مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مناظرات وحوار ليالي بيشاور0%

مناظرات وحوار ليالي بيشاور مؤلف:
المحقق: السيّد حسين الموسوي
الناشر: ذوي القربى
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 1199

مناظرات وحوار ليالي بيشاور

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيّد محمّد الموسوي الشيرازي
المحقق: السيّد حسين الموسوي
الناشر: ذوي القربى
تصنيف: الصفحات: 1199
المشاهدات: 221087
تحميل: 2549

توضيحات:

مناظرات وحوار ليالي بيشاور
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 1199 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 221087 / تحميل: 2549
الحجم الحجم الحجم
مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مناظرات وحوار ليالي بيشاور

مؤلف:
الناشر: ذوي القربى
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

حتى يَرِدا عَلّيَّ الحوض.

ونقل ابن حجر في الصواعق أيضاً في أواخر الفصل الثاني من الباب التاسع(١) .

قال: وفي رواية أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال في مرض موته:

أيها الناس يوشك أنْ أُقبض قبضاً سريعاً، فيُنطلق بي و قد قدّمت إليكم القول معذرة إليكم: ألا إني مُخْلِفٌ فيكم كتاب الله ربي عزّ و جلّ، و عترتي أهل بيتي، ثمّ أخذ بيد عليٍعليه‌السلام فرفعها فقال هذا عليٌ مع القرآن و القرآن مع علي لا يفترقا حتّى يرِدا عليَّ الحوض فاسألوهما ما خلفت فيهما.

وجاء في بعض الروايات: الحق لن يَزال مع علي وعليٌ مع الحقّ لن يختلفا ولن يفترقا.

وحديثُ: «علي مع الحق والحق مع علي يدور معه حيثما دار » قد نقله أكثر محدثيكم(٢) .

____________________

١) « صفحة ٧٥ / ط. المطبعة الميمنية بمصر، المترجم».

٢) مرّ في ما سبق ذِكْرُ بعض مصادر الحديث، منها صحيح الترمذي ج ٢/ ٢٩٨، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «رحم الله علياً، اللهم أدرِ الحق معه حيثما دار». ورواه الحاكم أيضاً في المستدرك: ج ٣/ ١٢٤، وقال هذا حديث صحيح على شرط مسلم. وقال الفخر الرازي في تفسيره الكبير عند البسملة: أما إنّ علي بن أبي طالبعليه‌السلام كان يجهر بالتسمية فقد ثبت بالتواتر، ومَن اقتدى في دينه بعلي بن أبي طالب فقد اهتدى، والدليل عليه قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اللهم أدر الحق مع علي حيث دار، وقال أيضاً - بعد حوالي ستين صفحة -: ومَن اتخذ علياً إماماً لدينه فقد استمسك بالعروة الوثقى في دينه ونفسه.

وفي تاريخ بغداد: ج ١٤ / ٢٢١ بسنده عن أبي ثابت عن أم سلمة عن النبي (صلّى‌ =

٧٨١

وفي كتاب تذكرة الخواص(١) عند نقله حديث: «من كنت مولاه فعلي مولاه »، قال: وكذا قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « وأدِر الحق معه حيثما دار وكيف ما دار »، فيه دليلٌ على أنّه ما جرى خَلافٌ بين عليّعليه‌السلام وبين أحدٍ الصحابة إلّا وكان الحقّ مع عليعليه‌السلام وهذا بإجماع الأمة.

____________________

= الله عليه و آله و سلّم) قال: علي مع الحق والحق مع علي ولن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض يوم القيامة. وفي مجمع الزوائد ج ٧/ ٢٣٥ في خبر مفصل جاء فيه أنّ سعد بن أبي وقّاص قال في مجلس معاوية: فإني سمعتُ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: علي مع الحق - أو الحق مع علي - حيث كان.

وفي صفحة ٢٣٤ قال: وعن أبي سعيد قال: كنّا عند بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في نفر من المهاجرين والأنصار - إلى أن قال - ومرّ عليٌ بن أبي طالب فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : الحق مع ذا، الحق مع ذا.

قال الهيثمي: رواه ابو يعلى ورجاله ثقات، أقول: وذكره المناوي في كنوز الحقائق ٦٥ مختصراً عن أبي يعلى. والمتقي في كنز العمال ج ٦ / ١٥٧ وقال لأبي يعلى وسعيد بن منصور.

وفي كنز العمال ج ٦ / ١٥٧ وقال: لأبي يعلى وسعيد بن منصور.

وفي كنز العمال ج ٦ / ٥٧ قال: تكون بين الناس فرقة واختلاف فيكون هذا وأصحابه على الحق - يعني علياً - قال: أخرجه الطبراني عن كعب بن عجره.

وذكر ابن قتيبة في الإمامة والسياسة / ٧٠ / ط. مطبعة الأمة بمصر قال: وأتى محمد بن أبي بكر فدخل على أخته عائشة، قال لها: أما سمعت رسول الله يقول: علي مع الحق والحق مع علي؟ ثم خرجت تقاتلينهُ بدم عثمان!

ونقل الشيخ القندوزي في ينابيع المودة / الباب العشرون / عن الحمويني بسنده عن أزرق بن قيس عن ابن عباس (رض) قال: قال رسول الله: الحق مع عليّ حيث دار.

