الجريمة الكبرى الجزء ٣

الجريمة الكبرى0%

الجريمة الكبرى مؤلف:
الناشر: المركز الوثائقي للدفاع عن المقدسات الإسلامية
تصنيف: أديان وفرق
الصفحات: 367

الجريمة الكبرى

مؤلف: الدكتور السيد محمد رضا الهاشمي
الناشر: المركز الوثائقي للدفاع عن المقدسات الإسلامية
تصنيف:

الصفحات: 367
المشاهدات: 15042
تحميل: 3076


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 367 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 15042 / تحميل: 3076
الحجم الحجم الحجم
الجريمة الكبرى

الجريمة الكبرى الجزء 3

مؤلف:
الناشر: المركز الوثائقي للدفاع عن المقدسات الإسلامية
العربية

وبهتاناً - أنهما دار حرب وشرك. ويجب قتال أهلها واستحلال حرمتها(١٧).

وكان لزاماً علينا - من باب إظهار الحقائق والوقائع التالية، ونحن بصدد، شرح أعظم فاجعة ألمت بالمسلمين والمؤمنين، في عصرنا الحديث، كانت فاجعة كربلاء المقدسة باكورة ومفتاحاً لكل الجرائم الأخرى التي حدثت في العراق والحجاز، وفيها استُبيحت حرمات الله تعالى على الأرض، وانتهكت قداسة الرسالة والرسول وأهل بيته عليهم السلام وقد أهتز العرش الإلهي، واضطربت السماء والأرض، وعجت الملائكة والأنس والجن بصنوف البكاء والعويل، لفداحة الجرائم التي اقترفتها أيدي أشد الخلق كفراً وعتواً وعداوة للرسول وآل الرسول عليهم السلام - أن نشرح للقارئ الكريم - عن أصل وفصل من اقترفوا هذة الذنوب العظام، وارتكبوا هذه الجسارات الفجيعة، ضد محال مهبط الوحي والملائكة:( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ) (النور: آية ٢٤).

ومن هذا المنطلق، وجدنا من اللازم علمياً أن نضع - القارئ الكريم - ولو بصورة موجزة، في صورة بعض مفردات البحث المتعلقة بالوهابية السلفية وأرضهم نجد، وشرح صورة مبسطة عن تاريخها منذ العصور الأولية المقارنة للأقوام البائدة، حتى بزوغ شمس الإسلام، وما بعده من القرون، لنصل إلى يومنا هذا... جاهدين أن نغطي مختلف الجوانب الحياتية التي تكشف عن تأثيرات المكان والبيئة في سلوك وأهواء وطبائع الإنسان، وتخلق فيه أحاسيس وسلوكيات تتناسب وتلك البيئة. وعلى الطرف الآخر، فقد ركزنا على ذكر أهم المؤثرات الاجتماعية والسلوكية للأمم والمجتمعات المختلفة التي عاشت في نجد، وكان لها الأثر الأكبر

٢١

في توليد ونمو النمط المعيشي والأخلاقي والسلوكي العام، لقبائل وأعراب نجد.

وعليه، فقد ضمت الأجزاء الثلاث الأولى من هذه المجموعة، طرح هذه القضايا الأساسية، على طاولة البحث والتمحيص، علها تكون ذات فائدة لمَن أراد أن يعرف مدى عمق انحراف هذه الفئة، التي تدعي الانتساب إلى الإسلام، أو الانتماء إليه، وهي بعيدة بُعد المشرقين عنه، ثمّ معرفة الأسباب الكامنة، والدوافع الذاتية لتقبل أفكاراً جهنمية شيطانية، من شأنها خلق العناصر الدافعة لارتكاب مثل هذه الجرائم...!

وكان دليلنا وبوصلة أفكارنا منسجمة مع الآيات الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة، نستلهم منها العِبر والمعارف، ونربط الماضي بالحاضر، ونستقرئ الأحداث والشواهد، على معاجز النبي الكريم صلّى الله عليه وآله ، حول صفات وأعمال وخصائص هذه المجتمعات النجدية، والتي ولدت الوهابية السلفية من رحمها، ونشأت في كنفها، وترعرعت في أجوائها.

وبدافع الحرص على الأمانة العلمية والمسؤولية الشرعية... ولدفع الشك باليقين في كل كلمة نقولها، أو اتهام نوجهه إلى شيوخ الوهابية وقادة آل سعود في أفكارهم ومعتقداتهم وأعمالهم وسيرتهم، فقد حرصنا - كل الحرص - على سرد المراجع والمصادر من منابعها الأصلية التي كتبوها أو قالوها أو فعلوها، ثمّ من أصدقائهم والمدافعين عنهم، ومن ثمّ ننتقل إلى عموم العلماء والمفكرين، وقد اعتمدنا بالدرجة الأولى، على الشريحة الواسعة من أبناء العامة وأهل السنة والجماعة - كما يحلو لبعضهم أن يسمي نفسه بها - وابتعدنا عن مصادر أبناء الطائفة الحقة ومراجعها العلمية، تحسباً على القارئ الكريم، من سوء الظن؛ الذي قد يساوره، مع هذا الكم الهائل

٢٢

والمخيف من الحقائق والوقائع، التي طرأت على تأريخ المسلمين الذي أصابته سهام التحريف والتضليل والتزوير.

