مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مناظرات وحوار ليالي بيشاور0%

مناظرات وحوار ليالي بيشاور مؤلف:
المحقق: السيّد حسين الموسوي
الناشر: ذوي القربى
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 1199

مناظرات وحوار ليالي بيشاور

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيّد محمّد الموسوي الشيرازي
المحقق: السيّد حسين الموسوي
الناشر: ذوي القربى
تصنيف: الصفحات: 1199
المشاهدات: 215772
تحميل: 2411

توضيحات:

مناظرات وحوار ليالي بيشاور
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 1199 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 215772 / تحميل: 2411
الحجم الحجم الحجم
مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مؤلف:
الناشر: ذوي القربى
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

طالب، وكان يعلم حقدهم وحسدهم لهصلى‌الله‌عليه‌وآله وكان يعرف طمع بعض الصحابة، وحرصهم على خلافته في أمّته، لذلك كان يتخوّف من مناوئي الإمام عليّعليه‌السلام ومخالفيه، أنْ لا يخضعوا لإمارته ولا يقبلوا خلافته، فأراد أنْ يؤكّدها عليهم في آخر ساعات حياته، إضافة على ما بيَّنَهُ في هذا الأمر طول حياته كراراً ومراراً، كما رَوى الغزالي في كتابه «سرّ العالمين » في المقالة الرابعة، أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: إيتوني بدوات وبياض لأزيل عنكم إشكال الأمر، وأذْكُر لكم مَن المستحق لها بعدي.

ثم كلنا نعلم أنّ الأمر الذي آل اختلاف المسلمين بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وكان سبب سفك الدّماء وإزهاق النفوس، إنّما هو أمر الخلافة لا غير، فتبيّن أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله أراد أنْ يوضّح أمر الخلافة للمسلمين ويوصي بها لرجل منهم يستحقّها، حتى يبايعوه ويخضعوا لإمارته وخلافته ولكي لا يؤول أمرهم إلى التخاصم والتنازع، ولا يقعوا من بعده في هوة الاختلاف ومَزلّة الإنحراف.

ثم إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في مواطن كثيرة عيّن وصيّه وعرَّفَهُ للناس، وقد نقلنا لكم بعض الأخبار والأحاديث في هذا الشأن ولا حاجة لتكرارها.

ولا ينكر أحدٌ من المسلمين المنصفين بأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عيَّن علياً وصيّاً لنفسه وأودعه الوصايا التي أراد أنْ يكتبها حتى لا يضلوا من بعده أبداً، ولكنهم منعوه ورفضوها بقولهم: إنه لَيَهْجُر. كفانا أو حسبنا كتاب الله!!

الشيخ عبد السلام: خبر تعيين النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله علياً وصيّاً لنفسه غير متواتر فلا يصح الإستناد به.

قلت: هو خبر متواتر عن طريق العترة النبويّة الطاهرة والأمر ثابت من غير شك ولا ترديد.

٧٦١

وأمّا عن طرقكم، فربما لم يكن لفظه متواتراً ولكن معناه قد تواتر عن طرقكم في ألفاظ متفاوتة وجُمل متعدّدة.

ثم إذا كان التواتر عندكم مهمّاً إلى هذا الحد بحيث لو كان الخبر واصلاً عن طريق موثوق وبسندٍ حسن وقد صححه العلماء المتخصِّصون، ومع ذلك ترفضونه بحجّة أنه غير متواتر، فأسألكم هل كان حديث: «لا نورِّث ما تركناه صدقة » متواتراً؟! لا.. بل هو خبرٌ واحد رواه أبو بكر(١) ، وصدَّقه عصابة كانت لهم منفعة ومصلحة في تصديقهم إيّاه!

ولكن في كل عصر ينكره ملايين المسلمين ويرفضه آلاف العلماء الصالحين.

وقد أنكره الإمام عليعليه‌السلام وهو باب علم الرسول، ورفضته فاطمة الزهراءعليه‌السلام بضعة رسول الله الطاهرة المطهّرة التي عصمها الله من الزلل وطهّرها من الرجس والدَنَس بالدلائل القاطعة والبراهين الساطعة المستندة على كتاب الله الحكيم والمنطق القويم والعقل السليم.

ولو لم يورث الأنبياء فكيف قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : لكل نبيّ وصيٌّ ووارث، وأنّ علياً وصيّي ووارثي؟(٢) .

واثبتنا أنّ المقصود وراثة المال والمقام. وحتى إذا كان المقصود

____________________

١) شرح النهج لابن أبي الحديد ج ١٦/ ٢٢١ / ط دار إحياء التراث العربي /: المشهور أنّه لم يرو حديث انتفاء الإرث إلّا أبو بكر وحده.

وقال في صفحة ٢٢٧: أكثر الروايات أنّه لم يرو هذا الخبر إلّا أبو بكر وحده ذكر ذلك أعظم المحدّثين حتى أنّ الفقهاء في أصول الفقه أطبقوا على ذلك في احتجاجهم في الخبر برواية الصحابي الواحد.

«المترجم»

٢) نقلت لكم مصادره فيما سبق.