«المترجم»

١) تذكرة الخواص: ٣٩ / ط. مؤسسة أهل البيت بيروت.

٧٨٢

مَن أطاع علياً فقد أطاع الله ورسوله

وكذلك نرى في كتب أعلامكم وأسناد محدثيكم حديثاً مرويّاً عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذ قال: مَنْ أطاع علياً فقد أطاعني، ومَنْ أطاعني فقد أطاع الله، ومَن أنكر علياً فقد أنكرني، ومَن أنكرني فقد أنكر الله(١) .

____________________

١) أقول: ما وجدت حديثاً عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في مصادر العامّة بهذا اللفظ وان كان ما جاء بهذا المعنى كثيراً، ولقد ذكر بعضها العلّامة مير علي الهمداني الشافعي في كتاب مودّة القربى في المودة السادسة وعنونها: «في أنّ علياًعليه‌السلام أخو رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ووزيره وأنّ طاعته طاعة الله تعالى» وروى فيها، عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لما عقد المؤاخاة بين أصحابه قال: هذا عليٌ أخي في الدنيا والآخرة، وخليفتي في أهلي ووصيي في أمّتي، ووارث علمي، وقاضي ديني، ماله مني مالي منه، نفعه نفعي وضرّه ضري، ومَن أحبّه فقد أحبّني ومَن أبغضه فقد أبغضني.

وكذلك ذَكَر بعض الأحاديث بالمعنى المقصود، القندوزي في كتابه ينابيع المودّة / الباب الحادي والاربعون «في الأحاديث الوارثة في سعادة مَن أحبَّ علياً و ...» جاء فيه أخرج الحمويني بسنده عن الأعمش عن إبراهيم النخعي عن علقمة والأسود قالا: أتينا أبا أيوب الأنصاري فقلنا: يا أبا أيوب إنّ الله أكرمك بنبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله وصفى لك من فضله أخبرنا بمخرجك مع عليّ تقاتل أهل لا إلّه إلا الله! فقال أبو أيوب: أقسم لكما بالله لقد كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في هذا البيت الذي أنتما فيه معي. و عليٌ جالس عن يمينه و أنا عن يساره و أنس بين يديه وما في البيت غيرنا إذ حُرِّكَ الباب، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله لأنس: إفتَح لعمّار! ففتح الباب ودخل عمار فسلّم عَلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، و رحّب به. =

٧٨٣

ونقل أبو الفتح محمد بن عبد الكريم الشهرستاني في كتابه الملل والنحل أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: لقد كان عليّ عَلَى الحق في جميع أحواله يدور معه الحق حيثما دار.

كيف وبماذا تُوجّهون عمل أبي بكر وردّه شهادة عليّعليه‌السلام في حق الزهراءعليه‌السلام مع وجود هذه الأخبار في كتبكم المعتبرة؟! فلا بدّ أن تعترفوا بأنّ عمل أبي بكر كان مخالفاً لكتاب الله ولسنّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأنّه جحد حق فاطمة ومنعها فدكاً من غير حق، وأنّه كذَّبَ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأنّه جحد حق فاطمة ومنعها فدكاً من غير حق، وأنّه كذَّبَ تلك الصادقة المصدَّقة، وكذَّب علياًعليه‌السلام وأهانه بردِّ شهادته والهجوم على داره وسحبه من البيت إلى المسجد لأخذ البيعة منه كرهاً

____________________

= ثم قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عمّار ستكون بعدي في أمتي هنات، حتى يختلف السيف فيما بينهم و حتى يقتل بعضهم بعضاً، وحتى يتبرّأ بعضهم من بعض! فإذا رأيت ذلك فعليك بهذا الأصلع عن يميني، يعني علياً، فإن سَلَكَ الناسُ كلُّهم وادياً و سلَكَ عليٌ وادياً فاسلك وادي عليّ و خَلِّ عن الناس! يا عمّار إنّ علياً لا يردُّك عن هُدى و لا يُدخلك على رَدَى، يا عمّار طاعة عليّ طاعتي و طاعتي طاعة الله جلّ شأنه.

وكذا الباب الرابع والأربعون «في حديث لحمك لحمي ودمك دمي ...».

جاء أيضاً أخرج الحمويني عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا علي ...و كذب مَن زَعَم أنّه يُحبني و يبغضك، لأنك مني و أنا منك، لحمك من لحمي و روحك من روحي، و سريرتك من سريرتي و علانيتك من علانيتي، و أنت إمام أمّتي و وصيّي، سعد من أطاعك و شقي مَن عصاك و رَبَحَ مَن تولّاك و خسر من عاداك و فاز من لزمك و هلك من فارقك الخ.

«المترجم»

٧٨٤

فأين هذه الأعمال مما رواه أبو المؤيد موفق بن أحمد الخوارزمي في المناقب، ومحمد بن طلحة الشافعي في مطالب السؤول، وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة، أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: من أكرم علياً فقد أكرمني، ومَنْ أكرمني فقد أكرم الله، ومن أهان علياً فقد أهانني، ومَن أهانني فقد أهان الله؟!!

