تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء ٧

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب11%

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب مؤلف:
المحقق: حسين درگاهى
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 532

  • البداية
  • السابق
  • 532 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 16973 / تحميل: 4780
الحجم الحجم الحجم
تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء ٧

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

فقال الحرث بن الصّمت(١) : أنا أعرف موضعه.

فجاء حتّى وقف على حمزة، فكره أن يرجع إلى رسول الله فيخبره.

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ لأمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ: يا عليّ، اطلب عمّك.

فجاء عليّ حتّى وقف على حمزة، فكره أن يرجع إليه. فجاء رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ حتّى وقف عليه. فلمّا رأى ما فعل به، بكى.

ثم قال: ما وقفت موقفا قطّ أغلظ عليّ من هذا المكان، لئن أمكنني الله من قريش لأمثلنّ منهم(٢) بسبعين رجلا منهم.

فنزل(٣) جبرئيل، فقال:( وَإِنْ عاقَبْتُمْ ) (الآية).

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ [بل](٤) اصبر.

وفي تفسير العيّاشي(٥) : عن الحسين بن حمزة قال: سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول: لـمّـا رأى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ما صنع بحمزة بن عبد المطّلب، قال: أللّهمّ، لك الحمد وإليك المشتكى وأنت(٦) المستعان على ما أرى.

ثمّ قال: لئن ظفرت لأمثّلنّ ولأمثّلنّ.

قال: فأنزل الله( وَإِنْ عاقَبْتُمْ ) (الآية).

قال: فقال رسول ـ صلّى الله عليه وآله ـ: أصبر أصبر.

( وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللهِ ) : إلّا بتوفيقه وتثبيته.

( وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ ) : على الكافرين. أو على المؤمنين وما فعل بهم.

( وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ ) (١٢٧): في ضيق صدر من مكرهم.

وقرأ(٧) ابن كثير: «في ضيق» بالكسر، هنا وفي النّمل. وهما لغتان، كالقول والقيل. ويجوز أن يكون الضّيق تخفيف ضيق.

( إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا ) : المعاصي.

__________________

(١) المصدر: سميّة.

(٢) ليس في المصدر، ور.

(٣) المصدر: زيادة «عليه».

(٤) من المصدر.

(٥) تفسير العيّاشي ٢ / ٢٧٤، ح ٨٥.

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ: وإنّك.

(٧) أنوار التنزيل ١ / ٥٧٥.

٢٨١

( وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ) (١٢٨): في أعمالهم.

٢٨٢

تفسير سورة الإسراء

٢٨٣
٢٨٤

سورة بني إسرائيل

مكّيّة.

وقيل: إلّا قوله(١) :( وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ ) . ـ إلى آخر ثمان آيات(٢) .

وهي مائة وعشر آيات(٣) .

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وفي كتاب ثواب الأعمال(٤) : عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: من قرأ سورة بني إسرائيل في كلّ ليلة جمعة، لم يمت حتّى يدرك القائم ـ عليه السّلام ـ، ويكون من أصحابه.

وفي مجمع البيان(٥) ، وفي تفسير العيّاشي(٦) : عن الحسين بن أبي العلا، عن أبي

__________________

(١) الآية ٧٣.

(٢) كذا في أنوار التنزيل ١ / ٥٧٥. وفي النسخ :إلى آخره.

وفي مجمع البيان ٣ / ٣٩٣: قيل مكّيّة إلّا ثماني آيات:( وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ ) إلى قوله:( وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ ) (الآية).

وعلى هذا ـ أيضا ـ يكون إلى آخر ثمان آيات وليس إلى آخره.

وكذلك ذكر صاحب مجمع البيان أنّها مكّيّة كلّها. ثمّ قال: وقيل: مكّيّة إلا خمس آيات:( وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ ) (الآية)، ( وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى ) (الآية)، ( أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ ) (الآية)، ( أَقِمِ الصَّلاةَ ) (الآية)، ( وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ ) (الآية)

(٣) قال في مجمع البيان: مائة وإحدى عشرة كوفيّ، وعشر آيات في اليقين. اختلافها: آية( لِلْأَذْقانِ سُجَّداً ) كوفيّ.

(٤) ثواب الأعمال / ١٣٣ ـ ١٣٤.

(٥) المجمع ٣ / ٣٩٣.

(٦) تفسير العيّاشي ٢ / ٢٧٦، ح ١.

٢٨٥

عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: من قرأ سورة بني إسرائيل ـ وذكر إلى آخر ما في كتاب ثواب الأعمال.

وفي مجمع البيان(١) : ابيّ بن كعب، عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ أنّه قال: من قرأ سورة بني إسرائيل، فرقّ قلبه عند ذكر الوالدين، اعطي في الجنّة قنطارين من الأجر.

و «القنطار» ألف أوقيّة ومائتا(٢) أوقيّة، والأوقيّة منها خير من الدّنيا وما فيها.

( سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً ) «سبحان» اسم، بمعنى: التّسبيح، الّذي هو التّنزيه. وقد يستعمل علما له، فيقطع عن الإضافة، ويمنع من الصّرف(٣) . وانتصابه بفعل متروك إظهاره. وتصدير الكلام به، للتّنزيه عن العجز عمّا ذكر بعد(٤) .

وفي تفسير العيّاشي(٥) : عن هشام بن الحكم قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول الله:( سُبْحانَ ) .

فقال: أنفة لله.

وفي رواية أخرى(٦) : عن هشام، عنه، مثله.

و «أسرى» و «سرى» بمعنى.

و «ليلا» نصب على الظّرفية. وفائدته الدّلالة بتنكيره على تقليل مدّة الإسراء(٧) .

ولذلك قرئ: «من اللّيل»، أي: بعضه، كقوله(٨) :( وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً ) .

( مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ) ، أي: إلى ملكوت المسجد

__________________

(١) المجمع ٣ / ٣٩٣.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ: مائة.

(٣) قوله: «وقد يستعمل علما له، فيقطع عن الإضافة، ويمنع من الصّرف». هذا ما قاله النّحاة. قال الرّضيّ: ولا دليل عليه، لأنّ أكثر ما يستعمل مضافا، فلا يكون علما.

(٤) قوله: «وتصدير الكلام به للتّنزيه عن العجز عمّا ذكر بعد». فهاهنا لتنزيه الله ـ تعالى ـ عن العجز عن إسرائه عبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى.

(٥ و ٦) تفسير العيّاشي ٢ / ٢٧٦، ح ٢.

(٧) قوله: «وفائدته الدلالة بتنكيره على تقليل مدّة الإسراء»، أي: تمّ أمر الإسراء المذكور في ليلة واحدة من اللّيالي. ولم يقل: تنكيره دالّ على أنّ تمام الإسراء في بعض من ليلة واحدة ـ كما قاله صاحب الكشّاف ـ إذ هذه الدلالة ممنوعة.

(٨) الإسراء / ٧٩.

٢٨٦

الأقصى الّذي هو في السّماء، كما يظهر من الأخبار الآتية.

( الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ ) : ببركات الدّين والدّنيا، لأنّه مهبط الوحي، ومتعبّد(١) الأنبياء من لدن موسى، ومحفوف بالأنهار والأشجار.

( لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا ) : كذهابه في برهة من اللّيل مسيرة شهر، ومشاهدته بيت المقدس، وتمثّل(٢) الأنبياء له ووقوفه على مقاماتهم.

وصرف الكلام من الغيبة إلى التّكلّم(٣) ، لتعظيم تلك البركات والآيات.

وقرئ: «ليريه» بالياء.

وفي تفسير العيّاشي(٤) : عن سالم الحنّاط(٥) ، عن رجل، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: سألته عن المساجد الّتي لها الفضل.

فقال: المسجد الحرام، ومسجد الرسول ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

قلت: والمسجد الأقصى، جعلت فداك؟

فقال: ذلك في السّماء، إليه أسرى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

فقلت: إنّ النّاس يقولون: إنّه بيت المقدس.

فقال: مسجد الكوفة أفضل منه.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٦) : حدّثني(٧) خالد، عن الحسن بن محبوب، عن محمّد بن سيّار(٨) ، عن مالك الأزديّ(٩) ، عن إسماعيل الجعفيّ قال: كنت في مسجد [الحرام](١٠) قاعدا وأبو جعفر ـ عليه السّلام ـ في ناحية، فرفع رأسه فنظر إلى السّماء مرّة وإلى الكعبة مرّة، ثمّ قال:( سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ) وكرّر ذلك ثلاث مرّات.

__________________

(١) ب: معبد.

(٢) أ، ب: تمثيل.

(٣) قوله: «وصرف الكلام من الغيبة» (الخ) لأنّه، وإن كان بطريق الغيبة يفهم منه كثرة البركات وتعظيمها، لكنّ التكلّم صريح في أنّه فعل الله ـ تعالى ـ لا حاجة إلى القرينة. ففيه زيادة تعظيم. فإنّ الأكابر إذا أرادوا تعظيم فعل نسبوه إلى أنفسهم.

(٤) تفسير العيّاشي ٢ / ٢٧٩، ح ١٣.

(٥) المصدر: سلام الحنّاط. وفي أ: سالم الخيّاط.

(٦) تفسير القمّي ٢ / ٢٤٣.

(٧) من ب.

(٨) المصدر: يسار (سيّار ـ ط). وفي ب: سنان.

(٩) المصدر: الأسدي.

(١٠) من المصدر.

٢٨٧

ثم التفت إليّ فقال: أيّ شيء يقول أهل العراق في هذه الآية، يا عراقيّ؟

قلت: يقولون: اسري به من المسجد الحرام إلى بيت(١) المقدس.

فقال: ليس كما يقولون، ولكنّه اسري به من هذه إلى هذه ـ وأشار بيده إلى السّماء ـ وقال: ما بينهما حرم.

والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

وفي كتاب الاحتجاج(٢) للطّبرسيّ ـ رضي الله عنه ـ: وعن ابن عبّاس قال: قالت اليهود للنّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ: موسى خير منك.

قال النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ: ولم؟

قالوا: لأنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ كلّمه بأربعة(٣) آلاف كلمة، ولم يكلّمك بشيء.

فقال النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ: لقد أعطيت أنا أفضل من ذلك.

قالوا: وما ذاك؟

قال: قوله ـ عزّ وجلّ ـ:( سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ ) . وحملت على جناح جبرئيل ـ عليه السّلام ـ حتّى انتهيت إلى السّماء السّابعة، فجاوزت سدرة المنتهى عندها جنّة المأوى حتّى تعلّقت بساق العرش، فنوديت من ساق العرش: إنّي أنا الله لا إله إلّا أنا السّلام المؤمن المهيمن العزيز الجبّار المتكبّر [الرّؤوف الرّحيم](٤) . ورأيته بقلبي وما رأيته بعيني، فهذا أفضل من ذلك.

