مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مناظرات وحوار ليالي بيشاور0%

مناظرات وحوار ليالي بيشاور مؤلف:
المحقق: السيّد حسين الموسوي
الناشر: ذوي القربى
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 1199

مناظرات وحوار ليالي بيشاور

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيّد محمّد الموسوي الشيرازي
المحقق: السيّد حسين الموسوي
الناشر: ذوي القربى
تصنيف: الصفحات: 1199
المشاهدات: 215782
تحميل: 2412

توضيحات:

مناظرات وحوار ليالي بيشاور
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 1199 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 215782 / تحميل: 2412
الحجم الحجم الحجم
مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مؤلف:
الناشر: ذوي القربى
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

المجلس الثامن

ليلة الجمعة / غرّة شعبان المعظّم / ١٣٤٥ هجرية

أقبل القوم بعدما أتْممتُ صلاة العشاء، فاستقبلناهم بالترحاب،فجلسوا وشربوا الشاي.

ثم تكلم السيد عبد الحي قائلاً:

لقد صدرت منكم في البحث الماضي كلمة لا ينبغي لمثلكم أن يتفوّه بها. لأنها تُسبِّب تفرقة المسلمين، والله تعالى يقول:( وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ الله جَمِيعاً وَ لاَ تَفَرَّقُوا ) (١) ( وَ لاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا ) (٢) .

قلت «متعجباً»: أرجو أنْ توضح ما هي تلك الكلمة؟! فربما صدرتفي حال الغفلة.

السيد عبد الحي: في الليلة الماضية، في أواخر البحث عن فوائد الزيارة قلتم: إنكم تعتقدون بأنّ زيارة مشاهد أهل البيت من علائم الإيمان، وقلتم :ليس كل مسلم بمؤمن!

بينما المسلمون كلهم مؤمنون والمؤمنون كلهم مسلمون!

فلماذا تفرّقون بينهم وتجعلونهم قسمين متمايزين؟!

____________________

١) سورة آل عمران، الآية ١٠٣.

٢) سورة الأنفال، الآية ١٦.

٦٠١

أليسَ هذا الانقسام يضر الإسلام! وقد تبيَّنَ لنا من كلامكم شيءٌ، وهو أنّ عوام الشيعة «خاصة في الهند» حين يحسبون أنفسهم مؤمنين ويحسبوننا مسلمين، مأخوذ من علمائهم.

وهذا الأمر مخالفٌ لرأي جمهور علماء الإسلام، إذ لا يفرّقون بين الإسلام وبين الإيمان.

الفرق بين الإسلام والإيمان

قلت: أولاً ، قولك: جمهور علماء الإسلام لا يفرقون بينه وبين الإيمان. فغير صحيح، لأننا نجد في الكتب الكلامية اختلافاً كثيراً حول الموضوع لابين الشيعة والسنّة فحسب، بل نجد الاختلاف سارياً في أقوال أهل السنة والجماعة أنفسهم أيضاً، فالمعتزلة على خلاف الأشاعرة. وبعض علماء الشافعية والحنفية على خلاف رأي أحمد ومالك.

ثانياً: لا يرد إشكالك على كلامي، لأنّ كلامي صدر على أساس قوله تعالى:( قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَ لٰکِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَ لَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِکُمْ ) (١) الخ.

فالآية الكريمة تصرّح بأنّ الإسلام والتسليم في الظاهر، والإيمان يرتبط بالقلب، والآية تنفي إيمان قوم في حين تثبت إسلامهم. فالمسلم، مَن شهد بالتوحيد والنبوة فقال: أشهد أنْ لا إله إلّا الله، وأشهد أنّ محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله رسول الله. فحينئذٍ يكون للمسلم ما للمؤمنين

____________________

١) سورة الحجرات، الآية ١٤.

٦٠٢

في الدنيا، من الحقوق الاجتماعية والمدنية والشخصية، دون الآخرة، فقد قال تعالى:( مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ ) (١) .

السيد عبد الحي: نقبل بأنّ الإسلام غير الإيمان، فقد قال سبحانه وتعالى:( وَ لاَ تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْکُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً ) (٢) .

فهذه الآية تفرض علينا الإلتزام بالظاهر وأنْ لا ننفي الإسلام عمّن أظهر الإسلام.

قلت: نعم كل من نطق بالشهادتين، فما لم يرتكبْ منكراً يلازم الكفر والارتداد، ولم ينكر إحدى الضرورات الإسلاميّة كالمعاد، فهو مسلم، نعاشره ونجالسه ونعامله معاملة الإسلام، ولم نتجاوز الظاهر، فإنّ بواطن الناس لا يعلمها إلا الله سبحانه، وليس لأحد أنْ يتجسّس على بواطن المسلمين. ولكن نقول: بأن النسبة بين الإسلام والإيمان، عموم مطلق(٣) .