والحق نقول : إننا حاولنا جاهدين إنهاء الكتابة في هذا الموضوع سريعاً... لتقديمه إلى القارئ الكريم في أقرب فرصة... ولكنّ الحقائق والمفاجأت كانت تتفجر من كل حدب وصوب، متتابعة لتأخذ مكانها على صفحات هذه الموسوعة، وكان ذلك سبباً في تأخّر إكمالها وإتمامها إلى هذا الوقت، والمسارعة في نشر هذا المجلّد (الثالث)، الذی خصّصناه لبحث بدع وشواذّ آراء ابن عبد الوهاب.

ونعِد - القارئ الكريم - بالمواصلة في جمع الحقائق والوقائع المتعلقة بهذه الفئة الضالة المضلة والداعية إلى الفُرقة والعداء بين المسلمين ما وجدنا إليه سبيلا، وسنقدمها للقارئ العزيز تباعاً إنشاء الله تعالى.

هذه هي موضوعات البحث الذي نقدمها في هذا الجزء (الثالث) من الموسوعة الوثائقية، وكلنا أمل وثقة أن ينال استحسان القارئ الكريم، وأن يرفدنا بما يملك من وثائق ومعلومات حول هذه الفئة الضالة المضلة ثانياً، لنستكمل بحوثنا المقبلة، ونستفيد منها في تعرية هذا المذهب المصطنع، وجر أصحابه إلى طاولة المحاسبة والمحاكمة، بعون الله تعالى

المؤلف

٢٣

٢٤

فهارس المقدمة

١- السيرة النبوية برواية أهل البيت عليهم السلام ، العلامة الشيخ علي الكوراني العاملي؛ حياة النبي وأهل بيته عليهم السلام ، نخبة من العلماء الأعلام؛ مناقب آل أبي طالب عليهم السلام ، لابن شهر آشوب.

٢- مع الوهابيين في خططهم وعقائدهم، العلامة الشيخ جعفر السبحاني؛ أسرار السياسة صحائف سوداء من تأريخ الإنكليز في بلادنا، الأستاذ فكري أباضة؛ اللامذهبية أخطر بدعة تهدد الشريعة الإسلامية، الدكتور (الشهيد) محمد سعيد رمضان البوطي؛ الصليبية سيف وحرب، الدكتور كامل سعاف.

٣- تأريخ الحجاز السياسي (١٩١٦ - ١٩٢٥م)، المؤرّخ الدكتور وهيم طالب محمد؛ المذاهب المستحدثة في الإسلام الحديث، مجموعة من الباحثين، وقائع الندوة التي أقيمت في باريس؛ بتأريخ ٣ - ٤/آذار/١٩٩٧م؛ أعمدة الاستعمار، الأستاذ خيري حماد.

٤- قيام العرش السعودي، ناصر الفرج؛ الوهابية جذورها التأريخية، وموافقها من المسلمين، حسين أبو علي الخير؛ الوهابية ومذكرات مستر همفر، الترجمة العربية، سامي قاسم أمين؛ تأريخ الوهابيين، العقيد أيوب صبري الرومي قائد القوات البحرية العثمانية.

٥- بحوث في الملل والنحل، العلامة الشيخ جعفر السبحاني؛ الأوراق البغدادية في الجوابات النجدية، الشيخ إبراهيم الراوي البغدادي الرفاعي، أمين الطريقة الرفاعية ببغداد؛ فتنة الوهابية، من كتاب الفتوحات الإسلامية، العلامة الشيخ أحمد زيني دحلان.

٢٥

٦- الوهابية نشأة مشبوهة وحركة انحراف، عبد الواحد سعيد المحمود؛ مباحث في مهمة أزمة العقل السلفي، الدكتور عبد الحكيم الفيتوري؛ كشف الارتياب في أتباع ابن عبد الوهاب، العلامة السيد محسن الأمين العاملي؛ مخالفة الوهابيين للقرآن والسنة، الشيخ عمر عبد السلام.

٧- الصواعق الإلهية في الرد على الوهابية، الشيخ سليمان بن عبد الوهاب؛ التوسّل بالنبي صلّى الله عليه وآله وبالصالحين وجهالة الوهابيين، العلامة الشيخ أبو حامد مرزوق الشامي؛ علماء المسلمين وجهلة الوهابيين، العلامة الشيخ رسول عبد الرزاق العلا.

٨- معجم ما ألفه علماء الأمّة الإسلامية للرد على خرافات الدعوة الوهابية، السيد عبد الله محمد علي؛ منهاج أهل الحقّ والأتباع في مخالفة أهل الجهل والابتداع، العلامة الشيخ سليمان بن سحيم.