فقالت اليهود: صدقت، يا محمّد، وهو مكتوب في التّوراة.

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

وفي كتاب الخصال(٥) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: عرج بالنّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ مائة وعشرين مرّة، ما من مرّة إلّا وقد أوصى الله ـ تعالى ـ فيها النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ بالولاية لعليّ والأئمّة من ولده ـ عليهم السّلام ـ أكثر ممّا أوصاه بالفرائض(٦) .

__________________

(١) المصدر: البيت.

(٢) الاحتجاج ١ / ٤٨.

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ: أربع.

(٤) ليس في أ، ب.

(٥) الخصال / ٦٠٠ ـ ٦٠١، ح ٣.

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ: في الفرائض.

٢٨٨

وفي أصول الكافي(١) : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمّد الجوهريّ، عن عليّ بن أبي حمزة قال: سأل أبو بصير أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ وأنا حاضر، فقال: جعلت فداك، كم عرج برسول الله؟

فقال: مرّتين، فأوقفه جبرئيل ـ عليه السّلام ـ موقفا، فقال له: مكانك، يا محمّد، فلقد وقفت موقفا ما وقفه ملك قطّ ولا نبيّ، إنّ ربّك يصلّي.

فقال: يا جبرئيل، وكيف يصلّي؟

فقال: يقول: سبوح قدّوس أنا ربّ الملائكة والرّوح، سبقت رحمتي غضبي.

فقال: أللّهمّ، عفوك عفوك.

قال: وكان كما قال الله:( قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى ) .

فقال له أبو بصير: جعلت فداك، ما قاب قوسين أو أدنى؟

فقال: ما بين سيتها(٢) إلى رأسها، فقال: كان بينهما حجاب يتلألأ يخفق(٣) ، ولا أعلمه إلّا وقد قال: زبرجد، فنظر في مثل سمّ إبرة(٤) إلى ما شاء الله من نور العظمة.

فقال الله ـ تبارك وتعالى ـ: يا محمّد.

قال: لبّيك، ربّي.

قال: من لأمّتك من بعدك؟

قال: الله أعلم.

قال: عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين وسيّد الوصيّين(٥) وقائد الغرّ المحجّلين.

ثمّ قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ لأبي بصير: يا أبا محمّد، والله، ما جاءت ولاية عليّ من الأرض، ولكن جاءت من السّماء مشافهة.

وفي كتاب علل الشّرائع(٦) ، بإسناده إلى عليّ بن سالم: عن أبيه، عن ثابت بن دينار قال: سألت زين العابدين، عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب ـ عليهم

__________________

(١) الكافي ١ / ٤٤٢ ـ ٤٤٣.

(٢) كذا في المصدر. وفي أ، ر: يسها. وفي غيرهما: يثبها. والسّية من القوس ـ بكسر المهملة قبل المثنّاة التّحتانيّة المخفّفة ـ ويخفق: ما عطف من طرفيها.

(٣) كذا في المصدر. وفي ب: بحقق. وفي سائر النسخ: تحقق. ويخفق: أي: يتحرّك ويضطرب.

(٤) سمّ الإبرة: ثقبها.

(٥) المصدر: المسلمين.

(٦) العلل / ١٣١، ح ١.

٢٨٩

السّلام ـ عن الله ـ جلّ جلاله ـ: هل يوصف بمكان؟

فقال: تعالى عن ذلك.

قلت: فلم أسرى بنبيّه محمّد(١) ـ صلّى الله عليه وآله ـ [إلى السّماء](٢) ؟

قال: ليريه ملكوت السّماوات وما فيها من عجائب صنعه وبدائع خلقه.

والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

وبإسناده(٣) إلى أبان بن عثمان: عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ حديث طويل، يقول فيه: إنّ النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ دفع إلى عليّ لـمّـا حضرته الوفاة القميص الّذي اسري به.

وفي كتاب التّوحيد(٤) ، بإسناده إلى يونس بن عبد الرّحمن قال: قلت لأبي الحسن، موسى بن جعفر ـ عليهما السّلام ـ: لأيّ علّة عرج الله ـ عزّ وجلّ ـ نبيّه إلى السّماء، ومنها إلى سدرة المنتهى، ومنها إلى حجب النّور، وخاطبه وناجاه هناك، والله لا يوصف بمكان؟

فقال ـ عليه السّلام ـ: إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ لا يوصف بمكان ولا يجري عليه زمان، ولكنّه ـ عزّ وجلّ ـ أراد أن يشرّف به ملائكته وسكّان سماواته ويكرمهم بمشاهدته ويريه من عجائب عظمته ما يخبر به بعد هبوطه، وليس ذلك على ما يقوله المشبّهون.

سبحان الله وتعالى عمّا يشركون.

وفي روضة الكافي(٥) : أبان، عن عبد الله بن عطاء، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال: أتى جبرئيل رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بالبراق، أصغر من البغل وأكبر من الحمار، مضطرب الأذنين، عينيه(٦) في حافره وخطاه مدّ بصره، فإذا(٧) انتهى إلى جبل قصرت يداه وطالت رجلاه، فإذا هبط طالت يداه وقصرت رجلاه، أهدب العرف الأيمن(٨) ، له جناحان من خلفه.

__________________

(١) كذا في المصدر. وفي النسخ: أسري نبيّه.

(٢) من المصدر.

(٣) نفس المصدر / ١٦٧، ح ١.

(٤) التوحيد / ١٧٥، ح ٥.

(٥) الكافي ٨ / ٣٧٦، ح ٥٦٧.

(٦) كذا في المصدر. وليس في أ، ب، ر. وفي عيرها: عينه.

(٧) المصدر: وإذا.

(٨) أي: طويلة، وكان مرسلا في الجانب الأيمن.

٢٩٠

وفي عيون الأخبار(١) ، بإسناده قال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ: إنّ الله ـ تعالى ـ سخّر لي البراق، وهي دابّة من دوابّ الجنّة، ليست بالقصير ولا بالطّويل، فلو أنّ الله ـ تعالى ـ أذن لها لجالت الدّنيا والآخرة في جرية واحدة، وهي أحسن الدّوابّ لونا.

وفي تفسير العيّاشي(٢) : عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: لـمّـا اسري بالنّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ اتي بالبراق ومعه(٣) جبرئيل وميكائيل وإسرافيل.

قال: فأمسك له واحد بالرّكاب، وأمسك الآخر باللّجام، وسوىّ عليه الآخر ثيابه. فلمّا ركبها تضعضعت، فلطمها جبرئيل وقال لها: قرّي، يا براق، فما ركبك أحد قبله مثله، ولا يركبك أحد مثله بعده(٤) ، إلّا أنّه تضعضعت عليه.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٥) : وروى الصّادق ـ عليه السّلام ـ عن رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ قال: بينا أنا راقد بالأبطح(٦) وعليّ بن يميني، وجعفر بن يساري، وحمزة بين يديّ وإذا أنا بخفق(٧) بحفيف أجنحة الملائكة، وقائل منهم يقول: إلى أيّهم بعثت يا جبرئيل؟

فقال: إلى هذا ـ وأشار إليّ ـ وهو سيّد ولد آدم(٨) ، وهذا وصيّه ووزيره وختنه وخليفته في أمّته، وهذا عمّه وسيّد الشّهداء(٩) ، حمزة، وهذا ابن عمّه، جعفر، له جناحان خضيبان يطير بهما في الجنّة مع الملائكة. دعه فلتنم عيناه ولتسمع أذناه، وليع(١٠) قلبه، واضربوا له مثلا ملك بنى دارا واتّخذ مائدة(١١) وبعث داعيا.

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ: فالملك الله، والدّار الدّنيا، والمائدة(١٢) الجنّة، والدّاعي أنا.

قال: ثمّ أركبه جبرئيل البراق(١٣) ، وأسرى به إلى بيت المقدس، وعرض عليه محاريب الأنبياء وآيات الأنبياء، فصلّى فيها وردّه من ليلته إلى مكّة، فمرّ في رجوعه بعير(١٤)

__________________

(١) العيون ٢ / ٣١، ح ٣٩.

(٢) تفسير العيّاشي ٢ / ٢٧٦، ح ٤.

(٣) المصدر: معها.

(٤) المصدر: أحد بعده مثله.

(٥) تفسير القمّي ٢ / ١٣.

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ: في الأبطح.

(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ: بحفيف.

(٨) المصدر: آدم وحوّاء.

(٩) المصدر: عمّه سيّد الشهداء.

(١٠) المصدر: ليعي. (١١ و ١٢) المصدر: مأدبة.

(١٣) المصدر: ثمّ أدركه جبرئيل بالبراق. (١٤) العير: الإبل تحمل الميرة. ثم غلب على كلّ قافلة.

٢٩١

قريش، وإذا لهم ماء في آنية، فشرب منه وأهرق(١) باقي ذلك، وقد كانوا أضلّوا بعيرا لهم وكانوا يطلبونه.

فلمّا أصبح قال لقريش: إنّ الله قد أسرى بي في هذه اللّيلة إلى بيت المقدس، فعرض عليّ محاريب الأنبياء وآيات الأنبياء، وإنّي مررت بعير لكم في موضع كذا وكذا، وإذا لهم(٢) ماء في آنية فشربت منه وأهرقت باقي ذلك، وقد كانوا أضلّوا بعيرا لهم.

فقال أبو جهل: قد أمكنتكم(٣) الفرصة من محمّد، اسألوه: كم الأساطين فيه(٤) والقناديل؟

فقالوا: يا محمّد، إنّ هاهنا من قد دخل بيت المقدس، فصف لنا كم أساطينه وقناديله ومحاريبه.

فجاء جبرئيل [فعلّق](٥) صورة بيت المقدس تجاه وجهه، فجعل يخبرهم بما يسألونه.

فلمّا أخبرهم، قالوا: حتّى تجيء العير ونسألهم عمّا قلت.

فقال لهم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ: وتصديق ذلك أنّ العير تطلع عليكم مع طلوع الشّمس، يقدمها جمل أحمر.

فلمّا أصبحوا أقبلوا(٦) ينظرون إلى العقبة، وهم يقولون(٧) : هذه الشّمس تطلع السّاعة. فبيناهم كذلك، إذ طلعت العير مع طلوع الشّمس، يقدمها جمل أحمر. فسألوهم عمّا قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

فقالوا: لقد كان هذا، ضلّ لنا جمل في موضع كذا وكذا، ووضعنا ماء وأصبحنا وقد أهريق الماء.

فلم يزدهم إلّا عتوّا.

وفي روضة الكافي(٨) : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن أبان بن عثمان، عن حديد، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: لـمّـا اسري

__________________

(١) كذا في المصدر. وفي النسخ: صبّ.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ: لكم.

(٣) المصدر: أمكنكم.

(٤) المصدر: فيها.

(٥) من المصدر.

(٦) المصدر: وأقبل.

(٧) المصدر: ويقولون.