مراتب الإيمان

لقد أمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أمته عند اختلاف الأقوال وتضارب آرائهم، أنْ يأخذوا بقول أهل بيته ويلتزموا برأيهم، لأنهم أهل الحقٍّ والحقُّ لا يفارقهم. فلذلك إذا بحثنا في أحاديث أهل البيتعليهم‌السلام لنجد حقيقة موضوع حوارنا، نصل إلى قول الإمام الصادقعليه‌السلام إذ يقول: «إنّ

____________________

١) سورة البقرة، الآية،١٠

٢) سورة النساء، الآية ٩٤.

٣) مورد الاجتماع: المسلم المؤمن.

ومورد الإفتراق: المسلم غير المؤمن، ولا يوجد مؤمن غير مسلم.

٦٠٣

للإيمان حالات ودرجات وطبقات ومنازل.فمنه الناقص البيِّن نقصانه ومنه الراجح الزائد رجحانه ومنه التام المنتهَى تمامه. وأما الإيمان الراجح فهو عبارة عن إيمان الشخص الذي يتصف ببعض لوازم الإيمان، فهو راجح على الذي لا يتصف بها فالثاني ناقص إيمانه، وأما التام المنتهى تمامه، فهو الذي يتصف بكل لوازم الإيمان. وقد قال سبحانه وتعالى فيهم:( أُولٰئِکَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ رِزْقٌ کَرِيمٌ ) (١) .

وأما الصفات اللازمة للإيمان فهي كثيرة منها كما في الحديث المروي( عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: يا علي سبعة من كنَّ فيه فقد استكمل حقيقة الإيمان، وأبوابُ الجنة مفتّحة له: مَنْ أسْبَغَ وضوءه وأحسن صلاته، وأدَّى زكاة ماله، وكَفَّ غضبه.وسَجَن لسانه، واستغفر لذنبه، وأدَّى النصيحة لأهل بيت نبيه)(٢) ونحن نعتقد أنّ زيارة مشاهد أهل البيتعليهم‌السلام يدخل ضمن العنوان الأخير. فالذي أسلم، هو مؤمن في الظاهر ولا نعلم باطنه، ولكن أعماله تكشف عن حقيقة إيمانه، ومراتب رسوخ الإيمان في قلبه وباطنه وقد جاء في تفسير الآية الكريمة:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا ) (٣) .

أي: يا أيها الذين آمنوا بألسنتهم آمِنوا بقلوبكم.

وخاطب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله جماعة من أصحابه فقال: يا معشر مَن أسلم بلسانه ولم يخلص الإيمان بقلبه.

فلا شك أنّ بين الإسلام والإيمان فرقاً لغوياً ومعنويا. وللمؤمن

____________________

١) سورة الانفال، الآية ٧٤.

٢) الخصال: ٢/١٦٨، الحديث رقم ٨.

٣) سورة النساء، الآية ١٣٦.

٦٠٤

علائم تظهر في سلوكه وأعماله.

ثم اعلموا بأننا لا نفتش عن بواطن الناس ولا نفرّق بين المسلمين، ولكن نعاملهم على حدّ أعمالهم، فهناك من ينطق بالشهادتين ولكن يستخف بالصلاة والصوم ويستهين بالحج ولا يدفع الزكاة ويخالف القرآن الحكيم وأوامر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وأهلبيته، فليس هذا عندنا من الإحترام والتكريم، كمن ينطق بالشهادتين ويلتزم بأحكام الدين فيعمل بكل الفرائض ويترك المنهيّات ويطيع الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعترتهعليهم‌السلام لقوله تعالى:( إِنَّ أَکْرَمَکُمْ عِنْدَ الله أَتْقَاکُمْ ) (١) .

فالإسلام يتحقق باللسان، وهو بداية المرحلة الأولى من الإيمان، ويترتب عليه الأحكام الدنيوية كالحقوق الاجتماعية والشخصية والمدنية.

ولكن الإيمان المطلق فيتحقق باللسان والقلب، ويظهر بالأعمال الصالحة التي تصدر من جوارح المؤمن وأعضاءه بدنه، وحتى اللسان، وهو يحب أنْ يكون مطلقاً، يتقيَّد بالإيمان فلا يتكلم إلّا بالحق والصبر، كما قال تعالى:( بِسْمِ الله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ ، وَ الْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَ تَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَ تَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ) (٢) .

وجاء في الحديث الشريف:

الإيمان هو الإقرار باللسان والعقد بالجنان والعمل بالأركان.

____________________

١) سورة الحجرات، الآية ١٣.

٢) سورة العصر.

٦٠٥

لماذا ترفضون الشيعة!!

