مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مناظرات وحوار ليالي بيشاور0%

مناظرات وحوار ليالي بيشاور مؤلف:
المحقق: السيّد حسين الموسوي
الناشر: ذوي القربى
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 1199

مناظرات وحوار ليالي بيشاور

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيّد محمّد الموسوي الشيرازي
المحقق: السيّد حسين الموسوي
الناشر: ذوي القربى
تصنيف: الصفحات: 1199
المشاهدات: 220138
تحميل: 2535

توضيحات:

مناظرات وحوار ليالي بيشاور
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 1199 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 220138 / تحميل: 2535
الحجم الحجم الحجم
مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مؤلف:
الناشر: ذوي القربى
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ولاية الإمام عليعليه‌السلام .

الحافظ: اتّفق علماؤنا أنّ آية إكمال الدين نزلت يوم عرفة، و لا أذن أحداً من علمائنا و أعلامنا قال بأنها نزلت يوم الغدير.

قلت: أرجوك لا تعجل في كلامك و احتط في بيانك و لا تنفي قولنا، فان كثيراً من علمائكم الكبار قالوا ما نقوله في شأن نزول آية إكمال الدين، و إنْ كان جماعة منهم قالوا بأنها نزلت يوم عرفة.

وبعض العلماء جمعوا بين القولين وقالوا بأنّ الآية نزلت مرتين منهم سبط ابن الجوزي في تذكرة خواص الأمة / آخر الصفحة ١٨ حيث قال: أحتَمِلُ أنّ الآية نزلت مرتين مرة بعرفة ومرة يوم الغدير كما نزلت( بِسْمِ الله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ‌ ) مرتين مرة بمكة ومرة بالمدينة.

وأما الذين وافقونا من أعلامكم وقالوا بأنّ آية إكمال الدين نزلت في الغدير بعد نصب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله علياً ولياً من بعده. كثيرون منهم:

١- جلال الدين السيوطي في الدّر المنثور: ج ٢ ص ٢٥٦، وفي الإتقان: ج ١ ص/ ٣١.

٢- الإمام الثعلبي في كشف البيان.

٣- الحافظ أبو نعيم في ما نزل من القرآن في عليعليه‌السلام .

٤- أبو الفتح النطنزي في الخصائص العلوية.

٥- ابن كثير في تفسيره: ج ٢ ص ١٤.

٦- المؤرّخ والمفسِّر الشهير محمد بن جرير الطبري في كتابه الولاية.

٧- الحافظ أبو القاسم الحسكاني في شواهد التنزيل.

٨- سبط ابن الجوزي في تذكرة خواص الأمة: ص ١٨.

٦٨١

٩- أبو اسحاق الحمويني في فرائد السمطين / الباب الثاني عشر.

١٠- أبو سعيد السجستاني في كتابه الولاية.

١١- الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد: ج ٨ ص ٢٩٠.

١٢- ابن المغازلي في المناقب.

١٣- الخطيب أبو مؤيد موفق بن أحمد الخوارزمي في المناقب / فصل ١٤، وفي مقتل الحسين / الفصل الرابع.

وكثير من أعلامكم غير مَن ذكرنا أيضاً قالوا: بأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعدما نصب علياً ولياً من بعده وعرّفه للمسلمين فأمرهم وقال:

سلِّموا على عليٍّ بإمرة المؤمنين، فأطاعوا وسَلّموا على علي بن أبي طالب بإمرة المؤمنين وقبل أن يتفرَّقوا من المكان نزل جبريل على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بقوله تعالى:( الْيَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِينَکُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْکُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَکُمُ الْإِسْلاَمَ دِيناً ) (١) .

فصاح النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضا الرب برسالتي والولاية لعلي بن أبي طالب بعدي.

ولو أحببتم توضيح القضيّة وكشف الحقيقة فراجعوا مسند أحمد بن حنبل وشواهد التنزيل للحافظ الحسكاني فإنّهما شرحا الموضوع أبسط من غيرهما. فلو أمعنتم النّظر ودقّقتم الفكر في الخبر لَعلمْتُم و لأيقَنْتم أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ما قصد من كلمة المولى إلّا الإمامة والخلافة والأولوية وذلك بالقرائن التي ذكرتها وبقرينة كلمة «بعدي» في الجملة.

ثم فكّروا وأنصفوا هل الأمر بالمحبة والنصرة كان هامّاً إلى

____________________

١) سورة المائدة، الآية ٣.

٦٨٢

ذلك الحدّ بأنْ يأمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الرّكب والقافلة وهم مائة ألف أو أقل أو أزيد، فينزلوا في ذلك المكان القاحل وفي ذلك الحر الشديد، ثمّ يأمر برجوع مَنْ سبق ولحوق من تأخّر وينتظر حتى يجتمع كلّ مَن كان معه وتحت حرارة الشمس حتى أنّ كثيراً من الناس مَدّ رداءه على الأرض تحت قدميه ليتّقي حرّ الرّمضاء وجلس في ظلّ ناقته ليتّقي أشعة الشمس، ثمّ يصعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله المنبر الذي صنعوه له من أحداج الإبل ويخطب فيهم ويبيّن فضائل ومناقب ابن عمه علي بن أبي طالب كما ذكرها الخوارزمي وابن مردويه في المناقب والطبري في كتاب الولاية وغيرهم، ثم يبقىصلى‌الله‌عليه‌وآله ثلاثة أيام في المكان الذي كان معهوداً بنزول القوافل وما كان قبل ذلك اليوم منزلاً للمسافر، ويتحمل هو والمسلمون الذين معه مشاقّا كثيرة، حتّى بايع كلّهم عليّاًعليه‌السلام بأمر رسول الله.. فهل كان من المعقول أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يريد من كل ذلك ليبيّن للناس أن يحبّوا علياً ويكونوا ناصريه!!

