مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مناظرات وحوار ليالي بيشاور0%

مناظرات وحوار ليالي بيشاور مؤلف:
المحقق: السيّد حسين الموسوي
الناشر: ذوي القربى
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 1199

مناظرات وحوار ليالي بيشاور

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيّد محمّد الموسوي الشيرازي
المحقق: السيّد حسين الموسوي
الناشر: ذوي القربى
تصنيف: الصفحات: 1199
المشاهدات: 220133
تحميل: 2535

توضيحات:

مناظرات وحوار ليالي بيشاور
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 1199 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 220133 / تحميل: 2535
الحجم الحجم الحجم
مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مؤلف:
الناشر: ذوي القربى
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

لا إله إلّا الله، محمّد رسول الله، بألسنتهم ولما يدخل الإيمان في قلوبهم، فكانوا يتحيّنون الفرصة لإظهار بغضهم الدفين، فلمّا اُتيحت لهم الفرصة بوفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله انقلبوا على أعقابهم، وفعلوا ما فعلوا ظلماً وعناداً.

وبعضهم للحسد والكبرياء، لأنّهم كانوا أسنّ من الإمام عليّعليه‌السلام ، وهو يوم ذاك لم يبلغ الأربعين من العمر، فثقل عليهم أن يخضعوا له ويطيعوا أمره!

لهذه الأسباب ونحوها تركوا خليفة نبيّهم وخذلوه وكادوا يقتلوه، كما كاد بنو إسرائيل أن يقتلوا هارون!!

لذلك روى ابن قتيبة وهو من كبار علمائكم، في كتابه الإمامة والسياسة صفحة ١٣ - ١٤ / ط مطبعة الأمة بمصر تحت عنوان: «كيف كانت بيعة عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه».

قال: وإنّ أبا بكر (رض) تفقّد قوماً تخلّفوا عن بيعته عند عليّ كرّم الله وجهه، فبعث إليهم عمر، فجاء وناداهم وهم في دار عليّ، فأبوا أن يخرجوا، فدعا بالحطب وقال: والذي نفس عمر بيده لتخرجنّ أو لأحرقنّها على من فيها!

فقيل له: يا أبا حفص، إنّ فيها فاطمة!

فقال: وإنْ!!

فخرجوا وبايعوا إلّا عليّاً فأخرجوا عليّاً، فمضوا به إلى أبي بكر، فقالوا له: بايع.

فقال: إنْ أنا لم أفعل فمه؟!

٢٨١

قالوا: إذاً والله الذي لا إله إلّا هو نضرب عنقك!!

قال: إذاً تقتلون عبدالله وأخا رسوله.

قال: عمر أمّا عبدالله فنعم، وأمّا أخو رسوله فلا!

وأبو بكر ساكت لا يتكلّم، فقال له عمر: ألا تأمر فيه بأمرك؟!!

فقال: لا اُكرهه على شيء ما كانت فاطمة إلى جنبه.

فلحق عليٌّ بقبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصيح ويبكي وينادي:( ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَ کَادُوا يَقْتُلُونَنِي ) (١) .

ونقل أكثر المؤرّخين الموثّقين عندكم أنّ الإمام عليّاًعليه‌السلام تلا هذه الآية عند قبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في تلك الحالة العصيبة، وهي حكاية قول هارون عند أخيه موسى بن عمران حينما رجع من ميقات ربّه، فشكى إليه قومه بني إسرائيل، وكيف استضعفوه وصاروا ضدّه.

وإنّي أعتقد أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يعلم بأنّه سيجري من قومه على وصيه وخليفته من بعده، ما جرى على هارون من اُمّة موسى في غيبته، ولذلك شبّه عليّاًعليه‌السلام بهارون.

والإمام عليّعليه‌السلام لإثبات هذا المعنى خاطب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عند قبره فقال له ما قال هارون لأخيه موسى، قوله تعالى:( إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَ کَادُوا يَقْتُلُونَنِي ) (٢) .

فلمّا وصل حديثنا إلى هذه النقطة، سكت الحافظ وبهت

____________________

١ و٢) سورة الأعراف، الآية ١٥٠.

٢٨٢

الحاضرون، و بدا ينظر بعضهم إلى بعض، في حالة من التفكّر و التعجّب.

فرفع النوّاب رأسه وقال: إذا كانت الخلافة حقّ الإمام عليّعليه‌السلام بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مباشرة من غير تأخّر وذلك بأمر الله تعالى كما تقولون، فلماذا لم يصرّح به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمام أصحابه والذين آمنوا به؟!

فلو كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول بالصراحة: يا قوم! إنّ عليّ بن أبي طالب خليفتي فيكم وهو بعدي أميركم والحاكم عليكم، فلم يكن حينئذ عذر للاُمّة في تركه ومبايعة غيره ومتابعة الآخرين!