٧٦٢

وراثة العلم فوارث علم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أحق بخلافته من فاقد علمه.

والجدير بالذكر أنّ أبا بكر وعمر في كثير من القضايا رجعا إلى الإمام عليعليه‌السلام وعملا برأيه وأخذا بقوله، ولكن في هذه القضية بالذات خالفوه، ولم يقبلوا حتى شهادته في فدك بأنها منحة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لفاطمةعليه‌السلام ، فرفضوا شهادته وشتموه بقولهم: إنّما هو ثعالة شهيده ذَنَبه، مُرَبّ لكل فتنة الخ.

الحافظ: إن أبا بكر وعمر كانا في غنىً عن عليٍّ وعلمه ولم يرجعا إليه في بعض الأحكام لجهلهما بالحكم بل كانا يحترمانه ويشاورانه.

قلت: إنّ قولك هذا منبعث عن حبك للشيخين وقد قالوا: حب الشيء يُعْمي ويُصم.

وإن قولك رأي شخصيٌ لم يقل به قائل، بل هو مخالف لصريح ما نقله أعلامكم عن نفس أبي بكر وعمر.

وإليكم نماذج منها:

الحكم في امرأة ولدت لستة أشهر

نقل المحدثون منهم أحمد بن حنبل في مسنده والمحب الطبري في ذخائر العقبى وابن أبي الحديد في شرح النهج والشيخ سليمان القندوزي في ينابيع المودّة / الباب السادس والخمسون فصل: في ذكر كثرة علم علي، قال: وروي أن عمر أراد رجم المرأة التي ولدت لستة أشهر! فقال عليٌعليه‌السلام في كتاب الله:( وَ حَمْلُهُ وَ فِصَالُهُ

٧٦٣

ثَلاثُونَ شَهْراً ) (١) ثم قال:( وَ فِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ ) (٢) فالحمل ستة أشهر، فتركها عمر، وقال عمر: لو لا عليٌ لهلك عمر. قال القندوزي: أخرجه أحمد والقلعي وابن السّمان.

ونقل القندوزي في الباب قبل هذا الخبر بقليل فقال:

وأخرج أحمد [ ابن حنبل ] في المناقب: أنّ عمر بن الخطاب إذا أشكل عليه شيءٌ أخذ من علي رضي الله عنه.

ولو تصفّحنا كتب التاريخ والحديث لوجدنا كثيراً من هذه القضايا المشكلة التي كان يعجز عن حكمها الخلفاء فيرجعون فيها إلى عليعليه‌السلام ويأخذون بقوله ويعملون برأيه.

فيا أيها العلماء! وأيها الجمع! فكّروا: لماذا رفضوا شهادة عليعليه‌السلام في أمر فدك ولم يقبلوا حكمه في قضيّة فاطمةعليه‌السلام وقالوا ما قالوا وافتروا عليه وشتموه!!

ثم إذا كان الحديث الذي رواه أبو بكر صحيحاً وكان قد سمعه من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فلماذا لم يحكم في سائر ممتلكات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بحكم فدك ولم يضمّها إلى بيت المال لعامة المسلمين، أو يجعلها صدقات ينتفع بها المساكين.

بل ترك حجرة فاطمةعليه‌السلام لها، وترك حجرات زوجات الرسول لكل واحدةٍ منهن حجرتها، من باب الإرث(٣) .

____________________

١) سورة الأحقاف، الآية ١٥.

٢) سورة لقمان، الآية ١٤.

٣) كما ونقل ابن أبي الحديد في شرح النهج ج ١٦/٢١٤ لا / ط دار إحياء التراث العربي إنّ أبا بكر قال فيما قال بعد خطبة فاطمةعليه‌السلام : أما بعد فقد دفعت آلة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله - أي سيفه وأجهزته الخاصة - و دابته و حذاءه إلى علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، و أمّا <=

٧٦٤

إضافة على هذا: إذا كان أبو بكر يؤمن بما يقول ويعتقد بالحديث الذي رواه: «نحن معاشر الأنبياء لا نورّث، ما تركناه صدقة » وعلى هذا المبنى أخذوا فدك وأخرجوا عمّال فاطمة منها. فلماذا ردّ فدك - بعد أيام - على فاطمة وكتب لها كتاباً في ذلك إلّا أنّ عمر أخذ منها الكتاب ومزّقه، ومنعها من التصرّف في فدك؟!

الحافظ: هذا كلام جديد لم نسمع به من قبل! فمن أيّ مصدر وبأيّ دليل تقول: بأنّ أبا بكر (رض) ردّ فدك على فاطمة ثمّ منعها عمر في خلافة أبي بكر ومزّق كتابه؟!!

قلت: يبدو أنّ مشاغل الحافظ كثيرة بحيث لا يجد فرصةً ليطالع كتب أعلام السنة من أهل مذهبه ونحلته، وإلّا لما كان هذا الخبر جديداً على مسامعه، فقد روى هذا الخبر كثيرٌ من المؤرخين والمحدثين منهم علي بن برهان الدين الشافعي في السيرة الحلبية: ج ٣/٣٩١ وابن أبي الحديد في شرح النهج: ج ١٦ / ٢٤٧/ ط دار إحياء التراث العربي / قال: روى إبراهيم بن سعيد الثقفي عن إبراهيم بن ميمون، قال: حدّثنا عيسى بن عبد الله بن محمد بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام عن أبيه عن

____________________

= ما سوى ذلك فإنّي سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول إنّا معاشر الأنبياء لا نورث ذهباً و لا فضة و لا أرضاً و لا عقاراً و لا داراً الخ.