(٨) الكافي ٨ / ٢٦٢، ح ٣٧٦.

٢٩٢

برسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أصبح فقعد فحدّثهم بذلك.

فقالوا له: صف لنا بيت المقدس.

قال: فوصف لهم، وإنّما دخله ليلا فاشتبه عليه النّعت، فأتاه جبرئيل فقال له: أنظر هاهنا. فنظر إلى بيت(١) المقدس فوصفه وهو ينظر إليه، ثمّ نعت لهم [ما كان](٢) من عير لهم فيما بينهم وبين الشّام، ثمّ قال: هذه عير بني فلان تقدم مع طلوع الشّمس، يتقدّمها جمل أورق(٣) أو أحمر(٤) .

قال: وبعثت قريش رجلا على فرس ليردّها(٥) .

قال: وبلغ مع طلوع الشّمس، قال قرطة بن عبد عمرو: يا لهفا، أن لا أكون لك جذعا(٦) حين تزعم أنّك أتيت بيت المقدس ورجعت من ليلتك.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٧) : حدّثني أبي، عن إبراهيم بن محمّد الثّقفيّ، عن أبان بن عثمان، عن أبي داود، عن أبي بردة الأسلميّ قال: سمعت رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يقول لعليّ ـ عليه السّلام ـ: إنّ الله أشهدك معي في سبع مواطن.

أمّا أوّل ذلك، فليلة اسري بي إلى السّماء.

قال لي جبرئيل: أين أخوك؟

فقلت: خلّفته ورائي.

قال: ادع الله فليأتك به.

فدعوت الله، وإذا مثالك(٨) معي، وإذا(٩) الملائكة وقوف صفوف.

فقلت: يا جبرئيل، من هؤلاء؟

قال: هم الّذين يباهيهم الله بك يوم القيامة.

فدنوت، ونطقت بما كان وما يكون إلى يوم القيامة.

والثّاني، حين أسري بي في المرّة الثّانية.

__________________

(١) المصدر: البيت.

(٢) ليس في أ، ب.

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ: أزرق. والأورق من الإبل: ما في لونه بياض إلى سواد.

(٤) التّرديد من الرّاوي.

(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ: ليردّوها.

(٦) الجذع: الشّابّة من الإبل والمعز. والظّاهر أنّ كلامه ـ لعنه الله ـ هذا جار مجرى الاستهزاء.

(٧) تفسير القمّي ٢ / ٣٣٥ ـ ٣٣٦.

(٨) كذا في المصدر. وفي النسخ: بمثالك.

(٩) المصدر: إذ.

٢٩٣

فقال لي جبرئيل: أين أخوك؟

فقلت: خلّفته ورائي.

فقال: ادع الله فليأتك به.

فدعوت الله(١) ، فإذا مثالك معي، فكشط عن سبع سماوات حتّى رأيت سكّانها وعمّارها وموضع كلّ ملك منها.

... إلى قوله: وأمّا السّادس، لـمّـا اسري بي إلى السّماء، جمع الله لي النّبيّين.

فصلّيت بهم، ومثالك خلفي.

وفي كتاب علل الشّرائع(٢) ، بإسناده إلى عيسى بن عبد الله(٣) الأشعريّ: عن الصّادق، جعفر بن محمّد قال: حدّثني أبي، عن جدّي، عن أبيه ـ عليهم السّلام ـ قال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ: لـمّـا اسري بي إلى السّماء، حملني جبرئيل على كتفه الأيمن. فنظرت إلى بقعة بأرض الجبل حمراء أحسن لونا من الزّعفران، وأطيب ريحا من المسك. [فإذا فيها شيخ على رأسه برنس.

فقلت لجبرئيل: ما هذه البقعة الحمراء الّتي هي أحسن لونا من الزّعفران وأطيب ريحا من المسك](٤) .

قال: بقعة لشيعتك وشيعة وصيّك، عليّ.

فقلت: من الشّيخ، صاحب البرنس؟

قال: إبليس.

قلت: فما يريد منهم؟

قال: يريد أن يصدّهم عن ولاية أمير المؤمنين، ويدعوهم إلى الفسق والفجور.

قلت: يا جبرئيل، أهو بنا [إليهم.

فأهوى بناء إليهم](٥) أسرع من البرق الخاطف والبصر اللّامح.

فقلت: قم، يا(٦) ملعون، فشارك أعداءهم في أموالهم وأولادهم ونسائهم. فإنّ

__________________

(١) ليس في المصدر.

(٢) العلل / ٥٧٢، ح ١.

(٣) كذا في المصدر وجامع الرواة ١ / ٦٥٢. وفي النسخ: عبيد الله.

(٤) من المصدر. وفي النسخ بدل ما بين المعقوفتين: «قلت: لمن البقعة؟».

(٥) من ب. وفي النسخ بدلها: إليه.

(٦) من هنا إلى موضع نذكره بعد صفحات ليس في أ.

٢٩٤

شيعتي وشيعة عليّ ليس لك عليهم سلطان. [فسمّيت «قم»](١) .

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٢) : حكى أبي، عن محمّد بن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: جاء جبرئيل وميكائيل وإسرافيل بالبراق إلى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ، فأخذ واحد باللّجام، وواحد بالرّكاب، وسوّى الاخر عليه ثيابه. فتضعضعت البراق. فلطمها جبرئيل، ثمّ قال لها: اسكني، يا براق، فما ركبك نبيّ قبله، ولا يركبك بعده مثله.

قال: فرقت به(٣) ، ورفعته ارتفاعا ليس بالكثير، ومعه جبرئيل، يريه الآيات من السّماء والأرض.

قال: فبينا أنا في مسيرتي(٤) ، إذ نادى مناد عن يميني: يا محمّد. فلم أجبه ولم ألتفت إليه. ثمّ نادى مناد عن يساري: يا محمّد. فلم أجبه، ولم ألتفت إليه. ثمّ استقبلتني إمرأة كاشفة عن ذراعيها عليها من كلّ زينة الدّنيا، فقالت: يا محمّد، انظرني حتّى أكلّمك. فلم ألتفت إليها. ثمّ سرت فسمعت صوتا أفزعني [فجاوزت به](٥) . فنزل بي جبرئيل فقال: صلّ. فصلّيت.

فقال: أتدري أين صلّيت؟

فقلت: لا.

فقال: صلّيت [بطيبة وإليها مهاجرك(٦) .

ثمّ ركبت فمضينا ما شاء الله، ثمّ قال لي: أنزل فصلّ، فنزلت وصلّيت.

فقال لي: أتدري أين صلّيت؟

فقلت: لا.

فقال: صلّيت](٧) . بطور سيناء حيث كلّم الله موسى تكليما.

ثمّ ركبت فمضينا ما شاء الله، ثمّ قال: أنزل فصلّ، فنزلت وصلّيت.

فقال لي: أتدري أين صلّيت؟

__________________

(١) من المصدر.

(٢) تفسير القمّي ٢ / ٣ ـ ١٢.

(٣) أي: صعدت البراق بالنّبي ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

(٤) المصدر: مسيري.

(٥) من المصدر.

(٦) المصدر: مهاجرتك.

(٧) لا يوجد في ب.

٢٩٥

فقلت: لا.

فقال: صلّيت ببيت(١) لحم، وبيت لحم بناحية بيت المقدس، حيث ولد عيسى بن مريم ـ عليه السّلام ـ.

ثمّ ركبت. فمضينا حيث انتهينا إلى بيت المقدس. فربطت البراق بالحلقة الّتي [كانت](٢) الأنبياء تربط بها، فدخلت المسجد ومعي جبرئيل إلى جنبي، فوجدنا إبراهيم وموسى وعيسى فيمن شاء الله من أنبياء الله قد جمعوا إليّ، وأقمت الصّلاة ولا أشكّ إلّا وجبرئيل سيتقدّمنا(٣) ، فلما استووا أخذ جبرئيل بعضدي فقدّمني وأممتهم(٤) ولا فخر. ثمّ أتاني الخازن بثلاثة أواني: إناء فيه لبن، وإناء فيه ماء، وإناء فيه خمر.

فسمعت قائلا يقول: إن أخذ الماء غرق وغرقت أمّته، وإن أخذ الخمر غوي وغويت أمّته، وإن أخذ اللّبن هدي وهديت أمّته.

قال: فأخذت اللّبن وشربت منه.

فقال لي جبرئيل: هديت وهديت أمّتك.

ثمّ قال لي: ما ذا رأيت في مسيرك؟

فقلت: ناداني مناد عن يميني.

فقال لي: او أجبته؟

فقلت: لا، ولم ألتفت إليه.

فقال: ذلك داعي اليهود، ولو أجبته لتهوّدت أمّتك من بعدك.

ثمّ قال: ما ذا رأيت [في مسيرك](٥) ؟

فقلت: ناداني مناد عن يساري.

فقال: او أجبته؟

فقلت: لا، ولم ألتفت إليه.

قال: ذلك داعي النّصارى(٦) ، ولو أجبته لتنصّرت(٧) أمّتك من بعدك.

__________________

(١) المصدر: في بيت.

(٢) من المصدر.

(٣) المصدر: استقدمنا.

(٤) المصدر: فأممتهم.

(٥) ليس في ب والمصدر.

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ: النصارنى.

(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ: لنصرت.

٢٩٦

ثمّ قال لي: ما ذا استقبلك؟

فقلت: لقيت إمرأة كاشفة عن ذراعيها، عليها من كلّ زينة الدّنيا(١) ، فقالت: يا محمّد، أنظرني حتّى أكلّمك.

فقال لي: أفكلّمتها؟

فقلت: لم أكلّمها، ولم ألتفت إليها.

فقال: تلك الدّنيا. ولو كلّمتها، لاختارت أمّتك الدّنيا على الآخرة.

ثمّ سمعت صوتا أفزعني.

فقال لي جبرئيل: تسمع، يا محمّد؟

قلت: نعم.

قال: هذه صخرة قذفتها عن شفير جهنّم منذ سبعين عاما، فهذا حين استقرّت.

قالوا: فما ضحك رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ حتّى قبض.

قال: فصعد جبرئيل وصعدت معه إلى السّماء الدّنيا، وعليها ملك يقال له: إسماعيل، وهو صاحب الخطفة الّتي قال الله ـ عزّ وجلّ ـ:( إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ ) . وتحته سبعون ألف ملك، [تحت كلّ ملك سبعون ألف ملك](٢) .

فقال: يا جبرئيل، من هذا معك؟

فقال: محمّد.

قال: أوقد بعث؟

قال: نعم.

ففتح(٣) الباب وسلّمت عليه وسلّم عليّ، واستغفرت له واستغفر لي، وقال: مرحبا بالأخ الصّالح(٤) والنّبيّ الصّالح. وتلقّتني الملائكة حتّى دخلت سماء الدّنيا، فما لقيني ملك إلا [كان](٥) ضاحكا مستبشرا، حتّى لقيني ملك من الملائكة لم أر أعظم خلقا منه كريه المنظر ظاهر الغضب، فقال لي مثل ما قالوا من الدّعاء إلّا أنّه لم يضحك ولم أر فيه من الاستبشار ما رأيت(٦) ممّن ضحك من الملائكة.

