الجريمة الكبرى الجزء ١

الجريمة الكبرى0%

الجريمة الكبرى مؤلف:
الناشر: المركز الوثائقي للدفاع عن المقدسات الإسلامية
تصنيف: أديان وفرق
الصفحات: 399

الجريمة الكبرى

مؤلف: الدكتور السيد محمد رضا الهاشمي
الناشر: المركز الوثائقي للدفاع عن المقدسات الإسلامية
تصنيف:

الصفحات: 399
المشاهدات: 50601
تحميل: 4049


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 399 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 50601 / تحميل: 4049
الحجم الحجم الحجم
الجريمة الكبرى

الجريمة الكبرى الجزء 1

مؤلف:
الناشر: المركز الوثائقي للدفاع عن المقدسات الإسلامية
العربية

الحقيقة الثالثة :

الفتن والزلازل التي ظهرت من نجد المذمومة

بعدما عرضنا عليك ايها القارئ الكريم بعضاً من صفات ومثالب اعراب نجد وهذه الأرض التي لم تنجب الخير، وبيّنا الجزء اليسير من الايات البينات والاحاديث الشريفة، حول الأرض والانسان في نجد، دعونا الان نستكشف ونبحث عن المساوئ والمحن والفتن التي إنبعثت نيرانها وانطلقت شرارتها من هذه الأرض المنحوسة المنكوسة، ثم نتعرف من خلال هذا السرد التاريخي والعلمي على حقيقة المذهب الوهابي السلفي، وجذوره الفكرية والاعتقادية.

لقد رصدنا عشرات الردّات و الزلازل والفتن التي ولدت في هذه الأرض المذمومة والخصبة بالنفاق والفتن ونمت وترعرت فيها على سواعد ابنائها الفجرة الكفرة، وعمّ شؤمها الإسلام والمسلمين وأحرقت اليابس والأخضر، لقد ارادوا ان يُطفئوا نور الله في الأرض، ويخمدوا وهج الرسالة ونور محمد وآل محمد صلّى الله عليه وآله، فعمدوا الى تصديع بنيان الدين وأرکان الايمان، وأهلکوا الحرث والنسل وعاثوا فساداً وطغياناً، وأذاقوا المسلمين الويلات والثبور.

وسوف نأتي على ذكر بعض تلكم الحوادث التاريخية والفتن المظلمة بعون الله تعالى والتي ألقت بضلالها ومصائبها على الإسلام والمسلمين، ونتوخى في كل ذلك الموضوعية والامانة العلمية من جهة، والدقة والاختصار من جهة اخرى.

٨١

ولربما نكون قد دخلنا في باب قلّ من تطرّق اليه، وسبر اغواره العجيبة الغربية، مما يحدونا الامل والرجاء، ان تقوم ثلة من المؤرخين والباحثين في اطراء المكتبة الإسلامية بنتاجاتهم العلمية حول هذه الأرض والناس، تكريماً لنبينا الكريم صلّى الله عليه وآله، والذي دأب في ذكر سيئات ومساوئ هذه الأرض ومن عليها، ولكشف حقائق كثيرة تفيد القارئ والباحث، وتعطي صورة واضحة وجلّية عما عليه الوهابيون والسلفيون والتكفيريون، وآل سعود، هذه الايام... من سهولة قبولهم للكفر وتلقيهم لفتاوى علماء السوء، والذين أنذرنا النبي صلّى الله عليه وآله عنهم، بأنهم:" شر من تظل السماء يؤمئذ علمائهم، منهم خرجت الفتنة وفيهم تعود"(١).

لتنظر ايها القارئ الكريم ماذا جمعنا لك...!.

٨٢

الفتنة الأولى: فتنة الاقوام البائدة...

