تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء ٧

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب0%

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب مؤلف:
المحقق: حسين درگاهى
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 532

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي
المحقق: حسين درگاهى
تصنيف: الصفحات: 532
المشاهدات: 15187
تحميل: 2467


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 532 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 15187 / تحميل: 2467
الحجم الحجم الحجم
تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب الجزء 7

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

( سَرابِيلُهُمْ ) : قمصانهم.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(١) : «السّرابيل» القميص(٢) .

( مِنْ قَطِرانٍ ) : وهو ما يتحلّب من الأبهل(٣) ، فيطبخ فهنأ(٤) به الإبل الجرباء فيحرق الجرب بحدّته، وهو أسود منتن تشتعل فيه النّار بسرعة، تطلى به جلود أهل النّار حتّى يكون طلاؤه لهم كالقميص، ليجتمع عليهم لذع القطران ووحشة لونه ونتن ريحه، مع إسراع النّار في جلودهم، على أنّ التّفاوت بين القطرانين، كالتّفاوت بين النّارين.

ويحتمل أن يكون تمثيلا، لما يحيط بجوهر النّفس من الملكات الرّديئة والهيئات الوحشيّة، فتتجلّب إليها أنواعا من الغموم والآلام.

وعن يعقوب(٥) : «قطران» والقطر: النّحاس، أو الصّفر المذاب. والآني: المتناهي حرّه.

والجملة حال ثانية، أو حال من الضّمير في «مقرّنين».

( وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ ) (٥٠).

قيل(٦) : أي: وتتغشّاها، لأنّهم لم يتوجّهوا بها إلى الحقّ، ولم يستعملوا في تدبّره مشاعرهم وحواسّهم إلى ما خلقت فيها لأجله، كما تطّلع على أفئدتهم، فإنّها فارغة عن المعرفة مملوءة بالجهالات. ونظيره قوله:( أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ ) ، وقوله ـ تعالى ـ:( يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ) .

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٧) : وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قوله:( سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ ) هو الصّفر الحارّ الذّائب، يقول الله: [انتهى حرّه](٨) ( وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ ) سربلوا ذلك الصّفر، فتغشى وجوههم النّار.

حدّثني أبي(٩) ، عن محمّد بن أبي عمير، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ: قال جبرئيل ـ عليه السّلام ـ: لو أنّ

__________________

(١) تفسير القمّي ١ / ٣٧٢.

(٢) الظاهر الصحيح: أقمصة أو قمصان.

(٣) أبهل: شجيرة مستديمة الخضرة من عاريات البذور من المخروطيّات تشبه العرعر.

(٤) هنأ الإبل: طلاها بالقطران.

(٥ و ٦) أنوار التنزيل ١ / ٥٣٦.

(٧) تفسير القمّي ١ / ٣٧٢.

(٨) ليس في أ، ب.

(٩) تفسير القمّي ٢ / ٨١.

٨١

سربالا من سرابيل أهل النّار علّق بين السّماء والأرض، لمات أهل الأرض من ريحه ووهجه(١) .

والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

وفي نهج البلاغة(٢) : قال الصّادق ـ عليه السّلام ـ: وألبسهم سرابيل القطران ومقطّعات النّيران، في عذاب قد اشتدّ حرّه، وباب قد أطبق على أهله.

وفي كتاب الخصال(٣) : عن جعفر بن محمّد، عن آبائه، عن عليّ ـ عليه السّلام ـ قال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ: إنّ النّائحة إذا لم تتب(٤) قبل موتها، تقوم يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب.

( لِيَجْزِيَ اللهُ كُلَّ نَفْسٍ ) ، أي: يفعل بهم ذلك ليجزي الله كلّ نفس مجرمة.

( ما كَسَبَتْ ) . أو كلّ نفس من مجرمة أو مطيعة، لأنّه إذا بيّن أنّ المجرمين معاقبون لإجرامهم علم أنّ المطيعين يثابون لطاعتهم، ويتعيّن ذلك إن علّق «اللّام» «ببرزوا»(٥) .

( إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ ) (٥١): لأنّه لا يشغله حساب عن حساب.

( هذا ) : إشارة إلى القرآن. أو السّورة. أو ما فيه من العظة والتّذكير. أو ما وصفه بقوله:( وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً ) .

( بَلاغٌ لِلنَّاسِ ) : كفاية لهم في الموعظة.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٦) :( هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ ) ، يعني: محمّدا ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

( وَلِيُنْذَرُوا بِهِ ) : عطف على محذوف، أي: لينصحوا ولينذروا بهذا البلاغ، فتكون «اللّام» متعلّقة بالبلاغ.

ويجوز أن تتعلّق بمحذوف، تقديره: ولينذرا به أنزل أو تلي.

وقرئ(٧) ، بفتح الياء. من نذر به: إذا علمه(٨) واستعدّ له.

__________________

(١) الوهج: حرارة النّار.

(٢) النهج / ١٦٢ الخطبة ١٠٩.

