آلاء الرحمن في تفسير القرآن الجزء ٢

آلاء الرحمن في تفسير القرآن0%

آلاء الرحمن في تفسير القرآن مؤلف:
الناشر: مكتبة الوجداني - قم
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 152

آلاء الرحمن في تفسير القرآن

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: آية الله الشيخ محمد جواد البلاغي
الناشر: مكتبة الوجداني - قم
تصنيف: الصفحات: 152
المشاهدات: 52624
تحميل: 2552


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 152 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 52624 / تحميل: 2552
الحجم الحجم الحجم
آلاء الرحمن في تفسير القرآن

آلاء الرحمن في تفسير القرآن الجزء 2

مؤلف:
الناشر: مكتبة الوجداني - قم
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (٢١)وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إلى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (٢٢) وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ

____________________________________

الكثير مما أعطيتها من مالي صداقا. وقد مر تفسير القنطار في الجزء الأول ص ٢٦٢( فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ ) انكار على أخذهم لذلك الشيء من المهر أو بدله( بُهْتاناً ) الذي رأيته في التفاسير هو تفسير البهتان بالكذب الذي يواجه به على سبيل المكابرة. وتكلفوا في تفسير الآية حتى ان الرازي قال وروي ان الرجل منهم إذا مال إلى التزوج بامرأة أخرى رمى امرأته بالفاحشة بهتانا حتى يلجئها إلى الافتداء منه فجعل من ذلك تفسير الآية وتبعه على ذلك أبو السعود وصاحب المنار في تفسيره لكني لم أجد أثرا لما اعتمدوا عليه من الحكاية. وأيسر المتكلفين تكلفا من قال أي ظلما كالظلم بالبهتان أو بطلانا كبطلان البهتان وقال بعضهم مباهتين وآثمين ولكنهم غفلوا مع التكلف عن ان وصف الإثم بالمبين يأبى ما ذكروه من قولهم آثمين لكن في التبيان ومجمع البيان والكشاف ولسان العرب وعن أبي إسحاق وفي النهاية والمصباح ان البهتان مأخوذ من البهت وهو التحير وأن أصله ذلك وقال بعض من ذكرناهم ان الألف والنون زائدتان وعليه تكون تسمية الكذب بالمواجهة والمكابرة بهتانا لأجل تحييره اذن فالأولى في التفسير ان يكون المعنى أتأخذونه تحييرا للمرأة لأنها لا تسمح في هذا المقام إلّا لحيرتها في أمرها مع هذا الزوج( وَإِثْماً مُبِيناً ) وموضحا لكونه آثما فيكون من نحو قتله ظلما وعدوانا مبينا لعدوانيته. وبذلك تعرف الخطأ ممن فسر بقوله مباهتين وآثمين ٢١( وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ ) وهو مهر بإزاء الزوجية والدخول( وَ ) الحال( قَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إلى بَعْضٍ ) يقال افضى إليه بسره وفي القاموس افضى إلى الأرض بيده إذا مسها في سجوده. والمحصل من موارد الاستعمال ان الإفضاء هو الاتصال بركون ونحو ملابسته وهو كناية عن الحالات التي تكون بين الزوجين من حيث ارتباط الزوجية وتمتعها ورفع الحشمة. والآية جارية على الغالب من الدخول فلا تنافي ثبوت المهر كله بمجرد الخلوة لو ثبت من السنة ذلك. وهذه الآية لا دخل لها بآية الخلع التي مرت في سورة البقرة لأن الكراهة في الخلع من المرأة ومورد هذه الآية ارادة الزوج للاستبدال وتحييره للمرأة فدعوى نسخ أحدهما للأخرى من الوهم( وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً ) بعقد الزواج على السنة واحكام الشريعة في استحقاق المهر والمعاشرة بالمعروف وغير ذلك ٢٢( وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ ) وان علوا من ناحية الأب

٦١

مِنَ النِّساءِ إلّا ما قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ

____________________________________

او الأم لصدق اسم الأب ومنه قوله تعالى في سورة الأعراف ٢٦( كَما أخرج أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ ) وفي سورتي الصافات ١٦ والواقعة ٤٧( أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ ) وشواهده في الشعر والنثر كثيرة. وانّما خص في المواريث بالأب الأدنى لمقام التثنية مع الأم في قوله تعالى( وَلِأَبَوَيْهِ ) ولو أريد ما يشمل الجد لقيل «ولآبائه» إذ يمكن ان يجتمع له بهذا المعنى آباء وأمهات متعددون في طبقة واحدة كجديه وجدتيه من ناحيتي أبيه وأمه ويزيد عددهم في الطبقة الأخرى وعلى ذلك يبتني الإجماع في المواريث على الاختصاص بالأب الأدنى. والنكاح على المشهور المعروف وهو علقة الزواج ويقال أيضا على سببها وهو العقد المبيح للوطء دخل العاقد أو لم يدخل وعلى ذلك اتفاق المسلمين في المسألة كما ورد عليه من الحديث صحيحة الكافي عن الباقر (ع) في شأن الكندية والعامرية اللتين تزوجهما رسول الله وطلقهما قبل الدخول. وفي الدّر المنثور مما أخرجه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في الآية يقول كل امرأة تزوجها أبوك دخل بها أو لم يدخل فهي عليك حرام. ويكون التحريم لموطوءة الأب بملك اليمين مستفادا مما يدل عليه من السنة والإجماع. والظاهر ان «ما» موصولة كناية عن القسم أو النوع ان لا تنكحوا مصاديق هذا القسم( مِنَ النِّساءِ ) مثل قوله تعالى( أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ) .( أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ ) .( وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ إلّا ما قَدْ سَلَفَ ) وقد ذكر لهذا الاستثناء وجوه أوجهها وأظهرها انه لما كان النهي لا يتناول إلّا العلقة المتجددة في المستقبل فيقضي بفسادها وفساد سببها ولا يتناول العلقة الموجودة بسببها الكائن قبل النهي أراد الله ان يبين ان هذه العلقة في الفساد والمبغوضية كالعلقة المنهي عنها في المستقبل فلا ينبغي ان يكون لها وجود إلّا ما قد سلف من موضوعه من النساء في الجاهلية أو علقة النكاح ومضى بموت أو طلاق. وذلك بان تكون «الا» صفة للموصول أو لعلقة النكاح المدلول عليها بالنهي أو استثنائية محصل مفادها هو انه لا اعتبار لهذه العلقة في النسب وآثار الزوجية إلّا فيما مضى وسلف بالاعتبار الجاهلي لأن لكل قوم نكاحا يجعلونه فيما عندهم قسيما للزنا ويرتب الشارع آثاره على تناسله لكن هذا النكاح( إِنَّهُ كانَ ) من حينه وفيما سلف عند الله( فاحِشَةً وَمَقْتاً ) مبالغة في كونه ممقوتا مثل قوله تعالى في سورة البقرة ٢١٤( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ ) ( وَساءَ )

