آلاء الرحمن في تفسير القرآن الجزء ٢

آلاء الرحمن في تفسير القرآن0%

آلاء الرحمن في تفسير القرآن مؤلف:
الناشر: مكتبة الوجداني - قم
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 152

آلاء الرحمن في تفسير القرآن

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: آية الله الشيخ محمد جواد البلاغي
الناشر: مكتبة الوجداني - قم
تصنيف: الصفحات: 152
المشاهدات: 53347
تحميل: 2700


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 152 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 53347 / تحميل: 2700
الحجم الحجم الحجم
آلاء الرحمن في تفسير القرآن

آلاء الرحمن في تفسير القرآن الجزء 2

مؤلف:
الناشر: مكتبة الوجداني - قم
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

عنها عوارض التلف مع أن فيها الأعيان المأكولة من اليتامى السابقين أو عهدة ضمانها. فيتلفها الله بمقاديره وله ما في السماوات والأرض. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية ما حاصله أن الذي يخاف على أيتامه الضيعة وأن يسيء إليهم من يلي أمرهم فليحسن إذن إلى أيتام الناس إذا وليهم ولا يأكل أموالهم - ومن الأحاديث - ما في الدّر المنثور مما أخرجه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس ان الآية في الرجل يسمع المريض يوصي بوصية تضر بورثته فأمره الله ان يرشد المريض ويسدده بالنظر إلى ورثته وما أخرجه ابن جرير وابن المنذر والبيهقي عن ابن عباس ما حاصله ان من حضر مريضا فلا يأمره بإنفاق ماله في العتق والصدقة بل ينظر لأيتام المريض كما ينظر لأيتام نفسه. ونحوه ما أخرجه ابن أبي حاتم أيضا عن ابن عباس - أقول - وان مفاد الآية الكريمة بالنظر إلى مفرداتها وجملتها وكرامة حجتها في تمثيلها المجيد لهو أعم مما ذكر. وملخص الكلام هو ان الغالب من نوع الإنسان من لا يزن الأمور الضارة بميزانها من القبح والمرجوحية ولا يرى وجوب تركها أو رجحانه إلّا إذا مسته بضررها أو تمثل له في مفكرته انه يبتلي بها وتمسه بضررها المزعج. فشاء الله بلطفه إصلاحه لشؤون عباده وتنبيههم وإرشادهم للخير وتحذيرهم من التعدي على أموال اليتامى. أو إهمال أمرهم. أو الإجحاف بهم. أو الحمل على الإجحاف بهم. أو السكوت عن ارشاد المجحف ونهيه. فاستلفت الله بحكمته الإنسان إلى انه ماذا يقول وما هو حاله وماذا يقدر من انتقام الله وغضبه إذا فرض في مفكرته انه ترك من بعده ذرية له ضعافا وأيتاما صغارا وهو يرى حالهم ومن يأكل أموالهم. أو يرى من يعين هذا الآكل على ظلمه. أو يرى من يقدر على منع الظالم ولا يمنعه. أو يرى من يقدر على ارشاد أيتامه وإصلاحهم فلا يفعل. أو يرى ضياع ذريته وتلف أموالهم حيث أهمل الوصية كما ينبغي أو حابى بالوصية من لا يثق به من اصدقائه أو أقربائه أو زوجته. أو يرى العاقبة حيث ان بعض الناس ورّطه في انفاق ماله في العتق والصدقة وترك أيتامه عالة يتكففون. أو يرى من سمع المنفق المعتق ولم يرشده إلى أن رسول الله نهى عن ذلك. اذن فالذين تستلفتهم الآية إلى تقدير ابتلائهم في أيتامهم بهذه الحوادث الكونية فيتألمون منها ويقدرون لها ما يقدرونه من الانتقام وسائر المحاذير. هؤلاء ليخشوا في أمثال هذه الأمور ومواردها وليخافوا من يجب ان يخشى وهو الله شديد الانتقام وليخشوا ما ينبغي ان يخشى من الانتقام

٢١

فَلْيَتَّقُوا اللهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (١٠)إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أموال الْيَتامى ظُلْماً إنّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ

____________________________________

ومحاذير المخالفة للحرمة والوجوب والآداب الشرعية في الوجوه المذكورة.( فَلْيَتَّقُوا اللهَ ) فيما نهاهم عنه أو أوجبه عليهم( وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً ) جاريا على الصلاح وآداب الشريعة فيما يحتاج إلى القول في اقامة الوصي الثقة العارف على أيتامهم. وفي مقام الإرشاد إلى المشروع وما هو الصالح وفي مقام ما يجدي من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في جميع هذه الشؤون. وان هذا البيان على طوله ليقصر عما تضمنته الآية الكريمة في تعليمها العام مما يفرضه الإنسان في مفكرته مما لا يرضاه من شؤون أيتامه ومن إهمال متعلق الخشية وايكاله إلى ما تقتضيه وجوه ما تفرضه المفكرة كما أشرنا إلى بعضها والله الهادي. وانّما جرى التعبير بكلمة «لو تركوا» لأن المقام مقام فرض وتقدير في المفكرة ليكون التعليم عاما لان الكثير من المأمورين بالخشية بتقدير هذا الفرض والتنبه به من لا يكون لهم ذرية ضعاف يتركونهم. والظاهر من كرامة تعليم الآية وعموم إرشادها ان المراد بالضعاف ما يعم المعتوهين الكبار والنساء الضعيفات و «الذين» في الآية فاعل «فليخش» و «خافوا» جواب «لو» وجملة «لو» صلة للذين ١٠( إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أموال الْيَتامى ظُلْماً ) لا بلحاظ اجرة عملهم وتقديرها أو باستقراض سائغ في مورده( إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً ) أي إنّما يأكلون في بطونهم شيئا يجرهم إلى النار. فالمأكول باعتبار هذه الغاية المهولة واستحقار سائر الغايات من الأكل بالنسبة إليها كأنه نار محضة. وبهذا الاعتبار جاء الحصر بكلمة «إنما» كما في قول حطان بن المعلى

وإنما أولادنا بيننا

أكبادنا تمشي على الأرض

فإنه لأجل شدة العلقة بين الآباء والأولاد وقوة المحبة حصر شؤون الأولاد في وجودهم بأنهم أكباد الآباء لأن الأكباد من أعز الأعضاء كما يقال الولد قطعة من الكبد وكما قالت الخنساء في وصف البقرة الفاقدة لعجلها

ترتع ما رتعت حتى إذا ادكرت

فإنما هي اقبال وادبار

وفي مرسلة الكافي عن محمد بن مسلم عن الباقر (ع) في الآية ان آكل مال اليتيم يجيء يوم القيامة والنار تلتهب في بطنه حتى يخرج لهبها من فيه يعرفه أهل الجمع بأنه آكل مال اليتيم

٢٢

ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً (١١)يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ

____________________________________

ونحوه ما في الدّر المنثور مما أخرجه ابن أبي شيبه وابو يعلي والطبراني وابن حبان في صحيحه وابن أبي حاتم عن أبي برزة عن رسول الله (ص). وفي تفسير القمّي عن الصادق (ع) قال قال رسول الله (ص) لما أسري بي إلى السماء رأيت قوما يقذف في أفواههم النار وتخرج من ادبارهم فقلت من هؤلاء يا جبرائيل فقال هؤلاء الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما. ونحوه ما في الدّر المنثور مما أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله (ص)( وَسَيَصْلَوْنَ ) يوم القيامة في جهنم( سَعِيراً ) صلى النار لزمها وقاسى حرها وإحراقها. وسعر النار واسعرها أو قدها وشعلها. والسعير بمعنى المسعور ويقال في المؤنث أيضا ككف خضيب ١١( يُوصِيكُمُ اللهُ ) يعهد إليكم ومرجع ذلك إلى معنى يشرع ويفرض( فِي ) ارث( أَوْلادِكُمْ ) منكم والولد يشمل من تولد من الإنسان ولو بواسطة أو وسائط. وعلى ذلك جاءت رواية حذيفة عن النبي (ص) سيد ولد آدم يوم القيامة محمد (ص). ورواية بريدة ان رسول الله (ص) رأى الحسنين يمشيان ويعثران فنزل عن المنبر وأخذهما ووضعهما بين يديه وقال صدق الله ورسوله إنّما أموالكم وأولادكم فتنة رأيت هذين فلم اصبر كما أخرجه ابن أبي شيبة واحمد وابو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وابو يعلي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم في مستدركه والبيهقي في السنن والضياء في المختارة. ورواية الترمذي عن واثلة عن رسول الله (ص) واصطفى من ولد إسماعيل بني كنانة. ورواية أمّ سَلَمة عن رسول الله (ص) المهدي من عترتي من ولد فاطمة (ع) كما أخرجه أحمد ومسلم وابو داود والنسائي وابن ماجه والبيهقي وغيرهم. ورواية حذيفة عنه (ص) المهدي من ولدي أخرجه الروباني والطبراني وابو نعيم السيوطي وصححه وغيرهم. ورواية أنس نحن ولد عبد المطلب سادات أهل الجنة انا وحمزة وعلي وجعفر والحسن والحسين كما أخرجه ابن ماجه وابو نعيم والحاكم والطبراني والديلمي والثعلبي وغيرهم. نعم قد تقتضي قرائن الحال والمقال ومناسبة الحكم ان يفهم منه الولد بلا واسطة وقد يقتضي بيان الطبقة في الولدية ان يقال هذا ولد ولدي لا ولدي فإن النفي إنّما هو لرتبة من رتب الولدية لا لماهية الولدية وقد يراد النص على العموم فيقال اولادي وأولاد اولادي. وقد اجمع المسلمون في هذا المقام وأمثاله على مقتضى الوضع اللغوي في ثبوت الحكم لمطلق الولد

٢٣

لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ

____________________________________

الولد وان نزل بل لعله اجماع على استعمال اللفظ في ذلك في القرآن على مقتضى وضعه كما صرح به جماعة من الإمامية ويكون الميزان في ارث الطبقات منهم ما تكرر في الآية السادسة من قوله تعالى( وَالْأَقْرَبُونَ ) وقوله تعالى في سورة الأنفال والأحزاب( أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ ) ( لِلذَّكَرِ ) من الأولاد في حال الاجتماع مع نوع الإناث في الطبقة( مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ) من الميراث. وقد سئل عن الحكمة في تفضيل الذكر بالحظ من الميراث على الأنثى فأجاب أئمة الهدى من أهل البيت عن ذلك بأن الرجال يعولون ويعطون مهرا وعليهم جهاد ونفقات ومعقلة في الديات والمرأة تكون عالة وتأخذ مهرا كما ذكر رواياته في تفسير البرهان عن الصادق والرضاعليهما‌السلام . ولعل هذا هو النكتة في ذكر القرآن لزيادة حظ الذكر لا نقص حظا لانثى فإن الإشارة إلى جهة فضل الفاضل احسن في التعليل وأطيب إلى قلب المفصول من الإشارة إلى جهة نقصه( فَإِنْ كُنَ ) الوارثات من النساء بجهة الولدية والأقربية( نِساءً ) ليس معهن من الأولاد في طبقتهن ذكر واحد أو متعدد( فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ ) الميت الموروث المدلول عليه بمجرى الكلام. وقد اجمع المسلمون عدا ما يحكى عن ابن عباس على ان حكم الاثنتين حكم الأكثر. وذكر الثلثان ليبقى المجال لهم من يتفق معهن في الميراث كالأبوين أو أحدهما أو الزوج أو الزوجة وليكون الثلثان ميزانا للرد مع الأب أو الام( وَإِنْ كانَتْ ) الوارثة من الأولاد بحسب الأقربية( واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ ) وذكر النصف ليبقى مجال لسهم من يتفق معها كالأبوين أو أحدهما أو الزوج أو الزوجة وليكون ميزانا للرد إذا كان معها الأبوان أو أحدهما( وَلِأَبَوَيْهِ ) أي ابوي الموروث. ولا يتعدى الحكم إلى الأجداد والجدات وان جاء في سورة الأعراف ٢٦( كَما أخرج أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ ) لأن المعنى الحقيقي للأب لا يعلم شموله للجد ولو فرض العلم لكانت التثنية قرينة على ان المراد هو ما لا يتعدى مصداقه الاثنين وهما الأبوان القريبان واما الأجداد والجدات فيكونون في الطبقة الاولى اربعة وكلما علت الطبقة تضاعفوا هذا مع الإجماع على عدم تعدي الحكم إلى الأجداد والجدات( لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ ) أي للموروث

٢٤

وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ

____________________________________

( وَلَدٌ ) وان نزل فإن الأمة مجمعة على ان ولد الولد وان نزل يرث مع الأبوين ويرد كلا منهما إلى السدس وشد خلاف الصدوق في الفقيه والمقنعة في ذلك( فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ ) وان نزل( وَوَرِثَهُ أَبَواهُ ) ممن يرث بالقرابة لأن سوق الكلام في الإرث من هذه الجهة( فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ ) من أصل المال الموروث كما في سائر الفرائض المذكورة في القرآن( فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ ) لأبويه أو لأبيه( فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ ) من أصل المال بإجماع المسلمين وعلى نهج سائر الفرائض والباقي للأب ما لم يزاحمه أحد الزوجين فيه. وقد اجمع المسلمون على كفاية الأخوين في الحجب للأم عن ثلثها عدا ما يروى عن ابن عباس من اشتراط الثلاثة. ومذهب الإمامية انه يكفي في هذا الحجب اربع أخوات أو أخ مع أختين وعلى ذلك حديثهم. واشترطوا ان لا يكون في العدد المعتبر في الحجب كافر ولا رق لإجماعهم على ذلك واطلاق أحاديثهم في ان الكافر والمملوك لا يحجبان. وان لا يكون فيهم قاتل للموروث لإجماعهم الذي لا يضر فيه ما يحكى من خلاف العماني والصدوق. وهؤلاء الاخوة لا يرثون وانّما يوفرون على الأب نصيبه وحكي عن ابن عباس توريثهم. ولا يخفى ان مذهب الامامية ان للأم مع الأب عند عدم الحاجبين المذكورين ثلث اصل المال من بعد الوصية والدين سواء ورث أحد الزوجين مع الأبوين أم لم يرث. وحجتهم على ذلك ظاهر القرآن في الثلث بظهور يقارب الصراحة بالنظر إلى نظائره من الفرائض وحياطة الظاهر بقوله تعالى في آخر الآية( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أو دَيْنٍ ) وصحاح أحاديثهم المتعاضدة المتناصرة عن رسول الله وامير المؤمنين والباقر والصادق (ع) ووافقهم على ذلك ابن عباس. وهو احدى روايتي الجمهور عن علي (ع) في رواية سعيد بن منصور والبيهقي في سننهما من طريق يحيى الجزار وحكاه ابن رشد في البداية عن شريح وابن سيرين وداود وجماعة. وذهب الأكثر من الجمهور إلى ان لها مع الزوج أو الزوجة ثلث ما يبقى بعد فرض أحدهما. ولهم في ذلك تشبثات مضطربة مدفوعة حلا ونقضا - التشبث الأول - ما في تفاسير الكشّاف والرازي وأبي السعود وغيرهم من انهم حصروا فرض الآية بصورة انحصار الإرث بالأبوين فحسب من غير مشاركة أحد الزوجين لقوله تعالى( وَوَرِثَهُ أَبَواهُ ) . وهذا