٩- منهج الرشاد لمَن أراد السداد، العلامة الشيخ جعفر كاشف الغطاء؛ الفجر الصادق في الرد على الفرقة الوهابية المارقة، العلامة الشيخ جميل صدقي الزهاوي.

١٠- أسرار السياسة صحائف سوداء من تأريخ الإنكليز في بلادنا، الأستاذ فكري أباضة؛ كفى ثقافة طائفية ومثقفون طائفيون، الأستاذ إدريس هاني؛ الإسلام السعودي الممسوخ، الأستاذ السيد طالب الخرسان.

١١- يهود الجزيرة العربية، حسن كاظم العاملي؛ آل سعود من أين وإلى أين، محمد صخر؛ الوهابية فرقة للتفريق بين المسلمين، حامد إبراهيم عبد الله؛ العلاقات الأمريكية، السعودية، محمد يثرب؛ دور الأسرة السعودية في إقامة الدولة الإسرائيلية، حمادة إمام.

٢٦

١٢- الوهابية في صورتها الحقيقية، الأستاذ صائب عبد الحميد؛ الإسلام والوثنية السعودية، فهد القحطاني.

١٣- الوهابية فكراً وممارسة، الدكتور محمد عوض الخطيب؛ المسألة الحجازية، يوسف كمال حنانة؛ الوهابية السلفية أفكارها الأساسية وجذورها التأريخية، حسن بن علي السقاف.

١٤- آل سعود، دراسة في تأريخ الدولة السعودية، الرحالة النمساوي موسيل الويس؛ صراع الأمراء، إبراهيم عبد العزيز عبد الغني؛ مملكة الفضائح، عبد الرحمن ناصر الشمراني.

١٥- عنوان المجد في تأريخ نجد، المؤرّخ الوهابي عثمان بن بشر النجدي الحنبلي؛ تاريخ نجد المسمّى روضة الأفكار والأفهام لمرتاد حال الإمام وتعداد غزوات ذوي الإسلام، الشيخ حسين بن غنام.

١٦- أربعون عاماً في البرية (الجزيرة) العربية، هاري سانت جون (عبد الله) فيلبي؛ صفحات من تأريخ الجزيرة العربية الحديث، الدكتور محمد عوض الخطيب.

١٧- جلال الحقّ في كشف أحوال أشرار الخلق، الشيخ إبراهيم حلمي القادري الاسكندري؛ الوهابية وجرائمها، سامي قاسم أمين المليجي.

٢٧

٢٨

الحقيقة التاسعة: بدع وشواذّ آراء ابن عبد الوهاب

هناک إجماع شبه کامل عند کل مَن قرأت له من معاصري ابن عبد الوهاب، وما بعده، يؤکدون على حقيقة واحدة: بأن الرجل ليس له باع في العلم والمعرفة(١)، وفي أي قسم من أقسام علوم القرآن والحديث، فضلاً عن الأصول والفقه(٢)، وهو كذلك ليست عنده منقبة من مناقب أهل السلوك والعرفان تكتسي به أخلاقه وتصرفاته ومعاملته(٣)، بل يتعدى الأمر إلى عدم إلمامه بأي نوع من صنوف المعارف الإنسانية والطبيعية، ناهيك عن العلوم الحديثة. وأفضل ما يستدل به هو شهادة أخيه الأکبر ومشايخه الذين عرفوه ودرّسوه!!!

يقول الشيخ سليمان بن عبدالوهاب في کتابه (الصواعق الإلهية في الرد على الوهابية) وهو أعلم بأخيه من غيره، وبالحرف الواحد: اليوم ابتلي الناس بمَن ينتسب إلى الکتاب والسنة، ويستنبط من علومها ولا يبالي مَن خالفه، ومَن خالفه فهو عنده کافر، هذا وهو لم يکن فيه خصلة واحدة من خصال أهل الاجتهاد، لا والله ولا عُشر واحدة، ومع هذا راج کلامه على کثير من الجهال، فإنا لله وإنا إليه راجعون(٤).

وفي السياق نفسه، فقد ذكر مفتي الحنابلة بمکة المکرمة المتوفى سنه ١٢٩٥ هجرية، العلامة الشيخ محمد بن عبد الله النجدي الحنبلي، في کتابه (السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة) ما نصه: إن أبا محمد بن عبد الوهاب، کان غاضباً عليه لأنه لم يهتم بالفقه، أي: إنه ليس من المبرزين بالفقه ولا بالحديث ولا بالعلوم الإسلاميه، إنما دعوته الخبيثة شهرته، ثمّ أصحابه من آل سعود غلوا في محبته فسموه شيخ الإسلام والمجدد والإمام... فتباً

٢٩

وسحقاً لهم وله. وقال أيضاً: إنه لم يترجم له أحد من العلماء والمؤرّخين المشهورين في القرن الثاني عشر للهجرة المبارکة، بالتبريز في الفقه ولا في الحديث(٥).

