• البداية
  • السابق
  • 133 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 18224 / تحميل: 2656
الحجم الحجم الحجم
أليواقيت الحسان في تفسير سورة الرحمن و المختار من القصائد والأشعار

أليواقيت الحسان في تفسير سورة الرحمن و المختار من القصائد والأشعار

مؤلف:
العربية

الخالدة من الوجهة العلميّة، فانّه يتضح من متواترات التاريخ أم المنقذ الأعظم لم يدخل مدرسة قطّ ولا تعلّم عند أحد، بل ما قرأ كتابا ولا خطَّ بيمينه خطًّا [ كما قال الله تعالى ]: «وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون »(١) .

وما كانت أمّته أهل علم وعرفان، ولو فرضنا أنّه صلّى الله عليه وآله مارس جميع التعاليم وتخرّج من الكليّات ونال أعلى الشهادات فلم يكن ممكنا أن يأتي بمثل هذه الآيات الباهرات والمعجزات الخالدات «ان هو الا وحي يوحى »(٢) .

وبعبارة أخرى: لو فرض أنّه صلّى الله عليه وآله صرف عمره الشريف في التعلم عند أشهر الأساتذة الماهرين وأخذ العلم من أعلم العلماء العاملين، لما كان يمكن إلّا أن يأتي بمعلومات أهل زمانه والمقرر عند أهل دهره وأوانه. ولما رأينا أنَّ القرآن العظيم نطق بما لم يصل العلماء إلى تحقيقه إلّا بعد مضي قرون وأجيال والعصور الطوال واختراع آلات الدقيقة وتلسكوبات عظيمة كبيرة [ كما في علم الفلك وسنشير إلى هذا في ضمن سير الآيات الباهرات ] علمنا أنّه منزّل من ربِّ العالمين على قلب حبيبه سيّد المرسلين صلّى الله عليه وآله ليكون نذيراً للعالمين ولا رطب ولا يابس إلّا في كتاب مبين.

حتّى أن عدو الاسلام والمسلمين بل عدو كافة الأديان والمتدينين ناشر فرضية دارون في البلاد العربية والشرق الأدنى الدكتور شبلي شميل(٣) يقول في مدح

__________________

١) سورة العنكبوت: ٤٨.

٢) سورة النجم: ٤.

٣) شميل ( شبلى ) ( ١٨٦٠ - ١٩١٧ ). طبيب لبنانى من كفرشيما. له « الاهواء والمياه والبلدان لأبى الطب ابقراط الحكيم » ورسالة « الحقيقة » لاثبات مذهب دارون. أوّل من عرف هذا المذهب إلى العالم العربى.

٤١

هذا المعجز الأعظم ومدح المرسل بهصلّى الله عليه وآله ، والفضل ما شهدت به الأعداء:

دع من محمّد في سدى قرآنه

ما قد نحاه للحمة الغايات

اني وان أكُ قد كفرت بدينه

هل أكفرن بمحكم الآيات

أو ماحوت في ناصع الألفاظ من

حكم روادع للهوى وعظات

وشرائع لو انهم عقلوا بها

ما قيدوا العمران بالعادات

نعم المدبر والحكيم وانه رجل الحجى

ربّ الفصاحة مصطفى الكلمات

رجل السياسة والدها

بطل حليف النصر في الغارات

ببلاغة القرآن قد خلب النهى

وبسيفه أنحى على الهامات

من دونه الأبطال في كل الورى

من سابق أو لاحق أو آت(١)

ويقول في حق النبى الأكرمصلّى الله عليه وآله : انكم تؤمنون بمحمد صلّى الله عليه وآله وتجعلونه نبيا عظيما وانا أعتقد انه الفيلسوف الأعظم.

وقال رئيس الكلية الوطنية العالية في لبنان مارون بك عبود المسيحي النصراني(٢) في كتابه النبى محمّد صلّى الله عليه وآله فى وصف هذا المعجز الأعظم والنبى الأكرم صلّى الله عليه وآله :

__________________

١) المنار ١١ / ١٠ و ١١، وأيضا فى مكتوب للدكتور الشميل إلى السيّد رشيد رضا مدير مجلة المنار كلمات نقلها لا يخلو من فائدة: أنت تنظر إلى محمد كنبى وتجعله عظيما وأنا انظر إليه كرجل واجعله أعظم، ونحن وان كنا فى الاعتقاد ( الدين أو المبدأ الدينى ) على طرفى نقيض فالجامع بيننا العقل الواسع والاخلاص فى القول، وذلك اوثق بيننا لعرى المودة ( الحق اولى أن يقال ) دع من محمد - إلى آخر الابيات.نقلا من « نمونه اى از ادبيات عرب » للاستاذ السيّد محمد باقر السبزوارى / ٢٠٧.

٢) عبود ( مارون ) ( ١٨٨٥ - ١٩٦٢ ) قصاص واديب لبنانى. ولد فى عين كفاع ( لبنان ) وتوفّى فيها، من مؤلفاته « وجوه وحكايات »، « فارس آغا » و « زوبعة الدهور ».