٦٢

سَبِيلاً (٢٣)حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ

____________________________________

فيما مضى( سَبِيلاً ) أي سبيل الذين اتخذوه به نكاحا في تشريعهم. وربما كان هذا الذي ذكرناه هو المراد للسيد الرضي فيما اختاره في حقائق التأويل(١) ٢٣( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ ) من المعلوم من سياق القرآن الكريم ان التحريم إنّما هو من حيث النكاح والتمتع بالنساء من وطء ونحوه مضافا إلى ان تعلق التحريم بكل موضوع ينظر إلى الأثر المطلوب منه وهو في النساء ما ذكرناه وهذا ظاهر. والأم كل أنثى ولدتك ولو بوسائط وعلى ذلك اجماع المسلمين وقد ذكرنا وجه اختصاص الأب والأم في المواريث بالقريبين( وَبَناتُكُمْ ) وان نزلن لشمول البنت لذلك. وقد كثر في الحديث في شأن النساء (بنات آدم وبنات حواء) والإجماع على ذلك ايضا. ولو علم ان البنت المولودة من الزنا هي بنت الرجل الخاص حرمت عليه لصدق البنت وعموم الآية. وينسب إلى الشافعي وأصحابه انها لا تحرم تشبثا بقول النبي (ص) «الولد للفراش وللعاهر الحجر» وان ولد الزنا لا يرث كما ذكره ابن الروزبهان الشافعي في رده لنهج الحق للعلامة الحلي. ولكنه تشبث في غير محله لأنه ان كان بقوله (ص) الولد للفراش فهو ظاهر المنع لان هذه الجملة مسوقة لمورد الشك جعل الحكم للفراش الذي هو امارة على التولد من صاحب الفراش ومحل الكلام فيما هو معلوم الولادة من الزاني فلا يدخل في حكم هذه الامارة كما لا يدخل فيه ما يمتنع بحسب العادة ان يكون للفراش وان كان بقوله (ص) وللعاهر الحجر يعنى ان العاهر لا يلحق به ولد العهر قلنا ان غاية ما يفهم منه إنّما هو النفي لما يعود للمنتسبين من فوائد النسب الشرعية لا نفي الحقيقة المعلومة ولا جميع الآثار فان الام عاهر ويحرم عليها ولدها من الزنا بإجماع المسلمين. وفي التذكرة في تحريم البنت المذكورة قال عند علمائنا اجمع كما يحكى نقل الإجماع عن الإيضاح وغيره( وَأَخَواتُكُمْ ) من الأبوين أو من أحدهما( وَعَمَّاتُكُمْ ) وان علون بان كن عمات الأب أو الأم أو أحد الأجداد أو احدى الجدات. والعمة كل

__________________

(١) روي في الدّر المنثور وغيره ان الآية نزلت في كبشة زوجة أبي قيس بن الاسلت لما مات زوجها وأراد ابنه قيس وفي رواية محصن أن يتزوجها بإرث الجاهلية فنزلت هذه الاية. وعن عكرمة انه ذكر جماعة خلفوا آبائهم على نسائهم. وذكر في حقائق التأويل ان منهم عمرو بن امية خلف أباه امية على زوجته آمنة بنت ابان من هوازن فأولدها أبا معيط جد الوليد بن عقبه. وذكرهم الواحدي أيضا في اسباب النزول. وذكروا ان الذي يولد من هذا النكاح يسمى مقتيا

٦٣

وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ

____________________________________

اخت لرجل تنتسب إليه بالولادة منه( وَخالاتُكُمْ ) وان علون. والخالة كل أخت لأنثى تنتسب إليها بالولادة منها( وَبَناتُ الْأَخِ ) وان نزلن سواء كان أخا من الأبوين أو من أحدهما( وَبَناتُ الْأُخْتِ ) كذلك( وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ ) أي من تسمونهن بالأمهات من حيث انهن أرضعنكم كما كان متداولا عند العرب. فالآية اناطت التحريم بعنوان الأم والتسمية بذلك من جهة الرضاعة فقوله تعالى( اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ ) صفة تابعة مبينة لجهة التسمية بالأم. وفائدتها في الكلام موقوفة على صدق عنوان الام ويدور الإطلاق وشمول الحكم مدار التسمية وتحقق عنوان الأم اذن فلا وقع للتشبث للإطلاق وعموم التسمية بكفاية الرضعة والرضعتين وعلى هذا جرى رد الفخر الرازي في تفسيره لأبي بكر الرازي في تشبثه بإطلاق الرضاع في «أرضعنكم» للتحريم بمسمى الرضاع : ففي جامع أبي داود بسنده عن ابن مسعود عن النبي «ص» لا رضاع إلّا ما شد العظم وأنبت اللحم وفي سند آخر أنشز العظم أي أعلاه بالنمو واستفاضت رواية ذلك من طرق الشيعة وأكثرها عن الباقر «ع» والصادق والكاظم «ع» كما أحصاه في الوسائل في أوائل أبواب الرضاع. ومن هذا الباب ما رواه أحمد والبخاري ومسلم وابو داود والنسائي عن عائشة ان رسول الله رأى عندها رجلا فغضب فقالت له انه اخي من الرضاعة فقال (ص) انظرن من إخوانكن فانما الرضاعة من المجاعة. وفي رواية مسلم انظرن من اخوتكن من الرضاعة فانما الرضاعة من المجاعة. إنتهى وهو ظاهر في انه ينبغي ان ينظرن من تحقق له بكثرة الرضاع عنوان الاخوة بحسب متعارف الناس لا بمجرد الرضاع الذي يكون من مجاعة الطفل واسعاف المرضعة باشباعه اتفاقا. ونحوه ما رواه الترمذي وصححه عن أمّ سَلَمة عنه «ص» لا يحرم من الرضاع إلّا ما فتق الأمعاء في الثدي وكان قبل الفطام. وكذا ما رواه ابن حبان عن ابن الزبير عنه «ص» واخرج أحمد ومسلم والاربعة عن عائشة. والنسائي وابن ماجه عن الزبير عنه «ص» لا تحرم المصة ولا المصتان. واخرج أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه عن ام الفضل عنه «ص» لا تحرم ألاملاجة ولا الأملاجتان وفي كنز العمال ومختصره عن الطبراني بسنده عن المغيرة عنه «ص» لا تحرم الفيقة. وعن ابن أبي شيبة وجامع عبد الرزاق عن المغيرة عنه (ص) قال لا تحرم الفيقة قيل وما الفيقة قال المرأة تلد فيحصر لبنها فترضعه طفل جارتها المرة والمرتين - نعم قد تخفى أول مرتبة يتحقق بها صدق اسم الام والاخت

٦٤

وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ

____________________________________

مثلا بانبات اللحم وشدة العظم فجعل لذلك في الشريعة امارة تحدده والمعروف عند الإمامية انه رضاع يوم وليلة من امرأة واحدة أو خمسة عشر تامة لا يفصل بينها برضاع من امرأة اخرى ويشترط ان يكون هذا الرضاع في الحولين كما تقدم من رواية الترمذي عن أمّ سَلَمة عنه (ص) وعن ابن عدي والدارقطني والبيهقي بأسانيدهم عن ابن عباس عنه (ص) لا يحرم من الرضاع إلّا ما كان في الحولين وعن ابن عساكر عن علي (ع) عنه (ص) لا رضاع بعد فطام ورواه في الكافي والفقيه والأمالي في الصحيح عن الصادق (ع) عن رسول الله (ص) وذكر في الوسائل في الباب الخامس من الرضاع بقية الأحاديث في ذلك. والظاهر انه لم يعرف الخلاف في ذلك إلّا من عائشة. واشترط الإمامية ان يكون اللبن لفحل واحد وعليه إجماعهم وحديثهم( وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ ) والاعتماد على إطلاقه يتوقف أيضا على تحقق عنوان الاخوة عند العرف والرجوع إلى الإمارات المجعولة بالشروط المذكورة. ومما تحصل به الاخوة ما إذا ارتضع كل من الرضيعين بالمقدار المؤثر في التحريم من امرأة وكلتا المرأتين لرجل واحد كما عليه اجماع الإمامية وحديثهم وعليه رواية ابن عباس كما في كنز العمال ومختصره عن جامع عبد الرزاق سئل عن الرجل تزوج امرأتين فأرضعت الواحدة جارية والاخرى غلاما هل يتزوج الغلام الجارية قال لا تحل له اللقاح واحد. ويشترط عند الامامية ان يكون اللبن عن ولادة من نكاح صحيح وعليه إجماعهم وحديثهم وعليه ينزل اطلاق الآية ولعلها منصرفة عن غيره هذا وقد تكفلت السنة الشريفة بتكملة بيان القرآن أو التصريح بما لوح إليه في الآية بالإشارة بعنواني الام والأخوات في زمرة العناوين المحرمة في النسب كما في قوله (ص) يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب. كما رواه الفقيه في الصحيح عن الباقر عن رسول الله (ص) وفي التهذيب في الصحيح عن الصادق عنه (ص). وأخرجه الترمذي عن علي عنه (ص). واخرج نحوه أحمد واصحاب الجوامع الست عن عائشة عنه (ص). واحمد ومسلم والنسائي وابن ماجة عن ابن عباس عنه (ص) - فكل عنوان يحصل بسبب الرضاع وهو محرم في النسب يكون محرما سواء كان بسيطا كعنواني الأم والاخت أو مركبا بالإضافة كعنوان بنات الأخ ونحوه من العناوين المذكورة في المحرمات في الآية. ولا فرق بين ان يكون كلا عنواني

