مقتل أبي عبد الله الحسين عليه السلام من موروث أهل الخلاف الجزء ٣

مقتل أبي عبد الله الحسين عليه السلام من موروث أهل الخلاف14%

مقتل أبي عبد الله الحسين عليه السلام من موروث أهل الخلاف مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 545

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 545 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 51133 / تحميل: 5055
الحجم الحجم الحجم
مقتل أبي عبد الله الحسين عليه السلام من موروث أهل الخلاف

مقتل أبي عبد الله الحسين عليه السلام من موروث أهل الخلاف الجزء ٣

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مقتل أبي عبد الله الحسين (عليه‌السلام )

من موروث أهل الخلاف

المجلد الثالث

المؤلّف : زهير بن علي الحكيم

١

٢

بسم الله الرحمن الرحيم

٣

٤

الفصل السابع

في البكاء لمقتل سيّدِ الشُّهداء (عليه‌السلام )

٥

٦

فضلُ البكاءِ على سيِّدِ الشهداءِ (عليه‌السلام )

عقدتُ هذا الفصل - في بكاءِ النّبيِّ (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، والمعصومينَ من أهلِ بيتِهِ الأطهارِ (عليهم‌السلام )، وبكاءِ السماواتِ والأرضينَ وما احتوتاهُ على سيّدِ الشهداءِ، الإمامِ المفدّى، الحُسين بنِ عليٍّ (عليه‌السلام )، الّذي اُصيبَ بمصيبةٍ صَغُرَتْ عندَها كلُّ المصائبِ، فهي المصيبةُ العظمى، والرّزيّةُ الكُبْرى التي زَلْزَلَتْ وَفَطَرَتْ السماواتِ والأرضينَ، ومزَّقَتْ أكبادَ العالمينَ، وأذابَتْ أجسامَ المؤمنينَ، وانصدعَتْ لها أجسادُ الخلْقِ أجمعينَ، وأزالَتْ الأرواحَ عن قرارِها المَكينِ لِدَفْعِ ما ينْصِبُهُ النّواصبُ

قال الزمخشري : (أنشدَ) الحسنُ بنُ معاويةَ بنِ عبدِ اللهِ بنِ جعفرٍ :

أتعجبُ من جاري دموعي ومِنْ ضوى

كأنَّكَ لمْ تسمعْ بقاصمةِ الظهرِ

ولمْ تأتِكَ الأنباءُ عن يومِ كربلا

وقتلِ حسينٍ فيه والفتيةِ الزُّهرِ

فلا تعجبَنْ منِّي ومِنْ فيضِ عبرَتي

فأعجبُ منْهُ عَنْدَ ذِكْرِهُم صبرِي(١)

قالَ المنّاوي في مقتلِ الإمامِ الحُسين (عليه‌السلام ) : وتفصيلُ قصةِ قتلِهِ تُمزِّق الأكبادَ، وتُذيبُ الأجسادَ، فلعنةُ اللهِ على مَنْ قتلَهُ،

____________________

(١) ربيع الأبرار ونصوص الأخبار - الزمخشري / ٢١٤٥، نسخة برنامج الموسوعة الشعرية.

٧

أو رضيَ أو أمرَ، وبُعداً لهُ كما بَعُدَتْ عاد وقد أفرد قصة قتله خلائق بالتأليف(١) .

قال السيوطي فيه أيضاً : وكان قتله بكربلاء، وفي قتله قصة فيها طول لا يحتمِل القلب ذكرها، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون وقُتلَ معه ستة عشر رجلاً من أهل بيته(٢) .

وقال ابن الدمشقي : وقد أكثر الناس في الرثاء والبكاء على ما أصاب أهل البيت (عليهم‌السلام )، وقالوا ما لا يحصى مِن المقالات نظماً، وذكروا في قتل الحُسين (عليه‌السلام ) وما كان مِن أمره ما أضرب عن ذكره صفحاً، ولمْ أرق له سفحاً، ولا يحتمل هذا المختصر أكثر مِن ذلك وفيه كفاية.

وبالجملة والتفصيل فما وقع في الإسلام قضية أفظع منها وهي ما ينبو الأسماع عنها، وتتفطّر القلوب عند ذكرها حزناً وأسىً وتأسّفاً، وتنهلّ لها المدامع كالسحب الهوامع، هذا والعهد بالنّبي قريب، وروض الإيمان خصيب، وغصن دوحته غضّ جديد، وظلّه وافر مديد، ولكنّ الله يفعل ما يريد وما أظنّ أنّ مَنْ استحلّ ذلك وسلك مع أهل النّبي هذه المسالك شمَّ [رائحة] الإسلام، ولا آمن بمحمّد (عليه الصلاة والسّلام)، ولا خالط الإيمان بشاشة قلبه، ولا آمن طرفة (عين) بربّه، والقيامة تجمعهم وإلى ربِّهم مرجعهم

ستعلمُ ليلى أيَّ دَينٍ تداينتْ

وأيَّ غريمٍ للتقاضي غريمها

ولقد قرأ قارئ بين يدي الشيخ العالم العلّامه أبي الوفاء (علي) ابن عقيل (رحمه‌الله ) قوله تعالى :( وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ

____________________

(١) فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي ١ / ٢٦٥.

(٢) تاريخ الخلفاء ١ / ٢٠٧، وفي ط دار الفكر ص١٩٣.

٨

إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إلّا فَرِيقًا مِّنَ الْمؤْمِنِينَ ) (١) فبكى وقال : سبحان الله ! غاية ما كان طمعه فيما قال :( فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمرَنَّهُمْ ) (٢) جاوزوا والله، الحدَّ الذي طمع فيه ! ضحّوا بأشمط عنوان السجود به، يقطع الليل تسبيحاً وقرآناً إي والله، عمدوا إلى علي بن أبي طالب (عليه‌السلام ) بين صفّيه فقتلوه، ثمّ قتلوا ابنه الحُسين بن فاطمة الزهراء (عليهما‌السلام )، وأهل بيته الطيّبين الطاهرين بعد أنْ منعوهم الماء، هذا والعهد بنبيهم قريب ! وهم القَرن الذي رأوا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ورأوه يُقبِّل فمه ويرشف ثناياه، فنكتوا على فمه وثناياه بالقضيب ! تذكّروا والله، أحقاد يوم بدر وما كان فيه، وأين هذا مِن مطمع الشيطان وغاية أمله بتبكيت آذان الأنعام ؟! هذا مع قرب العهد وسماع كلام ربّ الأرباب :( قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) (٣) ستروا والله، عقائدهم في عصره مخافة السّيف، فلمـَّا صار الأمر إليهم كشفوا (عن) قناع البغي والحيف :( سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ) (٤) .

ورأيت في تاريخ ابن خلكان (رحمه‌الله ) قضية غريبة فأحببت ذكرها هاهنا، وهي : قال الشيخ نصر الله بن مجلي في (مشارف الخزانة الصلاحية) : فكّرت ليلةً وقد آويت إلى فراشي فيما عامل به آل (أبي) سفيان أهلَ بيت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، وفي قضية الحُسين (عليه‌السلام ) وقتله وقتل أهل بيته (عليهم‌السلام )، وأسر بنات رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، وحملهم (إيّاهن) على الأقتاب سبايا، ووقوفهم على درج دمشق سبايا عرايا، فبكيت بكاءً شديداً، وأرقت ثمّ

____________________

(١) سورة سبأ / ٢٠.

(٢) سورة النساء / ١١٩.

(٣) سورة الشورى / ٢٣.

(٤) سورة الأنعام / ١٣٩.

٩

نمت فرأيت أمير المؤمنين عليّاً (عليه‌السلام )، فحين رأيته بادرت إليه وقبّلت يديه وبكيت، فقال : (( ما يُبكيك ؟ )) فقلتُ : يا أمير المؤمنين، تفتحون مكّة فتقولون : (( مَنْ دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومَنْ أغلق عليه بابه فهو آمن، ومَنْ دخل المسجد فهو آمن )) ثمّ يُفعل بولدك الحُسين وأهل بيتك (عليهم‌السلام ) بالطّف ما فُعل ؟! فتبسّم (أمير المؤمنين)، وقال : (( ألمْ تسمع أبيات ابن الصيفي (سعد بن محمّد) ؟ )) قلتُ : لا قال : (( اسمعها منه فهي الجواب )).

قال : فطالت ليلتي حتّى برق الفجر، فجئت باب ابن الصيفي، فطرقت بابه فخرج إليَّ حاسراً حافي القدمين، وقال : ما الذي جاء بك هذه السّاعة ؟! فقصصت عليه قصّتي، فأجهش بالبكاء وقال : والله، ما قلتُها إلّا ليلتي هذه، ولم يسمعها بشر (منِّي ثمّ أنشدني) :

ملكنا فكانَ العفّوُ منَّا سجيةً

فلمـَّا ملكتُم سال بالدمِ أبطحُ

وحلًّلتُم قتلَ الاُسارى وطالما

غدونا عن الأسرى نعفُّ ونصفحُ

وحسبُكم هذا التفاوتُ بيننا

فكلُّ إناءٍ بالذي فيه ينضحُ(١)

وقال الموفّق الخوارزميّ : معاشر المسلمين، مَنْ كان فيكم مصابٌ فليتعزَّ بمَنْ كان مَنْ منه أعز، ومَنْ كان فيكم مظلوم فليتسلَّ ؛ فقد ظُلِمَ مَنْ منه كان أجلّ، ومَنْ كان فيكم مَنْ حالف البَلاء فليذكر مبتلى كربلاء، المحرومَ من الماء، والمذبوحَ من القفا على ظماء، والمجدّلَ في تلك التربة، والمسوقة نساءه سوق الإماء، يهون عليه أمر الغربة وعسر الكربة :

إذا ذكرَتْ نفسي مصائبَ فاطمٍ

لأولادِها هانَتْ عليَّ مصائبي

ولمْ أتذكَّرْ منعَهُمْ عن مشاربٍ

على ظمأ إلّا وعِفْتُ مشاربي

____________________

(١) جواهر المطالب في مناقب الإمام علي (عليه‌السلام ) - ابن الدمشقي ٢ / ٣١١.