٤٢

طبعنك كف الله سيف أمان

كمن الردى في حده للجان

العدل قائمة وفي افرنده

سور الهدى نزلن سحر بيان

وعليك أملى الله من آياته

شهبا هتكن مدارع البهتان

لولا كتابك ما رأينا معجزاً

في أمة مرصوصة البنيان

هاد يصور لي كأن قوامه

متجسد من عنصر الايمان

فهو اليقين يصارع الدنيا ومن

جارى اليقين يعود بالخذلان

وكذا النبوّة حكمه وتمرد

وتقى والهام وفرط حنان

عرب إذا ما الجاهليّة نفحت

أوداجها كروا خيول رهان(١)

وليكن هذا آخر كلامنا في المقدّمة، ولو أردنا بسط الكلام في هذا الموضوع وسرد الشواهد وبيان اعجاز القرآن من الوجوه الأخرى لطال بنا الكلام وخرجنا به عن مقتضى المقام من بيان المقصود والمرام وفى النيّة ان ساعدنى التوفيق أن أفرد لذلك كتاباً مستقلاً وابسط فيه الكلام فى إعجاز القرآن من الوجوه المذكورة وغيرها مما يزيد المؤمن إيمانا ولايسع الجاحد إلّا اذعاناً انشاء الله تعالى. ولكني لا أملك عنان القلم إلّا أن أسجّل قضايا لا تخلو من مناسبة مع ما ذكرنا « والشىء بالشىء يذكر ».

[ فائدة ]

ذكر في الروضات عن بعضهم أنَّ أوّل ما ظهر شرب التتن والتنباك واخترع أساس الشطب القليان كان في سنة اثنتى عشر والف، سنة استيلاء الشاه عباس الأوّل على تبريز(٢) .

__________________

١) راجع لتفصيل البحث وترجمة الابيات إلى « ادبيات عرب در صدر اسلام » / ٢٨ لنجل المصنف آية الله الحاج الشيخ مهدى مجد الاسلام النجفى أدام الله ايامه.

٢) روضات الجنات / ٣٤٧ الطبع الحجرى.

٤٣

واستدرك عليه والدي العلّامة أعلى الله مقامه بقوله: بل قبلها ببضع عشر سنين كما أرخه المؤرخ المجيد في قوله:

قيل شرب الدخان أمر بديع

هل له في كتابكم ايماء

قلت ما غادر الكتاب بشىء

ثم أرخت « يوم تأتي السماء »

(٩٩٩)

[ سنة تسع وتسعين وتسعمائة ] والحقّ أن ظهوره قبله بكثير، وهو زمان اكتشاف أميركا القارّة الجديدة(١) . انتهى.

[ طريفهً ]

سمعت الوالد العلّامة أعلى الله في غرف الجنان مقامه: أنَّ رجلا من دواب الأذناب سمّى الوحيد كان من الملحدين وصاحب الأموال والبنين والاصحاب و...وصاحب العداوة الشديدة للقرآن المبين والاسلام والمسلمين، كان في مجلس حافل بالعلماء العاملين والفقهاء الراشدين سألهم قائلا - وكان باظهار كفره مائلا - إنّكم تعلمون ‘نكاري للأديان وانبعاث الابدان والخلود في الجنان ولتعذيب النيران وعداوتي على الخصوص ( لعنه الله ) للقرآن وأنتم تقولون: لا رطب ولا يابس إلّاوهو موجود في الفرقان، فهلّا ذكرني الله في كتابه وأوعدني بأليم عذابه. فانبرى واحد من الجمع قائلا: نعم ذكرك الله تعالى شأنه في قرآنه المجيد وسمّاك باسمك - يعنى الوحيد - ثمّ تلا الآيات الشريفة من سورة المدّثر: «ذرني ومن خلقت وحيداً *وجعلت له مالا ممدوداً *وبنين شهوداً *ومهدت له تمهيداً »(٢) .

فكلّما تلا آية ارتعدت فرائص الشقي إلى أن صار كالمغشيّ عليه ثمّ أدركته السكتة ومات بغتة إلى لعنة الله تعالى وعذابه وأليم نيرانه. نعم هذا عاقبة الاستهزاء

__________________

١) حاشية الروضات / ٢٠ طبع البلاغى.

٢) سورة المدثر: ١١ وما بعدها من الآيات.

٤٤

بالقرآن المبين وإنكار الدين والتعيير للاسلام والمسلمين «ولا رطب ولا يابس الا في كتاب مبين »(١) .

ولقد طال بنا الكلام فلنشرع في المرام متوكلّين على الله الملك العلّام ومتوسلّين بجاه حبيبه الأعظم وآله الكرام عليهم آلاف التحيّة والسّلام مادامت اللّيالى والايّام.

__________________

١) سورة الانعام: ٥٩.

٤٥

سورة الرحمن

مكّية، وذكر ابن الجوزي أنها مدنيّة في قول من قولين نقلهما المفسّرون عن ابن عباس(١) ، وقيل فيها مكّي ومدنيّ(٢) .

وهي ستّ وسبعون آية(٣) ، وثلاثمائة وإحدى وخمسون كلمة، وألف وستمائة وثلاثون حرفا.

