آلاء الرحمن في تفسير القرآن الجزء ٢

آلاء الرحمن في تفسير القرآن0%

آلاء الرحمن في تفسير القرآن مؤلف:
الناشر: مكتبة الوجداني - قم
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 152

آلاء الرحمن في تفسير القرآن

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: آية الله الشيخ محمد جواد البلاغي
الناشر: مكتبة الوجداني - قم
تصنيف: الصفحات: 152
المشاهدات: 52627
تحميل: 2556


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 152 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 52627 / تحميل: 2556
الحجم الحجم الحجم
آلاء الرحمن في تفسير القرآن

آلاء الرحمن في تفسير القرآن الجزء 2

مؤلف:
الناشر: مكتبة الوجداني - قم
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

اما رواية سبرة بن معبد للنهي عن المتعة بعد حكاية تمتعه فإنها مضطربة في رواية مسلم لها في جامعه واحمد في مسند سبرة ما شاء الاضطراب متدافعة ما شاء التدافع الممقوت. ففي الأولى من روايات مسلم ان الذي كان مع سبرة في القصة هو صاحب له. وفي الثانية من قومه وابن عمه. وفي الثالثة من بني سليم. وفي الثلاثة ان برد سبرة اردا من برد الآخر وفي الأولى ان سبرة أشب من الآخر ولذا اختارته المرأة وتمتع بها. وفي الثانية لأن لسبرة على الآخر فضل جمال والآخر قريب من الدمامة وان القصة في فتح مكة. رواها أولا عن فضيل عن بشر عن عمارة بن غزية عن الربيع بن سبرة. ورواها ثانيا عن أحمد بن سعيد عن أبي النعمان عن وهيب عن عمارة عن الربيع عن أبيه سبرة قال خرجنا مع رسول الله (ص) في فتح مكّة فذكر مثل حديث بشر وزاد «قالت وهل يصلح ذاك» وفيه قال «ان بردح هذا خلق مح» ورواها أحمد في مسند سبرة عن عفان عن وهيب إلى آخر السند ولكن فيها ان برد سبرة هو الجديد وسبرة هو القريب من الدمامة وان الذي اختارته المرأة وتمتع بها على رداءة برده هو ابن عمه على الضد من رواية مسلم. وروى مسلم الرابعة عن يحيى عن عبد العزيز بن الربيع بن سبرة عن أبيه عن جده وان القصة كانت في فتح مكة. ورواها أحمد عن عبد الرزاق عن معمر عن عبد العزيز بن عمر عن الربيع بن سبرة عن أبيه وان واقعتها كانت في حجة الوداع ورواها بعد ذلك عن وكيع إلى آخر السند. وفيها فلما قضينا عمرتنا : وقد تركنا عدة من الاضطراب بالألفاظ ومن نظر إلى الروايات في جامع مسلم ومسند أحمد علم يقينا انها رواية لقصة واحدة. هذا وان مذهب ابن عباس في حل المتعة ومثابرته مع ابن الزبير على ذلك معلوم معروف من صحيح الحديث ومستفيضه ومأثور التأريخ. ومع ذلك رووا عنه في نسخها الشرعي روايات هي بنفسها تظهر كذبها وجهل جاعلها ففي جامع الترمذي عن محمد بن كعب عن ابن عباس قال إنّما كانت المتعة في أول الإسلام كان الرجل يقدم البلدة ليس له بها معرفة فيتزوج المرأة بقدر ما يرى انه يقيم فتحفظ له متاعه وتصلح له شيأه حتى إذا نزلت الآية( إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أو ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ ) قال ابن عباس فكل فرج سواها فهو حرام ورواها في الدّر المنثور مما أخرجه الطبراني والبيهقي في سننه وزاد فيها حتى نزلت هذه الآية( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ ) إلى آخر الآية فنسخ الأولى وحرمت المتعة وتصديقها من القرآن( إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ ) الحديث : وهلم العجب أي كلمة من آية حرمت عليكم أمهاتكم نسخت آية المتعة

٨١

فحرمت المتعة. وايضا ان المستمتع بها هي زوجة كما صرحت رواية الترمذي وهذه الرواية والتي بعدها في قوله (فيتزوج المرأة) فكيف يكون قوله تعالى( إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ ) تصديقا لآية( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ ) في تحريم المتعة. نعم إذا كانت آية( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ ) .( وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ ) ناسخة فلا بأس ان تكون من نواسخ آية المتعة آيات.( أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إلى نِسائِكُمْ ) .( نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ ) . وهلم جرا وقد أجاد صاحب المنار في تفسيره إذ ذكر غير ما ذكرناه من موهنات الرواية وقال : - وعبارة هذه الرواية تنم عليها وتشهد انها لفقت في عهد حضار المسلمين بعد الصحابة : وفي الدّر المنثور أيضا مما أخرجه ابن أبي حاتم عن ابن عباس مثل رواية الترمذي إلى قوله وتصلح له متيعته فقال وكان يقرأ فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى نسختها( مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ ) وكان الإحصان بيد الرجل يمسك متى شاء ويطلق متى شاء إنتهى وليت شعري ان الكلمة القرآنية التي شرعت المتعة وجرى عليها عمل المسلمين في قدومهم إلى البلدان كيف تنسخها الكلمة التي قبلها بلا فاصل ومعها في الآية الواحدة. وإذا كانت بمعناها ولم تنسخها حينئذ لم تنسخها إذا وردت بعد ذلك في سورة المائدة مضافا إلى أن المتعة إحصان لا زنا وسفاح لأنها(١) (تكملة) أسند الحاكم في تفسير سورة النساء من مستدركه عن أبي مليكة سئلت عائشة عن متعة النساء فقالت بيني وبينكم كتاب الله وقرأت( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إلّا عَلى أَزْواجِهِمْ أو ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ ) . فمن ابتغى وراء ما زوجه الله أو ملكه فقد عدا وفي الدّر المنثور فيما رواه عمار مولى الشريد عن ابن عباس ان المتعة ليست بسفاح وقد ذكرنا في الجزء الاول ص ١٩٧ في قوله تعالى في سورة المائدة( وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ. إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ ) ان التدبر للقرآن يقتضي وروده في نكاح الكتابيات بالمتعة : واماما في الدّر المنثور مما أخرجه أبو داود في ناسخه وابن المنذر والنحاس من طريق عطا عن ابن عباس في آية المتعة نسختها( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَ وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ ) إنتهى فقل لراويها ان تشريع الطلاق لم يحصر إباحة الوطء وشرعيته بما كان موردا للطلاق وإلا فما تقول في