أيها الحاضرون، وخاصّة أنتم العلماء، قايسوا أحداث السقيفة وما بعدها وما جرى على آل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من بعده، قايسوها مع هذه الأخبار والأحاديث المرويّة في كتب أعلامكم، ثمّ أنصفوا واحكموا: هل الصحابة عملوا بأوامر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ووصاياه في حق عترته وأهل بيته أم خالفوها؟؟! وهل عمل أبو بكر بحكم الله والشرع المبين في قضيّة فدك أم أنّه أجحفَ فاطمة وجحد حقّها؟!

لأنّنا قلنا:أوّلاً .. ما كان له أن يطالب البيّنة من فاطمة لأنها كانت متصرفة في فدك، وكانت فدك في يدها، فكان هو المدَّعي وعليه البيّنة، لا على فاطمةعليه‌السلام .

ثانياً: إذا كان أبو بكر محتاطاً في القضيّة كما تزعمون، وأنّه أراد أن يتيقّن من تمليك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فاطمة فدكاً، فطالبها بالشهود والبيّنة، فلماذا ترك هذا الاحتياط حينما ادّعى الصحابة الآخرون مالا بوعدٍ من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وَعَدَه، فأعطاه أبو بكر ذلك المبلغ من بيت مال المسلمين ولم يطالبه بالبيّنة والشهود؟ فكيف يحكم في قضيتين متشابهتيْن بحكمين متناقضيْن؟!

ولعمري.. لماذا يحتاط في أمر فاطمةعليه‌السلام ؟ أكان أبو بكر يظنّ

٧٨٥

كذبها؟! وهي التي يشهد الله سبحانه بطهارتها من كل رجس، وكانت عند عامّة الناس أيضاً صادقة ومصدَّقة، فقد قال أبو نعيم في حلبة الأولياء: ج ٢ / ٤٢ / راوياً عن عائشة قال:مارأيتُ أحداً قط أصدق من فاطمة غير أبيها.

وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج ج ١٦ / ٢٨٤ / ط. دار إحياء التراث العربي: و سألت علي بن الفارقيّ، مدرّس المدرسة الغربية ببغداد، فقلت له: أكانت فاطمة صادقة؟ قال: نعم.

قلت: فلِمَ لم يَدْفع إليها أبو بكر فدك و هي عنده صادقة؟

فتبسّم.. ثم قال كلاماً لطيفاً مستحسناً مع ناموسه و حْرمته و قلّة دعابته، قال: لو أعطاها اليوم فَدَك بمجرّد دعواها، لجاءت إليه غدا و ادّعت لزوجها الخلافة، و زحزحته عن مقامه، و لم يكن يمكنه الإعتذار و الموافقة بشيءٍ، لأنّه يكون قد سَجَّل على نفسه أنّها صادقة فيها تَدَّعي كائناً ما كان من غير حاجة إلى بيّنة و لا شهود.

و هذا كلام صحيح، و إن كان أخرجه مخرج الدْعابة و الهزل. «انتهى كلام ابن أبي الحديد ».

فالحقيقة التي هي اليوم ظاهرة ومكشوفة لعلمائكم كيف كانت مبهمة وغير منكشفة يوم أمس عند معاصريها والذين أدركوها من قريب؟! فكانت أوضح لهم وأظهر، إلّا أنّ السياسة وحب الرياسة اقتضت منهم إنكار الحقيقة وجحد حق الزهراء المظلومةعليها‌السلام !!

الحافظ: لمن أعطى الخليفة (رض) مال المسلمين بغير بيّنة وشهود؟

قلت: ادَّعى جابر بعد وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه وَعَده بأنْ يعطيه من مال البحرين حين وصوله. فأعطاه أبو بكر ألف وخمسمأة دينار، من مال

٧٨٦

المسلمين الذي وَصَل من البحرين، وما طلب من جابر بيّنةً وشهوداً على ما ادّعاه.

الحافظ: أولاً: ما وجدت هذا الخبر في كتب علمائنا، ولعلّكم انفردتم أنتم الشيعة به!

وثانياً: من أين عرفتم أنّ الخليفة ما طالب جابراً بالبيّنة والشهود على ما ادّعاه؟

قلت: إنّي أتعجب من قولك! كيف ما وجدت هذا الخبر في كتب علمائكم؟ وهم يستدلّون ويستشهدون بهذا الخبر على أنه خبر الصحابي الواحد العادل مقبول.

كما أنّ شيخ الإسلام الحافظ أبا الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني طرحه في كتاب فتح الباري في شرح صحيح البخاري / باب من يكفل عن ميتٍ دَيْناً - وبعد نقله الخبر قال: إنّ هذا الخبر فيه دلالة على قبول خبر العدل من الصحابة ولو جرّ ذلك نفعاً لنفسه، لأنّ أبا بكر لم يلتمس من جابر شاهداً على صحّة دعواه.

ونقل البخاري هذا الخبر أيضاً في صحيحه: ج ٥ / ٢١٨ / ط. دار إحياء التراث العربي تحت عنوان « قصّة عمان والبحرين »:

روى بسنده عن جابر بن عبد الله قال: قال لي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لو قد جاء مال البحرين، لقد أعطيتُك هكذا وهكذا وثلاثاً.

فلم يقدم مال البحرين حتّى قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

فلما قدم على أبي بكر، أمرَ منادياً فنادى مَن كان له عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله دَيْن أو عِدةٌ فليأتني.

قال جابر: فجئتُ أبا بكر فأخبرتُه أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: لو جاء

٧٨٧

مال البحرين أعطيتك هكذا وهكذا ثلاثاً. قال: فأعطاني - وفي آخر الرواية - فقال لي أبو بكر: عُدَّها.