أقول: لقد كان عليٌعليه‌السلام أحقّ الناس برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى عند أبي بكر، ولذلك دفع إليه الآلات والأجهزة الخاصة برسول الله ولم يدفعها إلى العباس بن عبد المطلب وهو عم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فتأمّل.

«المترجم»

٧٦٥

جدِّه عن عليّعليه‌السلام قال: جاءت فاطمةعليه‌السلام إلى أبي بكر و قالت: إنّ أبي أعطاني فدك، و عليٌ و أم أيْمَن يشهدان فقال: ما كنت لتقولي على أبيك إلّا الحق قد أعطيتكها، و دعا بصحيفةٍ من أدم فكتب لها فيها، فخَرجَت فلقيتْ عمر فقال: من أين جئتِ يا فاطمة؟ قالت جئت من عند أبي بكر. أخبرته أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعطاني فدكاً و أنّ علياً و أم أيمن يشهدان لي بذلك فأعطانيها و كتب لي بها. فأخذ عمر منها الكتاب. ثم رجع إلى أبي بكر، فقال: أعطيتَ فاطمة فدك و كَتَبتَ بها لها؟ قال: نعم فقال: إنّ علياً يجرُّ إلى نفسه، و أم أيمن امرأة، و بصق في الكتاب فمحاه و خَرَقه!

والعجب أنّ عمر الذي كان بهذه الشدّة في قضيّة فدك أيام خلافة أبي بكر، لما وصلت أيّامه وصارت الخلافة في يده رَدَّ فدك على أولاد فاطمة وكذلك بعض الخلفاء من بعده!

الحافظ: إنّ هذا الخبر من أعجب الأخبار لتناقضه، وإنّي حائرٌ في تصديقه وردّه!

قلت: لا تتحيّر ولا تردّ الخبر بل راجع كتاب وفاء الوفاء في تاريخ مدينة المصطفى للعلامة السمهودي وهو من أعلامكم، ومعجم البلدان لياقوت الحموي.

رَوَيا أنّ أبا بكر أخذ فَدك من فاطمة، ولكنّ عمر في خلافته ردَّه على العباس وعلي بن أبي طالب، فإذا كان فدك فيء المسلمين وقد أخذه أبو بكر حسب الحديث الذي سمعه من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فبأيّ سبب ردّه عمر وجعله في يد علي والعباس دون سائر المسلمين؟!

الشيخ عبد السلام: لعله جعلهما من قِبَله حتى يأخذا حاصله

٧٦٦

ويصرفاه في مصالح المسلمين.

قلت: ولكنّ ظاهر بعض العبارات التاريخية أنهما ادَّعيا عند عمر ميراثهما فأعطاهما فدك وكانا يتصرّفان فيها تصرّف المالك في ملكه(١) .

الشيخ عبد السلام: لعلّ مراد المؤرخين من عمر هو عمر بن عبدالعزيز!

ردّ عمر بن عبد عبدالعزيز فدك

فتبسّمتُ ضاحكاً من قوله وقلت: عليٌعليه‌السلام والعباس ما كانا في خلافة عمر بن عبدالعزيز، وحكم عمر بن عبدالعزيز و ردّه فدك على أولاد فاطمةعليه‌السلام خبرٌ آخر وقد ذكره العلامة السمهودي أيضاً، وذكره

____________________

١) روى ابن أبي الحديد في شرح النهج، ج ١٦ / ٢٢٩ / ط. دار إحياء التراث العربي عن أبي بكر الجوهري قال: حدثنا أبو زيد - عمر بن شبّة - ثم عَنْ عَنَ بإسناده إلى مالك بن أوْس بن الحدثان، قال: سمعتُ عمر و هو يقول للعباس و علي ثم توفّي أبو بكر فقبضتها - يعني فدك - فجئتما تطلبان ميراثكما! أما أنت يا عباس فتطلب ميراثك من ابن أخيك، و أما عليٌ فيطلب ميراث زوجته من أبيها

قال أبو زيد: قال أبو غسّان: فحدّثنا عبد الرزاق الصنعاني عن معمر بن شهاب عن مالك بنحوه و قال في آخره: فغلب عليٌ عباساً عليها، [ وذلك لأنه لا يرث العم مع وجود فرد من الطبقة الأولى وهي بنت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وبوفاة الصديقة الطاهرة يرثها زوجها وأولادهاعليه‌السلام ]، فكانت بيد عليّ ثم كانت بيد الحسن ثمّ كانت بيد الحسين ثمّ علي بن الحسين ثم الحسن بن الحسن ثم زيد بن الحسن.

ثم قال ابن أبي الحديد: و هذا الحديث يدلّ صريحاً على أنّهما جاءا يطلبان الميراث لا الولاية الخ.