[ فضلها ]

تسمّى « عروس القرآن »، فقد ذكر الكفعمي في مصباحه عنهصلّى الله عليه وآله : لكل شىء عروس وعروس القرآن الرحمن(٤) .

__________________

١) تفسير الخازن ٤ / ٢٢٩.

٢) الدرّ المنثور ٦ / ١٣٩.

٣) التبيان ٩/ ٤٦٣.

٤) المصباح / ٤٤٦، ونقلها أيضا صاحب مجمع البيان عن موسى بن جعفر عن آبائه: عن النبى ٩٩ / ١٦٥، والدر المنثور ٦ / ١٤٠.

٤٦

وعنهصلّى الله عليه وآله : من قرأها رحم الله تعالى ضعفه وأدّى شكر ما أنعم الله عليه.(١)

وعن الصادق (ع): من أدمن قراءتها بيض الله وجهه وشفّعه فيمن أراد(٢) .

ومن قرأها ليلا أو كلّما قرأ «فبأي آلاء ربكما تكذبان » قال « لا بشىء من آلائك يا ربِّ أكذّب » وكّل الله به ملكا يحفظه حتّى يصبح، وإن قرأها كذلك صباحا وكل به ملكا يحفظه حتى يمسي.(٣)

ونقل حمّاد بن عثمان عن الصادق (ع) ما معناه: يجب قراءة سورة الرحمن في كل يوم جمعة، وإذا وصل بآية «فبأي آلاء ربكما تكذبان » قال: لا بشىء من آلائك ربّ نكذّب(٤) .

ونقل عن هشام بن عروة ما خلاصته: أوّل من قرأ القرآن بالصوت الجلّي على مشركي قريش عبد الله بن مسعود، وكان أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله اجتمعوا وقالوا: إنَّ قريشاً ما سمعوا القرآن، من منكم يجرء على قراءة القرآن عليهم جهراً؟ فقال عبد الله بن مسعود: أنا اقرأ عليهم، وقام ودنى من مقام إبراهيم (ع) وشرع في قراءة سورة الرّحمن، وكانت قريش جالسون في مجالسهم، ولما سمعوا الكلام تعجبوا وقالوا: ما يقول هذا. ثمّ قام جماعة منهم وضربوا ابن مسعود ضربا ظهَر أثره عليه، وهو يديم القراءة حتّى تلا آيات من هذه السورة ثمّ رجع(٥) .

__________________

١) مجمع البيان ٩/ ١٦٥.

٢) نقل تفصيل الرواية صدوق الأمّة « قده » في ثواب الأعمال / ١٤٣.

٣) نقل تفصيلها شيخنا الطبرسي « قده » في مجمعه.

٤) منهج الصادقين ٩/ ١١٥.

٥) منهج الصادقين ٩/ ١١٥.

٤٧

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ

الرَّحْمَٰنُ ﴿١﴾عَلَّمَ الْقُرْآنَ ﴿٢﴾خَلَقَ الْإِنسَانَ ﴿٣﴾عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴿٤﴾الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ ﴿٥﴾وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ ﴿٦﴾وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ ﴿٧﴾أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ ﴿٨﴾وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ ﴿٩﴾وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ ﴿١٠﴾فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ ﴿١١﴾وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ ﴿١٢﴾فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴿١٣﴾

* * *

[ فضل البَسْمَلَهْ ]

قوله تعالى «بسم الله الرحمن الرحيم ».

عن النبىصلّى الله عليه وآله أنّه قال: إذا قال المعلِّم للصبي قل «بسم الله الرحمن الرحيم » فقال الصبي «بسم الله الرحمن الرحيم » كتب الله براءة للصبى وبراءة لأبويه وبراءة للمعلِّم(١) .

وعن عليّ بن موسى الرضاعليهما السلام أنّه قال:بسم الله الرحمن الرحيم أقرب إلى إسم الله الأعظم من سواد العين إلى بياضها(٢) .

[ إعراب البسملة ]

بسم الله يتعلق بمجذوف يشير إليه ظاهر المقام، وقيل تقديره أبدأوا أو أقرأوا أو قالوا.

__________________

١) ومجمع البيان ١ / ١٨.

٢) عيون أخبار الرضا (ع) ٢ / ٥ ح ١١ ومجمع البيان ١ / ١٨.

٤٨

وعلى التقديرين الأخيرين تكون الباء بمعنى الاستعانة باسم الله تعالى كما يقال: أكتبوا بالقلم.

وذلك لجلالة إسم الله وبركته لجلال المسمّى تقدست أسماؤه وجلّت آلاؤه. ويكون المقروء والمقول هو ما بعد البسملة من السورة.

ويرد على هذا النحو من التقدير منافاة ذلك لجزئية البسملة جزءً من جميع السور القرآنيّه ومساواتها لسائر آياتها في حكم القراءة. وقد أفتى(١) الفقهاء أنّ البسملة جزء من كل سورة فيجب قراءتها عدى سورة البرائة، وعليه بنوا رضوان الله عليهم وجوب تعيين السورة عند الشروع في البسملة وأنّه لو عيّن سورة ثمّ عدل إلى غيرها يجب إعادة البسملة للمعدول إليها، وإذا عين سورة عند البسملة ثم نسيها ولم يدر ما عين أعاد البسملة مع تعيين سورة معينة.