فعدَدْتُها فوجدتُها خمسمائة. فقال خذ مثلَها مرّتين.

ونقله السيوطي أيضاً في كتابه تاريخ الخلفاء / قسم خلافة أبي بكر.

والآن أيها الحاضرون فكّروا وانصفوا! لماذا هذا التبعيض؟ يُصدَّق جابر على ما مدَّعاه من غير بينة وشهود، وتُرَدّ بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وشهودُها! وقد شهد الله تعالى لها ولبعلها وابنيهما في آية التطهير!

إشكال في شمول آية التطهير

الحافظ: إنّ سياق الآية خطابٌ لزوجات الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ولذا ذهب البيضاوي والزمخشري وغيرهما من أئمة التفسير إلى أنّ الآية تشمل زوجات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقولكم بأنها تشمل علياً وفاطمة وابنيهما قولٌ ضعيف لأنه خارج عن سياق الآية وظاهرها، فإنّ صدر الآية وآخرها يُخاطب نساء النبي.

آية التطهير لا تشمل زوجات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله

قلت: كلامك مردودٌ من جهات عديدة.

أولاً: كلامك بأنّ صدر الآية آخرها يخاطب نساء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فيقتضي أن يكون وسطها أيضاً - وهو آية التطهير - خطاباً لنساء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٧٨٨

أقول: أولاً: إنّ البلاغة تقتضي غير ذلك، فقد ثبت عند العلماء إنّ من فنون البلاغة في القرآن الحكيم، أن يتوسط كلامٌ جديدٌ بين الجمل المتناسقة، اتّقاءً من أنْ يَملّ السامع من الكلام المسجَّع والجملات المرتبة على نَسَق واحد، فتَغيير الأسلوب يكون تنويعاً في الكلام، وقد تكرر نَّمط هذا الأسلوب في القرآن الكريم.

ثانياً: إذا كان المقصود من أهل البيت هم زوجات الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله لاقتضى أنْ يكون الضمير ضمير جمع المؤنث المخاطب على نَسَق الضمائر التي وردت قبلها وبعدها، فيكون« ليُذْهِب عنكُنَّ الرجس و يُطهِّرْكُنَّ »، ولكنّ الله سبحانه ذكر الضمائر في هذه القطعة من الآية على صيغة جمع المذكر المخاطب فقال تعالى:( إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَکُمْ تَطْهِيراً ) (١) ، فأخرجَها عن مخاطبة زوجات النبي ونسائه.

النوّاب: فاذا كان الخطاب متوجِّهاً إلى أهل البيت بصيغة جمع المذكر المخاطب، فمن أين تقولون أنها تشمل فاطمة وهي أنثى؟ فتكون خارجةً من الآية.

قلت: علماؤكم يعرفون أن ضمير الجمع المذكر إنّما جاء هنا للتغليب، وهذا لا ينافي شمول الآية الكريمة لفاطمةعليه‌السلام . فهي واحدة مقابل أبيها وبعلها وابنَيْها، فعدد الذكور في الجمع غالبٌ، ولذا جاء الضمير مخاطباً لهم بصيغة «عنكم» و «يطهركم ». وقد أشار إلى هذا ابن حجر في كتابه الصواعق المحرقة / الباب الحادي عشر / الفصل الأول في الآيات الواردة في أهل البيت / الآية الأولى: قال الله تعالى:( إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَکُمْ تَطْهِيراً ) ، قال

____________________

١) سورة الاحزاب، الآية ٣٣.

٧٨٩

أكثر المفسرين: على أنّها نزلت في عليٍ وفاطمة والحسن والحسين، لتذكير ضمير «عنكم» وما بعده، انتهى كلامه.

واكثر المفسرين والمحدِّثين على أنّ الآية الكريمة لا تشمل زوجات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كما جاء في صحيح مسلم: ج ٢/٢٣٧ - ٢٣٨ / روى بسنده عن يزيد بن حيّان قال: دخلنا على زيد بن أرقم - والخبر طويل وفيه أنه حدّثهم - عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: ألا وإنّي تارك فيكم الثقلين: أحدهما: كتاب الله، هو حبل الله، مَنْ اتبعه كان على الهدى ومن تركه كان على الضلالة. وفيه: فقلنا: مَنْ أهل بيته؟ نساؤه؟ قال: لا و أيْمُ الله إنّ المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلّقها فترجع إلى أبيها و قومها، أهلُ بيته: أصْلُهُ و عصبته الذين حرموا الصدقة بعده.

ثم هناك روايات كثيرة مرويّة في كتبكم، واصلةُ عن طرقكم بألفاظ متعددة ومعنى واحد، على أنّ آية التطهير تشمل النبي والوصي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام لا سادس لهم. ولكي تعرفوا ذلك فراجعوا مصادركم المعتبرة عندكم والتي منها:

١- كشف البيان في تفسير القرآن للثّعلبي، عند تفسيره الآية.

٢- التفسير الكبير للفخر الرازي: ج ٦/٧٨٣.

٣- الدرّ المنثور لجلال الدين السيوطي: ج ٥/١٩٩.

٤- والنيسابوري في المجلد الثالث من تفسيره.

٥- وتفسير رموز الكنوز لعبد الرزاق الرسعني.