ويقول البروفسور عبد الحليم القادري، من كبار أساتذة الفلسفة الإسلامية في الهند، في كتابه (تاريخ الحوادث الإسلامية): وبالاستناد إلى الوثائق الرسمية البريطانية وشركة الهند الشرقية، لا يمكن بأي حال من الأحوال، أن نصف هذا الرجل (ابن عبد الوهاب)، بالعالم أو الفقيه أو المحقق، وغيرها من الألقاب التي تدل على عظمة ونبوغ وعلم هذا الإنسان، بل إن خير ما أقول فيه: إنه لص بارع وممثل جيد، يقول ما طُلب منه، ويتكلم بما لا يفقه، يُمثل حركات وسكنات العلماء، شأنه شأن الممثلين على خشبة المسرح(٦).

شيء آخر نضيفه بهذه العجالة عن معرفة وعلم هذا الرجل العبقري, وللحق نقول: إن عشرات العلماء والفقهاء ممّن قيل إن ابن عبد الوهاب قد درس عندهم(٧)، أو سمعوا قوله وادعاءاته أو قرأوا كُتيباته، يذكرون بلا ملل ولا رتوش: أن الرجل لم يكن له باع في العلم والفضيلة أبداً، ولم يملك من أبواب المعرفة شيئاً، بل لم يؤرخ له أحد من المؤرّخين وأصحاب السير والرجال، للقرنين الثاني عشر والثالث عشر كونه من المبرزين في العلم والفقه(٨).

أما أغلب المستشرقين، ممّن أرخ وكتب عن ابن عبد الوهاب أو حركته الوهابية، فلم يذكر أحد منهم الرجل بأنه صاحب علم أو معرفة(٩)، بل حتى أن بعض المستشرقين ممّن أراد مدحه وتمجيده، فإنه استخدم عبارات

٣٠

التمجيد الفضفاضة العامة دون الولوج في تفاصيل علم وفهم الرجل(١٠)، وقيل قديماً في الأمثال: لو كان لبان.

ويذهب المستشرق والرحالة السويسري بروكهاردت، والذي زار نجد في أوائل القرن التاسع عشر، فيقول في كتابه (رحلات في شبه جزيرة العرب): إنه وجد اعتقادات متعددة، ووجد الكثير مَن يدعي نفسه وهابياً، لكنه لا يفقه من المذهب شيئاً(١١). ويضيف عليه المؤرّخ والقنصل الفرنسي في حلب روسو، وهو ممّن زار نجد كذلك، في كتابه (رقماً أقرب إلى الحقيقة) ليؤيد رأي بروكهاردت، فيقول: إن النجديين قبلوا بالوهابية لأنهم لم يعرفوا شيئاً عن الإسلام من قبل إلا اسمه(١٢). وهذه دلالة ضمنية منهما، لعلم ومعرفة الرجل الذي نتكلم حوله، حيث لم يستطع أن يُربي جيلاً واحداً من الطلاب والعلماء الذين يبسطون العلم في ربوع نجد وخارجها(١٣). ولم يستنكف المؤرّخون الوهابيون من القول بأن أهل نجد قد استحوذ عليهم الجهل والأمية، وحتى بعد ظهور حركة ابن عبد الوهاب الإصلاحية كما يدعون!!!(١٤). بل ينحى المؤرّخ المصري عبد الرحمن الجبرتي منحاً آخر، حيث يقول عن الوهابيين السلفيين في كتابه (عجائب الآثار في التراجم والأخبار) بالقول أنه: حينما كشفوا عن عورات كثير من قتلاهم فكانوا غلفاً (غير مختونين)(١٥)، ويزيد في تعريف الوهابيين فيقول: كان من المألوف لديهم دفن موتاهم في مقابر اليهود، حيث لا حرج من ذلك لاعتقادهم بأنهم وأولئك (اليهود) على دين واحد(١٦).

وخير دليل على ذلك، وهو تحدي نسجله للتأريخ، فإن ابن عبد الوهاب لم يتمكن من الرد على أي أحد من الفقهاء والعلماء على مختلف مشاربهم ومذاهبهم الفقهية، الذين كتبوا حول نزعاته الشيطانية وتخرصاته في أيّام

٣١

حياته(١٧)، أو حتى ممّن أرسلوا إليه شخصياً رسائل يردون عليه أفكاره وأقواله وأفعاله، ومن هؤلاء كثير من علماء الشيعة وكبار فقهائها، وعلى سبيل المثال لا الحصر، العلامة الفقيه الشيخ جعفر كاشف الغطاء، حيث كتب إليه كتاباً ضمنه الرد العلمي الفقهي الرصين لأقواله ومعتقداته، استنادا إلى متبنيات وآراء المذهب الحنبلي بالذات، فضلاً عما جاء في الموروث السني بشكل عام(١٨). فلم يرد على أي أحد من تلك الرسائل والردود، وهي بالمئات سوى الشتائم والسباب والحكم بالكفر على أصحابها وراسليها، بل يتمادى في غيه ليصدر فتاوى قتله أو اغتياله(١٩).