إذا كنتم ملتزمين بهذا الأصل العام، إنّ كل من نطق بالشهادتين فهو مسلم ومؤمن وأخٌ في الدين. فلماذا تطردون الشيعة وترفضونهم بل تعادونهم، ولاتحسبون مذهبهم من المذاهب الإسلامية! وكلكم تعلمون بأنّ الشيعة يشهدون أن لا إله إلّا الله، وأنّ محمداً رسول الله وخاتم النبيين. ويعتقدون بأنّ القرآن كلام الله العزيز ويلتزمون بكل ما جاء به المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فيصلّون ويصومون ويزكّون ويحجون ويجاهدون فيسبيل الله ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويعتقدون بالبعث والمعاد وبالمحاسبة والجزاء( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ‌ ) (١) لذلك يلتزمون بترك القبائح والمحرّمات كالظلم والسرقة والخمر والزنا والقمار واللواط والربا والكذب والافتراء والنميمة والسحر وغيرها من المحرّمات.

فنحن معكم نعتقد بإله واحد ونبي واحد ودين واحد وكتاب واحد وقبلة واحدة، ومع ذلك كله نراكم تفترون علينا وترموننا بالكفر والشرك! وهذا مايريده الأجانب والمستعمرون ويفرحون منه.

فلماذا هذا الظلم والجفاء وهذا التقوُّل والافتراء علينا؟!!

ألَم نكن معكم متّفقين على دين واحد، ومتّفقين على أصوله وفروعه وأحكامه؟ - غير الإمامة والخلافة - وأما الاختلاف الموجود بيننا وبينكم في بعض الأحكام الفرعية، فهو اختلافٌ نظريٌّ ورأيٌ فقهي، كالاختلاف الواقع بين الأئمة الأربعة لأهل السنّة والجماعة. بل

____________________

١) سورة الزلزلة، الآية ٧ و٨.

٦٠٦

في بعض المسائل تكون اختلافاتهم أشدّ من اختلافنا مع بعضهم. هل أعددتم جواباً ليوم الحساب إذا سُئلتم عن سبب هذا الموقف البغيض والحقد العريض على الشيعة المؤمنين؟ وهل يُقبَل منكم إذا قلتم: إننا اتّبعنا أسلافنا من الخوارج والنّواصب، المعادين للعترة الهادية والفرقة النّاجية؟!!

فليس للشيعة ذنب، سوى أنهم سلكوا الطريق الذي رسمه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بأمر الله سبحانه، فأمَرَ المسلمين بمتابعة أهل بيته وإطاعة عترته من بعده.

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : إني تاركٌ فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً.

فالشيعة أخذوا بأمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وتمسّكوا بالثقلين.

وأمّا غيرهم فقد أخذوا بقول غير النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إذْ عارضوه فقالوا: كفانا كتاب الله! فتركوا أهل البيت والعترة الطاهرة الهاديةعليهم‌السلام .

الشيعة أخذوا أحاديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن طريق أهل بيتهعليهم‌السلام ، وغيرهم أخذوا الأحاديث عن طريق أبي هريرة وأنَس وسَمرة وأمثالهم، وتركوا طريق أهل البيت الطيبينعليهم‌السلام .

وللحصول على أحكام الدين ابتدعوا القياس والاستحسان حسب ما تراهُ عقولهم، وتحكم به أفكارهم، كل ذلك ليستغنوا عن العترة الهادية!!

لماذا نتّبع عليعليه‌السلام وأبناءه

ونحن إنما نتّبع عليّاًعليه‌السلام وأبناءه الأئمة المعصومينعليهم‌السلام لقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد المدينة فليأتها من بابها.

٦٠٧

لذلك نحن دخلنا من الباب الذي فتحه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لأمته وأمرهم بالدخول منه إلى مدينة علومه وأحكام دينه وحقيقة شرعه.

ولكنكم تُحتِّمون علينا وعلى المسلمين أنْ نكون أشاعرة أو معتزلة في أصول الدين وأما في الفروع والأحكام فتريدوننا أن نأخذ برأي أحد الأئمة الأربعة، لمذاهب أهل السنّة والجماعة وهو تحكّم منكم، ليس لكم دليل عليه!

ولكننا نستند على أدلة عقلية، ونقليّة من أحاديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في وجوب متابعة عليعليه‌السلام وأبنائه الأئمة الطيبين، وقد نَقَلْتُ لكم بعض الأحاديث الشريفة من كتبكم المعتبرة ومصادركم المشتهرة كحديث الثقلين وحديث السفينة وباب حطّة وغيرها. وإذْ تُنصفونا وتتركوا العناد واللجاج، لكفى كل واحدٍ من تلك الأحاديث في إثبات قولنا وأحقية مذهبنا.

وأمّا أنتم فليس عندكم حتّى حديثٌ واحد عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يأمر أمّته بمتابعة الأشعري أو ابن عطاء في مسائل أصول الدين، أو العمل بآراء وأقوال مالك بنأنس أو أحمد بن حنبل أو أبي حنيفة أو محمد بن إدريس الشافعي في فروع الدين وأحكام العبادات والمعاملات، ليت شعري من أين جاء هذا الانحصار؟!