__________________

(١) كذا رأينا في الأصل

٨٢

التسري والوطء بملك اليمين فإن مورد الطلاق هو العقد المبني على الدوام لأن الطلاق هو الحل لعقدة الزواج الدائم وقطع لدوامه وإن قلت ان النسخ بالعدة قلنا ان المستمتع بها عليها عدة ولكنها تنقص عن عدة الدائم بحسب الدليل كما نقصت عدة الأمة كما عليه جميع الإمامية وجمهور أهل السنة ما عدا داود وأصحابه الظاهريين. وقد روى في الدّر المنثور من طريق عمار مولى الشريد عن ابن عباس ان المستمتع بها تعتدّ بحيضة وفي كنز العمال مما أخرجه عبد الرزاق عن جابر في المتعة وكنا نعتد من المستمتع بها منهن بحيضة وروى أيضا عن السدي انها تستبرئ رحمها : ومن الطريف ما في الدّر المنثور مما أخرجه ابن المنذر والطبراني والبيهقي من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس في ضمن قصة فيها شعر قوله ما أحللتها «يعني المتعة» إلّا للمضطر ولا أحللت منها إلّا ما أحلَّ الله من الميتة والدم ولحم الخنزير إنتهى وهل يكون ابن عباس يقول ان الآية نزلت في المتعة ثم يقيد إطلاقها ويخصها من تلقاء نفسه بالمضطر كأكل الميتة وفي تفسير الرازي وتبعه أبو السعود وروى (انه يعني ابن عباس) قال عند موته اللهم اني أتوب إليك من قولي في المتعة والصرف إنتهى وهل رؤي في المنام مخبرا عن قبول توبته أو تشديد السؤال عليه من أجل المتعة وفي الدّر المنثور مما أخرجه عبد الرزاق وابن المنذر والبيهقي عن ابن مسعود قال المتعة نسخها الطلاق والصدقة والعدة والميراث إنتهى ودع عنك سقوط الرواية بما ذكرناه في المقام الثالث وخصوص ما روي فيه عن ابن مسعود ولكنك مما ذكرناه في هذه الروايات المنسوبة إلى ابن عباس تعرف الخطأ أيضا في نسبة النسخ بالطلاق والعدة إلى ابن مسعود. واما الصدقة فإن كان المراد منها الصداق فإن المتعة فيها صداق ولئن سمي اجرا فإن القرآن قد سمى الصداق في العقد الدائم اجرا كما في هذه السورة ٢٤ والممتحنة ٩ والأحزاب ٤٩ فمن اين يجيء النسخ. وإن أراد الراوي غير الصداق فعليه حسابه - وأما الميراث فإن آية ميراث الزوجين تقتضي بنفسها ان يتوارث المستمتع والمستمتع بها لأنهما زوجان. نعم دل الدليل على عدم توارثهما فخصص به الكتاب ولعل ذلك لضعف علقتهما بكونها موقتة وقد اتفق جمهور أهل السنة على جواز نكاح الكتابية بالعقد الدائم واتفقوا على عدم التوارث بينها وبين زوجها المسلم تخصيصا منهم لعموم الإرث بما رووه من قول النبي (ص) لا يتوارث أهل الملتين ونحوه واجمع المسلمون على أن القاتل من أحد الزوجين للآخر لا يرث منه. ومن هذا يعرف الحال أيضا فيما أخرجه البيهقي عن علي (ع) نهى رسول الله عن المتعة وانّما كانت لمن لم يجد فلما نزل النكاح والطلاق والعدة

٨٣

والميراث بين الزوج والزوجة نسخت إنتهى وتزيد هذه الرواية بالوهن أن آية المتعة ليست مقيدة بمن لم يجد كما في نكاح الإماء. وان التزويج كان نزول آياته بمكة قبل الهجرة ومنه قوله تعالى في سورة المؤمنون المكّية( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إلّا عَلى أَزْواجِهِمْ أو ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ ) وهم يروون عن علي (ع) أن المتعة حرمت يوم خيبر فكيف يتقدم الناسخ على المنسوخ بعده سنين وأيضا أن الرواية نفسها تدل على أن المتعة نكاح مشروع إذن فالمستمتع بها زوجة فكيف يكون الزواج ناسخا لها - وقد كفانا هذا المقام عن التعرض لما تشبث به المتألبون لتحريم المتعة بعدم ارث المستمتع بها وبعدم كونها زوجة

(تتمة ) لهذا المقام. قال ابن رشد في بدايته وأما نكاح المتعة فقد تواترت الاخبار عن رسول الله بتحريمه إلّا انها اختلفت في الوقت الذي حرمت فيه ففي بعض الروايات أنه يوم خيبر وفي بعضها يوم الفتح وفي بعضها عام أو طاس «وهو عام الفتح» وفي بعضها في غزوة تبوك وفي بعضها في حجة الوداع وفي بعضها في عمرة القضاء إنتهى وقد ذكرنا في الوجه الأول من المقام الرابع أن الروايات التي يروونها في تحريم المتعة لا تجديهم في مدعاهم ولو كانت ألفا لأنهم يروون نسخ تحريمها بعد ذلك كما أخرجه مسلم واحمد عن سلمة بن الأكوع رخص لنا رسول الله في المتعة عام أوطاس ثلاثا ثم نهى عنها فلم يبق عندهم في النهي بعد ذلك إلّا هذه الرواية ورواية سبرة التي ذكرنا اضطرابها المزري بها. ولم تذكر رواية تحريمها إلى يوم القيامة إلّا رواية سبرة هذه وما هي قيمتها بعد ذلك الاضطراب فضلا عن سقوطها بما ذكرناه في المقام الثالث من تظاهر الأحاديث وتعاضدها والاستفاضة عن عدة من الصحابة والتابعين على شرعيتها بعد ما فارق رسول الله (ص) الدنيا وانقطع الوحي. حتى لو فرضنا انهم رووا انها أبيحت قبل وفاته (ص) بشهر مثلا. وقال ابن رشد أيضا واشتهر عن ابن عباس تحليلها وتبعه على القول بها أصحابه من أهل مكّة واهل اليمن (أقول) وقد تحقق من الأحاديث المتقدمة عن ابن عباس وابن مسعود وعلي امير المؤمنين بالرواية عنه من طرق الفريقين انها باقية على الحل بعد رسول الله (ص) وكما صح ذلك من طرقهم عن الحكم بن عيينة من التابعين ومن طرق الإمامية عن الباقر والصادق (ع) وحكاه(١) العلامة القول بحلها عن ابن جريح وسعيد بن جبير ومجاهد وعطا وغيرهم من التابعين وتقدم في الروايات العمل بذلك في زمان عمر من عمر وبن حريث وابن فلان وربيعة

__________________

(١) حكى (ظ)

٨٤

ابن امية والشامي الصحابي بل ومن شهد على نكاحه من الصحابة وام عبد الله بن خيثمة فهل لأحد بعد ذلك ان يدعي الإجماع على تحريمها - المقام الخامس - في الأمور التي يتشبثون بها لتحريم المتعة. منها دعوى الإجماع وقد عرفت وهنها. ومنها ما أخرجه الحاكم في تفسير سورة النساء من مستدركه عن أبي ملكية سئلت عائشة عن متعة النساء فقالت بيني وبينكم كتاب الله وقرأت والذين هم لفروجهم حافظون إلّا على أزواجهم أو ما ملكت ايمانهم فمن ابتغى وراء ما زوجه الله أو ملكه فقد عدا إنتهى بدعوى ان مراد عائشة ان المستمتع بها ليست زوجة وقد حصر الله الحل بالزوجة والمملوكة (أقول) وهذا التشبث مردود لو لا بالمنع مما نسبتموه لعائشة ولعلها تريد ان المستمتع بها زوجة لما جاء من شرعية المتعة. وثانيا لو أرادت ما ذكرتم لكان اجتهادا يرده ان آيتي( إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ ) جاءتا في سورتي المؤمنون والمعارج المكيتين باتفاق المفسرين فيكون ما ثبت من تحليل المتعة ناسخا لحصرهما لو سلمنا ان المستمتع بها ليست بزوجة. وثالثا ان الزوجة هي المنكوحة بعقد مشروع والمستمتع بها زوجة بحكم تشريع المتعة. ومنها ما ذكره ابن الروزبهان في معارضته لنهج الحق من دعوى الإجماع على ان المستمتع بها ليست بزوجة لأنها لا ترث ويرده ان دعوى الإجماع هنا لا قيمة لها في سوق العلم وشرف المعرفة وإن النظر إلى عدم الإرث غفلة عن الزوجة الكتابية والمسلمة القاتلة لزوجها. وهل بين الزوجية والإرث اتحاد في المفهوم أو ملازمة عقلية وهل الوارثية إلّا حكم شرعي يثبت للزوجة بدليله ويرتفع بدليله كما في الكتابية والقاتلة. ومنها دعوى نسخ المتعة بآيات الطلاق والعدة والميراث. وقد تقدم رد ذلك. ومنها قوله تعالى( مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ ) . وقد تقدم رد التشبث بذلك وان التزوج بالمتعة إحصان شرعه الله وكيف للنفس والزوجة عن الطموح إلى الزنا وإن قصرت مدته. واما ما ذكره صاحب المنار في تفسيره من ان الشيعة لا يقولون برجم الزاني المتمتع إذ لا يعدونه محصنا فكأنه اخذه من تساهل السماع دون النظر في كلمات الشيعة في مصنفاتهم وعناوين دروسهم ليرى ويسمع منهم ان النكاح الدائم جعلوه شرطا بمقتضى أحاديثهم في الإحصان الذي يجب معه الرجم لا في مطلق الإحصان المراد في الآية الشريفة كما اشترط أبو حنيفة الإسلام وحرية الزاني والزانية وزاد مالك ان يكون في حالة لا يكون الوطء فيها محرما كأيام الحيض والصيام. فهل يقول انهم جعلوه هذه الشروط شروطا في إحصان الآية وان من فقد هذه الصفات والشروط يكون في ذلك الحال