مع العلم أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله قبل ذلك كان بيّن للمسلمين كراراً ومراراً أنّ حبَّ علي من الإيمان وبغضه نفاق، وكان يأمرهم بنصرته وملازمته، فأي حاجة إلى تحمّل تلك المشاق ليبيّن ما كان مبيناً ويوضّح ما كان واضحاً للمسلمين!! فإذا في تلك الظروف الصعبة التي كانت في قضية الغدير لم نقل بتبليغ الولاية والخلافة من بعده ونقول بما يقوله الحافظ وبعض العلماء من أهل السنّة والجماعة، لكان عمل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مع تلك الظروف سفهاً ولغواً - والعياذ بالله من هذا القول - بل النبي منزّه من اللغو والسفاهة وأعماله كلها تكون على أساس العقل والحكمة.

٦٨٣

فنزول هذه الآيات التي ذكرناها في الغدير وتلك التشريفات الأرضية والسماوية، كلها قرائن دالة عند العقلاء والعلماء بأنّ الأمر الذي بلّغهُ خاتم الأنبياء هو أهم من أمر النصرة والمحبّة، بل هو أمر يساوي في الأهمية أمر الرسالة بحيث إذا لم يبلِّغْه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لأمته في تلك الساعة فكأنّه لم يبلّغ شيئاً من رسالة الله عزّ وجلّ. فهذا الأمر ليس إلّا الإمامة على الأمة بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وتعيين رسول الله خليفته المؤيَّد من عند الله والمنصوب بأمر من السماء، وتعريفه للناس، لكي لا تبقى الأمة بلا راعي بعده ولا تذهب أتعابه أدراج الرياح.

ولقد وافقنا بعض أعلام أهل السنة والجماعة في معنى كلمة المولى وأنّ المقصود منها - يوم الغدير - الأوْلى.

منهم سبط ابن الجوزي في كتابه تذكرة خواص الأمة / الباب الثاني / ص ٢٠ فذكر لكلمة المولى عشر معاني وبعدها قال: لا يطابق أي واحد من هذه المعاني كلام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله والمراد من الحديث الطاعة المحضة المخصوصة فتعيّن الوجه العاشر وهو الأوْلى ومعناه: من كنت أولى به من نفسه فعليٌّ أوْلى به ودَلَّ عليه أيضاً قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ألَسْتُ أوْلى بالمؤمنين من أنفسهم؟

وهذا نصٌ صريح في إثبات إمامته وقبول طاعته انتهى كلامه ويوافقنا في هذا المعنى أيضاً الحافظ أبو الفرج الإصفهاني يحيى بن سعيد الثقفي في كتابه مرج البحرين، حيث يروي بإسناده عن مشايخه: أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أخذ بكفّ عليعليه‌السلام وقال: من كنت وليُّهُ وأَوْلى به من نفسه فعليٌ وليُّهُ.

٦٨٤

ويوافقنا في أنّ المولى بمعنى الأولى العلّامة أبو سالم كمال الدين محمد بن طلحة القرشي العدوي، إذْ قال في كتابه مطالب السئول / في أواسط الفصل الخامس من الباب الأول / قال بعد ذكره حديث «من كنت مولاه فهذا علي مولاه »: أَثبتَ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لنفس عليعليه‌السلام بهذا الحديث ما هو ثابت لنفسهصلى‌الله‌عليه‌وآله على المؤمنين عموماً فإنهصلى‌الله‌عليه‌وآله أوْلى بالمؤمنين وناصرُ المؤمنين وسيد المؤمنين وكل معنى أمكنَ إثباتُهُ مما دلَّ عليه لفظ المولى لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقد جعله لعليعليه‌السلام وهي مرتبة سامية ومنزلة سامقة ودرجة عليَّة ومكانة رفيعة خصصه بها دون غيره، فلهذا صار ذلك اليوم عيداً وموسمَ سرور لأوليائه إلخ.

الحافظ: لاشك أن لكلمة المولى معاني متعدّدة وأنتم تعترفون بهذه الحقيقة، فلماذا تخصِّصون معنى الأوْلوية للمولى؟ وهذا تخصيصٌ من غير مخصص.

قلت: لقد اتّفق العلماء في علم الأصول بأنّ الكلمة التي يُفهم منها أكثر من معنى، وكان أحد المعاني حقيقياً فالمعاني الأُخر تكون مجازيّة. والمعنى الحقيقي مقدم على المجاز إلّا أن يتضح بالقرائن أنّ المراد من الكلمة معناها المجازي.

أو كان للكلمة معاني مجازية متعدِّدة، فنعيِّن المراد منها بالقرينة.

ونحن نعلم أن المعنى الحقيقي لكلمة المولى إنما هو الأوْلى في التّصرف، والمعاني الأُخرى تكون مجازية.