وأيضاً ذکر الفقيه المؤرّخ وشيخ الإسلام وإمام الحرم المکي، أواخر السلطنة العثمانية، السيد أحمد بن زيني دحلان المتوفى سنة ١٢٢٣هـ، تحت فصل، فتنة الوهابية من كتابه التاريخي (الفتوحات الإسلاميه) ما نصه: إن محمد بن عبدالوهاب کان في ابتداء أمره من طلبة العلم في مقتبل عمره، وکان أبوه وأخوه ومشايخه يتفرسون فيه أن سيکون منه زيغ وضلال لما يشاهدونه من أقواله وأفعاله ونزعاته في کثير من المسائل الاعتقادية، وکانوا يوبخونه ويحذرون الناس منه، فحقق الله فراستهم فيه لما ابتدعه من الزيغ والضلال الذي أغوى به الجاهلين وخالف فيه أئمة الدين، وتوصل بذلك إلى تکفير المؤمنين(٢٠).

نعم يقول بعض الكتاب، في شرح حالات ابن عبد الوهاب: بأنه يجيد حركات وسكنات ولمسات العلماء والفقهاء، ويستفاد من قصار كلماتهم وهمزات أحاديثهم، ليسحر به أتباعه ويضل بها مريديه(٢١).

لقد كانت دعوة ابن عبد الوهاب ممزوجة بأفكار وعقائد زعم أنها من الكتاب والسنة، في إخلاص التوحيد لله تعالى لكنها اتسمت بالضحالة

٣٢

والشذوذ والبدع عند عموم فقهاء وعلماء المسلمين، على مختلف طوائفهم ومذاهبهم، كما يقول الدكتور ضياء الدين مسعود العلوي، في كتابه (المعارف والثقافة في ظل حكومة الوهابيين)(٢٢). ولم تكن هذه الأفكار والعقائد من وحي وإنتاج هذا الرجل الذي عُرف عند أهله وأقرانه بشدة حبه لقراءة قصص مدعي النبوة، كأمثال مسيلمة الكذّاب (جده الأكبر)، وسجاح الكاهنة، والأسود العنسي، وطليحة الأسدي وغيرهم (وبالمناسبة فإن هؤلاء كلهم وجميعهم بلا استثناء قد خرجوا من أرض نجد المذمومة)(٢٣). وبهذا السياق نفسه أخذ يواظب ابن عبد الوهاب على دراسة کتب الضلالة والانحراف عند ابن تيمية، وابن القيم الجوزية، وابن بطة، وابن البربهاري وأضرابهم(٢٤)، ويستلهم منهم کل منکر وشاذ، وبدأ يتجرأ في ذکر بعض العقائد والأفکار المستهجنة، وأخذ ينکر الشفاعة والاستغاثة وزيارة الرسول صلّى الله عليه وآله (٢٥)، ممّا دعا والده وأخاه وسائر مشايخ البلدة إلى تحذير الناس منه، فقالوا فيه: أنه سيضل هذا ويضل الله على يديه من أبعده وأشقاه(٢٦).

على أيّة حال، وكما ذكرنا في الحقيقة السادسة، شاءت الأقدار ووقع المحذور، حينما سقط ابن عبد الوهاب في شباك المخابرات البريطانية وعملائها في المنطقة(٢٧)، فتلاقفوه تلاقف الحسناء عند أهل الرذيلة، ففعلوا به ما طابت به ومعه نفوسهم الشريرة ومكائدهم الشيطانية(٢٨). ومن الإنصاف أن نقول: لقد فعل الإنكليز بابن عبد الوهاب، ما أثار عجب ومدح الشيطان لهم، وأجادوا في خلق شخصية كان لها الأثر الأهم في انحراف الكثير من المسلمين عن عقائدهم الصحيحة السماوية، وليدخلوا في نفق

٣٣

الضلال والانحراف والعداء لإخوانهم المسلمين، وبقت هزات وارتدادات هذه البدع والكفريات حتى بعد موته، وليومنا هذا. فإنا لله وإنا إليه راجعون.

لقد عملت المطابخ البريطانية التابعة لوزارة المستعمرات، نسخاً عديدة من الفرق الإسلامية، والتي تطابق ذهنية وثقافة وحضارة كل مجموعة في أي بلد من البلدان التي احتاجوا إلى احتلالها وضمها لدولتهم العظمى (كما يزعمون)(٢٩). فالبهائية تصلح لأمة تختلف في ثقافتها وفكرها وحضارتها ومستوى نضوج عقول أفرادها، عن مذهب القاديانية التي تصلح لمجموعة أخرى، والزردشتية تختلف في منهاهجها وبدعها وتصرفاتها عن البُهرة، وهلم جراً(٣٠).