٨٥

مع زوجته من المسافحين لا من المحصنين(١) - ومنها - ما جعله الرازي في تفسيره الحجّة الثانية لمن يقول بتحريم المتعة وتبعه على الاحتجاج صاحب المنار في تفسيره وهو ما روي عن عمر انه قال في خطبته متعتان كانتا على عهد رسول الله (ص) انا انهى عنهما وأعاقب عليهما وملخص وجه الاحتجاج هو ان عمر ذكر هذا الكلام في مجمع الصحابة وما أنكر عليه أحد فلا بد من ان يكون سكوتهم لعلمهم بالتحريم من رسول الله (ص) وإلا لكان مداهنة منهم وهو يوجب تكفير عمر وتكفير الصحابة وهو باطل ولا يجوز ان يكونوا غير عالمين بكون المتعة مباحة ومحظورة لأن المتعة مما يحتاج إليه فيمتنع ان يكون أمرها مخفيا عليهم بل يجب ان يشتهر العلم به - قلنا - أولا لا يلزم من علمهم بحلها ان يكون سكوتهم مداهنة يلزم منها تكفيرهم وتكفير عمر - معاذ الله - بل يجوز ان يكونوا جوزوا عليه الاجتهاد خطأ وقد رأوا منه الجد الشديد في منعهما والإصرار القاطع على اجتهاده فسكتوا حفظا لاجتماع الكلمة وحذرا من عواقب الخلاف في الجامعة الإسلامية فلا يلزم من ذلك تكفير لأحد ويجوز ان يكون هناك وجه آخر وآخر لا يلزم منهما التكفير - وثانيا - لماذا غفل الرازي ومن احتج بحجته أو تغافلوا من ان تحريم عمر للمتعة في هذه الرواية وفي روايات جابر وسعيد بن المسيب كما تقدم قد كان مقرونا بتحريم متعة الحج أيضا فلما ذا سكتوا حينئذ عن تحريمها. هل يستطيع الرازي أو غيره ان يقول انهم سكتوا لعلمهم بتحريمها من رسول الله. اذن فلما ذا اتفق المسلمون

__________________

(١) وقال صاحب المنار في تفسيره في المتعة أيضا (وان كان هناك نوع ما من إحصان فإنه لا يكون فيه شيء من إحصان المرأة التي تؤجر كل طائفة من الزمن لرجل فتكون كما قيل : كرة حذفت بصوالجة ، يتلقفها رجل رجل) وأقول كما يمكن ان يتفق وقوع هذا في نكاح المتعة فإنه يمكن ان يتفق وقوعه في النكاح الدائم أيضا كالمرأة التي تتزوج ثم تطلق بعد سنة وبعد عدتها ييسر الله لها خاطبا فيستحب لها أو يجب عند خوف الفتنة ان تتزوجه ثم يطلقها أو يموت وبعد العدة ييسر الله لها ثالثا فتتزوجه على كتاب الله وسنة رسوله ثم يطلقها أو يموت فييسر الله لها رابعا وهكذا إلى ما شاء الله كرة حذفت بصوالجة ، يتلقفها رجل رجل. على ما سوغته الشريعة من الزواج بحدود العدة فهل يمكن ان يقال إن هذا لا يكون فيه شيء من إحصان المرأة. ولو كان هذا الحال قبيحا فاسدا عند الله لا يصح ان يشرع ما يؤدي إليه للزم ان يقيد شرع النكاح والطلاق والعدة ووطء الإماء والتسري بهن وبيعهن بما لا يؤدي إليه ولا يقع فيه ذلك فيقيد به نكاح المتعة أيضا ولئن جاز ان ينقطع الإحصان بالطلاق بعد يوم أو اكثر فما هو المانع من انقطاعه بأجل المتعة الذي قد يبلغ خمسين سنة أو اكثر

٨٦

وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ

____________________________________

على مشروعيتها من ذلك العصر إلى الآن ولم يؤثر فيهم ما يروى من تشديد عمر وعثمان وابن الزبير. نعم لم يكن في متعة الحج ما يروى من التهديد بالرجم فلذا أمكن الناس ان يحافظوا على سنتها تدريجا بالملاينة. أخرج أحمد في الجزء الأول ص ٣٩ ومسلم والنسائي في حج التمتع من طريق طارق بن شهاب عن أبي موسى في حديث انه كان يفتي بالمتعة على ما علمه من رسول الله (ص) وعمل به حتى في ايام أبي بكر وعمر إذ قال له قائل في مكّة انك لا تدري ما أحدث امير المؤمنين في النسك فقال يا ايها الناس من كنا افتيناه بفتيا فليتئد فإن امير المؤمنين قادم عليكم فيه فائتموا(١) فلما قدم قال له يا امير المؤمنين ما هذا الذي أحدثت في النسك وفي رواية أحمد في الجزء الرابع ص ٣٩٣ فقلت يا امير المؤمنين هل أحدثت في المناسك قال نعم. (أقول) ولم يكن جواب عمر لابي موسى إلّا بيان اجتهاده ورأيه كما ذكرناه في الجزء الاول ص ١٧٢ و ١٧٣ واخرج الترمذي ان شاميا سأل عبد الله بن عمر عن متعة الحج فقال هي حلال فقال الشامي ان أباك قد نهى عنها فقال عبد الله أرأيت ان كان أبي نهى عنها وصنعها رسول الله (ص) أفرأي أبي يتبع ام أمر رسول الله الحديث. واخرج البخاري في كتاب التفسير في باب من تمتع بالعمرة إلى الحج عن عمران بن حصين قال أنزلت آية المتعة في كتاب الله ففعلناها مع رسول الله (ص) ولم ينزل قرآن يحرمها ولم ينه عنها حتى مات قال رجل برأيه ما شاء : وهذه الرواية سواء كانت حقيقتها في متعة الحج أو متعة النساء تكون ردا لهذه الحجّة من المحتجين حلا ونقضا : وأخرجها مسلم أيضا وفيها «يعني متعة الحج» - ومنها - ما ذكره ابن الروزبهان في معارضته لنهج الحق وهو ان النكاح يحتاج إلى ولي وشهود فتبطل المتعة فنقول انا نشترط فيها كل شرط ثبت في الكتاب أو السنة انه شرط في المتعة بل قد نلتزم بالاحتياط عند الشك في الشرط فما ذا عنده بعد ذلك( وَلا جُناحَ ) ولا اثم أو ولا منع( عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ ) من إسقاط الأجر كلا أو بعضا برضاء المرأة أو التراضي على

__________________

(١) وهذه الرواية مما تشير إلى وجه من جواب المحتجين إذ تقول أن أبا موسى يعلم بحكم التمتع من رسول الله وكان يفتي به ايام أبي بكر وعمر ويقول القائل أحدث امير المؤمنين في النسك وهو يقول لعمر ما هذا الذي أحدثت ومع ذلك يأمر الناس بان يتندوا فإذا قدم عمر ائتموا به