٢٥

مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أو دَيْنٍ

____________________________________

التشبث مدفوع أولا بما قدمناه من ان النظر في الآية إلى الإرث بالقرابة ولبيان ان المورد لحجب الاخوة عن ثلثها وردها إلى السدس إنّما هو في صورة اجتماع الأبوين في الوارثية دون ما يكون الأب فيه ممنوعا عن الإرث بأحد الموانع وللإشارة إلى كون الوارث يسبب حجب الاخوة هو الأب دونهم. وثانيا : بالنقض عليهم باتفاقهم معنا على ان سدس الأم مع حجب الأخوة هو فريضة لها من أصل المال حتى مع وجود أحد الزوجين فمن أين جاؤوا بذلك وبالحجب إذا كانت الآية ناظرة إلى صورة عدم الزوجين - التشبث الثاني - قياس الأم مع الأب على البنت مع الولد والأخت مع الأخ في أن للذكر مثل حظ الأنثيين. ويدفعه أولا بطلان أصل القياس وثانيا ان العامل به لا يجعله حاكما على ظاهر القرآن الكريم ولا السنة على ان القياس منتقض بأن الله قد ساوى بين الأب والأم في الفريضة مع الولد على انه قياس مع الفارق فإن تفضيل الذكر على الأنثى إنّما هو في الأولاد والاخوة والأخوات للأب أو للأبوين وقد صرح القرآن بعدمه في الاخوة للأم - الثالث - ما يروونه عن ابن مسعود من قوله في المقام لا أفضل اما على أب. وليت شعري ماذا يقال إذا اجتمع زوج أو زوجة مع عشرة اخوة ذكور من الأبوين مع اخت واحدة من الأم عند عدم الولد إلى غير ذلك من الأمثلة فهل يقال لا أفضل الأخت من الأم على الأخ من الأبوين - الرابع - تخصيص عموم الثلث في الآية بعموم قوله تعالى( لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ) كما ذكره الرازي ويدفعه أولا ما ذكرناه من ان المورد لتفضيل الذكر على الأنثى إنّما هم الأولاد في قوله تعالى( يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ ) والاخوة للأب أو للأبوين كما في آية الكلالة في آخر السورة وذلك في الإرث بالقرابة لا بالفرض فأين العموم للأب والأم. ولو سلمنا لكانت فريضة الثلث للام أخص كفريضة الاخوة من الام وحدها فكيف يقدم العام على الخاص وماذا الذي أخرج فريضة الام عن سائر الفرائض وجعلها بخصوصها هدفا لهذا العموم المزعوم. وهذه الفرائض والمواريث المذكورة تجري من أصل المال الموروث ولكنها( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها ) الميت الموروث( أَوْ دَيْنٍ ) عليه وقدم ذكر الوصية على الدين لأنها أكثر وقوعا من الدين ولبيان أهميتها بكونها حقا ثابتا في المال. فاحفظوا هذه الوصايا في الفرائض والمواريث ولا يثقل عليكم بحسب اهوائكم رجحان جانب أو نقصان جانب فإنكم بحسب طباعكم ومرتكزات نفوسكم إنّما ترجحون من

٢٦

آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنَ اللهِ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (١٢)وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أو دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أو دَيْنٍ وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أو امْرَأَةٌ

____________________________________

هو أقرب إليكم نفعا من جهات نفعكم وتنفرون ممن لا ينالكم منه نفع. وكم من شخص تحرصون على توريثه وتوفير فرضه ولو انكشف لكم الأمر لحرصتم على منعه فمهلا مهلا لا تستخفنكم النظرة الحمقاه فتثقل عليكم قسمة الله للمواريث واحكامه فيها فها هم( آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً ) مما هو نفع يرغب فيه العقلاء فعليكم بوصية الله وفرضه وأحكامه في المواريث على حسب حكمته( فَرِيضَةً ) الظاهر كما في التبيان انها حال من المواريث الموصى بها والمفروضة عموما وخصوصا في ضمن الآيات المتقدمة فتكون مؤكدة لتشريع المواريث( مِنَ اللهِ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً ) بالأمور ومنها ما هو الأصلح والأوفق بالحكمة في قسمة المواريث( حَكِيماً ) في كل شيء ومن ذلك أحكام المواريث ١٢( وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ ) وان نزل ذكرا كان أو أنثى( فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ ) أي جنس الولد منكم أو من غيركم( فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أو دَيْنٍ وَلَهُنَ ) وان كن أربعا( الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ ) مطلقا( فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ ) أي جنس الولد منهن أو من غيرهن( فَلَهُنَ ) وان كن أربعا( الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أو دَيْنٍ ) عليكم( وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أو امْرَأَةٌ ) «كان» تامة ورجل فاعل وجملة يورث صفة له أي يورث من حيث القرابة. عن الفرا الكلالة ما خلا الوالد والولد سموا كلالة لاستدارتهم بنسب الميت الأقرب فالأقرب من تكلله الشيء إذا استدار به فكل وارث ليس بوالد للميت ولا ولد فهو كلالة مورثة. وفي التبيان واصل الكلالة الاحاطة ومنه الإكليل لاحاطته بالرأس والكلالة لاحاطتها بأصل النسب الذي هو الولد والوالد. وفي الصحاح الكل أي بفتح الكاف من لا ولد له

٢٧

ولا والد يقال منه كل يكل الرجل كلالة والعرب تقول لم يرثه كلالة عن عرض بل قرب واستحقاق وقال بعضهم يسمى الوارث والموروث كلالة وأنشد له قول زياد بن زيد العذري: -

ولم ارث المجد التليد كلالة

ولم يأن مني فترة لعقيب

وفي الكشّاف وتطلق على القرابة من غير جهة الوالد والولد والكلالة في الأصل مصدر بمعنى الكلال وهو ذهاب القوة إنتهى وكلهم قالوا انها تطلق على من ليس بولد ولا والد وعلى هذا جاء الحديث ففي الكافي والتهذيب في الصحيح عن عبد الرحمن عن الصادق (ع) الكلالة ما لم يكن والد ولا ولد. ونحوهما روايتهما عن حمزة بن حمران عنه (ع) ورواية معاني الأخبار في الصحيح من مراسيل ابن أبي عمير عنه (ع) : وأخرج الحاكم في مستدركه عن أبي هريرة عن رسول الله (ص) في حديث والكلالة من لم يترك والدا ولا ولدا وفي الدّر المنثور أخرج أبو الشيخ في الفرائض عن البراء قال سئل رسول الله (ص) عن الكلالة فقال (ص) ما خلا الولد والوالد وذكر أيضا من اخرجوا نحو ذلك عن ابن عباس وعمر وعلي وابن مسعود وزيد بن ثابت. وقال بعضهم يسمى الوارث والموروث كلالة أقول ولا يأباه ما تقدم بل هو مقتضى إطلاقه. وهب ان الكلالة في الأصل مصدر لكنها صارت اسما منقولا لمن ذكر في الحديث وذكره اللغويون فكلمة «كلالة» حال من الضمير النائب عن الفاعل أي يورث حال كونه ليس بوالد ولا ولد لوارثه. وفي جعلها خبرا لكان الناقصة تعقيد في الكلام وفي جعلها حالا من الوارث المشار إليه في الكلام تكلف زائد في التقدير. نعم لو أبقينا لفظ الكلالة على معناه المصدري جاز أن يكون مفعولا لأجله ووجها للإرث ويجوز في هذا المعنى أن تكون تمييزا رافعا لإبهام الإرث في وجهه وفي المصدرية واحتماليها في الاعراب ضعف. والآية على كل تقدير تدل على اختصاص حكمها بما لم يكن للموروث وارث بالقرابة القوية الأصيلة من والد أو ولد لأنها مقيدة لحكمها بصورة كون الإرث عن كلالة لا يوجد معها والد ولا ولد وهو اجماع وقال مالك في الموطأ في ميراث الأخوة من الأم المجتمع عليه عندنا ان الأخوة للأم لا يرثون مع الولد ولا مع ولد الأبناء ذكرانا وإناثا ولا يرثون مع الأب ولا مع الجد أبي الأب شيئا. وذكر ابن رشد في بدايته عن أهل السنة نحو اجماع مالك. وقال مالك أيضا ما ملخصه ان الذي أدركت عليه أهل العلم ببلدنا ان الكلالة في هذه الآية هي التي لا ترث فيها الأخوة للأم حتى لا يكون والد ولا ولد. وهذا كله لقوله تعالى( وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ

٢٨

وَلَهُ أَخٌ أو أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أو دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ

____________________________________

كَلالَةً أو امْرَأَةٌ ) أقول والتقييد وحصر الإرث في الآية بجهة الكلالة من الأقارب في الآية جلي مضافا إلى انها لو كانت مطلقة على خلاف ظاهرها للزم فيها تخصيص الأكثر بإخراج من ذكر الإجماع على انهم لا يرثون مع الاربعة المذكورين وتخصيص الأكثر قبيح في الاستعمال فمن الغريب إذن حكم الجمهور بإرث الأخوة من الأم معها بفرض هذه الآية( أَوِ امْرَأَةٌ ) عطف على رجل ولها مثل حكمه الآتي( وَلَهُ ) أي الرجل فإن عنوان الجملة مسوق له( أَخٌ أو أُخْتٌ ) وقد اجمع المسلمون على ان المراد ومورد النزول هو الاخوة من الأم وحدها كما يشير إليه الجمع بين هذه الآية والآية الأخرى في الكلالة في آخر السورة( فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا ) مع اجتماعهما أو انفرادهما واجتماع الأخوين أو الأختين( السُّدُسُ ) من التركة( فَإِنْ كانُوا ) أي الاخوة المدلول عليهم بقوله تعالى( أَخٌ أو أُخْتٌ أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ ) أي من الاثنين( فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ ) على السواء لا يفضل حظ الذكر على حظ الأنثى. وذلك( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها ) ذلك الرجل أو الامرأة المعطوفة عليه( أَوْ دَيْنٍ ) حال كون الرجل ومثله المرأة المعطوفة عليه( غَيْرَ مُضَارٍّ ) للورثة بوصيته بأن تكون اكثر من الثلث. وجرى التعرض للإضرار بالوصية هنا لأن المقام مظنة له لأن ارث الكلالة وخصوص كلالة الأم يكثر ان يكون ثقيلا على الموروث. والحكم عام( وَصِيَّةٍ ) مصدر مؤكد منصوب بيوصيكم مقدرة وصرح بأنها( مِنَ اللهِ ) تأكيدا لعظيم شأنها والتحذير من مخالفتها( وَاللهُ عَلِيمٌ ) بمن يطيع ومن يعصي ويتعدى حدوده( حَلِيمٌ ) لا يعاجل بالعقوبة

وبمناسبة هذه الآيات الكريمة ينبغي هاهنا تفسير الآية المذكورة في آخر السورة وهي قوله تعالى( يَسْتَفْتُونَكَ ) يا رسول الله أي في الكلالة لدلالة ما يأتي( قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ ) في كتابه( فِي ) ميراث( الْكَلالَةِ ) وقد مر معناها وقد أجمع المسلمون على ان المراد منها غير ما تقدم ذكره من كلالة الأم وحدها( إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ ) أي جنس الولد وقد مرّ انه أعم من الذكر والأنثى وإن نزل. وجملة ليس له ولد صفة( وَلَهُ أُخْتٌ ) الجملة تصلح لأن تكون صفة

٢٩

معطوفة وحالية( فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ ) ذكر النصف ليبقى مجال لفريضة جنسي الزوجة والاخوة من الأم وحدها وقد أجمع المسلمون على عدم توريث الأخت مع الأبوين إن لم يكن للميت ولد وكان ابن عباس يتضجر من حكم بعض بأن الأخت تأخذ مع البنت ما بقي بنحو التعصيب ويقول أأنتم اعلم أم الله وعن ابن طاوس ان ابن عباس قال قال الله تعالى( إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ ) فقلتم أنتم لها النصف وإن كان له ولد كما رواه الحاكم على شرط البخاري ومسلم ورواه عبد الرزاق في جامعه( وَهُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ ) في صورة تكون هي الميتة وهو باق بعدها. واجمع المسلمون أيضا على عدم توريثه مع الأبوين. والمراد من قوله تعالى( يَرِثُها ) يرث منها وذلك لكثرة ما يتفق معه من وجود الزوج والأخوة من الأم فقد علق إرثه منها على عدم الولد وإن كان أنثى وإن نزلت كما سبق( فَإِنْ كانَتَا ) أي الأخوات( اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمَّا تَرَكَ ) وذكر الثلثان ليبقى مجال لفريضة الزوجة والأخوة من الأم( وَإِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالاً وَنِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ) وقد اجمع المسلمون أيضا على عدم توريثهم مع الأبوين ففي الآية إطلاقات متعددة أجمع المسلمون على عدم العمل بالكثير من مواردها مضافا إلى أن الآية لم تبين من احكام الكلالة حكم ما فوق الاثنتين من الأخوات ولا حكم الأخوين فما زاد من الذكور ولا حكم الاثنين من الأخت والأخ مع أن قوله تعالى( يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ ) حفظا لكم من( أَنْ تَضِلُّوا ) يدل على ان الله جلت حكمته ولطفه قد بين أمر الكلالة في كتابه المجيد بالبيان الحافظ من الضلال وذلك بنظم هذه الآية في القرآن مع آيات المواريث فينكشف بالنظر إلى الجميع وتدبره ان وجوه مطلقاتها مبينة وموضحة ببيان تلك المواضيع التي ذكرت أحكامها في الآيات الأخر ومبتنية على أساسياتها من كون الإرث للأقربين وان اولي الأرحام بعضهم أولى ببعض ومن ان الذي ليس له ولد إنّما يكون ارثه بسبب الرحم لأبويه وليس لغير الأبوين من الأرحام مقام في الإرث مع مقام الوالدية. وهذا هو السبب في الاقتصار بحسب حاجة البيان إلى اشتراط عدم وجود الولد في ارث الاخوة لأن الولد لم تذكر له فريضة ومقام إرث الغي فيه الاخوة. وقد تقدم الكلام في الآية العاشرة على مقام فريضة الأبوين مع الغاء الاخوة فيه. وغاية ما هنا انه روعيت عيلولة الأب بهم فوفر نصيبه مع الأم بهم - لا يقال ان تلك الآية لا تدل على الغاء الاخوة مع وجود الأبوين معا ولا على الغائهم مع الام وحدها - لأنا نقول ان

٣٠

القاعدة المستفادة من سير المواريث والمعقولة من إرث الأقارب هو انه إذا كان لقريب مقام ارث مع قريب آخر لا يحجبه عن هذا المقام وجود وارث ثالث بل غاية ما في وارثيته انه يزاحمهم فلا يكون وجود الأب مانعا عن مشاركة الاخوة للام لو كان لهم معها مقام ميراث كما توضح ذلك آيات الأقربين وأولي الأرحام - لا يقال ان عموم تلك الآيات معارض بإطلاق هذه الآية في ارث الاخوة مع عدم الولد - لأنا نقول ان عموم تلك كالمعلل بجهة الاقربية وأولوية الرحم بل هو معلل في الحقيقة ومآل سوقه فيقوى قوة لا يعارضه فيها إلّا النص وأما الذي في هذه الآية فهو اطلاق موهون بخروج الكثير من افراده في صور وجود الأب منفردا ومع الام مع ان الأخذ بالإطلاق لا يتجه إلّا مع عدم البيان وتلك العمومات مع قوتها وجهة تعليلها كافية في البيان الذي يقف امام الإطلاق. إذن فموضوع الإطلاق مختص بالصورة التي لا يوجد فيها من هو أقرب من الاخوة ويكشف عن ذلك انهم لا يرثون مع الأب المنفرد وهو في هذه الصورة ليس بذي فرض وانّما قدم على الاخوة بكونه أقرب وأولى منهم فكذا الام لعين العلة. واما مسألة الإرث معها بالتعصيب فسيأتي ان شاء الله بطلانه - لا يقال ان الإجماعات المتقدم ذكرها كافية في بيان الآية فيؤخذ بمطلقاتها في غير موارد الإجماع - لأنا نقول لا مناص في تدبر القرآن من استيضاح دلالة بعضه ببعض والنظر في وجوه الدلالة. مضافا إلى ان قوله تعالى في نفس الآية «يبين الله لكم ان تضلوا» يدل على ان الآية حين وحيها كانت محفوفة ببيان الله في كتابه الكريم بالدلالة على تقيد موضوعاتها على ما ذكرناه لا موكولة إلى صدفة اجماع المسلمين بعد حين. وهذا جلي بفضل الله وله الحمد وان بعثنا بعض ما يقال في الشبهات إلى هذا التطويل تمحيضا للحقيقة التي عليها اجماع الإمامية وحديثهم والله الموفق.

