مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مناظرات وحوار ليالي بيشاور0%

مناظرات وحوار ليالي بيشاور مؤلف:
المحقق: السيّد حسين الموسوي
الناشر: ذوي القربى
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 1199

مناظرات وحوار ليالي بيشاور

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيّد محمّد الموسوي الشيرازي
المحقق: السيّد حسين الموسوي
الناشر: ذوي القربى
تصنيف: الصفحات: 1199
المشاهدات: 220140
تحميل: 2535

توضيحات:

مناظرات وحوار ليالي بيشاور
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 1199 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 220140 / تحميل: 2535
الحجم الحجم الحجم
مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مؤلف:
الناشر: ذوي القربى
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وإذا كان إيمانه في الصغر لا يُعَدّ فضيلة، فلماذا كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينوّه به ويشير إليه؟! وما ذلك إلّا ليسجل له فضيلة اُخرى، تضاف إلى فضائله الجمّة؟!

فقد روى الحافظ سليمان الحنفي في «ينابيع المودّة» الباب السادس والخمسين، عن محبّ الدين الطبري المكّي في كتابه «ذخائر العقبى» بسنده عن عمر بن الخطّاب، أنّه قال:

كنت أنا وأبو بكر وأبو عبيدة وجماعة إذ ضرب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منكب عليٍّ فقال: يا عليّ! أنت أوّل المؤمنين إيماناً، وأوّلهم إسلاماً، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى.

وروى الإمام أحمد في مسنده عن ابن عبّاس، أنّه قال:

كنت أنا وأبو بكر وأبو عبيدة بن الجرّاح وجماعة من الصحابة عند النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إذ ضرب على منكب عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام فقال: أنت أوّل المسلمين إسلاماً، وأنت أوّل المؤمنين إيماناً، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى، كذب يا عليّ من زعم أنّه يحبّني ويبغضك.

ورواه ابن الصبّاغ المالكي عن ابن عبّاس أيضاً في الفصول المهمّة : ١٢٥:

وروى الإمام أحمد بن شعيب بن سنان النسائي في «الخصائص» وموفّق بن أحمد الخطيب الخوارزمي في ( المناقب) مختصراً، وابن عساكر في تاريخه مختصراً، وأخرجه المتّقي الهندي في كنز العمال ٦/٣٩٥، وهذا نصّه:

من مسند عمر، عن ابن عبّاس قال: قال عمر بن الخطّاب: كفّوا عن ذِكر عليّ بن أبي طالب، فإنّي سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول

٣٨١

في عليٍّ ثلاث خصال، لأن يكون لي واحدة منهنّ أحب إليّ ممّا طلعت عليه الشمس، كنت أنا وأبو بكر وأبو عبيدة بن الجرّاح ونفر من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله والنبيّ متّكىء على عليّ بن أبي طالب، حتّى ضرب بيده على منكبه ثمّ قال: أنت يا عليّ أوّل المؤمنين إيماناً، وأوّلهم إسلاماً، أنت منّي بمنزلة هارون من موسى، وكذب عَليَّ من زعم أنّه يحبّني ويبغضك.

وفي رواية ابن الصبّاغ المالكي أضاف: من أحبك فقد أحبّني، ومن أحبّني أحبّه الله، ومن أحبّه الله أدخله الجنّة، ومن أبغضك فقد أبغضني ومن أبغضني أبغضه الله تعالى وأدخله النار(١) .

وروى الطبري في تاريخه عن محمد بن سعد بن أبي وقّاص، قال: سألت أبي: هل إنّ أبا بكر أوّل من آمن بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

فقال: لا، ولقد أسلم قبله أكثر من خمسين رجلاً، ولكنّه كان أفضل منّا في الإسلام.

و ذكر الطبري أيضاً فقال: ولقد أسلم قبل عمر بن الخطّاب خمسة وأربعون رجلاً وإحدى وعشرون امرأة، ولكن أسبق الناس إسلاماً وإيماناً فهو عليّ بن أبي طالب.

____________________

١) روى الحافظ سليمان الحنفي في «ينابيع المودّة» الباب الثاني عشر، عن الحمويني بسنده عن أبي رافع، عن أبي ذرّ، قال سمعت رسول الله (ص)يقول لعلي: أنت أوّل من آمن بي، وأنت أوّل من يصافحني يوم القيامة، وأنت الصدّيق الأكبر، وأنت الفاروق الذي يفرق بين الحقّ والباطل، وأنت يعسوب المسلمين، والمال يعسوب الكفّار.

«المترجم»

٣٨٢

ميزة إيمان عليّعليه‌السلام

ثمّ إنّ لإيمان عليٍّعليه‌السلام ميزة على إيمان غيره، وهي أنّ إيمانهعليه‌السلام كان عن فطرة غير مسبوق بكفر أو شرك، فإنّه بدأ حياته التكليفيّة بالإيمان ولم يشرك بالله سبحانه طرفة عين، بينما الآخرون بدءوا بالكفر والشرك ثمّ آمنوا، فكان إيمانهم مسبوقاً بالكفر والشرك، وإيمان الإمام عليعليه‌السلام كان عن فطرة، وهو فضيلة عظيمة وميزة كريمة امتاز بها عن غيره.

