عليّ تدّعون: أنّه لا يسقط عنكم منه شيء، أَلِفٌ ولا واوٌ، إلّا تأويله عندكم واحتججتم بقوله (عزّوجلّ):( مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ) (١) وقد استغنيتم عن رأي العلماء وقياسهم!!

الإمامعليه‌السلام : تأذن لي في الجواب؟

هارون: هات.

الإمامعليه‌السلام : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم:( وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَىٰ وَهَارُونَ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَىٰ وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ ) (٢) فمن أبو عيسىعليه‌السلام ؟

هارون: ليس لعيسى أب!

الإمامعليه‌السلام : فالله (عزّو جلّ) ألحقه بذراري الأنبياء عن طريق اُمّه مريمعليها‌السلام وكذلك ألحقنا بذراري النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من قِبَل اُمّنا فاطمةعليها‌السلام

____________________

١) سورة الأنعام، الآية ٣٨.

٢) سورة الأنعام، الآية ٨٤ و٨٥.

٢٣

هل أزيدك؟

هارون: هات.

الإمامعليه‌السلام : قال الله تعالى:( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ الله عَلَى الْكَاذِبِينَ ) (١) ولم يدّعِ أحد أنّه أدخله النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله تحت الكساء [و]عند مباهلة النصارى، إلّا عليّ بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسينعليها‌السلام ، واتّفق المسلمون: أنّ مصداق( أَبْنَاءَنَا ) في الآية الكريمة: الحسن والحسينعليهما‌السلام ،( وَنِسَاءَنَا ) : فاطمة الزهراءعليها‌السلام .( وَأَنفُسَنَا ) : عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام .

هارون: أحسنت يا موسى! ارفع إلينا حوائجك.

الإمامعليه‌السلام : إئذن لي أن أرجع إلى حرم جدّي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لأكون عند عيالي.

هارون: ننظر إن شاء الله(٢) .

الاستدلال بكتب العامة ورواياتهم

هناك دلائل كثيرة جاءت في نفس الموضوع تدلّ على ما ذكرناه

____________________

١) سورة آل عمران، الآية ٦١.

٢) لكن ما زال الإمام موسى بن جعفرعليه‌السلام بعيداً عن حرم جدّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مفارقاً لأهله وعياله، ينقل من سجن الى سجن، مكبّلاً بالقيد والحديد وفي ظُلم المطامير حتّى قضى بدسّ هارون السمّ إليه مسموماً شهيداً صلوات الله وسلامه عليه. «المترجم».

٢٤

وقد سجّلها علماؤكم ونقلها حفّاظكم ورواتكم.

منهم: الإمام الرازي في الجزء الرابع من «تفسيره الكبير»(١) وفي الصفحة (١٢٤) من المسألة الخامسة قال في تفسير هذه الآية من سورة الأنعام: إنّ الآية تدلّ على أنّ الحسن والحسينعليهما‌السلام ذرّيّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنّ الله جعل في هذه الآية عيسى من ذرّيّة إبراهيم ولم يكن لعيسى أب، وإنّما انتسابه إليه من جهة الاُمّ، وكذلك الحسن والحسينعليهما‌السلام فإنّهما من جهة الاُمّ ذرّيّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

كما إنّ [الإمام] الباقرعليه‌السلام استدل للحجّاج الثقفي بهذه الآية لإثبات أنّهم ذرّيّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضاً(٢) :

ومنهم: ابن أبي الحديد في: «شرح نهج البلاغة»، وأبوبكر الرازي في تفسيره استدلّ على أنّ الحسن والحسينعليهما‌السلام أولاد رسولصلى‌الله‌عليه‌وآله من جهة اُمّهم فاطمةعليها‌السلام بآية المباهلة وبكلمة:( أَبْنَاءَنَا ) كما نسب الله تعالى في كتابه الكريم عيسى إلى إبراهيم من جهة اُمّه مريمعليها‌السلام .

ومنهم: الخطيب الخوارزمي، فقد روى في «المناقب» والمير السيّد علي الهمداني الشافعي في كتابه «مودّة القربى» والإمام أحمد بن حنبل

____________________

١) التفسير الكبير للإمام الفخر الرازي: المجلد السابع ج ١٣، ص ٦٦.