كانت هنالك أُمم واقوام قد خلت من قبل بزوغ نور الهداية والإسلام، قد انعم الله عليهم بانواع النعم والعطايا، وأجزل لهم الخير والرزق، واطال في اعمارهم، وامدّهم بالبنين والأولاد، وسخّر لهم الأرض والجبال والانهار، وارسل اليهم النبيين ليهدوهم الى طاعته تعالى، وفعل الخيرات واجتناب المعاصي والموبقات. لكنّ هؤلاء الاقوام، قابلوا الحسنة بالاساءة، والنعم والخيرات بالكفر والنُكران، وعتوا عن امر ربهم عتوا كبيرا، فاستحقوا العذاب وأحلّوا قومهم دار البوار، ومأواهم جهنم وبئس القرار.

ومن هؤلاء الاقوام الذين استحقوا عذاب الدنيا قبل الاخرة: قوم عاد وثمود واصحاب الايكة وطسم وجديس وعبيل. وقد اشار الله تعالى في محكم كتابه الكريم بعشرات الايات الى اخبارهم وما كانوا عليه... ولا تعجب ايها القارئ الكريم... لتعلم ان هؤلاء الاقوام التي ذكرناها آنفاً، كانوا يسكنون ارض نجد المذمومة. ومنها انطلقت قوافلهم الشريرة ليزرعوا الكفر والشر والفساد في ربوع الجزيرة العربية وما جاورها. ولنبدأ اولاً بذكر بعض آيات الذكر الكريم، على سبيل الاختصار، علّه يقوم الباحثون بالعمل على كشف هذه الاسرار لاحقاً.

قال الله تعالى:( وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ ) سورة ابراهيم، الآية ٤٥.

المعنى: انكم قرَرَتم ان تعيشوا في مساكن الذين ظلموا كقوم عاد وثمود واصحاب الايكة، وأطمأننتم بها، طيبي النفوس سائرين بسيرتهم في الظلم والكفر والفساد والعصيان، ولا تتحدثون بما لقيّ الظالمون قبلكم، وقد تبيّن

٨٣

لكم بالخبر والمشاهدة (يا أهل نجد) ما فعلنا بهم من الهلاك والانتقام، وانا نضرب لكم الامثال في هذا القران الكريم، هكذا قال الحسين بن مسعود البغوي في تفسيره (٢)، ومحمد بن احمد القرطبي في تفسيره (٣)، واثير الدين الاندلسي في تفسيره المسمى " بالبحر المحيط"(٤).

ان الترتيب القرآني في ذكر الاقوام واخبارهم التي توالت العيش والحياة في منطقة الجزيرة العربية عموما، وارض نجد خصوصاً، تتطابق كثيرا مع السياق التاريخي المعروض علينا من المؤرخين وعلماء الاثار والتراث لتلك الاقوام المتعاقبة (٥). فأرض نجد كانت محل مقام وعيش قبائل مثل عاد وبعدها ثمود ومن ثم اصحاب الايكة وطسم وجديس وعبيل وغيرها، يتوارثون الحكم خلفاً عن سلف، وبسبب عدم اطاعتهم لأوامر رسل الله تعالى، وعبادتهم الاوثان وفسادهم في الأرض، أُهلكوا بانواع العذاب (٦).

اننا سوف نتناول باختصار، شرح أربعة نماذج من هؤلاء الاقوام، اختصوا بالعيش في منطقة نجد وتواترت الآيات القرانية الكريمة بذكرهم وشرح اخبارهم، وتركوا اثارآ مهمة ومشاهد حيّة الى يومنا هذا. انظر الى الخارطة رقم (٤).

٨٤

خارطة رقم (٤) مناطق سكن وحركة قوم عاد وثمود في نجد

٨٥

الأول: قوم عاد:

قال الله تعالى:( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَاد* إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ* الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلاَدِ ) سورة الفجر، الايات ٦ - ٨.