فاتركوا التّعصّب لمذهب الآباء والأمّهات والتمسك بالتقاليد والعادات، وارجعوا إلى القرآن الحكيم وأحاديث النبي الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله فلو كان عُشْر هذه الروايات والأحاديث المروية في كتبكم والواصلة عن طرقكم في متابعة أهل البيتعليهم‌السلام ، لو كانت في حقّ واحدٍ من أئمّة المذاهب الأربعة لاتّبعناه وأخذنا برأيه وعملنا بقوله.

٦٠٨

ولكن لا نرى في كتبكم وأسانيدكم إلّا أحاديث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يُحرِّض ويُحفِّز على متابعة الإمام عليعليه‌السلام بل يأمر المسلمين بذلك وينهى عن مخالفته ويصرّح بأنّ الحق معه.

والآن تذكّرت حديثاً نبوياً نقله كثير من علمائكم وأعلامكم، أنقله لكم بالمناسبة لتعرفوا أنّ الشيعة لا يتّبعون عليّاً وأبناءه عن تعصّب وهوى، بل بأمر من الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله وليس إلى الحقّ والجنة سبيل غير مذهب أهل البيتعليهم‌السلام وهو مذهب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

روى الشيخ سليمان الحنفي القندوزي في كتابه ينابيع المودة الباب الرابع / عن فرائد السمطين لشيخ الإسلام الحمويني بسنده عن سعيد بن جبير عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا علي أنا مدينة العلم و أنت بابها و لن تُؤْتى المدينة إلّا من قِبَل الباب، و كَذِبَ مَنْ زَعَم أنّه يُحبِّني ويبغضك لأنّك مني و أنا منكَ. لحمك من لحمي و دَمُك دمي و روحك من روحي و سريرتك من سريرتي و علانيتك من علانيتي، سعد من أطاعك و شَقَي مَنْ عصاك، و ربح مَنْ تولّاك، وخسر من عاداك، و فاز من لزمك، و هلك من فارقك، مَثَلُك و مَثَل الأئمة مِن ولدك بعدي، مَثَل سفينة نوح من ركبها نجى و من تخلّف عنها غرق، و مثلهم كمثل النجوم كلّما غاب نجم طلع نجم إلى يوم القيامة.

ويصرّح النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في حديث الثقلين الذي اتفق علماء المسلمين على صحته، إنّكم ما إنْ تمسّكتم بالقرآن وبأهل بيته وعترته لن تضلّوا بعده أبداً.

وقد تكلمت حول هذا الحديث بالتفصيل في الليالي الماضية

٦٠٩

وذكرت لكم مصادره من كتبكم ومسانيدكم، ولكن بالمناسبة أقول:

إنّ ابن حجر الهيثمي وهو ممن لا يُتَّهم عندكم بشيء بل لا يَنكر أحدٌ تعصّبه في مذهبه، وتمسّكه بطريقة أهل السّنة والجماعة.

قال في كتاب الصواعق المحرقة / الفصل الأول من الباب الحادي عشرعند ذكره الآيات الكريمة النازلة في شأن أهل البيتعليهم‌السلام فيقول في ذيل «الآية الرابعة» قوله تعالى:( وَ قِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ‌ ) (١) :

«أخرج الديلمي» عن ابن سعيد الخدري أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

قال: وقوفوهم إنهم مسئولون عن ولاية عليّ.و كأنّ هذا هو مراد الواحدي بقوله: رُوي في قوله تعالى :( وَ قِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ‌ ) ، أي عن ولاية عليٍّ وأهل البيت قال ابن حجر: وأخرج الترمذي وقال: حَسَنٌ غريب، إنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: إنّي تاركٌ فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي: أحدهما أعظم من الآخر، هو كتاب الله عزّ وجلّ، حبلٌ ممدودٌ من الأرض إلى السماء و عترتي أهل بيتي ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما؟! قال: « وأخرجه أحمد » في مسنده بمعناه ولفظه: إنّي أوشك أن أُدْعى فأُجيب، و إني تاركٌ فيكم الثقلين: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض و عترتي أهل بيتي، و إنّ اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض. فانظروا بم تخلفوني فيهما؟! وسنده لا بأس به. وفي رواية: إنّ ذلك كان في حجة الوداع. وفي [ رواية ] أخرى: مَثلُهُ - يعني: كتابالله – كسفينة

____________________

سورة الصافات، الآية ٢٤.

٦١٠

نوح من ركب فيها نجى. ومثلهم - أي أهل بيته - كمثل باب حطّة، مَنْ دخله غُفرت له الذنوب.