٢) المروي في كتاب الإحتجاج: ج ٢ ص ١٧٥ المناظرة ٢٠٤ أن الإمام الباقرعليه‌السلام استدل بهذه الآية في حديثه مع أبي الجارود، فراجع.

٢٥

وهو من فحول علمائكم في مسنده، وسليمان الحنفي البلخي في «ينابيع المودّة»(١) بتفاوت يسير: أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال - وهو يشير إلى الحسن والحسينعليهما‌السلام -: «إبناي هذان ريحانتاي من الدنيا، إبناي هذان إمامان قاما أو قعدا».

ومنهم: محمد بن يوسف الشافعي، المعروف بالعلّامة الكنجي، ذكر في كتابه «كفاية الطالب» فصلاً بعد الأبواب المائة بعنوان: «فصل: في بيان أنّ ذرّيّة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من صلب عليّعليه‌السلام » جاء فيه بسنده عن جابر بن عبدالله الأنصاري أنّه قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله «إنّ الله (عزّوجلّ) جعل ذرّيّة كلّ نبي في صلبه، وإنّ الله (عزّوجلّ) جعل ذرّيّتي في صلب عليّ بن أبي طالب»(٢) .

ورواه ابن حجر المكي في صواعقه المحرقة: ص ٧٤ و٩٤ عن الطبراني، عن جابر بن عبدالله الأنصاري؛ كما ورواه أيضاً الخطيب الخوارزمي في «المناقب» عن ابن عبّاس.

قلت (٣) : ورواه الطبراني في معجمه الكبير في ترجمة الحسن، ثمّ قال:

فإن قيل: لا اتّصال لذرّيّة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بعليٍّعليه‌السلام إلّا من جهة فاطمةعليها‌السلام وأولاد البنات لا تكون ذرّيّة، لقول الشاعر:

____________________

١) ينابيع المودة: الباب ٥٤ ص ١٩٣ وفيه: عن الترمذي عن ابن عمر قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: «ان الحسن والحسين هما ريحانتاي من الدنيا»...

٢) كفاية الطالب: ص ٣٧٩.

٣) والقائل هو الكنجي الشافعي تعقيباً لما رواه.

٢٦

بنونا بنو أبنائنا، وبناتنا

بنوهنّ أبناء الرجالِ الأباعدِ

قلت: في التنزيل حجّة واضحة تشهد بصحّة هذه الدعوى وهو قوله (عزّو جلّ)(١) :( وَوَهَبْنَا لَهُ [أي: إبراهيم]إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ - إلى أن قال: -وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَىٰ وَعِيـسَىٰ ) ، فعَدَّ عيسىعليه‌السلام من جملة الذرّيّة الّذين نسبهم إلى نوحعليه‌السلام وهو ابن بنت لا اتّصال له إلّا من جهة اُمّه مريم.

وفي هذا آكد دليل على أنّ أولاد فاطمةعليها‌السلام ذرّيّة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ولا عقب له إلّا من جهتها، وانتسابهم إلى شرف النبوّة - وإنْ كان من جهة الاُمّ - ليس بممنوع، كانتساب عيسى إلى نوح، إذ لا فرق.

وروى الحافظ الكنجي الشافعي في آخر هذا الفصل، بسنده عن عمر بن الخطّاب، قال: سمعت رسول الله يقول: كلّ بني اُنثى فإنّ عصبتهم لأبيهم ما خلا وُلْد فاطمة، فإنّي أنا عصبتهم وأنا أبوهم(٢) .

قال العلّامة الكنجي: رواه الطبري في ترجمة الحسن.

هذا، ونقله أيضاً بتفاوت يسير وزيادة في أوّله، بأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: كلّ حسب ونسب منقطع يوم اليوم القيامة ما خلا حسبي ونسبي(٣) .

أقول: ونقله كثير من علمائكم وحفّاظكم، منهم الحافظ سليمان الحنفي في كتابه: «ينابيع المودّة»(٤) وقد أفرد باباً في الموضوع فرواه عن

____________________

١) في سورة الانعام: الآيتين ٨٤ و٨٥.