والظاهر وفاقاً لبعض المتأخرين أنّ البسملة في جميع السور القرآنية متعلّقة بكلمة « أبدأ » للمتكلّم من قول الله جلّ إسمه [ ](٢) بجلال إسمه الكريم وبركاته وتعظيماً له لجلال المسمّى وعظمته جلَّ شأنه وله الأسماء الحسنى، كما أمر في القرآن الكريم بذكر إسمه وتسبيحه، كما في السورة المائدة والحج والمزمل والدهر والأعلى، فيعظم المقدور في جميع الأحوال بتعظيم واحد على نسق واحد.

* * *

الله قال في المصباح(٣) : واعلم أنّ هذا الاسم الشريف قد امتاز عن أسمائه الحسنى بأمور عشرة: الأوّل والثاني والثالث أنّه أشهر أسماء الله تعالى وأعلاها محلّا في القرآن وأسناها مكانا قي الدعاء.

__________________

١) ذكر خ ل.

٢) كلمة لاتقرأ.

٣ ) المصباح / ٣١٥.

٤٩

الرابع والخامس والسادس: أنّه جعل أمام سائر الاسماء وخصّت به كلمة الاخلاص ووقعت به الشهادة.

السابع: أنّه علَمٌ على الذات المقدسة، فلايطلق على غيره حقيقة ولا مجازاً، قال سبحانه « هل تعلم له سمّياً » أي هل أحداً يسمّى الله، وقيل سمّياً أي مثلا وشبيهاً.

الثامن: إنَّ هذا الاسم الشريف دال على الذات المقدّسة الموصوفة بجميع الكمالات حتى لا يشذ به شىء، وباقي أسمائه لاتدل آحادها الّا على آحاد المعاني، كالقادر على القدرة والعالم على العلم، أو فعل منسوب إلى الذات مثل قوله « الرحمن »، فانّه إسم للذات مع اعتبار الرحمة، وكذا الرحيم والعليم والخالق إسم للذات مع اعتبار وصف وجودي خارجي، والقدّوس إسم للذات مع وصف سلبى أعني التقديس الذى هو التطهير عن النقائص، والباقي إسم للذات مع نسبة واضافة - أعني البقاء - وهو نسبة بين الوجود والأزمنة، إذ هو إستمرار الوجود في الأزمنة في جانب المستقبل، أي لايوجد زمان من هذه الأزمنة المحققّة والمقدّرة الّا ووجوده مصاحب له.

والأبدي هو المستمر الوجود في جميع الأزمنة، والباقي أعم منه، والأزلي هو الذي قارن وجوده جميع الأزمنة الماضية المحققة والمقدرة. والزمان المحقّق ما هو داخل في الوجود والمقدّر ما ليس كذلك، فهذه الاعتبارات تكاد تأتي على الأسماء الحسنى بحسب الضبط.

التاسع: انّه غير صفة، بخلاف سائر أسمائه تعالى فانها تقع صفات: أمّا أنه إسم غير صفة فلأنك تصفه ولا تصيف به، فتقول « إله واحد » ولا تقول: شىء إله. وأمّا وقوع ما عداه من أسمائه الحسنى تعالى صفات فلأنه يقال « شىء قادر وعالم وحيّ » إلى غير ذلك.

العاشر: إنَّ جميع أسمائه الحسنى يتسمى بهذا الاسم ولا يتسمى هو بشئ منها

٥٠

فلا يقال « الله إسم من أسماء الصبور والرحيم أو الشكور » ولكن يقال الصبور إسم من أسماء الله. وإذا عرفت ذلك فاعلم انّه قد قيل: إنَّ هذا الاسم المقدّس هو الأسم الأعظم.

وقال في موضع آخر:(١) إنَّ الاسم الأعظم هو الله، لأنّه أشهر أسمائه تعالى وأعلاها محلا في الذكر والدعاء، وجعل أمام سائر الأسماء، وخصّت به كلمة الاخلاص، ووقعت به الشهادة.

وقال الغزالي: ألله إسم للموجود الحقّ الجامع للصفات الالهيّة المنعوت بنعوت الربوبيّة المتفرّد بالوجود الحقيقي، فان كل موجود سواه غير مستحقّ للوجود بذاته وإنّما استفاد الوجود منه تعالى(٢) .

وقيل: « ألله إسم لمن هو الخالق لهذا العالم والمدبر له »(٣) .

وقال الشهيد: « ألله إسم للذات بجريان النعوت عليه »(٤) .