لذا قال الحافظ أبو نعيم في كتابه «ما نزل من القرآن في عليّعليه‌السلام » والمير السيّد عليّ الهمداني في كتابه «مودّة القربى» نقلاً عن ابن عبّاس أنّه قال: والله ما من عبد آمن بالله إلّا وقد عبد صنم، إلّا عليّ بن أبي طالب، فإنّه آمن بالله من غير أن يعبد صنماً.

وروى محمد بن يوسف الكنجي القرشي في «كفاية الطالب» الباب الرابع والعشرون، بإسناده إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال: سُبّاق الاُمم ثلاثة لم يشركوا بالله طرفة عين: عليّ بن أبي طالب، وصاحب ياسين، ومؤمن آل فرعون؛ فهم الصدّيقون، حبيب النجّار «مؤمن» أو صاحب ياسين، وحزقيل مؤمن آل فرعون، وعليّ بن أبي طالب وهو أفضلهم(١) .

____________________

١) وذكر ابن أبي الحديد رواية أبي جعفر الإسكافي بسنده عن ابن عبّاس، قال: السُبّاق ثلاثة: سبق يوشع بن نون إلى موسى، وسبق صاحب يس إلى عيسى، وسبق عليّ بن أبي طالب الى محمّد عليه وعليهم ‌السّلام. =

٣٨٣

وفي «نهج البلاغة» قال عليعليه‌السلام : فإنّي وُلدْتُ على الفطرة، وسبقت إلى الإيمان والهجرة.

وروى الحافظ أبو نعيم وابن أبي الحديد وغيرهما، أنّ علياًعليه‌السلام لم يكفر بالله طرفة عين.

وروى الإمام أحمد في المسند، والحافظ سليمان الحنفي في «ينابيع المودّة» عن ابن عبّاس، أنّه قال لزمعة بن خارجة: إنّه عليّاً لم يعبد صنماً، ولم يشرب خمراً، وكان أوّل الناس إسلاماً.

وأخيراً أتوجّه إلى من يقول بأنّ إيمان الشيخين أفضل من إيمان عليّعليه‌السلام فأسأله: أمَا سمع الحديث النبوي الشريف الذي رواه كبار علماء العامّة، منهم: ابن المغازلي في المناقب، والإمام أحمد في المسند، والخطيب الخوارزمي في المناقب، والحافظ سليمان الحنفي في «ينابيع المودة» وغيرهم، رووا عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال: لو وزن إيمان علي وإيمان اُمّتي لرجح إيمان علي على إيمان اُمّتي إلى يوم القيامة.

وروى الإمام الثعلبي في تفسيره، والخوارزمي في المناقب، والمير السيّد عليّ الهمداني في المودّة السابعة من كتابه «مودّة القربى» عن عمر بن الخطّاب، قال: أشهد أنّي سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: لو أنّ السموات السبع والأرضين السبع وضعن في كفّة ميزان ووضع إيمان

____________________

= ثمّ يروي عن الشعبي، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّعليه‌السلام : هذا أوّل من آمن بي وصدّقني وصلّى معي.

شرح نهج البلاغة ١٣/٢٢٥ ط دار إحياءالتراث العربي.

«المترجم»

٣٨٤

عليٍّ في كفّة ميزان لرجح إيمان عليٍ(١) .

وفي ذلك يقول سفيان بن مصعب الكوفي:

أشهدُ بالله لقد قال لنا

محمد والقول منه ما خفى

لو أن إيمانَ جميع الخَلْق ممّن

سكن الأرضَ ومَن حلّ السما

يُجعل في كفّة ميزانٍ لكي

يوفي بإيمان عليٍّ ما وفى

عليٌّعليه‌السلام أفضل الأمّة

روى المير السيّد عليّ الهمداني، الفقيه الشافعي، في كتابه «مودّة القربى» أخباراً متظافرة في أفضلية الإمام عليٍّعليه‌السلام على جميع الصحابة، بل على جميع الاُمّة.

قال في المودّة السابعة: عن ابن عبّاس، أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال:

____________________

١) لقد رَوى هذا الخبر والحديث عن عمر بن الخطّاب، جمع من العلماء والمحدّثين من أهل السُنّة، منهم:

محب الدين الطبري في الرياض النضرة ٢/٢٢٦، وذكره في ذخائر العقبى ص ١٠٠ أيضاً والمتّقي الحنفي في كنز العمّال ٦/١٥٦ نقله من «فردوس الأخبار» للديلمي، عن ابن عمر.

ومنهم العلّامة الكنجي القرشي الشافعي في كتابه «كفاية الطالب» الباب الثاني والستين في تخصيص عليٍّعليه‌السلام بمائة منقبة دون سائر الصحابة، روى بسنده عن عمر بن الخطّاب، وفي تعلّيقه قال: هذا حديث حسن ثابت، رواه الجوهري في كتاب «فضائل عليعليه‌السلام » عن شيخ أهل الحديث الدارقطني، وأخرجه محدّث الشام في تاريخه في ترجمة عليٍّعليه‌السلام ، كما أخرجناه سواء.

ومنهم العلّامة الصفوري الشافعي، رواه في كتابه نزهة المجالس ٢/٢٤٠ ط مصر سنة ١٣٢٠ هجرية.