قلت:

أوّلاً: المشهورين بين أهل اللغة والأدب بأنّ: «الكناية أبلغ من التصريح» فتوجد في الكناية نكات دقيقة ولطائف رقيقة لا توجد في التصريح أبداً.

مثلاً المعاني الجمّة التي تستخرج من كلمة «المنزلة» فيما نحن فيه من البحث حول حديث المنزلة، تكون أعمّ وأشمل من كلمة «الخليفة» لأنّ الخلافة تكون جزءاً وفرعاً لمنزلة هارون من موسى.

ثانياً: توجد تصريحات من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في خلافة الإمام عليّعليه‌السلام .

النوّاب: هل يمكن أن تبيّنوا لنا تلك التصريحات وأعتذر أنا من هذا السؤال، لأنّ علماءَنا يقولون لنا: لا يوجد حديث صريح من

٢٨٣

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في خلافة عليّ كرّم الله وجهه، وإنّما الشيعة يؤوّلون بعض الأحاديث النبوية الشريفة في خلافة عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه!

قلت: إنّ الّذين قالوا لكم هذا الكلام، إمّا هم جهّال في زيّ أهل العلم، أو علماءٌ يتجاهلون! لأنّ الأحاديث الصريحة في خلافة الإمام عليّعليه‌السلام وتعيينه دون غيره كثيرة، وقد ذكرها علماؤكم الأعلام في الكتب المعتبرة، وأنا الآن اُبيّن لكم بعض ما يحضرني، حسب ما يسمح به الوقت

يوم الإنذار

أوّل مناسبة صرّح فيها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بخلافة الإمام عليّعليه‌السلام في أوان رسالته والإسلام بعد لم ينتشر، بل كان لا يزال في مهده ولم يخرج من مكّة المكرّمة، لمـّا نزلت الآية الكريمة:( وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَکَ الْأَقْرَبِينَ‌ ) (١) .

روى الإمام أحمد، في مسنده ١/١١١ و ١٥٩ و٣٣٣.

والثعلبي في تفسيره عند آية الإنذار.

والعلّامة الكنجي الشافعي، في «كفاية الطالب» أفرد لها الباب الحادي و الخمسين.

والخطيب موفّق بن أحمد الخوارزمي، في المناقب.

ومحمد بن جرير الطبري، في تفسيره عند آية الإنذار، وفي

____________________

١) سورة الشعراء، الآية: ٢١٤.

٢٨٤

تاريخه ٢/٢١٧ بطرق كثيرة.

وابن أبي الحديد، في «شرح نهج البلاغة».

وابن الأثير، في تاريخه، الكامل ٢/٢٢.

والحافظ أبو نعيم، في «حلية الأولياء».

والحميدي، في «الجمع بين الصحيحين».

والبيهقي، في «السنن والدلائل».

وأبو الفداء، في تاريخه ١/١١٦.

والحلبي، في السيرة ١/٣٨١.

والإمام النسائي، في الخصائص، حديث رقم ٦٥.

والحاكم في المستدرك ٣/١٣٢.

والشيخ سليمان الحنفي، في الينابيع، أفرد لها الباب الحادي والثلاثين.

وغيرهم من كبار علمائكم ومحدّثيكم ومفسّريكم، رووا - مع اختلاف يسير في العبارات -:

إنّه لمـّا نزلت الآية الشريفة:( وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَکَ الْأَقْرَبِينَ‌ ) جمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بني عبد المطّلب، وكانوا أربعين رجلاً، منهم من يأكل الجذعة(١) ويشرب العس(٢) .، فصنع لهم مُدّاً من طعام، فأكلوا حتّى شبعوا، وبقي كما هو!

ثمّ دعا بعسً، فشربوا حتّى رووا، وبقي كأنّه لم يُشْرب!

____________________

١) الجَذَعة: الشاة الصغيرة السِّن ومن الإبل ما كان سنها أربع سنين الى خمس.

وقيل سميت بذلك لأنها تجذع مقدّم أسنانها أي تسقطه.

٢) العَسّ: القدح الضخم يروي الثلاثة والأربعة.

٢٨٥

ثمّ خاطبهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قائلاً:

يا بني عبد المطّلب! إنّ الله بعثني للخلق كافّة وإليكم خاصة، وقد رأيتم ما رأيتم، وأنا أدعوكم إلى كلمتين خفيفتين على اللسان وثقيلتين في الميزان، تملكون بها العرب والعجم، وتنقاد لكم الاُمم، وتدخلون بهما الجنّة، وتنجون بهما من النار، وهما شهادة أنْ لا إله إلّا الله وأنّي رسول الله.