وفي كتاب الدرّ المنتظم في السرّ الاعظم لمحمد بن طلحة صاحب كتاب مطالب السئول: « أنّ الجلالة تدل على التسعة والتسعين اسماً، لأنك إذا قسمتها في علم الحروف على قسمتين كان كل قسم ثلاثة وثلاثين، فتضرب الثلاثة والثلاثين في أحرفها بعد إسقاط المكرر - وهو ثلاثة - يكون عدد الأسماء الحسنى. وأيضا إذا جمعت من الجلالة طرفيها - وهما ستة - وتقسمتها على حروفها الأربعة يقوم لكل حرف واحد ونصف، فتضربه في ما للجلالة من العدد - وهو ستة وستون - تبلغ تسعة وتسعين عدد الأسماء الحسنى(٥) .

وفي كتاب مشارق الأنوار وحقائق الأسرار للشيخ رجب بن محمد بن رجب :

__________________

١) المصباح / ٣٠٦.

٢) المصباح / ٣١٤.

٣ و ٤) المصدر / ٣١٥.

٥) المصدر / ٣١٦.

٥١

« أنَّ هذا الاسم المقدّس أربعة أحرف الله فاذا وقفت على الأشياء عرفت انّها منه وبه وإليه وعنه، فاذا أخذ منها الألف بقي لله ولله كل شىء، فاذا أخذ اللام وترك الالف بقي إله وهو إله كل شىء، فان أخذ الالف من إله بقي له وله كل شىء، فان أخذ من له اللام بقي هاء مضمومة هي هو، فهو هو وحده لا شريك له، وهو لفظ يوصل إلى ينبوع العزة. ولفظ « هو » مركب من حرفين، والهاء أصل الواو، فهو حرف واحد يدل على الواحد الحق، والهاء أوّل المخارج والواو آخرها هو الأوّل والآخر والظاهر والباطن »(١) .

الرحمن الرحيم قال الكفعمي: إنَّ « الرَّحمن الرَّحيم» من أبنية المبالغة إلّا أنَّ فعلان أبلغ من فعيل. ثمّ هذه المبالغة قد توجد تارة باعتبار الكمية وأخرى باعتبار الكيفية، فعلى الأوّل قيل « يا رحمن الدنيا »لأنّه يعمّ المؤمن والكافر و « رحيم الآخرة » لأنّه يخصّ الرحمة بالمؤمنين يقوله تعالى: «وكان بالمؤمنين رحيماً » وعلى الثانى قيل « يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيم الدنيا » لأن النعم الأخروية كلّها جسام، وأمّا النعم الدنيوية فجليلة وحقيرة.

وعن الصادق (ع): الرحمن إسم خاص بصفة عامّة، والرحيم إسم عامّ بصفة خاصّة.

وعن المرتضى: الرحمن تشترك فيه اللغة العربية والعبرانية والسريانية، والرحيم مختص بالعربية.

وقال الطبرسي: وإنّما قدم الرحمن على الرحيم لأن الرحمن بمنزلة الاسم العلم من حيث لا يوصف به الّا الله تعالى، ولهذا جمع سبحانه بينهما في قوله «قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن » فوجب لذلك تقديمه على الرحيم لأنّه يطلق عليه لا على غيره، والرحيم يطلق عليه وعلى غيره(٢) .

__________________

١) المصدر / ٣١٦.

٢) المصدر / ٣١٧.

٥٢

وقال الشهيد: هما اسمان للمبالغة من رحم، و « رحمن » كغضبان من غضب وعليم من علم، والرحمة لغة رقة القلب وانعطاف يقتضي التفضل والاحسان، ومنه الرحم لا نعطافها على مافيها.

وقال المرتضى: ليست الرحمة عبارة عن رقة القلب والشفقة، إنّما هي عبارة عن الفضل والانعام وضروب الاحسان، فعلى هذا يكون اطلاق لفظ الرحمة عليه تعالى حقيقة وعلى الأوّل مجازاً.

وقال صاحب العدة: إنَّ رقيق القلب من الخلق يقال له « رحيم » لكثرة وجود الرحمة منه بسبب الرقة، وأقلها الدعاء للمرحوم والتوجع له، وليست في حقّه تعالى كذلك، بل معناها ايجاد النعمة للمرحوم وكشف البلوى عنه، والحد الشامل أن نقول: هي التخلص من أقسام الآفات وإرسال الخيرات إلى أرباب الحاجات قال: والرحمن الرحيم مشتقان من الرحمة وهي النعمة، ومنه «وما أرسلناك الّا رحمة للعالمين »، ويقال للقرآن رحمة وللغيب رحمة أي نعمة.(١)

وفي الصافي: عن أمير المؤمنين (ع): الرحمن الذي يرحم ببسط الرزق علينا، وفي رواية: العاطف على خلقه بالرزق لا يقطع عنهم مواد رزقه وان انقطعوا عن طاعته، الرحيم بنا في أدياننا ودنيانا وآخرتنا، خفف علينا الدين وجعله سهلا خفيفاً، وهو يرحمنا بتميزنا من أعدائه.

أقول: رزق كل مخلوق ما به قوام وجوده وكماله اللائق به، فالرحمة الرحمانية تعم جميع الموجودات وتشمل كل النعم، قال تعالى «أحسن كل شئ خلقه ثم هدى »، وأمّا الرحمة الرحيمية بمعنى التوفيق في الدنيا والدين، فهى مختصة بالمؤمنين، وما ورد من شمولها للكافرين فانما هى من جهة دعوتهم إلى الايمان والدين، مثل ما في تفسير الإمام من قولهم: : الرحيم بعباده المؤمنين في

__________________

١) المصدر / ٣١٧.