٢) كفاية الطالب: ص ٣٨١.

٣) كفاية الطالب: ص ٣٨٠.

٤) ينابيع المودة: الباب ٥٧ ص ٣١٨.

٢٧

أبي صالح، والحافظ عبدالعزيز بن الأخضر، وأبي نُعيم في معرفة الصحابة، والدار قطني والطبراني في الأوسط.

ومنهم: الشيخ عبد الله بن محمد الشبراوي في:«الإتحاف بحبّ الأشراف».

ومنهم: جلال الدين السيوطي في: «إحياء الميت بفضائل أهل البيت»(١) .

ومنهم: أبو بكر بن شهاب الدين في: «رشفة الصادي في بحر فضائل بني النبيّ الهادي» ط. مصر، الباب الثالث.

ومنهم: ابن حجر الهيتمي في «الصواعق المحرقة» الباب التاسع، الفصل الثامن، الحديث السابع والعشرون، قال: أخرج الطبراني عن جابر، والخطيب عن ابن عبّاس ونقل الحديث.

وروى ابن حجر أيضاً في «الصواعق الباب الحادي عشر، الفصل الأول، الآية التاسعة ...»: وأخرج أبو الخير الحاكمي، وصاحب «كنوز المطالب في بني أبي طالب» إنّ عليّاً دخل على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعنده العبّاس، فسلّم فردّ عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم السلامَ وقام فعانقه وقبّل ما بين عينيه وأجلسه عن يمينه.

فقال له العبّاس: أتحبّه؟

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا عمّ! والله الله ُأشدّ حبّاً له منّي، إنّ الله (عزّوجلّ) جعل ذرّيّة كلّ نبيّ في صلبه، وجعل ذرّيّتي في صلب هذا.

____________________

١) من الحديث ٢٩ ص ٢٨ الى الحديث ٣٤ ص ٣٢.

٢٨

ورواه العلّامة الكنجي الشافعي في كتابه: «كفاية الطالب الباب السابع»(١) بسنده عن ابن عبّاس.

وهناك مجموعة كبيرة من الأحاديث الشريفة المعتبرة، المرويّة في كتبكم، المقبولة عند علمائكم، تقول: إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يعبّر عن الحسن والحسينعليهما‌السلام ، بأنّهما ابناه، ويعرّفهما لأصحابه ويقول: هذان إبناي

وجاء في تفسير: «الكشّاف» وهو من أهمّ تفاسيركم، في تفسير آية المباهلة: لا دليل أقوى من هذا على فضل أصحاب الكساء، وهم: عليٌّ وفاطمة والحسنان، لأنّها لمـّا نزلت، دعاهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاحتضن الحسين وأخذ بيد الحسن ومشت فاطمة خلفه وعليٌّ خلفهما، فعُلِم: إنّهم المراد من الآية، وإنّ أولاد فاطمة وذرّيّتهم يسمّون أبناءه وينسبون إليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نسبةً صحيحة نافعة في الدنيا والآخرة(٢) .

وكذلك الشيخ أبو بكر الرازي في «التفسير الكبير» في ذيل آية المباهلة، وفي تفسير كلمة( أَبْنَاءَنَا ) له كلام طويل وتحقيق جليل، أثبت فيه أنّ الحسن والحسين هم إبنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وذرّيّته، فراجع(٣) .

____________________

١) كفاية الطالب: الباب السابع، ص ٧٩.

٢) الكشاف:ج ١ ص ٣٦٨.

٣) حول آية المباهلة والحسنينعليهما‌السلام :

لقد أجمع المفسّرون على أنّ( أَبْنَاءَنَا ) في آية المباهلة إشارة إلى الحسن =

٢٩

. . . . .

____________________

=

والحسينعليهما‌السلام وأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أخرجهما معه يوم المباهلة مجيباً أمر الله (عزّوجلّ)، وقد أجمع عليه المحدِّثون والمؤرِّخون من المسلمين.

وإليك بعض المدارك والمصادر في هذا الباب:

١- الحافظ مسلم بن الحجّاج، في صحيحه، ج ٧ ص ١٢٠ ط. محمد علي صبيح - مصر.