«المترجم»

٣٨٥

أفضل رجال العالمين في زماني هذا عليٌّعليه‌السلام (١) .

____________________

١) وفي المصدر نفسه، في المودّة السابعة أيضاً في الخبر الأوّل، رواه عن عليّ بن الحسينعليه‌السلام عن ابن عمر، في خبر طويل عن سلمان، قال في آخره: إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال له: وإنّي أوصيت إلى عليّعليه‌السلام ، وهو أفضل من أتركه بعدي.

وروى أيضاً في المودّة السابعة عن أنس، قل: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنَّ أخي، ووزيري، وخليفتي في أهلي، وخير من أترك بعدي، يقضي ديني، وينجز موعدي، عليّ بن أبي طالب.

وروى كثير من أعلام العامة خبراً بهذا المعنى، منهم: العلامة الكنجي القرشي الشافعي في«كفاية الطالب» الباب الثاني والستين، ص ١١٩، ط الغري سنة ١٣٥٦ هج بسنده عن عطاء، قال: سألت عائشة عن عليّعليه‌السلام فقالت: ذلك خير البشر، لايشكّ فيه إلّا كافر.

قال: هكذا ذكره الحافظ ابن عساكر في ترجمة عليّعليه‌السلام في تاريخه في المجلّد الخمسين.

وخرّجه الكنجي الشافعي عن طرق عديدة في نفس الصفحة؛ منهم: الإمام عليّعليه‌السلام عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من لم يقل عليٌّ خير البشر فقد كفر.

وعن حذيفة، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : عليٌّ خير البشر، من أبى فقد كفر.

وعن جابر، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : عليٌّ خير البشر فمن أبى فقد كفر.

وخرّجه بهذا اللفظ، الخطيب البغدادي في«تاريخ بغداد» في ترجمة الإمام عليعليه‌السلام .

وخرّجه المناوي في «كنوز الحقائق» المطبوع بهامش«الجامع الصغير» للسيوطي، ج ٢/٢٠ - ٢١، من سنن أبي يعلي، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : عليٌّ خير البشر من شك فيه كفر.

وخرّجه المتّقي في كنز العمال ٦/١٥٩ عن الإمام عليّعليه‌السلام وعن ابن عبّاس، وابن مسعود، وجابر بن عبدالله الأنصاري، فراجع.

والخير هنا بمعنى الأفضل.

«المترجم»

٣٨٦

وقال ابن أبي الحديد في مقدّمة شرح نهج البلاغة: ١/٩: وأمّا نحن فنذهب إلى ما ذهب إليه شيوخنا البغداديّون، من تفضيلهعليه‌السلام - أي: عليّ - وقد ذكرنا في كتبنا الكلامية ما معنى الفضل، وهل المراد به الأكثر ثواباً، أو الأجمع لمزايا الفضل والخلال الحميدة، وبيّنا أنّهعليه‌السلام أفضل على التفسيرين معاً.

وقال في ١١/١١٩: وقع بيدي بعد ذلك كتاب لشيخنا أبي جعفر الإسكافي، ذكر فيه أنّ مذهب بشر بن المعتمر، وأبي موسى، وجعفر بن مُبَشّر، وسائر قدماء البغداديين، أنّ أفضل المسلمين عليّ ابن أبي طالب، ثمّ ابنه الحسن، ثمّ ابنه الحسين، ثمّ حمزة بن عبدالمطّلب، ثمّ جعفربن أبي طالب ...إلخ.

وبعد نقله هذا القول، وعدّه عقيدة المعتزلة، ينظم فيه شعراً، فيقول:

وخير خلق الله بعد المصطفى

أعظمهم يوم الفخار شرفا

السيّد المعظّم الوصي

بعد البتول المرتضى علي

وابناه ثمّ حمزة وجعفرُ

ثمّ عتيق بعدهم لا ينكرُ

الشيخ عبدالسّلام: لو كنت تطالع أقوال العلماء في أفضلية أبي بكر (رض) ما كنت تتمسّك بغيره.

قلت: وأنتم إذا كنتم تتركون أقوال المتعصّبين وتأخذون بأقوال المنصفين من علمائكم الأعلام، لرأيتم رأينا وتمسّكتم بقولنا في تفضيل الإمام عليٍّعليه‌السلام .

ولكي تعرف دلائل وبراهين الطرفين أدلُّك على مصدر واحد كنموذج راجع: شرح نهج البلاغة - لابن أبي الحديد - ١٣/٢١٥ -

٣٨٧

٢٩٥، فإنّه ذكر في هذا الفصل من الكتاب كلام الجاحظ، ودلائله على أفضلية صاحبكم، أبي بكر، وذكر ردّ أبي جعفر الإسكافي وهو من أفاضل علماء السُنّة وكبار أعلام الأمّة وشيخ المعتزلة، وذكر دلائله وبراهينه العقلية والنقلية في تفضيل الإمام عليٍّعليه‌السلام على غيره من الاُمّة.

ومن جملة كلامه - في صفحة ٢٧٥ - يقول أبو جعفر الإسكافي: إنّنا لا ننكر فضل الصحابة وسوابقهم، ولسنا كالإمامية الّذين يحملهم الهوى على جحد الأمور المعلومة (لقد أصدر علينا حكماً غيابياً ولو كنّا لأجبناه).. قال: ولكنّنا ننكر تفضيل أحد من الصحابة على عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام انتهى.