فمن منكم يجبني إلى هذا الأمر ويؤازرني على القيام به يكن أخي ووزيري ووارثي وخليفتي من بعدي؟

وفي بعض الأخبار: يكون أخي وصاحبي في الجنّة. وفي بعض الأخبار: يكون خليفتي في أهلي.

فلم يجبه أحد إلّا عليّ بن أبي طالب، وهو أصغر القوم.

فقال له النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : اجلس، وكرّر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله مقالته ثلاث مرّات ولم يجبه أحد، إلّا عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام .

وفي المرّة الثالثة، أخذ بيده وقال للقوم: إنّ هذا أخي ووصيّي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا.

هذا الخبر الهامّ الذي اتّفق على صحّته علماء الفريقين من الشيعة والسُنّة.

تصريحات اُخرى في خلافة عليٍّعليه‌السلام

وهناك تصريحات اُخرى من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في شأن خلافة

٢٨٦

الإمام عليّعليه‌السلام ، ذكرها علماؤكم ومحدّثوكم الموثقون لديكم في كتبهم المعتبرة، منهم:

١- الإمام أحمد في «المسند» والمير السيّد علي الهمداني الشافعي في كتابه «مودة القربى» في آخر المودّة الرابعة، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: يا عليّ! أنت تبرئ ذمّتي، وأنت خليفتي على اُمّتي.

٢- الإمام أحمد في «المسند» بطرق شتّى، وابن المغازلي الشافعي في المناقب، والثعلبي في تفسيره، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال لعليّعليه‌السلام : أنت أخي، ووصيّي، وخليفتي، وقاضي ديني.

٣- العلّامة الراغب الأصبهاني، في كتابه محاضرات الاُدباء ٢/٢١٣ ط. المطبعة الشرفية سنة ١٣٢٦ هجرية، عن أنس بن مالك، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال: إنّ خليلي ووزيري وخليفتي وخير من أترك بعدي، يقضي ديني، وينجز موعدي، عليّ بن أبي طالب.

٤- المير السيّد علي الهمداني الشافعي في كتابه «مودّة القربى» في أوائل المودّة السادسة، روى عن عمر بن الخطّاب، قال: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمـّا آخى بين أصحابه قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هذا عليٌّ أخي في الدنيا والآخرة، وخليفتي في أهلي، ووصيّي في اُمّتي، ووارث علمي، وقاضي ديني، ماله منّي مالي منه، نفعه نفعي، وضرّه ضرّي، من أحبّه فقد أحبّني، ومن أبغضه فقد أبغضني.

٢٨٧

وفي رواية اُخرى - في المودّة السادسة - قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مُشيراً لعليٍّعليه‌السلام : وهو خليفتي ووزيري.

٥- العلّامة محمد بن يوسف الكنجي الشافعي، في كتابه «كفاية الطالب» في الباب الرابع والأربعين، روى بسنده عن ابن عبّاس، قال:

ستكون فتنة، فمن أدركها منكم فعليه بخصلة من كتاب الله تعالى وعليّ بن أبي طالبعليه‌السلام .

فإنّي سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يقول: هذا أوّل من آمن بي، وأوَّلَ مَنْ يصافحني، وهو فاروق هذه الاُمّة، يفرق بين الحقّ والباطل، وهو يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب الظلمة، وهو الصدّيق الأكبر، وهو بابي الذي اُوتي منه، وهو خليفتي من بعدي.

قال العلّامة الكنجي: هكذا أخرجه محدّث الشام في فضائل عليّعليه‌السلام ، في الجزء التاسع والأربعين بعد الثلاثمائة من كتابه بطرق شتّى.

٦- أخرج البيهقي والخطيب الخوارزمي وابن المغازلي الشافعي في «المناقب»:

عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليٍّعليه‌السلام : إنّه لا ينبغي أن أذهب إلّا وأنت خليفتي، وأنت أولى بالمؤمنين من بعدي.

٧- الإمام النسائي، وهو أحد أئمّة الحديث وصاحب أحد

٢٨٨

الصحاح الستّة عندكم، أخرج في كتابه (الخصائص) في ضمن الحديث ٢٣:

عن ابن عبّاس، أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لعليٍّعليه‌السلام : أنت خليفتي في كلّ مؤمن من بعدي.

فالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يؤكّد في هذا الحديث أنّ عليّاًعليه‌السلام خليفته من بعده، أي مباشرةً وبلا فصل، فلا اعتبار لإدّعاء أيّ مدعٍ خلافة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الّذين نازعوا عليّاًعليه‌السلام وغصبوا منصبه ومقامه(١) لوجود حرف: «مِن» في الحديث، فهي إمّا أن تكون بيانية أو ابتدائية، وعلى التقديرين يتعيّن عليّعليه‌السلام بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأنّه خليفته بلا فصل.