كانت مساكن قوم عاد في ارض" الاحقاف"، وهي جمع حقف أي الرمال المائلة (٧)، كما صرح بذلك القران الكريم بقوله:( وَاذْكُرْ أَخَا عَاد إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِالأَحْقَافِ ) سورة الاحقاف، الآية ٢١. وهي المناطق الممتدة من صحاري وسط نجد باتجاه جنوب جزيرة العرب اي الربع الخالي شمالي اليمن وحضرموت، وفيها قصر السدوس أحد مواقعهم المعروفة، كما جاء في كتاب" الروض المعطار في خبر الاقطار" (٨) وينقل ابن خلدون عن الطبري ان قسماً من قوم عاد كانوا يعيشون في الطائف وقد هلكوا جميعا مع غيرهم من اقوام عاد (٩). ويذكر كثير من المؤرخين، منهم ابو حنيفة الدنيوري حيث قال في كتابه" الاخبار الطوال"، انهم انتشروا في مناطق ابعد من حدود نجد لتصل جنوباً الى تهامة واليمن وحضرموت (١٠)، وكذلك اتجهوا شمالاً ليصلوا الى الشامات والاردن وسيناء(١١).

وتعد (إ ر م) من اهم آثارهم وهي المدينة العربية المفقودة، وكان سكانها من العرب البائدة من قبيلة عاد. ولفظ البائدة: هو تعبير يضم كثيرا من الامم العربية والتي اندثرت قبل بعثة النبي صلّى الله عليه وآله. وكان ملكها يسمى شداد بن عاد، وأسم اخيه شديد بن عاد بن عوص (١٢)، اللذان ارادا ان يقيما الجنة الموعودة في الأرض، بعدما سمعا اخبارها ووصفها من نبيهم هود (على نبينا وآله وعليه افضل الصلاة والسلام). وما وعد الله تعالى فيها اولياءه من قصور الذهب والفضة والمساكن التي تجري من تحتها الانهار، فبنيا علواً

٨٦

واستكباراً، قصوراً مترفة وصروحاً شاهقة وابنية مرتفعة وعظيمة وقوية تسحر الناظرين لها اعمدة ضخمة لانظير لها في تلك العوالم، فطابوقها من الذهب والفضة، والاعمدة كانت مغطاة بالياقوت والزمرد، كما وصفها المؤرخ زكريا بن محمد في كتابه" اثار البلاد واخبار العباد" (١٣). ووصفها القران الكريم بكونها فريدة في بنائها (١٤).

لقد كان قوم عاد اقوياء وغلاظ، وعظيمي الجثة، وارضهم خصبة وخضراء بالزرع والفواكة وذات نعمة ومحاصيل وينابيع كثيرة، لقوله تعالى:( امدكم بانعام وبنين وجنات وعيون ) سورة الشعراء، الآية ١٣٣، وقد عاشوا قبل ميلاد سيدنا المسيح ابن مريم عليهما السلام بمئات السنين، واستمر حكمهم لقرون طوال. فمتعهم الله تعالى بنعمة واحسان (١٥). وارسل اليهم نبيهم هوداً لقوله تعالى: ( وَإِلَى عَاد أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِله غَيْرُهُ ) سورة هود، الآية ٥٠. وقد رد قوم عاد على نبيهم بالنكران والكفران واتهامه بالباطل وصفات هم أحق بها منه عليه السلام، فأستكبروا في الأرض وعبدوا الاوثان فحقّ عليهم العذاب، فابادهم الله تعالى جميعا بالريح الشديدة المحملة بالاتربة فقضت عليهم وغمرت دولتهم ومدنهم النفيسة وما فيها بالرمال، فأصبحت اثراً بعد عين. كما قال تعالى: ( وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيح صَرْصَر عَاتِيَة ) ، سورة الحاقة، الآية ٦. وموضع بلادهم اليوم رمال قاحلة لا أنيس فيها ولا ديار ولا ماء سوى صحاري غريبة وقاحلة وموحشة كأنها تنبئ عمّا حلّ بهؤلاء (١٦).

لقد اكد القران الكريم على الاعتبار بهؤلاء القبائل وقصصهم، فتارة تنزل سورة تبين صفاتهم كما وردت في وتكون سورتي الشعراء وفصلت (١٧)،

٨٧

وتارة اخرى باسم نبيهم هود (على نبينا وآله وعليه السلام)، كما جاء في سورة هود (١٨)، واخرى بأسم موطنهم لتكون سورة الاحقاف (١٩)، بالأضافة الى عشرات الايات القرانية الأخرى ضمن ثماني عشرة سورة من سور القران الكريم.