٦- الخصائص الكبرى: ج ٢ / ٢٦٤.

٧- الإصابة لابن حجر العسقلاني: ج ٤ /٢٠٧.

٧٩٠

٨- تاريخ ابن عساكر: ج ٤ / ٢٠٤ و٢٠٦.

٩- مسند أحمد بن حنبل ج ١/٣٣١.

١٠- الرياض النضرة: ج ٢/١٨٨ للمحب الطبري.

١١- صحيح مسلم: ج ٢/٣٣١ وج ٧/١٣٠.

١٢- الشرف المؤبّد للنبهاني: ص ١٠ طبع بيروت.

١٣- كفاية الطالب للعلّامة الكنجي الشافعي / الباب المائة.

١٤- الحافظ سليمان القندوزي في ينابيع المودّة / الباب ٢٣، نَقَلَ عن صحيح مسلم وعن شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني عن عائشة أم المؤمنين، ونقل أخباراً اُخرى عن الترمذي والحاكم السمناني والبيهقي والطبراني ومحمد بن جرير وأحمد بن حنبل وابن أبي شيبة وابن منذر وابن سعد والحافظ الزرندي والحافظ ابن مردويه رووا عن أم سلمة أم المؤمنين وعن ولدها عمر بن أبي سَلَمة وعن أنس بن مالك وسعد بن أبي وقاص وواثلة بن اسقع وأبي سعيد الخدري قالوا: إنّ آية التطهير نزلت في شأن الخمسة الطيّبة محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم أجمعين.

١٥- وابن حجر المكي على تعصّبه الغريب نقل في كتابه الصواعق /٨٥ و٨٦ / ط المطبعة الميمنية بمصر / عن سبع طرق واعترف بأنّ الآية الكريمة نزلت في شأن الخمسة الطيبة ولا تشمل غيرهم وذلك في تحقيق عميق وطويل.

١٦- ونقل السيد أبو بكر بن شهاب الدين العلوي في كتابه رشفة الصادي من بحر فضائل بني النبي الهادي في الباب الأول / نقل عن الترمذي وابن جرير وابن منذر والحاكم وابن مردويه والبيهقي وابن أبي

٧٩١

حاتم والطبراني وأحمد بن حنبل وابن كثير ومسلم بن الحجاج وابن أبي شيبة والسمهودي، مع ذِكر تحقيقات عميقة من أكابر علمائكم، على أنّ الآية الكريمة لا تشمل غير الخمسة الطيّبة الذين شملهم كساء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعُرفوا بأصحاب الكساء.

١٧- وفي الجميع بين الصحاح الستة نَقَل عن الموطَّأ لمالك بن أنس الأصبحي، وعن صحاح البخاري ومسلم وسنن أبي داود والسجستاني والترمذي وجامع الأصول.

وفي كلمةٍ أقول: إنّ عامة علمائكم وأعلامكم من المفسرين والمحدثين والفقهاء والمؤرخين وغيرهم، أجمعوا على أنّ الآية الشريفة - آية التطهير - نزلت في شأن محمدٍ وعليّ وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

وقد وصل هذا المعنى إلى قريب حدّ التواتر عندكم، والمخالف لهؤلاء شاذٌّ معاندٌ متمسك بأخبارٍ ضعيفة لا اعتبار بها، ولا وزن لها في قبال تلك الأخبار المتكاثرة والروايات المتظافرة.

عَوْداً إلى فدك

فلنعد لما كنا عليه من البحث والحوار، أقول: أنصفونا! هل بعد ثبوت التطهير الإلهي لفاطمة وعليّعليه‌السلام ، وعِلْمِ القوم بأنّ الله تعالى طهّرهما وابنيهما من الأرجاس والمساويء الظاهرية والباطنية، وعصمهم من كلِّ صغيرة وكبيرة بنصّ القرآن الحكيم، فهل كان يجدر بأبي بكر أم كان يحقّ له أن يردّ فاطمة، ويردَّ شهادة الإمام عليّعليه‌السلام

٧٩٢

في حقها!!؟ أما كان ردُّهما رداً على الله سبحانه وتعالى؟!

فكيف يقبل ادّعاء جابر بن عبدالله الأنصاري وهو - مع تقديرنا لمواقفه واحترامنا له - ليس إلّا صحابي جليل، ولم ينزل قرآنٌ في شأنه، ولا طهّره الله تعالى من الرجس؟! ولكنّه يردُّ فاطمة وعلياًعليه‌السلام ولا يقبل كلامهما في حق ثابت كثبوت الشمس في وسط النهار!!

الحافظ: لا يمكن لنا أن نقبل، بأنّ أبا بكر.. وهو ذلك الصحابي الجليل والمؤمن الصدّيق، غصب فدكاً!! أو أنّه أخذه من فاطمة بغير دليل!! إذ إنّ كلَّ انسانٍ عاقل يعمل من وراء القصد، فالخليفة أبو بكر بعد أن كانت أموال بيت المال تحت تصرّفه، ما كان بحاجة إلى فدك وغيرها، حتّى نقول إنّه أخذ فدكاً لحاجةٍ إليها، فما عسانا أن نقول فيه إلّا أنه أخذها ليحق الحق، ولأنّه كان يعتقد بأنّها فيء المسلمين.