٨- المير السيّد علي الهمداني: أخرج في كتابه «مودّة القربى» في الحديث الثاني من المودّة السادسة، بسنده عن أنس، رفعه عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: إنّ الله اصطفاني على الأنبياء فاختارني واختار لي وصيّاً، واخترت ابن عمّي وصيّي، يشدّ عضدي كما يشدّ عضد موسى بأخيه هارون، وهو خليفتي، ووزيري، ولو كان بعدي نبيّاً لكان عليٌّ نبيّاً، ولكن لا نبوّة بعدي.

____________________

١) يفيدنا هذا الحديث الشريف: أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله جعل الرضا بخلافة الإمام عليّعليه‌السلام من بعده، من علائم الإيمان، والفرق بين الإسلام والإيمان واضح لقوله تعالى:( قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَ لٰکِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَ لمـّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِکُمْ ) سورة الحجرات، الآية ١٤.

٢٨٩

٩- أخرج الطبري في كتابه «الولاية» خطبة الغدير، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول فيها: قد أمرني جبرئيل عن ربّي أن أقوم في هذا المشهد، وأعْلِمَ كلّ أبيض وأسود: أنّ عليّ بن أبي طالب أخي، ووصيّي، و خليفتي، والإمام بعدي.

ثمّ قال: معاشر الناس! فإنّ الله قد نصبه لكم وليّاً وإماماً وفرض طاعته على كلّ أحد، ماضٍ حكمه، جائزٌ قوله، ملعونٌ من خالفه، مرحومٌ من صدّقه.

١٠- أخرج أبو المؤيّد بن أحمد الخوارزمي في كتابه «فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام » الفضل ١٩، بإسناده عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال: لمـّا وصلت في المعراج إلى سدرة المنتهى، خاطبني الجليل قائلاً: يا محمد! أيَّ خلقي وجدته أطوع لك؟

فقلت: يا ربّ، عليٌّ أطوع خلقك إليَّ.

قال عزّ وجلّ: صدقت يا محمّد.

ثمّ قال: فهل اتّخذت لنفسك خليفة يؤدّي عنك، ويعلّم عبادي من كتابي ما لا يعلمون.

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قلت: يا ربّ اختر لي، فإنّ خيرتك خيرتي.

قال: اخترت لك عليّاًعليه‌السلام ، فاتّخذه لنفسك خليفة ووصيّاً، ونحلته علمي وحلمي، وهو أمير المؤمنين حقّاً، لم ينلها أحد قبله، وليست لأحد بعده(١) .

____________________

١) أقول: وقد وردت أخبار كثيرة في كتب العامة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يشير فيها إلى فضائل =

٢٩٠

. . . . .

____________________

= الإمام عليّعليه‌السلام ، ويصرّحصلى‌الله‌عليه‌وآله بأنّه: الإمام الوصيّ، والوليّ، وأمير المؤمنين، وهذه الألقاب والصفات ما جاءت إلّا بمعنى الخلافة، فغير صحيح أن يؤخَّر الإمام و يقدَّم المأموم، أو يخلف النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله غير وصيّه

وإليك بعض تلك الأخبار:

١) أخرج الشيخ سليمان الحنفي في كتابه: ينابيع المودّة ١/١٥٦ في الباب الرابع والأربعين: قال:

وفي المناقب: عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس رضي الله عنهما: قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا عليّ! أنت صاحب حوضي، وصاحب لوائي، وحبيب قلبي، ووصيّي ووارث علمي، وأنت مستودع مواريث الأنبياء من قبلي، وأنت أمين الله في أرضه، وحجّة الله على بريّته، وأنت ركن الإيمان وعمود الإسلام، وأنت مصباح الدجى، ومنار الهدى، والعلم المرفوع لأهل الدنيا.

يا علي! من اتّبعك نجا، ومن تخلّف عنك هلك، وأنت الطريق الواضح، والصراط المستقيم، وأنت قائد الغرّ المحجّلين، ويعسوب المؤمنين، وأنت مولى من أنا مولاه، وأنا مولى كلّ مؤمن ومؤمنة، لا يحبّك إلّا طاهر الولادة، وما عرجني ربّي عزّ وجلّ إلى السماء وكلّمني ربّي إلّا قال: يا محمّد اقرأ عليّاً منّي السلام، وعرّفه أنّه إمام أوليائي، ونور أهل طاعتي، وهنيئاً لك هذه الكرامة.

