مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مناظرات وحوار ليالي بيشاور0%

مناظرات وحوار ليالي بيشاور مؤلف:
المحقق: السيّد حسين الموسوي
الناشر: ذوي القربى
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 1199

مناظرات وحوار ليالي بيشاور

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيّد محمّد الموسوي الشيرازي
المحقق: السيّد حسين الموسوي
الناشر: ذوي القربى
تصنيف: الصفحات: 1199
المشاهدات: 215804
تحميل: 2412

توضيحات:

مناظرات وحوار ليالي بيشاور
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 1199 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 215804 / تحميل: 2412
الحجم الحجم الحجم
مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مؤلف:
الناشر: ذوي القربى
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

والآن، وبعد سرد هذه الحوادث الفجيعة والوقائع الفظيعة، بقي عليكم، إمّا أن تردّوا وتكذّبوا كلّ أعلامكم وكبار علمائكم من أصحاب الصحاح والمسانيد والتواريخ والتفاسير وغيرهم الّذين ذكروا هذه الحوادث ونقلوا تلك الوقائع.

وإمّا أن تذعنوا بأنّ عثمان لا تشمله الآية الكريمة، ولا تنطبق عليه جملة( رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ) فقد كان فظّاً غليظاً، وصعباً قاسياً، شديداً على المؤمنين، ورؤوفاً رحيماً شفيقاً بالفاسقين والمنافقين!!

الحافظ: لقد ثبت عندنا وعند كثير من العلماء الأعلام: أنّ أبا ذرّ رحمه الله، هو الذي اختار المقام في الربذة من غير إجبار، بل أحبّ أن يجتنب الأحداث، فسافر إلى مسقط رأسه الربذة.

قلت: هذا قول بعض المتأخّرين من علمائكم المتعصّبين، وهو قول اجتهادي من غير دليل وبدون أيّ مستند تاريخي(١) ، وإلا فكبار علمائكم ذكروا أنّه اُبعد إلى الربذة بالقهر والجبر، حتّى كاد أن يكون هذا الخبر من المسلّمات غير القابلة للنّقاش.

وكنموذج، انقل هذا الخبر الذي رواه الامام أحمد في المسند ٥/١٥٦، وابن أبي الحديد في شرح النهج ٣/٥٧، قال: روى الواقدي عن مالك بن أبي الرجال، عن موسى بن ميسرة: أنّ أبا الأسود الدؤلي قال: كنت اُحبّ لقاء أبي ذرّ لأسأله عن سبب خروجه، فنزلت الربذة، فقلت له: ألا تخبرني؟ أخرجتَ من المدينة

____________________

١) أوّل من قال به هو قاضي القضاة عبد الجبّار نقلاً عن الشيخ أبي علي، كما رواه ابن أبي الحديد في شرح النهج ٣/٥٢.

«المترجم»

٤٦١

طائعاً أم اُخرجتَ مكرهاً؟

فقال: كنت في ثغر من ثغور المسلمين، اُغني عنهم، فاُخرجتُ إلى مدينة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله فقلت: أصحابي و دار هجرتي، فأخرجتُ منها إلى ما ترى!

ثمّ قال: بينا أنا ذات ليلة نائم في المسجد، إذ مرّ بي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فضربني برجله و قال: لا أراك نائماً في المسجد!

فقلت: بأبي أنت و اُمّي! غلبتني عيني فنمت فيه.

فقال: كيف تصنع إذا أخرجوك منه؟!

فقلت: إذن ألحق بالشام، فإنّها أرض مقدّسة، و أرض بقية الإسلام، و أرض الجهاد.

فقال: فكيف تصنع إذا اُخرجتَ منها؟!

فقلت: أرجع إلى المسجد.

قال: فكيف تصنع إذا أخرجوك منه؟!

قلت: آخذ سيفي فأضرب به.

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ألا أدلّك على خير من ذلك، انسَقْ معهم حيث ساقوك، و تسمع و تطيع، فسمعت و أطعتُ، و أنا أسمع و اُطيع، و الله ليلقينّ الله عثمان و هو آثم في جنبي.

و كان يقول بالربذة: ما ترك الحقّ لي صديقاً، ردّني عثمان بعد الهجرة أعرابياً!

عليّعليه‌السلام مصداق ( رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ )

كلّ ما ذكرناه كان ردّاً على تأويل الشيخ عبد السلام لجملة

٤٦٢

( رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ) على عثمان، وقد أثبتنا خلافه.

واعتقادنا أنّ الذي يكون من أجلى مصاديق هذه الجملة هو الإمام عليّعليه‌السلام ، إذ حينما بويع بالخلافة وتسلّم الحكم، عزل كلّ مَن ظلم الناس وجار على الضعفاء في حكومة عثمان.

وقد أشار عليه بعض الصحابة أن يترك الاُمور على حالها ويقوّي أركان حكومته، فإذا استتبّ له الأمر وتمكّن من الرقاب بدأ بعزلهم واحدا واحدا، فأجابه الإمام: والله لا أداهنُ في ديني، ولا اُعطي الرياء في أمري.

ولمـّا أشار عليه ابن عبّاس في معاوية فقال: وَلِّهِ شهراً واعزلهُ دهراً.