فنستفيد من مجموع الأخبار والأحاديث وأقوال العلماء والمحدّثين، أنّ علياًعليه‌السلام لا يُقاس به أحد من المسلمين. وأنّ مقامه أسمى وشأنه أعلى من الآخرين بمراتب، فلا يمكن أن تقدّموهم عليه بنقل بعض الأحاديث الضعيفة السند أو الدلالة.

ثمّ لا يُنكَر أنّ علياًعليه‌السلام هو أبو العترة وسيّد أهل البيتعليهم‌السلام ، ولا يُقاس بأهل البيت أحد من الأمّة في الشأن والمرتبة، فكيف بسيّدهم وعَلَمهم؟!

لقد روى المير السيّد عليّ الهمداني الشافعي، في المودّة السابعة من كتابه «مودّة القربى» عن أحمد بن محمد الكرزي البغدادي، أنّه قال:

سمعت عبدالله بن أحمد بن حنبل، قال: سألت أبي عن التفضيل.

فقال: أبو بكر وعمر وعثمان. ثمّ سكت.

٣٨٨

فقلت: يا أبه أين عليّ بن أبي طالب؟!

قال: هو من أهل البيت، لا يُقاس به هؤلاء!

وإذا نريد أن نفسّر كلام الإمام أحمد فنقول: يعني: أنّ علياًعليه‌السلام لا يذكر في عداد الصحابة، بل هو في مقام النبوّة والإمامة.

ونجد خبراً آخر في المودّة السابعة أيضاً بهذا المعنى، رواه عن أبي وائل، عن ابن عمر، قال: كنّا إذا عددنا أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قلنا: أبو بكر وعمر وعثمان.

فقال رجل: يا أبا عبدالرحمن! فعليٌّ ما هو؟!

قال: عليٌّ من أهل البيت لا يقاس به أحد، هو مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في درجته، إنّ الله تعالى يقول:( وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ اتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ... ) (١) .

ففاطمة مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في درجته وعليٌّ معهما(٢) .

____________________

١) سورة الطور، الآية ٢١.

٢) لقد وردت أخبار كثيرة في أنّ أهل البيتعليه‌السلام لايقاس بهم أحد، منها مافي«ذخائر العقبى» لمحبّ الدين الطبري، ص ١٧، فإنّه قال تحت عنوان (إنّهم لايُقاس بهم أحد) قال: وعن أنس، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : نحن أهل بيت لايُقاس بنا أحد.

وأخّرج هذا الحديث أيضاً عبيدالله الحنفي في كتاب«أرجح المطالب» ص ٣٣٠، غير أنّه قال: أخرجه ابن مردودية في «المناقب».

وفي نفس الصفحة قال: قال عليٌّعليه‌السلام على المنبر:

نحن أهل بيت رسول الله لايقاس بنا أحد.

أخرجه الديلمي أيضا في «فردوس الأخبار» وأخرجه عن الديلمي علي المتقي الحنفي في كنز العمّال ٦/٢١٨.

وفي نهج البلاغة في آخر الخطبة التي تقع قبل الخطبة الشقشقية، قال الإمام =

٣٨٩

وكان هذا الأمر واضحاً وضوح الشمس في الضحى، وكان من المسلّمات، ولذا نرى في المودّة السابعة أيضاً خبراً بهذا المعنى، رواه عن جابر بن عبدالله الأنصاري، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم يحضر المهاجرون والأنصار - كذا -: يا عليّ! لو أنّ أحداً عبد الله حق عبادته، ثمّ شكّ فيك وأهل بيتك، أنّكم أفضل الناس، كان في النار!! إنتهى.

لّما سمع أهل المجلس هذا الخبر استغفر أكثرهم الله، وبالخصوص الحافظ محمد رشيد. استغفروا الله، لأنّهم كانوا يظنّون أفضليّة الآخرين!

هذه نماذج من الأخبار الكثيرة في تفضيل الإمام عليعليه‌السلام على الصحابة والمسلمين عامة، وأضف عليها الحديث النبوي الشريف الذي رواه علماء الفريقين في يوم الخندق ومعركة الأحزاب حينما قَتَل الإمام عليّعليه‌السلام بطل الأحزاب و قائدهم وحامل لوائهم عمرو بن عبدود العامري وانهزم المشركون وانتصر المسلمون، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ضربة عليّ يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين.

فاذا كان عملٌ واحدٌ من مولانا الإمام عليّعليه‌السلام هو أفضل من عبادة الجنّ والإنس، فكيف بأعماله كلّها، من الجهاد في سبيل الله، وتحمّل الأذى في جنب الله، وصلاته، وصومه، وإنفاقه الصدقات،

____________________

= عليّعليه‌السلام : لايقاس بآل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله من هذه الأمّة أحد، ولايسوّى بهم مَن جَرَت نعمتهم عليه أبداً، هم أساس الدين، وعماد اليقين، إليهم يفيء القالي، وبهم يلحق التالي، ولهم خصائص حقّ الولاية، وفيهم الوصيّة والوراثة »

«المترجم»

٣٩٠

ورعايته الأرامل والأيتام في طول حياته المباركة؟!