١٠

أسيغُ مياهي بعدَهم ثمَّ أدَّعي

بأنّيَ في دعوى الهوى غيرُ كاذبِ

سَقَوا حسناً سُمّاً ذُعافاً وجدّلو

أخاه حُسيناً بالقنا والقواضبِ

فضائلُهم ليستْ تُعَدُّ وتنتهي

وإنْ عُدِّدتْ يوماً قطارُ السحائبِ

وإنَّ يزيداً رامَّ أنْ يتسفَّلو

وأنْ يتردّوا في مهاوي المعاطبِ

وقد رفع العدلُ المهيمنُ حالَهم

بمنزلةٍ قعساءَ فوقَ الكواكبِ

لبئس ما كان يزيد وحزبُهُ يحتقبون، وساء ما يرتكبون، وسوف ترونَهم في جهنّم يصطلون، ويصطرخون ويضطربون، فإنّهم إلى ربِّهم راجعون :( وَسَيَعْلَم الَّذِينَ ظَلَموا أَيَّ منقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ) (١) .

وقال الموفّق الخوارزميّ أيضاً : ومن مقالة لي فيه (عليه‌السلام ) : عباد الله، أما تستغربون أحقادَ قومٍ في ذحولهم ؟ أما تتعجّبون من آراء أمّة وعقولهم قتال الحُسين بن علي ولد رسولِهم ؟ ولمْ يُبالوا بالنَّص الجليّ في حفدة نبيِّهم، ثمَّ لبِثوا في شمالِهم على شُربِ شمولِهم، وجرّ فضولِ ذيولِهم، لعان الله والملائكة على شبّانهم وشيوخهم، وفتيانهم وكهولهم.

أفي صلاتهم يصلُّون على محمّد وآلهِ (عليهم‌السلام )، ويمنعونهم من مشرعة الماء وزلالِه، ويجمعون على حرب الحُسين (عليه‌السلام ) وقتالِه، ويذبحون ولا يستحون من شَيْبه وجماله ؟! أما والله، إنّ حقَّ رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) على أممهِ أنْ يعظّمون تراباً أَلَـمَّ بلَمَمِهِ، بلْ ترابَ نعلِ قدمِه، بلْ ترابَ نعلِ قدمِ خادمٍ من خَدَمِهِ، ثمَّ هؤلاء الطغاة قتلوا شبلَ أسدٍ سادَ في أجَمِه، ونكثُوا بالمِخصرِ ثنايا فمٍ كانت مراشفَ فمِه، وتنافسوا في ذبحه وإراقةِ دمِه.

____________________

(١) سورة الشعراء / ٢٢٧.

١١

نعم، حقُّ الرسول أنْ يكتحِلُوا بغبارٍ من شعر جسده، وهم ذبحوا الحُسين بكربلاء أكرمَ وُلْدِه، وقرّةَ عينه، وفلِدَةَ كبدِه، ذلك الفتى الذي نشأ بين يدي الرسول، وبين عليّ الضرغام الصؤول، وفاطمة البتول، فسبحان الله ! ثمّ سبحان الله ! من يزيد وعبيد الله، عدوَّا الله وعدوَّا رسوله، الناكثَين ثنايا حبيب حبيبه، بالله ثم بالله، إنّ هذا البلاء المتناه، قولوا عباد الله من صميم قلوبكم : آهٍ ثم آهٍ، إذ ذُبحَ ولدُ رسولِ الله بين الطّغاة البغاة، والعُتاة والعُماه، ذوي الشّقاه، مرتكبي مناهي الملاه، ومانعي شربَ المياه، من الحُسين المخبَت الآوّاه(١) .

وقال الموفّق الخوارزميّ أيضاً : ومن مقالةٍ لي فيه (عليه‌السلام ) : عبادَ الله، إنّ المصيبة بالحُسين (عليه‌السلام ) من أعظم المصائب، فصبّوا فيها شآبيبَ الدموعِ السواكب، بتصعيد الزفرات الغوالب، واستنزِفوا بالبُكاء الدماءَ، وأعقِبوا الكرْب والبلاء بتذكّرِكُم أيّام كربلاء نعم، إنّ المصيبة بالمقتول، نجلِ الرسول والبتول وعليِّ الليث الصؤول، مصيبةٌ لا يُجبرُ كسرُها، ولا يمكن جبرُها، وشعلةٌ في صدور المؤمنين لا ينطفي جمرُها، وعظيمةٌ في العظائم يتجدّدُ على الأيّام ذكرُها، وليلةٌ بليّةٌ رزيةٌ لا يتنفّسُ فجرُها، وقارعةٌ زلزلَتْ منها الأرض برَّها وبحرَها.

عجباً لـمـّنْ يتذكر مصارع هؤلاء الأتقياء، الشهداء الظمآء من أهل بيت خيرة صفوة الله خاتم الأنبياء، ثمَّ يتمتّع بعدهم بشربةٍ من الماء ! سبحان الله ! أيُّ ظُلمٍ جرى على أصحابِ الحربِ والمِحرابِ، وأربابِ الكتيبةِ والكتابِ، وفتيانِ الطعانِ والضرابِ، ورجالِ العبءِ والعبابِ، قاصمي الأصلاب، وقاسمي الأسلاب،

____________________

(١) مقتل الحُسين (عليه‌السلام ) - الخوارزمي ٢ / ١٨٢ - ١٨٣، الفصل الثالث عشر في ذكر بعض مراثي الحُسين (عليه‌السلام ).

١٢

وجازمي الرّقاب، وهازمي الأحزاب، وفالقي جماجمَ الأترابِ، روَّاضِ الصعاب، أحلاسِ صهوات العِرابِ، اُمراءِ الخطابِ المستطاب، ملوكِ يومِ الحساب، سلاطين يومِ الثّوابِ والعقابِ(١) .

ابنُ حنبل يروي فضلَ البكاءِ على الإمام الحُسين وأهل البيت (عليهم‌السلام )

روى عبد الله بن حنبل قال : حدّثنا أحمد بن إسرائيل، قال : رأيت في كتاب أحمد بن محمّد بن حنبل (رحمه‌الله ) بخط يده، حدّثنا أسود بن عامر أبو عبد الرحمن، حدّثنا الربيع بن منذر، عن أبيه، قال : . ثمّ كان حُسين بن علي (عليه‌السلام ) يقول : (( من دمعتا(٢) عيناه فينا دمعةً، أو قطرتْ عيناه فينا قطرةً أثواه الله (عزَّ وجل) الجنّة ))(٣) .

____________________

(١) مقتل الحُسين (عليه‌السلام ) - الخوارزمي ٢ / ١٨٣ - ١٨٤، الفصل الثالث عشر في ذكر بعض مراثي الحُسين (عليه‌السلام ).

(٢) هكذا في الأصل، والظاهر : دمعت، أو على التقديم والتأخير.

(٣) فضائل الصحابة - أحمد بن حنبل ٢ / ٦٧٥ ح ١١٥٤، وسيلة الآمال - العلّامه باكثير الحضرمي / ٦٠، نسخة مكتبة الظاهرية بدمشق، نقلاً عن إحقاق الحقِّ ٩ / ٥٢٣، وقال : ((. . أتاه الله )) وفي رواية (( بوّأه الله الجنّة )) أخرجه أحمد في المناقب، توضيح الدلائل - العلّامه شهاب الدين أحمد الشيرازي الحُسيني الشافعي / ٣١٦، والنّسخة مصوّرة من مخطوطة مكتبة الملّي بفارس، قال : (( . أعطاه الله (عزَّ وجل) الجنّة )) أخرجه الإمام أحمد في المناقب نقلاً عن إحقاق الحقِّ ٢٤ / ٦٦٠، كتاب استجلاب ارتقاء الغرف بحب أقرباء الرسول ذوي الشرف - العلّامه شمس الدين محمّد بن عبد الرحمن بن محمّد بن أبي بكر السّخاوي الشافعي / ٣٥، والنّسخة مصوّرة من مخطوطة مكتبة عاطف أفندي بإسلامبول، قال : (( . آتاه الله (عزَّ وجل) الجنّة )) أخرجه أحمد في المناقب، كتاب مطلع البدور ومجمع البحور - العلّامه شهاب الدين أحمد بن صالح بن محمّد اليماني المتوفّى سنة (١٠٩٢) ١ / ٩، نسخة مصوّرة من مخطوطة مكتبة دار الكتب العربيّة، قال : عن الحُسين (عليه‌السلام ) : (( مَنْ دمعت عيناه فينا قطرةً آتاه الله تعالى الجنّة )) نقلاً عن إحقاق الحقِّ ٢٤ / ٦٦١.

١٣

أقول : ورجاله ثقات(١) .

____________________

(١) الأوّل : عبد الله بن أحمد بن حنبل . من أئمّة أهل الخلاف، حتّى قيل : إنّه أفضل من أبيه، كما ذكره الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ٩ / ٣٨٩، وفي ط ص٣٧٦.

وقال فيه الذهبي في تذكرة الحفّاظ - ٢ / ٦٦٥ : عبد الله بن أحمد بن محمّد بن حنبل، الإمام الحافظ الحجّة أبو عبد الرحمن، محدّث العراق، وَلدُ إمام العلماء أبي عبد الله الشيباني المروزي الأصل البغدادي وُلد سنة ثلاث عشرة ومئتين، وسمع من أبيه فأكثر، ومن يحيى بن عبدويه صاحب شعبة . .، قال الخطيب : كان ثقة ثبتاً فهماً.

الثاني : أحمد بن إسرائيل : روى عنه عبد الله بن حنبل، وروى هو عن محمّد بن عثمان في كتابه فضائل الصحابة ٢ / ٦٦٨ ح ١١٤٠، حدّثني أحمد بن إسرائيل، ثنا محمّد بن عثمان، ثنا زكريا بن يحيى، ثنا يحيى بن سالم، ثنا أشعث بن عمّ حسن بن صالح وكان يُفضّل عليه، ثنا مسعر، عن عطيّة العوفي، عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : (( . ثمّ مكتوبٌ على باب الجنّة محمّد رسول الله، عليّ أخو رسول الله، قبل أن تُخلق السّماوات بألفي سنة )).