٥٣

تخفيفه عليهم طاعاته وبعباده الكافرين في الرفق في دعائهم إلى الموافقة ومن ثمة قال الصادق (ع): الرحمن إسم خاص لصفة عامة والرحيم إسم عام لصفة خاصة وقال عيسى بن مريمعليهما السلام : الرحمن رحمن الدنيا والرحيم رحيم الاخرة، يعنى في الأمور الاخروية - رواهما فى المجمع(١) .

أقول: كثرة المباني تدل على كثرة المعاني، فالرحمن يشمل جميع أفراد الانسان بل الحيوان والدواب بل جميع المخلوقات، فيشمل المؤمن والكافر والملحد والمعاند والعاصى والفاجر، يبسط عليهم الرزق وأعطاهم ما به قوامهم في دنياهم، فالكفار والملحدون سيفيدون من هذه الصفة العامة. وأمّا الرحيم بناءعلى ما يظهرمن بعض الأخبار المعتبرة فهو يختص بالاخرة، ولما كانت النعم الأخروية والمراتب المعنوية والحياة السعيدة الباقية والسعادة الأبدية مشروطة بالايمان ولهذا تختص بالمؤمن ولاتشمل الكافر، ولذا قال لأهل الجنة: «سلام قولا من رب رحيم »(٢) . ولذا قيل يا رحمن الدنيا ورحيم الاخرة، وقيل الرحيم إسم عام بصفة خاصة لأن الاستفادة من هذه العناية الربانية مشروطة بصفة خاصة - وهي الايمان بالله تعالى وكتبه ورسله ولذا قيل رحيم بالمؤمنين خاصة وقال تعالى: «وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا »(٣) «بالمؤمنين رؤف رحيم »(٤) .

* * *

الرحمن *علم القرآن قيل: لما كانت هذه السورة مشتملة على تعداد النعم الدنيوية والأخروية صدرها بالرحمن، وقدم أجل النعم وأشرفها وهو تعليم القرآن، فانه أساس الدين ومنشأ الشرع وأعظم الوحي وأثمر الكتب، وهو

__________________

١) الصافى / ٢٠ طبع الحجرى.

٢) سورة يس: ٥٨.

٣) سورة الاحزاب: ٤٣.

٤) سورة التوبة: ١٢٨.

٥٤

باعجازه واشتماله على خلاصتها مصدق لنفسه ولها.

قيل: لما نزلت قوله تعالى «اسجدوا للرحمن »(١) قال كفار مكة «ما الرحمن »(٢) فأنكروه وقالوا لا نعرف الرحمن، فأنزل الله الرحمن معنى الذي أنكرتموه هو الذي علم القرآن.

وقيل: هذا جواب لأهل مكة حيث قالوا « إنّمايعلمه بشر »(٣) ، فقال تعالى « الرحمن علم القرآن » يعني علم محمداً القرآن.

وقيل: علم القرآن يسره للذكر ليحفظ ويتلى، وذلك أن الله عزَّ وجل عدد نعمه على عباده فقدم أعظمها نعمة وأعلاها رتبة، وهو القرآن العزيز لأنه أعظم وحي الله إلى أنبيائه وأشرفه منزلة عند أوليائه وأصفيائه، وأيسره ذكراً وأحسنه في ابواب الدين أثراً، وهو سنام الكتب السماوية المنزلة على أفضل البرية.

وقيل: عدد الله عزَّ وعلا أسماءه فأراد ان يقدم أوّل شئ ما هو أسبق قدماً من ضروب آلائه وأصناف نعمائه وهي نعمة الدين، فقدم من نعمة الدين ما هو في أعلا مراتبها وأقصى مراقيها، وهو انعامه بالقرآن وتنزيله وتعليمه، لانه أعظم وحي الله رتبة و وأخر ذكر خلق الانسان عن ذكره ثم اتبعه اياه ليعلم أنه خلقه للدين ليحيط علماً وما خلق الانسان من أجله وكان الغرض في انشائه كان مقدماً عليه وسابقاً له ثم ذكر ما تميز من سائر الحيوان من البيان، وهو المنطق الفصيح المعرب عما في الضمير.

وقال بعضهم «علم القرآن » أي أعطى الاستعداد الكامل في الأزل لجميع

__________________

١ و ٢) سورة الفرقان: ٦٠.

٣) سورة النحل: ١٠٣.

٥٥

المستعدين، ولذلك قال «علم القرآن »ولم يقل علم الفرقان كما في قوله تعالى «تبارك الذي نزل الفرقان »(١) فان الكلام الالهي قرآن باعتبار الجمع والبداية فرقان باعتبار الفرق والنهاية، فهو بهذا المعنى لا يتوقف على خلق الانسان وظهوره في هذا العالم، وإنّما الموقوف عليه تعليم البيان، ولذا قدم تعليم القرآن على خلق الانسان وخلقه على تعليم البيان.