بقي الكلام فيما يرجع إلى ما في الآيات من عمومات المواريث وإطلاقاتها وفي ذلك أمور «الاول» ان الكافر لا يرث المسلم ولا يحجب وارثه وعلى ذلك اجماع المسلمين وحديثهم «الثاني» ان المسلم يرث الكافر وعليه اجماع أهل البيت والإمامية وحديثهم. وهو المحكي عن معاذ بن جبل ومعاوية وعبد الله بن دغفل من الصحابة وسعيد بن المسيب ومسروق ويحيى بن يعمر من التابعين وأخرج أحمد في مسنده بطريق صحيح عندهم والحاكم وصححه على شرط البخاري ومسلم ولم يتعقب في ذلك ان معاذ بن جبل أتي بميراث يهودي وله وارث

٣١

مسلم فقال سمعت رسول الله (ص) يقول الإسلام يزيد ولا ينقص فورثه. واخرج أبو داود في سننه نحو ذلك. وهو حديث معلل معتضد بالمعقول من ان الإسلام لا ينقص حظ المسلم في الدنيا والآخرة وبما أخرجه الروباني والدارقطني والبيهقي في سننه والضياء عن عائذ بن عمرو وصحح عن النبي (ص) الإسلام يعلو ولا يعلى عليه. وان حجب المسلم عن ميراثه بالكافرين علو على الإسلام. وبمثل قول الباقر (ع) في المقام ان الله لم يزد بالإسلام إلّا عزا فنحن نرثهم ولا يرثوننا كما رواه المشايخ الثلاثة في كتبهم ونحوه عن الصادق (ع). وعن الصادق (ع) انه قال في مثل المقام ان الإسلام لم يزده إلّا عزا في حقه. وفي حديث آخر لم يزده في ميراثه إلّا شدة. ويؤخذ هذا المعنى أيضا من قوله تعالى في السورة ٤٠( وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ) فإن حجب الكافر للمؤمن عن ميراثه سبيل عليه. وقد ذكر ابن رشد في البداية وغيره احتجاج الجمهور بهذه الآية لعدم ارث الكافر من المسلم. وليت شعري لماذا غفلوا عن دلالتها على عدم حجب الكافر للمسلم فإنها في الدلالة على ذلك أوضح وأظهر. وعن البيهقي في سننه عن إبراهيم قال قال علي (ع) المشرك لا يحجب ولا يرث. وعن إبراهيم أيضا كان علي (ع) لا يحجب باليهودي ولا النصراني ولا المملوك ولا يورثهم - ولو اسلم الكافر قبل قسمة الميراث شارك فيه ان كان مساويا وانفرد فيه ان كان اولى وعليه اجماع الإمامية وحديثهم ووافقهم على ذلك جملة من الجمهور منهم الحسن وقتادة. وفي بداية ابن رشد روي من حديث عطا ان رجلا اسلم على ميراث على عهد رسول الله (ص) قبل ان يقسم فأعطاه رسول الله نصيبه. واحتج الجمهور على مدعاهم بما أخرجه أحمد وأصحاب الجوامع الستة عن اسامة والحاكم عن جابر عن رسول الله (ص) لا يرث الكافر المسلم ولا المسلم الكافر. ويدفع هذا الاحتجاج أولا بكون الرواية مخالفة لنفي السبيل في الآية ولكون الإسلام يزيد ولا ينقص وانه يعلو ولا يعلى عليه. وثانيا بأن روايات الجوامع وإن وصفت بالصحة في اصطلاحهم لا تجدي شيئا في قبال الإجماع من أهل البيت واتباعهم الامامية وحديثهم. واحتجوا أيضا بما أخرجه أحمد وابو داود وابن ماجه عن ابن عمر عن النبي (ص) لا يتوارث أهل ملتين شيئا. ويدفعه إن مدلوله هو ان أهل الملتين لا يتبادلون الميراث بحيث يرث كل من أهل الملتين من أهل الملة الأخرى. ولا يدل على ان احدى الملتين كالإسلام لا يرث أهلها من الكافرين كما قال الباقر والصادق (ع) نرثهم ولا يرثوننا واحتجوا أيضا بما أخرجه أحمد واصحاب

٣٢

الجوامع ما عدا الترمذي عن اسامة من قول النبي (ص) وهل ترك لنا عقيل من رباع. زاعمين ان المقصود ان عقيلا ورث أبا طالب دون علي وجعفر. ويرده انه لا دلالة بوجه من الوجوه على ان عقيلا أخذ ذلك بحق الإرث المختص به في شريعة الإسلام فضلا عن ان النبي (ص) لما سئل عن منزله بمكة عام الفتح قال وهل ترك لنا عقيل رباعا وهذا يدل على ان بيع عقيل لرباعهم حتى رباع النبي (ص) وخديجة بل وحمزة وعبيدة إنّما كان من جلافة الشرك وعدوانه وخلو الجوله - الأمر الثالث - ان العبد لا يرث مع الحر وان بعد الحر نعم إذا انعتق قبل القسمة شارك أو انفرد كما ذكرناه في الكافر وعلى ذلك اجماع الإمامية وحديثهم. ولا يحضرني عاجلا قول الجمهور فيما إذا انعتق قبل القسمة - الرابع - ان ولد الزنا لا يرث ممن تولد منه بالزنا أبا كان أو أما ولا ممن يتقرب إليه بهما وهؤلاء لا يرثون منه وعليه اجماع الإمامية وذلك لأن الشارع قد قطع فوائد العلقة النسبية من الزنا بقوله (ص): الولد للفراش وللعاهر الحجر. وفي جامع الترمذي مسندا عن عمرو بن العاص عن رسول الله (ص) أيما رجل عاهر بحرة أو امة فالولد ولد زنا لا يرث ولا يورث. ولا وجه للتفريع بقوله (ص) فالولد ولد زنا إلّا التمهيد لبيان ان التولد من الزنا مانع من الإرث مطلقا. ويشهد له ما رواه الترمذي والحاكم عن واثلة قال قال رسول الله (ص) المرأة تحوز ثلاثة مواريث عتيقها ولقيطها وولدها الذي لاعنت عنه : حيث جعل لها ميراثه باعتبار ان ملاعنتها نفت جهة الزنا من جانبها كما عليه اجماع الإمامية وحديثهم. وحكى مالك في الموطأ عن عروة بن الزبير وسليمان بن يسار قولهما بأن ولد الزنا كولد الملاعنة في التوارث مع امه ومن يمت بها ثم قال مالك وعلى ذلك أدركت أهل العلم ببلدنا : أقول وهو غريب لا يلتئم مع ما ذكرناه من الأحاديث - الأمر الخامس - ان القاتل عمدا ظلما لا يرث من مقتوله وعليه اجماع الإمامية وحديثهم عن رسول الله (ص) وعن الباقر والصادق (ع) وذهب إلى ذلك أيضا جل الجمهور لما رواه الترمذي وابو داود عن ابن عمر والبيهقي عن ابن عباس عن رسول الله (ص) : فإن قتله بحق لم يمنع من ارثه وعليه اجماع الإمامية وروايتهم عن الباقر (ع) في قتال أهل البغي. والمشهور عند الإمامية رواية وفتوى انه يرث في قتل الخطأ لكن المشهور انه لا يرث من الدية ووافقهم في الأمرين مالك وأصحابه - الأمر السادس - ان آيات الأقربين واولي الأرحام وعمومها القوي المؤكد تقتضي ان يرد الفاضل من الفرائض على الأقرب من الأرحام ويكون الرد على نسبة سهامهم فإذا اجتمع