وقال فيه الخطيب البغدادي في كتابه - موضح أوهام الجمع والتفريق ١ / ٤٦٥ : . وهو أحمد بن إسرائيل، الذي روى عنه أبو بكر بن مالك القطيعي، أخبرنا أبو طاهر محمّد بن عليّ بن محمّد بن يوسف الواعظ، أخبرنا أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك القطيعي، حدّثني أحمد بن إسرائيل، حدّثنا محمّد بن عثمان، حدّثنا زكريا بن يحيى ينوي، حدّثنا يحيى بن سالم، حدّثنا أشعث ابن عم حسن بن صالح وكان يُفضّل عليه، حدّثنا مسعر، عن عطية العوفي، عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : (( مكتوبٌ على باب الجنّة محمّد رسول الله، عليّ أخو رسول الله، قبل أن أخلق السّماوات بألفي سنة )).

أقول : وفي ط : (( قبل أن أصحهما السّماوات . )) والصحيح ما أثبتناه.

قال فيه الذهبي في ميزان الاعتدال ١ / ١٠١ : =

١٤

____________________

= ٣٩٦ - [ صح ] أحمد بن سلمان بن الحسن بن إسرائيل بن يونس، أبو بكر النّجاد، الفقيه الحنبلي المشهور، عن هلال بن العلاء، وأبي قلابة، وخلق ورحل وصنّف السّنن.

روى عنه ابن مردويه، وأبو علي بن شاذان، وعبد الملك بن بشران وخلق كثير وكان رأساً في الفقه، رأساً في الرواية، ارتحل إلى أبي داود السّجستاني وأكثر عنه، وكان ابن زرقويه يقول : النّجاد بن صاعد قلت : هو صدوق.

قال الدار قطني : حدّث من كتاب غيره بما لم يكن في اُصوله وقال الخطيب : كان قد عمي في الآخر، فلعل بعض الطّلبة قرأ عليه ذلك.

وقال الألباني في إرواء الغليل ٣ / ٤٠ : (فائدة) : النّجاد - الذي عزا إليه الحديثَ مؤلفُ الكتاب - هو أحمد بن سلمان بن الحُسين، أبو بكر الفقيه الحنبلي، يُعرف بالنّجاد، وهو حافظٌ صدوقٌ، جمع المسندَ، وصنّف في السّنن كتاباً كبيراً، روى عنه الدار قطني وغيره من المتقدّمين، ولِدَ سنة (٢٥٣ ه) فيما قيل، وتوفي سنة (٣٤٨ه).

الثالث : وهو إمام الحنابلة، وصاحب المسند المشهور، أبو عبد الله أحمد بن حنبل الشّيباني.

وإليك ما قاله فيه الذهبي في تذكرة الحفّاظ ٢ / ٤٣١ : أحمد بن حنبل شيخ الإسلام، وسيّد المسلمين في عصره، الحافظ الحجّة، أبو عبد الله أحمد بن محمّد بن حنبل بن هلال بن أسد الذّهلي الشّيباني المروزي ثم البغدادي ولِدَ سنة أربع وستّين ومئة.

الرابع : أسود بن عامر : وهو شاذان، قال فيه الذهبي في سير أعلام النبلاء ١٠ / ١١٢ - ١١٣ : شاذان الإمام الحافظ الصّدوق، أبو عبد الرحمن أسود بن عامر، شاذان الشّامي ثم البغدادي ولِدَ سنة بضعٍ وعشرين ومئة، وسمع هشامَ بن حسّان، وطلحة بن عمرو، وذواد بن علبة، وجرير بن حازم، وشعبة بن الحجّاج، وسفيان الثّوري، وعبد العزيز بن الماجشون، و حمّاد بن سلمة، و حمّاد بن زيد وعدّة.

حدّث عنه أحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، وأبو ثور الكلبي، وعمرو النّاقد، وعبد الله الدارمي، ويعقوب بن شيبة، وأحمد بن الوليد الفحّام، وأحمد بن الخليل البرجلاني، والحارث بن أبي اُسامة وخلق كثير.

وثّقه ابن المديني وغيره، وحدّث عنه من القدماء بقية بن الوليد.

توفي في أوَّل سنة ثمان ومئتين ببغداد، وروى عنه مسلم في صحيحه في ٦ / ١٦٥.

الخامس : الربيع بن منذر الثّوري : قال فيه العجلي في معرفة الثّقات ١ / ٣٥٦ : (٤٦١) الربيع بن منذر كوفي ثقة =

١٥

أقول : وهذا ليس بغريب، بل مثله الكثير في الأحاديث النّبوية، وهذا ليس بأعظم من مصافحة المؤمن للمؤمن.

قال الهيثمي : وعن سلمان الفارسي، أنّ النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قال : (( إنّ المسلمَ إذا لقى أخاه المسلم فأخذ بيده تحاتتْ عنهما ذنوبُهما، كما يتحاتّ الورقُ عن الشّجرة اليابسة في يومِ ريحٍ عاصفٍ، وإلّا غفر لهما، ولو كانت ذنوبُهما مثل زبدَ البحر )) رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح، غير سالم بن غيلان وهو ثقة(١) .

وأيضاً جاء في حبِّ آل محمّد (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ما يفوق على غفران الذّنوب من أن يعطى المراتب العالية ببركة حبّهم (صلوات الله عليه وعليهم أجمعين).

قال القرطبي في تفسيره : وكفى قبحاً بقول مَنْ يقول : إنّ التّقرّبَ إلى الله بطاعته، ومودة نبيه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وأهل بيته منسوخٌ، وقد قال النّبيُّ (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : (( مَنْ مات على حبّ آل محمّد مات شهيداً، ومَنْ مات على حبّ آل محمّد جعل الله زوّار قبره الملائكة والرّحمة، ومَنْ مات على بغض آل محمّد جاء يوم القيامة مكتوباً بين عينيه آيسٌ اليوم من رحمة الله، ومَنْ مات على بغض

____________________

= والسادس : هو منذر الثّوري : قال فيه العجلي في معرفة الثقات ٢ / ٢٩٨: (١٧٩١) منذر الثّوري، أبو يعلى، كوفي ثقة وقال الرّازي في الجرح والتعديل ٨ / ٢٤٢:

١٠٩٣ - منذر بن يعلى، أبو يعلى الثّوري، روى عن ابن الحنفيّة، وسعيد بن جبير، والربيع بن خثيم، وعاصم بن ضمرة.

روى عنه الأعمش، وسعيد بن مسروق، وفطر، والحجّاج بن أرطاة، وابنه الرّبيع بن منذر، سمعت أبي يقول ذلك ثنا عبد الرحمن قال : ذكره أبي، عن إسحاق بن منصور، عن يحيى بن معين، أنّه قال : منذر الثّوري ثقة.

وذكره ابن حبان في الثقات ٧ / ٥١٨ وروى عنه البخاري في صحيحه في باب الوضوء ١ / ٤٢.

(١) مجمع الزوائد - الهيثمي ٨ / ٣٧، وفي ط ص٧٧ ح ١٢٧٧١.

١٦

آل محمّد لم يرح رائحة الجنّة، ومَنْ مات على بغض آل بيتي فلا نصيبَ له في شفاعتي )).

قلت : وذكر هذا الخبر الزمخشري في تفسيره بأطول من هذا، فقال : وقال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : (( مَنْ مات على حبّ آل محمّد مات شهيداً، ألا ومَنْ مات على حبّ آل محمّد مات مؤمناً مستكملَ الإيمان، ألا ومَنْ مات على حبّ آل محمّد بشّره ملك الموت بالجنّة، ثمّ منكر ونكير، ألا ومَنْ مات على حبّ آل محمّد فُتِحَ له في قبره بابان إلى الجنّة، ألا ومَنْ مات في حبّ آل محمّد جعل الله قبره مزارَ ملائكةِ الرّحمة، ألا ومَنْ مات على حبّ آل محمّد مات على السنّة والجماعة، ألا ومَنْ مات على بغض آل محمّد جاء يوم القيامة مكتوباً بين عينيه آيسٌ من رحمة الله، ألا ومَنْ مات على بغض آل محمّد مات كافراً ))(١) .

البكاءُ على الإمام الحُسين (عليه‌السلام ) يُخرِجُ من النّار

الخطيب البغدادي، قال : حدّث عن محمّد بن عبد الله الحضرمي، والحسن بن حبّاش الدّهقان، وجعفر بن محمّد بن عبيد بن عتبة الكندي، وغيرهم روى عنه أحمد بن محمّد بن عمران بن الجندي، وكنَّاه نسبة إلى لقب أبيه من غير أن يسمّيه، وحدّث عنه أيضاً جناح بن نذير وغيره من الكوفيِّين، ثنا الحسن بن أبي طالب، ثنا أحمد بن محمّد بن عمران، ثنا أبو الحسن بن شُقَير، ثنا جعفر بن محمّد بن عُبيد، ثنا أحمد بن يحيى الأودي، ثنا مخول بن إبراهيم، ثنا محمّد بن بكر، ثنا الرّبيع بن منذر الثّوري، عن أبيه قال : سمعت الحُسين بن عليٍّ (عليه‌السلام ) يقول : (( مَنْ دمعَتْ عينُه فينا

____________________

(١) تفسير القرطبي ١٦ / ٢٢.

١٧

دمعةً، أو قطرَتْ عينُه فينا قطرةً أثواه الله بها في الجنّة حقباً، وإنْ دخل النّار أخرجتُه منها ))(١) .