(٣) الخصال ١ / ٢٢٦، ح ٦٠.

(٤) أ، ب، ر: تثبت.

(٥) لأنّ ضمير «برزوا» راجع إلى جميع الخلائق المؤمنين والمجرمين، فيكون الجزاء شاملا للإثابة والعقوبة. وأمّا إذا كان اللّام متعلّقا «بتغشى» كان صريحا لبيان حال المجرمين، وحال المؤمنين تعلم بالمقايسة.

(٦) تفسير القمّي ١ / ٣٧٢.

(٧) أنوار التنزيل ١ / ٥٣٦.

(٨) كذا في المصدر. وفي النسخ: علم.

٨٢

( وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ ) : بالنّظر، والتّأمّل فيما فيه من الآيات الدّالة عليه والمنبّهة على ما يدلّ عليه( وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ ) (٥٢): فيرتدعوا عمّا يرديهم، ويتدرّعوا بما يحظيهم.

٨٣
٨٤

تفسير

سورة الحجر

٨٥
٨٦

سورة الحجر

مكّيّة. وهي تسع وتسعون آية.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

في كتاب ثواب الأعمال(١) ، بإسناده إلى أبي عبد الله ـ عليه السّلام قال: من قرأ سورة إبراهيم والحجر في ركعتين جميعا في كلّ جمعة، لم يصبه فقر أبدا ولا جنون ولا بلوى.

وفي مجمع البيان(٢) : أبيّ بن كعب، عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ قال: من قرأها، أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد المهاجرين والأنصار والمستهزئين بمحمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

( الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ ) (١).

قيل(٣) : إشارة إلى آيات السّورة، و «الكتاب» هو السّورة، وكذا القرآن.

وتنكيره للتّعظيم(٤) ، أي: آيات الجامع، لكونه كتابا كاملا وقرآنا يبيّن الرّشد من الغيّ [بيانا غريبا](٥) .

( رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ ) (٢): حين عاينوا حالهم وحال

__________________

(١) ثواب الأعمال / ١٣٣، ح ١.

(٢) المجمع ٣ / ٣٢٦.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٥٣٧.

(٤) أي: إذا كان القرآن عبارة عن السورة، فيجب أن يكون معرّفا، كالكتاب فأجاب بأنّ تنكيره للتعظيم.

(٥) ليس في م، ب.

٨٧

المسلمين يوم القيامة.

وقرأ(١) نافع وعاصم، بالتّخفيف(٢) .

وقرئ(٣) : «ربما» بالفتح والتّخفيف.

وفيها ثمان لغات(٤) : ضمّ الرّاء وفتحه مع التّشديد والتّخفيف، وبتاء التّأنيث ودونها.

و «ما» كافّة تكفّه عن الجرّ، فيجوز دخوله على الفعل، وحقّه أن يدخل على الماضي(٥) ، ولكن لـمّـا كان المترقّب في إخبار الله ـ تعالى ـ كالماضي في تحقّقه(٦) اجري مجراه.

وقيل(٧) : «ما» نكرة موصوفة، كقوله :

ربّما تكره النّفوس من الأمر

له فرجة كحلّ العقال(٨)

ومعنى التقليل فيه، قيل: الإيذان بأنّهم لو كانوا يودّون الإسلام مرّة، فبالحريّ أن يسارعوا إليه، فكيف وهم يودّونه كلّ ساعة(٩) .

وقيل(١٠) : تدهشهم أهوال القيامة، فإن حانت منهم إفاقة في بعض الأوقات تمنّوا ذلك. والغيبة في حكاية ودادهم(١١) ، كالغيبة في قولك، حلف بالله ليفعلنّ(١٢) .

في تفسير العيّاشي(١٣) : عن عبد الله بن عطاء المكّيّ قال: سألت أبا جعفر ـ عليه

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٥٣٧.

(٢) يعني: وقرأ نافع وعاصم: «ربما» بضم الرّاء وتخفيف الباء.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٥٣٧.

(٤) ضمّ الرّاء مع التّخفيف ومع التّشديد، وفتح الرّاء مع التخفيف ومع التشديد، فهذه أربعة، وكلّ منها إمّا مع التّاء أو لا، فيحصل ثمانية.

(٥) لأنّها وضعت لتقليل المحقّق الواقع أو تحقيقه.

(٦) أ، ب: تحقيقه.

(٧) أنوار التنزيل ١ / ٥٣٧.

(٨) إذ المعنى: ربّ شيء تكرهه النفوس.

(٩) غرضه أنّ «ربّ» هاهنا المقصود منها التكثير، لكن عبّر عنها بلفظ «ربّ» المفيدة للتقليل في أصل وضعها إشعارا بما ذكر.

(١٠) أنوار التنزيل ١ / ٥٣٧.

(١١) ر: ودادتهم.

(١٢) أي: الظاهر أن يقال: ربّما يود الذين كفروا لو كنا مسلمين. إذ المعنى: أنّهم يقولون في أنفسهم أو بلسانهم: لو كنا مسلمين. لكن عدل إلى الغيبة، لأنّه ـ تعالى ـ مخبر عن حالهم.