«المترجم»

٧٦٧

ابن أبي الحديد في شرح النهج: ج ١٦ / ٢١٦ قال: فلما وليَ عمر ابن عبد العزيز الخلافة الأموية كانت أول ظلامةٍ ردّها، [ أنه ] دعا الحسنَ بنَ الحسن بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام و قيلً بل دعا علي بن الحسينعليه‌السلام فردّها عليه، و كانت بيد أولاد فاطمةعليه‌السلام مدّةَ ولاية عمر بن عبد العزيز.

فلمّا وليَ يزيد بن عاتكة قبضها منهم، فصارت في أيدي بني مروان كما كانت يتداولونها، حتى انتقلت الخلافة الأموية عنهم، فلمّا وليَ أبو العباس السفّاح ردّها على عبد الله بن الحسن بن الحسن، ثم قبضها أبو جعفر لمـّا حدث من بني الحسن ما حدث، ثم ردّها المهدي - ابنهُ - على ولد فاطمةعليه‌السلام ثمّ قبضها موسى بن المهدي و هارون أخوه، فلم تزل أيديهم حتى ولي المأمون.

المأمون وردّه فدك

نقل ابن أبي الحديد في شرح النهج: ج ١٦ في صفحة ٢١٧: قال أبو بكر - الجوهري - حدثني مهدّي بن زكريا قال: حدثني مهدّي بن سابق قال: جلس المأمون للمظالم فأوّل رُقعة وقعت في يده نظر فيها و بكى، و قال للذي على رأسه: ناد أين وكيلُ فاطمة؟ فقام شيخ عليه دُرّاعة و عمامة و خُفّ تَعِزّىّ، فتقدم فجعل يناظره في فدك و المأمون يحتجّ عليه و هو يحتجّ على المأمون، ثم أمر أنْ يسجّل لهم بها، فكتب السجلّ و قرئ عليه، فأنفذه، فقام دِعبل إلى المأمون فأنشده الأبيات التي أولها:

أصبحَ وجهُ الزمان قد ضحِكا

بردّ مأمون هاشمٍ فَدَكا

٧٦٨

ونقلَ ياقوت الحموي في معجم البلدان كتابَ المأمون إلى واليه على المدينة في شأن فدك، جاء فيه:

كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعطى ابنته فاطمة رضي الله عنها فدكاً وتصدّق عليها بها، وأنّ ذلك كان أمراً ظاهراً معروفاً عند آله عليهم الصلاة والسّلام.

فدك كانت نحلة فاطمةعليها‌السلام

لقد ثبتَ في موضعه أنّ فدكاً كانت نحلةً لفاطمةَ أنْحَلَها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وذا كان بعض الخلفاء يردونها على أولاد فاطمة وكان آخرون يغصبونها اقتداءً بأبي بكر!!

الحافظ: إن كانت فدكاً، نحلة أنحلها رسول الله فاطمة، فلماذا ادّعتها من باب الإرث ولم تدّعيها نحلةً؟

قلت: لا شك أنها ادّعت فدكاً بادئ الأمر من بابا النحلة وأقامت شهوداً على ذلك، فلما ردّوا شهودها ادّعتها من باب الإرث.

الحافظ: هذا كلام جديد لم نسمع به من قبل ولعلك مشتبه!

قلت: إنّي على يقين فيما أقول ولستُ مشتبهاً، ولم تنفرد الشيعة بهذا الخبر بل نقله كثيرٌ من أعلامكم منهم: علي بن برهان الدين في كتابه السيرة الحلبية، والفخر الرازي في تفسير الكبير، وياقوت الحموي في معجم البلدان، وابن أبي الحديد المعتزلي في شرح النهج: ج ١٦ / ٢١٤ / ط. دار إحياء التراث العربي، يروي عن أبي بكر الجوهري، قال: و روى هشام بن محمد عن أبيه قال: قالت فاطمة

٧٦٩

لأبي بكر: أنّ أمَّ أيْمن تشهد لي أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أعطاني فدك، فقال لها يا ابنة رسول الله إنّ هذا المال لم يكن للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، و إنّما كان مالاً من أموال المسلمين(١) ، يحمل النبي به الرجال و ينفقه في سبيل الله فلما توفِّي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وليته كما كان يليه.

قالت: و الله لا كلّمتُكَ أبداً! قال: و الله لا هجرتُكِ أبداً! قالت: و الله لأَدْعُوَنَّ الله عليك! قال: و الله لأدعوَنَّ الله لكِ.

فلما حضرتْها الوفاة أوْصَتْ ألّا يصلّيَ عليها فدُفنت ليلاً الخ.

____________________

١) قال ابن أبي الحديد في صفحة ٢٢٥: فلقائل أن يقول له: أ يجوز للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يملِّكَ ابنتَه أو غير ابنِتِه من أفناء الناس ضيعةً مخصوصةً أو عقاراً مخصوصاً من مال المسلمين، لوَحيٍ أوحى الله تعالى إليه، أو لاجتهاد رأيه - على قول من اجاز له ان يحكم بالاجتهاد - أو لا يجوز للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ذلك؟

فإن قال لا يجوزَ قال ما لا يوافقه العقل و لا المسلمون عليه.