ثوابُ البكاءِ والدمعةِ على الإمام الحُسين (عليه‌السلام )

قال القندوزي الحنفي : وفي تفسير علي بن إبراهيم، عن الباقر (عليه‌السلام ) قال : كان أبي عليُّ بن الحُسين (عليه‌السلام ) يقول : (( أيّما مؤمنٍ دمعَتْ عيناه لقتل الحُسين (عليه‌السلام ) ومَنْ معه حتّى يسيلَ على خدّيه، بوّأه الله في الجنّة غُرفاً، وأيّما مؤمنٍ دمعَتْ عيناه دمعاً حتّى يسيل على خدّيه لأَذىً مسَّنا من عدوِّنا، بوَّأه الله مبوَّأ صدقٍ، وأيّما مؤمنٍ مسَّه أذى فينا فدمعَتْ عيناه حتّى يسيلَ دمعُه على خدّيه من مضاضة ما اُوذي فينا، صرفَ الله عن وجهِهِ الأذى، وآمنه يوم القيامة من سخطِهِ ومِنَ النّار ))(٢) .

وقال القندوزي أيضاً : وفي تفسير علي بن إبراهيم، عن جعفر الصادق (عليه‌السلام ) قال : (( مَنْ ذَكَرَنا أو ذُكِرَنا عنده، فخرج من عينيه دمعٌ مثلُ جناحِ بعوضةٍ غفر الله له ذُنوبَه، ولو كانت مثلَ زبدِ البحر ))(٣) .

البكاءُ في يوم عاشوراء عن الإمام الصادق (عليه‌السلام )

قال الأسفراييني : (ويروي) عن جعفر الصادق (عليه‌السلام ) أنّه قال : (( قُتِلَ بالحُسين مئة ألف ولمْ

____________________

(١) تلخيص المتشابه - الخطيب البغدادي ١ / ٥٦٣.

(٢) ينابيع المودّة ٣ / ١٠٢.

(٣) المصدر نفسه.

١٨

تقُمْ بثأره، وسيُطلبُ بثأره )) قال جعفر الصادق (عليه‌السلام ) : (( إنّ الشهرَ المحرّمَ كانت الجاهليّةُ يُحرّمون فيه القتالَ، فاستُحلّتْ فيه دماؤنا، وانتُهبَ فيه مالُنا، وتهتكت فيه حريمنا، ولمْ يبقَ فيه حرمةٌ لنا إنّ يومَ عاشوراءَ أحرقَ قلوبَنا، وأرسلَ دموعَنا، وأرضَ كربلاءَ أورثتْنا الكربَ والبلاءَ فعلى مثلِ الحُسين (عليه‌السلام ) فليبكِ الباكون ؛ فإنّ البكاءَ عليه يمحُو الذّنوبَ أيُّها المؤمنون ))(١) .

ما ذُكر في منزلة الباكين في الجنّة، وفضل البكاء في يوم عاشوراء

قال ابن حجر في الإصابة، قال الذهبي : ووقفتُ على نسخةٍ يرويها عبيد الله بن محمّد بن عبد العزيز السّمرقندي، قال : حدّثني الإمام صفوة الأولياء جلالُ الدين موسى بن مجلي بن بندار الدّنيسيري، أخبرنا الشّيخ الكبير العديم النّظير رتن بن نصر بن كربال الهندي، عن النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) . .(فذكر أحاديث كثيرة) . إلى أنْ قال : (( ما مِنْ عبدٍ يبكي يومَ اُصيبَ ولدي الحُسين (عليه‌السلام ) إلّا كان يوم القيامة مع اُولي العزم من الرّسل )) وقال : (( البُكاء في يومِ عاشوراء نورٌ تامٌ يوم القيامة ))(٢) .

____________________

(١) نور العين في مشهد الحُسين (عليه‌السلام ) - أبو إسحاق الأسفراييني / ٨٣، وفي ط ص٧٢.

(٢) الإصابة ٢ / ٥٢٧.

أقول : وهذه مع ضعف سندها، ولكنْ يتقوّى بما تقدّم من الرواية الأولى الصحيحة عن ابن حنبل، وأيضاً توجد كثيرٌ من هذه الروايات، ولكنّ الظروف العامّة التي خلقها بنو اُميّة وبنو العبّاس، والظّلمة والخوارج، وغيرهم من أعداء أهل البيت (عليهم‌السلام ) منعتْ وصولَ الكثيرِ من روايات فضائلِهم (عليهم‌السلام ) فضلاً عن الروايات التي تُصرّحُ بالأحكام الشرعيّة المتعلّقة بأفعال النّاس من التي تُشيدُ بذكرِهم (عليهم‌السلام ) ؛ مثل استحباب البكاء عليهم التي لا ينفكّ عنها المسلمون بحيث تكون على الدوام تُنادي بفضل أهل البيت (عليهم‌السلام )، وأكبرُ شاهدٍ في زماننا على ذلك تركهم ذكرَ الآل في الصّلاة على النّبي محمّد (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) مع وجود الروايات المصرّحة بالنّهي عن الصّلاة البتراء، وهي التي لا يُذكر فيها أهل البيت (عليهم‌السلام ).

١٩

جوابُ مَنْ منع مدح أهل البيت (عليهم‌السلام )

وقال القندوزي الحنفي : وفي جواهر العقدين، قال أبو الحسن بن سعيد في كنوز المطالب في فضائل بني أبي طالب : إنّ الشعراء يشتغلون ببغداد بالمشهد الكاظمي (رضي‌الله‌عنه ) في مدح أهل البيت، وأنكر بعض مَنْ غلب عليه التّعصبُ والتقليدُ، فقلت هذه الأبيات :

يا أهلَ بيتِ المصطفى عجباً لِمَنْ

يأبى حديثَكُمـُ مِنَ الأقوامِ

واللهُ قد أثنى عليكم قبلَه

وبهدْيِكُم شُدَّتْ عُرَى الإسلام

اللهُ يَحْشُرُ كلَّ مَنْ عاداكُمـُ

يومَّ الحسابِ م-زَلْزَلَ الأقدامِ

ويرى شفاعةَ جدِّكم مَنْ دونَه

ويُذادُ عن حوضٍ طريداً ظامي(١)

مجيءُ الزهراء (عليها‌السلام ) يوم المحشر وشفاعتها للباكين على مصيبة الإمام الحُسين (عليه‌السلام )

قال حسام الدين الحنفي : قال النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : (( إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ من بطنان العرش : يا أهلَ القيامة، أغمِضُوا أبصارَكم لتجوزَ فاطمةُ بنتُ محمّدٍ (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، مع قميصٍ مخضوبٍ بدمِ الحُسين (عليه‌السلام )، فتحتوي على ساق العرش، فتقول : أنت الجبّار العدل، اقضِ بيني وبين مَنْ قتلَ ولدي فيقضي الله لبنتي وربِّ الكعبة، ثم تقول : اللّهمَّ، اشفعني في مَنْ بكى على مصيبته فيشفّعها الله فيهم ))(٢) .

____________________

(١) ينابيع المودّة لذوي القربى ٣ / ١٠٣.

(٢) كتاب ( آل محمّد ) للعلّامه حسام الدين الحنفي / ٣٧ (نسخة مكتبة السيد الأشكوري)، نقلاً عن إحقاق الحقِّ ٢٥ / ٢٢٢.

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

والجواب عن تشبّث الرّازي بترك الجاحظ رواية حديث الغدير من وجوه:

١. الجاحظ من النواصب

إن الجاحظ يعدّ من كبار النواصب لأمير المؤمنين -عليه‌السلام - ومن أنصار المروانية أعداء الامام، حتى أنه ألّف لهم كتاباً في تأييد مذهبهم شحنه كذباً وافتراءً على علي -عليه‌السلام -، وملأه تنقيصاً وتشكيكاً في فضائله ومناقبه وخصائصه، ومواقفه التي لم يشركه فيها أحد من المسلمين، في الدفاع عن الإسلام ونبي الاسلام محمد -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم -.

قال ( الدهلوي ): « الجاحظ معتزلي وناصبي معاً، وله كتاب ذكر فيه نقائص أمير المؤمنين، وأكثر رواياته هي عن إبراهيم النظام »(١) .

ثم إن ( الدهلوي ) صرح في باب الامامة من كتابه بأن الطعن في أمير المؤمنين -عليه‌السلام - كفر.

هذا، وقد نص على تأليف الجاحظ الكتاب المشار اليه ابن تيمية الحراني حيث قال بعد كلام له حول مراتب الصحابة:

___________________

(١). حاشية التحفة الاثنا عشرية - مبحث الدلائل العقلية على إمامة أمير المؤمنين.

٢٦١

« فإذا كانت هذه مراتب الصحابة عند أهل السنة، كما دلَّ عليه الكتاب والسنة، وهم متفقون على تأخر معاوية وأمثاله من مسلمة الفتح، ممن أسلم بعد الحديبية، وعلم تأخر هؤلاء عن السابقين الأولين أهل الحديبية، وعلم أن البدريين أفضل من غير البدريين، وأن علياً أفضل من جماهير هؤلاء، لم يقدّم عليه أحداً غير الثلاثة، فكيف ينسب إلى أهل السنة تسويته بمعاوية أو تقديم معاوية عليه؟

نعم، مع معاوية طائفة كثيرة من المروانية وغيرهم، كالذين قاتلوا معه وأتباعهم، يقولون إنه كان في قتاله على الحق مجتهداً مصيباً، وإنّ عليّاً ومن معه كانوا ظالمين أو مجتهدين مخطئين، وقد صنّف لهم في ذلك مصنفات مثل كتاب المروانية الذي صنفه الجاحظ »(١) .

وقال ابن تيمية في موضع آخر من كتابه:

« والمروانية الذين قاتلوا علياً وإنْ كانوا لا يكفّرونه، فحجتهم أقوى من حجّة هؤلاء الرافضة، وقد صنف الجاحظ كتاباً للمروانية ذكر فيه من الحجج التي لهم ما لا يمكن للزيدية نقضه، دع الرافضة »(٢) .

فهذا هو حال الجاحظ الذي يتمسك الرازي بتركه رواية حديث الغدير.