٣٣

الأب والبنت رد ربع الفاضل على الأب وثلاثة أرباعه على البنت. وعلى هذا القياس وعليه أهل البيت وحديثهم واجماع الإمامية اتباعهم. وذهب الجمهور إلى التعصيب ورووه عن امير المؤمنين في بعض الموارد لكن روايتهم مع ضعفها وتعارضها مردودة بما صح في رواياتنا عن الأئمة من خلاف ذلك. والرواية عن ابن مسعود متعارضة ويكثر فيما يروى عنه من مسائل التعصيب العمل على خلافه. احتج الجمهور للتعصيب بوجوه منها المفهوم من تحديد الفرائض بالنصف والثلث ونحو ذلك وهو يقتضي بأن نصيب ذي الفرض ينحصر بمقدار فرضه فلا يرث اكثر من ذلك - ويدفعه أولا انه لا مفهوم مع احتمال فائدة غير فضلا عن تحققها ويكفي من الفائدة إبقاء مجال للفرائض الأخر التي تجمع مع الفريضة الخاصة ولان يكون عنوان الفريضة في الأرحام ميزانا للرد عليهم - وثانيا - اجماع المسلمين على عدم المفهوم كما إذا كان الوارث أبا مع بنت أو بنتين واكثر فإن الشيعة يزيدون على سدس الأب بالرد ، والجمهور يزيدون عليه بالتعصيب. أو كان الوارث زوج هو ابن عم فإن الشيعة يزيدون نصفه بالقرابة والجمهور يزيدونه بالتعصيب أو كان أخا من الأم وابن عم فإن الشيعة يزيدون سدسه بالقرابة والجمهور يزيدونه بالتعصيب ، أو كان الاخوة من الأم أكثر من اثنين وهم أبناء عم فإن الشيعة يزيدون ثلثهم بالقرابة والجمهور بالتعصيب وان فقهاء العراق من الجمهور ومنهم أبو حنيفة واحمد بل والشافعي إذا لم ينتظم بيت المال وافقونا على الرد على ذوي الفرائض من الأرحام إذا لم يكن معهم عاصب وحكاه الترمذي في جامعه عن اكثر أهل العلم وهو المروي عن الصحابة عدا زيد بن ثابت. فينتفي المفهوم بالمرة لأنه ليس بلفظ له عنوان مدلول عليه لكي يقبل التخصيص والتقييد في بعض مصاديقه. بل هو لازم يتبع كون الفريضة حاصرة بمضمونها فإن ثبت ولو في مورد واحد انها في استعمالها غير حاصرة سقط المفهوم بالمرة وقد ثبت انها غير حاصرة - وثالثا - قد ثبت بإجماع المسلمين واهل المحاورات على العمل بالدليل اللفظي وان كان عموما أو إطلاقا دون المفهوم. ومن ذلك ان الشيعة يعملون بآيات الأقربين واولي الأرحام في الرد مطلقا وكذا جمهور الصحابة وفقهاء العراق بل والشافعي كما ذكرنا في الرداذا لم يوجد عاصب. والجمهور بأجمعهم يعملون بعموم ما يرويه ابن طاوس في التعصيب فيزيدون على الفرض كما ذكرناه في مثالي الأب والزوج الذي هو ابن عم - ومن الوجوه - حديثهم في ان معاذ بن جبل قضى في اليمن بأن نصف التركة للبنت ونصفها الآخر للأخت.

٣٤

ويدفعه أولا انه اجتهاد من معاذ في اليمن لا حجة فيه وثانيا انه مردود بمخالفته للقرآن الكريم لأن آية الكلالة المذكورة في آخر السورة قد اشترطت في ارث الأخت ان لا يكون لأخيها ولد والبنت ولد بالإجماع وقد سمعت تضجر ابن عباس من هذه الفتيا. وبمخالفة القرآن يعرف الكلام فيما يروى عن ابن مسعود في ابنة وابنة ابن واخت من ان رسول الله (ص) قضى بأن للبنت النصف ولبنت الابن السدس وما بقي للأخت كما أخرجه عبد الرزاق في جامعه والحاكم في مستدركه. وفي بداية ابن رشد ذهب داود الظاهري وطائفة إلى ان الأخت لا ترث مع البنت شيئا - ومنها - ان رسول الله (ص) قضى بأن لزوجة سعد بن الربيع الثمن ولبنتيه الثلثين والباقي لأخيه. ومما يرد به هذا الاحتجاج ان الرواية قد انفرد بها عن جابر عبد الله بن محمد بن عقيل وان جماعة من أهل العلم لا يقبلون روايته كما ذكره ابن رشد في بدايته. والذي تساهل في امره قال في حديثه لين وقد تغير في آخر عمره كما في التقريب مضافا إلى اضطراب الرواية ففي سنن ابن داود من رواية بشير بن المفضل عن عبد الله المذكور روايتها في بني ثابت بن قيس وانه قتل يوم أحد وقال أبو داود ان ثابتا قتل يوم اليمامة - ومنها - ما تفرد به عبد الله بن طاوس عن أبيه عن ابن عباس عن رسول الله (ص) الحقوا الفرائض بأهلها فما أبقت فلأول رجل ذكر. هكذا رواية الجوامع. ويرد هذا الاحتجاج - أولا - وهن متنه فانه لا يليق التعبير برجل ذكر ولا يصدر إلّا في كلام عي لا يحسن كيف يتكلم فكيف تجوز على رسول الله (ص) مضافا إلى عدم عملهم على ظاهره فإنهم يورثون الأولى وان كان طفلا في يوم ولادته فإن قالوا أريد بهذا الحديث من لفظ الرجل ما يشمل الطفل المذكور فقد زادوا متنه بهذه الدعوى المجردة وهنا على وهن ورده إلى الكلام الساقط. وان قالوا ان من لم يبلغ مبلغ الرجال غير مراد من هذا الحديث ولكن مساواتهم للرجل هو حكم الله. قيل لهم أولا من اين علمتم هذه المساواة. وثانيا انكم رددتم الحديث إلى القصور والمعاياة الواهنة فإن المقام مقام بيان وتحديد. وقد خالفوا أيضا مضمونه في حكمهم بأن الإناث يعصبن مع إخوتهن وبذلك يزيدون الحديث في المعاياة والقصور في البيان - وثالثا - وهن سنده فقد روى الشيخ الطوسي في تهذيبه(١) عن أبي طالب الأنباري عن محمد بن أحمد الترمذي عن بشير بن

__________________

(١) سماعا واجازة من أحمد بن عبد الواحد المعروف بابن عبدون وابن الحاشر سنة ثلاث وعشرين واربعمائة وكانت وفاة الأنباري سنة ست وخمسين وثلاثمائة

