الجريمة الكبرى الجزء ٢

الجريمة الكبرى10%

الجريمة الكبرى مؤلف:
الناشر: المركز الوثائقي للدفاع عن المقدسات الإسلامية
تصنيف: أديان وفرق
الصفحات: 399

  • البداية
  • السابق
  • 399 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 27357 / تحميل: 8113
الحجم الحجم الحجم
الجريمة الكبرى

الجريمة الكبرى الجزء ٢

مؤلف:
الناشر: المركز الوثائقي للدفاع عن المقدسات الإسلامية
العربية

الجريمة الكبرى

دراسة تحليلية جنائية لجرائم الوهابية السلفية

وآل سعود ضد المراقد المقدسة في العراق

١٢١١ - ١٣٤٣ هـ / ١٧٩٠ - ١٩٢٢ م

د. السيد محمدرضا الهاشمي

المجلد الثاني

المركز الوثائقي للدفاع عن المقدسات الإسلامية

١

٢

سلسلة بحوث:

الجريمة الكبرى

دراسة تحليلية جنائية لجرائم الوهابية السلفية

وآل سعود ضد المراقد المقدسة في العراق

(١٢١١ هجرية ١٣٤٣)

(١٧٩٠ميلادية ١٩٢٢)

د. السيد محمدرضا الهاشمي

المركز الوثائقي للدفاع عن المقدسات الإسلامية

المجلد الثاني

الطبعة الأولى (١٤٣٤ هـ / ٢٠١٣ م)

٣

٤

«ما ضاع حقّ وراءه مطالب»

الإمام علي عليه السلام

٥

٦

جريمة الكبرى

المجلد الثاني

٧

٨

الاهداء

الى سيدنا ومولانا

العباس بن علي بن أبي طالب

ناصر الحسين الشهيد

نهدي هذا الجهد المتواضع

علّنا أن نكون من المناصرين

لشيعتهم (عليهم السلام )

٩

١٠

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد واله الطيبين الطاهرين وصحبهم الميامين.

لم يتمتع أتباع أهل البيت عليهم السلام بالأمن وألامان والهدوء والاستقرار على مر التاريخ، وما أن خرجوا من مظلمة وجور طاغٍ حتى جاء آخر وأضاف الى سجل المآسي والمظالم صفحة جديدة وأرقاماً اُخرى، وفي عصرنا الحديث ظهرت حركات وتيارات أذاقت المسلمين والمؤمنين الويلات، وخصوصاً أتباع أهل البيت عليهم السلام وجعلتهم يعيشون في دوامة من المآسي وسلسلة من المظالم والبلايا.... ولا من ناصر ولا من معين، وكأن التأريخ حمل القساوة والغلظة عليهم على طول صفحاته السوداء.

والاْنكى من ذلك أن تلكم الجرائم والمآسي تُمحى من ذاكرة الأمة والمؤرخين وتذوب حرارتها على مر الزمان وتطاول الايام... بل تصبح جزءاً لا ينفك من الواقع المفروض على المسلمين والمؤمنين، وأذا ما ظهرت إلتفاتة كريمة من أحد المطالبين والثائرين برفع المظالم عنهم وأرجاع الحقوق، تعالت الاصوات من الظالمين والجلادين وأنزلوا العقوبات وصبوا جام غضبهم عليه، لا لشيء سوى أنه طالب بالحق وأراد أن يرفع بعض الضيم عن المسلمين.

إن الظالمين لا يتركوننا حتى وإن أخلدنا للسكون ولم نعترض على باطلهم أو ظلمهم. فأن السكوت عن الظالم والرضى بالضيم لا يمنع سياط الجلاد أن تترادف وتتوالى علينا. ومن

١١

جانب آخر فان الله تعالى لا يرضى لعباده بالسكوت عن الحق وقبول الضيم، فقد توعدّ سبحانه أولئك بالعقاب. وعلى هذه كانت سيرة الانبياء والأولياء عليهم السلام، فأنهم لم يرضوا بالذل ولم يتصفوا بالجبن والخنوع، بل كانت صيحات الحق تعلو دائماً من حناجرهم الطاهرة.

وعليه فلابد من وضع حدّ لهذه المآسي والمظالم، ونقوم لله تعالى في نصرة الحق والدفاع عن المظلومين، وأداء ما علينا من الواجبات في الجهاد ونصرة الدين، ونحن نعيش بكنف الآية الشريفة في قوله تعالى:( وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ ) سورة النساء، الآية ٧٥، وقد وعدنا الله تعالى بالنصر والفوز في قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ) سورة محمد صلّى الله عليه وآله، الآية ٧.

ومن هذا وذاك كانت أنطلاقة هذا العمل المبارك الذي نحن بصدده، والجهد المتواضع في السعي لإعادة بعض النصاب الى حده وإرجاع جزءٍ من الحق الى أهله، ولرسم بعض معالم الطريق في الدفاع عن القيم والحقوق، ومنع الظالم والجاني عن النيل من مقدساتنا وكرامة امتنا أكثر مما فعل، وفي هذا الطريق لابد من العمل على ايجاد حالة المساهمة الشعبية ضمن حركة عُقلائية هادفة الى إيجاد الطوق المنيع والقاعدة الجماهيرية الواعية لمنع الظالم عن التمادي في غيّه وإيقاف المتجاوز عند حدّه.

لقد أنبرت ثلة من المؤمنين في مسيرة « كونا للظالم خصماً وللمظلوم عوناً» لوضع الاسس العلمية الصحيحة والممنهجة لإختيار أفضل السُبل وأنجع الطرق الشرعية والقانونية للدفاع عن مقدسات الإسلام والمسلمين روحية كانت أو مادية، وردع الباطل وأهله من التمادي في العدوان على الامة، ورفع الحيف الذي حلٌ بنا وبأهلنا ومقدساتنا على مدى القرون

١٢

الماضية، وهي حُبلى بعشرات بل بمئآت من المآسي والجرائم و الأعتداءات التي قلّ نظيرها في تأريخ البشرية.

إن هذا العمل المبارك والذي نضع لُبنات بنائه الأولى، يفتقر الى رفد علمي من الباحثين والخبراء، ودعم قضائي من الحقوقيين والقضاة، وحماية شاملة من جماهير اُمتنا الإسلامية، وكلنا أمل وثقة بأن الاحرار والشرفاء وأصحاب العقول النيرة سيؤازروننا في هذا المضمار، ويُساهمون معنا بالكلمة الطيبة والخبرة المهنية والوثيقة الحيوية والاْشارة الكريمة في مجال خدماتنا ومسيرتنا الشائكة.

والله تعالى من وراء القصد

المركز الوثائقي للدفاع عن المقدسات الإسلامية

١٣

١٤

بسم الله الرحمن الرحيم

إنّ الصراع الدائر بين الحق والباطل قائم منذ أن خلق الله تعالى آدم (على نبينا وآله وعليه السلام)، ومازال مستمراً ما دام هنالك منهجان وسيرتان، وسيستمر هذا الصراع حتى يأذن الله تعالى بأنتصار الحق على الباطل، حيث يُورث سبحانه الأرض لعباده الصالحين.