٢. أضاليل الجاحظ وردود المفيد عليه

واعلم أن الجاحظ قد أورد في كتابه المذكور عن إبراهيم النظام مطاعن أمير المؤمنين -عليه‌السلام - والعياذ بالله -. وقد أجاب عن تلك المزاعم شيخ الامامية الشيخ المفيد - رحمة الله عليه - في كتابه ( العيون والمحاسن ) الذي اختصره تلميذه الشّريف المرتضى علم الهدى -رحمه‌الله - في كتابٍ أسماه بـ ( الفصول المختارة من

___________________

(١). منهاج السنة ٢ / ٢٠٧.

(٢). المصدر نفسه ٤ / ٧٠.

٢٦٢

العيون والمحاسن )، وقد اعتمد ( الدهلوي ) على تلك الأجوبة فأوردها في ( التحفة ) في الجواب عن الدليل السادس من الأدلة العقلية على إمامة أمير المؤمنين -عليه‌السلام - نقلاً عن النواصب.

ترجمة الشيخ المفيد

والشيخ المفيد من كبار أئمّة الإِمامية، وقد ترجم له علماء أهل السنة:

١ - الحافظ الذهبي: « والشيخ المفيد أبو عبد الله محمد بن النعمان البغدادي الكرخي، ويعرف أيضاً بابن المعلّم، عالم الشيعة وإمام الرّافضة وصاحب التصانيف الكثيرة.

قال ابن أبي طي في تاريخ الامامية: هو شيخ مشايخ الطائفة ولسان الإمامية ورئيس الكلام والفقه والجدل، يناظر أهل كلّ عقيدة، مع الجلالة العظيمة في الدولة البويهية، قال: وكان كثير الصدقات، عظيم الخشوع، كثير الصلاة والصوم، خشن اللباس.

وقال غيره: كان عضد الدّولة ربما زار الشيخ المفيد، وكان شيخاً ربعة نحيفاً أسمر، عاش ستاً وسبعين سنة، وله أكثر من مائتي مصنف، كانت جنازته مشهودة، وشيّعه ثمانون ألفا من الرافضة والشيعة، وأراح الله منه، وكان موته في رمضان »(١) .

٢ - اليافعي: « وفيها توفي عالم الشيعة وإمام الرافضة صاحب التصانيف الكثيرة، شيخهم المعروف بالمفيد وبابن المعلم أيضاً، البارع في الكلام والجدل والفقه، وكان يناظر أهل كل عقيدة مع الجلالة والعظمة في الدولة البويهية. قال ابن أبي طي »(٢) .

___________________

(١). العبر - حوادث سنة ٤١٣.

(٢). مرآة الجنان - حوادث سنة ٤١٣.

٢٦٣

٣ - الحافظ ابن حجر: « محمد بن محمد بن النعمان، الشيخ المفيد، عالم الرافضة أبو عبد الله ابن المعلم صاحب التصانيف البدعية وهي مائتا تصنيف، طعن فيها على السلف، له صولة عظيمة بسبب عضد الدولة، شيّعه ثمانون ألف رافضي مات سنة ٤١٣.

قال الخطيب: صنّف كتباً كثيرة في ضلالهم والذب عن اعتقادهم والطعن على الصحابة والتابعين وأئمّة المجتهدين، وهلك بها خلق، إلى أن أراح الله منه في شهر رمضان.

قلت: وكان كثير التقشف والتخشع والاكباب على العلم، تخرّج به جماعة وبرع في أفعاله الامامية حتى كان يقال: له على كل إمامي منة، وكان أبوه مقيماً بواسط وولد المفيد بها وقيل: بعكبرا. ويقال: إن عضد الدولة كان يزوره في داره ويعوده إذا مرض.

وقال الشريف أبو يعلى الجعفري - وكان تزوج بنت المفيد -: ما كان المفيد ينام من الليل إلّا هجعة، ثمّ يقوم يصلي أو يطالع أو يدرّس أو يتلو القرآن »(١) .

ردود الاسكافي على الجاحظ

كما أورد ابن أبي الحديد المعتزلي في ( شرح نهج البلاغة ) طرفاً من تشكيكات الجاحظ في فضائل الامام -عليه‌السلام - ومناقبه وخصائصه التي انفرد بها من بين الصحابة، ككونه أول من أسلم، ومبيته على فراش النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - وشجاعته ومواقفه في الغزوات، وغير ذلك، ونقل ردود شيخه أبي جعفر الاسكافي المعتزلي على أضاليله وأباطيله في كتابه ( نقض العثمانية ) فمن أراد الوقوف عليها فليراجع.

___________________

(١). لسان الميزان ٥ / ٣٦٨.

٢٦٤

ترجمة أبي جعفر الاسكافي

وقد ترجم لأبي جعفر الاسكافي - صاحب الرد على الجاحظ -:

١ - السمعاني: « أبو جعفر محمد بن عبد الله الاسكافي، أحد المتكلمين من معتزلة البغداديين، له تصانيف معروفة، وكان الحسين بن علي الكرابيسي يتكلّم معه ويناظره. وبلغني أنه مات في سنة أربعين ومائتين »(١) .

٢ - ياقوت الحموي: « محمد بن عبد الله أبو جعفر الاسكافي، عداده في أهل بغداد، أحد المتكلّمين من المعتزلة، له تصانيف، وكان يناظر الحسين بن علي الكرابيسي ويتكلّم معه. مات في سنة أربع ومائتين »(٢) .

٣ - قاضي القضاة عبد الجبار المعتزلي * وهو صاحب كتاب ( المغني ) ترجم له الأسنوي في طبقاته، فقال: القاضي أبو الحسن عبد الجبار الاسترآبادي، إمام المعتزلة، كان مقلّدا للشافعي في الفروع، وعلى رأس المعتزلة في الأصول، وله في ذلك التصانيف المشهورة، تولى قضاء القضاة بالري، ورد بغداد حاجّاً وحدّث بها عن جماعة كثيرين، توفي في ذي القعدة سنة خمس عشرة وأربعمائة، ذكره ابن الصلاح * إذ قال ابن أبي الحديد ما نصه:

« أبو جعفر الاسكافي، فهو شيخنا محمد بن عبد الله الاسكافي، عدّه قاضي القضاة في الطبقة السابعة من طبقات المعتزلة، مع عباد بن سليمان الصيمري ومع زرقان ومع عيسى بن الهيثم الصوفي، وجعل أول الطبقة ثمامة بن أشرس أبا معن، ثم أبا عثمان الجاحظ، ثمّ أبا موسى عيسى بن صبيح المرداد، ثم أبا عمران يونس بن عمران، ثم محمد بن شبيب، ثم محمد بن إسماعيل العسكري، ثم عبد الكريم بن روح العسكري، ثم أبا يعقوب يوسف بن عبد الله الشحّام، ثم

___________________

(١). الأنساب - الاسكافي.

(٢). معجم البلدان ١ / ١٨١.

٢٦٥

أبا الحسين الصالح، ثم صالح قبة، ثم الجعفران جعفر بن جرير وجعفر بن ميسر، ثم أبا عمران بن النقاش، ثم أبا سعيد أحمد بن سعيد الأسدي، ثم عباد ابن سليمان ثم أبا جعفر الاسكافي هذا.

وقال: كان أبو جعفر فاضلاً عالماً، وصنّف سبعين كتاباً في علم الكلام وهو الذي نقض كتاب العثمانية على أبي عثمان الجاحظ في حياته، ودخل الجاحظ سوق الورّاقين ببغداد، فقال: من هذا الغلام السوادي الذي بلغني أنه تعرّض لنقض كتابي - وأبو جعفر جالس -؟ فاختفى منه حتى لم يره، وكان أبو جعفر يقول بالتفضيل على قاعدة معتزلة بغداد يبالغ في ذلك، وكان علويّ الرأي، محققاً منصفاً، قليل العصبية ».

٣. قال الخطابي: الجاحظ ملحد

ولهذه الأمور وغيرها صرّح الحافظ الخطابي بأن الجاحظ رجل ملحد وهل يستند الى ترك رواية هذا الرجل حديث الغدير للطعن فيه؟

إنّه لا قيمة لكلام هكذا شخص ولا وزن له في معرفة الأحاديث النبوية الشريفة مطلقا

أما كلام الخطابي فقد أورده الشيخ محمد طاهر الكجراتي * المتوفى سنة ٩٨٦، ترجمه الشيخ العيدروس في ( النور السافر عن أخبار القرن العاشر ) في حوادث السنة المذكورة بقوله: « استشهد الرّجل الصّالح العلامة جمال الدين محمد طاهر الملقب بملك المحدثين الهندي – رحمه ‌الله آمين - على يدي المبتدعة من فرقتي الرافضة السّبابة والمهدوية القتّالة وهو الذي أشار إليه النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - بالمزية في الرؤيا التي رآها الشيخ علي المتقي السابقة، وناهيك بها من منقبة علية، وكان على قدم من الصلاح والورع والتبحّر في العلم، كانت ولادته سنة ٩١٣، وحفظ القرآن وهو لم يبلغ الحنث، وجدّ في العلم ومكث كذلك نحو خمسة عشر سنة، وبرع في فنونٍ عديدة وفاق الأقران، حتى لم يعلم أن أحداً من

٢٦٦

علماء كجرات بلغ مبلغه في فن الحديث. كذا قال بعض مشايخنا. وله تصانيف نافعة » * في كتابه ( تذكرة الموضوعات ) حيث قال:

« في المقاصد: « اختلاف أمتي رحمة » للبيهقي، عن الضحاك، عن ابن عباس، رفعه في حديث طويل بلفظ: واختلاف أصحابي لكم رحمة، وكذا الطبراني والديلمي والضحاك عن ابن عباس منقطع، وقال العراقي: مرسل ضعيف، وقال شيخنا: إن هذا الحديث مشهور على الألسنة وقد أورده ابن الحاجب في المختصر في القياس، وكثر السؤال عنه، فزعم كثير من الأئمة أنه لا أصل له. لكن ذكره الخطابي وقال: اعترض على هذا الحديث رجلان، أحدهما ما جن والآخر ملحد، وهما: إسحاق الموصلي والجاحظ، وقالا: لو كان الاختلاف رحمة لكان الاتفاق عذابا، ثم رد الخطابي عليهما »(١) .