٦٥

وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ

____________________________________

المضاف والمضاف إليه من الرضاعة كالبنت الرضاعية للأخ الرضاعي أو كان أحد العنوانين كما رواه الفريقان في امتناع النبي (ص) من تزوج ابنة حمزة النسبية لأن حمزة كان أخاه من الرضاعة. وبسط الكلام في هذا المقام موكول إلى كتب الفقه( وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ ) سواء دخل بها ام لم يدخل لإطلاق النساء. وعلى ذلك اجماع الإمامية ولا يضر فيه ما يحكى من خلاف ابن أبي عقيل. وقد استفاض من موثقة غياث بن إبراهيم ومعتبرة اسحق ابن عمار عن الصادق عن الباقرعليهما‌السلام ورواية العياشي عن أبي حمزة عن الباقر وصحيحة منصور بن حازم ان عليا امير المؤمنين (ع) منع التزوج بأم الزوجة وان لم يدخل بها ورد على بن مسعود في فتياه في الجوار واحتج عليه بالإطلاق بقولهعليه‌السلام «إن هذه مستثناة» يعني مسألة الربائب «وهذه مرسلة» يعني مسألة أمهات النساء وقال (ع) في معتبرة اسحق «وهذه مبهمة فحرموا وأبهموا ما أبهم الله» ونحوه في رواية أبي حمزة. وبذلك يسقط ما رواه في كنز العمال ومختصره عن علي (ع) مما يوهم ظاهره خلاف ذلك وكذا ما ذكر ابن رشد في بدايته انه مروي عن علي وابن عباس من طرق ضعيفة. هذا والذي قال بمساواة ام الزوجة للربيبة يذكر عنه في تشبثه وجهان - الاول - ان قوله تعالى( مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَ ) إلى آخره راجع إلى قوله تعالى( وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ ) وقوله تعالى( وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ ) انتهى. وهذا الوجه باطل لأن رجوعه إلى أمهات نسائكم يقتضي أن تكون «من» فيه للتبين. ورجوعه إلى الربائب يقتضي ان تكون فيه للابتداء ولا يصح ان يستعمل اللفظ الواحد في كل واحد من المعنيين المختلفين كما اعترف به في الكشّاف وتبعه عليه الفخر الرازي في تفسيره. واما التصحيح لذلك بجعل «من» للاتصال كما في قوله تعالى( الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ ) . وقولهم لست منك ولست مني. وما انا من دد ولا دد مني. فإنما هو خيال فاسد ينتج بعمومه امرا فاسدا. لأنه لا بد من أن يراد من الاتصال المزعوم معناه العام الذي يشمل بعمومه اتصال الأم واتصال الربيبة فيصدق التحريم حينئذ على أم الزوجة التي لم يدخل بها إذا كانت متصلة بأي زوجة مدخول بها وان كانت أختها المطلقة أو بنت عمها مثلا وهم لا يرضون بذلك ويصدق التحريم أيضا على الربيبة التي لم يدخل بأمها إذا كانت متصلة

٦٦

وَرَبائِبُكُمُ

____________________________________

باي زوجة مدخول بها وان كانت أختها المطلقة أو بنت عمها مثلا وهو مخالف لإجماع المسلمين. اذن فإيراد هذا القيد العام الذي لا يراد عمومه لا يكون في مقام التحديد والتقييد إلّا من المعاياة والقصور في التعبير وحاشا شأن القرآن الكريم من ذلك فلا مناص في مستقيم الكلام عن كونه قيدا للربائب - الوجه الثاني - ان يكون قوله تعالى( اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَ ) صفة واحدة لموصوفين وهما «نسائكم» من قوله تعالى( أُمَّهاتُ نِسائِكُمْ ) و «نسائكم» من قوله تعالى( مِنْ نِسائِكُمْ ) - ويرده ما في مجمع البيان عن الزجاج من ان الجرين إذا اختلفا لم يكن نعتهما واحدا لا يجوّز النحويون مررت بنسائك وهربت من نساء زيد الظريفات على ان تكون لهؤلاء النساء وهؤلاء النساء. أقول ونحوه ما عن سيبويه من اعتباره اتحاد وجه الجر في الموصوفين. ويعرف هذا كله مما نبه عليه الشيخ الرضي في شرح الكافية في بحث الصفة من ان سيبويه والخليل وجمهور النحويين يشترطون في جمع الموصوفين بصفة واحدة كونهما يشتركان في اسم واحد خاص كالفاعل والمفعول والمبتدأ والخبر والمضاف إليه فلا تقول مثلا هذا رجل وفي الدار آخر كريمان لأن الاول مبتدأ والثاني خبر ولم ينقل الخلاف إلّا عن الأخفش والجرمي. بل زاد الزجاج والمبرد وكثير من المتأخرين على الجمهور فاعتبروا كون العاملين بالموصوفين بمعنى واحد نحو جلس أخوك وقعد أبوك الكريمان. فلا يكفي مجرد كون الموصوفين يشتركان في تسميتهما بالفاعل. اذن فلا يجوز بحكم جمهور النحويين والذوق المستقيم ومجد القرآن الكريم في أسلوبه ان تكون «اللائي» في الآية صفة لنسائكم في كلا قوليه تعالى( أُمَّهاتُ نِسائِكُمْ ) . و( مِنْ نِسائِكُمْ ) . فإن الأولى مضاف إليه والثانية مجرورة بكلمة «من» فلم يشتركا في اسم واحد ولم يتحد وجه الجر. ودع عنك ما زاده المبرد والزجاج والكثير من المتأخرين. ولعل الكشّاف لم ينعرض لهذا الوجه لوضوح ما ذكرناه في علم النحو (تكملة) الظاهر اجماع المسلمين على ان الموطوءة بالملك يحرم وطء أمها وبنتها على الواطئ حتى بالملك نعم لا يمنع ذلك من مجرد تملكها. وعلى ذلك من طريق الإمامية أحاديث كثيرة أحصاها في الوسائل في الحادي والعشرين من أبواب ما يحرم بالمصاهرة( وَرَبائِبُكُمُ ) جمع ربيبة من التربية وهي بنت الزوجة من غير الزوج وسميت بذلك لأنها في الغالب معرض