أرتحل هود (على نبينا وآله وعليه أفضل الصلاة والسلام)، ومن معه من المؤمنين من ارضهم الى موضع يقال له"الشحر" فنزل هناك، ثم ادركه الموت فدفن في ارض على اطراف حضرموت، كما ذكره الشوكاني في تفسيره" فتح القدير" (٢٠)، ومحمد رضا رشيد في" تفسير المنار" (٢١).

ان مدينة" ارم" ذات العماد، وهي المدينة العربية المفقودة قد اثارت شغف واهتمام كثير من المؤرخين والجغرافيين وعلماء الاستكشاف والاثار والانساب من المسلمين وغيرهم، ليتعرفوا على حقيقتها ويسبروا اغوارها ويكتشفوا اسرارها.

فمثلا العالم بليني الكبير (٢٢)، من علماء الحضارة الرومانية الذي عاش في القرن الأول الميلادي، والفلكي والجغرافي بطليموس الاسكندري (٢٣)، والذي كان امينا لمكتبة الاسكندرية، وغيرهم كثيرون كتبوا عن هذه المدينة في اواخر عهود مملكة عاد، وسجلوا مشاهداتهم لها إذ يصفون المنطقة بانها كانت عامرة بحضارة زاهرة والانهار فيها متدفقة بالماء والبحيرات زاخرة بالحياة، والأرض مكسوة بالخضرة، وان قوم عاد كانوا يشكلّون الحضارة السائدة فيها، وهكذا قلعة "عبار" ذات الابراج الباهرة والابنية العجيبة والنقوش الهندسية الخلابة (٢٤). ولم تخل المكتبات العالمية من دراسات وبحوث علمية شيقة حول مملكة عاد وما آلَ اليه مصيرها من كُتاب الغرب والشرق.

٨٨

ان السجلات التاريخية تعضد النظرية القائلة بأن هذه المنطقة من نجد كانت يوما من الايام فيها جنات وعيون وانعام وبنون وزراعة، وارض خصبة منتجة، كثيرة المياه والانهار ومغطاة بالخضرة. وقد شرح كثيرا من تلك الاراء والنظريات الدكتور المصري زغلول راغب النجار في كتابه" الاعجاز العلمي في القران والسنة" (٢٥)، وكذلك نشر سلسلة ابحاثه العلمية القيمة في صحيفة الاهرام المصرية (٢٦)، كما اسهب الباحث الانكليزي بير ترام توماس في كتابه" عِبر الربع الخالي بشبه جزيرة العرب"، في وصف تلك القبائل والاقوام التي بنت مدينة" عُبار" (٢٧).

واكد القران الكريم على هؤلاء الاقوام بصورة خاصة، وشرح وقائع عن حياتهم واحوالهم، وثم عن كفرهم ونزول العذاب عليهم... وفي تفسير هذه الايات البينات نشطت اعداد من المفسرين والجغرافيين والمؤرخين وعلماء الانساب المسلمين من امثال الطبري، السيوطي، القزويني، الهمداني، ياقوت الحموي، المسعودي، ابن خلدون وغيرهم في الكشف عن حقيقة هؤلاء الاقوام. وبقيت نظريات وابحاث هؤلاء العلماء حبراً على ورق.