(١٣) تفسير العيّاشي ٢ / ٢٣٩، ح ١.

٨٨

السّلام ـ عن قول الله:( رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ ) .

قال: ينادي مناد يوم القيامة يسمع الخلائق: إنّه لا يدخل الجنّة إلّا مسلم. ثمّ يودّ سائر الخلق أنّهم كانوا مسلمين.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(١) : حدّثني أبي، عن محمّد بن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن رفاعة، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: إذا كان يوم القيامة نادى مناد من عند الله: لا يدخل الجنّة إلّا مسلم. فيومئذ( يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ ) .

وفي مجمع البيان(٢) ، ما في معناه.

وفيه(٣) : مرفوعا، عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ [قال](٤) : إذا اجتمع أهل النّار في النّار، ومعهم من شاء الله من أهل القبلة، قال الكفّار للمسلمين: ألم تكونوا مسلمين؟

قالوا: بلى.

قالوا: فما أغنى عنكم إسلامكم، وقد صرتم معنا في النّار.

قالوا: كانت لنا ذنوب فأخذنا بها. فيسمع الله ـ عزّ اسمه ـ ما قالوا، فأمر من كان في النّار من أهل الإسلام فاخرجوا منها، فحينئذ يقول الكفّار: يا ليتنا كنّا مسلمين.

( ذَرْهُمْ ) : دعهم.

( يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا ) : بدنياهم.

( وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ ) : ويشغلهم توقّعهم لطول الأعمار واستقامة الأحوال عن الاستعداد للمعاد.

( فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ) (٣): سوء صنيعهم إذا عاينوا جزاءه.

والغرض إقناط الرّسول من ارعوائهم(٥) ، وإيذانه بأنّهم من أهل الخذلان، وأنّ نصحهم بعد اشتغال بما لا طائل تحته.

وفيه إلزام للحجّة، وتحذير عن إيثار التّنعّم وما يؤدّي إليه طول الأمل.

في أصول الكافي(٦) : الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الوشّاء، عن

__________________

(١) تفسير القمّي ١ / ٣٧٢ ـ ٣٧٣.

(٢ و ٣) المجمع ٣ / ٣٢٨.

(٤) من المصدر.

(٥) ارعوائهم: زجرهم وصرفهم عمّا هم عليه.

(٦) الكافي ٢ / ٣٣٥ ـ ٣٣٦، ح ٣.

٨٩

عاصم بن حميد، عن أبي حمزة، عن يحيى بن عقيل قال: قال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ: إنّما أخاف عليكم اثنتين: اتّباع الهوى، وطول الأمل. أمّا اتّباع الهوى فإنّه يصدّ عن الحقّ، وأمّا طول الأمل فينسي الآخرة.

عدّة من أصحابنا(١) ، عن أحمد بن محمّد، عن عمر بن عثمان، عن عليّ بن عيسى، رفعه قال: فيما ناجى الله ـ عزّ وجلّ ـ به موسى ـ عليه السّلام ـ: يا موسى، لا تطوّل في الدّنيا أملك فيقسو قلبك، والقاسي القلب منّي بعيد.

وفي الكافي(٢) : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن النّعمان، عن ابن مسكان، عن داود بن فرقد، عن ابن أبي شيبة(٣) الزّهريّ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ: إذا استحقّت ولاية الله والسّعادة جاء الأجل بين العينين وذهب الأمل وراء الظّهر، وإذا استحقّت ولاية الشّيطان والشّقاوة جاء الأمل بين العينين وذهب الأجل وراء الظّهر.

قال(٤) : وسئل رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ: أيّ المؤمنين أكيس؟

فقال: أكثرهم ذكرا للموت وأشدّهم له استعدادا.

محمّد بن يحيى(٥) ، عن الحسين بن إسحاق، عن عليّ بن مهزيار، عن فضالة، عن إسماعيل بن أبي زياد، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: قال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ: [ما أنزل الموت حقّ منزلته من عدّ غدا من أجله.

قال: وقال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ :](٦) ما أطال عبد الأمل إلّا أساء العمل.

وكان يقول: لو رأى العبد أجله وسرعته إليه، لأبغض العمل من طلب الدّنيا.

وفي نهج البلاغة(٧) : قال ـ عليه السّلام ـ: واعلموا أنّ الأمل يسهي القلب، وينسي الذّكر. فأكذبوا الأمل فإنّه غرور، وصاحبه مغرور.

وفي كتاب الخصال(٨) : عن عبد الله بن حسن [بن حسن](٩) بن عليّ، عن أمّه

__________________

(١) الكافي ٢ / ٣٢٩، ح ١.

(٢) الكافي ٣ / ٢٥٧ ـ ٢٥٨، ح ٢٧.

(٣) كذا في المصدر، وجامع الرواة ٢ / ٤٢٨. وفي النسخ: أبي شيبة.