فمعنى وليّ النكاح = الأوْلى في أمر النكاح.

ووليّ المرأة زوجها = أي الأوْلى بها.

وولي الطفل أبوه = أي هو الأولى بالتصرف في شأن الطفل.

٦٨٥

وولي العهد = هو المتصرف في شئون الدولة بعد الملك، أي في غيابه، وأكثر استعمال كلمة الولي جاء في هذا المعنى في اللغة العربية في الكتابات والخطابات.

ثم هذا الاشكال يردُ عليكم حيث إنّ لكلمة المولى معان متعددةٌ، فلماذا تخصِّصونها في معنى المحب والناصر وهذا تخصيصٌ بلا مخصِّص على حد زعمكم، فالتزامكم بهذا المعنى يكون باطلاً من غير دليل.

وأما نحن إذا خصَّصنا كلمة المولى بالمتصرَّف والأوْلى بالتّصرّف، فإنما خصصناها للقرائن الدالة على ذلك من الآيات والروايات وأقوال كبار علمائكم مثل سبط ابن الجوزي ومحمد بن طلحة الشافعي، كما مر.

وقد ذكروا في تفسير الآية الكريمة:( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْکَ مِنْ رَبِّکَ ) أي في ولاية علي وإمامة أمير المؤمنين، وقد ذكر أحاديث كثيرة بهذا المعنى والتفسير، العلامة جلال الدين السيوطي في ذيل الآية الشريفة في تفسيره المشهور، الدرُّ المنثور في تفسير القرآن بالمأثور.

إحتجاج عليعليه‌السلام بحديث الغدير

لقد ذكر المؤرخون والمحدّثون بأنّ الإمام عليعليه‌السلام احتج على خصمائه بحديث الغدير في مواطن متعددة، يريد بذلك إثبات خلافته للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مباشرة، ويستدل به على إمامته على الأمة بعد رسول الله. فنفهم من احتجاجهعليه‌السلام بجملة « من كنت مولاه فعلي

٦٨٦

مولاه » أنّ المستفاد والمفهوم من المولى، الإمامة والخلافة وهي التصرّف في شئون الأمّة والدولة الإسلامية.

ذكر كثيرٌ من أعلامكم احتجاجهعليه‌السلام بحديث الغدير في مجلس الشورى السداسي الذي شكَّله عمر بن الخطاب لتعيين خليفته وكان يريد باحتجاجه على القوم إثبات أوْلويته بمقام الخلافة والإمامة، وأنّه أوْلى من غيره بإمرة المؤمنين وإمامة المسلمين.

منهم: الخطيب الخوارزمي في كتابه المناقب: ص ٢١٧.

وشيخ الإسلام الحمويني في كتابه فرائد السمطين / باب ٥٨.

والحافظ ابن عقدة في كتابه الولاية.

وابن حاتم الدمشقي في كتابه الدرّ النظيم.

وابن أبي الحديد المعتزلي في شرح نهج البلاغة: ٦ ص ١٦٨، ط. دار إحياء التراث العربي.

وقد ناشدعليه‌السلام مرةً أخرى أصحابَ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في رحبة مسجد الكوفة فقال: أنشدكم الله! من سمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه فليشهد!

فشهد قومٌ؛ وفي بعض الأخبار فشهد له ثلاثون نفراً من الصحابة، وفي رواية بضعة عشر رجلاً من الصحابة.

روى خبر مناشدته في الرحبة: أحمد بن حنبل في مسنده: ج ١ ص ١١٩ وج ٤ ص ٣٧٠.

وابن الأثير الجزري في أسد الغابة: ج ٣ ص ٣٠٧ وج ٥ ص ٢٠٥ و ٢٧٦.

وابن قتيبة في معارفه: ص ١٩٤.

٦٨٧

والعلامة الكنجي الشافعي في كفاية الطالب.

وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: ج ٤ ص ٧٤ ط. إحياء التراث العربي.

والحافظ أبو نعيم في حلية الأولياء: ج ٥ ص ٢٦.

وابن حجر العسقلاني في الإصابة: ج ٢ ص ٤٠٨.

والمحب الطبري في ذخائر العقبي: ص ٦٧.

والنسائي في الخصائص: ص ٢٦.

والعلّامة السمهودي في جواهر العقدين.

وشمس الدين الجزري في أسنى المطالب: ص ٣.

والعلامة القندوزي الحنفي في ينابيع المودة / الباب ٤.

والحافظ ابن عقدة في كتابه الولاية أو الموالاة.

وغير هؤلاء الأعلام الأكابر رووا خبر احتجاج الإمام عليعليه‌السلام - في رحبة مسجد الكوفة - بحديث الغدير وناشد الحاضرين قائلاً:

أنشدكم الله! مَنْ سمع منكم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم الغدير يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه، فليقمْ وَلْيشهد!

فقام ثلاثون رجلاً وشهدوا، وكان إثنا عشر نفراً منهم ممن حضر بدراً، كلّهم شهدوا لعليعليه‌السلام وقالوا: نحن رأينا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم غدير خم وسمعناه يقول للناس: أتعلمون أنّي أَوْلى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: نعم، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : من كنت مولاه فعلي مولاه إلخ.