__________________

(١) ليس في المصدر.

(٢) ليس في ب.

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ: ثمّ فتح.

(٤) المصدر: الناصح.

(٥) من المصدر.

(٦) المصدر: وما رأيت.

٢٩٧

فقلت: من هذا، يا جبرئيل، فإنّي قد فزعت منه(١) ؟

فقال: يجوز أن تفزع منه فكلّنا نفزع منه. إنّ هذا مالك خازن النّار. لم يضحك قطّ، ولم يزل منذ ولّاه الله جهنّم يزداد كلّ يوم غضبا وغيظا على أعداء الله وأهل معصيته فينتقم الله به منهم. ولو ضحك إلى أحد كان(٢) قبلك، أو كان ضاحكا إلى أحد(٣) بعدك، لضحك إليك، ولكنّه لا يضحك.

فسلّمت عليه فردّ السّلام عليّ، وبشّرني بالجنّة. فقلت لجبرئيل ـ وجبرئيل بالمكان الّذي وصفه الله(٤) :( مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ ) ـ: ألا تأمره أن يريني النّار؟

فقال له جبرئيل(٥) : يا مالك، أر محمّداً النّار.

فكشف عنها غطاءها(٦) ، وفتح بابا منها. فخرج منها لهب ساطع في السّماء، وفارت وارتفعت(٧) حتّى ظننت لتناولني(٨) ممّا رأيت. فقلت: يا جبرئيل، قل له فيردّ(٩) عليها غطاءها.

فأمرها، فقال لها: ارجعي. فرجعت إلى مكانها الّذي خرجت منه.

ثمّ مضيت فرأيت رجلا آدما جسيما، فقلت: من هذا، يا جبرئيل؟

فقال: هذا أبوك، آدم. فإذا هو تعرض عليه ذرّيّته فيقول: روح طيّب وريح طيّبة من جسد طيّب.

ثمّ تلا رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ سورة المطفّفين على رأس سبع عشرة آية( كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ، وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ، كِتابٌ مَرْقُومٌ، يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ ) إلى آخرها.

قال: فسلّمت على أبي، آدم وسلّم عليّ واستغفرت له واستغفر لي، فقال لي: مرحبا بالابن الصّالح والنّبيّ الصّالح والمبعوث في الزّمن الصّالح.

__________________

(١ و ٢) ليس في المصدر.

(٣) المصدر: ضاحكا لأحد.

(٤) التكوير / ٢١.

(٥) ليس في ب.

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ: غطاء.

(٧) المصدر: فارتعدت.

(٨) المصدر: ليتناولني.

(٩) المصدر: فليردّ.

٢٩٨

ثمّ مررت بملك من الملائكة، وهو جالس [على مجلس](١) ، وإذا جميع الدّنيا بين ركبتيه، وإذا بيده لوح من نور [ينظر فيه، مكتوب](٢) فيه [كتاب ينظر فيه ،](٣) لا يلتفت يمينا ولا شمالا، مقبلا عليه(٤) ، كهيئة الحزين.

فقلت: من هذا، يا جبرئيل؟

فقال: هذا ملك الموت، دائب في قبض الأرواح.

فقلت: يا جبرئيل، ادنني منه حتّى أكلّمه. فأدناني منه، فسلّمت عليه.

فقال له جبرئيل: هذا [محمّد](٥) نبيّ الرّحمة، الّذي أرسله الله إلى العباد.

فرحّب بي وحيّاني بالسّلام، وقال: أبشر، يا محمّد، فإنّي أرى الخير كلّه في أمّتك. فقلت: الحمد لله المنّان ذي النّعم على عباده. ذلك من فضل ربّي ورحمته عليّ.

فقال جبرئيل: هو أشدّ الملائكة عملا.

فقلت(٦) : أكلّ من مات، أو هو ميّت فيما بعد، [هذا](٧) تقبض روحه؟

قال: نعم.

قلت: وتراهم حيث كانوا، وتشهدهم بنفسك؟

فقال: نعم. فقال ملك الموت: ما الدّنيا كلّها عندي فيما سخّرها الله لي ومكّنني عليها(٨) ، إلّا كالدرّهم في كفّ الرّجل يقلّبه كيف يشاء. وما من دار إلّا وأنا أتصفّحه كلّ يوم خمس مرّات، وأقول إذا بكى أهل الميّت على ميّتهم: لا تبكوا عليه، فإنّ لي فيكم عودة وعودة حتّى لا يبقى(٩) أحد منكم.

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ: كفى بالموت طامّة(١٠) ، يا جبرئيل.

فقال جبرئيل: إنّ ما بعد الموت أطمّ وأطمّ من الموت.

قال: ثمّ مضيت، فإذا أنا بقوم بين أيديهم موائد من لحم طيّب ولحم خبيث ،

__________________

(١ و ٢) ليس في المصدر.

(٣) ليس في ب.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ: ولا شمالا ولا مقبلا.

(٥) من المصدر.

(٦) ليس في ب.

(٧) من المصدر.

(٨) المصدر: منها.

(٩) كذا في المصدر. وفي النسخ: عود وعود لا يبقى.

(١٠) الطّامّة: الدّاهية تفوق ما سواها.

٢٩٩

فيأكلون الخبيث ويدعون الطّيّب، فقلت: من هؤلاء، يا جبرئيل؟

فقال: هؤلاء الّذين يأكلون الحرام ويدعون الحلال، وهم من أمّتك، يا محمّد.

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ: ثمّ رأيت ملكا من الملائكة جعل الله أمره عجبا، نصف جسده نار والنّصف الآخر ثلج، فلا النّار تذيب الثّلج ولا الثّلج يطفئ النّار، وهو ينادي بصوت رفيع يقول: سبحان الّذي كفّ حرّ هذه النّار فلا يذيب(١) الثّلج، وكفّ برد هذا الثّلج فلا يطفئ حرّ هذه النّار. أللّهمّ، يا مؤلّف بين الثّلج والنّار، ألّف بين قلوب عبادك المؤمنين.

فقلت: من هذا، يا جبرئيل؟

فقال: هذا ملك وكلّه الله بأكناف السّماء(٢) وأطراف الأرضين، وهو أنصح ملائكة الله(٣) لأهل الأرض من عباده المؤمنين، يدعو لهم بما تسمع منذ خلق، وملكان يناديان في السّماء: أحدهما يقول: أللّهمّ، أعط كلّ منفق خلفا، والآخر يقول: أللّهمّ، أعط كلّ ممسك تلفا.

ثمّ مضيت، فإذا أنا بأقوام لهم مشافر كمشافر الإبل، يقرض اللّحم من جنوبهم ويلقى في أفواههم، [ويخرج من أدبارهم](٤) . فقلت: من هؤلاء، يا جبرئيل؟

فقال: هؤلاء الهمّازون اللّمّازون.

ثمّ مضيت فإذا أنا بأقوام ترضخ(٥) رؤوسهم(٦) بالصّخر، فقلت: من هؤلاء يا جبرئيل؟

فقال: هؤلاء الّذين ناموا(٧) عن صلاة العشاء.

ثمّ مضيت فإذا أنا بأقوام تقذف النّار في أفواههم وتخرج من أدبارهم، فقلت: من هؤلاء، يا جبرئيل؟

فقال: هؤلاء الّذين يأكلون أموال اليتامى ظلما(٨) ، إنّما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا.

__________________

(١) المصدر: فلا تذيب.

(٢) المصدر: السموات.

(٣) ب: أنصح الملائكة.

(٤) ليس في المصدر.

(٥) ب، ر: ترضّ.

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ: وجوههم.

(٧) المصدر: ينامون.

(٨) ليس في ب.

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

والمماثلة الحقيقية ليست مرادةً ؛ لامتناعها بين الصيد والنَّعَم ، بل المراد من حيث الصورة ، فإنّ النعامة شبه البدنة.

وحَكَم الصحابة في الحيوانات بأمثالها ، فحَكَم عليعليه‌السلام وزيد ابن ثابت وعمر وعثمان وابن عباس ومعاوية في النعامة ببدنة. وحَكَم أبو عبيدة وابن عباس في حمار الوحش ببدنة. وحَكَم عمر فيه ببقرة. وحَكَم عليعليه‌السلام في الضبع بشاة(١) ، مع اختلاف الأزمان وتباعد الأمكنة ، ولو كان على وجه القيمة ، لامتنع اتّفاقها في شي‌ء واحد ، وقد حكموا في الحمامة بشاة(٢) ولا تبلغُ الحمامةَ في القيمة.

وما ثبت فيه نصّ مقدّر اتُّبع إمّا من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو من أحد الأئمةعليهم‌السلام ، ولا يجب استئناف الحكم - وبه قال عطاء والشافعي وإسحاق وأحمد(٣) - لأنّهم أعرف من غيرهم وأزهد ، فكان قولهم حجّةً.

وقال مالك : يستأنف الحكم ؛ لقوله تعالى :( يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ ) (٤) (٥) .

والجواب : التقدير ثبوت الحكم.

مسألة ٣١٧ : يجب في النعامة بدنة عند علمائنا أجمع ، فمن قتل نعامةً وهو مُحْرم وجب عليه جزور - وبه قال عطاء ومجاهد ومالك والشافعي وأحمد وأكثر أهل العلم(٦) - لقوله تعالى :( فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ

____________________

= ٨٢ ، المغني ٣ : ٥٤٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦١ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٦ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٠ ، المجموع ٧ : ٤٣٨ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٨٦.

(١ و ٢ ) المغني ٣ : ٥٤٥ - ٥٤٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦١ - ٣٦٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٩١ - ٢٩٢.

(٣) المغني ٣ : ٥٤٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦١.

(٤) المائدة : ٩٥.

(٥) المغني ٣ : ٥٤٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦١.

(٦) الشرح الكبير ٣ : ٣٦١ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٥٣ ، الاُم ٢ : ١٩٠ ، الوجيز ١ : ١٢٨ ، =

٤٠١

النَّعَمِ ) (١) .

وروى العامّة : أنّ علياعليه‌السلام حكم فيها ببدنة(٢) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « وفي النعامة جزور »(٣) .

وفي حديث آخر : « بدنة »(٤) .

وقال أبو حنيفة : تجب القيمة. وقد تقدّم(٥) .