٢) وأخرج ابن المغازلي الشافعي في كتابه (المناقب) والديلمي في كتابه (الفردوس) كما نقل عنهما الشيخ سليمان الحنفي في كتابه ينابيع المودّة ١/١١، الباب الأوّل، عن سلمان، قال: سمعت حبيبي محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: كنتُ أنا وعليٌّ نوراً بين يدي الله عزّ وجلّ، يسبّح الله ذلك النور ويقدّسه قبل أن يخلق الله آدم بأربعة عشر ألف عام، فلمّا خلق آدم أودع ذلك النور في صلبه، فلم =

٢٩١

. . . . . ____________________

= يزل أنا وعليٌّ شيء واحد حتّى افترقنا في صلب عبد المطّلب، ففيَّ النبوة وفي عليٍّ الإمامة.

٣) وأخرجه المير السيّد علي الهمداني،ن في المودّة الثامنة من كتابه «مودّة القربى» قال: عثمان (رض) رفعه عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: خُلقت أنا وعليٌّ من نور واحد - إلى أن قال : - ففيَّ النبوّة ، وفي علىٍّ الوصيّة.

٤) وأخرج أيضاً عن عليٍّعليه‌السلام عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: يا علي! خلقني الله وخلقك من نوره - إلى أن قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : - ففيَّ النبوّة والرسالة، وفيك الوصيّة والإمامة.

٥) وأخرج العلاّمة الكنجي الشافعي في كتابه: «كفاية الطالب» في الباب السادس والخمسين، في تخصيص عليٍّعليه‌السلام بكونه إمام الأولياء، روى بسنده المتّصل عن أنس بن مالك، قاال: بعثني النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى أبي برزة الأسلمي، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له - وأنا أسمع -: يا أبا برزة! إنّ الله عهد إليَّ عهداً في عليّ بن أبي طالب.

فقال: إنّه راية الهدى، منار الإيمان، وإمام أوليائي، ونور جميع من أطاعني.

يا أبا برزة! عليّ بن أبي طالب أميني غداً في القيامة، وصاحب رايتي في القيامة، وأميني على مفاتيح خزائن رحمة ربّي عزّ وجلّ.

قال العلّامة الكنجي: هذا حديث حسن، أخرجه صاحب «حلية الأولياء» كما أخرجناه.

٦) وأخرج العلّامة الكنجي، في الباب الرابع والخمسين، بسنده المتّصل عن أنس، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أنس! اسكب لي وضوءً يغنيني.

فتوضّأ ثمّ قام وصلّى ركعتين، ثمّ قال: يا أنس! أوّل من يدخل عليك من هذا الباب أمير المؤمنين، وسيّد المرسلين، وقائد الغرّ المحجّلين، وخاتم الوصيّين. =

٢٩٢

اعلموا أنّ الأخبار في هذا المضمار، كثيرة في كتبكم المعتبرة، وقد نقلت لكم بعض ما أحفظ منها، كي يعلم الحافظ بأنّنا لا نرو إلّا ما رواه علماؤكم الأعلام، ولا نقول إلّا الحقّ، ولا نعتقد إلّا بالحقيقة والواقع.

والجدير بالذكر أنّ بعض علمائكم المنصفين اعترفوا بخلافة عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام كما نعتقد نحن، منهم: إبراهيم بن سيّار بن هانئ البصري، المعروف بالنظّام(١) ، فإنّه يقول: نصّ النبيّ (صلّى الله عليه

____________________

= قال أنس: قلت اللهمّ اجعله رجلاً من الأنصار، وكتمتُه

إذ جاء عليٌّ، فقال: من هذا يا أنس؟ قلت: عليّ بن أبي طالب.

فقام النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مستبشراً فاعتنقه، ثم جعل يمسح عرق وجهه بوجهه، ويمسح عرق عليٍّعليه‌السلام بوجهه.

قال عليّعليه‌السلام : يا رسول الله! لقد رأيتك صنعت بي شيئاً ما صنعت بي قبل!

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وما يمنعني وأنت تؤدّي عنّي، وتُسمعهم صوتي، وتبيّن لهم ما اختلفوا فيه بعدي؟!

قال العلّامة الكنجي الشافعي هذا حديث حسن عال، أخرجه الحافظ أبو نعيم في «حلية الأولياء» قال: وأنشدت في المعنى:

عليٌّ أميرُ المؤمنين الذي به

هدى الله أهلَ الأرضِ من حيرة الكفرِ

أخو المصطفى الهادي الذي شدّ أزره

فكان له عوناً على العُسرِ واليُسرِ

ومَن نصرَ الإسلامَ حتّى توطّأتْ

قواعدُه عزّاً فتُوِّج بالنصرِ

عليٌّ عليُّ القدر عند مليكِهِ

على رغمِ مَن عاداه قاصمة الظهرِ

نكتفي بهذا المقدار، فإنّ فيه الهدى والاستبصار، لمن أراد أن يعرف الحقّ من الأحاديث والأخبار. «المترجم»

١) ترجم له الصفدي في كتاب «الوافي بالوفيات» في حرف الألف.