قلت: أولاً: أثْبتَتْ فاطمةعليه‌السلام في خطبها وكلامها وبإقامة الشهود، أنّ فدكاً لها وليست فيئاً للمسلمين، وأنها نحلةٌ من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لها. وقد مرّ ذلك في حوارنا وهو أمر ثابت عند كل ذي وجدان وذي انصاف وإيمان.

ثانياً: لم يقل أحدٌ بأنّ أبا بكر غصب فدكاً لاحتياجه إليها، وإنما غصبها ليترك أهل البيت وهم فاطمة وبعلها وابناهما الحسن والحسين ضعفاء مادياً ليس في أيديهما شيءٌ من المال، فأبو بكر وأعوانه كانوا يعلمون أنّ علياًعليه‌السلام غنيٌّ بالمعنويّات وكفّته راجحة في الدين والإيمان والعلم والعقل والفضائل والمناقب وما إلى ذلك.

فلو ملك المال واستغنى به الى جنب الغناء المعنوي، إلتفَّ الناس حوله ولم يرضوا بغيره، فلذلك غصبوهم فدكاً وحرموهم من الخمس

٧٩٣

الذي خصّه الله تعالى في كتابه الحكيم لهم فقال سبحانه:( وَ اعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبَى وَ الْيَتَامَى وَ الْمَسَاکِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ ) (١) الخ.

وقد جعل الله تعالى ذلك ليرفع شأنهم ومقامهم بين الناس فلا يحتاجون ولا يفتقرون إليهم بل يعيشون معزَّزين ومكرَّمين بالحق الذي جعل الله عزّ وجلّ لهم، ولأنّه حرَّم عليهم الصدقات والزكوات فعوّضهم بالخمس، ولكن شاء الله وشاءوا!!

فمنعوهم الخمس بحجة أنّ الخمس يجب أن يُصرَف في شراء الأسلحة ولوازم الحرب والجهاد(٢) .

____________________

١) سورة الأنفال، الآية ٤١.

٢) إنّ هذا الموضوع وهو منع ذوي القربى حقهم من الخمس موضوعٌ مهم، اذ نرى المانعين خالفوا أمر الله سبحانه وظلموا آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله . وإنا لأهميّة الموضوع نذكر بعض ما ذكره ورواه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ج ١٦/ص ٢٣٠ و٢٣١ / طبع دار إحياء الكتب العربية / قال: واعلم أنّ الناس يظنّون أنّ نزاع فاطمة أبا بكر كان في أمرين في الميراث و النحلة و قد وجدتُ في الحديث أنّها نازعت ونقل عن ابي بكر الجوهري بسنده عن أبي الاسود عن عروة قال: أرادت فاطمة أبا بكر على فَدَك وسهم ذوي القربى، فأبى عليها وجعلهما في مال الله تعالى.

في أمرٍ ثالث، ومنعَها أبو بكر إياها أيضاً وهو سهم ذوي القربى.

ونقل أيضاً عن الجوهري بسنده عن أبي الضحّاك عن الحسن بن محمد بن عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام : أنّ أبا بكر منعَ فاطمة وبني هاشم سهم ذوي القربى وجعله في سبيل الله في السلاح والكُراع.

أقول: وهناك روايات كثيرة في الموضوع ذكرها المحدّثون في كتبهم لا مجال لذكرها، ورعايةً للاختصار اكتفينا بهذا القليل.

«المترجم»

٧٩٤

قال محمد بن ادريس الشافعي في كتاب الأُمّ ص ٦٩: وأمّا آل محمّد الذين جُعل لهم الخمس عوضاً من الصدقة فلا يُعطَونْ من الصدقات المفروضات شيئاً قَلّ أو كثر، لا يحلّ لهم أنْ يأخذوها ولا يجزي عمن يعطيهموها إذا عرفهم.

- إلى أن يقول: - وليس مَنْعُهم حقهم في الخمس يحلّ لهم ما حُرِّم عليهم من الصدقة.

الحافظ: الإمام الشافعي رحمه الله يقول: يجب أنْ يقسَّم الخمس إلى خمسة أقسام سهمٌ لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يُصرَف في مصالح المسلمين، وسهم يُعطى لذوي القربى وهم آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله وثلاثة سهام تصرف على الأيتام والمساكين وأبناء السبيل.

قلت: أجمع العلماء والمفسِّرون أنّ آية الخمس حين نزلت قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أبشروا آل محمّد بالغنى. فالآية نزلت في حق آل محمّد وتخصِّص خمس الغنائم لآل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وكان النبي يقسّم خُمس الغنائم على آله وأهل بيته، ولذلك فإن رأي علماء الإمامية تَبَعاً لأئمة أهل البيتعليهم‌السلام هو أنّ الخمس يُقسَّم إلى ستة سهام سهم الله سبحانه وتعالى، وسهمٌ للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وسهمٌ لذوي القربى. هذه السهام الثلاثة باختيار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ومن بعده تكون باختيار الإمام والخليفة الذي نصّ عليه، وهو يصرفها في مصالح المسلمين حسب رأيه الصائب، والسهام الثلاثة الأخرى تُصرف على الأيتام والمساكين وأبناء السبيل من الهاشميين لا غيرهم، ولكن بعد وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله منعوا سهم بني هاشم وحقهم من الخمس، كما يصرّح بذلك كثير من أعلامكم ومفسريكم في تفسير آية الخمس، منهم:

٧٩٥

جلال الدين السيوطي في تفسير الدرّ المنثور: ج ٣، والطبري في تفسيره، والثعلبي في كشف البيان، وجار الله الزمخشري في تفسيره الكشاف، والقوشجي في شرح التجريد، والنسائي في كتابه الفيء وغيرهم. فكلهم يعترفون بأنّه بعد وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حرموا بين هاشم من الخمس، وقد كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يعطيهم في حياته ويقسّم الخمس عليهم.