٢- الإمام أحمد بن حنبل، في مسنده ج ١ ص ١٨٥،ط. مصر.

٣- العلّامة الطبري، في تفسيره ج ٣ ص ١٩٢، ط. الميمنية - مصر.

٤- العلّامة أبو بكر الجصّاص - المتوفّي سنة ٢٧٠ هـ - في كتاب «أحكام القرآن» ج ٢ ص ١٦، قال فيه: إنّ رواة السير ونقله الاثر لم يختلفوا في أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخذ بيد الحسن والحسين وعليٍّ وفاطمة رضي الله عنهم ودعا النصارى الّذين حاجّوه إلى المباهلة الى آخره.

٥- الحاكم في «المستدرك» ج ٣ ص ١٥٠، ط. حيدر آباد الدكن.

٦- العلّامة الثعلبي، في تفسيره في ذيل آية المباهلة.

٧- الحافظ أبو نعيم، في كتاب «دلائل النبوّة» ص ٢٩٧، ط. حيدر آباد.

٨- العلّامة الواحدي النيسابوري، في كتاب: «أسباب النزول» ص ٧٤، ط. مصر.

٩- العلّامة ابن المغازلي في كتابه مناقب علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

١٠- العلّامة البغوي، في كتابه «معالم التنزيل» ج ١ ص ٣٠٢.

وفي كتابه «مصابيح السُنّة» ج ٢ ص ٢٠٤ ط. المطبعة الخيرية.

١١- العلّامة الزمخشري، في تفسير «الكشّاف» ج ١ ص ١٩٣، ط. مصطفى محمد.

١٢- العلّامة أبو بكر ابن العربي، في كتاب «أحكام القرآن» ج ١ ص ١١٥، ط. مطبعة السعادة بمصر. =

٣٠

. . . . .

____________________

=

١٣- العلّامة الفخر الرازي، في «التفسير الكبير» ج ٨ ص ٨٥، ط. البهية بمصر.

١٤- العلّامة المبارك ابن الاثير، «في جامع الاُصول» ج ٩ ص ٤٧٠، ط. المطبعة المحمدية بمصر.

١٥- الحافظ شمس الدين الذهبي، في تلخيصه المطبوع في ذيل مستدرك الحاكم، ج ٢ ص ١٥٠، ط. حيدر آباد.

١٦- الشيخ محمد بن طلحة الشافعي، في «مطالب السَؤول».

١٧- العلّامة الجزري، في كتاب «اُسد الغابة» ج ٤ ص ٢٥، ط. الاول بمصر.

١٨- العلّامة سبط ابن الجوزي، في «التذكرة» ص ١٧، ط. النجف.

١٩- العلاّمة القرطبي، في كتاب «الجامع لأحكام القرآن» ج ٣ ص ١٠٤، ط. مصر سنة ١٩٣٦.

٢٠- العلاّمة البيضاوي، في تفسيره، ج ٢ ص ٢٢، ط. مصطفى محمد بمصر.

٢١- العلاّ مة محبّ الدين الطبري، في «ذخائر العقبى» ص ٢٥، ط. مصر سنة ١٣٥٦.

وفي كتابه الآخر «الرياض النضرة» ص ١٨٨، ط. الخانجي بمصر.

٢٢- العلّامة النسفي، في تفسيره، ج ١ ص ١٣٦، ط. عيسى الحلبي بمصر.

٢٣- العلاّمة المهايمي، في: «تبصير الرحمن وتيسير المنان» ج ١ ص ١٨٢، ط. مطبعة بولاق بمصر.

٢٤- الخطيب الشيربيني، في تفسيره «السراج المنير» ج ١ ص ١٨٢، ط. مصر.

٢٥- العلّامة النيسابوري، في تفسيره، ج ٣ ص ٢٠٦، بهامش تفسير الطبري، ط. الميمنية بمصر.

٢٦- العلّامة الخازن، في تفسيره، ج ١ ص ٣٠٢، ط. مصر. =

٣١

. . . . .