و إنْ قال يجوز ذلك قيل: فإنّ المرأة ما اقتصرت على الدعوى بل قالت: أمّ أيمن تشهد لي فكان ينبغي أنْ يقول لها في الجواب: شهادة أم أيمن وحدها غيرُ مقبولة.

و لم يتضمّن هذا الخبر ذلك.

بل قال لها لمـّا ادّعت و ذكرت من يشهد لها: هذا مالٌ من مال الله. لم يكن لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

و هذا ليس بجواب صحيح.

«المترجم»

٧٧٠

توجيه العامّة عمل أبي بكر

الحافظ: نحن نعلم أن أبا بكر أسخط فاطمة رضي الله عنها، وماتت بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهي واجدة عليه، ولكنه أبا بكر برىءٌ، لأنّه عمل بحكم الله وطالبها بالشهود لإثبات حقها، وأنت جدّ خبير بأنه يجب في هذه القضايا أنْ يشهد رجلان أو رجلٌ وامرأتان، وهذا حكم عام وفاطمة جاءت برجل وامرأة وما أكملت الشهود، ولذا لم يُصدر أبو بكر الحكم لها، فغضبت!!

قلت: فلنختم مجلسنا ونَدَع الجواب إلى الليلة القابلة فإنّ الحاضرين تعبوا، وأخاف أنْ يطول الكلام فيملّوا.

النواب: كلنا شوق وشغف لنعرف حقيقة الأمر، فإنّ موضوع فدك مهمٌّ جداً وحساس، وإذا أنتم ما تعبتم، فنحن راغبون إلى الاستماع لكلامكم وجوابكم.

قلت: أنا لا أتعب من هذه المجالس والمناقشات الدينية أبداً، بل مستعدٌ أن أبقى معكم حتى الصباح.

وأما الجواب: فقد قال الحافظ: بأن أبا بكر عمل بحكم الله وطالب فاطمة بالشهود لإثبات حقها!

قلت: لقد كانت فاطمةعليه‌السلام متصرّفة في فدك، وكانت في يدها فبأي شرع وقانون يُطالب ذو اليد بإقامة الشهود على إثبات حقه فيما يكون تحت تصرّفه وفي يده؟! فإنّ الأصل المجمع عليه في قانون القضاء الإسلامي أنّ ذو اليد هو المالك فإذا ادّعى أحدٌ على ما في يده فعلى

٧٧١

المدّعي إقامة الشهود والبيّنة، وليس على المنكر إلّا اليمين، فأبو بكر كان مدّعياً لفدك التي كانت في يد فاطمةعليه‌السلام وتحت تصرّفها، فحينئذٍ كان عليه أن يأتي بالبيّنة لإثبات ما يدّعي، وليس له أن، يُطالِب السيدة الزهراءعليه‌السلام بالشهود والبيّنة.

ولكن... اذا كان خصمي حاكمي فكيف أصنع؟!

فأبو بكر خالف حكم الله سبحانه وسحقَ القانون وقلب أصول القضاء!!

وأما قول الحافظ: بأنّ الحق يَثْبُتُ بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين، وهذا حكم عام.

فأقول: ما من عامّ إلّا وقد خُصّ.

الحافظ: هذه القاعدة لا تجري في القضاء، فإن قوانين القضاء تجري على الأغنياء والفقراء وعلى الفسّاق والأولياء، على حدٍّ سواء، ولا يُستثنى حتى الأنبياء.

قلت: إنّ هذا الكلام يخالف سنة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وسيرته المسجّلة في صحاحكم، والثابتة في مسانيدكم.

خُزَيْمة.. ذو الشهادتين

ذكر ابن أبي الحديد ترجمة ذي الشهادتين في شرح النهج:ج ١٠ / ١٠٨ و١٠٩ ط دار إحياء التراث العربي / قال: هو خُزَيمة بن ثابت بن الفاكه بن ثعلبة الخطمي الأنصاري من بني خطمة من الأوْس، جعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله شهادته كشهادة رجلين، لقصّة مشهورة الخ.

٧٧٢

والقصة كما ذكرها الأعلام في ترجمته وفي كتب الحديث وأنا أنقلها من كتاب أُسْد الغابة لابن الأثير قال: روى عنه ابنه عمارة أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله اشترى فرساً من سواء بن قيس المحاربي، فجحَدَه سواء! فشهد خزَيمة بن ثابت للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال له رسول الله: ما حَمَلَكَ على الشهادة، ولم تكن حاضراً معنا؟

قال: صَدَّقْتُكَ بما جئتَ به، وعَلِمْتُ أنّك لا تقول إلّا حقاً.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : مَن شهد له خُزَيمة أو عليه فهو حسبه.