٨٧

إِنَّ اللَّهَ كانَ عَليمًا

____________________________________

ذلك بعد ان تفرضوه فلا تتوهموا المنع والجناح عليكم في ذلك من اشتراط هذا النكاح بإيتاء الأجر وكونه فريضة في العقد. فالآية في عقد المتعة التي لا بد فيها من فرض الأجر مثلها في قوله تعالى في الآية الثالثة( فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً ) ويجوز ان يكون المعنى ما تراضيتم به من الشروط السائغة بعد الفريضة في العقد وعليه تجري موثقتا ابن بكير بحمل قوله (ع) بعد النكاح على انها في العقد بعد قوله أنكحت إلى كذا بكذا. واما التراضي على زيادة الأجل بمهر آخر فالمشهور عند الإمامية والموافق للقاعدة ومقطوعة أبي بصير ورواية ابان عن الصادق (ع) المرويتين في الكافي وروايتي العياشي عن أبي بصير عن الباقر (ع) وعن أبي بصير عن الصادق (ع) انه لا يجوز إلّا بعقد جديد بعد ان ينقضي الأجل أو يهبها المدة الباقية ثم يعقد عليها جديدا على ما تراضيا عليه وفي مجمع البيان ان هذا قول الإمامية وتظاهرت به الروايات عن أئمتهم. ونسبه أيضا إلى السدي كما رواه عنه في الدر المنثور. نعم إن الحكم المذكور هو مذهب الإمامية وتظاهرت الروايات على الحكم لكن حمل الآية على هذا يحتاج إلى تكلف في تأويل قوله تعالى( مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ ) . واما رواية بصائر الدرجات في تمديد الأجل في أثناء المدة فموهونة بجهالة حال المدائني ومخالفتها لقاعدة النكاح المشهور فضلا عن معارضتها بما يستوجب التقديم عليها( إِنَّ اللهَ كانَ ) منذ الأزل ولا يزال( عَلِيماً ) بما يحتاج العباد إليه من اللطف بالشريعة وتيسير أمورهم في مختلفات أحوالهم بما يقوم بحاجتهم في العصمة عن الزنا ومكافحة النفس الأمارة ويساعد على تكثير النسل. فكم من مسافر يطول سفره ولا يسمح له بالتزويج بالعقد الدائم. وكم من حاضر لا يتيسر له ذلك على ما يريد أو يناسبه. وكم من ايم مؤمنة لا يقدم الناس على تزوجها بالعقد الدائم فشرع الله المتعة بحدودها الصالحة لكي تقوم بهذا الحوائج الماسة وهذا الإصلاح الكبير. ومن ذلك يعلم جل اسمه انه يأتي زمان يمنع فيه من استرقاق الجواري الذي قد يقوم بشطر مهم مما أشرنا إليه من حاجة الرجال. ولو لا ما تفاحش من كثرة الزنا السري والعلني وفحشاء اللواط لسمعت ضجة الناس من العسر والحرج وشدة الضيق عليهم من حصر الأمر بالزواج الدائم ولو بقيت شرعية المتعة بحدودها الصالحة على رسلها بلا نكير تحريم ولا ملام غالب يوجب

٨٨

سوء سمعتها لما كان للزنا واللواط هذا الدويّ المدهش والشيوع الفاحش الذي يستنزف الأموال الكثيرة ويهتك الشرف ويذيع الفساد ويشيع الأمراض الردية الموبقة المعروفة ، ويقلل التناسل ويدنس الأخلاق ويكثر فيه المنبوذون المعرضون للهلاك. ومن وباء هذه المفاسد صار التعقيم عملا لكثير من النساء وصار الكثير من الرجال تنقضي أيام شبابهم ولا يولد لهم. ولو وجد نوع مشروعا على رسل مشروعيته يغنيهم عن خسة الزنا في حاجتهم إلى النساء لما استرسل أكثرهم في رذيلة الزنا ومفاسده واتباع الهوى وبوائقه حتى استدرجهم ذلك فاجترءوا على الزنا بالمحصنات الموجب لاختلاط الأنساب ، وسورة العشرة ، ومفاسد أولاد الزنا. ولكان الأمر كما قال امير المؤمنين (ع) وابن عباس «لما زنى إلّا شقي» أو إلّا شقي أي قليل. ولما حدثت هذه المفاسد المعضلة العظيمة الإخلال بالنظام الشرعي والعمراني : وقد دون في كتب الفقه للإمامية من احكام المتعة وآدابها حسبما تلقوه من مصدر الوحي وأمنائه ما يوقف المتعة في صف العقد الدائم في راحة الإنسانية وحفظ الشرف والعفة والنزاهة وكرامة النسل وحفظه من الاختلاط بميزان العدة والنواميس الشرعية وقد جمع من أحاديثها في الوسائل عن أئمة أهل البيت في آدابها وأحكامها ما دونه في كتاب النكاح في سبعة وأربعين بابا. فالزوجان المتمتعان إذا كانا ملتزمين بالشريعة وأجريا المتعة على احكامها الشرعية وآدابها لم يعرض في أمرهما ولا أمر نسلها ادنى خلل من حيث النظام العمراني ولا الاجتماعي ولم يضع نسلهما من جهتيهما ولم يعروه اختلاط ولم يقصر في جميع أموره حتى النفقة والتربية عن نسل العقد الدائم بوجه من الوجوه سواء كان التمتع في وطن الزوجين أو في دار الغربة لهما أو لأحدهما مهما كانت نائية. وأما غير المتشرعين فنجعلهما في صف غير المتشرعين في لوازم العقد الدائم واحكامه. كالرجل يتزوج ثم يهاجر إلى البلاد النائية كما نعرفه في كثير من المهاجرين إلى أمريكا واقاصي افريقا حيث تركوا أطفالهم وأزواجهم ضياعا بلا كفيل حتى صاروا في حالة يرثى لها ويا ليتهم طلقوا نساءهم ليتزوجن ويكفين أنفسهن أمر المعيشة ويصرن في حماية الأزواج - أو كمن يتزوج في بلاد غربته فيولد له حتى إذا وجد فرصة الرجوع إلى بلاده أو التنقل في سياحة تركهم نسيا منسيا لا يعرفون لهم أبا ولا كفيلا. أو كالذي يطأ أمته أو يتسراها ثم يبيعها في بلاد الغربة وهي حامل منه فيكون ولده منها ابن الغربة وربيبها ومكفولها أو منسوبا لغير أبيه أو أسيرا للرق. وإذا كانت هذه الأمور من غير المتشرعين لا تخد

٨٩

حَكيمًا (٢٥)وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلًا أَن يَنكِحَ

____________________________________

في شرعية العقد الدائم ولا جواز الوطء للمملوكات فبالحري ان لا تخدش في شرعية المتعة كما يزعمه بعض الناس من بعث عاطفتهم الطائفية في تهويلهم باخلال المتعة بالنظام الشرعي والعمراني على ما يفرضون وقوعه في متعة غير المتشرعين. ومن طبع هذه العاطفة ان لا تسمح لهؤلاء المهولين بأن يلتفتوا إلى ما ذكرنا وقوعه من غير المتشرعين من المتزوجين بالعقد الدائم والواطئين لإمائهم. أو يلتفتوا إلى ما ذكر من شرعية المتعة في الكتاب والسنة فيما تقدم من المقام الاول والثاني والثالث بل والرابع والخامس لكي يلتفتوا إلى ان تهويلاتهم تكون منهم كتلة اعتراضات على الله ورسوله وكتابه في تشريع المتعة. وكان الله عليما( حَكِيماً ) في شريعته ٢٥( وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً ) الطول من حيث اللفظ مصدر كما نص عليه أهل اللغة وأما من حيث ما يرجع إلى المعنى ففي التبيان ومجمع البيان الطول الغنى. وفي الكشّاف المعنى زيادة في المال وسعة يبلغ به نكاح الحرة. وفي كنز العرفان من لم يكن له زيادة في المال وفي القاموس الفضل والقدرة والغنى والسعة. وفي الدّر المنثور مما أخرجه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس من لم يكن له سعة ان ينكح الحرائر. ولم أجد من خرج عن هذه المعاني. والمعنى الذي يتردد بينها غير داخل في قدرة الإنسان واستطاعته بل هو أمر بيد الله. اذن فلا يصح ان تكون كلمة «طولا» مفعولا به لكلمة «يستطيع» كما يلوح من بعض المفسرين وصرح به الفخر الرازي أولا في تفسيره ولكنه تفطن لعدم الجواز وقال انه على المفعولية يكون معنى الآية فمن لم يقدر منكم على القدرة انتهى. فالأظهر ان «طولا» مفعول لأجله لبيان جهة الاستطاعة المذكورة. وليس في الآية ما يشير إلى نظر الطول إلى خصوص المهر بل هو متعلق بالتزويج وما يحتاج إليه في امره من المؤنة ومنها نفقة الحرائر. والمرجع في استطاعة الطول إلى العرف بحسب حال الشخص ونظام تعيشه( أَنْ يَنْكِحَ ) المصدر مفعول لكلمة «يستطع» والأظهر ان النكاح هو التزويج دواما ومتعة ولكل إنسان رغبة في أحدهما بحسب حاله من سفر أو حضر أو غير ذلك. فمن لم يستطع طولا ان يجري أحدهما مع الحرائر انتقل به إلى الإماء على ما تقتضيه الآية بإطلاقها وعليه مضمرة محمد بن صدقة البصري المروية عن تفسير العياشي وهذا هو وجه المناسبة بين الآية وما قبلها فإنها تعرضت للصورة النازلة من نكاحي الدوام والمتعة