٦٧

اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ

____________________________________

لتربية الزوج لها في كفالته. كما يروى في الحديث لا صدقة في الإبل القتوبة أي المعدة لشد القتب عليها وهي الإبل العوامل. وأبغني ناقة حلبانة ركبانة أي معدة للحلب والركوب صالحة فيهما ومعرضا لهما(١) ( اللَّاتِي ) صفة للربائب( فِي حُجُورِكُمْ ) الظاهر ان الجار والمجرور صلة للموصول أي متعلقان بكون عام. والحجور جمع حجر بفتح الحاء وكسرها وهو في الأصل حضن الإنسان. وقولهم أي في تربيته أو كنفه أو حمايته تفسير بالمعنى المجازي أو المكني عنه( مِنْ نِسائِكُمُ ) سواء كن منهن ابتداء أو بواسطة الولادة منهن. وما إدخال المزني بها في قوله تعالى( مِنْ نِسائِكُمُ ) إلّا من الخبط( اللَّاتِي ) صفة للنساء اللاتي منهن الربائب كما قدمناه( دَخَلْتُمْ بِهِنَ ) الجملة صلة للموصول. والدخول بهن يتحقق بالوطء بعد العقد. وفي مختصر التبيان وقيل. الجماع وكذا ما يجري مجراه من المسيس والتجريد وهو مذهبنا والظاهر ارادة ما كان بشهوة كما صرح به في المبسوط وقال وهو الصحيح وعليه اكثر أهل العلم. وعن الخلاف استدل عليه بإجماع الامامية وبالاخبار وما روي من طريق الجمهور من قول الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله من كشف قناع امرأة حرم عليه أمها وبنتها. وربما يقال ان ذلك هو المعنى المكني عنه بالدخول بهن فإن الغالب على من يريد التلذذ بزوجته ان يدخل بها مخدعا أو بيتا كما يقال بنى بها وبنى عليها. نعم الوطء هو القدر المتيقن من المعنى المكني عنه ويشهد للعموم ويدل عليه صحيحة الكافي والتهذيبين عن محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) في رجل تزوج امرأة فنظر إلى رأسها والى بعض جسدها أيتزوج ابنتها قال (ع) لا إذا رأى منها ما يحرم على غيره فليس له ان يتزوج ابنتها وصحيحة التهذيبين عن محمد بن مسلم عن الباقر (ع) كما رواها في الكافي والتهذيبين في معتبرة أبي الربيع عن الصادق (ع) ولا تعارضهما صحيحة العيص عن الصادق (ع) لأن السؤال فيها عن رجل باشر امرأة وقبل ولم يفض إليها ثم تزوج ابنتها فقال (ع) إذا لم يكن افضى إلى الأم فلا باس إنتهى وذلك لجواز ورودها سؤالا وجوابا في الاجنبية

__________________

(١) وشاة حلوب أي معدة لأن تحلب ومعرض للحلب. كما يقال ركوب لما هو معرض للركب من الحيوانات ومطية للدابة التي هي معرض للجد في السير أو لأن يركب مطاها أي ظهرها. وهذا ونحوه استعمال شائع عند العرب.

٦٨

فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ

____________________________________

والمباشرة والتقبيل المحرّمين لا الزوجة كما أوردها العلامة في التذكرة في هذا المعنى - وهناك فروع أخر مأخذها من السنة فهي موكولة إلى كتب الفقه - ولا يخفى ان القسم الغالب من بنات الزوجات من يكون اختلاطهن مع ازواج الأمهات كاختلاط البنات مع آبائهن مع ان محرميتهن لم يتقرر احترامها في النفوس كمحرمية البنات فالحكمة التي اقتضت تشريع محرّميتهن اقتضت أيضا ان يقرن ذلك بما ينبه النفوس على جهة المحرمية ويثبتها على احترامها والاشمئزاز من طموح النظر إليهن ببوادر الشهوة والميل إلى النكاح فلأجل ذلك ذكرت الصفة الغالبة التي تمثل بنت الزوجة بمثال البنت وهي التربية في الحجر كتربية البنات وان كانت الحكمة في تثبيت ذلك تقتضي طرد الحكم في مطلق المدخول بأمها لتثبيت علقة المحرمية على حكمتها من أول الدخول وعلقة الاختلاط. ولذا بعد ذكر المنفر ومثبت علقة المحرمية جعل القرآن هذا الحكم دائرا مدار الدخول ويكفي في ذلك قوله تعالى( اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَ ) فضلا عما قد يستفاد من قيد الحيثية كتقييد التربية في الحجر من حيث انها بنت الزوجة فيظهر الغرض من قوله تعالى( فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ ) ولا اثم في التزوج بهن ولا ضيق بالنهي عن نكاحهنَّ وتنحصر الفائدة بالتحقيق والتأكيد لدوران التحريم وعدمه مدار الدخول بالأم وعدمه : ولم يعرف تقييد التحريم بالتربية في الحجر إلّا من داود الظاهري واتباعه. وروي من طريق عبد الرزاق وابن أبي حاتم عن مالك بن أوس بن الحدثان ان عليا (ع) أباح له ان يتزوج بابنة امرأته التي دخل بها وولدت له ثم ماتت لأن البنت لم يربها في حجره وهذه الرواية خطأ فإن المعروف من مذهب أهل البيت عدم اعتبار التربية في الحجر وقد روي مسندا من طريقي اسحق بن عمار كما في التهذيبين وتفسير العياشي عن الصادق عن الباقر (ع) ان عليا كان يقول ان الربائب عليكم حرام من الأم اللاتي دخلتم بهن هن في الحجور وغير الحجور سواء. وفي التهذيبين أيضا عن غياث بن إبراهيم عن الصادق عن الباقر نحوه. وفي الفقيه قال علي (ع) وذكر نحوه وسندكما في آخر الكتاب من الحسن كالصحيح. وهل ما روي عن مالك عن علي (ع) إلّا كما ذكرنا قبلا من ان عليا (ع) أجاز التزويج بأم الزوجة إذا لم يدخل ببنتها وقد ذكرنا استفاضة الرواية من أهل البيت عنه (ع) ان ام الزوجة مطلقا

٦٩

وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ

____________________________________

حرام وفي النفس شيء كفانا ان نبوح به ما صرح به مسلم في أوائل جامعه في باب النهي عن الرواية عن الضعفاء والكذابين فأسند عن ابى مليكة عن ابن عباس قال دعا بقضاء علي (ع) فجعل يكتب منه أشياء ويمر به الشيء فيقول والله ما قضى بهذا علي. وأسند عن طاوس ان ابن عباس أتي بكتاب فيه قضاء علي (ع) فمحاه إلّا قدر وأشار سفيان بن عيينة بذراعه. وأسند أيضا عن المغيرة قوله لم يكن يصدق على علي في الحديث عنه إلّا من اصحاب عبد الله بن مسعود( وَ ) حرمت عليكم أيضا( حَلائِلُ أَبْنائِكُمُ ) وان نزلوا وفي التبيان ومجمع البيان وما رأيته من كتب اللغة ان الحليلة هي الزوجة. والزوج حليل وهو المتبادر من موارد الاستعمال من الحديث والشعر والنثر. نعم اتفق المسلمون ان مملوكة الابن إذا وطأها حرمت على أبيه وان علا واما إذا جردها أو مسها أو قبلها فالمشهور عند الامامية انها تحرم على أبيه وان علا ولعله اجماع قبل ابن إدريس وعليه صحيحتا ابن سنان عن الصادق (ع) وابن بزيع عن الرضا (ع) ومرسلة يونس عن الصادق (ع) وهو المحكي عن ابن عمر ومسروق والقاسم والحسن ومكحول والنخعي والشعبي وأبي ثور والاوزاعي ومالك وأبي حنيفة واحد قولي الشافعي واحدى الروايتين عن أحمد ، واما مجرد ملك الابن فلا يحرمها. نعم يظهر من الفخر الرازي في تفسيره من ذكر الخلاف بين أبي حنيفة والشافعي ان الشافعي يحرمها. وقد تحذلق الرازي لادخالها في مسمى الحليلة وجعل النفي لتسميتها بالحليلة من باب ما لا يقبل من الشهادة على النفي لا من باب الشهادة على ان المسمى غيرها وأنى يجديه ذلك مع ان المتبادر من الحليلة هو خصوص عنوان الزوجة بنحو يعرف بقانون اللغة ان غير الزوجة خارج عن المعنى الحقيقي للحليلة وعلى ذلك جرت شهادة اللغويين( الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ ) لا ما يسميه العرب ابنا باعتبار التبني على وجه شائع كأنه يدخل في المعنى الحقيقي للابن. وقد كان في الإسلام عناية في ابطال هذه التسمية الباطلة التي يترتب عليها مفاسد كثيرة. منها : ان هذا الدعي الذي قد لا تعرف نجابة عنصره وسلامة ذاته يتركونه يعامل نساءهم وبناتهم وأخواتهم معاملة ولدهم الحقيقي في ترتيب آثار المحرمية النسبية من الخلطة والخلوة وعدم الحجاب مع انه ليس فيه من الرحمية ما يردعه عن الاقدام على فعل الفحشاء والسوء معهن ولا يخشى من ان يرجع عارهن عليه ولا يخفى ان