(٤) الكافي ٣ / ٢٥٨، ح ٢٧.

(٥) نفس المصدر والمجلّد / ٢٥٩، ح ٣٠.

(٦) ليس في أ، ب.

(٧) النهج / ١١٨، الخطبة ٨٦.

(٨) الخصال ١ / ٧٩، ح ١٢٨.

(٩) ليس في ب، نور الثقلين ٣ / ٣، ح ١١.

٩٠

[فاطمة](١) بنت الحسين، عن أبيها ـ عليه السّلام ـ قال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ: إنّ صلاح أوّل هذه الأمّة بالزّهد واليقين، وهلاك آخرها بالشّحّ(٢) والأمل.

( وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ ) (٤): أجل مقدّر كتب في اللّوح.

والمستثنى جملة واقعة صفة «لقرية»، والأصل أن لا يدخلها الواو، كقوله:( إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ ) . ولكن لـمّـا شابهت صورتها صورة(٣) الحال أدخلت عليها، تأكيدا للصوقها بالموصوف(٤) .

( ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ ) (٥)، أي: وما يستأخرون عنه.

وتذكير ضمير «أمّة»(٥) فيه، للحمل على المعنى(٦) .

( وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ ) : نادوا به النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ على التّهكّم. ألا ترى الى ما نادوه له وهو قولهم(٧) :( إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ ) (٦): لتقول قول المجانين حين تدعي أن نزّل عليك الذّكر، أي: القرآن.

( لَوْ ما تَأْتِينا ) ركّب «لو» مع «ما»، كما ركّبت مع «لا» لمعنيين: لامتناع الشّيء لوجود غيره، والتّحضيض(٨) .

( بِالْمَلائِكَةِ ) : ليصدّقوك ويعضدوك على الدّعوة، كقوله:( لَوْ لا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً ) . أو للعقاب على تكذيبنا، كما أتت الأمم المكذّبة من قبل.

( إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ) (٧): في دعواك.

( ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ ) : بالياء مسندا إلى ضمير اسم الله.

__________________

(١) من المصدر.

(٢) الشحّ: البخل.

(٣) ب: بصورة.

(٤) لأنّ الواو للوصلة بين الشيئين.

(٥) وهو الضمير في «يستأخرون».

(٦) لأنّ الغالب من الامّة مذكّرون.

(٧) كذا في أنوار التنزيل ١ / ٥٣٨. وفي النسخ: لقوله تعالى.

(٨) يدلّ على أنّ «لو ما» لها معنيان: أحدهما امتناع الشيء لوجود غيره، والثاني التحضيض.

وعبارة الكشّاف أصرح منه، فإنّه قال: «لو» ركّب مع «لا» و «ما» لمعنيين: أحدهما امتناع الشيء لوجود غيره كقول الشاعر :

لولا الحياء ولو لا الدّين عبتكما

ببعض ما فيكما إذ عبتما عوري

والثاني التّحضيض.

٩١

وقرأ(١) حمزة والكسائي وحفص، بالنّون. وأبو بكر، بالتّاء والبناء للمفعول، ورفع الملائكة.

وقرئ(٢) : «ما تنزّل» بمعنى تتنزّل.

( إِلَّا بِالْحَقِ ) : إلّا تنزيلا متلبّسا بالحقّ.

قيل(٣) : أي: بالوجه الّذي قدّره واقتضته حكمته، ولا حكمة في أن تأتيكم بصورة تشاهدونها فإنّه لا يزيدكم إلّا لبسا، ولا في معاجلتكم بالعقوبة فإنّ منكم ومن ذراريّكم من سبقت كلمتنا له بالإيمان.

وقيل(٤) : «الحقّ» الوحي. أو العذاب.

( وَما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ ) (٨): جزاء لشرط مقدّر، أي: ولو نزّلنا الملائكة ما كانوا منظرين.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٥) : فقال(٦) : لو أنزلنا الملائكة لم ينظروا، وهلكوا.

وجملة( ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ ) وما عطف عليه(٧) في موضع الحال من فاعل «قالوا»، والرّابطة الضّمير في المعطوف. ويحتمل الاستئناف بالرّدّ عليهم.

( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ ) : ردّ لإنكارهم واستهزائهم، ولذلك أكدّه من وجوه(٨) وقرره بقوله:( وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ ) (٩)، أي: من التّحريف والزّيادة والنّقص، بأن جعلناه معجزا مباينا لكلام البشر بحيث لا يخفى تغيير نظمه على أهل اللّسان. أو نفي تطرّق الخلل إليه في الدّوام بضمان الحفظ له، كما نفى أن يطعن فيه بأنّه المنزل له.

وقيل(٩) : الضّمير في «له» للنّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

وفي كتاب المناقب لابن شهر آشوب(١٠) ، بعد أن ذكر قوله ـ تعالى ـ:( فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ ) ، ثمّ قوله ـ تعالى ـ:( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ ) : يوسف القطّان(١١) ،

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٥٣٨.