وذكر ابن الجوزي لذلك في« العلل المتناهية» وَهْمٌ أو غَفْلَةٌ عن استحضار بقية طرقه. بل في مسلم - أي صحيح مسلم - عن زيد بن أرقم أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: ذلك يوم غدير خم وهو ماء بالجحفة، كما مر وزاد: أُذَكِّركم الله في أهل بيتي. قلنا لزيد مَنْ أهل بيتيه: نساؤه؟ قال: لا، أيْم الله! إنّ المرأة تكون مع الرجل العصر من الدّهر، ثمّ يُطلِّقها فترجع إلى أبيها وقومها. أهل بيته أهله وعصبته الذين حُرموا الصدقة بعده.

قال ابن حجر: وفي رواية صحيحة: إني تارك فيكم أمرين لن تضلوا إنْ تبعتموهما، وهما: كتاب الله وأهل بيتي عترتي. وقال: زاد الطبراني: إنّي سألتُ ذلك لهما فلا تقدموهما فتهلكوا، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا، ولا تُعلِّمهم فإنّهم أعلم منكم.

ثم قال ابن حجر: إعلم أنّ الحديث التمسّك بذلك، طرقاً كثيرة، وَرَدت عن نَيّف وعشرين وصحابياً، وفي بعض تلك الطرق أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال ذلك بحجة الوداع بعَرَفَة، وفي اخرى أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله قاله بالمدينة في مرضه وقد امتلأت الحجرة بأصحابه، وفي أخرى أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال ذلك بغدير خم، وفي أخرى أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لما قام خطيباً بعد انصرافه من الطائف.

ولا تنافي إذ لا مانع من أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله كرّر عليهم ذلك في تلك المواطن وغيرها اهتماماً بشأن الكتاب العزيز والعترة الطاهرة - وبعد سطور قال -:« تنبيه »سَمَّي رسولُ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم القرآنَ

٦١١

وعترتَه ثقليْن، لأنّ الثِّقل كلُّ نفيس خطير مصون وهذان كذلك، إذ كل منهما معدن للعلوم اللدنيّة والأسرار والحكم العَليَّة والأحكام الشَرعيّة، ولذا حثّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الاقتداء والتمسّك بهم والتعلّم منهم ويؤيده الخبر السابق: ولاتعلّموهم فإنهم أعلم منكم. وتميّزوا بذلك عن بقية العلماء، لأنّ الله أذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، وشَرَّفهم بالكرامات الباهرة والمزايا المتكاثرة.

وفي أحاديث الحثّ على التمسّك بأهل البيت، إشارة إلى عدم انقطاع العالم عن التمسّك بهم الى يوم القيامة، كما انّ الكتاب العزيز كذلك، ولهذا كانوا أماناً لأهل الأرض كما يأتي ثم أحق من يتمسّك به منهم، إمامهم وعالمهم علي بنأبي طالب كرم الله وجهه، لما قدّمنا من مزيد علمه ودقائق مستنبطاته الخ.

ايها الحاضرون! هذه تصريحات أحد كبار علماء السنّة وهو ابن حجر الذي اشتهر بالتّعصب ضد الشيعة ومذهبهم، والعجيب أنه مع كل تلك الاعترافات بفضل أهل البيتعليهم‌السلام ولزوم التمسّك بهم، يؤخّرهم عن مقامهم وعن مراتبهم التي رتّبهم الله فيها، لا سيّما الإمام علي بن أبي طالبعليه‌السلام فيقدّم عليه وعليهم مَن لا يُقايَس بهم في العلم والفضيلة فاعتبروا يا أولي الأبصار!! نعوذ بالله من التّعصب والعناد.

أيها الاخوان فكروا في هذه التأكيدات المتتالية عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ! وهو يبيّن أنّ سعادة الدنيا والآخرة منحصرة في التمسّك بالقرآن والعترة معاً وأنّ طريق الحق واحد وهو الذي سار فيه أهل بيته فما هو واجب المسلمين؟ فكروا وأنصفوا!!

٦١٢

إنه موقفٌ صعبٌ واختيار الحق أصعب، لقد وقفتم على طريقين: طريقٌ سلكه آباؤكم وأسلافكم، وطريقٌ يدعوكم إليه نبيكمصلى‌الله‌عليه‌وآله وقرآنكم وعقولكم.

فكما لا يجوز للمسلمين أن يُغيِّروا شيئاً من كتاب الله العزيز حتى لو أجمعوا على ضرورة التغيير لتغيير الزمان وغير ذلك، وكذلك لا يجوز للمسلمين أن يتركوا أهل البيت ويتمسكوا بغيرهم حتى لو أجمعوا على ذلك لأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حكمَ على المسلمين وأمرهم أن يتمسكوا بالقرآن وبعترته وأهل بيته معاً فلا يجوز التمسك بواحد دون الآخر.

أسألكم أيها الحاضرون! هل الخلفاء الذين سبقوا الإمام عليعليه‌السلام كانوا من أهل البيت والعترة الهادية؟ وهل تشملهم أحاديث الثقلين والسفينة وباب حطة وغيرها حتى يكون التّمسك بهم لازماً، وطاعتهم واجبة علينا؟!