٩٠

الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُم بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ

____________________________________

تتميما لأحكام النكاح وآدابه( الْمُحْصَناتِ ) بفتح الصاد. والمراد منهن الحرائر العفائف المحصنات بالصون بالنسبة إلى حالة الإماء نوعا في الابتذال( الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما ) أي فلينكح مما( مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ) ايها المسلمون المخاطبون فلا يدخل الشخص المعبر عنه بالغيبة بالنسبة لبيان الحكم في نكاحه. وجواب الشرط للإباحة بالمعنى الذي يعم رجحان الترك والصبر عليه( مِنْ فَتَياتِكُمُ ) يقال للأمة فتاة وان كانت مسنة( الْمُؤْمِناتِ ) فعسى ان تمنعهن ملكات الإيمان الحميدة واتباعهن للشريعة المقدسة عما يخشى من الأمة في تبذلها نوعا من بوادر منافيات العفة وسوء المعاملة فإن الإيمان الصحيح الثابت رادع نوعا عن السوء. ولكن لا سبيل لكم إلى العلم بما لأفرادكم من الإيمان الثابت وملكاته الحميدة وما دون ذلك من مراتب الإيمان المختلفة ، والأخلاق المتفاوتة في البعد عن عادات الجاهلية ورذائلها والقرب منها( وَاللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ ) وما لكل منكم من مراتبه وأخلاقه وملكاته. وانكم لتعلمون انكم بشر( بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ ) في الاختيار في الأعمال. فمنكم من يقبل على الله فيجيب داعيه إلى الإيمان والطاعة والصلاح فيوفقه لمراتب الكمال السامية. ومنكم من يتبع الهوى بسوء اختياره وينقاد للشهوات وغواية الشيطان. ومنكم من يكون بين ذلك على احدى المراتب المتفاوتة فعليكم بظاهر الحال وما يقتضي لكم الوثوق باستقامة الأمة من مظاهر إيمانها : وفي مختصر التبيان أي كلكم من ولد آدم وقيل كلكم على الإيمان ويمكن ان تكون الأمة أفضل من الحرة واكثر ثوابا عند الله وفي ذلك تسلية لمن يعقد على الأمة إذا جوز ان تكون اكثر ثوابا عند الله إنتهى وعلى هذا النهج جرى في مجمع البيان والكشاف وتفاسير الرازي وأبي السعود وصاحب المنار ولكن الظاهر لنا من مجموع الآية وشروطها وقوله تعالى في آخرها( وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ ) هو ما ذكرناه. وعليه يكون المحصل من مجموع الاية وإذا خشيتم العنت ولم تصبروا كما هو الاشارة الأخيرة في الاية( فَانْكِحُوهُنَ ) فيه التفات إلى خطاب المحتاج إلى نكاح الأمة بعد ذكره بالغيبة. والأمر هنا للاباحة التي تعم المرجوح. والنكاح التزوج( بِإِذْنِ أَهْلِهِنَ ) أي مالكهن وفي ذلك اشارة إلى كفاية الاذن من مالك الأمة في تزويجها أي لا يكون بغير اذنه( وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ ) كما يستحق

٩١

بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ

____________________________________

بشريعة الزواج فانه أجرها ومقابل بعضها وان رجع إلى المالك( بِالْمَعْرُوفِ ) من عادة الزواج الشرعي ومهره حال كونهن بهذا الزواج( مُحْصَناتٍ ) قد أقدمن على الزواج للإحصان على الشريعة وسنة الرسول (ص)( غَيْرَ مُسافِحاتٍ ) وقاصدات للزنا واتباع الشهوات( وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ ) الخدن الخليل والصاحب والمراد هنا الاختصاص بخلته وصحبته للزنا. وقيل ان المراد تزوجوهن حال كونهن عفائف غير زانيات في العلن والسر. والأول أظهر( فَإِذا أُحْصِنَ ) بضم الهمزة وكسر الصاد كما هو القراءة المتداولة المعهودة بين المسلمين وعليها اكثر السبعة حتى عاصم في غير رواية أبي بكر عنه. فلا يناسبها تفسير الإحصان بالإسلام لأن الإسلام من فعلهن الصادر منهن لا واقع من غيرهن عليهن. بل المراد الإحصان لهن بالتزويج كما في صحيح الكافي والتهذيب وعن محمد بن مسلم عن أحدهما يعني الباقر أو الصادقعليهما‌السلام وصحيح التهذيب عن يونس عن الصادق (ع). وفي الدّر المنثور مما أخرجه ابن المنذر وابن مردويه والضياء في المختارة وما أخرجه أيضا ابن أبي شيبة وابن جرير عن ابن عباس واما ما في الدّر المنثور مما أخرجه ابن أبي حاتم عن علي (ع) عن رسول الله (ص) قال احصانها إسلامها. وقال انه حديث منكر. وما أخرجه عبد بن حميد عن ابن مسعود من قوله احصانها إسلامها فيكفي في سقوطه معارضته بما أخرجه سعيد بن منصور وابن خزيمة والبيهقي عن ابن عباس عن رسول الله (ص) في حديث قوله (ص) حتى تحصن بزوج. فإذا أحصنت بزوج : هذا فضلا عن ان مؤدى الحديثين عن الرسول (ص) وابن مسعود لا يناسب القراءة المتبعة كما ذكرناه وايضا إذا نظرنا إلى قوله تعالى( فَإِذا أُحْصِنَ ) إلى آخر جواب الشرط قد وقع تفريعا في ضمن ما لنكاح الإماء المؤمنات من الأحكام وجدنا انه لا يحسن ان يكون الموضوع لحكمه غير الإماء المتزوجات( فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ ) توجب الحد الشرعي( فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ ) والذي ينصف من حد الزنا وله عدد مخصوص هو المائة جلدة. واما الرجم فهو مقدمة مخصوصة لازهاق النفس بلا تقدير ينصف بل حده الموت فليس له نصف موزون بميزان يعول عليه. ولعل قوله تعالى( مِنَ الْعَذابِ ) يراد به نصف ما هو عذاب مع بقاء الحياة الذي قال فيه تعالى( وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ

٩٢

ذَٰلِكَ

____________________________________

مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) وليس لشرط الإحصان بالتزويج مفهوم ولا دليل خطاب. لقيام القرينة على ذلك من أحاديث المسلمين. فمن ذلك ما أخرجه عبد الرزاق والبخاري ومسلم عن زيد بن خالد الجهني ان النبي (ص) سئل عن الأمة إذا زنت ولم تحصن قال (ص) اجلدوها. واخرج أحمد في مسند علي (ع) والترمذي عن عبد الرحمن السلمي قال خطب علي (ع) فقال ايها الناس أقيموا الحدود على ارقائكم من أحصن منهم ومن لم يحصن وان أمة لرسول الله (ص) زنت فأمرني ان اجلدها. وأخرج أحمد أيضا عن أبي جميلة عن علي (ع) نحوه مع تقديم وتأخير وفيه أقيموا الحدود على ما ملكت ايمانكم. وفي الدّر المنثور أخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن أنس بن مالك انه كان يضرب امائه الحد إذا زنين تزوجن أو لم يتزوجن إنتهى وعلى هذا عمل علماء الأمصار من أهل السنة ولا يعرف فيه خلاف بين الإمامية بل الظاهر إجماعهم عليه. وعليه صحيح الفقيه والكافي والتهذيب عن بريد عن الصادق (ع) وصحيح الكافي عن محمد بن مسلم عن أحدهماعليهما‌السلام وصحيح التهذيب عن أبي بصير عن الصادق (ع). بل لا مفهوم ولا دليل خطاب في الآية حتى لو قلنا بأن المراد من إحصانهن اسلامهن. لما رواه مالك والبخاري ومسلم وابو داود عن ابن عمر في قصته أمر رسول الله (ص) برجم اليهودي واليهودية. ورواه أبو داود أيضا عن جابر والبراء بن عازب وأبي هريرة. ورواه الترمذي بدون القصة. فيجب الحد على غير المسلم أيضا وهو مذهب الشافعي. ولا خلاف فيه بين الإمامية. وهو مفاد العموم في لفظ العبيد في الصحيح المروي في الكافي والتهذيب عن الباقر (ع) قضى امير المؤمنين في العبيد إذا زنى أحدهم ان يجلد خمسين جلدة وان كان مسلما أو كافرا أو نصرانيا. وعلى ذلك أيضا رواية قرب الاسناد عن الكاظم (ع) فالفائدة في الجملة الشرطية هو بيان وجه من وجوه الإرشاد إلى ان الصبر عن تزوج الإماء خير. وذلك انهن في حال الإحصان بالتزويج قد اقتضت الحكمة والرحمة ان لا يشرع في حدهن إلّا جلد خمسين سوطا مع ان دواعي الزنا مع ابتذالهن في الرق والخدمة اقرب إليهن بالنسبة إلى الحرائر المصونات نوعا وحد الحرائر الجلد والرجم فرادع الإماء في حال الإحصان أضعف من رادع الحرائر ودواعيهن إلى الخنا نوعا اقرب من دواعي الحرائر( ذلِكَ ) أي نكاح المؤمنات بحسب الظاهر من إماء المسلمين لمن لم يجد طولا ان ينكح الحرائر من المؤمنات انما

٩٣

لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنكُمْ وَأَن تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَّكُمْ

____________________________________

هو ( لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ ) في التبيان العنت معناه هنا الزنا وقيل الضرر الشديد في الدين أو الدنيا مأخوذا من قوله تعالى( وَدُّوا ما عَنِتُّمْ ) والأول أقوى. وجعله في مجمع البيان الأصح وفي الكشّاف فسره بالإثم مع قوله بأنه مستعار للمشقة والضرر. وقد ذكرنا في الجزء الأول ص ١٩٦ في قوله تعالى( وَلَوْ شاءَ اللهُ لَأَعْنَتَكُمْ ) وفي ص ٣٣٤ في قوله تعالى( وَدُّوا ما عَنِتُّمْ ) ان معنى العنت دائر بين الشدة والمشقة ونحو ذلك ولا دليل على ان المراد هنا الزنا أو الإثم فالصحيح تفسيره بمن خشي الشدة والمشقة بسبب العزوبة أو من جهة من الجهات. إذا لم يصح ما أخرجه ابن جرير عن ابن عباس من ان العنت الزنا. ولا ما أخرجه الطستي عنه من انه الإثم( وَأَنْ تَصْبِرُوا ) بفتح الهمزة أي وصبركم عن نكاح الإماء حتى مع عدم الطول وخوف العنت( خَيْرٌ لَكُمْ ) لأن في نكاحهنَّ نوعا حزازات وعواقب يرغب عنها كما ذكرنا بعضها في الأثناء وتزيد على ذلك بأن أمر الأمة في غير ما يعارض تمتع الزوج إنّما هو بيد المولى. وان نكاحها معرض للفسخ فيذهب ما بذله من المهر هدرا وذلك إذا بيعت أو انتقل ملكها إلى آخر أو اعتقت وهذه حزازات كبيرة. نعم ليس منها عند الامامية صيرورة الولد رقا فإن الولد عندهم بحسب اصل الشرع يتبع الحر من أبويه في الحرية كما عليه المعول من حديثهم وإجماعهم الذي لا يقدح فيه خلاف الإسكافي - هذا وقوله تعالى( خَيْرٌ لَكُمْ ) مع ما ذكرنا في قوله جل اسمه( الْمُؤْمِناتِ وَاللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ. بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ ) يرشد إلى ان المقام مقام ارشاد إلى اجتناب نكاح الإماء لما فيه من الحزازات والمحاذير نوعا لا مقام تحريم كما هو الأشهر بين الامامية ويشهد له ما في الكافي والتهذيب من قول الصادق (ع) «لا ينبغي» كما رواه أبو بصير وأرسله ابن بكير عن بعض أصحابنا. واما صحيح زرارة عن الباقر (ع) سألته عن الرجل يتزوج الأمة فقال (ع) لا إلّا ان يضطر إلى ذلك. فلا دلالة فيه على التحريم بل هو على الكراهة وما يرجع إلى الإرشاد ادل فان الظاهر من الاضطرار كونه امرا فوق عدم الطول وخوف العنت فعدم الاضطرار يجتمع معهما فلا يمكن ان يكون النفي الشامل له للتحريم على خلاف تجويز الآية بل للكراهة والإرشاد الذي يرتفع بالاضطرار ولا يكون مصداقا لقوله تعالى( وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ ) . ومن ذلك يعرف الكلام في موثقة أبي بصير عن الصادق (ع) في الحر يتزوج الأمة قال (ع) لا بأس إذا اضطر إليها. ونحوها رواية التهذيب عن محمد بن

٩٤

وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (٢٦)يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ

____________________________________

مسلم عن الباقر (ع). ودعوى ان السؤال في الروايات عن الحل المقابل للتحريم مجازفة فان غاية ما في السؤال هو كونه عن الشأن الشرعي في تزويج الأمة مضافا إلى ما ذكرناه من خلل الحمل على التحريم في غير الاضطرار كحال خوف العنت( وَاللهُ غَفُورٌ ) لمن يخالف هذا الإرشاد والكراهة( رَحِيمٌ ) بعباده في إرشادهم إلى ما يصلحهم وغفرانه لمخالفة ارشاد مولاهم وآلههم ٢٦( يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ ) قال في الكشّاف اللام زائدة والأصل ان يبين. قال ذلك ليجعل المصدر مفعولا فتكون اللام لغوا. وما أهون دعوى الزيادة عليه. ولم يقل شيئا في نظائرها من القرآن الكريم مثل قوله تعالى في سورة المائدة( ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ ) .( يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ ) . والتوبة( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ ) . والأحزاب( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ ) . والقيامة( يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ ) : ومثله قول كثير على ما في مجمع البيان : -

أريد لأنسى ذكرها فكأنما

تمثل لي ليلى بكل سبيل

ونحوه أيضا ما سنذكره من البيتين. وقد ذكرنا بعض ما في دعاويهم للزيادة في الجزء الأول ص ٣٨ حتى ٤١ و ٣٦١ و ٣٦٢ ، وفي مختصر التبيان مرسلا ومجمع البيان عن الزجاج عن سيبويه ان اللام دخلت هنا على تقدير المصدر أي ارادة الله للبيان لكم نحو قوله تعالى إن كنتم للرؤيا تعبرون إنتهى ومرجع التمثيل إلى انهما لام التقوية وهو غريب من مثل سيبويه إذ يأول القوي بالضعيف ليحتاج إلى لام التقوية ومع ذلك يبقى المبتدأ بلا خبر وهل يكون مثل هذا التكلف في القرآن الكريم لكن في المغني قال الخليل وسيبويه ومن تابعهما ان الفعل مقدر بمصدر مرفوع بالابتداء واللام وما بعدها خبر أي ارادة الله للتبيين على ان تكون اللام للتعليل. أقول ومع التكليف الذي لا يناسب كرامة القرآن يبقى الكلام ناظرا إلى متعلق الارادة ومفعولها فما هي فائدة الفرار إلى التأويل. وقيل ان اللام بمعنى «ان» المصدرية ليكون المصدر مفعولا ليريد. ونقل في مختصر التبيان ومجمع البيان وشرح الكافية للشيخ الرضي وتفسير الرازي انها بمعنى «ان» مثلها في التي تقع بعد «امر» كقوله تعالى( وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ ) ويرد ما ذكروه أولا ان مجيء اللام بعد ان المصدرية لم تقم عليه حجة - وثانيا - انها لو كانت كما يقولون لما وقعت بعدها «كي» و «ان» المصدريتان كما أنشده الزجاج : -