ولم يشهد بعضهم وكَتَم منهم أنس بن مالك وزيد بن أرقم. فدعا عليهما الإمام عليعليه‌السلام فعمي زيد وأصيب أنس بالبرص في جبهته

٦٨٨

بين عينه لأنّ علياًعليه‌السلام قال: اللهم أرمه بيضاء لا تُواريها العمامة(١) .

____________________

١) لقد نقل كثير من أعلام أهل السنّة خبر دعاء الإمام عليعليه‌السلام على مَنْ كَتَم شهادته لحديث الغدير ولأهميته ننقله بالنصوص التي ذكروها، منها: ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: ج ٤ ص ٧٤ ط. إحياء التراث العربي بيروت، تحت عنوان [ فصل في ذكر المنحرفين عن علي ] قال:

و ذكر جماعة من شيوخنا البغداديين أنّ عِدّةً من الصحابة و التابعين و المحدّثين كانوا منحرفين عن عليعليه‌السلام قائلين فيه السوء و منهم من كَتَم مناقبه و أعان أعداءه ميلاً مع الدنيا و إيثاراً للعاجلة فمنهم أنس بن مالك.

ناشد عليعليه‌السلام الناس في رحبة القصر - أو قال رحبة الجامع بالكوفة -: أيّكم سمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: «من كنت مولاه فعلي مولاه»؟

فقام إثنا عشر رجلاً فشهدوا بها و أنس بن مالك في القوم لم يقم، فقال له: يا أنس ما يمنعك أن تقوم فتشهد و لقد حضرتَها! فقال: يا أمير المؤمنين كبرتُ و نسيتُ.

فقال: اللهم إن كان كاذباً فأرمِه بها بيضاء لا تواريها العمامة.

قال طلحة بن عمير: فو الله لقد رأيتُ الوَضَح به بعد ذلك أبيض بين عينيه. [ أي أصيب بالبرص ].

و روى عثمان بن مطرِّف أنّ رجلاً سأل أنس بن مالك في آخر عمره عن علي بن أبي طالب فقال: إنّي آليتُ ألّا أكتم حديثاً سُئلت عنه في عليٍّ بعد يوم الرحبة؛ ذاك رأسُ المتقين يوم القيامة سمعته و الله من نبيكم - وقال ابن أبي الحديد-:

روى أبو إسرائيل عن الحكَم عن أبي سليمان المؤذِّن أنَّ علياًعليه‌السلام نَشَد الناس: مَن سمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: « من كنت مولاه فعلي مولاه» فشهد له قوم و أمسَكَ زيد بن أرقم فلم يشهد و كان يعلمها فدعا عليعليه‌السلام عليه بذهاب البصر فعمي، فكان يحدث الناس بالحديث بعد ما كُفَّ بصره. انتهى كلام ابن أبي الحديد. =

٦٨٩

. . . . .

____________________

=أقول: وروى ابن الأثير في أُسد الغابة: ج ٣ ص ٣٢١ عن ابن عقدة بسنده عن هاني بن هاني عن أبي إسحاق أنه قال: حَدَّثني مَن لا أُحصي، أنّ علياً نَشد الناس في الرحبة: مَنْ سمع قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله «من كنت مولاه فعليٌّ مولاه اللهم وال مَن والاه و عاد مَن عاداه»؟

فقام نفرٌ فشهدوا أنّهم سمعوا ذلك من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وكتم قومٌ، فما خرجوا من الدنيا حتى عموا وأصابتهم آفة.

منهم: يزيد بن وديعة، وعبد الرحمن بن مدلج.

روى هذا الخبر جمعٌ من أعلم القوم منهم:

الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد: ج ٩ ص ١٠٤.

وابن كثير في تاريخه: ج ٥ ص ٢٠٩ وج ٧ ص ٣٤٧.

والموفق بن أحمد الخوارزمي في المناقب: ص ٩٤.

أقول: وروى احمد بن حنبل في مسنده: ج ١ ص ١١٩.

بسنده عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أنه: شهد علياً رضي الله عنه في الرحبة، قال أُنشد الله رجلاً سمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وشهده يوم غدير خم إلّا قام؟ ولا يقوم إلّا مَن قد رآه.

فقام إثنا عشر رجلاً فقالوا: قد رأيناه وسمعناه حيث أخذ بيده يقول: اللهم وال مَن والاه، وعاد مَن عاداه، وانصر مَن نصره، واخذل مَن خذله، فقام إلّا ثلاثة لم يقوموا فدعا عليهم فأصابتهم دعوته.

وأخرج ابن كثير في تاريخه: ج ٥/٢١١ وج ٧/٣٤٦ من طريق أبي يعلى وأحمد بأسناديه ثم قال: وهكذا رواه أبو داود الطُهوي ورواه السيوطي في جمع الجوامع والمتقي في كنز العمال: ج ٦/٣٩٧ عن الدار قطني، ولفظه: خطب عليٌ فقال: أُنشد الله امرءً نشدة الاسلام سمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم غدير خم أخذ بيدي =

٦٩٠

. . . . .

____________________

= يقول: ألسْتُ أوْلى بكم يا معشر المسلمين من أنفسكم؟ قالوا بلى يا رسول الله! قال: مَن كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال مَن والاه، وعاد مَن عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، إلّا قام فشهد؟ فقام بضعة عشر رجلاً فشهدوا، وكتم قومٌ فما فنوا من الدنيا إلّا عموا وبرصوا.