فلا أرى أحداً مع ما ذكرناه، ينكر تفضيل الإمام عليٍّعليه‌السلام على غيره، إلّا المعاند.

عليُّعليه‌السلام أفضل بدليل المباهلة

قال تعالى:( فَمَنْ حَاجَّکَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَکَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَ أَبْنَاءَکُمْ وَ نِسَاءَنَا وَ نِسَاءَکُمْ وَ أَنْفُسَنَا وَ أَنْفُسَکُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ الله عَلَى الْکَاذِبِينَ‌ ) (١) .

اتّفق المفسّرون، وأجمع المحدّثون، أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم امتثل أمر الله عزّ وجلّ في الآية الكريمة فأخذ معه الحسن والحسينعليهما‌السلام تطبيقاً لأبنائنا، وأخذ فاطمة الزّهراءعليها‌السلام تطبيقا لكلمة نسائنا، وأخذ الإمام عليّاًعليه‌السلام ، تطبيقاً لكلمة أنفسنا.

ومن الواضح الذي لا يشكّ فيه إلّا كافر، أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله سيّد الأوّلين والآخرين، وخير الخلق، وأفضل الخلائق، وبحكم كلمة( أَنْفُسَنَا ) حيث جعلَ الله تعالى عليّاًعليه‌السلام في درجة نفس النبيّ، فصار هو كالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في الفضل، وأصبح خير الخلق، وأفضل الخلائق(٢) .

____________________

١) سورة آل عمران، الآية ٦١.

٢) لقد وردت أحاديث كثيرة عن طرق الشيعة والسُنّة في أنّ علياًعليه‌السلام كنفس النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ونكتفي هنا بنماذج ممّا رواه علماء العامة..

نقل الحافظ سليمان الحنفي في كتابه«ينابيع المودة» في الباب السابع، قال: أخرج أحمد بن حنبل في المسند وفي المناقب، أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: لتنتهينّ يابني وليعة =

٣٩١

. . . . .

____________________

= أو لأبعثنّ إليكم رجلاً كنفسي،يمضي فيكم بأمري، يقتل المقاتلة، ويسبي الذرّيّة.

فالتفت إلى عليعليه‌السلام فأخذ بيده وقال: هو هذا مرّتين.

قال الحافظ سليمان: أيضاً أخرجه موفّق بن أحمد الخوارزمي المكّي بلفظه.

أقول: وأخرجه العلّامة الكنجي الشافعي في«كفاية الطالب» الباب الحادي والسبعين، وقال: نقله عن «خصائص عليّعليه‌السلام » لإمام أهل الجرح والتعديل الحافظ النسائي، وهو بسنده عن أبي ذرّ ...إلى آخره.

ونقل الحافظ سليمان أيضاً في نفس الباب والمصدر، قال: أخرج أحمد في «المسند» عن عبدالله بن حنطب، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لوفد ثقيف حين جاؤه: لتسلمنّ أو لأبعثنّ إليكم رجلاً كنفسي ليضربنّ أعناقكم، وليسبينّ ذراريكم، وليأخذنّ أموالكم؛فالتفت إلى عليٍّ وأخذ بيده فقال: هو هذا مرتين.

وذكر الحافظ سليمان في آخر الباب خبراً ننقله بعينه إتماماً للفائدة، قال:

وفي «المناقب» عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما، قال: لقد سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول في عليٍّ خصالاً لو كانت واحدة منها في رجل اكتفى بها فضلاً وشرفاً:

قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من كنت مولاه فعليٌّ مولاه.

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : عليٌّ منّي كهارون من موسى.

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : عليٌّ مني وأنا منه.

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : عليٌّ مني كنفسي، طاعته طاعتي، ومعصيته معصيتي.

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : حرب عليٍّ حرب الله، وسلم عليٍّ سلم الله.

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : وليٌّ عليّ وليّ الله، وعدوّ عليٍّ عدوّ الله.

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : عليٌّ حجّة الله على عباده.

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : حبّ عليٍّ إيمان، وبغضه كفر.

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : حزب عليّ حزب الله، وحزب أعدائه حزب الشيطان.

وفولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : عليٌّ مع الحقّ، والحقّ معه، لايفترقان.

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : عليٌّ قسيم الجنّة والنار.

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من فارق عليّاً فقد فارقني، ومن فارقني فقد فارق الله.

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : شيعة عليٍّ هم الفائزون يوم القيامة.

انتهى كلامه، رُفع في الخلد مقامه.

«المترجم»

٣٩٢

فأذعنوا واعتقِدوا أنّ مصداق( وَ الَّذِينَ مَعَهُ ) هو سيّدنا ومولانا عليّعليه‌السلام الذي كان من أوّل عمره، ومن أوّل البعثة مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يدعه في الملمّات، وما تركه في الهجمات والطامّات، بل كان ناصره وحاميه، يقيه بنفسه، ويدافع عنه بسيفه، ويفديه بروحه.