خلق الأنسان فيه أربعة تفاسير:

الاول: إنَّ المراد به جنس الانسان، أي جميع الناس.

الثانى: إنَّ المراد به آدم أبو البشر (ع).

الثالث: محمدصلّى الله عليه وآله أفضل البرية والعلة الغائية لخلق الممكنات المخاطب بلولاك لما خلقت الأفلاك.

الرابع: المراد به أميرالمؤمنين عليّ (ع) باب مدينة خاتم النبيينصلّى الله عليه وآله .

علمه البيان فيه أيضا أربعة تفاسير:

فعلى الأوّل: يعني علم آدم أسماء كل شئ، كما قال تعالى «وعلم آدم الأسماء كلها »(٢) . وقيل: علمه اللغات كلّها، وكان آدم يتكلّم بسبعمائة لغة أفضلها العربيّة.

وعلى الثانى: يكون معنىعلمه البيان علّمه النطق الذي يتميّز به عن سائر الحيوانات، وقيل علّمه الكتابة والفهم والافهام في عرف ما يقول وما فعاله، وقيل علم كل قوم لسانهم الذي يتكلمون به.

وعلى الثالث: علم محمّداًصلّى الله عليه وآله بيان ما كان وما بكون، لأنه

__________________

١) سورة الفرقان: ٢٥.

٢) سورة البقرة: ٣١.

٥٦

صلّى الله عليه وآله ينبئ خبر الأولين والأخرين وعن يوم الدين، وقبل علمه صلّى الله عليه وآله بيان الأحكام من الحلال والحرام والحدود والأحكام.

وعلى الرابع: علمه بيان كل شئ يحتاج الناس اليه.

الشمس والقمر بحسبان قال ابن عباس: منازلهما بالحساب، ويقال معلقان بين السماء والأرض، ويقال عليهما حساب ولهما آجال كآجال الناس(١) .

وقيل يعنى بهما حساب الأوقات والآجال، ولو لا الليل والنهار والشمس والقمر لم يدر أحد كيف يحسب ما يريد. وقيل الحسبان هو الفلك تشبيهاً بحسبان الرحى وهو ما يدور الحجر بدورانه. وقيل بحسبان أي بحساب معلوم وتقدير سوي بجريان في بروجهما ومنازلهما، وفي ذلك منافع للناس عظيمة منها علم السنين والحساب. وقيل يجريان في بروجهما وتتسق بذلك أمور الكائنات وتختلف الفصول والأوقات ويعلم السنون والحساب.

والنجم والشجر قيل: النجم ما ليس له ساق من النبات كالبقول، والشجر ماله ساق يبقى في الشتاء. وسجودها ظلها. وقيل النجم هو الكوكب وسجوده طلوعه، وعن مجاهد النجم نجوم السماء(٢) .

والقول الأوّل أظهر، لأنه ذكر مع الشجر في مقابلة الشمس والقمر، ولأنهما ارضيان في مقابلة سمائيين.

يسجدان ينقادان لله تعالى فيما يريد بهما طبعاً انقياد الساجدين من المكلفين طوعاً.

أقول: نسبة السجود أو الصلاة أو العبادة إلى الأجرام العلوية هو انقيادها لله تعالى عزَّ وجل وقد قال الحكيم السبزوارى « قده » :

__________________

١) تنوير المقباس تفسير ابن عباس بهامش الدرّ المنثور ٥ / ٣١٤.

٢) الدرّ المنثور ٦ / ١٤١.

٥٧

ثم الصلاة حبذا المنبه

للناس بالسما بها تشبه(١)

وقيل: صلت السماء بدورانها والأرض برجحاتها والماء بسيلانه والمطر بهطلانه، وقد يصلى ولا يشعر ولذكر الله اكبر.

قال بعض المفسِّرين(٢) : يسجدان ينقادان لله تعالى فهما خلقان له، تشبيهاً بالساجد من المكلفين في انقياده واتصلت هاتان الجملتان بالرحمن بالوصل المعنوي لما علم أن الحسبان حسبانه والسجود له لا لغيره، كأنه قيل الشمس والقمر بحسبانه والنجم والشجر يسجدان له. ولم يذكر العاطف في الجمل الأوّل ثم جئ به بعد لأن الأوّل وردت على سبيل التحديد تبكيتاً لمن أنكر آلاءه كما يبكت منكر أيادي المنعم عليه في المثال المذكور. ثم رد الكلام إلى منهاجه بعد التبكيت في وصل ما يجب وصله للتناسب والتقارب بالعطف، وبيان التناسب أن الشمس والقمر سماويان والنجم والشجر أرضيان فبين القبيلين تناسب من حيث التقابل، وأن السماء والأرض لانز الان تذكر ان قرينتين وان جري الشمس والقمر بحسبان من جنس الانقياد لأمر الله، فهو مناسب لسجود النجم والشجر.

والسماء رفعها أي فوق الأرض أو خلقها مرفوعة مسموكة حيث جعلها منشأ احكامه ومصدر قضاياه ومسكن ملائكته الذين يهبطون بالوحي على أنبيائه:، ونبه بذلك على كبرياء شأنه وملكه وسلطانه(٣) .