وأخرج الحافظ أبو نعيم في حلية الأولياء: ج ٥/٢٦: بسنده عن عُميرة بن سعد قال: شهدتُ علياًعليه‌السلام على المنبر ناشداً أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله و فيهم أبو سعيد و أبو هريرة و أنس بن مالك و هم حول المنبر و عليٌعليه‌السلام على المنبر و حول المنبر إثنا عشر رجلاً، هؤلاء منهم فقال عليٌعليه‌السلام : نَشَدْتكم بالله هل سمعتم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول من كنت مولاه فعلي مولاه؟ فقاموا كلهم فقالوا: اللهم نعم. و قعد رجلٌ. فقال: ما منعك أن تقوم؟ قال كبرْتُ و نسيتُ يا أمير المؤمنين: فقال: اللهم إن كان كاذبا فاضربه ببلاءٍ حسن. قال: فما مات حتّى رأيت بين عينيه نكتة بيضاء لا تواريها العمامة.

اعلم أيها القارىء الكريم أنّ مصادر العامّة في هذا الخبر وأمثاله أكثر مما ذكرت ولكن رعايةٌ للاختصار أعرضتُ عن ذكرها جميعاً.

وإنّي أتعجّب من هذا الأمر، فإنّ الاسلام يحكم لكلّ مدَّعٍ يستند بشاهدين لإثبات حقّه ومدَّعاه، والإمام عليٌعليه‌السلام شهد له كما في بعض الروايات ثلاثون رجلاً، كما في رواية أحمد في مسنده: ج ٤/٣٧٠ وأخرجه الحافظ الهيثمي في مجمعه وصحَّحه، وأخرجه سبط بن الجوزي في التذكرة ص ١٧ والسيوطي في تاريخ الخلفاء ص ٦٥ والسيرة الحلبية: ج ٣/٣٠٢.

وهو مع ذلك مغلوبٌ على أمره! وإلى اليوم لا يَعترف له كثيرٌ من المسلمين ويرفضون حقَّه الثابت في إمامته وفي خلافته لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مباشرة من غير فصل فهو الخليفة الأول، ومَنْ تقدم عليه غاصب لحقه من غير شك وريب. =

٦٩١

فاحتجاج أمير المؤمنينعليه‌السلام بحديث الغدير على خصومه لإثبات خلافته وإمامته على الأمة، هو اكبر دليل على أنّ المقصود من كلمة المولى في حديث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الأولوية والتصرّف في شئون الأمة والدولة الإسلامية.

____________________

= وأما الكلام في الروايات التي ذكرت عدد الشهود في مناشدة الامامعليه‌السلام ، باختلافٍ في عددهم فأقول: ربما تكرّرت مناشدة الإمام عليعليه‌السلام المسلمين في حديث الغدير لأهمّيته.

أو نقول: أنّ كلاً من الرواة ذكر مَن عرفه أو التفت إليه، أو أنّه ذكر من كان في جانبي المنبر أو مَن كان إلى جنبه ولم يلتفت إلى غيرهم كما نقل النّسائي في كتابه خصائص مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام ٢٦/ طبع مطبعة التقدم بالقاهرة أخرج بسنده عن سعد بن وهب قال: قال علي كرم الله وجهه في الرحبة: أنشد بالله من سمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم غدير خم يقول: إنّ الله ورسوله ولي المؤمنين ومن كنت وليه فهذا وليُّهُ، اللهم وال مَن والاه وعاد مَن عاداه وانصر مَن نصره.

قال: فقال سعيد: قام إلى جنبي ستّة، قال زيد بن منيع: قام عندي ستة. فالشاهد في الخبر والمقصود، العبارة الأخيرة، أو لحساسيّة الموقف وأهميّته وكثرة الحاضرين ذهل بعض عن بعض فنقَل كلُّ راوٍ من ضَبَطَه من الشهود، إلى غير ذلك من الاحتمالات.

وأوَدّ أنْ أُلفت نظر القاريء الكريم إلى هذا الأمر وهو: أن المناشدة كانت بعدما يقارب من خمسة وعشرين عاماً من يوم الغدير، وفي هذه المدّة كان كثير من الصحابة قد قضى نحبه وكثير منهم انتشروا في البلاد وكثير منهم يوم المناشدة في المدينة المنوّرة بعيدين عن الكوفة، ثم إنّ المناشدة كانت من ولائد الساعة بالاتفاق والصدفة من غير أيّة سابقة وإعلام وكان في الحاضرين من يكتم شهادته سفهاً أو بغضاً كما مرّت الروايات فيها، ومع ذلك شهد للإمام عليعليه‌السلام جمٌّ غفير، فكيف ما لو لم تكن الموانع؟

«المترجم»

٦٩٢

وهنا علا صوت المؤذن لصلاة العشاء وانقطع كلامنا.

القرينة الرابعة

وبعدما انتهى القوم من صلاة العشاء وشربوا الشاي وتناولوا الفاكهة، ابتدأتُ بالكلام فقلت:

وأما القرينة الأخرى التي تدلّ على أنّ معنى المولى في كلام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم الغدير هو الأوليّة في التّصرف في شئون الأمة والدولة، قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أَلستُ أولى بكم من أنفسكم؟، يشير صلوات الله وسلامه عليه إلى الآية الشريفة:( النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) (١) .