ولو لم يجد البدنة ، قوّم البدنة ، وفضّ قيمتها على البرّ ، وأطعم ستّين مسكينا لكلّ مسكين نصف صاع - وبه قال الشافعي وأحمد(٦) - لقوله تعالى :( فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ ) (٧) بقراءة الخفض(٨) ، وهو يقتضي أن يكون الجزاء بدلا عن المثل من النّعم ، لأنّ تقديرها : فجزاء بمثل.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « إذا أصاب المحرم الصيد ولم يجد ما يكفّر من موضعه الذي أصاب فيه الصيد قوّم جزاؤه من النّعم دراهم ثم قوّمت الدراهم طعاما لكلّ مسكين نصف صاع ، فإن لم يقدر على الطعام صام لكلّ نصف صاع يوما »(٩) .

وقال مالك : يقوّم الصيد لا المثل ، لأنّ التقويم إذا وجب لأجل الإتلاف‌

____________________

= فتح العزيز ٧ : ٥٠٢ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢٣ ، المجموع ٧ : ٤٢٨ و ٤٣٨.

(١) المائدة : ٩٥.

(٢) سنن البيهقي ٥ : ١٨٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦١.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٤١ / ١١٨٠.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٤١ / ١١٨١.

(٥) تقدّم في المسألة السابقة.

(٦) فتح العزيز ٧ : ٤٩٩ ، المجموع ٧ : ٤٣٨ ، المغني ٣ : ٥٨٨.

(٧) المائدة : ٩٥.

(٨) أي : بالإِضافة.

(٩) الكافي ٤ : ٣٨٧ / ١٠ ، التهذيب ٥ : ٣٤١ - ٣٤٢ / ١١٨٣.

٤٠٢

قوّم المتلف كالذي لا مثل له(١) .

وقال أبو حنيفة : لا يجب المثل ، بل قيمة الصيد ، فإن شاء تصدّق بها ، وإن شاء اشترى شيئاً من النَّعَم التي تجزئ في الأضحية يذبح ، وإن شاء صرفها إلى الطعام ، فأعطى كلّ مسكين نصف صاع من بُرٍّ أو صاعاً من غيره ، أو صام عن كلّ نصف صاع من بُرٍّ أو صاع من غيره يوماً(٢) .

ولو لم يجد الإِطعام ، قوّم الجزور بدراهم والدراهم بطعام على ما قلناه ، ثم صام عن كلّ نصف صاع يوماً - وبه قال ابن عباس والحسن البصري والنخعي والثوري وأصحاب الرأي وابن المنذر(٣) - لأنّ صوم اليوم بدل عن نصف صاع في غير هذه الصورة ، فيكون كذلك هنا.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « فإن لم يقدر على الطعام صام لكلّ نصف صاع يوماً »(٤) .

وقال عطاء : يصوم عن كلّ مُدٍّ يوماً - وبه قال مالك والشافعي ، وعن أحمد روايتان - لأنّ الله تعالى جعل اليوم في كفّارة الظهار في مقابلة إطعام المسكين ، فكذا هنا(٥) .

ويبطل بتقديم النصّ على القياس.

مسألة ٣١٨ : واختلف علماؤنا في كفّارة جزاء الصيد :

____________________

(١) بداية المجتهد ١ : ٣٥٨ ، المغني ٣ : ٥٥٨ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٠ ، المجموع ٧ : ٤٣٨.

(٢) الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٦٩ - ١٧٠ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٠ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٦ ، المجموع ٧ : ٤٣٨.

(٣) المغني ٣ : ٥٥٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٠ ، المجموع ٧ : ٤٣٨ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٨٥ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٠١.

(٤) الكافي ٤ : ٣٨٧ / ١٠ ، التهذيب ٥ : ٣٤١ - ٣٤٢ / ١١٨٣.

(٥) المغني ٣ : ٥٥٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٠ ، بداية المجتهد ١ : ٣٥٨ ، المجموع ٧ : ٤٣٨.

٤٠٣

فقال بعضهم : إنّها على الترتيب(١) - وبه قال ابن عباس والتوري وابن سيرين ، ونقله أبو ثور عن الشافعي في القديم(٢) - لقول الصادقعليه‌السلام : « فإن لم يقدر على ذلك - يعني الذبح - قوّم جزاء الصيد وتصدّق بثمنه على المساكين » ثم قال : « فإن لم يقدر صام بدل كلّ صاع يوماً»(٣) وهو يدلّ على الترتيب.

ولأنّ هدي المتعة على الترتيب ، وهذا آكد منه ، لأنّه فعل محظور.

وقال بعضهم : إنّها على التخيير(٤) - وبه قال مالك والشافعي وأصحاب الرأي ، وعن أحمد روايتان(٥) - وهو المعتمد ، لقوله تعالى :( هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً ) (٦) و « أو » للتخيير.

قال ابن عباس : كلّ شي‌ء « أو ، أو » فهو مخيّر ، وأمّا ما كان « فإن لم يجد » فهو الأوّلُ الأوّلُ. رواه العامّة(٧) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « كلّ شي‌ء في القرآن ( أو ) فصاحبه بالخيار يختار ما شاء ، وكلّ شي‌ء في القرآن ( فمن لم يجد فعليه كذا ) فالأول بالخيار »(٨) .

ولأنّها فدية تجب بفعل محظور ، فكان مخيّراً بين ثلاثتها ، كفدية الأذى.

____________________

(١) كالشيخ المفيد في المقنعة : ٦٨ ، والمحقّق في شرائع الإِسلام ١ : ٢٨٤ - ٢٨٥.

(٢) المغني ٣ : ٥٥٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٨ - ٣٣٩ ، المجموع ٧ : ٤٢٧ - ٤٢٨ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٠٠ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٥٦.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٤١ / ١١٨٢.

(٤) كالشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٣٩٧ ، المسألة ٢٦٠ ، وابن إدريس في السرائر : ١٣١.

(٥) بداية المجتهد ١ : ٣٥٨ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٥٦ ، فتح العزيز ٧ : ٤٩٩ - ٥٠٠ ، المجموع ٧ : ٤٢٧ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٠٠ ، المغني ٣ : ٥٥٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٨‌.

(٦) المائدة : ٩٥.

(٧) المغني ٣ : ٥٥٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٩ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٥٦.

(٨) الكافي ٤ : ٣٥٨ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٣٣٣ / ١١٤٧ ، الاستبصار ٢ : ١٩٥ / ٦٥٦.

٤٠٤

وقال الشافعي قولاً آخر : إنّه لا إطعام في الكفّارة ، وإنّما ذكر في الآية ليعدل به الصيام ؛ لأنّ مَنْ قَدَر على الإِطعام قَدَر على الذبح ، وهو مروي عن ابن عباس وعن أحمد(١) أيضاً.

وهو خطأ لأنّ الله تعالى سمّى الإِطعام كفّارةً ، ولو لم يجب إخراجه لم يكن كفّارةً وجعله طعاماً للمساكين ، وما لا يجوز صرفه إليهم لا يكون طعاماً لهم.

ولأنّه عطف الطعام على الهدي ثم عطف الصوم عليه ، ولو لم تكن إحدى الخصال لم يجز ذلك فيه.

ونمنع أنّ مَنْ قَدَر على الطعام قدر على الهدي ، إمّا لتعذّر المذبوح أو لغلاء السعر أو لغيرهما.

مسألة ٣١٩ : لو زادت قيمة الفداء على إطعام ستّين مسكينا لكلّ مسكين نصف صاع ، لم يلزمه الزائد ، وأجزأه إطعام الستّين ، ولو نقص عن إطعام الستّين ، لم يجب الإكمال ، بل أجزأه وإن كان ناقصاً.

وكذا لو زاد ثمن الطعام على صيام ستّين يوما لكلّ يوم نصف صاع ، لم يجب عليه صوم الزائد على الستّين ، ولو نقص ، أجزأه الناقص ، ولا يجب عليه إكمال الصوم.

والعامّة لم يعتبروا ذلك ؛ لأنّها كفّارة ، فلا تزيد على إطعام ستّين ولا على صيام ستين ، لأنّها أعلى مراتب الكفّارات.

وقول الصادقعليه‌السلام في مُحْرم قتل نعامةً ، قال : « عليه بدنة ، فإن لم يجد فإطعام ستّين مسكيناً ، فإن كانت قيمة البدنة أكثر من طعام ستّين مسكيناً لم يزد على طعام ستّين مسكيناً ، وإن كانت قيمة البدنة أقلّ من طعام ستّين مسكيناً لم يكن عليه إلّا قيمة البدنة »(٢) .

____________________

(١) الشرح الكبير ٣ : ٣٣٩ ، المغني ٣ : ٥٥٧ ، وفيه : وهذا قول الشعبي ، بدل الشافعي.

(٢) الكافي ٤ : ٣٨٦ / ٥ ، التهذيب ٥ : ٣٤٢ /٧ ١١٨٥.

٤٠٥

إذا عرفت هذا ، فلو بقي ما لا يعدل يوماً ، كربع الصاع ، كان عليه صيام يوم كامل ، وبه قال عطاء والنخعي وحماد والشافعي وأصحاب الرأي(١) ، ولا نعلم فيه خلافاً ؛ لأنّ صيام اليوم لا يتبعّض ، والسقوط غير ممكن ؛ لشغل الذمّة ، فيجب إكمال اليوم.

مسألة ٣٢٠ : لو عجز عن البدنة وإطعام ستّين وصوم شهرين ، صام ثمانية عشر يوماً ؛ لأنّ صوم ثلاثة أيّام بدل عن إطعام عشرة مساكين في كفّارة اليمين مع العجز عن الإِطعام ، فيكون كذلك هنا.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « مَنْ أصاب شيئاً فداؤه بدنة من الإِبل ، فإن لم يجد ما يشتري بدنةً فأراد أن يتصدّق فعليه أن يطعم ستّين مسكيناً لكلّ مسكين مُدّاً ، فإن لم يقدر على ذلك صام مكان ذلك ثمانية عشر يوماً مكان كلّ عشرة مساكين ثلاثة أيّام »(٢) .

مسألة ٣٢١ : في فراخ النعامة لعلمائنا قولان :

أحدهما : من صغار الإِبل(٣) ، وبه قال الشافعي وأحمد(٤) .

والثاني : فيه مثل ما في النعامة سواء(٥) ، وبه قال مالك(٦) .

احتجّ الأوّلون : بقوله تعالى :( فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ) (٧) ومثل الصغير صغير.

____________________

(١) المغني ٣ : ٥٥٩ - ٥٦٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٠ ، المجموع ٧ : ٤٢٧.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٤٣ / ١١٨٧.

(٣) من القائلين به : الشيخ المفيد في المقنعة : ٦٨.

(٤) الحاوي الكبير ٤ : ٢٩٤ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٤ ، المجموع ٧ : ٤٣١ و ٤٣٩ ، المغني ٣ : ٥٥٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٤ ، بداية المجتهد ١ : ٣٦٢.

(٥) من القائلين به : الشيخ الطوسي في النهاية : ٢٢٥ والمبسوط ١ : ٣٤٢.

(٦) بداية المجتهد ١ : ٣٦٢ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٥٥ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٤ ، المجموع ٧ : ٤٣٩ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٩٤ ، المغني ٣ : ٥٤٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٤.