٧٠

وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إلّا ما قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً

____________________________________

هذا التقييد الذي يخرج به المتبني لا يمنع من ثبوت التحريم لحليلة الابن الرضاعي على أبيه من الرضاعة كما يقتضيه قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب فإن مواده ان تحرم حليلة الابن الرضاعي كما يحرم بنص القرآن حليلة الابن النسبي وعليه فتوى الامامية والفقهاء الاربعة واكثر أهل العلم(١) ( وَ ) حرم عليكم( أَنْ تَجْمَعُوا ) فيما يراد من النساء من الزوجية وما هو مثلها من التمتع بالوطء في المملوكة( بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ ) فإن الآية مسوقة لذلك كما في قوله تعالى( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ ) إلى آخرها( إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ ) وزال موضوعه فإنه مسامح فيه ومغفور وان كان من تشريعات الجاهلية( إِنَّ اللهَ كانَ ) ولا يزال( غَفُوراً ) للذنوب( رَحِيماً ) بعباده ومن رحمته ان أمضى ما سلف من نكاح كل قوم وان كان تشريعا جاهليا فلم يجعل النسب الحاصل منه نسب زنا(٢) وعلى تحريم الجمع بين المملوكتين فيما ذكرنا لا مجرد الملك اجماع

__________________

(١) لكن في تفسير صاحب المنار عن ابن القيم تقرير الحجّة للمخالفين في تحريمهما بما ملخصه ان تحريم حلائل الأبناء إنّما هو بالصهر لا بالنسب والنبي (ص) «اي في قوله يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» قد قصر تحريم الرضاع على نظيره من النسب لا على شقيقه وهو الصهر - فأقول ان المحرم ليس هو الرضاع ولا النسب ولا الصهر ولا بعض منها وانّما المحرم هو ما كان من الإنسان للعناوين المذكورة في الكتاب المجيد الناشئة من النسب ولو باعتبار الواحد من طرفي اضافتها كالبنوة في عنوان حليلة الابن والابوة في عنوان أبي الحليل فإن كلا من هاتين الابوة والبنوة من ناحية النسب منشأ لتحريم الحليلة على أبي زوجها أو تحريمه عليها فكذا حليلة الابن وابو زوجها من ناحية الرضاع. ويا ليته قال في تقرير الحجّة كما يجب في الفهم المستقيم «ان النبي (ص) قد قصر تحريم العناوين الناشئة من جهة الرضا (ع) على نظيرها من العناوين الناشئة من جهة النسب» ليعرف ان الحجّة في الحديث الشريف تكون لمن

(٢) ومقتضى الغفران في الآية انه لم يقصد فيها من قوله تعالى «ما قد سلف» ما تذكره التوراة الرائجة من جمع يعقوب بين الأختين (ليئة وأختها راحيل) ابنتي (لابان) كما في الفصل التاسع والعشرين إلى الخامس والثلاثين من سفر التكوين. لأنه ان كان لذلك اصل فإن يعقوب لا يجمعهما ويبقيهما مجتمعتين في حباله اكثر من عشر سنين إلى ان ماتت راحيل ما لم يكن ذلك على شريعته حق في ذلك الزمان لا تشريعا يكون ذنبا يتعقبه الغفران

٧١

الامامية وحديثهم وعليه أيضا مالك والاوزاعي وابو حنيفة والشافعي واحمد في احدى الروايتين وفي تذكرة العلامة حكى الخلاف عن داود الظاهري ونسبه ابن رشد في بدايته إلى طائفة. روى مالك في الموطأ وفي الدّر المنثور أخرج مالك والشافعي وعبد بن حميد وعبد الرزاق وابن أبي شيبة وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه من طريق ابن شهاب «الزهري» عن قبيصة بن ذويب ان رجلا سأل عثمان عن الأختين في ملك اليمين هل يجمع بينهما فقال أحلتهما آية وحرمتهما آية وما كنت لأصنع ذلك فخرج من عنده ولقي رجلا من اصحاب رسول الله (ص) أراه علي بن أبي طالب فسأله عن ذلك فقال لو كان لي من الأمر شيء ثم وجدت أحدا فعل ذلك لجعلته نكالا. واخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر والبيهقي في سننه عن علي (ع) انه سأل عن رجل له أمتان اختان فوطأ أحدهما ثم أراد ان يطأ الأخرى قال (ع) لا حتى يخرجها من ملكه واخرج ابن جرير وابن عبد البرفي الاستذكار عن إياس بن عامر قال سألت علي ابن أبي طالب وذكر في جوابه تعتق التي كنت تطأ ثم تطأ الاخرى. وقد جاء مثل ذلك عن الصادق (ع) في أحاديث كثيرة من الصحاح والموثقات كما في الوسائل في الباب التاسع والعشرين فيما يحرم بالمصاهرة ونحوها. نعم في الدّر المنثور أخرج ابن أبي شيبة والبيهقي من طريق أبي صالح عن علي بن أبي طالب قال في الأختين المملوكتين أحلتهما آية وحرمتهما آية ولا أمر ولا نهى ولا أحل ولا أحرم ولا افعله انا ولا أهل بيتي. وروى نحوه في الاستبصار عن البزوفري بسنده عن الصادق عن الباقر عن علي (ع). ولا يخفى ان التحليل إنّما هو باقتضاء الإطلاق الأحوالي في قوله تعالى في الآية الآتية( ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ) وقوله تعالى( إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أو ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ ) والتحريم بالإطلاق الأفرادي في لفظ الأختين فبين الآيتين عموم وخصوص من وجه ولا بد من تخصيص أحد الطرفين بالآخر الذي هو أقوى واظهر دلالة ولا شك في ان الإطلاق الأفرادي اللفظي أقوى واظهر دلالة من الإطلاق الأحوالي الذي يستفاد من السوق فيجب ان يخصص الأحوالي بالأفرادي ولكن عليا (ع) ربما أجاب بما أجاب به عثمان (رض) حفظا للوئام وخروجا عن حزازات الخلاف التي حدثت في تلك السنين وعند الفرصة يجاهر بما يعلمه من التحريم كما اتفقت عليه الأحاديث الأول بل والرابع في قوله لا افعله انا ولا أهل بيتي ويشهد لذلك ما في الاستبصار في صحيح معمر من قول الباقر (ع) قد بين لهم إذ نهى نفسه وولده وقوله أيضا في عدم التصريح من علي بالحرمة

٧٢

(٢٤)وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إلّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ

____________________________________

خشي ان لا يطاع ولو ان امير المؤمنين ثبتت قدماه اقام كتاب الله كله والحق كله. وفي المسألة فروع موكولة إلى كتب الفقه ٢٤( وَ ) حرمت عليكم( الْمُحْصَناتُ مِنَ ) سائر( النِّساءِ ) وهن ذوات الأزواج مطلقا( إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ) في الكافي في صحيح محمد بن مسلم سألت أبا جعفر «الباقر» (ع) عن قوله تعالى والمحصنات من النساء إلّا ما ملكت ايمانكم قال (ع) هو أن يأمر الرجل عبده وتحته أمته فيقول له اعتزل امرأتك ولا تقربها ثم يحبسها عنه حتى تحيض ثم يمسها الرواية. وفي الدّر المنثور أخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن ابن عباس إلّا ما ملكت ايمانكم قال ينزع الرجل وليدته امرأة عبده. واخرج ابن أبي حاتم عنه أيضا ما هو بمعناه. وروى مسلم في جامعه واحمد وذكر في الدّر المنثور سبعة عشر من اصحاب السنن عن أبي سعيد الخدري أن السبب في نزول الآية هو أن الصحابة تحرجوا من الاستمتاع بسبايا «أوطاس» أي لأنه ذوات ازواج. والاستثناء إنّما هو من هذه الجهة فلا ينافي اشتراط الإسلام ووضع الحمل واستبراء غير الحامل بحيضة كما صرح بها في هذا الحديث وبالحيض في صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة. فإن حل النساء المذكور في قوله تعالى( وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ ) إنّما هو الحل المعلق على العقد وسائر الشروط كحل بهيمة الانعام المعلق على التذكية بما يعتبر فيها من الشروط لا الحل الفعلي بدون شرط. فيجوز إذن أن يكون من مصاديق الآية ما إذا اشترى المزوجة حيث ان المشتري عند الإمامية مخير فورا بين إمضاء الزواج فيبقي على ما هو عليه وبين فسخه وحكى في مجمع البيان هذا الوجه عن أبيّ وجابر وانس وابن المسيب والحسن وعن ابن عباس وفي تفسير صاحب المنار عن ابن مسعود. وفي الدّر المنثور أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن جرير عن ابن مسعود في الآية كل ذات زوج عليك حرام إلّا ما اشتريت بمالك واخرج ابن جرير أيضا عنه ما هو بهذا المعنى كما أخرج عن ابن عباس نحوه وكذا كل متجدد بعد إحصان المملوكة كالملك بالإرث والوصية والهبة ونحوها. ولا تمانع بين هذه الوجوه الثلاثة في صدق الحل المعلق وكل وجه تعتبر فيه شروطه( كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ ) بنصب كتاب على انه مصدر اجري على ما هو قريب من معنى فعله تأكيدا للتحريم ببيان ان التحريم المتقدم هو كتابة الله وتسجيله الثابت

٧٣

وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ

____________________________________

عليكم ( وَأُحِلَ ) بضم الهمزة وكسر الحاء( لَكُمْ ) من النساء حلا شأنيا معلق الفعلية على حصول اسباب الحل الفعلي وشروط( ما وَراءَ ) أي ما عدى( ذلِكُمْ ) من المحرمات المذكورة صريحا أو اشارة واشعارا بالعموم الذي تضمنه قوله (ص) «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» واما الروايات المتفرقة في جوامع البخاري ومسلم والنسائي وأبي داود عن أبي هريرة بما حاصل مجموعها انه لا تنكح العمة على بنت الأخ ولا الخالة على بنت الاخت ولا العكس فهي غير صالحة لتخصيص عموم الكتاب في حل ما وراء المحرمات المذكورة لمعارضتها بأحاديث الإمامية الصحاح بأسانيدهم عن محمد بن مسلم عن الباقرعليه‌السلام لا تزوج ابنة الأخ ولا ابنة الاخت على العمة ولا على الخالة إلّا بإذنهما وتزوج العمة والخالة على ابنة الأخ وابنة الاخت بغير إذنهما. وفي العلل بإسناد عن الباقر (ع) نهى رسول الله (ص) عن تزويج المرأة على عمتها أو خالتها إجلالا للعمة والخالة فإذا أذنت في ذلك فلا بأس. ولا يخفى انه ليس في اشتراط الأذن من العمة أو الخالة تخصيص لعموم الحل لما وراء ذلكم لأن الحل فيها شأني معلق الفعلية على شروطها فالشروط لا تنافي الشأني المعلق ولا تخصصه ولا تقيده وعلى هذا تخرج رواية المختلف وغيره عن علي بن جعفر عن أخيه الكاظم (ع) في رجل يتزوج المرأة على عمتها أو خالتها قال (ع) لا بأس لأن اللهعزوجل قال( وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ (١) أَنْ تَبْتَغُوا ) قيل ان المصدر بدل من( ما وَراءَ ذلِكُمْ ) وقيل انه مجرور باللام المطرد حذفها من «ان» المصدرية واللام للتعليل وهو الأصح أي لتبتغوا النساء وما يطلب منهن من حيث هن نساء( بِأَمْوالِكُمْ ) مهرا وشراء حال كونكم بالنسبة لما ابتغيتم( مُحْصِنِينَ ) لأنفسكم أو للمرأة عن الزنا بالحلال( غَيْرَ مُسافِحِينَ ) أي مقاربين للنساء زنا وسفاحا( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ ) الفاء للتفريع على حل ما

__________________

(١) واما ما ادعاه ابن رشد في بدايته من تواتر النهي عن ذلك عن النبي (ص) فلا اصل له إذ لم تعرف هذه الرواية عن غير أبي هريرة. واما رواية البخاري لها عن الشعبي عن جابر فقد قال في آخرها قال داود بن عون عن الشعبي عن أبي هريرة وأما دعوى الإجماع على ذلك فهي ممنوعة بمخالفة أهل البيت والإمامية في ذلك

٧٤

بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً

____________________________________

وراء المحرمات وابتغاء النساء وما يطلب منهن محصنين و «ما» كناية عن القسم لا عن ذات النساء والا لقيل و «من» ولكن القسم بمفهومه معنى عام يقال في مقام التقسيم على من يعقل وما لا يعقل مثل بعض كما تقدم في قوله تعالى( ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ) ونحوها فلا يصح التعبير عنه بلفظ «من» فالتفريع ومعنى «ما» يدلان على التنبيه في مقام التشريع على حكم قسم خاص من المنكوحات حال قصد الإحصان. «استمعتم» طلبتم المتعة واحصانها وتوصلتم إلى التمتع وهو الانتفاع الموقت المحدود المبني على الانقطاع كما يدل عليه ألفاظ المتاع والتمتيع وما يشتق من ذلك في القرآن بحسب موارده ويوضحه قوله تعالى في سورة الرعد ٢٥( وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إلّا مَتاعٌ ) . ومعنى الآية طلبتم هذا التمتع من هذا القسم بالتزويج( بِهِ ) الضمير راجع إلى القسم باعتبار مصاديقه( مِنْهُنَ ) أي من النساء( فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ ) أي مهورهن حال كونها( فَرِيضَةً ) فرضتموها في العقد وهذا مما يوضح ان المراد منه غير العقد الدائم الذي يصح فيه التزويج بدون فرض مهر في العقد فإن دخل بها استحقت عليه مهر المثل وان طلقها قبل الدخول استحقت عليه المتعة على قدر الموسع والمقتر كما في الآية الخامسة والثلاثين بعد المائتين من سورة البقرة.

وفي هذه المسألة خلاف لا ارغب بذكر كل ما فيه لو لا تعرض المسألة بتفسير الآية وتحقيق حكمها وتعرض المفسرين لها وما قيل فيها. فللكلام في هذه الآية ومسألة المتعة مقامات - الاول - قد اتفق جميع المسلمين ورواياتهم على تسمية هذا القسم المبحوث عنه بالمتعة جريا على ما هو مدلول الآية ومقتضى ألفاظها في تشريعها مضافا إلى استفاضة الرواية عن الصحابة بل والتابعين في نزول الآية في متعة النساء التي هي محل الكلام فقد أخرج ابن جرير والحاكم وصححه وفي الدّر المنثور أخرج عبد بن حميد وابن الانباري عن أبي نظرة عن ابن عباس ان الآية فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمّى ثم قال والله لأنزلها الله كذلك ونحوه فيما أخرجه ابن أبي حاتم والطبراني والبيهقي عن ابن عباس. واخرج ابن جرير وفي الدّر المنثور وعبد بن حميد عن قتادة عن قراءة أبي نحوه. واخرج ابن أبي داود في المصاحف عن سعيد بن جبير في قراءة أبي نحوه. واخرج عبد الرزاق عن عطا عن ابن عباس انه يقرأها