فقال الحاضرون كلهم: بلى يا رسول الله! فقال حينئذٍ: من كنت مولاه فهذا عليٌ مولاه، فسياق الكلام واضح والمرام أوضح وهو تثبيت ولاية عليعليه‌السلام وأنّه أولى بالمؤمنين من أنفسهم كما أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أولى بهم.

الحافظ: لقد ذكر هذه الجملة بعض المحدثين وهم قليل فأكثر المحدثين وأعلامهم لم يذكروا بأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: ألستُ أولى بكم من أنفسكم!

قلت: صحيح أنّ عبارات المحدثين وألفاظهم في نقل حديث الغدير وخطبة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في ذلك اليوم مختلفة، ولكنّ الذين ذكروا جملة: « ألستُ أولى بكم من أنفسكم » عن لسان رسول الله غير قليلين، إضافة إلى جمهور علماء الشيعة ومحدثيهم وإجماعهم على ذلك. وأما أعلامكم الذين ذكروا هذه الجملة من حديث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله

____________________

١) سورة الأحزاب، الآية ٦.

٦٩٣

وخطبته يوم الغدير فكثيرٌ منهم:

١- سبط ابن الجوزي في تذكرة خواص الأمّة: ص ١٨.

٢- أحمد بن حنبل في / المسند.

٣- ابن الصبّاغ المالكي في / الفصول المهمة.

٤- الحافظ أبو بكر البيهقي في / تاريخه.

٥- أبو الفتوح العجلي في / الموجز في فضائل الخلفاء الأربعة.

٦- الخطيب الخوارزمي في / المناقب / الفصل ١٤.

٧- والعلامة الكنجي الشافعي في / كفاية الطالب / الباب الأول.

٨- الحافظ الشيخ سليمان القندوزي في/ ينابيع المودة / الباب ٤.

نقله من مسند الإمام أحمد ومشكوة المصابيح وسنن ابن ماجة وحلية الأولياء للحافظ أبي نعيم ومناقب ابن المغازلي الشافعي وكتاب الموالات لابن عقدة، وكثير من أعلامكم غير من ذكرنا أسماءهم، كلهم ذكروا فيما رووا عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم الغدير أنه قال: ألستُ أولى بكم من أنفسكم؟

فقالوا: بلى! قال: من كنت مولاه فعلي مولاه الخ.

والآن لكي يتبرّك مجلسنا أنقلُ لكم نص ما رواه إمام أصحاب الحديث أحمد بن حنبل في مسنده ج ٤ ص ٢٨١.

أخرج بسنده عن البراء بن عازب قال: كنا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في سفره فنزلنا بغدير خم ونُودي فينا بالصلاة جامعة فصلّى الظهر وأخذ بيد عليٍّ فقال: ألستم تعلمون أنّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى، قال: ألستم تعلمون أنّي أوْلى بكل مؤمن من نفسه؟ قالوا: بلى، قال: من كنتُ مولاه فعلي مولاه، اللهم وال مَن والاه، وعاد مَن

٦٩٤

عاداه، فلقيَهُ عمر بن الخطاب بعد ذلك، فقال له: هنيئاً لك يا ابن أبي طالب أصبحتَ وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة.

رواه المير علي الهمداني الشافعي في مودة القربى / المودّة الخامسة.

ورواه الحافظ القندوزي في ينابيع المودة / الباب الرابع.

ورواه الحافظ أبو نعيم في حلية الأولياء.

رووه مع اختلاف يسير في ألفاظه والمعنى واحد.

وروى ابن الصبّاغ المالكي في كتابه الفصول المهمّة عن الحافظ أبي الفتح ما نصه، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أيها الناس! إنّ الله تبارك وتعالى مولاي وأنا أوْلى بكم من أنفسكم، ألا ومَن كنت مولاه فعليٌ مولاه.

وروى ابن ماجة في سُننه والنسائي في خصائصه في باب / ذكر قول النبي: من كنت وليه فهذا وليه(١) .

أخرج بسنده عن زيد بن أرقم أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .. فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ألستم تعلمون أنّي أوْلى بكل مؤمن من نفسه؟

قال: بلى نشهد، لأَنتَ أوْلى بكل مؤمن من نفسه.

قال: فإني مَن كنت مولاه فهذا مولاه، وأخذ بيد عليٍّعليه‌السلام .

ونقل ابن حجر خطبة النبي في يوم الغدير وذكر فيها قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال: أيها الناس! إنّ الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فهذا مولاه - يعني علياً - اللهم وال من والاه وعاد من عاداه / الصواعق المحرقة ٢٥ / ط/ المطبعة

____________________

١) خصائص مولانا علي بن أبي طالبعليه‌السلام : ص ٢٢ / ط مطبعة التقدم بالقاهرة.

«المترجم»

٦٩٥

الميمنية بمصر.

وأخرج الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي المتوفّي ٤٦٣ هجرية في تاريخه: ج ٨ / ٢٩٠ / بسنده عن أبي هريرة أنه قال: من صام يوم ثمان عشر من ذي الحجة كتب له صيام ستين شهراً، وهو يوم غدير خم لمـّا أخذ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بيد علي بن أبي طالب فقال: ألستُ وليَّ المؤمنين؟

قالوا: بلى يا رسول الله.