____________________

=

٢٧- العلّامة أبو حيّان الأندلسي، في كتابه «البحر المحيط» ج ٢ ص ٤٧٩، ط. مطبعة السعادة بمصر.

٢٨- الحافظ أبو الفداء إسماعيل بن كثير الدمشقي، في تفسيره، ج ١ ص ٢٧٠ ط. مصطفى محمد بمصر.

وفي كتابه «البداية والنهاية» ج ٥ ص ٥٢، ط. مصر.

٢٩- أحمد بن حجر العسقلاني، في «الإصابة» ج ٢ ص ٥٠٣، ط. مصطفى محمد بمصر.

٣٠- العلّامة معين الدين الكاشفي، في كتاب «معارج النبوّة» ج ١ ص ٣١٥، ط. لكنهو.

٣١- ابن الصَّباغ المالكي، في «الفصول المهمّة» ص ١٠٨، ط. النجف.

٣٢- جلال الدين السيوطي، في «الدر المنثور» ج ٤ ص ٣٨، ط. مصر.

وفي كتابه «تاريخ الخلفاء» ص ١١٥، ط. لاهور.

٣٣- ابن حجر الهيتمي، في كتابه «الصواعق المحرقة» ص ١٩٩، ط. المحمدية بمصر.

٣٤- أبو السعود أفندي، شيخ الإسلام في الدولة العثمانية، في تفسيره ج ٢ ص ١٤٣، ط. مصر، المطبوع بهامش تفسير الرازي.

٣٥- العلّامة الحلبي، في كتابه «السيرة المحمدية» ج ٣ ص ٣٥، ط. مصر.

٣٦- العلاّمة الشاه عبد الحقّ الدهلوي، في كتاب «مدارج النبوّة» ص ٥٠٠، ط. بومبي.

٣٧- العلّامة الشبراوي، في كتاب «الإتحاف بحبّ الأشراف» ص ٥، ط. مصطفى الحلبي.

٣٨- العلامة الشوكاني، في كتاب «فتح القدير» ج ١ ص ٣١٦، طبع مصطفى الحلبي بمصر.

٣٩- العلاّمة الآلوسي، في تفسيره «روح المعاني» ج ٣ ص ١٦٧، ط. المنيرية بمصر. =

٣٢

ثمّ قلت بعد ذلك: فهل يبقى - يا أيّها الحافظ! - بعد هذا كلّه، محلّ للشعر الذي استشهدت به؟! بنونا بنو أبنائنا إلى آخره.

وهل يقوم هذا البيت من الشعر، مقابل هذه النصوص الصريحة والبراهين الواضحة؟!

فلو اعتقد أحد بعد هذا كلّه، بمفاد ذلك الشعر الجاهلي - الذي قيل في وصفه: إنه كفرٌ من شعر الجاهلية -، لردّه كتاب الله العزيز وحديث رسوله الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ثمّ أعلم - أيّها الحافظ - أنّ هذا بعض دلائلنا في صحّة انتسابنا

____________________

=

٤٠- العلّامة الطنطاوي، في تفسيره «الجواهر» ج ٢ ص ١٢٠، ط. مصطفى الحلبي بمصر.

٤١- السيّد أبو بكر الحضرمي، في كتاب «رشفة الصادي» ص ٣٥، ط. الإعلامية بمصر.

٤٢- الشيخ محمود الحجازي، في تفسير «الواضح» ج ٣ ص ٥٨، ط. مصر.

٤٣- العلاّمة صدّيق حسن خان، في كتاب «حسن الاسوة» ص ٣٢، ط. الجوانب بالقسطنطنية.

٤٤- العلّامة أحمد زيني دحلان، في «السيرة النبوية» المطبوعة بهامش «السيرة الحلبية» ج ٣ ص ٤، ط. مصر.

٤٥- السيّد محمد رشيد رضا، في تفسير «المنار» ج ٣ ص ٣٢١، ط. مصر.

٤٦- العلّامة محمد بن يوسف الكنجي، في كتابه «كفاية الطالب» الباب الثاني والثلاثين.

٤٧- الحافظ سليمان الحنفي، في كتابه «ينابيع المودّة» ج ١ باب الآيات الواردة في فضائل أهل البيت، الآية التاسعة.