حتّى إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فارقت روحه الدنيا ورأسه في حجر الإمام عليٍّعليه‌السلام كما قال في خطبة له في «نهج البلاغة»:

ولقد علم المستحفظون من أصحاب محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّي لم أردّ على الله ولا على رسوله ساعةً قطّ، ولقد واسيته بنفسي في المواطن التي تنكُصُ فيها الأبطال، وتتأخّر الأقدام، نجدةً أكرمني الله بها.

ولقد قُبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإنّ رأسه لَعلَى صدري، ولقد سالت نفسُه في كفّي فأمررتها على وجهي، ولقد وُليّتُ غسله والملائكة أعواني حتّى واريناه في ضريحه، فمن ذا أحقّ به منّي حيّاً وميّتاً؟!

ولمـّا وصلنا إلى نهاية خطبة الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام صار وقت صلاة العشاء فقطعنا كلامنا.. وبعدما أدّوا الصلاة شربوا الشاي وتناولوا الفواكه والحلوى، ولمـّا انتهوا بدأتُ أنا بالكلام فقلت:

لقائل أن يقول: إذا كان عليعليه‌السلام مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في كلّ مواقفه، فلماذا لم يرافقه بالهجرة من مكّة إلى المدينة؟!

أقول: لأنّ علياًعليه‌السلام قام في مكّة بأعمال مهمّة بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان قد ألقاها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله على عاتقه وأمره أن ينفّذها، لأنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يعتمد على أحد يقوم مقامه ويقضي مهامّه غير الإمام عليّعليه‌السلام لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله - كما نعلم - كان أمين أهل مكّة، حتّى إنّ الكفار والمشركين كانوا يستودعون عنده أموالهم ولا يعتمدون على غيره في استيداع

٣٩٣

أماناتهم وحفظها، فكانصلى‌الله‌عليه‌وآله يُعرف بالصادق الأمين.

فَخلَّفَ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أخاه وابن عمّه عليّاًعليه‌السلام في مكّة ليردّ الودائع والأمانات إلى أهلها، وبعد ذلك حمل معه بنت رسول الله وحبيبته فاطمة الزهراء التي كان يعزّ فراقها على أبيها، وأخذ معه اُمّه فاطمة بنت أسد وابنة عمّه فاطمة بنت الزبير بن عبد المطّلب وغيرهن فأوصلهنّ بسلام إلى المدينة المنوّرة عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

فضيلة المبيت على فراش النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله

وإضافةً إلى ما ذكرناه، فإنّ عليّاًعليه‌السلام إذا لم يدرك فضيلة مرافقة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في الهجرة، فإنّهعليه‌السلام أدرك مقاماً أسمى بالاستقلال لا بالتبع، وهو مبيته على فراش النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ليلتبس الأمر على الأعداء، فيخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من بينهم بسلام.

فإذا كانت آية الغار تعدّ فضيلة لأبي بكر بأنّ حسبته ثاني اثنين، فقد جعلته تابعاً لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، غير مستقلّ في كسب الفضيلة، وإنّما حصّلها تبعاً للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

بينما الإمام عليعليه‌السلام حينما بات على فراش رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نزلت في شأنه آية كريمة سجَّلت له فضيلة مستقلّة تُعدّ من أعظم مناقبه، وهي قوله تعالى:( وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْري نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ الله وَ الله رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ) (١) .

وقد ذكر جمع كثير من كبار علمائكم الأعلام والمحدّثين الكرام،

____________________

١) سورة البقرة، الآية ٢٠٧.

٣٩٤

خبراً هامّاً بهذه المناسبة، وإن كانت ألفاظهم مختلفة ولكنّها متقاربة والمعنى واحد، ونحن ننقله من كتاب «ينابيع المودة» للحافظ سليمان الحنفي، الباب الحادي والعشرين، وهو ينقله عن الثعلبي وغيره.

قال الحافظ سليمان: عن الثعلبي في تفسيره، وابن عقبة في ملحمته، وأبو السعادات في فضائل العترة الطاهرة، والغزّالي في إحياء العلوم، بأسانيدهم، عن ابن عبّاس وعن أبي رافع وعن هند بن أبي هالة ربيب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله - اُمّه خديجة اُمّ المؤمنين رضي الله عنها - أنّهم قالوا:

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أوحى الله إلى جبرائيل وميكائيل: إنّي آخيت بينكما وجعلت عُمْرَ أحدكما أطول من عُمْرِ صاحبه، فأيّكما يؤثر أخاه عمره، فكلاهما كرها الموت، فأوحى الله إليهما: إنّي آخيت بين عليّ وليّي وبين محمّد نبيّي، فآثر عليٌّ حياته للنبيّ، فرقد على فراش النبيّ يقيه بمهجته. إهبطا إلى الأرض واحفظاه من عدوّه.

فهبطا، فجلس جبرائيل عندَ رأسه وميكائيل عند رجليه، وجعل جبرائيل يقول: بخٍ بخٍ، مَن مثلك يا ابن أبي طالب، والله عزّ وجلّ يباهي بك الملائكة!

فأنزل الله تعالى:( وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي ) .