٢٩٣

[ وآله ] وسلم) على أنّ الإمام هو عليٌّ وعيَّنَهُ، وعَرَفَت الصحابة ذلك، ولكن كتمه عمر لأجل أبي بكر رضي الله عنهما.

ونحن لمـّا لم ندرك عصر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ولم نَحظَ بصحبته، يجب أن نراجع الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة عند الفريقين في تعرف الأفضل والأعلم والأرجح عند الله ورسوله والأحبّ إليهما فهو أولى من غيره في خلافة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ولا يخفى على أيّ عالم منصف غير معاند: أنّ الأخبار الصريحة في خلافة عليّعليه‌السلام وإمامته، وفي وصايته وولايته، وكذلك في أفضليّته وأعلميّته وأرجحيّته من سائر الصحابة، والمسلمين، كثيرة جدّاً.

وهي مرويّة عن طرقكم وبأسانيدكم المعتبرة، ومنقولة في كتبكم وتصانيف علمائكم الأعلام، وهي كثيرة وكثيرة بحيث لم يَرِدْ معشارها في حقّ أيّ واحد من الصحابة الكرام.

وإنّ أكثر تلك الفضائل العلوية والمناقب الحيدرية تُعَدّ من خصائص الإمام عليّعليه‌السلام ، ولم يشاركه فيها أحد، ولم يشابهه فيها أحد من الصحابة الأوفياء، ولكنّه شاركهم في جميع فضائلهم ومناقبهم.

وقد ذكرنا لكم بعض الأخبار المرويّة عن طرقكم والمسجّلة في مسانيدكم ومصادركم في حقّ الإمام عليّعليه‌السلام ، ضمن حديثنا وحوارنا في الليالي السالفة والمجالس السابقة.

وإليكم نموذجاً من حديث النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نقله علماؤكم الأعلام، يصرّح نبيّ الإسلام فيها أنّ فضائل ومناقب الإمام عليّعليه‌السلام كثيرة جدّاً

٢٩٤

بحيث لا تعدّ ولا تحصى.

أخرج الموفّق ابن أحمد الخوارزمي في المناقب:١٨، والعلّامة محمد بن يوسف الكنجي الشافعي في كتابه «كفاية الطالب» الباب الثاني والستّين، في تخصيص عليّعليه‌السلام بمائة منقبة دون سائر الصحابة، جاء في الباب، ص ١٢٣، بسنده عن ابن عبّاس، قال:

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لو أنّ الغياض أقلام، والبحر مِداد، والجنّ حُسّاب، والإنس كُتّاب، ما أحصوا فضائل عليّ بن أبي طالب.

وأخرج السيّد علي الهمداني بسنده عن عمر بن الخطّاب، رفعه، قال: قالَ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لو أنّ البحر مداد، والرياض أقلام، والإنس كُتّاب، والجنّ حُسّاب، ما أحصوا فضائلك يا أبا الحسن.

وأخرجه ابن الصبّاغ المالكي في «الفصول المهمة» بسنده عن ابن عبّاس، وأخرجه سبط ابن الجوزي في «التذكرة»(١) .

____________________

١) لقد ورد خبر آخر في عظم فضل الإمام عليّعليه‌السلام نذكره إتماماً للفائدة:

جاء في الرياض النضرة ٢/٢١٤، وفي ذخائر العقبى - للمحبّ الطبري - ص ٦١: عن عمر بن الخطّاب ( رض ) قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما اكتسب مكتسب مثل فضل عليّ، يهدي صاحبه إلى الهدى، ويردّه عن الردى. أخرجه الطبراني.

أقول: جاء في كتاب «تاريخ الخلفاء» للسيوطي ١/٦٥، قال أحمد بن حنبل: ما روي وما ورد لأحد من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الفضائل، ما روي وما ورد لعليٍّ رضي الله عنه!

وأخرج الحاكم في المستدرك على الصحيحين ٣/ ١٠٧، بسنده عن محمد بن منصور =

٢٩٥

لذلك نحن نعتقد أنّ عليّاًعليه‌السلام أحقّ من غيره بالخلافة.

الشيخ عبد السلام: نحن لا ننكر فضائل ومناقب مولانا عليّ كرم الله وجهه، ولكن انحصار الفضائل فيه غير معقول، لأنّ الخلفاء الراشدين - رضي الله عنهم - أكرم أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهم في الرتبة والفضل متساوون.