(٢ و ٣) أنوار التنزيل ١ / ٥٣٨.

(٤) نفس المصدر والموضع.

(٥) تفسير القمّي ١ / ٣٧٣.

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ: قالوا.

(٧) الأظهر: عليها.

(٨) الأوّل: إيراد «إنّ»، الثاني: إيراد الجملة الاسميّة، الثالث: تكرير الإسناد.

(٩) أنوار التنزيل ١ / ٥٣٨.

(١٠) المناقب ٤ / ١٧٨ ـ ١٧٩.

(١١) كذا في رجال النجاشي / ١٢٠٩. وفي أ، ب، ر: القطاح.

٩٢

ووكيع بن الجرّاح، وإسماعيل السّدي(١) ، وسفيان الثّوريّ أنّه قال الحارث: سألت أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ عن هذه الآية. قال: والله، إنّا لنحن أهل الذّكر، نحن أهل العلم، نحن معدن التّأويل والتّنزيل(٢) .

( وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ ) (١٠): في فرقهم. جمع، شيعة، وهي الفرقة المتّفقة على طريقة ومذهب. من شاعه [: إذا تبعه](٣) .

وأصل «الشّياع» الحطب الصّغار توقد به الكبار.

والمعنى: نبّأنا رجالا منهم، وجعلناهم رسلا فيما بينهم.

( وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ ) : حكاية حال ماضية.

( إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ ) (١١)، كما يفعل هؤلاء. وهو تسلية للنّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

و «ما» للحال، لا يدخل إلّا مضارعا بمعناه(٤) ، أو ماضيا قريبا منه.

( كَذلِكَ نَسْلُكُهُ ) : ندخله( فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ ) (١٢).

«السّلك» إدخال الشّيء في الشّيء، كالخيط في المخيط، والرّمح في المطعون.

والضّمير، قيل(٥) : للاستهزاء. وفيه دليل على أنّه ـ تعالى ـ يوجد الباطل في قلوبهم.

وقيل(٦) : للذّكر، فإنّ الضّمير الآخر في قوله:( لا يُؤْمِنُونَ بِهِ ) : له.

وهو حال من هذا الضّمير. والمعنى: مثل ذلك السّلك نسلك الذّكر في قلوب المجرمين مكذّبا غير مؤمن به.

أو بيان للجملة المتضمّنة له.

وضعف القائل الأوّل هذا الاحتجاج، بأنّه لا يلزمه من تعاقب الضّمائر توافقها في المرجوع إليه، ولا يتعيّن أن تكون الجملة حالا من الضّمير لجواز أن تكون حالا من «المجرمين»(٧) ، ولا ينافي كونها مفسّرة للمعنى الأوّل بل يقوّيه.

__________________

(١) كذا في جامع الرواة ٢ / ٤٤٦. وفي النسخ: السرىّ.

(٢) ليس في ب.

(٣) ليس في ب.

(٤) بمعناه، أي: بمعنى الحال.

(٥ و ٦) أنوار التنزيل ١ / ٥٣٨.

(٧) الأولى أن يقال: يجوز أن يكون حالا من قلوب المجرمين إذ هو مفعول به بواسطة.

٩٣

وفيه: أنّ ذلك القائل جعل ذلك مؤيّدا لا احتجاجا ولا شبهة في تأييده، وعلى تقدير تسليم رجع الضّمير إلى الاستهزاء لا دلالة فيه على أنّه ـ تعالى ـ يوجد الباطل في قلوبهم، كيف والإدخال أعمّ ولا يستلزم الإيجاد.

( وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ ) (١٣)، أي: سنّة الله فيهم، بأن خذلهم وسلك الكفر في قلوبهم. أو بإهلاك من كذّب الرّسل، فيكون وعيدا لأهل مكّة.

( وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ ) : على هؤلاء المقترحين.

( فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ ) (١٤): يصعدون إليها ويرون عجائبها طول نهارهم، مستوضحين لما يرون. أو تصعد الملائكة، وهم يشاهدونهم(١) .

( لَقالُوا ) : من غلوّهم في العناد، وتشكيكهم في الحقّ.

( إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا ) : سدّت عن الإبصار بالسّحر، من السّكر. أو حيرت من السّكر.

وقرأ(٢) ابن كثير بالتخّفيف.

( بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ ) (١٥): قد سحرنا محمّد بذلك، كما قالوه عند ظهور غيره من الآيات.

وفي كلمتي الحصر والإضراب، دلالة على البتّ بأنّ ما يرونه لا حقيقة له، بل هو باطل خيّل إليهم بنوع من السّحر.

( وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً ) : اثني عشر، مختلفة الهيئات والخواصّ على ما دلّ عليه الرّصد والتّجربة مع بساطة السّماء(٣) .

وفي مجمع البيان(٤) : هي اثنا عشر برجا.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٥) : عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ: «البروج» الكواكب. والبروج الّتي للرّبيع والصّيف: الحمل والثّور والجوزاء والسّرطان والأسد والسّنبلة. وبروج الخريف والشّتاء: الميزان والعقرب والقوس والجدي والدّلو والحوت ،

__________________

(١) ب: يشاهدونها.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٥٣٩.