ووضع الميزان في قراءة عبدالله: « وخفض الميزان » وأراد به كل ماتوزن به الأشياء وتعرف مقاديرها من ميزان وقرسطون ومكيال ومقياس، أي خلقه موضوعاً مخفوضاً على الأرض حيث علق به أحكام عباده وقضاياهم وما تعبدهم به من التسوية والتعديل في أخذهم واعطائهم(٤) .

__________________

١) النبراس / ٥٣.

٢) وهوالزمخشرى فى الكشاف ٤ / ٤٤٣.

٣ و ٤) الكشاف ٤ / ٤٤٤.

٥٨

وقيل: ووضع الميزان العدل بأن وفر على مستعد مستحقه وفي ذي حق حقه حتى انتظم أمر العالم واستقام كما قال: « بالعدل قامت السماوات والأرض ».

وقيل: أراد بالميزان العدل، لأنه آلة العدل، والمعنى أنه أمر بالعدل، ويدل عليه قوله تعالى «ألا تطغوا في الميزان » أي لا تجاوزوا العدل(١) .

وقيل: أراد به الالة التى يوزن بها للتوصل إلى الانصاف والانتصاف، وأصل الوزن التقدير، «ألا تطغوا في الميزان » أي لئلا تميلوا وتظلموا وتجاوزوا الحق في الميزان.

واقيموا الوزن بالقسط أي بالعدل، وقيل أقيموا لسان الميزان بالعدل، وقيل الاقامة باليد والقسط بالقلب، وقيل أي قوّموا وزنكم بالعدل.

ولا تخسروا الميزان أي ولا تنقصوه، فان من حقه أن يسوى، لأنه المقصود من وضعه.

وقيل: أي ولا تنقصوه، أمر بالتسوية ونهي عن الطغيان الذي هو الاعتداء وزيادة، وعن الخسران الذى هو تطفيف ونقصان. وكرر لفظ « الميزان » تشديداً للتوصية به وتقوية للأمر باستعماله والحث عليه.

ولا تخسروا بفتح التاء وضم السين وكسرها وفتحها، يقال: خسر الميزان يخسره ويخسره، وأمّا الفتح فعلى أن الأصل ولا تخسروا في الميزان، فحذف الجار وأوصل الفعل.

والارض وضعها أي خفضها مدحوة.

__________________

١) قال الشريف الرضي في « تلخيص البيان في مجازات القرآن »: ٢٢٣ والميزان ههنا مستعار على أحد التأويلين، وهو أن يكون معناه العدل الذى تستقيم به الامور ويعتدل عليه الجمهور، وشاهد ذلك قوله تعالى « وزنوا بالقسطاس المستقيم » [ سورة شعراء / ١٨٢ ] أى بالعدل في الامور، وروى عن مجاهد أنه قال القسطاط العدل بالرومية، ويقال قسطاس قسطاس - بالضم والكسر - كقرطاس وقرطاس.

٥٩

للانام للخلق، وهو كل ما على ظهر الأرض من دابة. وعن الحسن الإنس والجن، فهى كالمهاد لهم يتصرفون فوقها.

فيها أي في الارض.

فاكهة أي ضروب مما يتفكه به، وقيل أي من أنواع الفاكهة، أو ما يتفكهون به من النعم التى لا تحصى.

والنخل ذات الاكمام أي أوعية الثمر، ويعني الأوعية التي يكون فيها الثمر، لأن ثمر النخل يكون في غلاف - وهو الطلع مالم ينشق - وكل شئ ستر شيئاً فهو كم. وقيل اكمامها ليفها.

واقتصر على ذكر النخل من بين سائر الشجر لأنه أعظمها وأكثرها بركة.

وقيل الاكمام أوعية الثمر، الواحد كم بكسر الكاف، أو كل ما يكم أي يغطى من ليفه وسعفه وكفراة، وكله منتفع به كما ينتفع بالمكموم من ثمره وجماره وجذوعه.

(والحب ) يعني جمع الحبوب التى يقتات بها كالحنطة والشعير ونحوهما وإنّما أخر ذكر الحب على سبيل الارتقاء إلى الأعلى، لأن الحب أنفع من النخل وأعم وجوداً في الاماكن.

ذو العصف قال ابن عباس: يعني التبن،(١) وعنه: أنه ورق الزرع الأخضر إذا قطع رؤوسه ويلبس. وقيل هو ورق كل شئ يخرج منه الحب ويبدو صلاحه ولاورق وهو العصف، ثم يكون سدقاً، ثم يحدث الله تعالى فيه اكماماً، ثم يحدث في الأكمام الحب.

والريحان الرزق، وهو اللب، أرادفيها ما يتلذذ به من الفواكه. والجامع بين التلذذ والتغذي وهو ثمر النخل وما يتغذى به وهو الحب.

والريحان بالجر حمزة وعلي، أي الحب ذو العصف الذي اي هو علف

__________________

١) التبيان ٩/ ٤٦٦.

٦٠