٧٥

كذلك وقال أيضا في حرف أبيّ إلى أجل مسمّى وعن تفسير الثعلبي بسنده عن حبيب بن ثابت عن ابن عباس نحوه واخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد. وابن جرير عن السدي ان المعنى في الآية هو نكاح المتعة وكذا فيما أخرجه عن علي من طريقين وعن ابن عباس من ثلاثة طرق وعن ابن مسعود من انها نسخت. وفي الكافي في الصحيح عن أبي بصير سألت أبا جعفر عن المتعة قال نزلت في القرآن( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ ) ونحوه أيضا في الصحيح عن الصادق (ع). وعن قرب الاسناد عن الصادق (ع) نحوه. وفي الكافي أيضا في مرسلة ابن أبي عمير عن الصادق (ع) إنّما أنزلت فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمّى فآتوهن أجورهن فريضة وفي تفسير العياشي عن محمد بن مسلم عن الباقر (ع) عن جابر كان ابن عباس يقرؤها وذكر إلى أجل مسمّى مثل ذلك: وفي الفقيه عن الرضا (ع) في حديث وقرأ ابن عباس وذكر مثل ذلك أيضا : هذا وان ما روي عن ابن عباس وأبيّ والصادق من زيادة إلى أجل مسمّى ينبغي تنزيله على ما علموه من شأن النزول وان المراد من نزول الآية هذه المتعة التي هي إلى أجل مسمّى. فإن جماعة من الصحابة كانوا يرسمون في مصاحفهم ما يعلمونه انه التأويل المراد في النزول ويقولون هكذا انزل أي بالوحي بغير القرآن على رسول الله ويدرجونه مع القرآن في قراءتهم دفعا للشكوك أو الجحود كما روى في الدّر المنثور وغيره ان ابن مردويه في تفسيره أخرج(١) عن ابن مسعود قال كنا نقرأ على عهد رسول الله (ص) يا ايها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك ان عليا مولى المؤمنين فأدرج ابن مسعود في الآية ما كان يعلمه حين النزول من تأويلها المقصود بالنزول كما أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن أبي سعيد الخدري أن الآية نزلت في غدير خم في علي بن أبي طالب ورواه الواحدي في اسباب النزول بسنده المتصل من غير هؤلاء عن أبي سعيد الخدري(٢) . ومما يشهد لما ذكرناه ان الباقر والصادق ذكر الآية واحتجابها للمتعة على

__________________

(١) والظاهر ان من مآخذه لهذا الحديث كتاب أبي بكر بن عياش عن عاصم عن ذر عن عبد الله بن مسعود. وفي التقريب كتاب أبي بكر صحيح : ورجال الحديث من الثقات عندهم ومنه رجال الجوامع الستة وستأتي إن شاء الله تتمة الكلام في تفسير الآية عند ذكرها في سورة المائدة

(٢) وقد مر بيان شيء من هذا النحو في الجزء الأول ص ٢٧ س ٣ - ٦ ويعرف أيضا من ص ٢٨ و ٢٩

٧٦

ما هو المرسوم في المصاحف ونسبها الرضاعليه‌السلام والباقر (ع) في رواية العياشي عن جابر إلى قراءة ابن عباس - المقام الثاني - اتفق جميع المسلمين وجميع رواياتهم في المتعة على انها نكاح شرع في دين الإسلام واستفاضت الرواية في عمل المسلمين على ذلك كما ستسمع من بعضها الذي نتعرض له - الثالث - استفاضت الرواية في دوام مشروعيتها والعمل عليها من زمان الرسول الأكرم (ص) إلى ايام أبي بكر في إمارته إلى شطر من ايام عمر. فقد أخرج مسلم في نكاح المتعة عن جابر الانصاري كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله (ص) وأبي بكر حتى نهى عنه عمر «اي نكاح المتعة» في شأن عمرو بن حريث. واخرج أيضا عن أبي نظرة قال كنت عند جابر فأتاه آت فقال إن ابن عباس وابن الزبير اختلفا في المتعتين «يعني متعة الحج ومتعة النساء» فقال جابر فعلناهما مع رسول الله ثم نهانا عنهما عمر فلم نعد لهما. ورواه في كنز العمال ومختصره مما أخرجه عبد الرزاق عن جابر واخرج أحمد في مسند عمر عن أبي نظرة قال قلت لجابر بن عبد الله ان ابن الزبير ينهى عن المتعة وان ابن عباس يأمر بها قال فقال لي على يدي جرى الحديث تمتعنا مع رسول الله (ص) ومع أبي بكر فلما ولي عمر خطب الناس فقال ان القرآن هو القرآن وان رسول الله «ص» هو الرسول وانهما كانتا متعتان على عهد رسول الله (ص) إحداهما متعة الحج والاخرى متعة النساء. أقول والحديث باعتبار سنده من الصحيح عندهم : واخرج مسلم في باب متعة النساء عن جابر سأله القوم عن أشياء ومنها المتعة فقال نعم استمتعنا على عهد رسول الله وأبي بكر وعمر : وأخرجه أحمد في الجزء الثالث من مسنده ص ٣٨٠ برجال مسلم وفيه حتى إذا كان في آخر خلافة عمر : واخرج أحمد في الجزء الثالث من مسنده ص ٣٢٥ في الصحيح عندهم عن جابر قال متعتان كانتا على عهد النبي (ص) فنهانا عنهما عمر فانتهينا. وفي صفحتي ٣٥٦ و ٣٦٣ في الصحيح أيضا عندهم عن جابر تمتعنا متعتين على عهد رسول الله (ص) الحج والنساء فنهانا عمر عنهما فانتهينا. وفي الثالثة فلما كان عمر نهانا عنهما فانتهينا واخرج البخاري في تفسير سورة المائدة وفي أوائل أبواب النكاح. ومسلم في نكاح المتعة. وفي الدّر المنثور أخرجه عبد الرزاق وابن أبي شيبة أيضا عن ابن مسعود قال كنا نغزو مع رسول الله (ص) ليس معنا نساء فقلنا إلّا نستخصي «وفي بعض النسخ إلّا نستمني» فنهانا عن ذلك ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل ثم قرأ عبد الله( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا

٧٧

إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) إنتهى وهذا كالصريح بل ابلغ من التصريح بأن تحريم المتعة ليس من الله ورسوله بل هو تشريع بتحريم الطيبات مما أحله الله ورسوله للمؤمنين : واخرج ابن جرير عن سعيد بن المسيب قال استمتع عمرو بن حريث وابن فلان وكلاهما ولد له من المتعة زمان أبي بكر وعمر. واخرج ابن جرير في الصحيح عندهم عن شعبة عن الحكم بن عيينة انه سئل عن آية المتعة منسوخة هي قال لا وقال قال علي لو لا ان عمر نهى عن المتعة ما زنى إلّا شقي : وذكره في الدّر المنثور مما أخرجه عبد الرزاق وابن جرير وابو داود في ناسخه. وفي الكافي بسند معتبر عن عبد الله بن سليمان عن الباقرعليه‌السلام كان علي يقول لو لا ما سبقني به ابن الخطاب ما زنى إلّا شقي. وفي تفسير العياشي عن محمد بن مسلم عن الباقر (ع) مثله. وروى المفيد في رسالة المتعة بأسانيد كثيرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال سألت الصادق (ع) هل نسخ آية المتعة شيء قال لا ولو لا ما نهى عنه عمر ما زنى إلّا شقي : وباسناده عن علي (ع) لو لا ما سبقني به عمر بن الخطاب ما زنى مؤمن : وذكر في كنز العمال ومختصره عن عبد الرزاق وابن جرير «اي في تهذيب الآثار» وأبي داود في ناسخه عن علي (ع) لو لا ما سبقني من رأى عمر بن الخطاب لأمرت بالمتعة ثم ما زنى إلّا شقي : وفي كنز العمال ومختصره مما أخرجه عبد الرزاق وابن المنذر من طريق عطا عن ابن عباس قال يرحم الله عمر ما كانت المتعة إلّا رحمة رحم الله بها امة محمد ولو لا نهيه «اي عمر» ما احتاج إلى الزنا إلّا شقي أو شفي كما ذكره ابن الأثير في نهايته في مادة شفي : وقال المفيد في رسالته قال ابن بابويه ان علياعليه‌السلام نكح في الكوفة امرأة من بني نهشل متعة : واخرج مسلم عن عروة ابن الزبير ان عبد الله ابن الزبير قام بمكة فقال إن أناسا أعمى الله قلوبهم كما أعمى ابصارهم يفتون بالمتعة يعرض برجل «يعني ابن عباس» فناداه وقال انك لجلف جاف فعمري لقد كانت المتعة تفعل على عهد امام المتقين يريد رسول الله (ص) فقال له ابن الزبير فجرب بنفسك فوالله لئن فعلتها لأرجمنك باحجارك إنتهى : وفي الكافي في الصحيح عن زرارة قال جاء عبد الله بن عمير الليثي إلى الباقرعليه‌السلام فقال له ما تقول في متعة النساء فقال أحلها الله في كتابه وسنة نبيه إلى يوم القيامة فقال يا أبا جعفر مثلك من يقول هذا وقد حرمها عمر ونهى عنها فقال (ع) وان كان فعل فقال واني أعيذك بالله ان تحل شيئا حرمه عمر فقال الباقر (ع) فأنت على قول صاحبك وانا على قول رسول الله فهلم إلّا عنك. الحديث : وفي كنز العمال ومختصره