قالعليه‌السلام : والله لا أطلب النصر بالجور، فليس لي عند الله عذر إن تركت معاوية ساعةً يظلم الناس.

وجاءه طلحة والزبير يطلبان حكومة مصر والعراق، فلو لبّى طلبهما لَما خرجا عليه وما كانت فتنة البصرة ومعركة الجمل، ولكنّه هيهات أن يُغلَب على أمره، فإنّه أبى أن ينصب للولايات إلّا العدول الكفوئين من المؤمنين ممّن امتحنهم الله عزّ وجلّ ونجحوا في الأحداث والفتن التي عاصروها، ولم يميلوا عن طريق الحقّ، ولم تلههم الدنيا بزخرفها، ولم يكنزوا الذهب والفضّة، ولم يجمعوا أموال المسلمين المحرومين إلى أموالهم!

ولقد حورب عثمان وحُصر، على أن يعزل بعض ولاته وعمّاله فلم يُجِب إلى ذلك، فكيف يفتتح الإمام عليّعليه‌السلام أمره بهذه الدنيّة ويداري الأشخاص بالولايات، على أن يكون خليفة بالظاهر، وليس

٤٦٣

له مراقبة اُمورهم والنظر في أعمالهم؟!!

والجدير بالذكر، أنّنا نرى بعض الناس الّذين ينظرون إلى الاُمور على ظواهرها ولا يفكّرون في حقائقها، ولا يدرسون الوقائع دراسة تعمّق وإمعان، فيقيسونها بمقياس الدنيا لا الدين، وينوها بمعيار الشياطين والمغوين، لا المعيار الذي عيّنه ربّ العالمين، فيستشكلون على سياسة أمير المؤمنينعليه‌السلام !

ولكن لو تعمّقوا وأنصفوا، لأذعنوا أنّ عليّاًعليه‌السلام كان يريد إدارة البلاد والعباد بالسياسة الدينية والطريقة الإلهيّة، فهو لم يطلب الحكم إلّا ليقيم الحقّ ويدحض الباطل، ويقيم حدود الله سبحانه على القويّ والضعيف، فيأخذ حقوق الضعفاء المحرومين من الأقوياء الظالمين.

فالراعي والرعيّة والرئيس والمرؤوس عنده سواء، والأصل عنده رضا الله عزّ وجلّ لا رضا الناس، فلم تكن قاعدته في الحكم قاعدة غيره من الحكّام والخلفاء، إذ جعلوا رضا الناس واستمالة قلوب الرؤساء أصلاً لحكوماتهم فطلبوا النصر بالجور.

فكان عليّعليه‌السلام رحيماً بالضعفاء، طالباً لحقوق المحرومين، مواسياً للمساكين، رؤوفاً بالفقراء، عطوفاً على الأرامل والأيتام، فكان يُعرف بأبي الأرامل والأيتام، وصاحب المساكين.

وروى المحدّثون والمؤرّخون: أنّه نظر الامام عليّعليه‌السلام الى امرأة على كتفها قربة ماء، فأخذ منها القربة فحملها الى موضعها، وسألها عن حالها، فقالت: بعث عليّ بن أبي طالب زوجي الى بعض الثغور فقتل، وترك صبياناً يتامى، وليس عندي شيء، فقد ألجأتني الضرورة الى خدمة الناس، فانصرف الإمامعليه‌السلام وبات ليلته قلقاً، فلمّا أصبح

٤٦٤

حمل زنبيلاً فيه طعام، فقال بعضهم: أعطني أحمله عنك، فقال: من يحمل وزري عنّي يوم القيامة؟ فأتى وقرع الباب فقالت: من هذا؟ قال: أنا العبد الذي حمل معك القربة، فافتحي فإنّ معي شيئاً للصبيان، فقالت: رضى الله عنك وحكم بيني وبين عليّ بن أبي طالب، فدخل وقال: إنّي أحببت اكتساب الثواب، فاختاري بين أن تعجني وتخبزي وبين أن تعلِّلي الصبيان لأخبز أنا، فقالت: أنا بالخبز أبصر عليه وأقدر، ولكن شأنك والصبيان، فعلّلهم حتّى أفرغ من الخبز، قال: فَعمدتْ الى الدقيق فعجنته، وعمد عليٌّعليه‌السلام الى اللحم فطبخه، وجعل يلقّم الصبيان من اللّحم والتمر وغيره.

فرأته امرأة تعرفه فقالت لاُم الصبيان: ويحَكِ هذا أمير المؤمنين...

فكان رحيماً ورؤوفاً برعاياهُ حتّى أهل الذمّة منهم، فإنّه كان يوماً على المنبر في مسجد الكوفة فسمع بأنّ بسر بن أرطاة هاجم بعض البلاد التي كانت تحت حكومته، فروّع الناس وأرعبهم وأخذ سوار امرأة معاهدة ذمّيّة من يدها.

فبكى عليٌّعليه‌السلام من هذا الخبر وقال: لو أنّ امرءاً مات من هذا الخبر أسفاً ما كان ملوماً، بل كان به جديراً.