(٣) أراد أنّ حصول البروج المختلفة في الخواصّ مع الحادها في الحقيقة لبساطة السّماء، دالّ على الصانع القدير.

(٤) المجمع ٣ / ٣٣١.

(٥) تفسير القمّي ٢ / ١١٥ ـ ١١٦.

٩٤

وهي اثنا عشر برجا.

وأمّا ما روي عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ(١) : أنّ للشّمس ثلاثمائة وستّين برجا، كلّ برج منها مثل جزيرة من جزائر العرب، تنزل كلّ يوم على برج منها، فإذا غابت انتهت إلى حدّ بطنان العرش، فلم تزل ساجدة إلى الغد، ثمّ تردّ إلى موضع مطلعها ومعها ملكان يهتفان معها(٢) .

فقد قيل(٣) فيه: إنّ سير الشّمس إنّما يكون في كلّ برج من البروج الاثني عشر ثلاثين يوما تقريبا، فبهذا الاعتبار ينقسم كلّ منها إلى ثلاثين برجا، فيصير ثلاثمائة وستّين.

و «البروج» القصور العالية، سمّيت الكواكب بها لأنّها للسّيّارات، كالمنازل لسكّانها. واشتقاقه من البرج لظهوره.

( وَزَيَّنَّاها ) .

في مجمع البيان(٤) : عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ: بالكواكب النّيّرة.

( لِلنَّاظِرِينَ ) (١٦): للمعتبرين المستدلّين بها على قدرة مبدعها، وتوحيد صانعها.

( وَحَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ ) (١٧): فلا يقدر أن يصعد إليها، ويوسوس إلى أهلها، ويتصرّف في أمرها، ويطّلع على أحوالها.

( إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ ) : بدل من «كلّ شيطان».

واستراق السّمع: اختلاسه سرّا.

وقيل(٥) : الاستثناء منقطع، أي: ولكن من استرق السّمع.

قيل(٦) : استراق السّمع من سكّان السّموات، إمّا لما بينهم من المناسبة في الجوهر، أو بالاستدلال من أوضاع الكواكب وحركاتها.

والظّاهر من الأخبار الآتية، أنّ الاستراق بالاختراق والاستماع.

( فَأَتْبَعَهُ ) : فتبعه ولحقه.

( شِهابٌ مُبِينٌ ) (١٨): ظاهر للمبصرين.

__________________

(١) الكافي ٨ / ١٥٧، ح ١٤٨.

(٢) ليس في ب.

(٣) تفسير الصافي ٣ / ١٠٣.

(٤) المجمع ٣ / ٣٣١.

(٥) أنوار التنزيل ١ / ٥٣٩.

(٦) نفس المصدر والموضع.

٩٥

و «الشّهاب» شعلة نار ساطعة. وقد يطلق للكواكب والسّنان لما فيها من البريق.

وفي قرب الإسناد(١) للحميريّ، بإسناده إلى موسى بن جعفر ـ عليه السّلام ـ حديث طويل، يذكر فيه آيات الرّسول ـ صلّى الله عليه وآله ـ يقول فيه مخاطبا لنفر من اليهود: أمّا أوّل ذلك، فإنّكم أنتم تقرءون أنّ الجنّ كانوا يسترقون السّمع قبل مبعثه، فتمنّعت في أول رسالته بالرّجوم وانقضاض النّجوم وبطلان الكهنة والسّحرة(٢) .

وفي تفسير العيّاشي(٣) : عن بكر بن محمّد الأزديّ، عن عبد السّلام، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال: قال: يا عبد السّلام، احذر النّاس ونفسك.

فقلت: بأبي أنت وأمّي، أمّا النّاس فقد أقدر على أن أحذرهم، فأمّا نفسي فكيف؟

قال: إنّ الخبيث المسترق السّمع يجيئك فيسترق، ثمّ يخرج في صورة آدميّ.

فقال عبد السّلام: فقلت: بأبي أنت وأمّي، هذا مالا حيلة له.

قال: هو ذلك.

وفي أمالي الصّدوق(٤) : قال: حدّثنا عليّ بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله البرقيّ قال: حدّثني أبي، عن جدّه، أحمد بن أبي عبد الله، عن أحمد بن [محمد بن](٥) أبي نصر البزنطيّ، عن أبان بن عثمان، عن أبي عبد الله الصّادق ـ عليه السّلام ـ قال: كان إبليس ـ لعنه الله ـ يخترق السّموات السّبع، فلمّا ولد عيسى ـ عليه السّلام ـ حجب من ثلاث سموات وكان يخترق أربع سموات، فلمّا ولد رسول الله حجب عن السّبع كلّها، ورميت الشّياطين بالنّجوم.

وقالت قريش: هذا قيام السّاعة، كنّا نسمع أهل الكتب يذكرونه.