ولكل طرف في الصراع قادته ورجاله الذين يدافعون عن منهجهم ووجودهم، فأتباع الحق يُريدُون للبشرية السعادة وللإنسانية القسط والخير، أما أهل الباطل ورموزه فلا يفكرون الا في مصالحهم واهوائهم الطائشة، ويمارسون شتى انواع الظلم والزيغ، فلم يسلم الحرث والنسل من جورهم وفسادهم على مرّ الدهور.

وللحق وشهادة للتأريخ فأن المسلمين السائرين على خط ولاية علي واولاده الطيبين عليهم السلام منذ بزوغ فجر الإسلام الساطع وعلى طول التاريخ لم يكونوا يوماً ما مصدر قلق او تفرقة للأمة الإسلامية، فضلاً من أن يكونوا منبع حرب وعدوان على غيرهم. ولم يمنحوا على مدى سيرتهم الطويلة سوى الرحمة والعفو والاحسان الى بني البشر سواء أكانوا مسلمين أم كفارا، بل لم يضعوا العراقيل ولم يصنعوا الدمار ولا تمنٌوا الشر للغير، فضلاً عن زرع بذوره ونشر سمومه، سائرين على نهج الرسول الامين صلّى الله عليه وآله الذي نطق به التنزيل:( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ألا رحمةً للعالمين ) سورة الانبياء، الآية ١٠٧. فهو الرحيم بامته

١٥

والشفيق عليهم وكانت سيرته هادية الى الخير والسعادة، وسار على نهجه أهل بيته واولاده من بعده، فهم أئمة الهدى ومصابيح الدجى عليهم السلام.

وقد سجل التاريخ صفحات مشرقة لسيرة هذا النبي الاكرم واهلِ بيته (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين)، تلوح فيها الكثير من ايات الخير والرحمة والعفو والاحسان للمسلمين ولغيرهم، وهذا ما جعل أفئدة من الناس تهوي اليهم واشتاقت النفوس الى لقائهم وانجذبت القلوب لمحاسن اخلاقهم، وحارت النفوس بعلو طبائعهم، فأهتدت بنهجهم، واقتدت بهداهم نحو الحق والسلام (١).

وفي المقابل لم يبرح الاعداء والحاقدون والمعاندون لصاحب الرسالة واهل بيته الهداة عليهم السلام من نشر الحروب والدمار وترويع الإنسان والافساد في الأرض، واذاقة المسلمين انواع العذاب وصنوف البلاء، وقد زرعوا بذور الفتن والمكائد في عالمنا الإسلامي على مر العصور، وكانوا مصدراً للشر والبغي والدمار، فضلاً من توجيه سهامهم صوب الرسالة ونقائها وسمو صاحبها ورموزها، وبهذا فقد ردٌوا الجميل وخير الإسلام والرسالة بالاساءة والعدوان، وكل إناء بالذي فيه ينضح (٢).

إن احدى تلك الاساءات وبواطن الشر ومكائد السوء التي زرعها أعداء الدين من الصليبي الحاقد والصهيوني المتآمر في جسد الامة الإسلامية وفي قلبها النابض كانت مذهب الوهابية المتغطرسة في نجد، والبهائية في شيراز والقاديانية في الهند وغيرها كثير، ولم تكن الوهابية هي الوحيدة من نوعها بل كان القرار اعطاء يثرب لليهود والاسكندرية للمسيحيين ويزد للزرادشت الباريسيين والعمارة للصابئة وكرمانشاه للذين يؤلهون الامام علياً عليه السلام، والموصل للازيدية والخليج

١٦

للهندوس وطرابلس للدروز وارض الشام للعلويين ومسقط للخوارج، ثم دعم كل هذه الفئات بالمال والسلاح وتوسيع رقعة نفوذهم على ما بجوارها، وكل ذلك لتفكيك الامة الواحدة والدين الواحد. وقد افاض الدكتور وهيم طالب محمد في كتابه" تأريخ الحجاز السياسي"، عن خبائث والاعيب الاستعمار بالامة الإسلامية واوطانها المنكوبة(٣).

وقد زاد الامر وبالاً وسوءاً حينما غزت جيوش العدو الصليبي الصهيوني مناطق الإسلام والمسلمين على حين غرة، وحكام المسلمين منقسمون على انفسهم، غارقون بالملذات ومنغمسون بالرذائل، وسياط الجوع والحرمان تلفح ظهور الضعفاء والمساكين، والقتل والتشريد يفتك الاحرار، فكانت الفرصة سانحة ليفعل اولئك الاجانب كل حرام ومنكر ويتمادوا بالسوء والحقد بمالا يوصف، وفي المقابل وعلى نفس الرويّة فعل هؤلاء المبتدعون البغاة من الوهابية والبهائية والبابية والقاديانية وغيرهم من المتمردين على قيم الدين، فمارسوا كل ضلالة وبدعة، وانتهكوا حرمات الله تعالى بالقتل والسلب والسبي(٤).

وفي بحثنا هذا سوف نتطرق الى أحدى هذه الفرق الضالة والتي طالما أثارت الرعب والدمار وأهلكت الحرث والنسل في ربوع وطننا الإسلامي، على اساس أراجيف وأباطيل وعقائد ما أنزل الله بها من سلطان.... إنها الوهابية الشوهاء(٥).

وموضوع الوهابية، هذه البدعة الطارئة وجرثومة الفساد والتمرد على قيم الفطرة، موضوع شائك وعميق فقد اعتمد مبتدعوه على مبانٍ ترتبط بالقرون السابقة، بل لتصل الى عصور الإسلام الأولى، إذ أخذت الأسرائيليات وعقائد الكفر والشرك تدخل في مناهج المسلمين وعلومهم، وظهرت

١٧

شرائح من العلماء او من يدّعون الفضل بين الحين والآخر يتبنّون تلك الأفكار، ويفتون على اساس تلك العقائد والميول والاهواء(٦).

وبناءاً على ذلك، فقد قسمنّا مُتبنيات هذه الفئة الضالة ومرتكزاتها الى ثلاثة محاور.

فالمحور الأول: يتعلق بالعقائد والأفكار لهذه الفئة الخارجة عن الدين فهي مع ضحالة فكرها وسخافة آرائها، وتفاهة موضوعاتها، فقد هبّ الرجال من اهل العلم والوعي ومن مختلف المذاهب والفرق للرد على بِدعها المخالفة لمفاهيم وقيم الإسلام وتكذيب أحدوثتها وفضح حقائقها. بل ان كثيراً من الذين ردٌوا على الوهابية هم من علماء الحنابلة وفقهائها والذين تدّعي الوهابية الانتماء اليهم. فهذا الشيخ سليمان بن عبد الوهاب الحنبلي النجدي، وهو الأخ الأكبر لمحمد بن عبد الوهاب، رد على اخيه في كتابه"الصواعق الالهية في الرد على الوهابية" (٧)، وكذلك أفرد العلامة أبو حامد مرزوق وهو من كبار علماء مكة المكرمة في كتابه" التوسل بالنبي صلّى الله عليه وآله وجهالة الوهابيين" حيث جمع ردود أكثر من أربعين فقيه وعالم معاصر لإبن عبد الوهاب عليه، وربما يُغنينا الاستاذ علي عبد الله محمد في كتابه" معجم المؤلفات الإسلامية في الرد على الوهابية" (٨) عن البحث في هذا المضمار. اما كتاب" منهج الرشاد لمن اراد السداد" لفقيه عصره الامام كاشف الغطاء(٩)، فلم يترك للوهابيين وابن عبد الوهاب منفذاً للخروج من مأزق الحجة الدامغة والدليل القاطع والبرهان الثاقب، ولهذا نترك التفصيل في هذا الموضوع للقارئ الكريم حتى يتابع بنفسه ما كتبه العلماء في الرد على الوهابية، وقد أبلوا فيه بلاءاً حسناً، صمّت آذان الوهابيين، وأسكتت أفواههم.