وكانعليه‌السلام رحيماً بعدوّه وصديقه، فإنّ عثمان على ما كان عليه من سوء التصرّف وسوء السيرة معه حتّى إنّه ضرب الإمامعليه‌السلام بالسوط - كما رواه ابن أبي الحديد عن الزبير بن بكّار، في شرح النهج ٩/١٦ - مع كلّ ذلك فقد ذكر المؤرّخون - منهم ابن أبي الحديد في شرح النهج ٢/١٤٨ - أنّه: لمـّا مُنعِ عثمان الماء واشتدّ الحصار عليه، فغضب

٤٦٥

عليٌّعليه‌السلام من ذلك غضباً شديداً، وقال لطلحة: أدخلوا عليه الروايا. فكرِه طلحة ذلك و ساءه، فلم يزل عليعليه‌السلام حتّى أدخل الماء إليه.

ونقل أيضا في صفحة ١٥٣ عن أبي جعفر - الطبري، صاحب التاريخ - قال: فحالوا بين عثمان و بين الناس، و منعوه كل شي ء حتّى الماء، فأرسل عثمان سرّاً إلى عليٍّعليه‌السلام و إلى أزواج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّهم قد منعونا الماء، فإنّ قدرتم أن ترسلوا إلينا ماءً فافعلوا.

فجاء عليٌّعليه‌السلام في الغَلَس، فوقفعليه‌السلام على الناس، فوعظهم و قال: أيّها الناس! إنّ الذي تفعلون لا يشبه أمر المؤمنين و لا أمر الكافرين، إنّ فارس و الروم لتأسِر فتطعم و تسقي، فالله الله! لا تقطعوا الماء عن الرجل.

فأغلظوا له و قالوا: لا نَعِم و لا نعمة عين.

فلمّا رأى منهم الجدّ نزَع عمامته عن رأسه و رمى بها إلى دار عثمان يُعلمه أنّه قد نهض، و عاد إلى آخره.

مقايسة بين عليعليه‌السلام وعثمان

لقد سبق أن ذكرنا عطايا عثمان لأقاربه ورهطه، أمثال أبي سفيان والحكم بن أبي العاص وابنه مروان وغيرهم، فكان يخصّص أموال المسلمين من بيت المال بهؤلاء ونظرائهم، ويمنعها عن أهلها أبي ذرّ وعبد الله بن مسعود وغيرهما.

وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج ٩/١٦: و روى الزبير بن بكّار عن الزهري، قال: لمـّا أتي عُمر بجواهر كسرى، وضع في المسجد فطلعت عليه الشمس فصار كالجمر، فقال لخازن بيت المال: ويحك!

٤٦٦

أرِحني من هذا، و اقسمه بين المسلمين، فإنّ نفسي تحدّثني أنّه سيكون في هذا بلاء و فتنة بين الناس.

فقال: يا أمير المؤمنين، إن قسّمته بين المسلمين لم يسعهم و ليس أحد يشتريه، لأنّ ثمنه عظيم، و لكن ندعه إلى قابل، فعسى الله أن يفتح على المسلمين بمال فيشتريه منهم من يشتريه.

قال: ارفعه فأدخله بيت المال.

و قُتِل عمر و هو بحاله، فأخذه عثمان لمـّا ولّي الخلافة فحلّى به بناته!

هذا، وانظروا إلى الخبر الذي نقله ابن أبي الحديد في شرح النهج ١١/٢٥٣، قال: سأل معاوية عقيلاً عن قصّة الحديدة المحماة.

قال [ عقيل ]: نعم، أقويت و أصابتني مخمصة شديدة، فسألته فلم تَند صَفاتُه، فجمعت صبياني و جئته بهم، و البؤس و الضرّ ظاهران عليهم، فقال ائتني عشيةً لأدفع إليك شيئاً.

فجئته يقودني أحد ولدي، فأمره بالتنحّي، ثمّ قال: ألا فدونك، فأهويت - حريصاً قد غلبني الجشع، أظنّها صرّة - فوضعت يدي على حديدة تلتهب ناراً، فلما قبضتها نبذتُها، و خُرْتُ كما يخور الثور تحت يد جازره.

فقال لي: ثكلتك اُمّك! هذا من حديدة أوقدتُ لها نار الدنيا، فكيف بك و بي غداً إنْ سُلِكنا في سلاسل جهنم؟!

ثمّ قرأ:( إِذِ الْأَغْلاَلُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَ السَّلاَسِلُ يُسْحَبُونَ‌ ) (١) .

ثمّ قال: لَيَس لك عندي فوق حقّك الذي فرضه الله لك إلا ما ترى، فانصرف إلى أهلك.

____________________

١) سورة غافر، الآية ٧١.

٤٦٧

فجعلَ معاوية يتعجّب، و يقول: هيهات هيهات! عقِمَت النساء أن يَلدْنَ مثله! انتهى.

فقايسوا بين الاثنين، واعرفوا الحقّ في أين!

عفوه عن الأعداء

كان عليٌّعليه‌السلام في أعلى مرتبة من مراتب العفو والصفح، كان يقول: لكلّ شيءٍ زكاة، وزكاة الظفر بعدوّك العفو عنه.