الحافظ: أَما تجيزون للمجتهد أنْ يعمل برأيه؟ ولقد كان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما مجتهديْن فعملا بنظرهما وهو انضمام فدك لبيت مال المسلمين وصرف حاصله في المصالح العامة، وكذلك الخمس!!

قلت: أوّلاً: من أين ثبت اجتهاد الشيخين؟

هذا ادّعاء يحتاج إلى دليل، إذْ ليس كل الصحابة كانوا مجتهدين.

ثم إنّ رأي المجتهد يجزي إذا لم يكن نصٌ بخلافة فإذا كان هناك نصٌ في القرآن واجتهد أحدٌ على خلاف ذلك وهو يعلم بوجود ذلك النص، فقد تبع الهوى وضل عن الحق، ومَن حاول توجيه ذلك الاجتهاد مقابل النص فهو ضالٌّ أيضاً، لقوله عزّ وجلّ:( وَ مَا کَانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى الله وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَکُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَ مَنْ يَعْصِ الله وَ رَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُبِيناً ) (١) .

ثم لا بدّ للمجتهد من إقامة دليل معقول على أساس الكتاب والسنّة الشريفة على رأيه، فإذا أبدى رأياً من غير دليلٍ معقول وغير مستندٍ إلى القرآن والسنّة النبويّة، فهو غير مجتهد قطعاً.

____________________

١) سورة الاحزاب، الآية ٣٦.

٧٩٦

والمجتهد الذي يجوز للمسلمين أن يتّبعوه ويأخذوا برأيه، إنما هو المجتهد الذي يكون مطيعاً لله عزّ وجلّ عاملاً بكتاب الله سبحانه وآخذاً بما جاء به النبي الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويكون صائناً لنفسه مخالفاً لهواه ومجانباً للدنيا وزينتها، فقيهاً وعالماً تقيّاً، عارفاً بأحكام الدين ومصالح المسلمين.

ليت شعري، بأيّ دليل اجتهادي ردَّ أبو بكر شهادة عليّعليه‌السلام وهو الذي جعله الله شاهداً على ما جاء به النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وكفى به شاهداً.

إذ قال سبحانه:( أَ فَمَنْ کَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَ يَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ ) (١) .

فالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله على بيّنةٍ من ربه والشاهد الإمام عليعليه‌السلام .

الحافظ: ولكن الروايات تقول: إنّ رسول الله هو صاحب البيّنة وشاهده القرآن الكريم. فلا أدري بأيّ دليل قلتم: بأنّ الشاهد علي كرم الله وجهه؟

قلت: أعوذ بالله تعالى من أنْ أُفسّر القرآن برأيي، وإنما نقلت لكم قول أئمة أهل البيتعليهم‌السلام ، وهو أيضاً رأي كثير من أعلامكم ومفسريكم، وهم قد نقلوا في ذلك ما يقارب من ثلاثين حديثاً، منهم: أبو إسحاق الثعلبي في تفسيره روى ثلاثة أحاديث في ذلك، والسيوطي في الدر المنثور، عن ابن مردويه وابن أبي حاتم وأبي نعين الحافظ، وشيخ الإسلام الحمويني في فرائد السمطين روى ذلك بثلاثة أسانيد، والحافظ سليمان القندوزي روى ونقل في الباب ٢٦ عن الثعلبي والحمويني والخطيب الخوارزمي وأبي نعيم والواقدي وابن المغازلي عن ابن عباس وجابر بن عبد الله وغيرهما.

____________________

١) سورة هود، الآية ١٧.

٧٩٧

والحافظ أبو نعيم روى ذلك عن ثلاث طرق، والطبري وابن المغازلي وابن أبي الحديد ومحمد بن يوسف الكنجي الشافعي في الباب ٦٢ من كتاب كفاية الطالب وغير هؤلاء جمع كبير كلهم ذهبوا إلى أنّ الشاهد في الآية الكريمة هو الإمام عليعليه‌السلام وقد قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : عليٌ منّي وأنا من علي، وقال الله سبحانه:( وَ يَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ ) ومع هذا كلّه، لا أدري بأيّ وجهٍ شرعيٍّ ردّوا شهادة عليٍّ في حق فاطمةعليها‌السلام ؟

ردّوه بحجّة: أنّه يجرّ النفع إلى نفسه!! وهو الذي طلّق الدنيا ثلاثاً، وكان أزهد الناس فيها، يشهد له ذلك الصديق والعدو.

ولكن الذين حَلِيتَ الدنيا في أعينهم وراقهم زبرجها وحرصوا على الرئاسة والملك، افتروا عليه واتّهموه، وقالوا فيه ما لا يليق إلّا بهم.

فتارة قالوا: إنّه ثعالة شهيدُهُ ذَنَبه!!

وتارة قالوا: إنّه يجر النفع إلى نفسه!