أما الوهابية السلفية فقد أعدتها بريطانيا لتكون عند بيت الله الحرام، وتكون موائمة لأهل نجد، ثمّ تتسع لتشمل أتباع الديانة المحمدية. فتكون الوسيلة الأنجع في القضاء على الإسلام وتفريق المسلمين(٣١)، ولا يختلف عليه اثنان أن بريطانيا قد أوقعت الوهابية في فخ التكفير والتشريك والتبديع، ضاربة شروط تعارف عليها فقهاء المسلمين حول الكفر والشرك، ولم يتمكن الوهابيون من الخروج من هذه الورطة سوى المشي قدماً نحو المجهول(٣٢). ولا عجب أن تقرأ هنا أن بريطانيا (العظمى) في كفرها وخباثتها قد عملت الوهابية والقاديانية والبهائية وغيرها عند المسلمين، وعملت الأمر نفسه في دين المسيح، فكانت البروستانتانتية بقيادة القس مارتن لوثر، الانجليكانية بقيادة القس بيلي غراهام، السبتية بقيادة القس لوليم ميلر، المورونية يقيادة القس جوزيف سميث، المعمدانية بقيادة القس جون سميث، الكالفينية بقيادة القس جان كالفن، الميثودية بقيادة القس جون ويزلي، وغيرهن كثير، والأمر نفسه يتكرر عند اليهودية(٣٣).

٣٤

يقول وايزمان في كتابه (التجربة والخطأ): إن إنشاء الكيان السعودي هو مشروع بريطانيا الأوّل والذي تم إنجازه في عام ١٧٤٦م، ثمّ تطويره ليواكب المرحلة الجديدة في عام ١٩٢٤م، ثمّ تلاه المشروع الثاني في إنشاء الكيان اليهودي (الصهيوني)، والذي تم وضع بنيانه في عام ١٩٣٢م(٣٤). كان المخطط البريطاني الأوّل يقوم على أساس تفتيت الدولة (الخلافة) العثمانية وإشغالها بالثورات الداخلية باسم القومية العربية والعروبة، ابتداء من العميل الشريف حسين بن علي في الحجاز، ومروراً بالشامات وانتهاء بالشمال الأفريقي. وما إن انتهت الأمور لصالح الغرب بواسطة عملاء وأغبياء عرب ضد الخلافة العثمانية، وتشكلت بعض الدول باسم العروبة، جددت الإدارة البريطانية العزم لتستخدم شعار الإسلام والتوحيد (هذه المرة) ضد القومية العربية، بواسطة عملاء آخرين وأغبياء جدد(٣٥).

لهذا فموضوع بحثنا هو الوهابية السلفية، التي كانت من نصيب أهالي (منطقة نجد)، كما جاء في كتاب (الأعلام) للزركلي(٣٦)، وهي بلا أدنى شك كانت نسخة مخصوصة لأقل الشعوب في المنطقة والعالم وعياً وإدراكاً وفهماً وشعوراً، كما يقول الدكتور عبد السلام الشعراني في كتابه (مذاهب وحركات إسلامية)(٣٧). وهذا الموضوع ليس من ضروب الخيال أو العداء لفئة خاصة دون أخرى، بل يشهد عليه كل مَن كتب عن منطقة نجد وأهلها... مع العلم أن أول الذين ذكروا وكتبوا عن (منطقة نجد) بالسوء وذموا أخلاق وفسق أهلها، هم المؤرّخون الوهابيون السلفيون أنفسهم، يفوق بكثير ممّن مدح (نجد) بحكم انتمائه القبلي أو المذهبي، فراجع(٣٨). فهذا الشيخ سليمان الأخ الأكبر لابن عبد الوهاب يصرح بأن

٣٥

(نجد) هي بلاد الزلازل والفتن، ويبوب باباً في كتابه (الصواعق الإلهية في الرد على الوهابية) ضمن رده على أخيه بعنوان (الشيطان في نجد)(٣٩).

يقول العلامة الشيخ سليمان بن سحيم في كتابه (مناهج أهل الحقّ والأتباع) واصفاً هذه الحالة الاستثنائية لمجتمع يملك الاستعداد الذاتي والتلقي الانشطاري لكل ما هو كفر وضلال وفساد، وكأن النفوس مجبولة على الشر بدل الخير، فيقول: إن أهل نجد على غاية من الجهالة والضلالة، والفقر والعالة، وفيهم أضاعت الصلاة ومنع الزكاة وشرب المسكرات، ما هو معروف مشهور وغير ذلك من الفواحش والمنكرات التي لا تحصى ولا تستقصى، وهم أغلظ كفراً ونفاقاً وأشد إعراضاً عن الدين، مع ما هم عليه من قتل النفس ونهب الأموال وارتكاب المحرمات، من باقي أعراب الجزيرة، وهم من أوضح مصاديق الآية (الكريمة):( الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ ) (سورة التوبة، الآية: ٩٧)(٤٠). وما يقوله المؤرّخ العثماني أحمد سلوم قرة قولي في كتابه (العلمانية والدين)، حول أهل نجد يوضح فيه أساس القوم ومنبتهم: إنهم مجموعة تشترك في صفات قل أن تجدها عند غيرهم، من فساد اللبنة والنطفة والبيئة والتربية والسلوك والاجتماع(٤١).