(٧) المائدة : ٩٥.

٤٠٦

ولأنّ فرخ الحمام يضمن بمثله ، فكذا فرخ النعامة.

واحتجّ الآخرون : بقوله تعالى :( هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ ) (١) ولا يجزئ في الهدي صغير.

ولقول الصادقعليه‌السلام في قوم حجّاج مُحْرمين أصابوا فراخ نعام ، فأكلوا جميعاً ، قال : « عليهم مكان كلّ فرخ بدنة يشتركون فيها جميعاً يشترونها على عدد الفراخ وعلى عدد الرجال »(٢) .

الثاني : كفّارة قتل حمار الوحش وبقرته.

مسألة ٣٢٢ : لو قتل الـمُحْرم حمارَ الوحش ، وجب عليه دم بقرة عند علمائنا - وبه قال عمر وعروة ومجاهد والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين(٣) - للمماثلة بين حمار الوحش والبقرة الأهلية.

ولأنّ أبا بصير سأل الصادقعليه‌السلام : قلت : فإن أصاب بقرة وحش أو حمار وحش ما عليه؟ قال : « عليه بقرة »(٤) .

وقال أحمد في الرواية الاُخرى : عليه بدنة. وهو مروي عن أبي عبيدة وابن عباس ، وبه قال عطاء والنخعي(٥) .

وقال أبو حنيفة : تجب القيمة. وقد سلف(٦) .

إذا ثبت هذا ، ففي بقرة الوحش بقرة أهلية أيضاً عند علمائنا ، وهو مروي‌

____________________

(١) المائدة : ٩٥.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٣٦ / ١١٢٣.

(٣) المغني ٣ : ٥٤٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٢ ، الاُم ٢ : ١٩٢ ، الوجيز ١ : ١٢٨ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٢ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢٣ ، المجموع ٧ : ٤٢٨ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٨٢ ، الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٧٠.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٤٢ - ٣٤٣ / ١١٨٦.

(٥) المغني ٣ : ٥٤٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٢.

(٦) سلف في صفحة ٣٩٩.

٤٠٧

عن ابن مسعود وعطاء وعروة وقتادة والشافعي(١) ، ولا نعلم فيه خلافاً ، إلّا من أبي حنيفة(٢) ؛ لأنّ الصحابة نصّوا فيها على ذلك(٣) . وللمشابهة في الصورة. ولرواية أبي بصير ، الصحيحة ، وقد سلفت(٤) .

مسألة ٣٢٣ : لو لم يجد البقرة في جزاء حمار الوحش وبقرته ، قوّم ثمنها بدراهم وفضَّه على الحنطة ، وأطعم كلّ مسكين نصف صاع ، ولا يجب عليه ما زاد على إطعام ثلاثين مسكيناً ، ولا إتمام ما نقص عنه ، عند علمائنا.

وقال مالك : إنّما يقوّم الصيد. وقد سلف(٥) البحث معه.

وقد روى أبو عبيدة عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « إذا أصاب المحرم الصيد ولم يجد ما يكفّر من موضعه الذي أصاب فيه الصيد قوّم جزاؤه من النّعم دراهم ثم قوّمت الدراهم طعاما لكلّ مسكين نصف صاع ، فإن لم يقدر على الطعام صام لكلّ نصف صاع يوما »(٦) .

وعن أبي بصير عن الصادقعليه‌السلام ، قال : فإن أصاب بقرة وحش أو حمار وحش ما عليه؟ قال : « بقرة » قلت : فإن لم يقدر على بقرة؟ قال : « فليطعم ثلاثين مسكيناً »(٧) .

مسألة ٣٢٤ : لو لم يتمكّن من الإِطعام ، صام ثلاثين يوما كلّ يوم بإزاء نصف صاع ، ولو لم يبلغ الإطعام ذلك ، لم يكن عليه الإِكمال ، ولو فضل ،

____________________

(١) المغني ٣ : ٥٤٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٢ ، المجموع ٧ : ٤٢٨ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٢ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٥٣.

(٢) تقدّمت الإِشارة إلى مصادر قوله في صفحة ٣٩٩ ، الهامش (٧)

(٣) كما في المغني ٣ : ٥٤٧ ، والشرح الكبير ٣ : ٣٦٢ ، وفتح العزيز ٧ : ٥٠٢ ، والمجموع ٧ : ٤٢٨ ، وسنن البيهقي ٥ : ١٨٢.

(٤) سلفت في صدر المسألة.

(٥) سلف في المسألة ٣١٧.

(٦) الكافي ٤ : ٣٨٧ / ١٠ ، التهذيب ٥ : ٣٤١ - ٣٤٢ / ١١٨٣.

(٧) التهذيب ٥ : ٣٤٢ - ٣٤٣ / ١١٨٦.

٤٠٨

لم تجب عليه الزيادة عن ثلاثين ؛ لما تقدم(١) في النعامة.

ولقول الباقرعليه‌السلام : « لكلّ طعام مسكين يوماً »(٢) .

والخلاف في الترتيب والتخيير هنا كما تقدّم(٣) .

ولو لم يتمكّن من هذه الأصناف ، صام تسعة أيّام ؛ لما ثبت في كفّارة اليمين من أنّ صوم ثلاثة أيّام بدل من إطعام عشرة مساكين مع العجز ، فكذا هنا.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « فإن لم يجد(٤) فليطعم ثلاثين مسكينا ، فإن لم يجد(٥) فليصم تسعة أيّام »(٦) .

الثالث : في كفّارة الظبي والثعلب والأرنب.

مسألة ٣٢٥ : لو قتل الـمُحْرم ظبياً ، وجب عليه دم شاة ، وبه قال عليعليه‌السلام ، وعطاء وعروة وعمر بن الخطّاب والشافعي وأحمد وابن المنذر(٧) ؛ لأنّه قول من سمّيناه من الصحابة ، ولم يُعلمْ لهم مُخالف ، فكان حجّةً.

وما رواه العامّة عن جابر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال : ( وفي الظبي شاة )(٨) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « وفي الظبي شاة »(٩) .

____________________

(١) تقدم في المسألة ٣١٩.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٤٢ / ١١٨٤.

(٣) تقدّم في المسألة ٣١٨.

(٤و٥) في المصدر : فإن لم يقدر.

(٦) الكافي ٤ : ٣٨٥ / ١ ، التهذيب ٥ : ٣٤٢ - ٣٤٣ / ١١٨٦.

(٧) المغني ٣ : ٥٤٦ و ٥٤٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٢ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٨٢.

(٨) سنن الدار قطني ٢ : ٢٤٧ / ٥٢ ، المغني ٣ : ٥٤٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٢.

(٩) التهذيب ٥ : ٣٤١ / ١١٨١.

٤٠٩

وقال أبو حنيفة : الواجب القيمة. وقد تقدّم(١) البحث معه.

مسألة ٣٢٦ : لو عجز عن الشاة ، قوّم ثمنها دراهم ، وفضَّه على البُرّ ، وأطعم عشرة مساكين لكلّ مسكين نصف صاع ، ولو زاد التقويم على ذلك ، لم تجب عليه الزيادة على إطعام العشر ، ولو نقص ، لم يجب عليه الإِكمال ؛ لما ثبت من مساواة إطعام عشرة مساكين للشاة في اليمين وأذى الحلق وغيرهما.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « إذا أصاب الـمُحْرم الصيد ولم يجد ما يكفّر من موضعه الذي أصاب فيه [ الصيد ](٢) قوّم جزاؤه من النَّعَم دراهم ثم قُوّمت الدراهم طعاماً لكلّ مسكين نصف صاع ، فإن لم يقدر على الطعام صام لكلّ نصف صاع يوماً »(٣) .

وسأل أبو بصير الصادقَعليه‌السلام : فإن أصاب ظبياً ما عليه؟ قال : « عليه شاة » قلت : فإن لم يجد شاةً؟ قال : « فعليه إطعام عشرة مساكين »(٤) .

مسألة ٣٢٧ : لو عجز عن الإِطعام ، صام عن كلّ نصف صاع يوماً ، ولو زاد التقويم على خمسة أصْوُعٍ ، لم يكن عليه صوم عن الزائد ، ولو نقص ، لم يكن عليه إلّا بقدر التقويم ؛ لما ثبت من مقابلة صوم اليوم لنصف صاع ، فكذا هنا.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « فإن لم يقدر على الطعام صام لكلّ نصف صاع يوماً »(٥) .

____________________

(١) تقدّم في صفحة ٣٩٩.

(٢) أضفناها من المصدر.

(٣) الكافي ٤ : ٣٨٧ / ١٠ ، التهذيب ٥ : ٣٤١ - ٣٤٢ / ١١٨٣.

(٤) الكافي ٤ : ٣٨٥ / ١ ، التهذيب ٥ : ٣٤٣ / ١١٨٦.

(٥) الكافي ٤ : ٣٨٧ / ١٠ ، التهذيب ٥ : ٣٤١ - ٣٤٢ / ١١٨٣.

٤١٠

واعلم أنّ الخلاف هنا في ترتيب هذه الأصناف الثلاثة أو تخييرها كالخلاف فيما تقدّم(١) .

ولو عجز عن الشاة وإطعام عشرة مساكين وصوم عشرة أيّام ، صام ثلاثة أيّام ؛ لما ثبت من أنّها بدل في كفّارة اليمين عن إطعام عشرة مساكين ، وكذا في كفارة الأذى ، فكذا هنا.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « ومَنْ كان عليه شاة فلم يجد فليطعم عشرة مساكين ، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيّام في الحجّ(٢) »(٣) .

مسألة ٣٢٨ : وفي الثعلب شاة ؛ لأنّ أبا بصير سأل الصادقَعليه‌السلام : عن رجل قتل ثعلباً ، قال : « عليه دم » قلت : فأرنباً؟ قال : « مثل ما في الثعلب »(٤) .

قال الشيخان رحمهما الله تعالى : إنّ في الثعلب مثل ما في الظبي(٥) . ولم يثبت.

ويمكن الاحتجاج بقول الصادقعليه‌السلام : « ومَنْ كان عليه شاة فلم يجد فليطعم عشرة مساكين فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيّام في الحجّ »(٦) .

إذا عرفت هذا ، ففي الأرنب شاة ، ذهب إليه علماؤنا - وبه قال عطاء(٧) - لأنّه كالثعلب ، فيكون جزاؤه مساوياً لجزائه.

ولقول الكاظمعليه‌السلام : « في الأرنب شاة »(٨) .

____________________

(١) تقدّم في المسألة ٣١٨.

(٢) كلمة « في الحج » لم ترد في المصدر.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٤٣ / ١١٨٧.

(٤) الكافي ٤ : ٣٨٦ / ٧ ، الفقيه ٢ : ٢٣٣ / ١١١٦ ، التهذيب ٥ : ٣٤٣ / ١١٨٨.

(٥) المقنعة : ٦٨ ، النهاية : ٢٢٢ ، المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٤٠.