ولكنّكم تنحازون إلى جانب سيّدنا عليّ رضي الله عنه، وتنقلون كلّ الفضائل باسمه دون غيره، ولا تذكرون فضائل الصحابة الآخرين!

وهذا العمل يحرف أفكار الحاضرين عن الواقع فيلتبس الأمر عليهم، وهذا هو التعصّب!

فلكي ينكشف الحقّ للحاضرين، ولا يلتبس الأمر عليهم، اُريد أن أذكر شيئاً من فضائل ومناقب الخلفاء الراشدين.

قلت: نحن نتّبع العقل والعلم، ونقبل الدليل والبرهان، نحن

____________________

= الطوسي، قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول: ما جاء لأحد من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الفضائل ما جاء لعليّ بن أبي طالب رضي الله عنه.

وأخرج ابن عبد البرّ في الاستيعاب ٢/٤٧٩ ط. حيدر آباد ١٣١٩ هـ قال أحمد بن حنبل وإسماعيل بن اسحاق القاضي: لم يُرْوَ في فضائل أحد من الصحابة بالأسانيد الحسان ما روي في فضائل عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام .

وأخرجه الثعلبي في تفسير آية( إِنَّمَا وَلِيُّکُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ.. ) .

وأخرجه الخطيب الموفّق بن أحمد الخوارزمي الحنفي في المناقب، ص ٢٠.

والذهبي في «تلخيص المستدرك» المطبوع بهامش المستدرك ٣/١٠٧.

«المترجم».

٢٩٦

لا نَحْصِر الفضائل في الإمام عليّعليه‌السلام ، وإنّما نمحّضه في الفضائل، ونجلّه عن الرذائل، وذلك لنزول آية التطهير في شأنه.

وأمّا الإنحياز إلى جانبه فليس منّا فحسب، بل الله ورسوله انحازا إليه، كما نجد الآيات القرآنية في حقّه والأحاديث النبويّة الصريحة في فضله.

وأمّا نسبة التعصّب إلينا فهو بهتان وافتراء، فإنّ التعصّب معناه الالتزام بشيء مع الإصرار من غير دليل.

وأنا اُشهد الله سبحانه بأنّي ما التزمت بشيء من اُمور ديني، وما تمسّكت بولاية الإمام عليّعليه‌السلام والأئمة الهادين من ولده، إلّا بدليل القرآن والسُنّة والعقل السليم.

لذا أرجو من الحاضرين أن ينّبهوني إذا تكلّمت بشيء بغير دليل، أو تحدّثت على خلاف المنطق والعقل، فأكون لهم شاكراً.

وأمّا حديثكم في مناقب الراشدين فيكون مقبولاً بشرط أن تروون الأخبار الصحيحة عند الفريقين، فنتبرّك بها، لأنّنا لا ننكر مناقب وفضائل الصحابة الطيبّين، ولا شكّ أنّ لكلّ واحد من الأصحاب المؤمنين له فضائل ومناقب، ولكن الغرض من هذا المجلس والحوار، البحث عن أفضلهم وأحسنهم وأكثرهم منقبة عند الفرقين: الشيعة والسُنّة.

فإنّ كلامنا يدور حول الأفضل لا الفاضل، لأنّ الفضلاء كثيرون، والأفضل واحد منهم بحكم العقل والنقل، وهو أحقّ أن يُتّبع ويُطاع.

الشيخ عبد السّلام: إنّكم تغالطون في الموضوع، لأنّ كتبكم لا تحتوي على أي خبر أو حديث في فضل الخلفاء الراشدين غير سيّدنا

٢٩٧

عليٍّ كرّم الله وجهه، فكيف أنقل لهذا الجمع أخباراً مقبولة لديكم؟!

قلت: هذا الإشكال يَرِدُ عليكم، لأنَّهُ في أوّل ليلة حينما أردنا أن نبدأ بالبحث، قال الحافظ محمد رشيد سلّمه الله: إنّ الاحتجاج والاستدلال يجب أن يكون بالآيات القرآنية والأخبار المرويّة المقبولة عند الفريقين، وأنا قبلت الشرط، لأنّه مقتضى العقل، وعلمت به في أثناء الحوار والحديث في المجالس السابقة.

والحاضرون يشهدون، وأنتم تعلمون بأنّي كلّ ما احتججت به عليكم واستدللت به على صحّة كلامي، إنّما كان من القرآن الحكيم وأحاديث النبيّ الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله المعتبرة والمقبولة عندكم.

وأنا إلى آخر حواري معكم، وحتّى الوصول إلى النتيجة القطعية لا أنقض الشرط، بل أعمل على وفقه إن شاء الله تعالى.