فما ظنك برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لو كان عليٌ يشهد عنده في قضية هل كان يصدّقه أم يرده؟! وهو القائل في حقه: «عليٌ مع الحق والحق مع علي يدور الحقّ حيث ما دار عليٌ » فكما أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله خصَّصَ شهادة خزيمة وأحلّه محل شاهديْن وصارت شهادته بشهادتيْن، كذلك أصحاب آية التطهير الذين عصمهم الله تعالى وأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً. فقولهم لا يُرَدّ، فإنّ الرادّ عليهم كالرادّ على الله سبحانه، وقد أثبتنا فيما سبق أنّ علياًعليه‌السلام شهد لها بأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنحلها فدك، ولكنهم ردّوا شهادته بحجة أنّ علياً يجرُ إلى نفسه، فكذّبوه وصدّقه الله في كتابه الحكيم بقوله:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله وَ کُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ‌ ) (١) .

الحافظ: من أين تقول هذه الآية نزلت في شأن عليّ كرم الله وجهه؟

____________________

١) سورة التوبة، الآية ١١٩.

٧٧٣

من هم الصادقون؟

قلت: أجمع علماء الشيعة استناداً على الروايات الواصلة عن طريق أهل البيتعليهم‌السلام والعترة الهادية، بأنّ الصادقين هم خاتم النبيين وعليٌ أمير المؤمنين والعترة، وقد وافَقَنا كثيرٌ من أعلامكم وذهبوا إلى هذا الرأي، منهم: الثعلبي في تفسيره كشف البيان وجلال الدين السيوطي في تفسيره الدرّ المنثور، عن ابن عباس، والحافظ أبو سعد عبد الملك بن محمد الخركوشي في كتاب شرف المصطفى عن الأصمعي. والحافظ أبو نعيم في حلية الأولياء رووا عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال: الصادقون أنا وعليٌ.

وقال القندوزي في ينابيع المودة / الباب التاسع والثلاثون: أخرج موفق بن أحمد الخوارزمي عن أبي صالح عن ابن عباس (رض) قال: الصادقون في هذه الآية محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته. أيضاً أبو نعيم الحافظ والحمويني أخرجاه عن ابن عباس بلفظه، انتهى.

وشيخ الإسلام الحمويني في فرائد السمطين والعلّامة الكنجي في كفاية الطالب / الباب ٦٢/وابن عساكر في تاريخه رووا بإسنادهم عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: كونوا مع الصادقين أي مع علي بن أبي طالب.

وهناك آيات أخرى أنقلها إليكم بالمناسبة:

١-( وَ الَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَ صَدَّقَ بِهِ أُولٰئِکَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ) (١) روى جماعة من أعلامكم عن مجاهد عن ابن عباس قال: الذي جاء بالصدق محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والذي صدّقَ به علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

____________________

١) سورة الزمر، الآية ٣٣.

٧٧٤

منهم جلال الدين السيوطي في تفسيره الدرّ المنثور، والحافظ ابن مردويه في المناقب، والحافظ ابو نعيم في الحلية، والعلّامة الكنجي في كفاية الطالب / باب ٦٢، وابن عساكر في تاريخه يروي عن فئة من المفسرين.

٢-( وَ الَّذِينَ آمَنُوا بِالله وَ رُسُلِهِ أُولٰئِکَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَ الشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَ نُورُهُمْ ) (١) .

روى أحمد بن حنبل في المسند والحافظ أبو نعيم في كتابه: «ما نزل في علي من القرآنعليه‌السلام » عن ابن عباس أنّها نزلت في شأن علي بن أبي طالبعليه‌السلام فهو من الصدّيقين.

٣-( وَ مَنْ يُطِعِ الله وَ الرَّسُولَ فَأُولٰئِکَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ الله عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَدَاءِ وَ الصَّالِحِينَ وَ حَسُنَ أُولٰئِکَ رَفِيقاً ) (٢) .

وقد صَرَّحت الأحاديث المرويّة عن طرقكم والتي نقلها أعلامكم في كتبهم ومسانيدهم: بأنّ علياًعليه‌السلام أفضل الصديقين، ولكي تعرفوا حقيقة مقالنا راجعوا مناقب ابن المغازلي الحديث ٢٩٣ و٢٩٤، والتفسير الكبير للفخر الرازي في تفسير قوله تعالى:( وَ قَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَکْتُمُ إِيمَانَهُ ) (٣) .

والدرّ المنثور للسيوطي في تفسير قوله تعالى:( وَ اضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً ) (٤) في سورة ياسين وقال: اخرجه أبو داود وأبو نعيم وابن عساكر والديلمي عن أبي ليلى وفيض القدير للمناوي: ج ٤/٢٣٨ في

____________________

١) سورة الحديد، الآية ١٩.

٢) سورة النساء، الآية ٦٩.

٣) سورة غافر، الآية ٢٨.

٤) سورة يس، الآية ١٣.

٧٧٥

المتن وقال في الشرح - بعد لفظة وابن عساكر عن أبي ليلى -: وابن مردويه والديلمي من حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه أبي ليلى، وذخائر العقبى: ص ٥٦ والرياض النضرة: ج ٢/ ١٥٣ للمحب الطبري، وقال فيهما رواه احمد بن حنبل في كتاب المناقب.

هؤلاء كلهم رَووا بإسنادهم عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: الصدّيقون ثلاثة: حبيب النجّار مؤمن آل يس.. وحزقيل مؤمن آل فرعون.. وعليّ بن أبي طالب، وهو أفضلهم.