أقول: الّذين نقلوا هذا الخبر بألفاظ متقاربة وبمعنىً واحد، جَمْعٌ كبير من أعلام العامة، منهم: ابن سبع المغربي في كتابه «شفاء الصدور» والطبراني في الجامع الأوسط والكبير، وابن الأثير في اُسد الغابة ٤/٢٥، وابن الصبّاغ المالكي في الفصول المهمّة: ٣٣، والفاضل النيسابوري، والإمام الفخر الرازي، وجلال الدين السيوطي، في

٣٩٥

تفاسيرهم للآية الكريمة، والحافظ أبونعيم في كتابه «مانزل من القرآن في عليّ» والخطيب الخوارزمي في «المناقب»، وشيخ الإسلام الحمويني في (الفرائد) والعلّامة الكنجي القرشي الشافعي في «كفاية الطالب» الباب الثاني والستّين، والإمام أحمد في «المسند » ومحمد بن جرير بطرق متعدّدة، وابن هشام في «السيرة النبوية» والحافظ محدّث الشام في «الأربعين الطوال» والإمام الغزالي في إحياء العلوم ٣/٢٢٣ وأبو السعادات في «فضائل العترة الطاهرة» وسبط ابن الجوزي في كتابه تذكرة الخواص: ٢١، وغير هؤلاء الأعلام.

ونقل ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ١٣/٢٦٢ - ط دار إحياء التراث العربي - قول الشيخ أبي جعفر الإسكافي، قال: وقد روى المفسّرون كلّهم أن قول الله تعالى:( وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ الله ) اُنزلت في عليّعليه‌السلام ليلة المبيت على الفراش.

فأرجو من الحاضرين، وخاصّة العلماء الأفاضل، أن يفكِّروا في الآيتين بعيداً عن الانحياز إلى إحدى الجهتين، فتدبّروا وقايسوا بينهما، وأنصفوا أيّهما أفضل وأكمل، صحبة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ومرافقته أيّاماً قليلة في سفر الهجرة، أم مبيت الإمام عليعليه‌السلام على فراش النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله واقتحامه خطر الموت، وتحمّله أذى المشركين، ورميه بالحجارة طيلة الليل، وهو يتضوّر ولا يكشف عن وجهه، ليَسْلَم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من كيد الأعداء وهجومهم، ومباهاة الله سبحانه ملائكته بمفاداة عليّعليه‌السلام وإيثاره ثمّ نزول آية مستقلّة في شأنه، أنصفوا أيّهما أفضل؟؟

ولا يخفى أنّ بعض علمائكم الأعلام أنصفوا فأعلنوا تفضيل الإمام عليّعليه‌السلام على غيره، وفضّلوا مبيته على فراش رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

٣٩٦

على صحبة أبي بكر ومرافقته إيّاه في الهجرة، منهم: الإمام أبو جعفر الإسكافي - وهو من أبرز وأكبر علماء ومشايخ أهل السُنّة المعتزلة - في ردّه على أبي عثمان الجاحظ وكتابه المعروف بالعثمانية.

لقد تصدّى الإسكافي لنقضه بالبراهين العقلية والأدّلة النقلية، وأثبت تفضيل الإمام عليٍّعليه‌السلام على أبي بكر، وفضّل المبيت على الصحبة، ونقله ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ١٣/٢١٥ - ٢٩٥، فراجعه، فإنّه مفيد جدّاً.

وممّا يذكره الشيخ أبوجعفر في مقاله، قال:

قال علماء المسلمين: «إنّ فضيلة عليٍّعليه‌السلام تلك الليلة لا نعلم أحداً من البشر نال مثلها» شرح ابن أبي الحديد ١٣: ٢٦٠.

وبعد كلام طويل - وكلّه مفيد - قال في صفحة ٢٦٦ و ٢٦٧: قد بيّنا فضيلة المبيت على الفراش على فضيلة الصحبة في الغار بما هو واضح لمن أنصف، ونزيد هاهنا تأكيداً بما لم نذكره فيما تقدّم فنقول: إنّ فضيلة المبيت على الفراش على الصحبة في الغار لوجهين:

أحدهما: إنّ علياًعليه‌السلام قد كان أنس بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وحصل له بمصاحبته قديماً اُنسٌ عظيم، وإلفٌ شدَيد، فلمّا فارقه عُدمِ ذلك الاُنس، وحصل به أبوبكر، فكان ما يجده عليٌّعليه‌السلام من الوحشة وألم الفرقة موجباً زيادة ثوابه، لأنّ الثواب على قدر المشقّة.

وثانيهما: إنّ أبابكر كان يؤثر الخروج من مكّة، وقد كان خرج من قبل فرداً فازداد كراهيّته للمقام، فلمّا خرج مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وافق ذلك هوى قلبهِ ومحبوب نفسِهِ، فلم يكن له من الفضيلة ما يوازي فضيلة مَن احتمَل المشقّة العظيمَةَ وعرض نفسه لوقع السيوف، ورأسه

٣٩٧

لرضخ الحجارة، لأنّه على قدر سهولة العبادة يكون نقصان الثواب.

وعالم آخر من علمائكم وهو ابن سبع المغربي، صاحب كتاب «شفاء الصدور» يقول فيه وهو يبيّن شجاعة سيّدنا الإمام عليعليه‌السلام : إنّ علماء العرب أجمعوا على أنّ نوم عليٍّعليه‌السلام على فراش رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أفضل من خروجه معه، وذلك أنّه وطّن نفسه على مفاداته لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وآثر حياته، وأظهر شجاعته بين أقرانه. انتهى.