ولقد عفا عن مروان بن الحكم وعبدالله بن الزبير لمـّا ظفر بهما وهما أسيرين مقيّدين في يوم الجمل، فأمر بفكّ قيدهما وأطلق سراحهما، مع العلم أنّهما كانا من ألدّ أعدائه وأشدّ مبغضيه.

وصَفْحُه عن عائشة، أعظم من كلّ عفو وصفح، لأنّها سبّبت تجمّع الناس الغافلين، وأغوت الجاهلين، وقادتهم لقتال أمير المؤمنين وسيّد الوصيّينعليه‌السلام ، فهي التي أضرمت نار الحرب وأجّجت الفتنة، ومع كلّ ذلك، لمـّا اندحر أنصارها، وانكسر جيشها، وسقطت من الجمل مغلوبة مقهورة، أسيرة في أيدي المؤمنين، أمر الإمام عليّعليه‌السلام أخاها محمد بن أبي بكر أن يأخذها إلى بيت في البصرة ويقوم بخدمتها ويكرمها.

وبعد ذلك هيّأ الإمام عليٌّعليه‌السلام عشرين امرأة من قبيلة عبد القيس، وأمرهنّ بلبس ملابس الرجال والعمائم، وأن يحملن معهنّ السيوف والسلاح ويلثّمن حتّى لا يُعرفن، وأمرهنّ أن يُحطن باُمّ المؤمنين عائشة ويوصلنها على المدينة المنوّرة، وأرسل خلف النسوة رجالاً مسلّحين ليراقبوهنّ من بعيد ويذبّوا عنهنّ عند الحاجة.

فلما وصلت إلى المدينة ونزلت بيتها واستقرّت، اجتمعت

٤٦٨

زوجات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وبعض المؤمنات من أهل المدينة عندها وعاتبنها على خروجها! فأظهرت الندم، وشكرت لعليٍّعليه‌السلام عفوه وصفحه عنها ومقابلته لها بالرحمة والكرامة، إلّا أنّها قالت: ولكن ما كنت أظنّ أن يبعثني عليّ بن أبي طالب مع رجال أجانب من البصرة إلى المدينة، فإنّه ما راعى حرمة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في حبيبته!!

فهنا كشفن المرافقات لها لثامهنّ وخرجن من زيّ الرجال إلى ظاهرهنّ وحقيقتهنّ.

فخجلت كثيراً وشكرت عليّاًعليه‌السلام أكثر من ذي قبل!

نعم هكذا يكون أولياء الله وخلفاؤه.

معاوية يمنع وعليٌّعليه‌السلام يسمح

وأذكر لكم شاهداً آخر على رأفة عليٍّعليه‌السلام ورحمته حتّى بالخارج عليه لقتله، مثل معاوية وحزبه الفاسقين، في صِفّين.

لقد ذكر جميع المؤرّخين وأصحاب السِيَر، منهم: المسعودي في مروج الذهب، والطبري في تاريخه، وابن أبي الحديد في شرح النهج ٣/٣١٨ و١٠/٢٥٧، وينابيع المودّة - للقندوزي - باب ٥١، وغيرهم ذكروا أنّ معاوية استولى على الفرات فمنع جيش الإمام عليّعليه‌السلام من حمل الماء، وقال: لا والله لا ندعهم يشربوا حتّى يموتوا عطشاً!

فهاجَمَهم جيش الإمام عليّعليه‌السلام واستولوا على الفرات وانهزم جيش معاوية، ولكنّ عليّاًعليه‌السلام لم يمنعهم الشرب وسمح لهم بحمل الماء.

بالله عليكم أيّها الحاضرون أنصفوا! أيّ الخليفتين تشمله الجملة

٤٦٩

من الآية الكريمة:( رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ) ؟

وإذا كنتم تريدون تعريف الآية الكريمة وإعرابها كاملة..

فيكون( مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله ) مبتدأ( وَ الَّذِينَ مَعَهُ ) معطوف على المبتدأ وخبره وما بعده خبر بعد الخبر، وكلّها صفات شخص واحد: الّذين يُعدّون مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ويوصفون بمعيّته، هم الّذين يكونون أشدّاء على الكفّار، رحماء بينهم إلى آخره.

وحيث إنّ هذه الصفات ما اجتمعت في أحد من الصحابة غير عليٍّعليه‌السلام ، فالذي يعدّ مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله معيّة حقيقية معنوية، فلا فارقه ولا فكّر بمفارقته حتّى ساعة واحدة، هو عليٌّعليه‌السلام ، فكأنّهما أصبحا حقيقة ونفساً واحدة، اتّحدا روحاً ومعنىً وإن افترقا جسماً وبدناً.

الشيخ: عندنا إجابات وردود كثيرة على كلامكم، ولكن نكتفي بواحدة منها، وهي: إنّ معاني الآية الكريمة إذا كانت تنطبق على سيّدنا عليٍّ كرّم الله وجهه فقط، ولم تشمل أحداً غيره، فلماذا جاءت الآية على صيغة الجمع؟! فتقول والّذين معه، أشدّاء، رحماء، ركّعاً، سجّداً، يبتغون، سيماهم، وجوههم كلّها كلمات على صيغة الجمع.