لكن ما حققه صانع الافلام الوثائقية الامريكية نيقولاس كلاب في الثمانينات من القرن الماضي بعد ما قرأ كتاب" المذّكرات"، والتي كتبها جورج فري ناو عام ١٩٣٤ م (٢٨)، قام نيقولاس كلاب (٢٩)، مع فريقه المتخصص امثال عالم الآثار المعروف جوريس زارنز والسير راندلف فينيس الخبير العسكري لمنطقة الشرق الاوسط وغيرهما وبالاعتماد على خرائط جغرافية نادرة ودقيقة حصل على ٦٠٠ مصدر لمؤرخين وجغرافيين ورحالة وعلماء آثار وطبيعة اضافة الى تقارير لعمليات بحث عن الاثار ومراجع بيئية موجودة في بطون امهات المكتبات العالمية القديمة والحديثة، وهكذا اعتمد على المسح الجغرافي الهندسي الذي أجرته وكالة الفضاء الامريكية" ناسا" لمنطقة الجزيرة العربية، وخصوصا تلك المناطق التي نحن بصددها ضمن

٨٩

حدود نجد المعروفة، وبالاستعانة بالرادار التصويري الفضائي المركب على المكوك الفضائي (تشالينجر)، والذي يمتلك القدرة على اختراق التربة السطحية الى عشرات الامتار. وكذلك بمساعدة القمران الصناعيان الفرنسيان (سبوت ولاند سات)، فحصل كلاب على مسح دقيق لشبه الجزيرة العربية ومن ضمنها منطقة نجد (٣٠).

وأصبح الفريق الاستكشافي يملك خريطة فريدة لمنطقتي" نجد وربعها الخالي" توضح طرق القوافل القديمة وخزانات المياه الجوفية ومجاري الانهار القديمة والوديان المطمورة تحت عشرات الامتار من الكثبان الرملية، وبالاستعانة بهذه المعلومات قررت البعثة الحصول على آخر الصور الفضائية لنقطة قرب تقاطع طريق القوافل مع مكمن مائي قديم (٣١)، كشفت عنه الصور الفضائية، كما رصدت الاستكشافات مجريين لنهرين جافين يندفع احدهما من الغرب الى الشرق والاخر من الجنوب الى الشمال. وهما يصبان في بحيرة قطرها يزيد على ٤٠ كيلو متراً في شمال شرق الربع الخالي ضمن حدود نجد المعروفة اليوم (٣٢)، وصوّر المكوك الفضائي مناطق بين مصبي النهرين وضفاف البحيرة، خارطة رقم (٦)، لتستكشف عمراناً لم تعرف البشرية نظيراً له في ضخامته وجماليته. وتوصل علماء الاثار والاديان الى انها من قصور (إ رَ مَ) التي وصفها القران الكريم.

وهنا كانت المفاجئة المدهشة حيث ظهرت قلعة محصنة ذات ثمانية اضلاع تحيط باسوار المدينة مقامة على اعمدة ضخمة عديدة كما ورد وصفها" إرم ذات العماد" وسميكة الجدران، ذات ابراج مرتفعة في زواياها، مقامة على اعمدة ضخمة شاهقة يصل ارتفاعها الى ٩ أو ١٠ امتار وقطرها الى ٣ امتار وتضم عددا كبيرا من غرف التخزين واماكن السكن (٣٣)، وظهرت

٩٠

آخيرآ المدينة الاسطورية " إ رَ مَ" المدينة الاسطورية التي أنشئت لكي تكون فريدة جدآ إذ تبدو انها مستديرة الشكل ويمر بها رواق معمد دائري، طابوقها من الذهب والفضة واعمدتها غُطيت بالياقوت والاحجار الكريمة، وهي رائعة المنظر خارطة رقم (٥).

خارطة رقم (٥): هذه الصورة هي لقلعة من قلاع إرم.

٩١

خارطة رقم (٦): صورة لمجرى نهرين جافين قرب مساكن قوم عاد صورت عبر الأقمار الصناعية

٩٢

خارطة رقم (٧): تصميم هندسي من وحيّ الاساس التحتاني للابنية الموجودة

٩٣

خارطة رقم (٨): بقايا آثار لقوم عاد

٩٤

ولا نعلم من اسرار مملكة العجائب والفضائح القابعة في الرياض اكثر من هذا، ولماذا أوقفوا حركة تلك البحوث العلمية، واطبقوا على كل هذه الاستكشافات المدهشة والعجائب الربانية بطي الكتمان والأخفاء؟!، هل خوفاً من فضيحة نجد واهلها؟!، أم خوفاً من تهديد النبي صلّى الله عليه وآله في حق هؤلاء الخوارج بقوله:" لإن لقيتهم لأقتلنهم قتل عاد وثمود"؟! (٣٤).