فالموضوع واضح جدّاً بحيث لا ينكره إلّا من فقد عقله بالتعصّب الذي يعمي ويصمّ عن فهم الحقّ وإدراك الحقيقة!

أكتفي بهذا المقدار في إطار البحث حول جملة( وَ الَّذِينَ مَعَهُ ) وأما جملة( أَشِدَّاءُ عَلَى الْکُفَّارِ ) فقد قال الشيخ عبد السّلام: إنّ المراد منها والمقصود بها هو الخليفة الثاني عمر بن الخطّاب.

فأقول: نحن لا نقبل الكلام بمجرّد الادّعاء، من غير دليل. والأولى أن نطبّق العبارة على الشخص المشار إليه، فندرس سيرته وحالاته ونعرف صفاته وأخلاقه، فإذا تطابقت مع الآية الكريمة، فحينئذٍ نسلّم، وإذا لم تتطابق، فنردّ ادّعاءكم وكلامكم، ونثبت قولنا ورأينا بالدليل والبرهان.

فلنضع الجملة على طاولة التحليل والتحقيق فنقول: الشِّدة تظهر في مجالين:

١ - مجال المناظرات العلمية والبحوث الدينيّة مع الخصوم.

٢ - مجال الجهاد الحربي والمناورات القتالية مع الأعداء.

أمّا في المجال العلمي فلم يذكر التاريخ لعمر بن الخطّاب مناظرة علمية ومحاورة دينية تغلّب فيها على الخصوم ومناوئي الإسلام.

٣٩٨

وإذا كنتم تعرفون له تاريخاً وموقفاً مشرّفاً في هذا المجال فبيّنوه حتى نعرف!

ولكنّ علياًعليه‌السلام يعترف له جميع العلماء وكلّ المؤرخون بأنّه كان حلال المشكلات الدينية والمعضلات العلمية.

وهو الوحيد في عصره الذي كان قادراً على ردّ شبهات اليهود والنصارى مع كلّ التحريفات التي جرت على أيدي الاُمويّين والبكريّين الخونة على تاريخ الإسلام - كما يصرّح بها علماؤكم في كتب الجرح والتعديل - مع ذلك ما تمكّنوا من إخفاء هذه الحقائق الناصعة، والمناقب السّاطعة، والأنوار العلمية اللامعة، التي أضاءت تاريخ الإسلام مدى الزمان..

وخاصة في عصر الخلفاء الّذين سبقوا الإمام عليّاًعليه‌السلام ، فقد كان علماء اليهود والنصارى وسائر الأديان، يأتون إلى المدينة ويسألونهم مسائل مشكلة ويوردون شبهات مضلّة، ولم يكن لهم بُدٌّ من أن يرجعوا إلى مولانا وسيّدنا عليّعليه‌السلام لأنّه باب علم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فيردّ شبهاتهم ويجيب عن مسائلهم، وقد أسلم كثير من اُولئك العلماء كما نجده مسطوراً في التاريخ.

والجدير بالذكر، أنّ الخلفاء الثلاثة الّذين سبقوا الامام عليّاًعليه‌السلام كلّهم اعترفوا وأقرّوا له بتفوّقه العلمي وعجزهم وجهلهم أمام علماء الأديان.

وقد ذكر بعض المحقّقين من أعلامكم عن أبي بكر أنّه قال:

أقيلوني أقيلوني! فلست بخيركم وعليّ فيكم!

وأمّا عمر بن الخطّاب فقد قال أكثر من سبعين مرّة: لولا عليّ

٣٩٩

لهلك عمر. وقال: لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبو الحسن.

وذلك لمـّا كان يرى من عليٍّعليه‌السلام حلّ المعضلات والحُكْم في القضايا المشتبهات التي كان يحار في حلّها وحُكمها عمر وحاشيته وكلّ الصحابة، وقد ذكر التاريخ كثيراً منها في كتبكم ولكن لا مجال لذكرها ولا منكِر لها!! فالأفضل أن يدور بحثنا حول الأهمّ فالأهمّ.

النَّواب: لا أرى موضوعاً أهمّ من هذا، فلو سمحتم ...أرجو أن تذكروا لنا بعض الكتب المعتبرة عندنا التي نقلت وذكرت ما نقلتم من قول الخليفة عمر الفاروق، حتّى نعرف الحقّ والواقع.

قلت: نعم، إنّ أكثر علمائكم نقلوا هذه العبارات أو ما بمعناها وإن اختلف اللفظ، وسأذكر لكم بعضهم حسب ما يحضر في ذهني وذاكرتي.

مصادر قول عمر

١ - ابن حجر العسقلاني، في تهذيب التهذيب/ ٣٣٧ ط حيدر آباد الدِّكن.

٢ - ابن حجر العسقلاني - أيضاً - في الإصابة ٢/٥٠٩ ط مصر.

٣ - ابن قتيبة - المتوفي سنة ٢٧٦ هجرية - في تأويل مختلف الحديث ٢٠١ و ٢٠٢.

٤ - ابن حجر المكّي الهيتمي، في الصواعق: ٧٨.

٥ - أحمد أفندي، في هداية المرتاب: ١٤٦ و١٥٢

٤٠٠