أردت لكيما يعلم الناس انها

سراويل قيس والوقوف شهود

٩٥

لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً

____________________________________

وقول الآخر : -

أرادت لكيما لا ترى لي عثرة

ومن ذا الذي يعطي الكمال فيكمل

وقوله تعالى في سورة الزمر ١١( وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ ) فالصحيح هو ان اللام للتعليل ومفعول «يريد» في الموارد التي ذكرناها من القرآن الكريم محذوف. يقدر في كل مقام بحسب ما يناسبه ويقتضيه وقد ذكرنا في الجزء الأول ص ٨١ و ٨٢ ان مثل هذا الحذف باب من أبواب البلاغة. ومما يناسب الآية ان يكون التقدير فيها. يريد الله ان يفصل لكم شرايع النكاح أو الشرايع المذكورة في السورة أو ما قبلها لكي يبين( لَكُمْ ) ما هو الصالح في نظامكم وأخلاقكم وسعادتكم( وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) التي شرعها الله وسنها لهم لصلاحهم فاتخذوها بإيمانهم وطاعتهم لله سننا متبعة مما اقتضت المصلحة ان يسن لكم أيضا في شريعة الإسلام( وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ ) مما سلف من عملكم بعادات الجاهلية الفاسدة وتشريعاتها الوحشية الخسيسة( وَيَغْفِرْ لَكُمْ ) بسبب وسيلتكم إلى رحمته من طاعتكم واتباعه لما بيّنه لكم من شريعته فإن ذلك توبة منكم عما سلف(١) ( وَاللهُ عَلِيمٌ ) بما يصلحكم ويصلح نظامكم( حَكِيمٌ ) في شريعته وبيانها ٢٧( وَاللهُ ) بلطفه ورحمته( يُرِيدُ ) ويحب( أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ ) بأن تصلحوا اعمالكم وتتبعوا شريعة الحق وصلاحها ويكون ذلك توبة منكم عما سلف فتكونوا أهلا لأن يتوب الله عليكم. والارادة هنا نظيرة للارادة التكليفية لا التكوينية( وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ ) المردية المورطة في قبائح الأعمال ورذائل الأخلاق وموبقات المعاصي كما تعرفونه( أَنْ ) تسترسلوا مثلهم في اتباع الشهوات وخسة الغواية وتكونوا مثلهم في جماحهم رغبة منهم في الغي وتكثير أمثالهم وتقليل النكير عليهم وعنادا للحق و( تَمِيلُوا ) عن الرشد إلى مثل غيهم وضلالهم( مَيْلاً عَظِيماً ) كميلهم. ولا تحسبوا أن شريعة الحق والإصلاح ذات عبء ثقيل وقيود باهظة. بل جمعت

__________________

(١) وللرازي في أواخر كلامه في الآية اشكال وجواب خلط فيهما بين المعنى في توبة العبد إلى الله وفي توبة الله عليه. واستقصاء الكلام في النقد لكلمات الاشكال والجواب يفضي إلى تطويل فلندع كلامه لما به ويكفينا استلفات الناقدين لما فيه

٩٦

(٢٨)يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً (٢٩)يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إلّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ

____________________________________

بين فضيلة الإصلاح والتهذيب وحسن النظم والنظام الحميد على الحكمة وبين فضيلة الرأفة، والتيسير في احكامها بل وكون العمل عليها واتباعها سببا لتخفيف الأوزار السابقة ٢٨( يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً ) بفقر إمكانه واقتضاء الحكمة في تعريضه للسعادة لأن يخلقه الله مختارا في اعماله ذا شهوة يتنعم بها في لذة المباح الصالح في المجتمع. وقد أعانه الله بلطفه بالعقل والرسل والأئمة وشرايع الحق ودعاة الصلاح بالحكمة والموعظة الحسنة. والأنسب بكرامة القرآن وسمو مقاصده وشرف بيانه ان تكون هذه الآية واللتان قبلها جاريات على ما يليق بها من العموم ٢٩( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) لا يخفى ان احكام الآية عامة في إصلاحها لا تختص بالمؤمنين ولكن جرى الخطاب لهم باعتبار انهم هم المنصتون حينئذ لخطاب الوحي والمنقادون لأوامر الله ونواهيه ، والمذعنون بأنه يخاطبهم بشريعة الحق والحكمة( لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ ) والأكل كناية عما يعم الاستيلاء على الأموال بالحيازة. والمراد كما هو الظاهر لا يأكل بعضكم أموال بعض فيما تتعاملون فيه بينكم على غير جهة العطية والرضا وطيب النفس بما تعرفون من فطرتكم وشريعة الحق انه باطل وعلى غير الحق. وقد ذكرنا في الجزء الأول ص ١٦٤ ما ورد في بعض المصاديق من أكل المال بالباطل. وروى في التهذيب عن الصادق (ع) في هذه الآية ما حاصله إن من أكل المال بالباطل أن يكون على الإنسان دين وعنده مال ينفقه في حاجته بل عليه ان يفي به دينه وان احتاج إلى الصدقة( إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً ) بنصب تجارة قال في مختصر التبيان حتى تكون الأموال تجارة أو أموال تجارة فحذف المضاف ونصب المضاف إليه في مقامه ويجوز ان يكون التقدير إلّا ان تكون التجارة تجارة. وتبعه على ذلك في مجمع البيان واستشهد بقول الشاعر «إذا كان يوما ذا كواكب اسفعا» والاستثناء على التقديرين منقطع لأنه ليس من أكل المال بالباطل. أقول الأموال ليست بتجارة بل هي ما يتاجر به. وفي قوله (او أموال تجارة) إلى آخره زيادة حذف وتقدير. ويجوز ان يكون المعنى إلّا ان تكون المعاملة التي تأكلون بها الأموال تجارة عن تراض ومنها الإجارات والجعالات. وبما ان التجارة المشروعة هي ما كانت( عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ ) تكون الصفة

٩٧

وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً (٣٠)وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً

____________________________________

توضيحية فيكون معنى تقديرهم إلّا ان تكون التجارة تجارة عن تراض بمعنى إلّا ان تكون التجارة تجارة مشروعة لا من نحو تجارات الجاهلية التي أبطلها الشرع( وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ) عن العياشي عن أسباط بن سالم سأل الصادقعليه‌السلام رجل عن ذلك فقال عنى بذلك الرجل من المسلمين يشد على المشركين وحده يجيء في منازلهم فيقتل فنهاهم الله عن ذلك. وعنه أيضا عن الصادق (ع) نحوه. وفي التبيان قيل لا تخاطروا بأنفسكم في القتال فتقاتلوا من لا تطيقونه وهو المروي عن أبي عبد الله يعني الصادق (ع). وعن العياشي بسنده عن زيد عن امير المؤمنين (ع) عن رسول الله (ص) في حديث سأله فيه عمن كان في برد يخاف على نفسه إذا افرغ الماء على جسده فقرأصلى‌الله‌عليه‌وآله ( وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً ) . وفي الدّر المنثور مما أخرجه أحمد وابو داود وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عمرو بن العاص في حديث انه اجنب في غزاة في ليلة شديدة البرد فخاف الهلاك من الاغتسال بالماء فتيمم فسأله رسول الله (ص) عن ذلك فذكر الحال واحتج بقوله تعالى( وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً ) فضحك رسول الله (ص) ولم يقل شيئا. ونحوه ما أخرجه الطبراني عن ابن عباس في قصة ابن العاص : وفي الفقيه قال الصادق (ع) من قتل نفسه متعمدا فهو في نار جهنم خالدا فيها قال الله تعالى( وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً ) . أقول ويمكن الجمع بين روايات العياشي وروايتي الدّر المنثور والطبراني وبين رواية الفقيه بأن المنهي عنه في الآية هي المقدمات والأفعال التي ينشأ عنها زهوق النفس. ولا مانع أيضا من شمول الآية لقتل المسلم مسلما آخر بغير حق فإن المنهي عنه هو قتل النفوس المضافة إلى جماعة المؤمنين الشاملة لنفس القاتل ونفوس غيره من المؤمنين ولا حاجة فيما ذكرناه إلى الجمع بين الحقيقة والمجاز لا في الاضافة ولا في المضاف إليه( إِنَّ اللهَ كانَ ) منذ الأزل ولا يزال( بِكُمْ رَحِيماً ) يأمركم ويشرع لكم ما يصلحكم وينهاكم عما يضركم فرديا واجتماعيا ٣٠( وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ) أي أكل الأموال بالباطل وقتل النفس( عُدْواناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ) في الآخرة( ناراً وَكانَ ذلِكَ ) ولا يزال( عَلَى اللهِ يَسِيراً ) والتفت من ضمير المتكلم إلى لفظ الجلالة للتنبيه على الحجة

٩٨

إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ

____________________________________

على كون ذلك يسيرا. وكيف لا يكون يسيرا على الله الإله الخالق القادر على احياء العظام وهي رميم وهو الذي انشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم ٣١( إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ ) أي تتركونها جانبا معرضين عنها( نُكَفِّرْ عَنْكُمْ ) ما عداها من( سَيِّئاتِكُمْ ) التي تعملونها. وقد ذكر التكفير في القرآن الكريم في نحو ثلاثة عشر موردا معدى بكلمة «عن» ومن ذكر الكفارة في سورة المائدة ٤٤ و ٨٨ و ٩٢ يتضح ان التكفير هو الرحمة بحط الوزر عن الوازر ببركة طاعة اخرى. وفي هذه الآية اشارة إلى أن تكفير السيئات هو ببركة الطاعة باجتناب الكبائر. والآية تدل على ان المنهي في الدين والشريعة فيه ما هو كبير بالنسبة إلى بعض آخر وربما يعرف ذلك بحسب شدة قبحه وشناعته ومضاره ومفاسده. وربما تكشف النصوص عن كبره ويكون بعض الافراد من غيره صغيرا بالنسبة إليه وان كان أيضا بفساده الذي اقتضى نهي الله عنه بلطفه كبيرا في الفساد والمضرة في ذاته وشؤونه هذا كله بحسب ذات الفعل. وقد يقارن فعل الصغير جرأة وتمردا على الله ومحادّة له تلحق الفعل بالكبائر في السوء فيكون بهذه الجهة داخلا بمقتضى الحكمة في الكبائر المذكورة. ومن رحمة الله بعباده ولطفه وحكمته في الرادع عن الصغائر والإصرار عليها وعد عباده وبشرهم بأن من تجنب الكبائر يكفر عنه ما عداها من السيئات. وهذا لا ينافي كون المعصية والمخالفة لعزائم الله في أوامره ونواهيه هي أمر كبير في نفسه شديد قبحه. وما أقبح مخالفة العبد الضعيف الفقير الجاهل بمصالحه ومفاسده ، والمحاط بغواية الأهواء والشهوات والنفس الأمارة. والشيطان الغوي العدو ، وما اشنع معصيته لعزائم إلهه وولي هدايته وإرشاده ، ومولاه الغني العظيم غامره باللطف والرحمة والنعم والإحسان. ومن نعمه العظيمة ولطفه جلت آلاؤه امره الوجوبي ونهيه التحريمي لأجل صلاح العباد وتكميلهم وإصلاحهم ونظم جامعتهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة. روى في اصول الكافي في باب الكبائر عن الصّادق (ع) في رواية الحلبي وصحيحي ابن مسلم وأبي بصير ان الكبائر ما أوجب الله عليها النار أي أوجبها بوعيده واستحقاق الفاعل لها. ونحو صحيحة ابن محبوب عن الكاظم (ع). وفي الدّر المنثور مما أخرجه ابن أبي حاتم وما أخرجه ابن جرير عن ابن عباس نحوه. وذكر أيضا جماعة اخرجوا بطرق عن ابن عباس انه سئل عن الكبائر أسبع هي قال هي إلى السبعين اقرب. وذكر جماعة اخرجوا من طريق سعيد

٩٩

وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً (٣١)وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعض

____________________________________

ابن جبير عن ابن عباس انه سئل عن الكبائر أسبع هي قال هي إلى سبعمائة اقرب منها إلى سبع غير انه لا كبيرة مع استغفار ولا صغيرة مع إصرار. ومن حكمة الله جلت حكمته في تكميل عباده وتهذيبهم وإصلاحهم ، ونظم جامعتهم ولطفه في منعهم عن سائر المعاصي وتدنيسها لهم ومن رحمته في ذلك ان أبهم الكبائر هنا لأن ذكرها يجترئ به الإنسان بسفاهته ومغالطة هواه على ارتكاب غيرها اتكالا على التكفير المذكور غفلة منه عن المأثور الذي يدل عليه العقل وهو انه لا صغيرة مع الإصرار. بل تكون من الكبائر. وقد أشار إلى ذلك الشيخ في التبيان. ومن حكمة هذا الإبهام والإجمال ان يكون داعيا ومشجعا للعبد على اجتناب المعاصي لأجل إحرازه لاجتناب الكبائر توسلا إلى تكفير ما عداها. وهذا نحو من الطاف الله بعباده في وعده وتعليمه - هذا وقد ذكر في الكافي والدّر المنثور كثيرا من أحاديث الكبائر. وفي جملة منها عدها سبعا وكثيرا ما تختلف الروايات في المعدود وابدال كبيرة بأخرى في الذكر. وفي جملة منها عدها تسعا. وفي بعضها اكبر الكبائر وعد منها ثمانيا وفي بعضها عد منها ثلاثا. وأنهاها في الدّر المنثور عن ابن عباس إلى ثمان عشرة ذاكرا للوعيد على آحادها من الكتاب والسنة. وفي صحيح الكافي عن عبد العظيم عن الجواد عن الرضا عن الصادقعليهم‌السلام عدّ منها تسع عشرة ذاكرا للوعيد عليها من الكتاب والسنة. ومن هذا كله يعرف ان ما ذكر من آحادها وعنوان بعضها إنّما ذكره كان باعتبار اقتضاء المقام أو بيان اكبر الكبائر. ولا يخفى ان الذي توعد الله عليه في الكتاب اكثر مما ذكر في الأحاديث. وهب انه احيط بما توعد الله عليه في القرآن الكريم لكنه لا يحاط بما ذكر الوعيد عليه بالنار والعذاب في كلام الرسول الأكرم فإن الكثير من كلامهصلى‌الله‌عليه‌وآله في مثل ذلك لم يصل إلينا لما جناه تداول الأيام واختلاف الأحوال( وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً ) بضم الميم وهو المحل الذي يدخل فيه( كَرِيماً ) وأعظم بكرامته تمجيد الله له بالكرامة ٣٢( وَلا تَتَمَنَّوْا ) عين( ما فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ ) من نعيم الحياة الدنيا فإن تمني ذلك من الحسد الذميم الباعث على الشرور. عن تفسير العياشي عن عبد الرحمن عن الصادق (ع) في الآية لا يتمنى الرجل امرأة الرجل ولكن يسأل الله مثلها أقول ولا يخفى ان ذكر امرأة الرجل من باب المثال الذي يتعين فيه ان المنهي عنه هو التمني لعين ما فضل الله به الغير من النعم. وفي الدّر المنثور أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم

١٠٠