١٨

أما المحور الثاني: فهو يتعلق بالنهج السياسي والممارسات الأدارية والعلاقات الخارجية لهذه الزمرة الوهابية السلفية، وكذلك فلسنا مهتمين بهذا الجانب، فإنها مع سذاجة خطابها السياسي وهمجيٌة تحركاتها، وانكشاف امرها وعمالتها للكافرين وخبث سريرتها، فقد تصدت جماعات من الساسة والقادة والاحزاب لفضح ممارساتها والكشف عن دواعي تأسيسها، وتعرية مخططاتها المعادية للأسلام ومحاولاتها في تمزيق الصف الإسلامي والعربي وتقديمهما لقمة سائغة لأعداء الإسلام من الصليبية والصهيونية (١٠) فان الباحثين والمؤرخين لم يلؤا جهداً في كشف اللثام عن الوجه الحقيقي للوهابية السلفية وتعريتها، حتى بات من الواضح لدى القاصي والداني، ان نظام الوهابية وآل سعود، ما هما الاّ ربيبتين للصليبية والصهيونية (١١)، والتي طالما حاولت الاجهزة الدعائية الوهابية، بمختلف الوسائل الاعلامية لستره وابعاد الشبهة. وللمزيد من المعلومات، انتخبنا لك، ايها القاريْ الكريم كتاب " الوهابية في صورتها الحقيقية" للاستاذ صائب عبد الحميد (١٢)، وكتاب " الوهابية فكراً وممارسة" للاستاذ محمد عوض الخطيب (١٣)، لتقف على الحقيقة بنفسك.

ويبقى أخيراً المحور الثالث: فهو يبحث موضوعاً مهماً للغاية، يتمثل بالجانب الجنائي والاجرامي لهذه الفئة الضالة، نعني بذلك أن نرصد وندرس ونحلل ونكشف حقائق جرائم الوهابية وآل سعود، وجناياتهم التي اقترفوها بحق الإسلام والمسلمين في منطقتنا الإسلامية، حيث تجاوزت حد التصور والبيان، فالقتل بمئات الالوف والاسر والسبي لنساء المسلمين واولادهم لاحد له، ناهيك عن النهب والسرقة، حتى ضجت الدنيا لشرورهم وتداعت الدول والشعوب للوقوف امام جناياتهم (١٤).

١٩

وفي هذا السياق لم يخجل مؤرخوا الوهابية في ذكر جرائم قومهم، بحق المسلمين الامنين، بل يعتبرونها مدعاة للأفتخار والمجد، فكان عنوان كتاب المؤرخ الوهابي الاهم الشيخ عثمان بن بشر الحنبلي النجدي باسم" عنوان المجد في تأريخ نجد" (١٥) ودواليك، لكن من منطلق القاء اللوم على الآخرين، حيث يشرح مصمم العرش السعودي الكولونيل سانت جون فيليبي، وقد أدعى لنفسه أسم عبد الله فلييبي للتمويه على حقيقته اليهودية، في كتابه" اربعون عاماً في الجزبرة العربية". قسماً مهماً من تلك الجرائم البشعة والعنيفة بحق المسلمين (١٦).

ان الذي ميٌز هذه الفئة الضالة عن مثيلاتها من المذاهب المستحدثة الأخرى، هو تجاوزها حدود الفكر والعقائد لتنزل الى سوح القتال والغزو والنهب والسلب والدمار، مستحلة بذلك دماء المسلمين واموالهم وأعراضهم. وأوجبت جهاد الذين هم ليسوا على شاكلتهم من المسلمين باعتبارهم مشركين، حتى اعتبرت مكة المكرمة والمدينة المنورة زوراً وبهتاناً أنهما دار حرب وشرك. ويجب قتال اهلها واستحلال حرمتها (١٧).

وكان لزاماً علينا من باب إظهار الحقائق والوقائع التالية، ونحن بصدد،

٢٠

شرح أعظم فاجعة ألمّت بالمسلمين والمؤمنين، في عصرنا الحديث، وكان باكورة ومفتاح لكل الجرائم الأخرى التي حدثت في العراق والحجاز، وفيها اُستبيحت حرمات الله تعالى على الأرض، وانتهكت قداسة الرسالة والرسول وأهل بيته عليهم السلام في الأرض... لقد أهتزّ العرش الإلهي، واضطربت السماء والأرض، وعجّت الملائكة والأنس والجن بصنوف البكاء والعويل، لفداحة الجرائم التي اقترفتها أيدي أشد الخلق كفراً وعتواً وعداوة للرسول وآل الرسول عليهم السلام.

فكان من الواجب علينا، ونحن نعيش مفردات تلك الجرائم، أن نشرح - للقارئ الكريم - عن أصل وفصل ممن اقترفوا هذه الذنوب العظام، وارتكبوا هذه الجسارات الفجيعة، ضد محال مهبط الوحي والملائكة، وبيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه.

ومن هذا المنطلق، وجدنا من اللازم علمياً أن نضع - القارئ الكريم - ولو بصورة موجزة، في صورة بعض مفردات البحث المتعلقة بالوهابية السلفية وارضهم نجد، وشرح صورة مبسّطة عن تاريخها منذ العصور الأولية المقارنة للأقوام البائدة، حتى بزوع شمس الإسلام، وما بعدها من القرون، لنصل إلى يومنا هذا... جاهدين أن نغطّي مختلف الجوانب الموضوعية التي تكشف عن تأثيرات المكان والبيئة في سلوك وأهواء وطبائع الإنسان، وتخلق فيه أحاسيس وسلوكيات تتناسب وتلك البيئة. وعلى الطرف الآخر، لقد ركزنا على ذكر أهم المؤثرات الاجتماعية والسلوكية للأمم والمجتمعات المختلفة التي عاشت في نجد، وكان لها الأثر الأكبر في توليد ونمو النمط المعيشي والأخلاقي والسلوكي العام، لقبائل وأعراب نجد.

وعليه فقد ضمّت الأجزاء الثلاث الأولى من هذه المجموعة، طرح

٢١

هذه القضايا الأساسية، على طاولة البحث والتمحيص علّها تكون ذا فائدة لمن أراد أن يعرف مدى عمق انحراف هذه الفئة التي تدّعي الانتساب إلى الإسلام، أو الانتماء إليه، وهي بعيدة بُعد المشرقين عنه، ثم معرفة الأسباب الكامنة، والدوافع الذاتية لتقبل أفكاراً جهنمية شيطانية، من شأنها خلق العناصر الدافعة لإرتكاب مثل هذه الجرائم...!.