ويصرح أيضاً المؤرّخ الوهابي الشيخ عثمان بن بشر النجدي في كتابه (عنوان المجد في تاريخ نجد) حول هذا الموضوع قائلاً: واعلم رحمك الله أن هذه الجزيرة النجدية هي موضع الاختلاف والفتن، ومأوى الشرور والمحن، والقتل والنهب والعدوان بين أهل القرى والبلدان، ونخوة الجاهلية بين قبائل العربان(٤٢)،( وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا ) (سورة يوسف، الآية: ٢٦).

٣٦

لم يخطأ البريطانيون في انتخاب منطقة نجد لابن عبد الوهاب، ولو انتخبوا له غير هذه (منطقة نجد) لماتت أفكاره وبدعه مع موته، كما حدث لابن تيمية وابن القيم الجوزية وأشباههما(٤٣). وكذلك لم يخطأ البريطانيون في انتخاب آل سعود، كشريك فعال ومطمئَن له، ولو انتخبوا له غير هؤلاء لماتت دعوته ومذهبه بموتهم، كما حدث لآل الشريف حسين وآل السنوسي ونظائرهما(٤٤).

فأرسلوه إلى أهله (نجد)، وهو في العقد الرابع من عمره(٤٥)، ومَن هم على شاكلته من الفهم والوعي والإدراك، كما يقول الدكتور عبد العزيز سليمان نوار في كتابه (مصر والعراق)(٤٦)، ونفخوا فيه مزامير الشياطين، وأوعدوه بجنة الخلد على الأرض، بل دفعوا به نحو نزعة العظمة والنبوة... وهو ممّن قرأ بإمعان وشغف شديدين قصص مدعي النبوة على طول التاريخ الإسلامي، كمسيلمة الكذّاب، وسجاح التميمية، وطليحة الأسدي، والأسود العنسي، والأشعث بن قيس(٤٧)، فأثرت فيه أثراً بالغاً، وكذلك كانت كتب الضلالة والانحراف لعلماء السوء كابن الهروي المتوفى سنة ٢٩٨هـ، وابن البربهاري ٣٢٩هـ، وابن بطة العكبري ٣٨٧هـ، والقاضي أبي يعلى الفري ٤٥٨هـ، وابن الزاغوني ٥٢٧هـ، وابن تيمية ٧٢٨هـ، وابن القيم الجوزية ٧٥١هـ، وغيرهم(٤٨). قد أثروا في نفس وهوى ابن عبد الوهاب كثيراً، حيث جذبته إلى أمجاد أجداده وأضفت عليه كثيراً من آيات العز والأمل للوصول إلى مُناه، فطبعت على مجمل حياته العلمية والاجتماعية بهذه النزعة الشيطانية، وتركت بصماتها جلية فيه، حتى ادعى النبوة أكثر من مرة. وهذا ممّا دعا كثيراً من المحققين والباحثين أن يعتبروا هذه الحركة الضالة باسم ابن عبد الوهاب ما هي إلا امتداد طبيعي ونسخة جينية متطورة

٣٧

من أفكار وضلالات مسيلمة الكذّاب وسجاح التميمية وطليحة الأسدي، ثمّ لتصل إلى ابن بطة وابن تيمية وابن القيم الجوزية ونظائرهم(٤٩)، قد جمعتها المطابخ البريطانية في بودقة واحدة، وأعطوها هدية إلى الشيخ (الإمام) ابن عبد الوهاب(٥٠). إن هذا الموضوع جدير بالبحث والتنقيب، ولربما أفردت له كتاباً خاصاً به، لكن على العجالة وما يُناسب موضوعات هذا الكتاب، لذا سنوجز الحديث عنه.

ومن أعظم ما زاغ به ابن عبد الوهاب عن جادة الحقّ، ولزم جادة الضلالة والإضلال، هو ادعاؤه النبوة، وهذا لعمري آخر خط الكفر والهوان، فإن الادعاء بالنبوة بعد النبي الأكرم صلّى الله عليه وآله ، هو ضرب من ضروب الخبل والجنون، فضلاً عن كفر مَن ادعى بها، لأن الأمّة مجتمعة على خاتمية النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله ، ولم يحض أحد من الجبابرة والكفرة والسلاطين والخلفاء والعلماء، أن تقبل الأمّة هذا الادعاء الباطل منه، مهما أوتي من السلطنة والقدرة والمال والذكاء والدهاء والكفريات، فهذا معاوية بن أبي سفيان أمر أهل الشام بالسلام عليه بالرسالة، فكان أهل الشام وقواد جيشه وبطانته يدخلون عليه ويسلمون بقولهم: السلام عليك يا رسول الله، كما قال الطبري في (تاريخه) وابن كثير في (البداية والنهاية) والحافظ ابن عقيل في (نصائحه)(٥١). ومع هذا لم يجرأ أحد أن يعمل هذا مع معاوية في المدينة المنورة أو مكة المكرمة أو العراق. وماتت هذه البدعة مع موته.