قلت:

أوّلاً: أنا حاضر لأستمع كلّ إجاباتكم وردودكم، وإلا فسكوتكم يدلّ على صحّة حديثي وربّما كان عنكم مغالطات تسمونها إجابات! فاطرحوها، فإنّي لا أتركها بلا جواب، إن شاء الله تعالى.

ثانياً: إنّ سؤالكم هذا، نقاش لفظي، لأنّكم تعلمون أنّ في كلام العرب والعجم يطلقون صيغة الجمع على المفرد من أجل التعظيم

٤٧٠

والتفخيم، وكم لها في القرآن نظائر! منها:

آية الولاية ونزولها في الامام عليّعليه‌السلام

القرآن الكريم هو أعظم مرجع في اللغة العربية، وأقوى سند لها، وفي ما نحن فيه أيضاً، القرآن دليل قاطع، وبرهان ساطع.

فنجد فيه آية كريمة اُخرى وهي: آية الولاية( إِنَّمَا وَلِيُّکُمُ الله وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّکَاةَ وَ هُمْ رَاکِعُونَ ) (١) ، فكلماتها على صيغة الجمع، واتّفق المفسّرون والمحدّثون من الفريقين - الشيعة والسُنّة - أنّها نزلت في حقّ عليٍّعليه‌السلام وحده، منهم: الإمام الفخر الرازي في «التفسير الكبير» ٣/٤٣١، والإمام أبو إسحاق الثعلبي في تفسير «كشف البيان» وجار الله الزمخشري في الكشّاف ١/٤٢٢، الطبري في تفسيره ٦/١٨٦، أبو الحسن الرّماني في تفسيره، ابن هوازن النيسابوري في تفسيره، ابن سعدون القرطبي في تفسيره، الحافظ النسفي في تفسيره المطبوع في حاشية تفسير الخازن البغدادي، الفاضل النيسابوري في غرائب القرآن ١/٤٦١، أبو الحسن الواحدي في أسباب النزول: ١٤٨، الحافظ أبو بكر الجصّاص في تفسير أحكام القرآن:٥٤٢، الحافظ أبو بكر الشيرازي في كتابه «ما نزل من القرآن في عليّعليه‌السلام »، أبو يوسف الشيخ عبد السلام القزويني في تفسيره الكبير، القاضي البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل ١/٣٤٥، جلال الدين السيوطي في الدرّ المنثور ٢/٢٩٣، القاضي الشوكاني في

____________________

١) سورة المائدة، الآية ٥٥.

٤٧١

تفسيره «فتح الغدير» السيّد محمود الآلوسي في تفسيره «روح المعاني» الحافظ ابن أبي شيبة الكوفي في تفسيره، ابو البركات في تفسيره ١/٤٩٦، الحافظ البغوي في «معالم التنزيل» الإمام النسائي في صحيحه، محمد بن طلحة الشافعي في «مطالب السؤول» ابن أبي الحديد في شرح النهج ١٣/٢٧٧، الخازن علاء الدين البغدادي في تفسيره ١/٤٩٦، الحافظ القندوزي في «ينابيع المودّة» الحافظ أبو بكر البيهقي في كتابه «المصنّف»، رزين العبدري في «الجمع بين الصحاح الستّة»، ابن عساكر في تاريخه، سبط ابن الجوزي في التذكرة: ٩، القاضي عضد الإيجي في كتابه «المواقف»:٢٧٦، السيّد الشريف الجرجاني في شرح المواقف، العلّامة ابن الصبّاغ المالكي في الفصول المهمّة: ١٢٣، الحافظ أبو سعد السمعاني في «فضائل الصحابة»، أبو جعفر الإسكافي في «نقض العثمانية»، الطبراني في الأوسط، ابن المغازلي في «مناقب عليّ بن أبي طالب»، العلّامة الكنجي القرشي الشافعي في «كفاية الطالب»، العلّامة القوشجي في «شرح التجريد»، الشبلنجي في نور الأبصار: ٧٧، محبّ الدين الطبري في الرياض النضرة ٢/٢٢٧، وغيرهم من كبار أعلامكم.

رَووا عن السُدّي ومجاهد والحسن البصري والأعمش وعتبة بن أبي حكيم وغالب بن عبد الله وقيس بن ربيعة وعباية بن ربعي وعبدالله ابن عبّاس وأبي ذرّ الغفاري وجابر بن عبد الله الأنصاري وعمّار بن ياسر وأبو رافع وعبد الله بن سلام، وغيرهم من الصحابة، رووا أنّ الآية الكريمة نزلت في شأن سيّدنا عليٍّعليه‌السلام ، وقد اتّفقوا على هذا المضمون وان اختلفت ألفاظهم، قالوا:

٤٧٢

إنّ عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام كان يصلّي في المسجد، إذ دخل مسكين وسأل المسلمين الصدقة والمساعدة، فلم يعطه أحد شيئاً، وكان عليٌّعليه‌السلام في الركوع فأشار بإصبعه إلى السائل، فأخرج الخاتم من يد الإمام عليّعليه‌السلام ، فنزلت الآية في شأنه وحده على صيغة الجمع، وذلك من أجل التعظيم والتفخيم لمقامهعليه‌السلام .