«المترجم»

٣٣

إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وبعض براهيننا على أنّنا ذرّيّته ونسله، ولذا يحقّ لنا أن نفتخر بذلك ونقول:

اُولئك آبائي فجئني بمثلهم

إذا جمعتنا يا جرير المجامعُ

الحافظ: إنّي اُقرّ وأعترف بأنّ دلائلكم كانت قاطعة، وبراهينكم ساطعة، ولا ينكرها إلّا الجاهل العنود؛ كما وأشكركم كثيراً على هذه التوضيحات، فلقد كشفتم لنا الحقيقة وأزحتم الشبهة عن أذهاننا.

صلاة العشاء:

وهنا علا صوت المؤذّن في المسجد وهو يعلن وقت صلاة العشاء، والإخوة من العامّة - بخلافنا نحن الشيعة - يوجبون التفريق بين صلاتي الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، وقد يجمعون أحياناً، وذلك لسبب كالمطر والسفر.

لذا فقد تهيّئوا جميعاً للذهاب إلى المسجد، فقال بعضهم: وبما أنّا نريد الرجوع بعد الصلاة إلى هذا المكان لمتابعة الحديث، فالأحسن أن تقام جماعة في المسجد وجماعة في هذا المكان بالحاضرين، حتّى لايفترق جمعنا ولايفوت وقتنا، فهذه فرصة ثمينة يجب أن نغتنمها.

فوافق الجميع على هذا الاقتراح، وذهب السيّد عبد الحيّ - إمامُ المسجد - ليقيم الجماعة فيه بالناس.

وأمّا الآخرون فقد أقاموا صلاة العشاء جماعة في نفس المكان، واستمرّوا على ذلك بقية الليالي التالية أيضاً.

٣٤

مسألة الجمع أو التفريق بين الصلاتين

ولمـّا استقرّ بنا المجلس بعد الصلاة، خاطبني أحد الحاضرين، ويُدعى النوّاب عبد القيّوم خان، وكان يُعدّ من أعيان العامة وأشرافهم، وهو رجل مثقّف يحبّ العلم والمعرفة، فقال لي: في هذه الفرصة المناسبة التي يتناول العلماء فيها الشاي أستأذنكم لأطرح سؤالاً خارجاً عن الموضوع الّذي كنّا فيه، ولكنّه كثيراً ما يتردّد على فكري ويختلج في صدري.

قلت: تفضّل واسأل، فإنّي مستعدّ للاستماع إليك.

النوّاب: كنت أحبّ كثيراً أن ألتقي بأحد علماء الشيعة حتّى أسأله: أنّه لماذا تسير الشيعة على خلاف السُنّة النبوية حتى يجمعون بين صلاتي الظهر والعصر وكذلك المغرب والعشاء؟!

قلت:

أولاً: السادة العلماء - وأشرت إلى الحاضرين في المجلس - يعلمون أنّ آراء العلماء تختلف في كثير من المسائل الفرعية، كما أنّ أئمّتكم - الأئمّة الأربعة - يختلفون في آرائهم الفقهيّة فيما بينهم كثيراً، فلم يكن إذن الاختلاف بيننا وبينكم في مثل هذه المسألة الفرعية شيئاً مستغرباً.

ثانياً: إنّ قولك: الشيعة على خلاف السُنّة النبوية، ادّعاءٌ وقول لا دليل عليه، وذلك لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يجمع حيناً ويفرّق اُخرى.

النوّاب - وهو يتوجّه إلى علماء المجلس ويسألهم -: أهكذا كان يصنع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يفرّق حيناً ويجمع اُخرى؟

٣٥

الحافظ: يلتفت إلى النوّاب ويقول في جوابه-: كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يجمع بين الصلاتين في موردين فقط: مورد السفر، ومورد العذر من مطر وما أشبه ذلك، لكي لا يشقّ على أُمّته.

وأمّا إذا كان في الحضر، ولم يك هناك عذر للجمع، فكان يفرّق، وأظنّ أنّ السيّد قد التبس عليه حكم السفر والحضر!!