قال: من كنت مولاه فعليٌّ مولاه الخ(١) .

____________________

١) أرى نقل خبر أبي هريرة بكامله من تاريخ بغداد أتم للفائدة قال أبو هريرة بعد ذكره حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله «من كنت مولاه فعليٌّ مولاه» : فقال عمر بن الخطاب: بخ بخ لك يا بن أبي طالب: أصبحت مولاي ومولى كل مسلم.

فأنزل الله:( الْيَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِينَکُمْ ) الخ.

فيا ترى ما هذا الأمر الذي أكمل الله به الدين وأتمّ النعمة به على المسلمين، ومن يرفضه فانّ الله تعالى لا يقبل منه الاسلام ويحاسبه محاسبة الكفار والمنافقين؟

أليس ذلك ولاية علي بن أبي طالبعليه‌السلام وإمامته التي نقول أنّها من أصول الدين؟ وهي التي سوف نُسأل عنها وتُسألون يوم القيامة، كما يُسأل عن التوحيد والنبوّة وسائر المعتقدات والفرائض.

وقد جاء في تفسير قوله تعالى:( وَ قِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ‌ ) الصافات / ٢٤ / روى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: أيْ مسئولون عن ولاية علي سلام الله عليه، كما رواه شيخ الإسلام الحمويني في فرائد السمطين. وابن حجر في الصواعق المحرقة: ص ٨٩ / ط المطبعة الميمنية بمصر والحضرمي في رشفة الصادي / ٢٤، والعلّامة الآلوسي في تفسيره روح المعاني روى عن ابن جبير وابن عباس وأبي سعيد الخدري قال: يُسْئلون عن ولاية علي كرّم الله وجهه وقال الآلوسي في تفسيره: ج ٢٣ / ٧٤ في تفسيره للآية الشريفة =

٦٩٦

. . . . .

____________________

= وبعد أن عدَّ الاقوال فيها: وأولى هذه الأقوال أنّ السؤال عن العقائد والأعمال ورأس ذلك لا إله إلّا الله ومن أجَلّهِ ولاية عليٍّ كرّم اله وجهه.

والكشفي الترمذي في (مناقب مرتضوي) وأحمد بن حنبل في المسند عن أبي سعيد الخدري أنّه يُسئل في القيامة عن ولاية علي بن أبي طالب ورَوى الديلمي في الفردوس عن ابن عباس وأبي سعيد الخدري قال في قوله تعالى: أي يُسئلون عن الإقرار بولاية علي بن أبي طالب.

وفي أرجح المطالب ص ٦٣: يُسئلون عن ولاية عليعليه‌السلام .

والحافظ أبو نعيم في حلية الأولياء، روى بسنده عن الشعبي عن ابن عباس: أيْ يُسئلون عن ولاية علي بن أبي طالب.

وقال الحافظ الواحدي في تفسير السبط ونقل عنه ابن حجر في الصواعق المحرقة ٨٩/ في الفصل الأول / الآية الرابعة أنه قال: رُوي في قوله تعالى:( وَ قِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ‌ ) أي عن ولاية علي و أهل البيتعليهم‌السلام لأنّ الله تعالى أمَر نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يُعرّف الخلق أنّه لا يسألهم عن تبليغ الرسالة أجراً إلا المودّة في القربى و المعنى أنهم يُسألون: هل والوهم حق الموالاة كما أوصاهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أم أضاعوها و أهملوها فتكون عليهم المطالبة و التبعة ؟ انتهى.

والفرقة بين المحبة والمودّة، أنّ المحبّة مكنونة في القلب والمودّة إظهار المحبّة المكنونة وذلك باطاعة المحب للمحبوب وزيارته والسعي في مسرّته وكسب مرضاته، وقد قيل:...

إن كان حبك صادقاً لأطعتَه

إنّ المحب لمن يحب مطيع

وروى الخطيب الخوارزمي الحنفي في المناقب / ٢٢٢ / ط ايران سنة ١٣١٢ هجرية وأخرجه أيضاً في كتابه مقتل الحسينعليه‌السلام : ج ٢ / ٣٩ / ط النجف الأشرف سنة ١٣٦٧ هجرية بسند آخر عن الحسن البصري عن عبد الله قال: قال رسول الله : إذا =

٦٩٧

. . . . .

____________________

= كان يوم القيامة يقعد علي بن أبي طالب على الفردوس و هو جبل قد علا على الجنة و فوقه عرش رب العالمين و من سفحه تنفجر أنهار الجنة و تتفرّق في الجنان و هو جالس على كرسي من نور تجري بين يديه التسنيم فلا يجوز أحدٌ على الصراط إلا و معه براءة بولايته و ولاية أهل بيته يُشرف فيُدخل محبّيه الجنة و مبغضيه النار.

ومن طريق البيهقي عن الحاكم النيسابوري بإسناده عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة و نصب الصراط على جسر جهنم لم يَجُزْها أحدٌ إلّا من كانت معه براءة بولاية علي بن أبي طالب ، وأخرجه المحب الطبري في الرياض النضرة: ج ٢ /١٧٢.

فيا تُرى ما هذه الولاية التي لولاها لم يدخل احد الجنة ومن فقدها فمصيره جهنم وبئس المصير؟!