ومع ذلك كلّه فإنّي أتساهل معكم، وأتنازل لكم، وأقبل منكم الروايات المنقولة في كتبكم دون كتبنا، شريطة أن لا تكون موضوعة أو مجعولة، وأن لا يأباها العقل السليم، فنستمع إليها مع الحاضرين، ثمّ نقضي فيها بالعدل والإنصاف، لنرى هل الأخبار التي تقرأها وترويها لنا، هل تفضّل وترجّح أحداً على سيّدنا ومولانا عليّ بن أبي طالب في العلم والجهاد والرتبة والمنزلة عند الله سبحانه وعند رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟!

الشيخ عبد السلام: إنّكم نقلتم أحاديث وأخباراً صحيحة وصريحة في خلافة سيّدنا عليٍّ كرّم الله وجهه، ولكنّكم غافلون أنّ عندنا أخباراً كثيرة في خلافة سيّدنا أبي بكر (رض).

قلت: مع أنّ كبار علمائكم أمثال: الذهبي والسيوطي وابن أبي

٢٩٨

الحديد وغيرهم أعلنوا بأنّ الأمويّين والبكريّين وضعوا أحاديث كثيرة مجعولة في فضائل أبي بكر، مع ذلك نحن نستمع إليك رجاء أن لا تكون رواياتك وأخبارك من تلك الموضوعات والمجعولات.

نقل حديث في فضل أبي بكر

الشيخ عبد السلام: لقد ورد في حديث معتبر عن عمر بن إبراهيم بن خالد، عن عيسى بن علي بن عبد الله بن عبّاس، عن أبيه، عن جدّه العبّاس، أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: يا عمّ! إنّ الله جعل أبي بكر خليفتي على دين الله، فاسمعوا له وأطيعوا تفلحوا.

قلت: هذا حديث مردود، ليس قابلاً للبحث والنقاش.

الشيخ عبد السّلام: كيف يكون مردوداً وهو مرويٌّ عن العبّاس عمّ النبيّ؟!

قلت: إنّه حديث مردود عند علمائكم أيضاً، فإنّ كبار علمائكم نسبوا بعض رواة هذا الحديث مثل: عمر بن إبراهيم إلى الكذب وجَعْل الأحاديث، فلذا فإنّ رواياته ساقطة عن الاعتبار.

قال الذهبي في كتابه «ميزان الاعتدال» في ترجمة إبراهيم بن خالد، وقال الخطيب البغدادي في «تاريخه» في ترجمة عمر بن إبراهيم: إنّه كذّاب، ساقطة عن الإعتبار.

الشيخ عبد السّلام: ما تقول في هذا الحديث الذي رواه الصحابي الثقة أبو هريرة: إنّ جبرئيل نزل على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال: إنّ الله تعالى يبلغك السلام ويقول: إنّي راض

٢٩٩

عن أبي بكر، فاسأله هل هو راضٍ عنّي؟!!

قلت: يجب أن نُدقّق في نقل الأخبار والأحاديث، حتّى لا نواجه مخالفة العقلاء. وليكن الحديث الذي نقله ابن حجر في «الإصابة» وابن عبد البرّ في «الاستيعاب» نصب أعينكم، وهو:

عن أبي هريرة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: كثرت عليَّ الكذّابة، ومن كذب عليَّ متعمّداً فليتبوّأ مقعده من النار، وكلّما حدثتم بحديث منّي فاعرضوه على كتاب الله.

وليكن نصب أعينكم الحديث الذي رواه الفخر الرازي في تفسيره ج ٣، آخر الصفحة ٣٧١، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال: إذا روي لكم عنّي حديثٌ فاعرضوه على كتاب الله تعالى، فإن وافقه فاقبلوه، وإلّا فردّوه.

فإذا كان في حيلة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله اُناس يكذبون عليه ويجعلون الأحاديث عن لسانه الشريف، فكيف بعد موته؟!

ومن جملة المزوّرين الجاعلين للحديث عن لسان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : أبو هريرة، الذي رويتَ عنه خلافة أبي بكر!

الشيخ عبد السلام: لا نتوقّع منك أن تردّ صحابيّاً جليلاً مثل أبي هريرة وتطعن فيه! وأنت عالم فاهم.

قلت: لا ترعبني بكلمة «الصحابي» لأنّ الصحابي أيّاً كان إذا راعى حقّ صحبته للنبيّ بأن كان سامعاً لقوله، مطيعاً لأمره فهو محترم مكرَّم، وصحبته تكون له شرفاً وفخراً.

ولكن إذا كان يخالف أوامر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويعمل حسب رأيه وهواه، ويكذب على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فهو ملعون ملعون، وليست حصيلة

٣٠٠