قلت: كلّا، ما التبس عَليَّ ذلك، بل أنا على يقين من الأمر، وحتّى أنّه جاء في الروايات الصحيحة عندكم: بأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يجمع بين الصلاتين في الحضر من غير عذر.

الحافظ: ربّما وجدتم ذلك في رواياتكم وتوهّمتم أنّها من رواياتنا!!

قلت: لا، ليس كذلك، فإنّ رواة الشيعة قد أجمعوا على جواز الجمع بين الصلاتين، لأنّ الروايات في كتبنا صريحة في ذلك، وإنّما الكلام والنقاش يدور فيما بين رواتكم حول الجمع وعدمه، فقد نقلت صحاحكم وذكرت مسانيدكم، أحاديث كثيرة وأخباراً صريحة في هذا الباب.

الحافظ: هل يمكنكم ذكر هذه الروايات والأحاديث وذكر مصادرها لنا؟

قلت: نعم، هذا مسلم بن الحجّاج، روى في صحيحه في باب «الجمع بين الصلاتين في الحضر» بسنده عن ابن عبّاس، أنّه قال: صلّى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الظهر والعصر جمعاً، والمغرب والعشاء جمعاً، في غير خوف ولا سفر.

٣٦

وروى أيضاً، بسنده عن ابن عبّاس، أنّه قال: صلّيت مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمانياً جمعاً، وسبعاً جمعاً(١) .

وروى هذا الخبر بعينه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده ج ٢ ص ٢٢١، وأضاف إليه حديثاً آخر عن ابن عبّاس أيضاً، أنّه قال: صلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المدينة مقيماً غير مسافر، سبعاً وثمانياً.

وروى مسلم في صحيحه أخباراً عديدة في هذا المجال، إلى أن روى في الحديث رقم ٥٧، بسنده عن عبدالله بن شقيق، قال: خطبنا ابن عبّاس يوماً بعد العصر حتّى غربت الشمس وبدت النجوم، فجعل الناس يقولون: الصلاة - الصلاة! فلم يعتن ابن عبّاس بهم، فصاح في هذه الأثناء رجل من بني تميم، لا يفتر ولا ينثني: الصلاة.. الصلاة!

فقال ابن عبّاس: أتعلّمني بالسُنّة؟ لا اُمَّ لك!

ثمّ قال: رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء.

قال عبدالله بن شقيق: فحاكَ في صدري من ذلك شيء، فأتيت أبا هريرة، فسألته، فصدّق مقالته.

وروى مسلم في صحيحه الحديث رقم ٥٨ ذلك أيضاً بطريق آخر عن عبدالله بن شقيق العقيلي، قال: قال رجل لابن عبّاس - لمـّا طالت خطبته-: الصلاة! فسكت، ثمّ قال: الصلاة! فسكت. ثمّ قال:

____________________

١) يقصد بالثمان: ركعات الظهر والعصر، وبالسبع: ركعات المغرب والعشاء، في الحضر. «المترجم».

٣٧

الصلاة! فسكت، ثمّ قال: لا اُمّ لك! أتعلّمنا بالصلاة، وكنّا نجمع بين الصلاتين على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟!

وروى الزرقاني وهو من كبار علمائكم، في كتابه «شرح موطّأ مالك ج ١ ص ٢٦٣، باب الجمع بين الصلاتين» عن النسائي، عن طريق عمرو بن هرم، عن ابن الشعثاء، أنّه قال: إنّ ابن عبّاس كان يجمع بين صلاتي الظهر والعصر، وصلاتي المغرب والعشاء في البصرة، وكان يقول: هكذا صلّى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وروى مسلم في صحيحه، ومالك في: «الموطّأ» وأحمد بن حنبل في «المسند» والترمذي في صحيحه في «باب الجمع بين الصلاتين» بإسنادهم عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس، قال: جمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء بالمدينة، من غير خوف ولا مطر، فقيل لابن عبّاس: ما أراد بذلك؟

قال: أراد أن لا يحرج أحداً من اُمّته.