ولكنه كظم غيظه وصبر على مضض، حتّى قالعليه‌السلام في الخطبة الشقشقيّة المروية في نهج البلاغة : وهي الخطبة رقم ٣: فطَفِقْتُ أرْتَأي بَيْنَ أَنْ أَصُولَ بِيَدٍ جَذَّاءَ أَوْ أَصْبِرَ عَلَى طَخْيَةٍ عَمْيَاءَ يَهْرَمُ فِيهَا الْكَبِيرُ وَ يَشِيبُ فِيهَا الصَّغِيرُ وَ يَكْدَحُ فِيهَا مُؤْمِنٌ حَتَّى يَلْقَى رَبَّهُ!! فَرَأَيْتُ أَنَّ الصَّبْرَ عَلَى هَذا أَحْجَى، فَصَبَرْتُ وَ فِي الْعَيْنِ قَذًى وَ فِي الْحَلْقِ شَجًى أَرَى تُرَاثِي نَهْباً الخ.

ويقول في الخطبة رقم ٥ من نهج البلاغة: وَ الله لَا بْنُ أَبِي طَالِبٍ آنَسُ بِالْمَوْتِ مِنَ الطِّفْلِ بِثَدْيِ أُمِّهِ!! من هذا الكلام والبيان نعرف مدى انضجاره من الوضع المؤسف .و لمـّا ضربه ابن ملجم الرمادي - لعنة الله – بصارمه و هو في محراب العبادة وفي حال الصلاة نادى: فزتُ وربِّ الكعبة!

٧٩٨

نعم بهذه الجملة القصيرة عبّر عن حقائق كثيرة، وبيَّنَ أنّه ارتاح من هموم وغمومٍ كانت متراكمة على قلبه الشريف، من جفاء قومٍ و ظلم آخرين وتحريف الدين وتغيير سنن سيد المرسلين!!

ارتاح من هموم وغموم تراكمت على فلبه المقدس من أعمال الناكثين، وجنايات القاسطين، وجرائم المارقين.

وكم تحمَّل من الأذى والظلم من الذين كانوا يدّعون صحبة رسول الله ومرافقته!!

وكم خالفوه وقاتلوه وسبّوه وشتموه ولعنوه على منابر الإسلام وفي مجاميع المسلمين!!

وأنتم أيها العلماء تعرفون كل ذلك، وتعلمون علم اليقين أنّ علياً كان نفس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بنصّ القرآن الحكيم وحديث الرسول الكريم حيث قال: « مَنْ آذى علياً فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومَنْ أحبَّ علياً فقد أحبّني، ومَنْ أحبّني فقد أحبّ الله، ومن سب علياً فقد سبّني، ومَنْ سَبَّني فقد سب الله». إنّ السلف سمعوا ذلك من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في حق عليّعليه‌السلام إلّا أنّهم أخفوه عن المسلمين وألبسوا عليهم الحقائق وأضلوهم عن سبيل الله وعن الصراط المستقيم!!

وقد آل الأمر اليوم إليكم، فأنْصِفوا واتقوا الله واليوم الآخر، ولا تتّبعوا الهوى واتركوا التعصّب لدين الآباء ومذهب السلف،( وَ لاَ تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَ تَکْتُمُوا الْحَقَّ وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) (١) ! فإنّ الناس من العامة ينظرون إليكم ويأخذون بأقوالكم فلا تسكنوا عن بيان الحقائق، انقلوا للناس ما رواه علماؤكم، وحدِّثوهم بما حدَّث أعلامكم وكتبوا في كتبهم في شأن الإمام عليعليه‌السلام وأهل بيته المظلومين!

____________________

١) سورة البقرة، الآية ٤٢.

٧٩٩

مَنْ آذى علياً فقد آذى الله

لقد بيَّن كثيرٌ من أعلام محدثيكم وكبار علمائكم، ورَووا بأسنادهم عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله في حق عليّعليه‌السلام أحاديث هامّة ولكنكم لا تذكرونها للعامّة، وتخفوها عنهم، والمفروض بيانها وإعلانها في الإذاعات وخطب الجمعات، وفي الاجتماعات الدينية والمناسبات الإسلامية.

روى أحمد بن حنبل في المسند بطرق عديدة، والثعلبي في تفسيره، وشيخ الإسلام الحمويني في فرائد السمطين، بأسنادهم عن رسولصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: « مَنْ آذى علياً فقد آذاني، أيها الناس! من آذى علياً بُعثَ يوم القيامة يهوديّاً أو نصرانيّاً ».

وروى ابن حجر المكي في الصواعق / الباب التاسع / الفصل الثاني / الحديث السادس عشر / عن سعد بن أبي وقاص عن رسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: من آذى علياً فقد آذاني.

رواه العلّامة الكنجي الشافعي أيضاً في كتابه كفاية الطالب / الباب الثامن والستون / مسنداً عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وذكرت حديثاً آخر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنقله لكم فان استماع حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عبادة.

روى أحمد بن حنبل في مسنده، والمير علي الهمداني الشافعي في مودّة القربى، والحافظ أبو نعيم في كتاب «ما نزل من القرآن في عليّ »، والخطيب الخوارزمي في المناقب والحاكم أبو القاسم الحسكاني عن الحاكم أبي عبد الله عن أحمد بن

٨٠٠