ومما لا شك فيه، ومن خلال دراسة الأحاديث النبوية الشريفة نستشف بأن هنالك قروناً للشياطين، تطل على الأمّة الإسلامية بين الفينة والأخرى، ويكون مركز بزوغ شرارتها، ونمو بذرتها في منطقة (نجد) (راجع: الحقيقة الثانية في المجلد الأوّل من هذه السلسلة). وآخرها يكون مع الأعور

٣٨

الدجال. فقد ذكر البخاري ومسلم وأحمد والترمذي، هذا الحديث الصحيح في سنده ومتنه، عن شريك بن شهاب عن أبي بزرة أنه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله بأذني ورأيته بعيني، أتي رسول الله صلّى الله عليه وآله بمال فقسمه، فأعطى مَن عن يمينه، ومَن عن شماله، ولم يعطِ مَن وراءه شيئاً، فقام إليه رجل من ورائه، أسود مطموم الشعر عليه ثوبان أبيضان (عُيينة بن حصن) فقال: يا محمد ما عدلت في القسمة، فغضب رسول الله صلّى الله عليه وآله غضباً شديداً، وقال: والله لا تجدون بعدي رجلاً هو أعدل مني، ثمّ قال: يخرج في آخر الزمان قوم، كأن هذا منهم، يقرؤون القرآن، لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، سيماهم التحليق، لا يزالون يخرجون حتى يخرج آخرهم مع المسيح الدجال، فإذا لقيتموهم فاقتلوهم، هم شر الخلق والخليقة(٥٢).

وهذا القرن الطالع من أرض نجد الممسوخة يأخذ بأيدي أقوام كثيرين مستعدين للإيمان به وتقوية دعوته والدفاع عنه، ويسوق بهم إلى جهنم، بعدما يذيق الأمّة أنواع البلاء والفساد والإفساد.

فابن عبد الوهاب ولد في نفس موطن مسيلمة الكذّاب (اليمامة)(٥٣)، وهو من نسله وصلبه كما شهد بذلك العشرات من المؤرّخين والباحثين(٥٤)، وكان مولعاً إلى حد الغرام بقراءة قصص وأمجاد وأخبار من ادعوا النبوة، وارتدوا عن الإسلام ووقفوا بوجه الخلافة الإسلامية، والأهم أن القبائل التي دعمت مسيلمة الكذّاب وطليحة الأسدي وسجاح الكاهنة التميمية والأسود العنسي، هي نفسها مَن وقفت وراء ابن عبد الوهاب وناصرت دعوته الضالة، كبني حنيفة وتميم وأسد وهوازن وكندة وأشباههم(٥٥).

٣٩

فهذا المعتوه الكافر ادعى بهذه المنزلة، وأذكر هنا عشرة من العلماء والفقهاء والأدباء والمؤرّخين، يشهدون لله وللتاريخ، هذا المدعى لهذا الرجل الضال، فراجع(٥٦). وإلا فالمئات من المؤرّخين والباحثين قد كتبوا وحققوا في هذا المضمار، ثمّ قالوا للناس: إن هذا الرجل كافر من الأساس بالله تعالى فضلاً عن نبوة محمد صلّى الله عليه وآله (٥٧). لكن للعجالة في إتمام هذه الفقرة من بحثنا في بدع وضلالات ابن عبد الوهاب، نأخذ بعض العينات لتكون شاهداً على ما ادعى من مقام النبوة لنفسه، يرويها علماء من أجل فقهاء الديار الإسلامية آنذاك، الذين عاصروه وسمعوا منه وأغلظوا عليه.

الأولى: يذكر العلامة السيد أحمد بن زيني دحلان، مفتي الديار الحجازية وشيخ الإسلام في مكة المكرمة، أبان ظهور بدعة ابن عبد الوهاب، في اثنين من كتبه (الدرر السنية في الرد على الوهابية) و(خلاصة الكلام في أمراء البلد الحرام) حيث يقول بالنص: إنه (ابن عبد الوهاب) ادعى النبوة بلسان حاله وبلسان مقاله، بل زاد على دعوى النبوة بأشياء عديدة(٥٨)، ويقول العلامة علوي بن أحمد قطب الرشاد: وكان يضمر دعوى النبوة، ويظهر عليه قرائنها بلسان الحال، لا بلسان المقال لئلا ينفر عنه الناس، ويشهد بذلك ما ذكره العلماء من أن ابن عبد الوهاب كان في أول أمره مولعاً بمطالعة أخبار من ادعى النبوة كاذباً كمسيلمة الكذّاب وسجاح والأسود العنسي وطليحة الأسدي وأضرابهم(٥٩).

ونستمعثانياً، إلى قول الشيخ جميل صدقي الزهاوي، في كتابه (الفجر الصادق) حيث يقول في هذا الصدد: وحينما وجد ابن عبد الوهاب أن الناس من أهل نجد يقبلون منه كل ما هو منكر وضلال، وفي قلوب أتباعه وأنصاره ما هو صالح وطايع لأن يزرع فيهم بذور الفساد والعناد، أظهر ممّا

٤٠