ثانياً: قوم ثمود:

ثم ننتقل من الجنوب مركز قوم عاد الى جهة الشمال من ارض نجد الممسوخة، حيث تطالعنا آثار قوم ثمود، الذين جاؤوا بعد هلاك قوم عاد بمئات السنين، كما يصفها المؤرخ المقدسي في كتابه" البدأ والتأريخ" (٣٥)، وآخرون(٣٦)، إذ يوضحها القران الكريم من خلال خطابه ونصيحة النبي صالح (على نبينا وآله وعليه افضل الصلاة والسلام) لقومه ثمود بقوله:( وأذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم في الأرض تتخذون من سهولها قصوراً وتنحتون الجبال بيوتاً، فأذكروا آلاء الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين ) . سورة الاعراف، الآية ٧٤. ومن هنا يقول المفسرون ان اقوام ثمود كانوا يعرفون جيداً اخبار اقوام عاد وقصصهم بالتفاصيل ويعيشون آثارهم (٣٧).

وقوم ثمود قبيلة او مجموعة قبائل من البدو كانوا يسكنون شمال نجد، وبنوا فيها أهم مدنهم ومراكزهم" كالمدائن" او" مدائن صالح" ومدينتي " الحِجْر والهجر" (٣٨). ثم إنتشروا شمالاً نحو تبوك والشامات والاردن وحتى سيناء (٣٩)، واتجهوا جنوباً نحو تيماء والطائف حتى الجوف والحائل ونجران كما تذكرها الموسوعة الإسلامية للعالم الإسلامي (٤٠)، وقد دلّت المخطوطات والحفريات الاثرية والنقوشات الحجرية على ان قوم ثمود كانوا

٩٥

يقطنون مناطق عاد كما يقول تيمس وهدسون في كتابه" جنوب الجزيرة العربية" (٤١)، وركزّ فيليب حتيّ في كتابه" تاريخ العرب" على الكتابات والنقوشات الثمودية في مختلف وديان نجد وبواديها (٤٢).

وعلى الرغم من ان موطن قبيلة ثمود كما هو معروف في مدائن صالح بالعلا" الحجر"، إلا أن وجود نقوش ثمودية في مواقع متناثرة في منطقة نجد ومنها ما هو في (محافظة الغاط) دليل على تواجدهم في تلك المنطقة أو مرورهم بها (٤٣).

وتقع الحجر" مدائن صالح" على بُعد حوالي ٢٢ كيلومتراً شمال شرق مدينة" العلا" التابعة لمنطقة شرق المدينة المنورة، بالقرب من وادي القرى (٤٤). وكانت تمتاز بخصوبة الأرض ووفرة المياه والينابيع التي تجتمع مياهها من الجبال المحيطة بها، استخدمها قوم صالح عليه السلام لزراعة مختلف انواع المزروعات وخاصة النخيل. وكانت الجبال والصخور الكبيرة تحيط بمدن قوم ثمود، وقد استفاد منها الثموديون، وقاموا بنحت هذه الكتل الصخرية لبناء مساكنهم وقصورهم وهي في غاية الاتقان والجمال (٤٥). وهو مصداق للاية الشريفة:( وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَاد وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُوا آلاَءَ اللّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ ) سورة الاعراف، الآية ٧٤.