(٦) التهذيب ٥ : ٣٤٣ / ١١٨٧.

(٧) المغني ٣ : ٥٤٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٢.

(٨) الكافي ٤ : ٣٨٧ / ٨ ، الفقيه ٢ : ٢٣٣ / ١١١٤ ، التهذيب ٥ : ٣٤٣ / ١١٨٩.

٤١١

وقال ابن عباس : فيه حمل(١) .

وقال الشافعي : فيه عناق(٢) . وهو الاُنثى من ولد المعز في أول سنة ، والذكر جدي.

إذا عرفت هذا ، فقال بعض علمائنا : إنّ فيه مثل ما في الظبي(٣) ؛ لما تقدّم في الثعلب.

الرابع : كسر بيض النعام.

مسألة ٣٢٩ : إذا كسر الـمُحْرم بيض نعامة ، فإن كان قد تحرّك فيه الفرخ ، كان عليه عن كلّ بيضة بكارة من الإِبل ، ولا تُشترط الاُنوثة ، فإن لم يكن قد تحرّك فيه الفرخ ، كان عليه أن يرسل فحولة الإِبل في إناث منها بعدد البيض ، فالناتج هديٌ لبيت الله تعالى ، ذهب إليه علماؤنا.

لنا : أنّه مع التحرّك يكون قد قتل فرخ نعامة ، فعليه مثله من الإِبل ، ومع عدمه يحتمل الفساد والصحة ، فكان عليه(٤) ما يقابله من إلقاء المني في رحم الاُنثى المحتمل للفساد والصحة.

ولما رواه علي بن جعفر - في الصحيح - عن أخيه الكاظمعليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل كسر بيض نعامة وفي البيض فراخ قد تحرّك ، فقال : « عليه لكلّ فرخ تحرّك بعير ينحره في المنحر»(٥) .

وسأل رجلٌ أميرَ المؤمنينعليه‌السلام : إنّي خرجت مُحرماً ، فوطأَتْ‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٥٤٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٢.

(٢) الاُم ٢ : ١٩٣ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٢ ، المجموع ٧ : ٤٣٩ ، المغني ٣ : ٥٤٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٢.

(٣) منهم : الشيخ المفيد في المقنعة : ٦٨ ، والشيخ الطوسي في النهاية : ٢٢٢ - ٢٢٣ ، وسلّار في المراسم : ١٢٠ ، وابن إدريس في السرائر : ١٣٠ - ١٣١.

(٤) في « ن » : فيه.

(٥) التهذيب ٥ : ٣٥٥ / ١٢٣٤ ، الإستبصار ٢ : ٢٠٣ / ٦٨٨.

٤١٢

ناقتي بيض نعام فكسَرَتْه ، فهل عليَّ كفّارة؟ فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : « فاسأل ابني الحسن -عليه‌السلام - عنها » وكان بحيث يسمع كلامه ، فتقدّم إليه الرجل ، فسأله ، فقال له : « يجب عليك أن ترسل فحولة الإِبل في إناثها بعدد ما انكسر من البيض ، فما نتج فهو هديٌ لبيت الله عزّ وجلّ » فقال له أمير المؤمنينعليه‌السلام : « يا بُنيّ كيف قلت ذلك وأنت تعلم أنّ الإِبل ربما أزلقت أو كان فيها ما يزلق؟ » فقال : « يا أمير المؤمنين والبيض ربما أمرق(١) » فتبسّم أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وقال له : « صدقت يا بُنيّ » ثم تلا( ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (٢) (٣) .

وقال الشافعي : يجب عليه قيمة البيض - وبه قال عمر بن الخطّاب وابن مسعود والنخعي والزهري وأبو ثور وأحمد وأصحاب الرأي - لأنّ البيض لا مثل له ، فتجب القيمة.

ولما روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال : ( في بيض النعام يصيبه الـمُحْرم : ثمنه )(٤) (٥) .

ونمنع عدم المثل ؛ لأنّه ليس المراد المثل الحقيقي.

والحديث مرسل لا اعتداد به.

وقال مالك : يجب في البيضة عُشْر قيمة الصيد(٦) .

____________________

(١) مرقت البيضة : إذا فسدت فصار ماءً. لسان العرب ١٠ : ٣٤٠ « مرق ».

(٢) آل عمران : ٣٣.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٥٤ / ١٢٣١.

(٤) سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٣١ / ٣٠٨٦.

(٥) المغني ٣ : ٥٥٣ - ٥٥٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٣ ، الاُم ٢ : ٢٠٨ ، فتح العزيز ٧ : ٤٨٦ ، المجموع ٧ : ٣٣٢ - ٣٣٣ ، بداية المجتهد ١ : ٣٦٣ ، المحلّى ٧ : ٢٣٣ و ٢٣٥.

(٦) بداية المجتهد ١ : ٣٦٢ - ٣٦٣ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٣٥ ، فتح العزيز ٧ : ٤٨٦ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩٩ ، المجموع ٧ : ٣٣٢ و ٣٣٣ و ٤٤١.

٤١٣

وقال داود وأهل الظاهر : لا شي‌ء في البيض(١) .

مسألة ٣٣٠ : لا فرق بين أن يسكره بنفسه أو بدابّته ؛ لأنّه سبب في الإِتلاف ، فكان عليه ضمانه ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « ما وطأْتَه أو وطأه بعيرك أو دابّتك وأنت مُحْرم فعليك فداؤه»(٢) .

والاعتبار في العدد بالإِناث ، فيجب لكلّ بيضة اُنثى ، ولو كان الذكر واحداً أجزأه ؛ لأنّ الإِنتاج مأخوذ من الإِناث.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « أن يرسل الفحل في مثل عدد البيض من الإِبل الإِناث ، فما لقح وسلم كان النتاج هدياً بالغ الكعبة »(٣) .

مسألة ٣٣١ : لو لم يتمكّن من الإِبل ، كان عليه عن كلّ بيضة شاة ، فإن لم يجد ، كان عليه عن كلّ بيضة إطعام عشرة مساكين لكلّ مسكين مُدُّ ، فإن لم يجد ، كان عليه صيام ثلاثة أيّام ؛ لأنّها تثبت بدلاً في كفّارات متعدّدة ، فكذا هنا.

ولرواية علي بن أبي حمزة عن أبي الحسنعليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل أصاب بيض نعامة وهو مُحْرم ، قال : « يُرسل الفحل في الإِبل على عدد البيض » قلت : فإنّ البيض يفسد كلّه ويصلح كلّه ، قال : « ما نتج الهدي فهو هدي بالغ الكعبة ، وإن لم ينتج فليس عليه شي‌ء ، فمن لم يجد إبلاً فعليه لكلّ بيضة شاة ، فإن لم يجد فالصدقة على عشرة مساكين لكلّ مسكين مُدُّ ، فإن لم يقدر فصيام ثلاثة أيام »(٤) .

إذا عرفت هذا ، فلو كسر بيضةً فخرج منها فرخ حيّ وعاش ، لم يكن‌

____________________

(١) المحلّى ٧ : ٢٣٣ ، المجموع ٧ : ٣١٨ و ٣٣٢ و ٤٤١.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٥٥ ذيل الحديث ١٢٣٢ ، الاستبصار ٢ : ٢٠٢ ذيل الحديث ٦٨٦.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٥٥ / ١٢٣٢ ، الاستبصار ٢ : ٢٠٢ / ٦٨٦.

(٤) الكافي ٤ : ٣٨٧ / ١١ ، التهذيب ٥ : ٣٥٤ / ١٢٢٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٠١ - ٢٠٢ / ٦٨٤.

٤١٤

عليه شي‌ء ، ولو مات ، كان فيه ما في صغير النعام.

ولو باض الطير على فراش مُحْرمٍ ، فنقله إلى موضعه فنفر الطير فلم يحضنه ، لزمه الجزاء. وللشافعي قولان(١) .

ولو كسر بيضةً فيها فرخ ميّت ، لم يكن عليه شي‌ء ، وكذا لو كان البيض فاسداً.

وقال الشافعي : إن كان بيض نعام ، كان عليه القيمة ؛ لأنّ للقشر قيمةً(٢) .

وليس بمعتمد ؛ لأنّه بمنزلة الحجر والخشب ، ولهذا لو نقب بيضةً فأخرج ما فيها أجمع ، ضمنها ، ولو كسرها آخرٌ بعده ، لم يكن عليه شي‌ء.

ولقول الكاظمعليه‌السلام : « وإن لم ينتج فليس عليه شي‌ء »(٣) .

الخامس : كسر بيض القطا والقبج.

مسألة ٣٣٢ : لو كسر الـمُحْرم بيضةً من بيض القطا أو القبج ، فإن كان قد تحرّك فيه الفرخ ، كان عليه عن كلّ بيضةٍ مخاضٌ من الغنم ، وإن لم يكن قد تحرّك فيه الفرخ ، وجب عليه إرسال فحولة الغنم في إناثها بعدد البيض ، فالناتج هدي لبيت الله تعالى.

وقالت العامّة : إنّ عليه القيمة(٤) . وقد تقدّم(٥) .

ولأنّ الصادقعليه‌السلام سُئل عن مُحْرم وطأ بيض القطا فشدخه ، قال : « يرسل الفحل في مثل عدد البيض من الغنم ، كما يرسل الفحل في مثل‌

____________________

(١) حلية العلماء ٣ : ٣٠٠ ، المجموع ٧ : ٣٣٧.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢١٩ ، المجموع ٧ : ٣١٨ ، فتح العزيز ٧ : ٤٨٦ - ٤٨٧.

(٣) الكافي ٤ : ٣٨٧ / ١١ ، التهذيب ٥ : ٣٥٤ / ١٢٢٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٠١ - ٢٠٢ / ٦٨٤.

(٤) المغني ٣ : ٥٥٣ - ٥٥٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٣ ، فتح العزيز ٧ : ٤٨٦ ، المجموع ٧ : ٣١٨ و ٣٣٢.

(٥) تقدّم في المسألة ٣٢٩.

٤١٥

عدد البيض من الإِبل »(١) .

وأمّا وجوب المخاض للمتحرّك : فلأنّه بيض يتحرّك فيه الفرخ ، فكان عليه صغير من ذلك النوع ، كما في بيض النعام.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « في كتاب عليعليه‌السلام في بيض القطاة بكارة من الغنم إذا أصابه الـمُحْرم مثل ما في بيض النعام بكارة من الإِبل »(٢) .

مسألة ٣٣٣ : لو لم يتمكّن من إرسال فحولة الغنم في إناثها ، قال الشيخرحمه‌الله : كان حكمه حكم بيض النعام سواء(٣) .

و نَقَل عن المفيد أنّه إذا لم يتمكّن من الإِرسال ، ذبح عن كلّ بيضة شاةً ، فإن لم يجد ، أطعم عن كلّ بيضة عشرةَ مساكين ، فإن لم يقدر ، صام عن كلّ بيضة ثلاثة أيّام(٤) .