٣٥

هارون عن الحميري عن سفيان عن أبي اسحق عن قارية بن مضرب قال جلست إلى ابن عباس وهو بمكة فقلت له حديث يرويه أهل العراق عنك وطاوس مولاك ان ما أبقت الفرائض فلأولى عصبة ذكر. قال أمن أهل العراق أنت قلت نعم قال ابلغ من وراءك - ما قلت هذا ولا طاوس يرويه عليّ قال قارية فلقيت طاوسا فقال لا والله ما رويت هذا على ابن عباس وانّما الشيطان ألقاه على ألسنتهم. قال سفيان أراه من قبل ابنه عبد الله بن طاوس فإنه كان على خاتم سليمان بن عبد الملك وكان يحمل على هؤلاء حملا شديدا يعني بني هاشم - ورابعا - يكفي في سقوط هذا الحديث وقيام الحجّة على بطلان التعصيب ما رواه في التهذيب في المعتبر عن الصادق (ع) ان رجلا مات على عهد رسول الله (ص) وكان يبيع التمر فأخذ عمه التمر وكان له بنات فأتت امرأته النبي (ص) فأعلمته بذلك فأخذ النبي (ص) التمر من العم ودفعه إلى البنات. وفي الكافي والتهذيب في المعتبر عن الكاظم (ع) في رجل ترك امه وأخاه قال يا شيخ تريد على الكتاب قال نعم قال (ع) كان علي يعطي المال الأقرب فالأقرب قلت فالأخ لا يرث شيئا قال (ع) قد أخبرتك ان عليا (ع) كان يعطي المال الأقرب فالأقرب. يعني ان عليا كان يجري على مقتضى الكتاب في آيات الأقربين واولي الأرحام ولا يقيم لمسألة التعصيب وزنا. وفيهما في الصحيح عن الصادق المال للأقرب والعصبة في فيه التراب. وفي العيون بسنده عن الفضل بن شاذان عن الرضا (ع) في حديث ولا يرث مع الولد والوالدين إلّا الزوج والمرأة وذو السهم أحق ممن لا سهم له وليست العصبة من دين الله. وفي الفقيه في الصحيح عن الباقر (ع) لا والله ما ورث رسول الله العباس ولا علي ولا ورثه إلّا فاطمة ثم قال (ع)( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ ) . وفي الكافي والفقيه وبضائر الدرجات والتهذيب في الصحيح عن الباقر (ع) ورث علي علم رسول الله وورثت فاطمة تركته. وفي بصائر الدرجات في الصحيح عن الصادق مثله. إلى غير ذلك مما هو صحيح الرواية عن الأئمة العترة أهل البيت (ع) - ولو تنزلنا وفرضنا التعارض والتكافؤ بين هذه الروايات وبين روايات التعصيب لكان المرجع كتاب الله في آيات الأقربين واولي الأرحام ودعوى ان آيتي أولي الأرحام لا دخل لهما في الميراث ساقطة وذلك لعمومها وما دل من الحديث وعمل الصحابة واهل العلم واهل البيت في نزولهما في شأن الميراث وعملهم عليهما في ذلك كما تقدم. على انه يكفينا في الانتصار آية الأقربين المؤكدة بالتكرار.

٣٦

-الأمر السابع - وعز عليّ ان أذكره. لكن اصحاب الجوامع والمسند وابن جرير وغيرهم من الجمهور تعرضوا له بما لا يخلو من النقد التاريخي وتعرض له الرازي والألوسي وصاحب المنار في تفاسيرهم بما لا يخلو من النقد العلمي والتاريخي وقد ذكروه بنحو يوجه اللوم على الزهراء (ع) وعلي (ع) وانهما لم يقتنعا بالرواية عن رسول الله (ص) بل أصرا بحنق وشدة على المطالبة به على خلاف المأمول بمقامهما العظيم في الكرامة والدين والمحافظة على الشريعة. ولو لا ذلك لكان ترك التعرض منا له أولى واهدأ للخواطر. ولكن لا بأس بالنقد التاريخي النزيه وتمحيص الروايات والأقوال في هذا المقام. وأمر الحقيقة موكول إلى الله وعلمه. وحاصله ان آيات( الْأَقْرَبِينَ ) و( أُولُوا الْأَرْحامِ ) و( يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ ) تقتضي ان تركة رسول الله (ص) يرثها وارثه وهي ابنته وبضعته فاطمة (ع). ولكن ذكر التاريخ المؤلم في ذلك نزاعا احتدمت ناره مدة من السنين بين أهل البيت والعباس من جانب وبين المعاريف من مشايخ الصحابة من جانب آخر. وكثر من ذلك في المروي ما لا يهون وقوعه إذ يروى انه استمرت شكاية أهل البيت (ع) ومنازعتهم في ذلك إلى زمن عثمان ورأوا بعد ذلك ان السكوت أولى. وقد جاء في تأريخ ذلك من كتب الجمهور عن الصحابة أحاديث - الاول - في كتاب الجهاد من جامعي البخاري ومسلم من طريق عقيل عن الزهري عن عروة عن عائشة ان فاطمة (ع) بنت رسول الله (ص) أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مما أفاء الله عليه بالمدينة(١) وفدك وما بقي من خمس خيبر فقال أبو بكر قال رسول الله لا نورّث ما تركنا صدقة إنّما يأكل آل محمد من هذا المال واني والله لا أغير شيئا من صدقة رسول الله ولأعملن به بما عمل به رسول الله (ص) فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة شيئا فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك. فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت وعاشت بعد رسول الله ستة أشهر : وروى نحوه مسلم أيضا في جامعه وابن جرير في تاريخه من طريق عبد الرزاق عن الزهري عن عروة عن عائشة. لكن ذكرا في أوله ان فاطمة والعباس أتيا أبا بكر يلتمسان ميراثهما من رسول الله (ص) وهما يطلبان ارضه من فدك وسهمه من خيبر. ونحوه في كتاب الفرائض من جامع البخاري من طريق معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة إلى قولها فهجرته حتى ماتت : وروى مسلم أيضا من طريق صالح عن الزهري عن عائشة ان فاطمة سألت أبا بكر ان يقسم

__________________

(١) من أموال بني النضير حيث انجلوا عنها وبقيت فيئا لرسول الله (ص)

٣٧

لها ميراثها مما ترك رسول الله مما أفاء الله عليه فقال أبو بكر ان رسول الله (ص) قال : لا نورّث ما تركناه صدقة وعاشت بعد رسول الله (ص) ستة أشهر وكانت فاطمة تسأل أبا بكر نصيبها مما ترك رسول الله فأبى أبو بكر - وفي الحديث واما صدقته بالمدينة فدفعها عمر إلى علي والعباس - واما خيبر وفدك فأمسكهما عمر وقال هما صدقة رسول الله كانت لحقوقه التي تعروه ونوائبه وأمرهما إلى من ولي الأمر - الحديث الثاني - روى مسلم في كتاب الجهاد من طريق مالك عن الزهري عن مالك بن أوس ما ملخصه ان عليا والعباس جاءا إلى عمر يختصمان فقال عمر لعبد الرحمن وعثمان والزبير وسعد أنشدكم الله أتعلمون ان رسول الله قال لا نورّث ما تركنا صدقة فقالوا نعم ثم ناشد عليا والعباس مثل ذلك فقالا نعم - إلى أن قال عمر فبقي هذا المال فكان رسول الله (ص) يأخذ منه نفقة سنة ثم يجعل ما بقي أسوة المال فلما توفي رسول الله (ص) قال أبو بكر أنا ولي رسول الله فجئتما تطلب ميراثك من ابن أخيك ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها فقال أبو بكر قال رسول الله ما نورث ما تركناه صدقة فرأيتماه كاذبا آثما غادرا خائنا ثم توفي أبو بكر وأنا ولي رسول الله (ص) وولي أبي بكر فرأيتماني كاذبا آثما غادرا خائنا. الحديث ورواه البخاري أيضا في كتاب الفرائض من طريق عقيل عن الزهري عن مالك بن أوس من دون قول عمر فرأيتماه - فرأيتماني كاذبا آثما إلى آخره. ورواه أبو داود في سننه بنحو رواية البخاري - الحديث الثالث - أخرج أبو داود في سننه عن أبي الطفيل قال جاءت فاطمة إلى أبي بكر تطلب ميراثها من النبي (ص) فقال أبو بكر سمعت رسول الله (ص) يقول ان الله إذا أطعم نبيا طعمة فهي للذي يقوم من بعده. وروى نحوه أحمد في مسند أبي بكر عن أبي الطفيل. ونقله في كنز العمال عن ابن جرير والبيهقي.