وقال عمرو بن أميّة، وكان من أزجر أهل الجاهليّة: انظروا هذه النّجوم الّتي يهتدى بها ويعرف بها أزمان الصّيف والشّتاء، فإن كان رمي بها فهو هلاك كلّ شيء، وإن كانت تثبت ورمي بغيرها فهو أمر حدث(٦) .

__________________

(١) قرب الاسناد / ١٣٣.

(٢) ب: السحر.

(٣) تفسير العيّاشي ٢ / ٢٣٩، ح ٣.

(٤) أمالي الصدوق / ٢٣٥ ـ ٢٣٦، ح ١.

(٥) ب: زيادة «في».

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ: حديث.

٩٦

وأصبحت الأصنام كلّها صبيحة مولد(١) النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ ليس منها صنم(٢) إلّا وهو منكبّ على وجهه.

وارتجس في تلك اللّيلة إيوان كسرى، وسقطت منه أربع عشرة شرفة.

وغارت(٣) بحيرة ساوة، [وفاض وادي السماوة](٤) .

وخمدت نيران فارس، ولم تخمد قبل ذلك بألف عام.

ورأى المؤبّدان(٥) في تلك اللّيلة في المنام إبلا صعابا(٦) تقود خيلا عرابا، قد قطعت دجلة وانسربت في بلادهم، وانقصم طاق الملك كسرى(٧) من وسطه وانخرقت عليه دجلة العوراء(٨) .

وانتشر في تلك اللّيلة نور من قبل الحجاز، ثمّ استطار حتّى بلغ المشرق، ولم يبق سرير ملك من ملوك(٩) الدّنيا إلّا أصبح منكوسا والملك مخرسا لا يتكلم يومه ذلك.

وانتزع علم الكهنة، وبطل سحر السّحرة، ولم تبق كهانة(١٠) في العرب إلّا حجبت عن صاحبها، وعظمت قريش في العرب وسمّوا: آل الله ـ عزّ وجلّ ـ.

قال أبو عبد الله الصّادق ـ عليه السّلام ـ: أنّما سمّوا: آل الله، لأنّهم في بيت الله الحرام.

وقالت آمنة: إنّ ابني، والله، سقط فاتّقى(١١) الأرض بيديه(١٢) ، ثمّ رفع رأسه إلى السّماء فنظر إليها، ثمّ خرج منّا(١٣) نور أضاء له كلّ شيء، وسمعت في الضّوء قائلا يقول :

__________________

(١) كذا في المصدر. وفي النسخ: ولد.

(٢) ليس في أ، ب.

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ: جمدت. وليس في أ، ر. وفي أ، ب: «وروم» بدل «و».

(٤) من المصدر.

(٥) المؤبدان: فقيه الفرس وحاكم المجوس، وهو للمجوس كقاضي القضاة للمسلمين.

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ: صغارا.

(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ: «الكسرى» بدل «الملك كسرى».

(٨) قال في البحار في بيان الحديث: أنّ كسرى كان سكّر بعض الدّجلة، أي: سدّ، وبنى عليه بناء. فلعلّه لذلك وصفوا الدّجلة بعد ذلك بالعوراء، لأنّه عور وطمّ بعضها فانخرقت عليه. ورأيت في بعض المواضع بالغين المعجمة من إضافة الموصوف إلى الصفة، أي: العميقة.

(٩) المصدر: مملوك.

(١٠) كذا في ب. وفي سائر النسخ: كاهنة.

(١١) ب: فالتقى.

(١٢) المصدر: بيده.

(١٣) المصدر: منّي.

٩٧

إنّك قد ولدت سيّد النّاس، فسمّيه محمّدا.

وأتي به عبد المطّلب لينظر إليه، وقد بلغه ما قالت أمّه، فأخذه فوضعه في حجره، ثمّ قال :

الحمد لله الذي أعطاني

هذا الغلام الطّيّب الأردان

قد ساد في المهد على الغلمان

ثمّ عوّذه بأركان الكعبة، وقال فيه أشعارا.

قال: وصاح إبليس ـ لعنه الله ـ في أبالسته، فاجتمعوا إليه.

فقالوا: ما الّذي أفزعك، يا سيّدنا؟

فقال لهم: ويلكم، لقد أنكرت السّموات والأرض منذ اللّيلة، لقد حدث في الأرض حدث عظيم ما حدث مثله منذ ولد(١) عيسى بن مريم، فاخرجوا وانظروا ما هذا الحدث الّذي قد حدث.

فافترقوا ثم اجتمعوا إليه، فقالوا: ما وجدنا شيئا.

فقال إبليس ـ لعنه الله ـ: أنا لهذا الأمر. ثمّ انغمس(٢) في الدّنيا فجالها حتّى انتهى إلى الحرم، فوجد الحرم محفوفا(٣) بالملائكة، فذهب ليدخل فصاحوا به فرجع، ثمّ صار مثل العصفور(٤) فدخل من قبل حراء(٥) .