السيد عبد الحي: لم يدّع أحدٌ من المسلمين أنّ الخلفاء الثلاثة رضي الله عنهم كانوا من أهل البيت، ولكنهم كانوا من الصحابة الصالحين، ولهم فضيلة المصاهرة مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

قلتُ: فإذا أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بإطاعةِ قومٍ أو فردٍ مُعيَّن وأكَّدَ ذلك على أمته، فهل يجوز لطائفة من الأمّة أنْ يُعرضوا عن أمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ويقولوا: إننا نرى صلاحنا وصلاح الأمّة في متابعة وإطاعة قوم آخرين - حتى إذا كانوا صلحاء -؟ فهل امتثال أمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وطاعته واجبة؟ أم إطاعة تلك الطائفة المتخلِّفة عن أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والعاملة حسب نظرها في تعيين الصواب والصلاح للأمّة؟!

٦١٣

السيد عبد الحي: حسب اعتقادنا طاعة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله واجبة.

قلت: إذاً، لماذا تركتم أمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ولم تطيعوه حيث قال: إني تاركٌ فيكم ثقلين أو أمرين، لن تضلوا إنْ اتبعتموهما وهما: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فلا تقدموا عليهم فتهلكوا ولا تقصّروا عنهم فتهلكوا، ولا تُعلِّموهم فإنهم أعلم منكم؟. ومع هذا تركتموهم وهم أعلم الناس وأفضلهم، وتبعتم واصل بن عطاء وأباحسن الأشعري، أو مالك بن أنس وأبا حنيفة ومحمد بن إدريس وأحمد بن حنبل!

هل إنّ هؤلاء أهل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وعترته أم هم علي بن أبي طالب وأبناؤه الأئمة المعصومونعليهم‌السلام ؟

السيد عبد الحي: لم يدّعِ أحدٌ من المسلمين أنّ المقصود من أهل البيت في حديث الثقلين، أئمة المذاهب الأربعة، أو الخلفاء الثلاثة، أو أبو الحسن الأشعري أو واصل بن عطاء، وإنما نقول: إنّ هؤلاء كانوا من أبرز علماء المسلمين ومن الفقهاء الصلحاء.

قلت: ولكن بإجماع العلماء واتفاق جمهور المسلمين، أن الأئمة الإثني عشر الذين نتمسك نحن الشيعة بأقوالهم ونلتزم بطاعتهم، كلهم من أهل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وعترته، وهم أشرف أبناء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وثبت أنهم في كل زمان كانوا أعلم الناس بأحكام الدين وتفسير الكتاب المبين وفقه شريعة سيد المرسلين. وأقَّرَّ لهم بذلك جميع علماء المسلمين.

لا أدري ما يكون جوابكم، إذا سألكم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم الحساب: أنْ لماذا خالفتم رأيي وعصيتم أمري فتركتم عترتي وأهلي وقدّمتم غيرهم عليهم؟!

٦١٤

أليس أهل بيتي كانوا أعلم وأفضل؟

لقد أخذ الشيعة دينهم ومذهبهم، حسب أمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من باب علمه، ومن وصيه علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وأخذوا بعده من عترته وأهل بيته الذين أدركوه وعاشروه وسمعوا حديثه ورَأوا أعماله وسلوكه فأخذوا منه وأصلوا ذلك إلى أبنائهم ونشروه. أما غير أهل البيتعليهم‌السلام فكيف وصلوا إلى علم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟!

فالأئمة الأربعة ما كان لهم أيّ ذكر في القَرْن الأول الثاني بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلا يُعدُّون من الصحابة والتابعين.

ولكن أخرجتهم السياسة وأظهرتهم الحكومة والفئة المناوئة لأهل البيت والعترةعليه‌السلام .

ففسحت لهم المجال وفتحت أبوابهم، ومنعت الحكومات الناس من التوجه إلى آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله : لينصرفوا نحو الأئمة الأربعة، وإذا كان أحد مَنْ لا يهتم لأمر الحكومة، فيتمسك بأهل البيت ويعمل برأيهم ولم ينضم إلى مذاهب الأئمة الأربعة، فكان يُرْمَى بالكفر والزندقة وكان مصيرهُ السجن والمطاردة!

وما زالت هذه الحالة التّعصّبية تنتقل من دَوْر إلى دَوْر، ومِن دولةٍ إلى أخرى، حتّى يومنا هذا!!

فما يكون جوابكم لنبيكمصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم الحساب إذا سألكم: بأي دليل كَفَّرتم شيعة أهل بيتي، وهم مؤمنوا أمّتي؟

ولماذا قلتم لأتباعكم وأشياعكم: إنّ شيعة عليٍّعليه‌السلام مشركون؟!

فحينئذٍ ليس لكم جواب، ولكم الخزي والخجل في المحشر!