ثم اعلم أيها القاريء الكريم! لقد فَسَّر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كلمة المولى وأوضح مراده وكشف مقصده حينما سُئل عن المعنى، ولفد أخرج القرشي علي بن حميد في شمس الأخبار /٣٨ نقلاً عن «سلوة العارفين» للموفّق بالله الحسين بن اسماعيل الجرجاني والد المرشد بالله، بإسناده عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه لما سُئل عن معنى قوله: مَن كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه؟ قال: اللهُ مولاي أولى بي من نفسي لا أَمْرَ لي معه و أنا مولى المؤمنين أولى بهم من أنفسهم لا أمر لهم معي و من كنت مولاه أولى به من نفسه لا أمر له معي فعليٌّ مولاه أولى به من نفسه لا أمر له معه.

وقد ذكرنا أنّ ابن حجر نقل في صواعقه صفحة ٢٥ / خطبة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في غدير خم ومن جملة حديثه الشريف:

أيها الناس! إنّ الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم فمن كنت مولاه فهذا «علي» مولاه الخ.

ولا يخفى عليك أهميّة فاء التفريع في قوله تعالى: - فمن كنت مولاه فهذا مولاه -. =

٦٩٨

. . . . .

____________________

= فيكون معناه: أنه كلما يكون لي من الأولوية يكون لعليعليه‌السلام .

وهناك بعض الأخبار التي ذكرها بعض أعلام السُنّة يصرّح فيها عمر بن الخطاب بأنّ علياًعليه‌السلام كان أولى من غيره بهذا الأمر.

ذكر الراغب في محاضراته: ج ٧ / ٢١٣: عن ابن عباس، قال كنت أسير مع عمر بن الخطاب في ليلة و عمر على بغل و أنا على فرس، فقرأ آيةً فيها ذكر علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، فقال: أما و اللّه يا بني عبد المطلب لقد كان عليٌ فيكم أولى بهذا الأمر منّي و من أبي بكر!! فقلت في نفسي لا أقالني اللّه إنْ أقلته.

فقلت: أنت تقول ذلك يا أمير المؤمنين؟ و أنت و صاحبك وثبتما و انتزعتم منّا الأمر دون الناس!

فقال إليكم يا بني عبد المطلب! أما إنّكم أصحاب عمر بن الخطاب، فتأخّرت و تقدَّم هنيئة، فقال: سِر.. لا سِرتَ، فقال: أعد عليَّ كلامك. فقلتُ: إنّما ذكرت شيئاً فرددتُ جوابه، و لو سكتَّ سكتنا. فقال: إنا و اللّه ما فعلنا ما فعلنا عداوة، و لكن استصغرناه و خشينا أن لا تجتمع عليه العرب و قريش لمـّا قد وَتَرَها!

قال : فأردتُ أنْ أقول: كان رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله يبعثه في الكتيبة فينطح كبشها فلم يستصغره ، أفتستصغره أنت و صاحبك؟

فقال: لا جرم، فكيف ترى؟ و اللّه ما نقطع أمراً دونه، و لا نعمل شيئاً حتّى نستأذنه.

وفي شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج ٦/٥٠ و٥١ / ط دار احياء التراث العربي بيروت:

يروي عن عمر بن شبّه بسنده عن ابن عباس أنه قال: قال لي - أي عمر بن الخطاب - يا ابن عباس أما و الله إنّ صاحبك هذا لأولى الناس بالأمر بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلّا أنّا خفناه على اثنين.

قال ابن عباس: فجاء بكلام لم أجد بُدّاً من مسألته عنه. =

٦٩٩

أظن أنه يكفي ما ذكرناهُ في خصوص قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ألستُ أولى بكم من أنفسكم»؟ فلما أقرّوا له قال: من كنت مولاه فعليٌ مولاه، فهذه الجملة بعد ذلك الإقرار، دليلٌ واضح على أنّ المراد من المولى الأولوية الثابتة للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بنص القرآن الحكيم.

القرينة الخامسة

لقد أثبت المؤرخون وسَجَّل المحدِّثون أنّ حسان بن ثابت الأنصاري أنشأ أبياتاً في محضر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم الغدير بعد أنْ نصَب علياً بالخلافة والإمامة وشرح ذلك الموقف الخطير في شعره الشهير بمناسبة الغدير.

فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كما ذكر سبط ابن الجوزي وغيره: يا حسّان لا تزال مؤيَّداً بروح القدس ما نصرتنا أو نافحتَ عنّا بلسانك.

وقد ذكر ذلك كثيرٌ من أعلامكم منهم:

الحافظ ابن مردويه أحمد بن موسى المفسر والمحدّث الشهير في القرن الرابع الهجري المتوفي سنة ٣٥٢ في كتابه المناقب.

وصدر الأئمة الموفّق بن أحمد الخوارزمي وفي المناقب والفصل

____________________

= فقلت: ما هما يا أمير المؤمنين؟

قال: خفناه على حداثة سنّه و حبّه بني عبد المطلب!

كفى للمصنف هذه التصريحات في أولويّة الإمام عليعليه‌السلام بالخلافة والإمامة على الأُمّة، وأنّه أولى بالمؤمنين من أنفسهم كما كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

«المترجم»

٧٠٠