هذه بعض رواياتكم في هذا الموضوع، وهي أكثر من ذلك بكثير، ولكن ربّما يقال: إنّ أوضح دليل على جواز الجمع بين الصلاتين من غير عذر ولا سفر، هو: أنّ علماءكم فتحوا باباً في صحاحهم ومسانيدهم بعنوان: «الجمع بين الصلاتين» وذكروا فيه الروايات التي ترخّص الجمع مطلقاً، فيكون دليلاً على جواز الجمع مطلقاً، في السفر والحضر، مع العذر وبلا عذر.

ولو كان غير ذلك، لفتحوا باباً مخصوصاً للجمع في الحضر، وباباً مخصوصاً للجمع في السفر، وبما أنّهم لم يفعلوا ذلك، وإنّما

٣٨

سردوا الروايات في باب واحد، كان دليلاً على جواز الجمع مطلقاً!

الحافظ: ولكنّي لم أجد في صحيح البخاري روايات ولا باباً بهذا العنوان.

قلت:

أوّلاً: إنّه إذا روى سائر أصحاب الصحاح - غير البخاري - من مثل مسلم والترمذي والنسائي وأحمد بن حنبل، وشرّاح صحيحي مسلم والبخاري، وغيرهم من كبار علمائكم، أخباراً وأحاديث في مطلب ما وأقرّوا بصحّتها، ألم تكن رواية اُولئك كافية في إثبات ذلك المطلب، فيثبت إذن هدفنا ومقصودنا؟!

وثانياً: إنّ البخاري أيضاً ذكر هذه الروايات في صحيحه، ولكن بعنوان آخر، وذلك في باب «تأخير الظهر إلى العصر» من كتاب مواقيت الصلاة، وفي باب «ذِكر العشاء والعتمة» وباب «وقت المغرب».

أرجو أن تطالعوا هذه الأبواب بدقّة وإمعان حتّى تجدوا أنّ كلّ هذه الأخبار والروايات الدالّة على جواز الجمع بين الصلاتين منقولة هناك أيضاً.

الجمع بين الصلاتين عند علماء الفريقين

والحاصل: إنّ نقل هذه الأحاديث من قبل جمهور علماء الفريقين - مع الإقرار بصحّتها في صحاحهم - دليل على أنّهم أجازوا الجمع ورخّصوه، وإلّا لمـّا نقلوا هذه الروايات في صحاحهم.

٣٩

كما أنّ العلّامة النووي في «شرح صحيح مسلم» والعسقلاني والقسطلاني وزكريّا الأنصاري، في شروحهم لصحيح البخاري، وكذلك الزرقاني في «شرح موطّأ مالك» وغير هؤلاء من كبار علمائكم ذكروا هذه الأخبار والروايات، ثمّ وثّقوها وصحّحوها، وصرّحوا بأنّها تدلّ على الجواز والرخصة في الجمع بين الصلاتين في الحضر من غير عذر ولا مطر، وخاصة بعد رواية ابن عبّاس وتقرير صحّتها، فإنّهم علّقوا عليها بأنّها صريحة في جواز الجمع مطلقاً، وحتّى لا يكون أحد من الاُمّة في حرج ومشقّة.

النوّاب - وهو يقول متعجباً -: كيف يمكن مع وجود هذه الأخبار والروايات المستفيضة والصريحة في جواز الجمع بين الصلاتين، ثمّ يكون علماؤنا على خلافها حكماً وعملاً؟!

قلت - بديهي، ومع كامل العذر على الصراحة -: إنّ عدم التزام علمائكم بالنصوص الصريحة والروايات الصحيحة لا تنحصر - مع كلّ الأسف - بهذا الموضوع فقط، بل هناك حقائق كثيرة نصّ عليها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وصرّح بها في حياته، ولكنّهم لم يلتزموا بها، وإنّما تأوّلوها وأخفوا نصّها عن عامة الناس، وسوف تنكشف لكم بعض هذه الحقائق خلال البحث والنقاش في موضوع الإمامة وغيره إن شاء الله تعالى.

وأمَّا هذا الموضوع بالذات، فإنّ فقهاءكم لم يلتزموا – أيضاً - بالروايات التي وردت فيه مع صراحتها، وإنّما أوّلوها بتأويلات غير مقبولة عرفاً.

٤٠