فقال له جبرئيل: وراك(٦) ، لعنك الله.

__________________

(١) كذا في المصدر. وفي النسخ: رفع.

(٢) كذا في المصدر. وفي ب: انغمز. وفي سائر النسخ: انغمر.

(٣) المصدر: محفوظا.

(٤) المصدر: الصر (الصرد) وهو العصفور بدل العصفور.

(٥) كذا في المصدر. وفي ب: الحرم وفي سائر النسخ: الحرا.

(٦) كذا في المصدر. وفي ب: ورراك. وفي سائر النسخ: وأراك.

٩٨

فقال له: حرف أسألك عنه، يا جبرئيل، ما هذا الحدث [الّذي حدث](١) منذ اللّيلة في الأرض؟

فقال له: ولد محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

فقال له: هل لي فيه نصيب؟

قال: لا.

قال: ففي أمّته؟

قال: نعم.

[قال رضيت](٢) .

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٣) : قال: لم تزل الشّياطين تصعد إلى السّماء تتجسّس حتّى ولد النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ. ثم ذكر مقالة عمرو بن أميّة ونسبها إلى الوليد بن المغيرة.

ثمّ قال: وكان بمكّة يهوديّ يقال له: يوسف، فلمّا رأى النّجوم تتحرّك وتسير في السّماء خرج إلى نادي قريش.

فقال: يا معشر قريش، هل ولد فيكم(٤) اللّيلة مولود؟

فقالوا: لا.

فقال: أخطأتم، والتّوراة، قد ولد في هذه اللّيلة آخر الأنبياء وأفضلهم، وهو الّذي نجده في كتبنا أنّه إذا ولد ذلك النّبيّ رجمت الشّياطين وحجبوا(٥) من السّماء.

فرجع كلّ واحد إلى منزله يسأل أهله(٦) ، فقالوا: قد ولد لعبد الله بن عبد المطّلب بن عبد مناف. (الحديث).

( وَالْأَرْضَ مَدَدْناها ) : بسطناها.

( وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ ) : جبالا ثوابت.

( وَأَنْبَتْنا فِيها ) : في الأرض. أو فيها وفي الجبال.

( مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ ) (١٩).

__________________

(١ و ٢) من المصدر.

(٣) تفسير القمّي ١ / ٣٧٣ ـ ٣٧٤.

(٤) المصدر: منكم.

(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ: كبّوا.

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ: «فسأل» بدل «يسأل أهله».

٩٩

قيل(١) : أي: مقدّر بمقدار معيّن تقتضيه حكمته. أو مستحسن مناسب، من قولهم: كلام موزون. أو ما يوزن ويقدّر له. أو له وزن في أبواب النّعمة والمنفعة.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٢) : وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في هذه الآية: إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ أنبت في الجبال الذّهب والفضّة والجوهر والصّفر والنّحاس والحديد والرّصاص والكحل والزّرنيخ وأشباه هذه، لا يباع إلّا وزنا.

( وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ ) : تعيشون بها من المطاعم والملابس.

وقرئ(٣) ، بالهمزة، على التّشبيه «بشمائل».

( وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ ) (٢٠): عطف على «معايش». أو على محلّ «لكم»، والمراد به: العيال والخدّام والمماليك وسائر ما يظنّون أنّهم يرزقونهم ظنّا كاذبا، فإنّ الله يرزقهم [وإيّاهم](٤) .

قيل(٥) : وفذلكة(٦) الآية، الاستدال بجعل الأرض ممدودة بمقدار وبشكل معيّنين مختلفة الأجزاء في الوضع، محدثة فيها أنواع النّبات والحيوان المختلفة خلقة وطبيعة، مع جواز أن لا تكون كذلك على كمال قدرته وتناهي حكمته، والتّفرّد في الألوهيّة والامتنان على العباد بما أنعم عليهم في ذلك، ليوحّدوه ويعبدوه.

( وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ ) قيل(٧) : أي: وما من شيء إلّا ونحن قادرون على إيجاده وتكوينه أضعاف ما وجد منه، فضرب الخزائن مثلا لاقتداره. أو شبّه مقدوراته بالأشياء المخزونة الّتي لا يحوج إخراجها إلى كلفة واجتهاد.

( وَما نُنَزِّلُهُ ) : من بقاع(٨) القدرة.

( إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ ) (٢١): حدّه الحكمة وتعلّقت به المشيئة، فإنّ تخصيص بعضها بالإيجاد في بعض الأوقات مشتملا على بعض الصّفات والحالات، لا بدّ له من مخصّص حكيم.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٥٣٩.

(٢) تفسير القمّي ١ / ٣٧٤ ـ ٣٧٥.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٥٣٩.

(٤) ليس في أ، ب، ر.

(٥) أنوار التنزيل ١ / ٥٣٩.

(٦) الفذلكة: مجمل ما فصّل وخلاصته.

(٧) أنوار التنزيل ١ / ٥٣٩.

(٨) كذا في نفس المصدر. وفي النسخ: كمال.

١٠٠