الشيخ عبد السّلام: إنّ هذا التفسير وشأن النزول لم يكن قول جميع علمائنا، فقد خالف هذا القول جماعة، فمنهم القائل: إنّها نزلت في شأن الأنصار، وبعض قالوا: نزلت في شأن عبادة بن الصامت، وجماعة قالوا: نزلت في حقّ عبد الله بن سلام.

قلت: إنّي أتعجّب منكم، حيث تتركون قول أعظم أعلامكم وأشهر علمائكم وأكثرهم، إضافة إلى إجماع علماء الشيعة في ذلك، وتتمسّكون بأقوال شاذّة من أفراد مجهولين أو معلومين بالكذب والنصب والتعصّب، بحيث نجد أقوالهم ورواياتهم مردودة وغير مقبولة عند كبا علمائكم.

والجدير بالذِكر أنّ بعض علمائكم ادّعى إجماع المفسّرين واتّفاقهم على أن الآية: نزلت في شأن الإمام عليٍّعليه‌السلام ، منهم: الفاضل التفتازاني، والعلامة القوشجي في شرح التجريد، قال: إنّها باتّفاق المفسّرين نزلت في حقّ علي بن أبي طالب حين أعطى السائل خاتمه وهو راكع...

فهل العقل السليم يسمح لكم بترك قول جمهور العلماء والمفسّرين وتتمسّكوا بأقوال واهية وشاذة صدرت من المتعصّبين والمعاندين الجاحدين للحق والدين؟!

٤٧٣

شبهات وردود

الشيخ عبد السلام: سماحتكم أردتم بهذه الآيات أن تثبتوا خلافة سيّدنا عليٍ كرم الله وجهه بلا فصل بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والحال أنّ فيها أموراً تمنع من قصدكم.

أوّلاً: كلمة «الوليّ» في الآية بمعنى المحبّ، لا بمعنى الإمام والخليفة، وإذا كانت بالمعنى الذي تقولونه فلا ينحصر الوليّ في رجل واحد، بل تشمل الآية أفراداً كثيرين، على القاعدة المقرّرة عند العلماء وهي: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص المعنى والسبب، وعلى هذا فالإمام عليٌّ كرم الله وجهه هو أحد أفراد الآية الكريمة.

ثانياً: صيغة الجمع في كلمة «وليّكم» وكلمة «الّذين» تفيد العموم، وحمل الجمع على الفرد - بدون دليل - يكون تأويلاً لكلام الله تعالى بغير مجوّز.

قلت:

أوّلاً: كلمة «الولي» جاءت بصيغة المفرد وأضيفت إلى ضمير الجمع، أي إنّما وليّ المسلمين.

ثانياً: أجبناكم من قبل أن الاُدباء واللغويّين يجيزون إطلاق الجمع على الفرد لأجل التفخيم والتعظيم.

وأمّا القاعدة المقرّرة عند العلماء، أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فنحن أيضاً نلتزم بها، فقد جاء في اللفظ( إِنَّمَا وَلِيُّکُمُ ) وهي أداة حصر، فلذا نقول: إنّ الآية نزلت في شأن

٤٧٤

أمير المؤمنينعليه‌السلام والولاية الإلهية في عصره منحصرة فيه، فهو وليّ المسلمين دون غيره، ولا يحقّ لأحد أن يدّعي الولاية على الإمام عليٍّعليه‌السلام ما دام في الحياة، فإذا مات أو قتل فالولاية الإلهيّة التي تضمّنها الآية تنتقل إلى غيره، وهم الأئمّة الأحد عشر من ولده، واحد بعد الآخر، فحينئذ يحصل مرادكم أيضاً، لأنّكم تقولون: إنّ الآية تشمل أفراداً كثيرين لا فرداً واحداً.

فالأفراد المشمولون بالآية هم الأئمّة المعصومون من أهل البيتعليهم‌السلام كما قال الزمخشري في «الكشّاف» في ذيل الآية الكريمة: ولو أن الآية حصرٌ في شأن عليّعليه‌السلام فإنّ المقصود من نزولها بصيغة الجمع كان لترغيب الآخرين ليتّبعوا عليّاًعليه‌السلام في هذا الأمر ويتعلّموا منه.

ثالثاً: أمّا قولكم بأنّ الشيعة أوّلوا الآية بغير مجوّز ودليل، ما هو إلّا سفسطة كلام تريدون من ورائه إغواء العوامّ.

ونحن ذكرنا لكم أسماء ثلّة من كبار علمائكم وأشهر أعلامكم ومفسّريكم الّذين قالوا بأنّ الآية نزلت في شأن عليعليه‌السلام ، وهذا القول إنّما يكون تنزيل الآية وتفسيرها، لا تأويلاً أو رأياً اجتهادياً.

الشيخ عبد السلام: أما كلمة «الوليّ» فهي بمعنى: المحبّ والناصر، لا بمعنى الأَوْلى بالتصرف حتّى تستنبطوا منها معنى الخلافة، لأنّها إذا كانت بمعنى الخلافة، فيجب بعدَ نزول الآية أن يخلف عليٌّ كرّم الله وجهه رسول الله في حال حياته إذا سافر أو غاب لبعض شؤونه، وأن يقوم مقامه ويتصرّف في الأمور مثلهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهذا الأمر لم يكن في حياة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فلذا نقول: إنّ كلامكم باطل.