وكان دليلنا وبوصلة أفكارنا منسجمة مع الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة، نستلهم منها العِبر والمعارف، ونربط الماضي بالحاضر، ونستقرأ الأحداث والشواهد، على نبوّات النبي الكريم صلّى الله عليه وآله، حول صفات وأعمال وخصائص هذه المجتمعات النجدية، والتي ولدت الوهابية السلفية من رحمها، ونشأت في كنفها، وترعرعت في أجوائها.

وبدافع الحرص على الأمانة العلمية والمسؤولية الشرعية... ولدفع الشك باليقين في كل كلمة نقولها، أو اتهام نوجهه إلى شيوخ الوهابية وقادة آل سعود في أفكارهم ومعتقداتهم وأعمالهم وسيرتهم، فقد حصرنا - كل الحرص - على

سرد المراجع والمصادر من منابعها الأصيلة التي كتبوها أو قالوها أو فعلوها، ثم من أصدقائهم والمدافعين عنهم، ومن ثم ننتقل إلى عموم العلماء والمفكرين، وقد اعتمدنا بالدرجة الأولى، على الشريحة الواسعة من أبناء العامة وأهل السنّة والجماعة - كما يحلو لبعضهم أن يسمّي نفسه بها - وابتعدنا عن مصادر أبناء الطائفة الحقّة ومراجعها العلمية، تحسباً على القارئ الكريم، من سوء الظن الذي قد يساوره، مع هذا الكم الهائل والمخيف من الحقائق والوقائع التي طرأت على تاريخ المسلمين الذي أصابته سهام التحريف والتضليل والتزوير.

والحق نقول: إننا حاولنا جاهدين إنهاء الكتابة في هذا الموضوع سريعاً...

٢٢

لتقديمه للقارئ الكريم في أقرب فرصة... ولكن الحقائق والمفاجآت كانت تتفجر من كل حدب وصوب متتابعة لتأخذ مكانها على صفحات هذا الكتاب، وكان ذلك سبباً في تأخر إكماله واتمامه إلى هذا الوقت.

وها إننا إذ عقدنا العزم على التوقف ولو إلى حين... للمسارعة في نشر هذا الكتاب، فحذفنا أجزاءاً من فصول المجلد الأول تتعلّق بالوهابية ودولتها السعودية، لتكون معاً تحت العناوين التالية: التعريف بابن عبدالوهاب، بدع وعقائد ابن عبدالوهاب، الوهابية وشرعنة الحكم، هدم القباب وزيارة الأطياب، أسر النساء والأطفال، آل سعود واليهود والنصارى، الوهابية والمستشرقون، الوهابية والحج، الوهابية والإرهاب، وأخيراً الوهابية والسلف الصالح، من أهم فصول الجزئين الثاني والثالث.

ونعد - القارئ - بالمواصلة في جميع الحقائق والوقائع المتعلقة بهذه الفئة الضالة المضلة والداعية إلى الفُرقة والعداء بين المسلمين ما وجدنا إليه سبيلا، وسنقدّمها للقارئ العزيز تباعاً بإذن الله تعالى.

المؤلف

٢٣

٢٤

فهارس المقدّمة:

١- السيرة النبوية برواية أهل البيت عليهم السلام، العلامة الشيخ علي الكوراني العاملي؛ حياة النبي وأهل بيته عليهم السلام، نخبة من العلماء الاعلام؛ مناقب آل ابي طالب عليهم السلام، لابن شهر آشوب.

٢- مع الوهابين في خططهم وعقائدهم، العلامة الشيخ جعفر سبحاني؛ اسرار السياسة، صحائف سوداء من تأريخ الانكليز في بلادنا، الاستاذ فكري اباضة؛ اللامذهبية اخطر بدعة تهدد الشريعة الإسلامية، الدكتور (الشهيد) محمد سعيد رمضان البوطي؛ الصليبة سيفآ وحرب، الدكتور كامل سعاف.

٣- تأريخ الحجاز السياسي (١٩١٦ - ١٩٢٥ م)، المؤرخ الدكتور وهيم طالب محمد؛

المذاهب المستحدثة في الإسلام الحديث، مجموعة من الباحثين، وقائع الندوة التي اقيمت في باريس؛ بتأريخ ٣ - ٤ / آذار / ١٩٩٧ م؛ أعمدة الاستعمار، الاستاذ خيري حماد.

٤- قيام العرش السعودي، ناصر الفرج؛ الوهابية جذورها التأريخية، وموافقها من المسلمين، حسين ابو علي الخير؛ الوهابية ومذكرات مستر همفز، الترجمة العربية، سامي قاسم أمي؛ تأريخ الوهابيين، العقيد أيوب صبري الرومي قائد القوات البحرية العثمانية.

٥- بحوث في الملل والنحل، العلامة الشيخ جعفر سبحاني؛ الاوراق البغدادية في الجوابات النجدية، الشيخ ابراهيم الراوي البغدادي الرفاعي، امين الطريفة الرفاعية ببغداد؛ فتنة الوهابية، من كتاب الفتوحات الإسلامية، العلامة السيّد أحمد زيني دحلان.

٢٥

٦- الوهابية نشأة مشبوهة وحركة انحراف، عبد الواحد سعيد المحمود؛ مباحث في مهمة ازمة العقل السلفي، الدكتور عبد الحكيم الفيتوري؛ كشف الارتياب في اتباع ابن عبد الوهاب، العلامة السيد محسن الامين العاملي؛ مخالفة الوهابيون للقران والسنة، الشيخ عمر عبد السلام.

٧- الصواعق الالهية في الرد على الوهابية، الشيخ سليمان بن عبد الوهاب؛ التوسل بالنبي صلّى الله عليه وآله وبالصالحين وجهالة الوهابيين، العلامة الشيخ ابو حامد مرزوق الشامي؛ علماء المسلمين وجهلة الوهابيين، العلامة الشيخ رسول عبد الرزاق العلا.

٨- معجم ما ألفه علماء الامة الإسلامية للرد على خرافات الدعوة الوهابية، السيد عبدالله محمدعلي؛ منهاج اهل الحق والاتباع في مخالفة اهل الجهل والابتداع، العلامة الشيخ سليمان بن سمحان.

٩- منهج الرشاد لمن اراد السداد، العلامة الشيخ جعفر كاشف الغطاء؛ الفجر الصادق في الرد على الفرقة الوهابية المارقة، العلامة الشيخ جميل صدقي الزهاوي.

١٠- اسرار السياسة، صحائف سوداء من تأريخ الانكليز في بلادنا، الاستاذ فكري اباضة؛ كفى ثقافة طائفية ومثقفون طائفيون، الاستاذ ادريس هاني؛ الإسلام السعودي الممسوخ، الاستاذ السيد طالب الخرسان.

١١- يهود الجزيرة العربية حسن كاظم العاملي؛ ال سعود من أين والى اين، محمد صخر؛ الوهابية فرقة للتفريق بين المسلمين، حامد ابراهيم عبد الله؛ العلاقات الامريكية، السعودية، محمد يثرب؛ دور الاسرة السعودية في اقامة الدولة الاسرائيلية، حمادة امام.

٢٦

١٢- الوهابية في صورتها الحقيقة، الاستاذ صائب عبد الحميد؛ الإسلام والوثنية السعودية، فهد القحطاني.