لقد قست قلوب هؤلاء القوم وعبدوا الاوثان وعثوا في الأرض مفسدين(٤٦). فاخذهم الله تعالى بذنوبهم وجعلهم حصيداً خامدين (٤٧). ولا يزال الكثير من آثار قوم ثمود موجودة الى حد الان، وقد مرّ بها رسول الله صلّى الله عليه وآلهفي أثناء ذهابه لغزوة تبوك، وحينما أتى أطلال قوم ثمود في" مدائن صالح" بكى وامر اصحابه بالبكاء، وقال عليه السلام:" لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين، إلاّ ان تكونوا باكين، فان لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم، ان

٩٦

يُصيبكم مثل ما اصابهم"، كما جاء في مسند احمد بن حنبل عن عبد الله بن عمر، وقد نهاهم ان يقطفوا من ثمارها او يشربوا من مائها لانها أرض مغضوب عليها (٤٨)، فقالوا يا رسول الله: قد عجنّا واستقينا، فامرهم ان يطرحوا ذلك العجين ويهرقوا ذلك الماء. وقد اراهم مرتقى الفصيل في الجبل وهو جبل " الحوار"، واراهم الفج الذي كانت الناقة ترد منه لشرب الماء واسمه " مبرك الناقة". ثم قنّع راسه الشريف واسرع السير حتى جاز الوادي(٤٩).

كما مرّ رسول الله صلّى الله عليه وآله بعد معركة حنين باتجاه الطائف، حيث يذكر الحافظ ابن كثير في كتابه" البداية والنهاية" (٥٠)، عن عبد الله بن عمرو، ان النبي صلّى الله عليه وآله، مرّ بقبر، فقال هذا قبر ابي رغال وهو ابو ثقيف وكان من قوم ثمود، اصابته النقمة التي اصابت قومه في هذا المكان فدفن فيه، وقد نزل على قومه غضب من الله تعالى (٥١)، وأصابتهم الصاعقة والصيحة والرجفة (٥٢).

خارطة (٩): مناطق سكن قوم ثمود ونفوذهم

٩٧

خارطة (١٠): التخطيط العمراني والعمراني لمدينة الحجر

خارطة رقم (١١): بناء البيوت على أطراف الجبال

٩٨

خارطة رقم (١٢): نحت البيوت في الجبال

خارطة رقم (١٣): تُبين المناطق التي احترقت بالنار في وسط نجد

٩٩

وحينما يذهب الانسان الى هناك يحس بالالم والانقباض مما يشاهده من الصخرات المحترقة كالبركان ويسميها اعراب تلك النواحي بـ" الحرة" وهي منتشرة كثيراً في تلك الاطراف. وهي احجار نارية منفصلة من بركان مشتعل، وتصادف الزائر لوحات ارشادية لآداب الزيارة ولوحات تعريفية باسماء الاماكن والقصص والاحداث. وقد اراد الملك (السعودي) فهد احياء تراث اجداده في بناء مدينة سياحية على تلك الانقاض، فمنعه العلماء لكي لا يفتضح النظام اكثر من هذا (٥٣).

والعجيب ان قاتل ناقة صالح (على نبينا وآله وعليه السلام)، هو قدّار بن سالف (احيمر ثمود). الذي ورد في مسند احمد بن حنبل (٥٤)، أنه أشقى الأولين، وعبدالرحمن ابن ملجم، قاتل اميرالمؤمنين بانه أشقى الآخرين (٥٥)، هما معاً من نفس منطقة" حِجر" بالذات (٥٦).

الثالث: اصحاب الايكة:

وهم اقوام من اعراب البادية عاشوا في مناطق نجد بعد هلاك قوم ثمود ولوط وتُبّعٍ (٥٧). والايكة تعني مكان وفرة النخيل والاشجار، وكانت ذات خضرة وزرع ومياه وينابيع وزهور وحدائق وغابات (٥٨)، وقد ذكرهم الله تعالى في موارد عديدة من كتابه الكريم، منها قوله تعالى:( كذّب اصحاب الايكة المرسلين ) سورة الشعراء، الآية ١٧٦.

ان مكان الأيكة، كما تذكرها كتب السير والتفسير، تمتد من وسط نجد باتجاه منطقة تبوك، وهي بعينها مساكن" مدائن صالح" (٥٩)، ومنهم من قال انهم بنوا ملكهم الى الشمال من نجد عند اطراف تبوك (٦٠)، وكانت مدنهم مملؤة بالنخيل والزروع.

١٠٠