ورواه ابن حجر في الصواعق المحرقة في ضمن الأربعين حديثاً في فضائلهعليه‌السلام - الحديث الحادي والثلاثون - ونقله القندوزي في ينابيع المودّة / الباب الثاني والأربعون قال: الإمام أحمد في مسنده وأبو نعيم وابن المغازلي وموفق الخوارزمي أخرجوا بالإسناد عن أبي ليلى وعن أبي أيوب الأنصاري (رض) قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : الصّديقون ثلاثة: حبيب النجّار وحزقيل مؤمن آل فرعون.. وعلي بن أبي طالب، وهو أفضلهم.

ورواه العلّامة الكنجي إمام الحرمين في كتابه كفاية الطالب الباب الرابع والعشرون بسنده المتصل عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : سبّاق الأمم ثلاثة لم يُشركوا بالله طرفة عين علي بن أبي طالب وصاحب ياسين ومؤمن آل فرعون فهم الصدّيقون، حبيب النجار مؤمن آل ياسين و حزئيل مؤمن آل فرعون وعلي بن أبي طالبعليه‌السلام و هو أفضلهم. ثم قال: هذا سندٌ اعتمَدَ عليه

٧٧٦

الدار قطني واحتجّ به(١) .

____________________

١) أقول إضافةً على ما نقله المؤلف في أنّ علياًعليه‌السلام أفضل الصديقين، وَجدتُ روايات كثيرة في مصادره العامة عن طرقه عديدة، أنّ علياًعليه‌السلام هو الصدّيق الأكبر، منها:

خصائص النسائي /٣/ط مطبعة التقدم بالقاهرة وتاريخ الطبري ج ٢ /٥٦، والمحب الطبري في الرياض النضرة ج ٢/١٥٥ و١٥٨، كلهم رَووا باسنادهم عن الامام عليعليه‌السلام أنّه قال: أنا عبد الله و أخو رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله و أنا الصدّيق الأكبر لا يقولها بعدي إلّا كاذب، آمنتُ قبل الناس سبع سنين.

وفي الإصابة ج ٧ القسم ١ ص ١٦٧ قال ابن حجر: واخرج أبو أحمد وابن مندة وغيرهما من طريق إسحاق بن بشر الأسدي حدثنا خالد بن الحارث عن عوف عن الحسن عن أبي ليلى الغفارية قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: سيكون بعدي فتنة فإذا كان ذلك فالزموا علي بن أبي طالب فإنّه أوّل من آمن بي و أول من يصافحني يوم القيامة و هو الصديق الأكبر و هو فاروق هذه الأمة و هو يعسوب المؤمنين و المال يعسوب المنافقين.

أقول: ذكره أيضاً ابن عبد البر في استيعابه ج ٢/٦٥٧ وذكره ابن الاثير الجزري في أُسد الغابة ج ٥/٢٨٧، وروى المحب الطبري في الرياض النضرة ج ٢/١٥٥ قال وعن أبي ذر قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول لعليعليه‌السلام : أنت الصدّيق الأكبر، و أنت الفاروق الأعظم الذي يفرّق بين الحق و الباطل.قال: وفي رواية وأنت يعسوب الدين، ثم قال: خرّجهما الحاكمي.

وروى الهيثمي في مجمع الزوائد ج ٩/١٠٢ قال: وعن أبي ذر وسلمان قالا: أخذ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بيد عليعليه‌السلام فقال: إنّ هذا أول مَن آمن بي، وهذا أول من يصافحني يوم القيامة،وهذا الصدّيق الأكبر وهذا فاروق هذه الأمة يُفرِّق بين الحق والباطل، وهذا يعسوب المؤمنين و المال يعسوب الظالمين، قال: رواه الطبراني والبزّار عن أبي ذر وحده.

أقول: وذكر المناوي في فيض القدير ج ٤/ ص ٣٥٨ في الشرح وقال: رواه =

٧٧٧

انظروا إلى هذه الأحاديث والأخبار المروية عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في كتبكم ومسانيدكم واتقوا الله بترك التّعصب والعناد، ومزّقوا الغشاوة التي ضربها أسلافكم على قلوبكم وعقولكم، واكْسِروا الأقفال التي جعلوها على أفهامكم وبصائركم، وحرّروا أنفسكم من

____________________

= الطبراني والبزّار عن أبي ذر وسلمان وذكره المتقي الهندي في كنز العمال ج ٦ ص ١٥٦ وقال: رواه الطبراني عن سلمان وأبي ذر معاً، والبيهقي وابن عدي عن حذيفة.

وفي كنز العمال ج ٦/٤٠٥ عن سليمان بن عبدالله عن معاذة العدوية قالت: سمعت علياًعليه‌السلام وهو يخطب على منبر البصرة يقول: أنا الصدِّيق الأكبر آمنتُ قبل أنْ يؤمن أبو بكر و أسلمتُ قبل أن يُسلِم. قال: أخرجه محمد بن أيّوب الرازي في جزئه والعقيلي.

أقول: ونقله الذهبي أيضاً في ميزان الإعتدال ج ١ ص ٤١٧ مختصراً عن كتاب العقيلي عن معاذة العدوية.