والأقرب : أنّ مقصود الشيخ في مساواته لبيض النعام وجوب الصدقة على عشرة مساكين أو صيام ثلاثة أيّام إذا لم يتمكّن من الإِطعام ؛ لأنّ مع التحرّك لا تجب شاة كاملة صغيرة ، فكيف تجب الشاة الكاملة مع عدم التحرّك وإمكان فساده وعدم خروج الفرخ منه!؟

تنبيه : يجب ذبح الجزاء في الموضع الذي تجب التفرقة فيه ، فيتصدّق‌

____________________

(١) الكافي ٤ : ٣٨٩ / ٤ ، التهذيب ٥ : ٣٥٦ / ١٢٣٧ ، الإستبصار ٢ : ٠٣ / ٦٨٩‌

(٢) الكافي ٤ : ٣٨٩ - ٣٩٠ / ٥ ، التهذيب ٥ : ٣٥٥ / ١٢٣٣ ، الإستبصار ٢ : ٢٠٢ / ٦٨٧.

(٣) النهاية : ٢٢٧ ، المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٤٥.

(٤) السرائر : ١٣٢ - ١٣٣ ، وراجع : المقنعة : ٦٨.

٤١٦

به على مساكين الحرم إمّا بأن يُفرّق اللحم ، أو يُملّكهم جملته مذبوحاً ، ولا يجوز أن يُخرجه حيّاً.

وإذا قوّم المثل دراهم ، لم يجز له أن يتصدّق بها ، بل يجعلها طعاماً ، ويتصدّق بها.

ولو صام عن نصف الصاع بقدره فانكسر ، وجب صوم يوم كامل ؛ لأنّ صوم اليوم لا يتبعّض.

البحث الثاني : فيما لا بدل له على الخصوص‌(١)

مسألة ٣٣٤ : الحمام كلّ طائر يهدر بأن يواتر صوته ، ويعبُّ الماء بأن يضع منقاره فيه ، فيكرع كما تكرع الشاة ، ولا يأخذ قطرةً قطرةً بمنقاره ، كما يفعل الدجاج والعصفور.

وقال الكسائي : إنّه كلّ مطوّق(٢) فالحجل حمام ، لأنّه مطوَّق.

ويدخل في الأول : الفواخت والوارشين والقماري والدباسي والقطا.

إذا عرفت هذا ، ففي كلّ حمامة شاة ، ذهب إليه علماؤنا أجمع - وبه قال عليعليه‌السلام وعمر وعثمان وابن عمر وابن عباس ونافع بن عبد الحارث ؛ فإنّهم حكموا في حمام الحرم بكلّ حمامة شاة ، وبه قال سعيد بن المسيّب وعطاء وعروة وقتادة والشافعي وأحمد وإسحاق(٣) - لمشابهة الحمامة بالشاة في الكرع.

ولما رواه العامّة عن ابن عباس : أنّه قضى في الحمام حال الإِحرام‌

____________________

(١) أي : فيما ليس لكفّارته بدل على الخصوص.

(٢) المغني ٣ : ٥٥٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٣.

(٣) المغني ٣ : ٥٥٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٣ ، الاُم ٢ : ١٩٥ ، الوجيز ١ : ١٢٨ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٤ ، المجموع ٧ : ٤٤٠ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٧ ، المحلّى ٧ : ٢٢٩ ، مصنّف عبد الرزاق ٤ : ٤١٨ / ٨٢٨٥.

٤١٧

بالشاة ، ولم يخالفه أحد من الصحابة(١) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « الـمُحْرم إذا أصاب حمامةً ففيها شاة »(٢) .

ولأنّها حمامة [ مضمونة ](٣) لحقّ الله تعالى ، فضُمنت بالشاة ، كحمامة الحرم.

ولأنّ الشاة مِثْلٌ لما في الحرم فتكون كذلك في الإِحرام ؛ لقوله تعالى :( فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ) (٤) .

وقال أبو حنيفة ومالك : فيه القيمة - إلّا أنّ مالكاً وافقنا في حمام الحرم دون حمام الإِحرام - لأنّ الحمامة لا مثل لها ، فتجب القيمة.

ولأنّ القياس يقتضي القيمة في كلّ الطير ، تركناه في حمام الحرم ؛ لقضاء الصحابة ، فيبقى ما عداه على الأصل(٥) .

وقد بيّنّا أنّ المماثلة في الحقيقة أو الصورة غير مرادة ، بل ما شابهها شرعاً ، وقد بيّنّا أنّ الشارع حَكَم في الحمامة بشاة ، مع قوله تعالى :( فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ) (٦) فدلّ على ثبوت المماثلة الشرعية بينهما. وهو الجواب عن الثاني.

مسألة ٣٣٥ : الشاة تجب بقتل الـمُحْرم للحمامة ، أمّا الـمُحِلُّ لو قتلها في الحرم ، فإنّه يجب عليه القيمة ، وهي درهم عند علمائنا ، لقول الصادق‌

____________________

(١) سنن البيهقي ٥ : ٢٠٥ ، المغني ٣ : ٥٥٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٣.

(٢) الكافي ٤ : ٣٨٩ / ١ ، التهذيب ٥ : ٣٤٥ / ١١٩٧ ، الاستبصار ٢ : ٢٠٠ / ٦٧٨.

(٣) أضفناها من المغني والشرح الكبير.

(٤) المائدة : ٩٥.

(٥) المغني ٣ : ٥٥٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٣ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٩٨ ، بداية المجتهد ١ : ٣٦٢ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٥٤ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٧.

(٦) المائدة : ٩٥.

٤١٨

عليه‌السلام : « في الحمامة درهم »(١) .

وسأل عبدُ الرحمن بن الحجّاج الصادقَعليه‌السلام : عن فرخين مسرولين(٢) ذبحتُهما وأنا بمكة مُحِلٌّ ، فقال لي : « لِمَ ذبحتهما؟ » قلت : جاءتني بهما جارية قوم من أهل مكة ، فسألتني أن أذبحهما لها ، فظننت أنّي بالكوفة ، ولم أذكر أنّي بالحرم فذبحتُهما ، فقال : « تصدّق بثمنهما » قلت : كم ثمنهما؟ قال : « درهم خيرٌ من ثمنهما »(٣) .

ولو كانت القيمة أزيد من درهم أو أنقص ، فالأقرب : الغرم ؛ عملاً بالنصوص ، والأحوط : وجوب الأزيد من الدرهم والقيمة.

مسألة ٣٣٦ : لو كان القاتل للحمام مُحْرماً في الحرم ، وجب عليه الجزاء والقيمة معاً ، فيجب عليه عن كلّ حمامة شاة ودرهم ؛ لأنّه يهتك حرمةَ الحرم والإِحرام ، فكان عليه فداؤهما.

ولأنّ الشاة تجب على الـمُحْرم في الحِلّ ، والدرهم يجب على الـمُحِلّ في الحرم ، فالـمُحْرم في الحرم يجب عليه الأمران ؛ لأنّه اجتمع فيه الوصفان :

ولأنّ أبا بصير سأل الصادقَعليه‌السلام : عن مُحْرم قتل حمامةً من حمام الحرم خارجاً من الحرم ، قال : فقال : « عليه شاة » قلت : فإن(٤) قتلها في جوف الحرم؟ قال : « عليه شاة وقيمة الحمامة » قلت : فإن(٥) قتلها في الحرم وهو حلال؟ قال : « عليه ثمنها ليس غيره »(٦) .

مسألة ٣٣٧ : لو قتل فرخاً من فراخ الحمام ، وجب عليه حمل قد فُطم ورعى الشجر إن كان مُحْرماً ؛ لما تقدّم من المماثلة بين الجزاء والصيد ، ومثل‌

____________________

(١) الكافي ٤ : ٢٣٤ / ١٠ ، التهذيب ٥ : ٣٤٥ / ١١٩٦ ، الاستبصار ٢ : ٢٠٠ / ٦٧٧.

(٢) أي : في رجليهما ريش. مجمع البحرين ٥ : ٣٩٦ « سرول ».

(٣) التهذيب ٥ : ٣٤٦ / ١٢٠٠ ، الاستبصار ٢ : ٢٠١ / ٦٨١.

(٤ و ٥) في النسخ الخطيّة والحجرية : فإنّه. وما أثبتناه من المصدر.

(٦) التهذيب ٥ : ٣٤٧ / ١٢٠٣.

٤١٩

الصغير صغير.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « فإن كان فرخاً فجدي أو حمل صغير من الضأن »(١) .

ولو كان القاتل للفرخ مُحِلاً في الحرم ، وجب عليه نصف درهم ، ولو كان مُحْرماً في الحرم ، وجب عليه الجزاء والقيمة معاً ، فيجب حملٌ ونصفُ درهم ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « في الحمامة درهم ، وفي الفرخ نصف درهم ، وفي البيض رُبْع درهم »(٢) .

مسألة ٣٣٨ : لو كسر الـمُحْرم بيض الحمام ولم يكن قد تحرّك فيه الفرخ ، وجب عليه عن كلّ بيضة درهم ، وإن كان قد تحرّك فيه الفرخ ، وجب عليه عن كلّ بيضة حمل ، هذا إن كان في الحلّ ، لقول الصادقعليه‌السلام : « وإن وطأ الـمُحْرم بيضةً فكسرها فعليه درهم ، كلّ هذا يتصدّق به بمكة ومنى ، وهو قول الله تعالى :( تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ ) (٣) »(٤) .

ولو كان الكاسر مُحلاً في الحرم ، فعليه لكلّ بيضة رُبْع درهم ؛ لقولهعليه‌السلام : « وفي البيض رُبْع درهم »(٥) .

ولو كان مُحْرماً في الحرم ، وجب عليه عن كلّ بيضة درهمٌ ورُبْعٌ.

مسألة ٣٣٩ : لا فرق بين حمام الحرم والأهلي في القيمة إذا قُتل في الحرم ، إلّا أنّ حمام الحرم يشترى بقيمته علف لحمامه ، والأهلي يتصدّق بثمنه على المساكين ، عند العلماء ، إلّا داود ؛ فإنّه قال : لا جزاء في صيد الحرم(٦) ؛ لأصالة البراءة.

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٤٦ / ١٢٠١ ، الاستبصار ٢ : ٢٠١ / ٦٨٢.

(٢) الكافي ٤ : ٢٣٤ / ١٠ ، التهذيب ٥ : ٣٤٥ / ١١٩٦ ، الاستبصار ٢ : ٢٠٠ / ٦٧٧.

(٣) المائدة : ٩٤.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٤٦ / ١٢٠٢ ، الاستبصار ٢ : ٢٠١ / ٦٨٣.

(٥) المصادر في الهامش (٢)

(٦) حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٤٠٦ ، المسألة ٢٧٧.

٤٢٠

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532