١٣- الوهابية فكراً وممارسة، الدكتور محمد عوض الخطيب؛ المسألة الحجازية، يوسف كمال حنانة؛ الوهابية السلفية افكارها الاساسية وجذورها التأريخية، حسن بن علي السقاف.

١٤- آل سعود، دراسة في تأريخ الدولة السعودية، الرحالة النمساوي موسيل الويس؛ صراع الامراء، ابراهيم عبد العزيز عبد الغني؛ مملكة الفضائح، عبد الرحمن ناصر الشمراني.

١٥- عنوان المجد في تأريخ نجد، المؤرخ الوهابي عثمان بن بشر النجدي الحنبلي؛ تاريخ نجد المسمى روضة الأفكار والافهام لمرتاد حال الامام وتعداد غزوات ذوي الإسلام، الشيخ حسين بن غنام.

١٦- أربعون عامآ في البرية (الجزيرة) العربية، هاري سانت جون (عبدالله) فيليبي؛ صفحات من تأريخ الجزيرة العربية الحديث، الدكتور محمد عوض الخطيب.

١٧- جلال الحق في كشف احوال اشرار الخلق، الشيخ ابراهيم حلمي القادري الاسكندري؛ الوهابية وجرائمها، سامي قاسم امين المليجي.

٢٧

٢٨

الحقيقة الخامسة: نجد وما أدراك ما نج د

لا تزال منطقة نجد (الجزيرة العربية)، مصدراً للفتن والزلازل، وكلما تظهر بدعة جديدة، تتداعى لها أقطار المنطقة وشعوبها، فيخمدوا تلك الفتنة، ويقطعوا رأس تلك الأفعى، ولم تمضِ فترة حتى تظهر فتنة أخرى ومن نوع آخر، فتنشر الدمار والخراب والفساد، فتتحرك الأمّة الإسلامية وتتظافر الجهود للقضاء عليها، وهكذا دواليك(١).

وصدق رسول الله صلّى الله عليه وآله، وهو الصادق المصدق، حين وصف هذه الحالة الاستثنائية التي عاشتها منطقة نجد قبل الإسلام، وما سيكون منها وفيها من الشر والكفر والحرام لما بعد حياته الطاهرة صلوات الله عليه وآله، حسبما ورد في المئات من الأحاديث النبوية الشريفة، والتي نقلتها صحاح القوم، بأسانيد معتبرة وصحيحة عندهم، كالبخاري، ومسلم، وأحمد، ومالك، وابن ماجة، والترمذي وغيرهم. فعلى سبيل المثال لا الحصر جاء في صحيحي البخاري ومسلم وسنن الترمذي ومسند أحمد وموطأ مالك، كلهم عن ابن عباس: أن رسول الله صلّى الله عليه وآله، أشار بيده المقدسة إلى ناحية المشرق وقال: «ألا إن الفتنة ها هنا، ألا إن الفتنة ها هنا، من حيث يطلع قرن الشيطان » (٢). ومن المعلوم أن مشرق المدينة المنورة تكون منطقة نجد وقصبتها الدرعية(٣). وهي بالذات موطن ابن عبد الوهاب(٤).

وعلى هذا المنوال ما جاء في صحيح مسلم عن نافع أنه قال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وآله، وهو يشير إلى المشرق (منطقة نجد) حيث يقول: «ها هنا يطلع قرن الشيطان، كلما قُطع قرن، نجم قرن » (٥). وأخرج البخاري في (صحيحه) قول النبي صلّى الله عليه وآله: «سيخرج قوم في آخر الزمان، أحداثُ الأسنان،

٢٩

سفهاءُ الأحلام، يقولون من خير قول البرية، يقرؤون القرآن لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فان في قتلهم أجراً لمَن قتلَهم يوم القيامة » (٦). ونحو ذلك ما أخرجه ابن ماجة في مسنده عن عبد الله بن عمر، بقوله: إن رسول الله صلّى الله عليه وآله، قال: «ينشأ نشء يقرؤون القرآن لا يتجاوز تراقيهم، كلما خرج قرن قطع »، قال ابن عمر: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله، يقول: «كلما خرج قرن قُطع - أكثر من عشرين مرة -حتى يخرج في أعراضهم الدجال » (٧)، وحسنه الألباني في صحيحه(٨). ويشرح العلامة العييني، وهو من كبار فقهاء أهل السنة، وشارح صحيح البخاري في كتابه (عمدة القارئ) هذه الأحاديث الشريفة، ويضيف قائلاً: إن قرن الشيطان هي أمة وحزب الشيطان(٩). وفي تحفة الأحوذي يقول الحافظ المباركفوري: إن قرن الشيطان: هو حزبه وأهل وقته وزمانه وأعوانه(١٠). وقد يكون بمعنى قوة الشيطان وما يستعين به على الإضلال، كما يقول الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابه (فتح الباري)(١١)، أو كما ذكر العلامة المجلسي قدس الله نفسه الزكية: إنها كناية عن رئيس القوم وقائدهم(١٢).

وقد أصبحت أرض نجد الممسوخة وأهلها بحق بعد هذا الكم الهائل من الفتن والنعرات والفساد والإفساد، التي خرجت وتخرج منها، حتى وصفها الوهابي السلفي الشيخ محمد حامد الفقي، في إفاقة وعي!!: إنها نجد مباءة للأوثان والطواغيت التي لا يحصيها العد... وجهل بحقيقة الإسلام، والرؤساء والأمراء لا همّ لهم إلا جمع الدنيا وتحصيل لذّاتها ومتاعها من كل طريق وبكل وسيلة... وإن الموعظة الحسنة لا تقدر أن تستخرج من رؤوس القوم شياطين الفتنة وطواغيت الشرك والوثنية(١٣)، ويشرح المؤرّخ

٣٠

والشيخ الوهابي ابن غنام بإسهاب على ما كانت وتكون عليه نجد بقوله: كان أغلب الناس في نجد، متظمخين بالأرجاس متلطخين بوسخ الأنجاس، لعب في عقولهم الشيطان وأخذ بهم منهج الخسران، حتى ألقاهم في قعر الهوان، أحدثوا من الكفر والفجور ما لا يُوصف(١٤). ويضيف عليه شيخ المؤرّخين الوهابيين، الشيخ عثمان بن بشر الحنبلي النجدي، حيث يقول في فلتة لسان، كما جاء في كتابه (عنوان المجد في تاريخ نجد): أعلم - رحمك الله - أن هذه الجزيرة النجدية هي موضع الاختلاف والفتن، ومأوى الشرور والمحن والقتل والنهب والعدوان بين أهل القرى والبلدان، ونخوة الجاهلية بين قبائل العربان...(١٥). ولنا مع الدكتور أمين الريحاني - أحد أهم الوسطاء بين الحكومة البريطانية وبني سعود - فيما ذكره في كتابه (تاريخ نجد وملحقاتها) وقفة تأمل وتعجب، حيث يقول: إنهم (أعراب نجد) غزاة، عصاة، عتاة، ولهم مطامع تكاد تنحصر بالأقوات، يحاربون ويشردون ويخونون، وهم وإن غالوا في دينهم لا يثبتون، بل إنهم في الردة سريعون، دعاهم مسيلمة الكذّاب فلبوه، ثمّ دعاهم الشيخ طاهر البرمكي فحاربوا معه كالبنيان المرصوص، رفاقك في الطريق اليوم، وأعداؤك غداً، ولا أظنهم لولا الجنة والحور العين يخضعون لرب الكائنات(١٦).