٦١٥

أيها الأخوة! تداركوا اليومَ الموقف! وارجعوا إلى الحق والصواب! واعتبروا يا أولي الألباب!

نَتَّبعُ العلم والعقل

أيها الحاضرون الكرام! نحن لا نعاديكم ولا نعادي أحداً من المسلمين، بل نحسب جميع المسلمين إخواننا في الدين، ولكنّ خلافنا معكم ناشيء من التزامنا لحكم العقل و العلم، وهو أنّنا لا نقلّد في أمر ديننا تقليداً أعمى، بل يجب أنْ نفهم الدين بالدليل والبرهان حتّى يحصل لنا اليقين، قال سبحانه وتعالى:( فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ) (١) .

فلا نتبع أحداً ولا نطيعه من غير دليل، فنأخذ بأمر الله سبحانه ونهتدي بهدى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ولا نسلكُ إلّا الطريق السَّوي الذي رسمه لنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بأمر الله عزّ وجلّ، من مطلع رسالته حين جمع رجال قومه الأقربين امتثالاً لأمر الله سبحانه حيث قال:( وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَکَ الْأَقْرَبِينَ‌ ) (٢) .

فجمعهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : وأطعمهم، ثمّ قام فيهم بشيراً ونذيراً ثمّ قال: فمن منكم يجيبني إلى هذا الأمر ويؤازرني في القيام به، يَكنْ أخي و وزيري وخليفتي من بعدي؟ فما أجابه إلّا عليعليه‌السلام ، وكان أصغرهم سنّاً، فأخذ النبي بيده وقال: إنّ هذا أخي ووصيّي وخليفتي

____________________

١) سورة الزمر، الآية ١٧ - ١٨.

٢) سورة الشعراء، الآية ٢١٤.

٦١٦

فيكم فاسمعوا لهُ وأطيعوا الخ - وقد نقلنا هذا الخبر بالتفصيل وذكرنا مصادره المعتبرة في المجلس الخامس -.

وفي أواخر أيام حياته المباركة، وفي أكبر جَمع من أمته، يوم الغدير، أخذ بيد علي بن أبي طالبعليه‌السلام بأمر الله عزّ وجلّ وعَيَّنهُ لخلافته، فقال: من كنت مولاه فهذا عليٌّ مولاه وأخذ له البيعة منهم.

فالدّلائل الساطعة والبراهين القاطعة من القرآن الحكيم وأحاديث النبي الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله المرويّة في كتبكم المعتبرة ومسانيدكم الموثّقة - إضافةً على تواترها في كتب الشيعة - كلها تشير بل تُصرِّح على أنّ الصّراط المستقيم والسبيل القويم منحصرٌ في متابعة آل محمد وعترتهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ولو تذكرون لنا حديثاً واحداً عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بأنّه قال: خذوا أحكام ديني من أبي حنيفة أو مالك أو أحمد بن حنبل أو الشافعي، لقبلناه منكم! ولتركتُ مذهبي واخترتُ أحد المذاهب الأربعة!!

ولكن لا تجدون ذلك أبداً وليس لكم أي دليل وبرهان عليه، ولم يدّعه أحد من المسلمين إلى يومنا هذا.

نعم لكم أنْ تقولوا: بأن الأئمة الأربعة كانوا من فقهاء الإسلام، ولذلك الظاهر بيبرس في عام ٦٦٦ من الهجرة، أجبر المسلمين على متابعة أحدهم(١) وأعلن رسمية المذاهب الأربعة ومنع فقهاء

____________________

١) قال المقريزي: فلما كانت سلطنة الظاهر بيبرس البندقداري وَلَّى بمصر أربعة قُضاة: شافعيٌّ، ومالكيّ، وحنفيّ، وحنبلي، فاستمر ذلك من سنة ٦٦٥ هجرية حتى لم يبق في مجموع أمصار الإسلام مذهبّ يُعرف من مذاهب الإسلام سوى هذه =

٦١٧

. . . . .

____________________

= المذاهب الأربعة وعُودِيَ مَنْ تَمَذْهَبَ بغيرها وأنكر عليه، ولم يُولَّ قاضي ولا قُبِلَتْ شهادة أحد ولا قدِّمَ للخطابة والإمامة والتدريس أحد ما لم يكن مقلداً لأحد هذه المذاهب، وأفتى فقهاء الامصار في طول هذه المدة بوجوب اتباع هذه المذاهب وتحريم ما عداها.

وسبقه إلى ذلك الخليفة العباسي في بغداد، وهو المستنصر، فقد أنشأ المدرسة المستنصرية سنة ٦٢٥ هجرية وتم بناؤها سنة ٦٣١ هجرية فاحتفل بافتتاحها احتفالاً عظيماً حضرهُ بنفسه وحضر معه نائب وزيره والولاة والحجاب والقضاة والمدرسون والفقهاء والقراء والوعاظ والشعراء وأعيان التجار والنّقباء.