و قد نقله الشيخ نصر الله الكابلي أيضاً، حيث قال في ( صواعقه ):

« الثامن - ما رواه البيهقي في المدخل، عن ابن عباس -رضي‌الله‌عنه - انه قال -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم -: إختلاف أمتى رحمة. قال شيخ الإسلام شهاب الدين ابن حجر العسقلاني: هو حديث مشهور على الألسنة. وقال الخطابي في غريب الحديث: اعترض على هذا الحديث رجلان أحدهما ما جن والآخر ملحد وهما: إسحاق الموصلي وعمرو بن بحر الجاحظ وقالا جميعاً: لو كان الاختلاف رحمة لكان الاتفاق عذاباً ».

وفي شرح حديث القرطاس من شرح مسلم للنووي عن الخطابي في الجاحظ إنه « مغموص عليه في دينه ».

ترجمة الخطابي

وقد ذكر الخطابي مترجموه بكل إطراء وثناء، فقد ترجم له:

___________________

(١). تذكرة الموضوعات / ٩٠ - ٩١.

٢٦٧

١ - السمعاني: « أبو سليمان أحمد(١) بن محمد بن ابراهيم بن الخطاب البستي الخطابي، إمام فاضل، كبير الشأن، جليل القدر، صاحب التصانيف الحسنة مثل: أعلام الحديث في شرح صحيح البخاري، ومعالم السنن في شرح الأحاديث التي في السنن، وكتاب غريب الحديث، والعزلة، وغيرها. سمع أبا سعيد ابن الأعرابي بمكة، وأبا بكر محمد بن بكر بن داسة التمّار بالبصرة وإسماعيل ابن محمد الصفار ببغداد، وغيرهم. وروى عنه الحاكم أبو عبد الله الحافظ، وأبو الحسين عبد الغافر بن محمد الفارسي، وجماعة كثيرة.

وذكره الحاكم أبو عبد الله في التاريخ فقال: الفقيه الأديب البستي أبو سليمان الخطابي، أقام عندنا بنيسابور سنين، وحدّث بها وكثرت الفوائد من علومه، وتوفي في سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة ببست »(٢) .

٢ - ابن خلكان: « كان فقيهاً، أديباً محدثاً، له التصانيف البديعة وكان يشبّه في عصره بأبي عبيد القاسم علماً وأدباً وزهداً وورعاً وتدريساً وتأليفاً »(٣) .

٣ - الذهبي ، ووصفه بـ « الفقيه الأديب » وقال: « كان علامة محققاً »(٤) .

٤ - اليافعي ، ووصفه بـ « الامام الكبير والحبر الشهير » قال: « كان فقيهاً أديباً، محدثاً »(٥) .

٥ - الصفدي ، وذكر عن السمعاني قوله: « كان الخطابي حجة صدوقاً » وعن الثعالبي: « كان يشبّه في زماننا بأبي عبيد القاسم بن سلام »(٦) .

___________________

(١). في بعض المصادر اسمه: حمد.

(٢). الأنساب - الخطابي.

(٣). وفيات الأعيان ١ / ٤٥٣.

(٤). العبر - حوادث سنة ٣٨٨.

(٥). مرآة الجنان - حوادث سنة ٣٨٨.

(٦). الوافي بالوفيات ٧ / ٣١٧.

٢٦٨

٦ - الأسنوي: « كان فقيهاً، رأساً في علم العربية والأدب وغير ذلك »(١) .

٧ - ابن قاضي شهبة الأسدي، وأضاف: « ومحلّه من العلم مطلقا ومن اللّغة خصوصاً، الغاية العليا »(٢) .

٨ - السيوطي: « الخطابي الامام العلامة المفيد المحدث الرحّال وكان ثقة ثبتاً [ متثبتاً ] من أوعية العلم »(٣) .

٩ - محمد بن محمد السنهوري الشافعي، وصفه بـ « العلامة الحافظ »(٤) .

١٠ - عبد الحق الدهلوي: « المشار إليه في عصره والعلامة فريد دهره في الفقه والحديث والأدب ومعرفة الغريب، له التصانيف المشهورة والتأليفات العجيبة »(٥) .

١١ - ( الدهلوي )، ذكر النووي البغوي والخطابي وقال: « إنّهم من علماء الشافعية وهم معتمدون جدّاً، وكلامهم متين مضبوط »(٦) .

١٢ - الفخر الرازي، حيث مدحه وأطراه بقوله: « والمتأخرون من المحدثين فأكثرهم علماً وأقواهم قوة وأشدّهم تحقيقاً في علم الحديث هؤلاء وهم:

أبو الحسن الدارقطني، والحاكم أبو عبد الله الحافظ، والشيخ أبو نعيم الاصفهاني، والحافظ أبو بكر البيهقي، والامام أبو بكر عبد الله بن محمد بن زكريا الجوزقي صاحب كتاب المتفق، والامام الخطيب صاحب تاريخ بغداد. والامام أبو سليمان الخطابي الذي كان بحراً في علم الحديث واللغة، وقيل في وصفه: جعل الحديث لأبي سليمان كما جعل الحديد لأبي سليمان، يعنون داود النبي

___________________

(١). طبقات الشافعية ١ / ٤٦٧.

(٢). طبقات الشافعية ١ / ١٥٩.

(٣). طبقات الحفاظ: ٤٠٣.

(٤). التعليق على فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي - مخطوط.

(٥). رجال المشكاة لعبد الحق الدهلوي: ٣٨٤.

(٦). أصول الحديث: ٢٣.

٢٦٩

صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - حيث قال تعالى فيه: وألنّا له الحديد.

فهؤلاء العلماء صدور هذا العلم بعد الشيخين، وهم بأسرهم متفقون على تعظيم الشافعي»(١) .

هذا، وقد اعتمد عليه نصر الله الكابلي في ( صواقعه ) في الجواب عن منع عمر المغالاة في المهر، واصفاً إيّاه بـ « الحافظ ». وكذا ( الدهلوي ) في ( التحفة ) في الجواب عن القضية المذكورة، وحيدر علي الفيض آبادي في كتابه ( منتهى الكلام )(٢) .

٤. آراء العلماء في الجاحظ

ومن المناسب أن نورد هنا طرفاً من كلمات أئمّة الجرح والتعديل في الجاحظ، الصريحة في سقوط الرجل عن درجة الاعتبار، وفي عدم وثوقهم به:

١ - الحافظ الذهبي: « عمرو بن بحر الجاحظ المتكلم صاحب الكتب. قال ثعلب: ليس ثقة ولا مأموناً »(٣) .

٢ - الذهبي أيضاً: « عمرو بن بحر الجاحظ صاحب التصانيف، روى عنه أبو بكر بن أبي داود فيما قيل. قال ثعلب: ليس ثقة ولا مأموناً. قلت: وكان من أئمّة البدع »(٤) .

٣ - الذهبي أيضاً: « الجاحظ العلّامة المتبحر، ذو الفنون، ابو عثمان عمرو ابن بحر بن محبوب البصري المعتزلي، صاحب التصانيف، أخذ عن النظام وروى

___________________

(١). فضائل الشافعي للفخر الرازي: ٦٥.

(٢). وله ترجمة أيضاً في يتيمة الدهر ٤ / ٣٣٤، إنباه الرواة ١ / ١٢٥، معجم الأدباء ٤ / ٢٤٦، شذرات الذهب ٣ / ١٢٧ تذكرة الحفاظ ١٠١٨ المنتظم حوادث ٣٨٨، تاريخ ابن كثير والنجوم الزاهرة في حوادث السنة المذكورة.

(٣). المغني في الضعفاء ٢ / ٤٧١.

(٤). ميزان الاعتدال في نقد الرجال ٣ / ٢٤٧.

٢٧٠

عن أبي يوسف القاضي وثمامة بن أشرس. روى عنه أبو العيناء، ويموت بن المزرع ابن أخته. وكان أحد الأذكياء.

قال ثعلب: ما هو بثقة، وقال: قال يموت: كان جدّه جمالاً أسود. وعن الجاحظ: نسيت نسبي ثلاثة أيام حتى عرفني أهلي.

قلت: كان ماجناً قليل الدين، له نوادر

قلت: يظهر من شمائل الجاحظ أنه يختلق.

قال اسماعيل بن الصفار: أنا أبو العيناء، قال: أنا والجاحظ وضعنا حديث فدك، فادخلناه على الشيوخ ببغداد، فقبلوه إلّا ابن شيبة العلوي، فإنّه قال: لا يشبه آخر هذا الحديث أوّله.

أخبرنا أحمد بن سلامة كتابة، عن أحمد بن طارق، أنبأنا السلفي، أنبأ المبارك بن الطيوري، أنبأ محمد بن علي الصوري إملاء، أنبأ خلف بن محمد الحافظ بصور، أنبأ أبو سليمان بن زبر، ثنا أبو بكر بن أبي داود، قال: أتيت الجاحظ فاستأذنت عليه فاطلع عليَّ من كوّةٍ في داره، فقال: من أنت؟ فقلت رجل من أصحاب الحديث، فقال: أو ما علمت أني لا أقول بالحشوية! فقلت إني ابن أبي داود. فقال: مرحباً بك وأبيك، أدخل. فلما دخلت قال لي: ما تريد؟ فقلت تحدثني بحديثٍ واحد. فقال: أكتب: أنبأ حجاج بن المنهال أنبأ حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس أن النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - صلى على طنفسة فقلت: زدني حديثاً آخر، فقال: ما ينبغي لابن أبي داود أن يكذب.

قلت: كفانا الجاحظ المئونة، فما روى في الحديث إلّا النزر اليسير، ولا هو بمتّهم في الحديث، بلى في النفس من حكاياته ولهجته، فربما جازف، وتلطخه بغير بدعة أمر واضح، ولكنه أخباري علامة صاحب فنون وأدب باهر، وذكاء بين. عفا الله تعالى عنه »(١) .