أما الجهل والأمية، وبمنظور أعم الحالة الثقافية والدينية، تقول الدكتورة مديحة الدرويش في كتابها (تاريخ الدولة السعودية حتى الربع الأوّل من القرن العشرين): إنه مجتمع يسوده الجهل والضلالة، ممّا جعل تلك المنطقة مرتعاً خصباً لكثير من البدع والخزعبلات(١٧).

أما من الناحية السياسية، فلم تكن نجد وما فيها بذات بالٍ لكل الحكومات المتعاقبة على الحجاز وبضمنها الحرمين الشريفين، والموجود

٣١

هو كيانات وقبائل تقوم على أساس القوة، وبالنتيجة فهي متناحرة متصارعة فيما بينها على طول خط تاريخها(١٨).

أما الناحية الاقتصادية، فتظهر للعيان بأنها أرض قد غضب الله تعالى عليها، فجعلها جدباء حدباء لا كلأ فيها ولا ماء، قد ذهبت خيراتها ونعيمها وأشجارها وأنهارها وبركاتها، مع نزول العذاب عليها حين عصت أقوام عادٍ وثمود وجديس وطسم بنعم ربها وبارئها... فهي أرض قاحلة وتراب، لا ينبت فيه خضار، وحجارتها محروقة بالنار سوداء، حتى ضجّ الدكتور زكريا قورشون، رئيس قسم التاريخ في جامعة مرمرة باسطنبول، فيقول بالحرف الواحد: تتميز جغرافية نجد بأشد الظروف قساوة على وجه الأرض(١٩). وفي مثل هذه الصحاري المترامية تكاد تكون الزراعة معدومة بشكل عام، وترتكز في مناطق متباعدة، كما تقل مجاري الأنهار وينابيعها بشكل كبير، وتظهر بعض الواحات المنتشرة هنا وهناك عند سفوح الجبال على أطراف اليمن وعسير وحضرموت وعمان، والتي تكثر فيها المراعي وتربية المواشي(٢٠)، ويسجل التاريخ أن أعراب نجد يستهجنون الزراعة والحرث ويعدونهما من المشاغل التي يُعاب عليها الرجال(٢١)، وإن الحرفة العامة لأعراب نجد هي الرعي وتربية الأبل والماعز، بعد ظاهرة الغزو(٢٢).

ومن نحوسة هذه الأرض ما تناقلته الكثير من كتب التاريخ والسير، في أن الشيطان كان يتزيا بزي شيخ نجدي، - وهذا اللباس مكون من كساء غليظ من الصوف أو الوبر ويُسمى بـ(البت) - حينما يطل على الناس في مواقف عديدة، ويدعي لنفسه أنه (شيخ نجدي)(٢٣)، كظهوره في يوم الندوة، حيث اجتمعت قريش وأئمة الكفر للتخطيط في قتل النبي صلّى الله عليه وآله(٢٤)، أو في يوم بدر حيث التقى الجمعان، فتمثل على صورة سراقة

٣٢

بن مالك الكناني النجدي، كما يقول السيد الحسيني الذبحاوي في كتابه (العوالم الخفية)(٢٥)، أو ظهوره (إبليس) في يوم العقبة في صورة منية بن الحجاج التميمي النجدي(٢٦)، وكان الشيطان قد حضر السقيفة في زي المغيرة بن شعبة الثقفي النجدي، ليصفق على يدي الرجل بالخلافة(٢٧).

وللحق يُقال بعد كل هذا... إنهم من أظهر مصاديق الآية المباركة:( إِنَكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَا فَاجِراً كَفَاراً ) (سورة نوح، الآية: ٢٧). ومن طريف ما نقله الدكتور أحمد هاشم معروف، بأن المراسلات الرسمية بين الأستانة (مركز الخلافة العثمانية)، وولاتها، كانوا يستخدمون مصطلح (شيخ نجدي) لابن عبد الوهاب، كناية به، وهي بمعنى (شيطان صغير)(٢٨).

هذه الأحوال السيئة لهذه الأمّة وأرضها المذمومة: جعلت الفقهاء والعلماء، في مواقف مشددة وفتاوى صارمة مع بدايات التحرك الوهابي السلفي، وما ظهر منها من آراء في تكفير عموم المسلمين واتهامهم بالشرك، وفتاوى في جواز قتلهم وسلب أموالهم وهتك أعراضهم، فقالوا عنهم: «ومما لا شك فيه أن بدعة ابن عبد الوهاب من تلك القرون الشيطانية التي خصها النبي صلّى الله عليه وآله، في مواقف وأحاديث شتى(٢٩)، كما ذكرها العلامة النبهاني في (الرائية الصغرى)(٣٠)، والعلامة العاملي في (كشف الارتياب)(٣١)، والعلامة دحلان في (الدرر السنية)(٣٢)، والعلامة الموسوي في (البراهين الجلية)(٣٣)، والعلامة الحداد في (مصباح الأنام)(٣٤)، وهم يشهدون أن مهد هذه الحركة المشبوهة هي ديار (نجد ثمّ نجد)، حيث تبدأ فيها الزلازل والفتن وتترعرع، ثمّ تنشر شؤمها وفسادها إلى أطرافها وجيرانها، ولِمَ لا؟! وهي بلدة قوم عاد وثمود

٣٣

وأشباههما(٣٥)، ومسيلمة الكذّاب وسجاح وأضرابهما(٣٦)، والخوارج والقرامطة وأعوانهما(٣٧)، وهلم جراً.

وبناءً عليه فلم يتوانَ العلماء والفقهاء والمحدثون من المذاهب الإسلامية، وخصوصاً من مذهب الحنابلة الذي يدعي ابن عبد الوهاب الانتماء إليه، بالقول: إن هؤلاء القوم شرذمة مارقة عن الدين، فاسدة في العقيدة والسلوك(٣٨). بل كان الإجماع بين أولئك العلماء والفقهاء من أبناء جلدة ابن عبد الوهاب، وممن عاصروه، حين أطل عليهم بإكذوبته الوهابية، فأجمعوا جميعاً على أن الوهابية وسوادها هم خوارج آخر الزمان(٣٩)، وقد حكم كثير من العلماء على أن هؤلاء الخوارج، كأسلافهم الخوارج الأوائل بغاة يجب قتالهم(٤٠)، بل ذهب كثير منهم بكفرهم ومروقهم عن الدين(٤١)، وأصدر أغلب علماء الحجاز واليمن وتهامة والعراق والشام وفلسطين، فتاوى بوجوب جهادهم(٤٢)، مستندين إلى تلك الروايات والأحاديث المتواترة والصحيحة عندهم، والمأثورة عن النبي صلّى الله عليه وآله، وهي تكشف عمق انحرافهم عن الدين، وتصف معايبهم، وتحكي عن طبيعة ذواتهم، ومعايب أفعالهم، فجاءت (ويا للعجب) مطابقة للواقع، منسجمة مع سلوكهم، مشابهة للمواصفات التي نعرفها من هؤلاء القوم، وقد استنبط العلماء، كما يقول العلامة الحداد والعلامة العاملي، من مفهوم قول النبي صلّى الله عليه وآله: «يطلع منها - أي: نجد -قرن الشيطان »، من معجزاته وكرامات الرسالة، وتكون أرضهم مذمومة ويمامة نجدهم منكوسة(٤٣).