قلت: بأيّ دليل تقول: إنّ هذا الأمر - أي قيام الإمام عليّعليه‌السلام

٤٧٥

مقام النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله - لم يكن في حياة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟!

فظاهر الآية يثبت مقام الولاية لعليّعليه‌السلام من حين نزولها، واستمرار المقام بدليل الجملة الاسمية، وأنّ «الوليّ» صفة مشبّهة، وهذان دليلان على ثبات ودوام مقام الولاية.

ويؤيّد هذا المعنى أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله جعل عليّاًعليه‌السلام خليفته في المدينة حين خرج منها إلى تبوك، ولم يعزله بعد ذلك إلى أن توفّيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ويؤيّده حديث المنزلة، فإنهصلى‌الله‌عليه‌وآله كرّره في مناسبات كثيرة، قائلاً: عليٌّ مني بمنزلة هارون من موسى، أو يخاطبه في الملأ: أنت منّي بمنزلة هارون من موسى.

وقد ذكرنا لكم بعض مصادره في الليالي الماضية.

وهذا دليل آخر على أنّ عليّاًعليه‌السلام كان خليفة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في غيابه لما كان حيّاً واستمرت خلافته للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد حياته أيضاً.

الشيخ عبد السّلام: لو تعمّقتم في شأن نزول الآية كما تقولون وفكّرتم فيه، لعدلتم عن رأيكم، لأنّه لا يُعدّ منقبة لسيّدنا عليّ، بل يعدّ نقصاً له كرّم الله وجهه، وهو أجلّ من ذلك.

قلت:

أوّلاً: لا يحقّ لأحدٍ بلغ ما بلغ من العلم، أن يغيّر ويبدّل شأن نزول آيات القرآن الحكيم، سواءً ثبتت بها منقبة أو منقصة لأيّ شخص كان، فإنّ شأن النزول يتبع الواقع وليس بأمر اجتهادي، ولا يدخل فيه رأي هذا و ذاك، ولا يتصرّف أحد في شأن نزول الآيات إلّا شقيٌّ عديم الدين والإيمان، يتّبع هواه ولا يطيع الله عزّ وجلّ، مثل البكريّين في هذا الشأن، فإنّهم اتّبعوا قول عكرمة الكذّاب وقالوا: إنّها نزلت

٤٧٦

في شأن أبي بكر.

ثانياً: أوضحوا لنا كيف تكون الآية الكريمة منقصة لمن نزلت في شأنه؟!

الشيخ عبد السلام: لأنّه من جملة خصال سيّدنا عليّ كرّم الله وجهه التي تعدّ من أجمل خصاله وفضائله، أنّه لمـّا كان يقف للصلاة كان ينسى نفسه وكلَّ شيء سوى الله سبحانه، فلا يحسُّ ولا يبصر إلّا عظمة الله وآياته.

وقد روى بعض العلماء، أنّهعليه‌السلام اُصيب بسهم في رجله في إحدى المعارك، فأشار عليه طبيب جرّاح ليأذن له حتّى يشق اللحم ويخرج السهم من رجله، فأبىعليه‌السلام .

ثمّ لمـّا وقفعليه‌السلام بين يدي الله تعالى واستغرق في العبادة في حال السجود أمر الإمام الحسن - رضي الله عنه - أن يخرج الجرّاح السهم من رجل أبيه، فأخرجه وما أحسّ سيّدنا عليّ أبداً!

فإنّ رجلاً هذا حاله حين الصلاة، كيف يلتفت إلى سائل فقير فيعطيه خاتمه وهو في حال الركوع؟!

ألم يكن انصرافه عن الله تعالى والتفاته إلى الفقير نقصاً لصلاته ونقضاً لعبادته؟!

قلت: إنّ هذا الإشكال أهون من بيت العنكبوت! لأنّ التفات المصلّي إلى الاُمور المادّيّة تعدّ نقصاً، وأمّا إلى الاُمور المعنوية فهو كمال، فإعطاء الزكاة والصدقة للفقير عبادة مقرّبة على الله سبحانه، والصلاة - أيضاً - عبادة أقامها عليٌّعليه‌السلام قربة إلى الله تعالى، فهو لم يخرج عن حال التقرّب إلى الله، ولم ينصرف عن العبادة إلى عمل غير

٤٧٧

عبادي، وإنّما انصرف من الله تعالى إلى الله، وتكرّرت عبادته، فقد آتى الزكاة في حال الصلاة، فجمع فرضين ليكسب رضا الله عزّ وجلّ ويتقرّب إليه، وقد قرَّبَهُ الباري سبحانه وتعالى وقَبِل منه الزكاة والصلاة، فأنزل الآية وأعطاه الولاية، ليكون دليلاً على قبول عمله وعبادته.

ألم يكن هذا دليل على فضل الإمام عليٍّعليه‌السلام وكماله؟!

ما لكم كيف تحكمون؟!