___________________

(١). سير أعلام النبلاء ١١ / ٥٢٦.

٢٧١

٤ - وقال ابن حجر العسقلاني بترجمته ما ملخصه:

« عمرو بن بحر الجاحظ صاحب التصانيف، روى عنه أبو بكر بن أبي داود فيما قيل: قال ثعلب: ليس بثقة ولا مأمون. قلت: وكان من أئمّة البدع.

قلت: وروى الجاحظ عن حجاج الأعور وأبي يوسف القاضي وخلق كثير وروايته عنهم في أثناء كتابه في الحيوان.

وحكى ابن خزيمة أنه دخل عليه هو وإبراهيم بن محمود. وذكر قصة.

وحكى الخطيب بسند له: أنه كان لا يصلّي.

وقال الصولي: مات سنة خمسين ومائتين.

وقال إسماعيل بن محمد الصفار: سمعت أبا العيناء، يقول: أنا والجاحظ وضعنا حديث فدك.

وقال الخطابي: هو مغموص في دينه.

وذكر أبو الفرج الاصبهاني أنه كان يرمى بالزندقة، وأنشد في ذلك أشعاراً.

وقد وقفت على رواية ابن أبي داود عنه، ذكرتها في غير الموضع، وهو في الطيوريات.

قال ابن قتيبة في اختلاف الحديث: ثم نصير إلى الجاحظ وهو أحسنهم للحجة استنارة، وأشدّهم تلطّفاً، لتعظيم الصغير حتى يعظم وتصغير العظيم حتى يصغر، ويكمل الشيء وينقصه، فتجده مرة يحتج للعثمانية على الرافضة، ومرة للزندقة على أهل السنة، ومرة يفضّل عليا ومرة يؤخّره، ويقول: قال رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - كذا، ويتبعه أقوال المجان، ويذكر في الفواحش ما يجل رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - أن يذكر في كتاب ذكر أحد منهم فيه، فكيف في ورقة أو بعد سطر أو سطرين؟ ويعمل كتابا يذكر حجج النصارى على المسلمين، فإذا صار إلى الرد عليهم تجوز الحجة، فكأنّه إنما أراد تنبيههم على ما لا يعرفون وتشكيك الضعفة، ويستهزء بالحديث إستهزاءً لا يخفى على أهل العلم، وذكر الحجر الأسود وأنه كان أبيض فسوّده المشركون، قال: وقد كان يجب

٢٧٢

أن يبيّضه المسلمون حين استلموه، وأشياء من أحاديث أهل الكتاب، وهو مع هذا أكذب الأمة، وأوضعهم للحديث، وأنصرهم للباطل.

وقال النديم: قال المبرد: ما رأيت أحرص على العلم من ثلاثة: الجاحظ وإسماعيل القاضي والفتح بن خاقان.

وقال النديم - لما حكى قول الجاحظ لما قرأ المأمون كتبي، قال هي كتب لا يحتاج إلى تحضير صاحبها -: إن الجاحظ حسّن هذا اللفظ تعظيماً لنفسه وتفخيماً لتآليفه. وإلّا فالمأمون لا يقول ذلك.

وقال ابن حزم في الملل والنحل: كان أحد المجّان الضلّال، غلب عليه قول الهزل، ومع ذلك فإنّا ما رأينا في كتبه تعمّد كذبة يوردها مثبتاً لها، وإنْ كان كثير الإِيراد لكذب غيره.

وقال أبو منصور الأزهري في مقدّمة تهذيب اللّغة: وممّن تكلّم في اللغات بما حصده لسانه وروى عن الثقات ما ليس من كلامهم الجاحظ. وكان أوتي بسطة في القول، وبياناً عذباً في الخطب ومجالاً في الفنون، غير أنّ أهل العلم ذمّوه، وعن الصدوق دفعوه.

وقال ثعلب: كان كذّاباً على الله وعلى رسوله وعلى الناس »(١) .

ترجمة أبي منصور الأزهري

والأزهري - الذي قال عن الجاحظ ما نقله الحافظ ابن حجر - هو: محمد ابن أحمد اللغوي من كبار علماء أهل السنة وأئمّتهم:

ترجم له ابن خلكان وقال: « الامام المشهور في اللغة، كان فقيهاً شافعي المذهب، غلبت عليه اللّغة فاشتهر بها، وكان متفقاً على فضله وثقته ودرايته وورعه »(٢) .

___________________

(١). لسان الميزان ٤ / ٣٥٥.

(٢). وفيات الأعيان ٣ / ٤٥٨.

٢٧٣

وقال السبكي: « وكان إماماً في اللغة، بصيراً بالفقه، عارفاً بالمذهب، عالي الاسناد، كثير الورع، كثير العبادة والمراقبة، شديد الإِنتصار لألفاظ الشافعي متحرّياً في دينه »(١) .

وقال اليافعي: « وفيها الامام العلّامة اللغوي الشافعي »(٢) .

وذكره الذهبي في حوادث السنة المذكورة(٣) .

وقال السيوطي: « وكان عارفاً عالماً بالحديث، عالي الاسناد، كثير الورع »(٤) .

ترجمة ثعلب

واما ثعلب - الذي قال عن الجاحظ: « ليس ثقة ولا مأموناً » وقال: « كان كذاباً على الله وعلى رسوله وعلى الناس » - فهو أيضاً من كبار المحدّثين، ومن أساطين الفقه والأدب واللغة

قال السيوطي: « ثعلب الامام المحدث، شيخ اللغة والعربية أبو العباس أحمد بن يحيى بن زيد الشيباني مولاهم البغدادي، المقدّم في نحو الكوفيين. ولد سنة ٢٠٠، وابتدأ الطلب سنة ١٦ حتى برع في علم الحديث.

وإنما أخرجته في هذا الكتاب لأنه قال: سمعت من عبيد الله بن عمر القواريري ألف حديث.

وقال الخطيب: كان ثقة ثبتاً حجة صالحاً مشهوراً بالحفظ. مات في جمادى الآخرة سنة ٢٩١»(٥) .

___________________

(١). طبقات الشافعية ٣ / ٦٣ - ٦٧.

(٢). مرآة الجنان حوادث ٣٧٠.

(٣). العبر حوادث ٣٧٠.

(٤). بغية الوعاة: ١ / ١٩.

(٥). طبقات الحفاظ ٢٩٠.

٢٧٤

وترجم له السيوطي أيضاً ترجمة حافلة ووصفه فيها بـ « الامام » وأورد كلمات العلماء في حقه وقال: « قال أبو بكر بن مجاهد: قال لي ثعلب: يا أبا بكر اشتغل أصحاب القرآن بالقرآن ففازوا، واصحاب الحديث بالحديث ففازوا، وأصحاب الفقه بالفقه ففازوا، واشتغلت أنا بزيد وعمرو، فليت شعري ما ذا يكون حالي. فانصرفت من عنده فرأيت النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - في تلك الليلة فقال لي: إقرأ أبا العباس منّي السّلام وقل له: أنت صاحب العلم المستطيل ».

قال السيوطي: « وذكره الداني في طبقات القراء »(١) .

وقال ابن خلكان: « كان إمام الكوفيين في النحو واللغة وكان ثقة حجة صالحاً مشهوراً بالحفظ وصدق اللهجة، والمعرفة بالعربية ورواية الشعر القديم مقدماً عند الشيوخ منذ هو حدث. فكان ابن الأعرابي إذا شك في شيء قال له: ما تقول يا أبا العباس في هذا؟ ثقة بغزارة حفظه...»(٢) .

وقال اليافعي: « وفي السنة المذكورة توفي الامام العلامة الأديب أبو العباس المشهور بثعلب صاحب التصانيف المفيدة، إنتهت اليه رئاسة الأدب في زمانه وكان ثقة صالحاً، مشهوراً بالحفظ وصدق اللهجة ...»(٣) .

وترجم له الحافظ الذهني، وذكر أنه سمع من عبيد الله القواريري وطائفة »(٤) .

وكذا ترجم له ابن الوردي في تاريخه(٥) .

وقال النووي بترجمته ما ملخصه:

« ثعلب مذكور في باب الوقف من المهذّب والوسيط، هو الامام المجمع على

___________________

(١). بغية الوعاة ١ / ٣٩٦ - ٣٩٨.

(٢). وفيات الاعيان ١ / ١٠٢ - ١٠٤.

(٣). مرآة الجنان حوادث سنة ٢٩١.

(٤). العبر - حوادث سنة ٢٩١.

(٥). تتمة المختصر - حوادث سنة ٢٩١.

٢٧٥

إمامته، وكثرة علومه وجلالته، إمام الكوفيين في عصره لغةً ونحواً، وثعلب لقب له. قال الامام أبو منصور الأزهري في خطبة كتابه تهذيب اللغة: أجمع أهل هذه الصناعة من العراقيين أنه لم يكن في زمن أبي العباس أحمد بن يحيى ثعلب، وأبي العباس محمد بن يزيد المبرد مثلهما، وكان أحمد بن يحيى أعلم الرجلين وأورعهما وأرواهما للّغات والغريب، وأوجزهما كلاماً وأقلّهما فضولاً »(١) .

أقول: فهذا رأي علماء أهل السنّة وأئمّة الجرح والتعديل في الجاحظ، فهل يليق بالرازي أن يستند إلى ترك هكذا شخص رواية حديث الغدير، ويستدل بذلك على عدم صحته؟

٥. اتصاف الجاحظ بالصفات الذميمة

والجاحظ - بالاضافة إلى ما تقدم - متصف بصفات ذميمة وأعمال قبيحة تسقطه عن درجة الاعتبار، ولا تدع مجالاً للتوقف في عدم جواز الاعتماد على كلامه في رواية أو قدحه في حديث:

فمن ذلك: أنه كان لا يصلي وقد ذكر ذلك في ترجمته من كتاب ( لسان الميزان ).

ومن ذلك: أنه كان كذّاباً وقد تقدم ذلك أيضاً في ( لسان الميزان ).