وقد أذاقت هذه الحرکة المشؤومة، الأمّة الإسلامية بمختلف مذاهبها ومُسمياتها، وتعدد اتجاهاتها الفكرية والعقائدية، وتنوع ممارساتها الدينية والأخلاقية... غصص المصائب الجسام والبلايا العظام، في

٣٤

دينها ودنياها. ولم يسلم من شرور أفعالهم، ونفثات عقائدهم، كل مسلم ومسلمة وكل حي وميت من أهل القبلة... لقد کانوا ولا يزالون مصدراً للشقاق والنفاق، ورأس كل خطيئة، ومفتاح كل كفر، ومطية الشيطان، ووسيلة الاستعمار وحربته في تمزيق أمتنا الإسلامية وبلادها(٤٤).

إن تخصيص حقيقة أهل نجد بهذه الصفة لم تكن طارئة في زمن معين، فإن الأحداث المتتالية والتي ظهرت شرارتها الأولى من نجد، وعم شؤمها وضررها على أهل الإسلام قاطبة، تُعطي القاصي والداني رؤية واضحة أن الأرض والمناخ والحياة والناس اجتمعوا في اتجاهٍ واحد؛ ليكونوا أشد خلق الله نفاقاً وعداوةً وبُغضاً للذين آمنوا: جيلاً بعد جيل، وقرناً بعد قرن. حتى وصفهم النبي الأكرم صلّى الله عليه وآله، بأقذع الصفات، وأشد النعوت: «بأنهم شرار الخلق والخليقة »، كما جاء في (المستدرك على الصحيحين) و(صحيح مسلم)(٤٥). وهم: «كلاب أهل النار »، كما أخرجه مالك في الموطأ(٤٦)، والطبراني في المعجم الأوسط(٤٧)، وهو ما سنورده في الحقيقة الخاصة بالخوارج من الجزء الثالث، بعون الله تعالى.

وقد حاول ابن عبد الوهاب وهو رأس الأفعى الوهابية السلفية، أن يرد التهمة عن نفسه، ويبرئ ساحته وعصمة أصحابه، من أنهم خوارج آخر الزمان، ومنطقتهم (نجد) هي أم الفساد والإفساد والشر والكفر، فوقف أمام القبر الشريف مخاطباً النبي صلّى الله عليه وآله، بقوله: تقول إن نجد مركز الفتنة، وهي الآن بيضة الإسلام. هذا النص الكافر ننقله من قادة ومؤيدي الوهابية السلفية، منهم: الشيخ عبد الحميد الوراني في كتابه (فخر الدين)(٤٨)، والدكتور عبد الرحيم عبد الرحمن في كتابه (الدولة السعودية الأولى)(٤٩)، والشيخ محمود فاهم التميمي في كتابه (الرد على أعداء ابن عبد الوهاب)(٥٠).

٣٥

ماذا عسانا أن نقول بعد قول النبي صلّى الله عليه وآله عنهم، ونضيف في توضيح حقائق هؤلاء الكفرة بعد بيانه صلّى الله عليه وآله فيهم. هذه الأدلة الدامغة والبراهين الساطعة في حق الوهابية ونجد؟ لا تحتاج إلى شرح مفصل، وتفسير كبير، بل جُل ما نفعله، هو أن نوجز هذه البحوث التي تقدمت حول نجد، وما فيها وما عليها، بشكل نقاط واضحة، ورؤوس محاور، وعناوين مواضيع، يستفيد منها القارئ الكريم، وتكون خير عون لمَن أراد المزيد من البحث والتدقيق بما امتازت به هذه الأرض الملعونة (نجد)، عمن سواها من بقاع الأرض، وما جاورها من بلاد العرب والعجم... وهذه النقاط والمحاور والصفات، اقتبسناها من أقوال النبي الكريم صلّى الله عليه وآله، وتكون كالاتي:

الصفة الأولى: قسوة أهلها... وجفاؤه م

لقد عُرف عن الأعرابي النجدي أن كل حياته خشونة وصعوبة ومشقة، وبهذه الروح المسيطرة عليه، بقي هو هو، لا يريد تجديداً ولا تطويراً، وبقيت حياته لا تعرف دعابة ولا ضحكاً: جفاء في جفاء، وقساوة في قساوة. يتقمص طبيعة البيئة التي يعيش فيها ويتلبس بطبائعها(٥١)، لا يؤثر فيه علم، وإن تعلم شيئاً بقي طبعه قاسياً، وذلك لتأثير طبيعة المنطقة التي امتازت بالقساوة والخشونة، بعد غضب الله تعالى عليها وهلاك أهلها من قوم عادٍ وثمود وأصحاب الأيكة وغيرهم(٥٢)، هذا في أرضها وطبيعتها ووعورتها وجدبها، التي آلت إليه بعد ما كانت في أعلى أوجه النعيم والماء والخضراء والبناء العظيم والرفاهية والخيرات، كما وصفها الرب الكريم في آيات كثيرة، منها:( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ ) (سورة الفجر، الآية: ٦ - ٨)، والآية الكريمة:( وَاذْكُرُوا

٣٦

إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ) (سورة الأعراف، الآية: ٧٤). فكفرت بأنعم الله تعالى، فاستحقت بذلك نزول أنواع العذاب عليها، من النار التي نزلت عليهم من السماء إلى الصيحة إلى الخسف إلى الريح العاصفة وغيرهن، ممّا ذكره القرآن الكريم والروايات الشريفة، وأخبار أهل التاريخ والآثار(٥٣). أما ساكنوها، فقد تقلبوا في الكفر والنفاق والقتل والسبي والإثم والعدوان، حتى خصهم النبي الأكرم عليه وآله أفضل الصلاة والسلام، بقوله وهو مستقبل المشرق: «ألا إن الفتنة ها هنا، من حيث يطلع قرن الشيطان »، كما رواه البخاري ومسلم في صحيحهما، وأحمد والترمذي في مسندهما، من حديث عبد الله بن عمر(٥٤)، وكلهم رووها أيضاً من حديث سالم بن عبد الله(٥٥)، وكذلك من حديث ابن مسعود الأنصاري(٥٦)، وفي رواية أخرى، يدل النبي صلّى الله عليه وآله، على عنوان هؤلاء القوم بدقة بالغة لمَن أراد أن يعرفهم أكثر فأكثر، حيث قال صلّى الله عليه وآله: «ألا إن القسوة وغلظ القلوب في الفدادين، حيث يطلع قرن الشيطان في ربيعة ومضر » (٥٧)، ونحو ذلك في رواية أحمد بن حنبل، حيث قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: «الإيمان ها هنا - وأشار بيده الشريفة نحو اليمن -والجفاء وغلظ القلوب في الفدادين عند أصول أذناب الإبل، حيث يطلع قرن الشيطان في ربيعة ومضر » (٥٨). وهاتان القبيلتان تسكنان المشرق للمدينة المنورة، في منطقة الوشم، وعموم نجدٍ المشؤومة(٥٩)، وقصبتها اليمامة (مدينة الرياض حالياً)(٦٠). ونحو ذلك ما ذكره الفسوي في كتابه (المعرفة والتاريخ)(٦١)، وابن عساكر في كتابه (تاريخ مدينة دمشق)(٦٢)، حيث قال رسول صلّى الله عليه وآله: «الإيمان يمان ها هنا، ألا إن القسوة وغلظ القلوب في الفدادين ».