وحَصَرَ الخليفة التدريس في المستنصرية على المذاهب الأربعة، وجعل لها ستة عشر وقفاً تجري عائداتها عليها، لكل مذهب ربع العوائد، وجعل ربع القبلة الأيمن للشافعي، وجعل ربع القبلة الأيسر للحنفي، والرُّبع الذي على يمين الدّاخل للحنابلة، والرُّبع الذي على يسار الداخل للمالكية.

وسبقه إلى اختيار بعض المذاهب و إعلان رسميته، جدُّه أبو جعفر المنصور الوانيقي حيث أمر الإمام مالك بوضع كتاب في الفقه يحمل الناس عليه بالقهر! فوضع الموطَّأ. / شرح الموطأ للزرقاني ج ١ ص ٨.

فأعلنَ المنصور أنّ مالكاً أعلم الناس.

وقد أمر الرشيد عامله على المدينة بأن لا يقطع أمراً دون مالك، ومنادي السلطان كان ينادي أيام الحج: أنْ لا يُفتي إلا مالك.

أما في بغداد فقد وَلَّى الرشيد أبا يوسف منصب رآسة القضاة العامة و أبو يوسف هو تلميذ أبي حنيفة.

وكان الرشيد لا ينصب أحداً في بلاد العراق وخراسان والشام ومصر، بالولاية =

٦١٨

المسلمين من استنباط الأحكام وإبداء آرائهم، والتاريخ يُصرِّح بأنّه كان في الإسلام فقهاء وعلماء أعلم وأفقه من أولئك الأربعة.

والعجب أنكم تتركون الإمام عليعليه‌السلام وهو باب علم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والذي أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أمته بالأخذ منه ومتابعته في أمر الدّين والشرع، بالنصوص الكثيرة والروايات المتواترة الواصلة عن طرقكم المعتبرة، وكذلك الآيات القرآنية التي نزلتفي هذا الشأن كما فسّرها كبار علمائكم الأعلام ومحدثيكم الكرام.

وأنتم مع ذلك تَصمُّون أسماعكم، وتغمضون أبصاركم، وتتّبعون الأئمة الأربعة، وتحصرون الحق في آرائهم وأقوالهم بغير دليل وبرهان، وأغلقتم باب الاجتهاد واستنباط الأحكام، وقد تركه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مفتوحاً أمام الفقهاء والعلماء.

السيد عبد الحي: نحن نرى الحق في متابعة الأئمة الأربعة، كما أنكم ترون الحق في متابعة الأئمة الإثني عشر!!!

قلت: هذا قياسٌ باطل لأنكم ترون الحق في متابعة أحد الأئمة الأربعة، بينما نحن نرى الحق في متابعة كلّ الأئمة الاثني عشر، فلا يجوز عندنا ترك أحدهم والإعراض عن أوامره.

____________________

= والقضاء إلا من أشار به القاضي أبو يوسف وذلك لمكانته في الدولة ومنزلته عند الرشيد.

فكان القاضي أبو يوسف أقوى عوامل انتشار المذهب الحنفي ورسميته في الدولة.

ومن اراد التفصيل في هذا الباب فليراجع كتاب الإمام الصادق والمذاهب الأربعة ج ١ تأليف المحقق الشيخ أسد حيدر (قدس سره).

٦١٩

ثم إن تعيين الأئمة الإثني عشر ما كان إلا من عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وبأمره وحكمه، فهوصلى‌الله‌عليه‌وآله عيّنهم وذكر أسماءهم واحداً بعد الآخر.

خلفاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إثنا عشر

ذكر الشيخ سليمان القندوزي الحنفي في كتابه ينابيع المودّة مجموعة أحاديث عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بهذا المعنى وفتح لها باباً عنوانه:

الباب السابع والسبعون: في تحقيق حديث بعدي إثنى عشر خليفة.

قال ذكر يحيى بن الحسن في كتاب العمدة، مِن عشرين طريقاً في أنّ الخلفاء بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إثنا عشر خليفة كلهمَ من قريش: في البخاري من ثلاثة طرق وفي الترمذي من طريق واحد في الحميدي من ثلاثة طرق.

وذكر هذه الأحاديث الشريفة كثير من علمائكم الأعلام غير الذين ذكرهم القندوزي، منهم: الحمويني في فرائد السمطين، والخوارزمي في المناقب، وابن المغازلي في المناقب، والثعلبي في التفسير، وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة، والمير سيد علي الهمداني الشافعي في المودّة العاشرة من كتابه مودة القربى، نقل إثنا عشر خبراً وحديثاً في هذا الأمر، من عبد الله بن مسعود وجابر بن سمرة وسلمان الفارسي وعبد الله بن عباس وعباية بن ربعي وزيد بن حارثة وأبي هريرة، وعن الإمام عليعليه‌السلام ، كلهم يروون عن رسول

٦٢٠