٧٨

عن ابن جرير «اي في تهذيب الآثار» عن ام عبد الله بن خيثمة ما ملخصه ان رجلا من الصحابة الذين في الشام جاء إلى المدينة فتمتع بامرأة واشهد على ذلك عدولا فأخبر عمر بذلك فقال للرجل ما حملك على الذي فعلته فقال فعلته مع رسول الله ثم لم ينهنا حتى قبضه الله ثم مع أبي بكر فلم ينهنا حتى قبضه الله ثم معك فلم تحدث لنا فيه نهيا فقال عمر اما والذي نفسي بيده لو كنت تقدمت في نهي لرجمتك(١) الحديث : واخرج مسلم في المتعة بالحج عن جابر قال تمتعنا مع رسول الله (ص) فلما قام عمر قال ان الله كان يحل لرسوله ما شاء بما شاء؟! وان القرآن قد نزل منازله فأتموا الحج والعمرة لله كما أمركم وابنوا نكاح هذه النساء فلن اوتى برجل نكح امرأة إلى أجل إلّا رجمته بالحجارة(٢) : واخرج مالك في الموطأ عن عروة ابن الزبير ان خولة بنت حكيم دخلت على عمر بن الخطاب فقالت ان ربيعة بن امية استمتع بامرأة فحملت منه فخرج عمر فزعا يجر رداءه فقال هذه المتعة ولو كنت تقدمت فيها لرجمت : وذكر في كنز العمال ومختصره ان الحديث أخرجه الشافعي والبيهقي : أقول وهو من الصحيح عندهم وأنت ترى انه والحديثين اللذين قبله كالصريحة في انه ليس هناك نهي من رسول الله (ص) يكون حجه على المستمتع في استحقاقه الرجم وان الحجّة عليه منحصرة بأن يتقدم عمر بالنهي. فهذه الأحاديث كالصريحة في ان النهي من رأي عمر لا من رسول الله (ص) أو أبي بكر. ولا تقدر ان تقول ان معنى الأحاديث انه لا عبرة بنهي رسول الله (ص) ولا حجة فيه على استحقاق الرجم وانّما الحجّة هو نهي عمر. إذن فمعنى الروايتين هو ما قدمناه : وفي الدّر المنثور وكنز العمال ومختصره أخرج ابن أبي شيبة عن نافع ان ابن عمر سئل عن المتعة فقال حرام فقيل له ان ابن عباس يفتي بها قال فهلا تزمزم(٣) بها في زمان عمر : وفي الدّر المنثور قال أخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن المسيب قال نهى عمر عن متعتين متعة النساء

__________________

(١) وفي هذه الرواية اعجوبة : صحابي تخطب له الصحابية امرأة بالمتعة ويشهد على نكاحها عدولا من الصحابة ويقول فعلته مع رسول الله فلم ينهنا عنه حتى قبضه الله إليه وكذا مع أبي بكر فكيف يستحق الرجم وان تقدم له عمر بألف نهي ولو تنازل امره بهذا النهي إلى الشبهة فالحدود تدرء بالشبهات بنص رسول الله المجمع على حكمه

(٢) وانظر إلى هذا الحديث والذي بعده وما فيهما من اعجوبة الرجم. ويا ضيعة دماء المسلمين وشرفهم من هذه الأحاديث

(٣) في النهاية الزمزمة الصوت الخفي أو البعيد وله دوي

٧٩

ومتعة الحج : وفي كنز العمال ومختصره مما أخرجه أبو صالح كاتب الليث(١) والطحاوي عن عمر انه قال متعتان كانتا على عهد رسول الله انهى عنهما وأعاقب عليهما متعة النساء ومتعة الحج : ومما أخرجه ابن جرير وابن عساكر عن أبي قلابة ان عمر قال متعتان كانتا على عهد رسول الله (ص) وانا انهى عنهما وأضرب فيهما وقد تقدم في المقام الثاني في رواية جابر ان عمر قال في خطبة انهما كانتا على عهد رسول الله : ورواية هذا الكلام عن عمر مشهورة. فعن مختصر المحلى لابن حزم الاندلسي ما لفظه كما روينا عن أبي قلابة قال قال عمر بن الخطاب متعتان كانتا على عهد رسول الله وانا انهى عنهما واضرب عليهما متعة النساء ومتعة الحج وسيأتي ان الفخر الرازي في تفسيره ذكر احتجاج أهل السنة على تحريم المتعة بهذا الحديث : واما تأويله بأن عمر يستند في التحريم إلى رسول الله فسيأتي بطلانه ان شاء الله عند ما نتعرض لما أشرنا إليه من الاحتجاج الذي يذكره الرازي - المقام الرابع - في دعوى نسخها وهي باطلة بما ذكرناه في المقام الثالث وذلك لوجهين (أحدهما) دلالة هذا المقام بالنص واليقين على انها كانت مشروعة في ايام رسول الله وآخر عهده بالدنيا وهذا كاف في كونها سنة متبعة حتى لو سبق نسخها قبل ذلك مرة أو اكثر لو ثبت ذلك وما يجدي نسخها السابق في خيبر أو عام الفتح إذا كانت مشروعة بعد ذلك إلى آخر عهد رسول الله (ص). فليورد المورد ما شاء من رواياتهم للنسخ الشرعي في ايام رسول الله فإنما العبرة بما كان في آخر عهده بالدنيا وانقطاع الوحي نعم فيما رواه مسلم واحمد عن سبرة من طريق عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز الأموي عن الربيع عن أبيه سبرة ان النبي (ص) حرمها إلى يوم القيامة روى ذلك مسلم مجردا عن قصة وتأريخ ولكن أحمد رواها في قصة تمتع سبرة في حجة الوداع وسيأتي ان رواية سبرة هذه كالحرباء تبرز من كل راو بشكل يضاد الآخر فهي كلا شيء وعلى كل حال هي معارضة بكل ما ذكر في المقام الثالث وخصوص رواية الحكم والرواية عن الصادق في ان آية المتعة لم تنسخ بل ورواية زرارة عن الباقر (ع) في قوله أحلها الله في كتابه إلى يوم القيامة ولك العبرة في الولع برواية تحريمها بما في كنز العمال مما أخرجه الدارقطني في الافراد وابن عساكر مما تفرد به أحمد بن محمد بن عمر بن يونس عن علي (ع) انه سمع النبي (ص) نهى عن متعة النساء ويقول هي حرام إلى يوم القيامة مع ان أحمد المذكور قال ابن صاعد فيه كذاب (ثانيهما) ان رواياتهم في النسخ مبتلاة بالموهنات

__________________

(١) هو عبد الله بن صالح الجهني المصري تخ د ت ق صدق ثبت في كتابه من العاشرة مات سنة ٢٢ أي بعد المائتين

٨٠