٣٧

وقد أجمع أهل اللغة والبيان بأن (الفدادين): هم مَن تعلو أصواتهم عند تربية مواشيهم ورعاية إبلهم(٦٣).

وهل تفكر - يا أخي القارئ - أن هنالك من باقية، حتى يجهر النبي صلّى الله عليه وآله، بالقول: «رأس الكفر نحو المشرق »، كما أورده مسلم والترمذي والنسائي وأبو داود وابن منده في كتب أحاديثهم، وبأسانيد صحيحة سنداً ومتناً، ومتواترة أيضاً(٦٤).

هذه الحالات الشاذة في الكفر، والعدوان على الآخرين، واختراع الذنوب الجديدة في الإيقاع بالمظلومين، وجدناها واضحة عند الأقوام البائدة، وكما بين الله تعالى من قصصهم العجيبة، وإحداها كانت قصة (أصحاب الأخدود) وحرق الناس بالنار، ودفن الأحياء تحت التراب والبناء عليهم(٦٥). ثمّ نأتي لنستعرض حياة الأقوام النجدية في عصور الجاهلية، وما كانوا عليه من القتل والفتك وهتك الحرمات والوأد واللواط والزنا... فالقتل والذبح والغزو والنهب والبربرية صفات متأصلة في أنفسهم، ظاهرة في تصرفاتهم، فالرجال يُساقون إلى الموت أو التهجير، وأما النساء والأطفال والماشية والمحاصيل وبيوت الشعر، فهي عرضة للسبي والنهب والسلب في عمليات الغزو هذه، والغزو المضاد(٦٦)، وبعد الإسلام لم يكفوا عن جرائمهم التي تأباها النفوس البشرية والطبع الإنساني... والتي ذكرنا بعضها في الحقيقة الثالثة من المجلد الأوّل (الفتن النجدية) حتى نصل ليومنا هذا، لنرى من هؤلاء النجديين (بالأصل أو بالاستنساخ) الذبح على أعلى صور البشاعة والهمجية، وحرق الأحياء بالبنزين، ودفنهم أحياء، والاغتصاب بأقسى ما تقترفه أيدي الظالمين، حتى وصل الأمر إلى الطفل الرضيع والشيخ القعيد... وما لم ننقله أو ما خفي علينا، أعظم وأعظم!

٣٨

وقد خدم ابن عبد الوهاب بني جلدته أيما خدمة، وأعطاهم من الفضل الكثير الكثير، حين شَرْعَن المهنة الوحيدة لأهل نجد في الغزو والقتل والنهب وسبي الذراري والنساء، وأعطاها الحجة الشرعية، وأسبغ عليها صحة وقدسية هذه الأعمال القذرة والأفعال المحرمة(٦٧)، على أنه أساس الإسلام وما يقوم به الدين، وهي الخدمة التي لم يحلم بها أهل نجد منذ بزوغ الإسلام وليومنا هذا، حيث استطاعت تلكم الوحوش البشرية والشياطين الإنسية، وبواسطة المذهب الوهابي السلفي أن يدفعوا النقاش في الإسلام باتجاه الجزئيات البسيطة، ليصرفوا نظر المسلمين عن نهب خيراتهم واستعبادهم واحتلال بلادهم(٦٨). فهل تعلم - يا أخي القارئ - مكراً أعظم من هذا، وخديعة أشد منها، وجريمة أوقع على القلوب!!! يأخذون مالك وعرضك وروحك التي بين جنبيك، ثمّ أنت متهم بالشرك والكفر وتدخل جهنم خالداً فيها أبداً... فهل يقدر إنسان على هذا النوع الفريد من الحيلة والمكر والخداع، سوى من رجل كان الشيطان شريكاً لأبيه في نطفته، أنه (ابن عبد الوهاب) فحسب(٦٩).

إنّ هذا السلوك الانتقامي السفاح، لم يكن وليد المصادفة أو نمط حياة عابرة، بل إن جذورها ممتدة مع عمق التأريخ(٧٠)، سلوك عُرفوا به حتى يومك هذا... فإذا دخلت (السعودية) الآن، وهم الآن بأفضل من أسلافهم آلاف المرات قابلك هؤلاء الشرذمة النجدية بعناوين ودرجات وظيفية عديدة في المطار، أو عند الحرم المكي أو المدني أو حوالي البقيع الغرقد وغيرها، ووجوههم مكفهرة والأنياب مُكشرة والألفاظ جارحة، لا تفهم من أقوالهم إلا العداء السافر والنفرة المقيتة، والكفر الوهابي، وتشُم من خلال ذلك أنهم من بقايا قوم عادٍ وثمود،

٣٩

عادوا للظهور من جديد وبلباس جديد.

الصفة الثانية: فيها الزلازل والفتن، وفيها تسعة أعشار الشر ّ

الزلزلة: هي الحركة الشديدة تصحبها شدة الفزع والخوف ووقوع البلاء، ومنه قوله تعالى:( إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا ) (سورة الزلزلة، الآية: ١). فالزلازل التي كانت في (نجد) هي حركات دينية وسياسية ظهرت فيها على مر التاريخ وأرعبت الناس، وأحرقت الحرث والنسل(٧١).

وأما الفتن فبنفس المعنى لكن ليست بالمستوى الأوّل، بل هي أقل درجة من الزلزال، لكن الفتن تكون أكثر عدداً من الزلازل. وأما الشر، فيجمع ذلك كله، والشر اسم معاكس للخير، لكن يكون للأفراد، وأخبر النبي صلّى الله عليه وآله، عنهم في حديثه الشريف، كما جاء في المعجم الأوسط للطبراني عن زيد بن علي: «ومن ها هنا الزلازل والفتن والفدادون وغلظ القلوب » (٧٢)، وفي حديث آخر كما قال البخاري: «... هنالك الزلازل والفتن، ومنها يطلع قرن الشيطان » (٧٣). وكذلك في حديث آخر يورده أحمد بن حنبل: «... إن من هنالك يطلع قرن الشيطان، وبه تسعة أعشار الكفر... » (٧٤). فالنبي صلّى الله عليه وآله، يشير إلى أن أهل تلك المنطقة، لا يعرفون خيراً قط، سواء على مستوى الفرد وهو (الشر)، أو على مستوى القبيلة أو الجماعة وهي (الفتن)، أو على مستوى المنطقة وما سواها وهي (الزلازل)، وهذا من النبوءات والمعاجز التي أخبرنا بها النبي صلّى الله عليه وآله، محذراً من تلك المنطقة وأهلها، وقد يكون تحذيره لأهل تلك المنطقة بالكف عن الشر فيعد إنذارهم بذلك نصيحة لهم، وتحذيراً لكافة المسلمين؛ ليأخذوا الحذر ممّا يُخبئه لهم أهل نجد، فيُمسكوا على أيديهم.

فالفرد الوهابي السلفي، في نفسه ولذاته بؤرة كفر وفساد وإفساد، ومتى

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399