ونقله المحب الطبري في الرياض النضرة ج ٢/١٥٧ وقال: خرّجه ابن قتيبة في المعارف.

وفي كنز العمال أيضاً ج ٦ /٤٠٦ قال: عن عليعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا علي ليس في القيامة راكب غيرنا و نحن أربعة فقام رجل من الأنصار و قال: فداك أبي و أمي فمن هم؟ قال: أنا على البراق و أخي صالح على ناقته التي عُقرت و عمي حمزة على ناقتي العضباء و أخي عليٌّ على ناقة من نوق الجنة بيده لواء الحمد ينادي لا إله إلّا الله محمد رسول الله فيقول الآدميّون ما هذا إلّا مَلكٌ مقرّبٌ أو نبيٌ مرسلٌ أو حاملُ عرش!! فيجيبهم مَلَكٌ من بطنان العرش: يا معشر الآدميين: ليس هذا ملكاً مقرّباً و لا نبيّاً مرسَلاً و لا حامل العرش بل هذا الصدّيق الأكبر علي بن أبي طالب.

«المترجم»

٧٧٨

قيود وأغلال التقليد من آبائكم وأجدادكم، ثمّ فكروا واعقلوا بقلوب متفتحة، وبعقول متنوِّرة، وانظروا هل يحقّ أن تلَقِّبوا أحداً غير علي بن أبي طالبعليه‌السلام بالصدّيق؟!

ليت شعري بأيّ دليل من القرآن الحكيم لقّبتم أبا بكر بالصدّيق، بعد أنْ كَذَّب أفضل الصديقين، ورَدَّ شهادة الصدّيق الأكبر في حق الصدّيقة الطاهرة فاطمةعليه‌السلام ؟!

وبأيّ دليلِ لقّبتم الذي مَالأ أبا بكر وسانده على غصب حق الزهراءعليه‌السلام ، وأطلقتم عليه لقب الفاروق؟!

( إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَ آبَاؤُکُمْ مَا أَنْزَلَ الله بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ ) (١) .

عليٌعليه‌السلام مدار الحق والقرآن معه

أما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : عليٌ مع الحق والحق معه، وعليٌّ مع القرآن والقرآن معه؟

هل من المعقول أنّ من كان مع الحق ومع القرآن وهما لا يفارقانه، يكون كاذباً؟! أو يشهد باطلاً؟!

النوّاب: إنّني كثيراً أجالس علماءنا وأستمِعُ إلى حديثهم، ولا أغيب عن خطب الجمعة أبَداً، ولكنّي ما سمعتُ منهم هذين الحدّيثين، فهل نقلهما علماؤنا الأعلام ومحدّثونا الكرام في كتبهم؟

قلت: نعم نقلها كثيرٌ من أعلامكم، وقد أعلنتُ كراراً بأنّي لا أنقلُ لكم حديثاً انفرد بنقله علماء الشيعة، بل كلّ ما أذكره في هذه

____________________

١) سورة النجم، الآية ٢٣.

٧٧٩

المناقشات منقول من مصادر علمائكم وكتب أعلامكم،حتى يصدق عليه إسم الاحتجاج ويكون أوقع في نفوسكم وأرضى لقلوبكم وألزم لكم. وأذكر لك بعض المصادر المقبولةَ لديكم حول الحديثين الشريفين، وهي كثيرة منها:

في تاريخ بغداد: ج ٤ / ٣٢١ ذكر الخطيب البغدادي، والحافظ ابن مردويه في المناقب، والديلمي في الفردوس، والمتقي الهندي في كنز العمال: ج ٦ / ١٥٣، والحاكم النيسابوري في المستدرك: ج ٣ / ١٢٤، وأحمد بن حنبل في المسند، والطبراني في الأوسط والخطيب الخوارزمي في المناقب، والفخر الرازي في تفسيره: ج ١ / ١١١، وابن حجر المكي في الجامع الصغير: ج ٢/٧٤ و ٧٥ و ١٤٠، وفي الصواعق المحرقة / الفصل الثاني / من الباب التاسع / الحديث الحادي والعشرين من الأربعين حديثاً التي نقلها في فضل الإمام عليعليه‌السلام ، ونقلَ الشيخ سليمان الحنفي القندوزي في ينابيع المودّة / الباب ٦٥ / ١٨٥ / ط. إسلامبول نَقَلَ عن الجامع الصغير لجلال الدين السيوطي، ونقل أيضاً في الباب العشرين عن جمع الفوائد والأوسط والصغير للطبراني، ونقل الحمويني في الفرائد وعن ربيع الأبرار للزمخشري عن ابن عباس وعن أم سلمة.

والسيوطي في تاريخ الخلفاء / ١١٦ والمناوي في فيض القدير: ج ٤ / ٣٥٦ عن ابن عباس أو أم سلمة.

وفي مجمع الزوائد ج ٩ / ١٣٤، وج ٧ / ٢٣٦، والشبلنجي في نور الأبصار: ص ٧٢ رووا عن أم سلمة، وبعضهم عن ابن عباس عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: عليٌ مع القرآن والقرآن مع عليّ، لا يفترقان

٧٨٠