عود على بدء

فثبت أنّ الذي تنطبق عليه الآية الكريمة تطبيقاً كاملاً وصحيحاً وصريحاً من غير تأويل وتعليل، إنّما هو الإمام عليّعليه‌السلام الذي كان مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله معيّةً امتزجت نفسهعليه‌السلام بنفسهصلى‌الله‌عليه‌وآله الطيّبة، وأخلاقهعليه‌السلام بأخلاقهصلى‌الله‌عليه‌وآله الكريمة، وصفاتهعليه‌السلام بصفاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله الحميدة، حتّى أصبحا حقيقة واحدة لا يمكن افتراقهما.

وثبت أنّه لم يكن أشدّ منهعليه‌السلام على الكفّار، ولا أرحم وأرأف منهعليه‌السلام بالمؤمنين.

فكان صلب الإيمان، ثابت العقيدة ما شكّ في النبوّة والدين لحظة واحدة، ولا تزلزل في رسالة سيّد المرسلين طرفة عين أبداً.

الشيخ عبد السّلام: لا أدري ما الذي تقصده من هذه الكنايات والنكايات؟!

فهل شكّ أحد الخلفاء الراشدين والصحابة المهتدين، بعد ما آمنوا بالدين؟!

٤٧٨

وهل تزلزل أحدهم في رسالة خاتم النبيّين؟! حتّى تقول: إنّ عليّاً ما شكّ وما تزلزل! بل كلهم كذلك، ما شكوا وما تزلزلوا، فلماذا هذا التأكيد على سيّدنا عليّ كرّم الله وجهه؟! لعلك تريد أن تقول: بأنّ الشيخين أو غيرهما من الصحابة الكرام شكّوا في الدين وتزلزلوا في الإيمان؟!

قلت: يا شيخ! اُشهد أنّي لم أقصد بكلامي ما ظننتَ، ولو كان كذلك لأظهرتُه بالصراحة لا بالكناية.

الشيخ عبد السلام: إنّ اُسلوب حديثك ينبئ بأنّ عندك شيئاً في هذا المجال، ولا تريد أن تظهره بالمقال، ولكنّي اُريد منك أن تبيّن كلَّ ما في قلبك ولا تبقي شيئاً، ولا تنسَ أننّا لا نقبل منك شيئاً إلّا مع الدليل والبرهان.

قلت: لو كنتم تعفوني من الخوض في هذا الموضوع لكان أجمل وأحسن، وان كانت أدلّتي كلّها من كتب علمائكم الأعلام ومحدّثيكم الكرام، ولكن رعايةً لبعض الجهات اُحبّ أن لا أطرح هذا الموضوع أبداً.

الشيخ عبد السلام: إنّك بهذا الكلام ألقيت الشكّ في قلوب هؤلاء العوامّ، فإنّهم سيظنّون أنّ الشيخين - رضي الله عنهما - وغيرهما من الصحابة الكرام قد شكّوا يوماً وتزلزلوا في الدين الحنيف والنبوّة!

فالرجاء الأكيد إمّا أن تقيم الدليل والبرهان الصريح الواضح على هذا الكلام، أو أن ترجع في كلامك الذي فيه إبهام، وتعلن من غير إبهام، بأنّ الشيخين وغيرهما من الصحابة الكرام، ما زلّت بهم

٤٧٩

الأقدام، ولم يشكّوا طرفة عين في النبوّة والإسلام.

قلت: يا شيخ! إنّ الشكّ والترديد كان يعتري أكثر الصحابة الّذين كانوا في مرتبةٍ دنيا من الإيمان، و لمـّا دخل الإيمان في قلوبهم، ولم يمتزج بنفوسهم.

فكان بعضهم يبقى في حال الشكّ والريب، فكانت آيات من القرآن الحكيم تنزل في شأنهم وذمِّهم، كالمنافقين الّذين نزلت آيات كثيرة في سورة المنافقين وغيرها في ذمّهم.

وبعضهم كان يعرض عليه الشكّ والترديد ثم يزول عنه بعد مدّة. هذا جواب عام، ولا نريد أن نمسّ أحداً، فأرجوكم أنت تكتفوا بهذا المقدار في هذا الإطار.

الشيخ عبد السلام: إنّ الشكّ الذي وقع بسبب كلامك في قلوب الحاضرين باقٍ، فإمّا أن تذكر ما يختلج في قلبك، واضحاً من غير التباس، مستدلاً بأقوال علمائنا المعتمدين عندنا وكتبنا الموثوقة المعتبرة لدينا، أو تصرّح بأنّ الشيخين كانا في حدّ اليقين، وما شكّا في الدين، ولم يتزلزلا في نبوّة سيّد المرسلين، طرفة عين.

قلت: يا شيخ! إنّ إلحاحك وإصرارك على هذا الأمر، اضطرّني أن أكشف عن حقائق لم أكن اُحبّ أن أكشف عنها.

نعم، لقد شك عمر بن الخطّاب في نبوّة خاتم النبيّينصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتناقل الخبر بعض علمائكم الأعلام، مثل ابن المغازلي الشافعي في كتابه: مناقب عليّ بن أبي طالب(١) والحافظ محمد بن أبي نصير الحميدي في

____________________

١) لم أجد هذا الخبر في (المناقب) لابن المغازلي. =

٤٨٠