وهلم العجب في هذه المشكلة وما جرى في تاريخها من وجوه - الاول - لا يخفى ان فاطمة (ع) قد صح بين المسلمين بل تواتر انها سيدة نساء العالمين. كما أشرنا إليه في الجزء الاول ص ٢٨٢ وانها وعليا من العترة أهل البيت الذين هم ككتاب الله في انهما لا يضل من تمسك بهما ولن يفترقا ص ٤٣ - ٤٥ ومن الكلمات التي تاب الله بها على آدم ص ٨٧ ومن أمر الله رسوله أن يباهل بهم ويستعين بدعائهم ص ٢٩٠ ومن أهل البيت الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا كما سيأتي بيانه إن شاء الله وان عليا امير المؤمنين ص ١١٢ وسيأتي إن شاء الله تأكيده ونفس رسول الله في وحي الله وحديث الرسول ص ٢٩٠ - ٢٩٤ وانه

٣٨

يقاتل على تأويل القرآن كما قاتل رسول الله على تنزيله كما مر ذلك في هذه المعدودات من صفحات الجزء الأول وباب مدينة العلم. ومع الحق. وأقضى الأمة. وولي المسلمين. وغير ذلك مما سيأتي ذكره إن شاء الله ، إذن فكيف تصر فاطمة مدة حياتها ويصر امير المؤمنين إلى ايام عمر على المطالبة بإرث رسول الله. إلّا تقول كيف يصران على ذلك مع ان أبا بكر يروي حديثا في ذلك عن رسول الله (ص). وهل يكون ذلك إلّا لأنهما يعلمان ان احتجاج أبي بكر لا يجدي شيئا. هب انهما يعلمان ذلك ويريان ان احتجاجه غير جار على الأصول الشرعية من حيث انه هو المدعي في هذه الخصومة وهو الذي استولى على الأموال ولم يتركها على مجراها الشرعي في الخصومات بل كان عليه أن يقف مع الزهراء للمحاكمة عند من سمع من رسول الله ما يسقط دعوى الزهراء فتجري الأمور على ميزان الدعاوي والحقوق في الشريعة. لكن هذا كله لا يوجب أن تهجر فاطمة أبا بكر حتى توفيت. ولا أن يقول عمر لعلي انه رأى أبا بكر آثما كاذبا خائنا غادرا ورأى عمر كذلك. بل كان على علي وفاطمة ان يريا ان من الجائز ان يكون أبو بكر سمع من رسول الله ما رواه وإن لم تجر الخصومة على وجهها فلا تهجره فاطمة مدة حياتها ولا يختلج في اعتقاد علي ما ذكره عمر في شأن أبي بكر وشأنه. إذن فمقام علي وفاطمة والتزامهما بالشريعة يقضي بأنهما كانا بحسب ما يعلمانه من القرآن ورسول الله لا يجدان إلى تجويز الصحة في منع أبي بكر وروايته سبيلا. وقد روى في كتاب بلاغات النساء(١) من طريقين ان فاطمة احتجت على رد حديث لا نورث ما تركناه صدقة بآيتي( وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ ) ودعاء زكريا لولد الوارث كما سنذكره إن شاء الله مع ان الاعتبار يساعد على ان أهل البيت أولى بسماع هذا الحديث من رسول الله على وجه يذعنون بأن رسول الله لا يرث ماله وارثه بنحو يلتئم مع آيتي وراثة سليمان ويحيى من أبويهما النبيين. بل هم أولى بأن يخبرهم رسول الله (ص) بذلك جريا على قوله تعالى وأنذر عشيرتك الأقربين. لئلا تقع منهم بعده

__________________

(١) صفحة ٢١ و ٢٢ من المطبوع بمصر سنة ١٣٢٦ ومؤلفه أبو الفضل أحمد بن أبي طاهر المولود ببغداد سنة ٢٠٤ والمتوفى سنة ٢٨٠ ويوجد في صفحة ١٦ «قال أبو الفضل ذكرت لأبي الحسين زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع)» وهذا غلط من النساخ أو الطبع لأن الذي عاصره ويروي عنه هو زيد بن علي بن الحسين بن زيد بن علي المذكور كما يشهد لذلك ما في صفحة ١٦٧ من الكتاب وفي تقريب ابن حجر انه مقبول من الحادية عشرة.

٣٩

هذه الدعوى بغير الحق والتي تثير الخلاف بين خواص الأمة. بل الحديث يدل على ان نساء النبي (ص) لا علم لهن بذلك وأردن ان يبعثن عثمان رسولا إلى أبي بكر للمطالبة بإرثهن من النبي (ص) فمنعتهن عائشة برواية أبيها لا نورّث كما أخرجه البخاري في كتاب الفرائض ومسلم في كتاب الجهاد عن عائشة. بل أخرج البخاري في كتاب المغازي بعد حديث مالك ابن أوس عن عائشة أرسل ازواج النبي (ص) عثمان إلى أبي بكر يسألنه ثمنهن الحديث وهذا يدل على ان عثمان أيضا لا يدري بحديث لا نورث وإلا لذكره لهن ولم يقبل رسالتهن. وروى أبو داود في كتاب الخراج حديث نساء النبي أيضا وفيه من رواية عائشة عن قول النبي لا نورث ما تركناه صدقة وانّما هذا المال لآل محمد لنائبتهم ولضيفهم فإذا مت فهو إلى من ولي الأمر من بعدي - الوجه الثاني - ان الذي يروى من الجواب لفاطمة وعلي في منع الإرث إنّما هي كلمات متدافعة متنافرة. وكل منها لا يصلح جوابا ولنذكر في ذلك أمور - الأول - ان أبا بكر بحسب ما ذكرناه من المروي هو الخصم في هذه المنازعة ومدعي الصدقة والولاية عليها بالانحاء التي تقدمت في الأحاديث. وليس من شريعة القضاء ان يكون الخصم هو القاضي والحاكم لنفسه وولايته ومنفعته لرواية ينفرد بها مع التدافع والاضطراب المروي فيها. مع ان القرآن الكريم على خلافها - الثاني - ان انفراده بالرواية هو المعروف وجرى عليه علماء الأصول من أهل السنة حيث استدلوا بالعمل بتخصيص الكتاب المجيد بهذه الرواية مع انفراد أبي بكر بها. واخرج أحمد في مسند أبي بكر في حديث ان عمر قال لعلي والعباس حدثني أبو بكر وحلف انه لصادق انه سمع النبي يقول ان النبي لا يورث وانّما ميراثه في فقراء المسلمين والمساكين. ولو كان عمر وغيره يعلم بذلك من النبي (ص) لما احتاج أبو بكر إلى ان يحلف لعمر انه لصادق وقد روى عن عائشة انفراد أبي بكر بذلك. وعدته من فضائله. ففي صواعق ابن حجر وكنز العمال ومختصره في فضائل أبي بكر انه أخرج أبو القاسم البغوي وابو بكر في الغيلانيات وابن عساكر عن عائشة في حديث ان الناس اختلفوا في ميراث رسول الله فما وجدوا عند أحد من ذلك علما فقال أبو بكر سمعت رسول الله (ص) يقول «انا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة «لا يقال» ان رواية مالك بن أوس المتقدمة ناطقة بأن عمر ناشد عليا والعباس بالله انهما هل يعلمان ان رسول الله قال لا نورث ما تركناه صدقة فقالا اللهم نعم «لأنا نقول» ان لم يعرف ما لأمير المؤمنين من المقام السامي في العصمة فإنه لا يجهل

٤٠