ومن ذلك: انه كان مختلفاً وقد صرح بذلك الحافظ الذهبي.

بل ذكر جماعة من علمائهم وضعه - مع أبي العيناء - حديث فدك، وممن ذكر ذلك سبط ابن العجمي في ( الكشف الحثيث عمن رمي بوضع الحديث ) والسيوطي في ( تدريب الراوي ) وابن الأثير في ( جامع الأصول ).

ومن ذلك: أنه كان كثير الهزل نص على ذلك ابن الوردي وغيره.

ومن ذلك: انه كان يستمع إلى الغناء ويجتمع بالمغنيات، وذكر ذلك ابن

___________________

(١). تهذيب الأسماء واللغات للنووي ٢ / ٢٧٥.

٢٧٦

خلكان واليافعي في تاريخيهما.

٦. الآثار المترتبة على الاعتماد على الجاحظ

وأخيراً، فإن الاعتماد على الجاحظ في الروايات والأخبار، والدفاع عنه ونفي عداوته للإمام أمير المؤمنين -عليه‌السلام ، وتنزيهه عمّا نسب اليه، يؤدّي إلى وقوع أهل السنة في إشكال قوي يصعب بل يستحيل التخلّص منه

وبيان ذلك: انه قد ثبت أن الجاحظ كان يتبع شيخه إبراهيم النظّام في جميع أقو اله وآرائه وما كان يدين به وقد ثبت أيضاً أن النّظام كان يعتقد بإسقاط عمر بن الخطاب جنين فاطمة الزهراء -عليها‌السلام - وبغير ذلك من الأمور التي لا يرتضيها أهل السنة عامة كما جاء في ترجمته من كتاب ( الوافي بالوفيات ).

وقد صرح باقتفاء الجاحظ أثر النّظام في جميع مقالاته جماعة من الأعلام كاليافعي وابن الوردي وابن خلكان.

فلو جاز للفخر الرازي أن يستدل بترك الجاحظ رواية حديث الغدير - أو قدحه فيه - جاز للامامية الاستدلال بكلام شيخه النظّام في باب الطعن في عمر ابن الخطاب وخلافته

ولقد اعتمد ( الدهلوي ) تبعاً لابن حزم على كلام النظّام في الطعن في مؤمن الطاق -رحمه‌الله تعالى - وهكذا استشهد الحافظ ابن حجر في ( لسان الميزان ) بأشعار النظّام التي أنشدها في ذمّ أبي يوسف يعقوب بن ابراهيم القاضي - تلميذ أبي حنيفة - على قبره.

فإنْ قيل: ذمُّ النظام أبا يوسف القاضي غير مسموع، لذمّ العلماء النظّام وقدحههم فيه، كما في ( الأنساب ) و ( لسان الميزان ) و ( الوافي بالوفيات ) وغيرها

قلنا: إن هذا إنّما يتوجه فيما إذا لم يركن العلماء إلى أقواله، ولم يعتمد المحدّثون على مقالاته، ولم يبذلوا قصارى عهدهم في الدفاع عن تلميذه

٢٧٧

الجاحظ الأخذ بأقواله والمقتفي لآثاره، والناقل عنه وجوه المناقشة في فضائل مولانا أمير المؤمنين -عليه‌السلام -.

وإذا كان الجاحظ معتمداً عليه كما يدل عليه صنيع الرازي فقد ثبت ان الجاحظ قد انتقد أبا بكر وعمر على منعها ميراث فاطمة الزهراء من أبيها رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - وظلمهما لها وتعدّيهما عليها في كلام طويل له في الموضوع، ذكره الشريف المرتضى -رحمه‌الله - حيث قال:

« فإنْ قيل: إذا كان أبو بكر قد حكم بخطأ في دفع فاطمة -عليها‌السلام - عن الميراث واحتج بخبر لا حجة فيه، فما بال الأمّة أقرّته على هذا الحكم ولم تنكر عليه؟ وفي رضائها وإمساكها دليل على صوابه.

قلنا: قد مضى أن ترك النكير لا يكون دليل الرضا، إلّا في المواضع التي لا يكون له وجه سوى الرضا، وبيّنا في الكلام على إمامة أبي بكر هذا الموضع بياناً شافياً.

وقد أجاب أبو عثمان الجاحظ في كتاب العباسية عن هذا السؤال، جواباً جيّد المعنى واللفظ، نحن نذكره على وجهه ليقابل بينه وبين كلامه في العثمانية وغيرها.

قال: وقد زعم أناس أن الدليل على صدق خبرهما - يعني أبا بكر وعمر - في منع الميراث وبراءة ساحتهما: ترك أصحاب رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم النكير عليهما.

ثم قال: فيقال لهم: لئن كان ترك النكير دليلاً على صدقهما، ليكوننّ ترك النكير على المتظلمين منهما والمحتجين عليهما والمطالبين لهما دليلاً على صدق دعوتهم واستحسان مقالتهم، لا سيّما وقد طالت به المناجاة وكثرت المراجعة والملاحاة، وظهرت الشكية واشتدّت المواجدة، و قد بلغ ذلك من فاطمة حتى أنها أوصت أن لا يصلي عليها أبو بكر، ولقد كانت قالت له حين أتته طالبة حقها ومحتجة برهطها:

٢٧٨

من يرثك يا أبا بكر إذا متَّ؟

قال: أهلي وولدي.

قالت: فما بالنا لا نرث النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟

فلمّا منعها ميراثها وبخسها حقّها واعتلّ عليها وحلج في أمرها، وعاينت التهضم وأيست من النزوع، ووجدت من الضعف وقلة الناصر، قالت:

و الله لأدعونَّ الله عليك.

قالت: والله لأدعونَّ الله لك.

قالت: والله لا أكلمّك أبداً.

قال: والله لا أهجرك أبداً.

فإن يكن ترك النكير على أبي بكر دليلاً على صواب منعه، إنّ في ترك النكير على فاطمة دليلاً على صواب طلبها، وأدنى ما كان يجب عليهم في ذلك تعريفها ما جهلت، وتذكيرها ما نسيت، وصرفها على الخطأ، ورفع قدرها عن البذاء، وأن تقول هجراً وتجور عادلاً وتقطع واصلاً، فاذا لم نجدهم أنكروا على الخصمين جميعاً فقد تكافأت الأمور واستوت الأسباب، والرجوع إلى أصل حكم الله في المواريث أولى بنا وبكم، أوجب علينا وعليكم.

وإنْ قالوا: كيف يظنّ بأبي بكر ظلمها والتعدي عليها، وكلّما ازدادت فاطمة عليه غلظة ازداد لها ليناً ورقة، حيث يقول: والله لا أهجرك أبداً ثم تقول: والله لأدعونَّ الله عليك، فيقول: والله لأدعونَّ الله لك!؟ ولو كان كذلك لم يحتمل هذا الكلام الغليظ والقول الشديد في دار الخلافة بحضرة قريش والصحابة مع حاجة الخلافة إلى البهاء والرفعة، وما يجب لها من التنزيه والهيبة، ثم لم يمنعه ذلك أن قال معتذراً ومتقرّباً بالكلام المعظّم لحقّها المكرّم لمقامها، والصائن لوجهها والمتحنّن عليها: ما أحد أعن به عليَّ منك فقراً، ولا أحب إليّ منك غنى، ولكني سمعت رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - يقول: إنا معشر الأنبياء لا نرث ولا نورّث ما تركناه صدقة.

٢٧٩

قيل لهم: ليس ذلك بدليل على البراءة من الظلم والسلامة من العمد، وقد يبلغ من مكر الظالم ودهاء الماكر إذا كان أريباً وللخصومة معتاداً أن يظهر كلام المظلوم وذلّة المنتصب وحدب الوامق ومقة المحق.

وكيف جعلتم ترك النكير حجة قاطعة ودلالة واضحة، وقد زعمتم أن عمراً قال على منبره: « متعتان كانتا على عهد رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - متعة النّساء ومتعة الحج وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما » فما وجدتم أحداً أنكر قوله، ولا استشنع مخرج نهيه، ولا خطّئه في معناه، ولا تعجّب منه ولا استفهمه؟

وكيف تقضون بترك النكير وقد شهد عمر يوم السّقيفة وبعد ذلك: أنّ النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - قال: « الأئمّة من قريش » ثمّ قال في شكاته: ولو كان سالم حيّاً ما تخالجني فيه شك - حين أظهر الشك في استحقاق كلّ واحد من الستّة الذين جعلهم شورى - وسالم عبد لامرأةٍ من الأنصار، وهي أعتقته وحازت ميراثه، ثم لم ينكر ذلك من قوله منكر ولا قابل إنسان بين خبريه ولا تعجّب منه؟

وإنما يكون ترك النكير على من لا رغبة له ولا رهبة عنده، دليلاً على صدق قوله وصواب عمله، فأمّا ترك النكير على من يملك الضعة والرفعة والأمر والنهي، والقتل والاستحياء، والحبس والاطلاق، فليس بحجّة نفي ولا دلالة ترضيّ.

قال: وقال آخرون: بل الدليل على صدق قولهما وصواب عملهما إمساك الصحابة عن خلعهما والخروج عليهما، وهم الذين وثبوا على عثمان في أيسر من جحد التنزيل وردّ المنصوص، ولو كانا كما يقولون وما يصفون ما كان سبيل الأمة فيهما إلّا كسبيلهم فيه، وعثمان كان أعزّ نفراً وأشرف رهطاً وأكثر عدداً وثروة وأقوى عدّة.

قلنا: إنّهما لم يجحدا التنزيل ولم ينكرا المنصوص، ولكنّهما بعد إقرارهما بحكم الميراث وما عليه الظاهر من الشريعة، إدّعيا رواية وتحدّثا بحديثٍ لم يكن مجال كذبه ولا يمتنع في حجج العقول مجيؤه، وشهد له عليه من علمه مثل علمهما فيه، ولعلّ بعضهما كان يرى التصديق للرجل إذا كان عدلاً في رهطه، مأموناً في

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545