مقتل أبي عبد الله الحسين عليه السلام من موروث أهل الخلاف الجزء ٣

مقتل أبي عبد الله الحسين عليه السلام من موروث أهل الخلاف10%

مقتل أبي عبد الله الحسين عليه السلام من موروث أهل الخلاف مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 545

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 545 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 52054 / تحميل: 5273
الحجم الحجم الحجم
مقتل أبي عبد الله الحسين عليه السلام من موروث أهل الخلاف

مقتل أبي عبد الله الحسين عليه السلام من موروث أهل الخلاف الجزء ٣

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

وأخرج الملاّ، كما في الصواعق(١) أيضاً: أنّ عليّاً مرّ بموضع قبر الحسينعليهما‌السلام ، فقال:« ها هُنا مناخُ ركابِهمْ، وها هُنا موضِعُ رحالِهمْ، وها هُنا مِهراق دِمائِهمْ؛ فتيةٌ مِن آلِ مُحمّدٍ يُقتلون بهذهِ العرصة، تبكِي عليهم السّماءُ والأرضُ » (٢) .

ومن حديث اُمّ سلمة، كما نصّ عليه ابن عبد ربّه المالكي(٣) ، حيث ذكر مقتل الحسينعليه‌السلام في الجزء الثاني من العقد الفريد، قالت: كان عندي النّبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومعي الحسينعليه‌السلام ، فدنا من النّبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأخذته فبكى فتركته،

____________________

(١) الصواعق المحرقة ٢ / ٥٦٦.

(٢) وهذا الحديث رواه أصحابنا بكيفيّة مشجية عن الباقر (عليه الصلاة والسّلام)، ورووه عن هرثمة وعن ابن عبّاس، وإنْ أردت الوقوف عليه فدونك الخصائص الحسينيّة / ١٠٨ - ١١٢ ( المؤلّف ).

(٣) في سطر ١٥ من ص٢٤٣ من جزئه الثاني، المطبوع سنة ١٣٠٥ هـ، وفي هامشه زهر الآداب. ( المؤلّف ).

٤١

فدنا منهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأخذته فبكى فتركته، فقال له جبرئيل: أتحبّهُ يا محمّد؟ قال:« نَعَم » . قال: أما إنّ اُمّتك ستقتله، وإنْ شئتَ أريتك الأرض التي يُقتل بها. فبكى النّبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله (١) .

وروى الماوردي الشافعي - في باب إنذار النّبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله بما سيحدث بعده(٢) ، من كتابه أعلام النبوّة - عن عروة، عن عائشة، قالت: دخل الحسينُ بن عليٍّ على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يوحى إليه، فقال جبرائيل: إنّ اُمّتك ستفتتن بعدك وتقتل ابنك هذا من بعدك. ومدّ يده فأتاه بتربة بيضاء، وقال: في هذه يُقتل ابنك، اسمها الطفِّ. قال: فلمّا ذهب جبرائيل، خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى أصحابه والتربة بيده، وفيهم: أبو بكر وعمر، وعليٌّعليه‌السلام وحذيفة، وعثمان وأبو ذر، وهو يبكي، فقالوا: ما يُبكيك يا رسول الله؟ فقال:« أخبَرني جِبرائيلُ: أنّ ابني الحسَينَ يُقتل بَعدي

____________________

(١) وأخرج البغوي في معجمه، وأبو حاتم في صحيحه من حديث أنس، كما في الصواعق، نحوه. ( المؤلّف ). راجع: الصواعق المحرقة ٢ / ٥٦٤ - ٥٦٥.

(٢) وهو الباب الثاني عشر في ص٢٣ من ذلك الكتاب. ( المؤلّف ).

٤٢

بأرضِ الطَّفِّ، وجاءني بِهذهِ التُّربةِ، فأخبَرَنِي أنّ فيها مَضجَعهُ » .

وأخرج الترمذي، كما في الصواعق وغيرها: أنّ اُمّ سلمة رأت النّبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فيما يراه النائم، باكياً وبرأسه ولحيته التراب، فسألته، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله :« قُتلَ الحُسينُ آنفاً » (١) .

قال في الصواعق: وكذلك رآه ابن عبّاس نصف النّهار أشعثاً أغبراً، بيده قارورة فيها دم يلتقطه، فسأله، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله :« دَمُ الحُسينِ وأصحابِهِ، لَم أزَلْ أتتبّعه مُنذُ اليومِ » (٢) . قال: فنظروا فوجدوه قد قُتل في ذلك اليوم(٣)(٤) .

____________________

(١) سنن الترمذي / ٣٧٧٤، الصواعق المحرقة ٢ / ٥٦٧، ذخائر العقبى / ١٤٨.

(٢) وأخرجه من حديث ابن عبّاس أحمد بن حنبل في المسند ١ / ٢٨٣، وابن عبد البر والعسقلاني في ترجمة الحسينعليه‌السلام من الاستيعاب والإصابة، وخلق كثير. ( المؤلّف ).

(٣) وراجع أيضاً: الصواعق المحرقة ٢ / ٥٦٧، المعجم الكبير / ٢٨٢٢، مختصر تاريخ ابن عساكر ٧ / ١٥٢، سِيَر أعلام النبلاء ٣ / ٣١٥، البداية والنّهاية ٨ / ٢٠٠، ذخائر العقبى / ١٤٨.

(٤) وللمزيد حول بكاء النّبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله على الحسينعليه‌السلام في مصادر أهل السُنّة راجع: مستدرك الحاكم ٣ / ١٧٦ و ٤ / ٣٩٨، تاريخ الخميس ١ / ٣٠٠، ٤١٨، الأمالي للشجري / ١٦٥، كنز العمال ١٣ / ١١١ و ٦ / ٢٢٣، مقتل الحسينعليه‌السلام ١ / ١٥٨، ١٥٩، ١٦٣، وسيلة المآل / ١٨٣، الفصول المهمّة / ١٥٤، ينابيع المودّة / ٣١٨ و ٣٢٠، الفتح الكبير ١ / ٥٥، روض الأزهر / ١٠٤، الكواكب الدرّيّة ١ / ٥٦، الخصائص الكبرى ٢ / ١٢٦، تاريخ الخلفاء / ١٠، التاج الجامع ٣ / ٣١٨، الكامل في التاريخ ٣ / ٣٠٣، ذخائر المواريث ٤ / ٣٠٠، تاريخ الإسلام ٢ / ٣٥٠، كفاية الطالب / ٢٨٦، مصابيح السنَّة / ٢٠٧، تاريخ الرقّة / ٧٥، نظم درر السّمطين / ٢١٥، الغُنية لطالبي طريق الحقِّ ٢ / ٥٦، لسان العرب ١١ / ٣٤٩، النّهاية ٢ / ٢١٢.

وراجع أيضاً: كتاب سيرتنا وسنّتنا للعلاّمة الأميني، وكتاب أنباء السّماء برزيّة كربلاء للمحقّق الطباطبائي، وكتاب إحقاق الحق - المجلّد الحادي عشر.

٤٣

بكاء النّبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله على الحسينعليه‌السلام في مصادر الشيعة:

وأمّا صحاحنا، فإنّها متواترة في بكائهصلى‌الله‌عليه‌وآله على الحسينعليه‌السلام في مقامات عديدة: يوم ولادته وقبله، ويوم السّابع من مولده، وبعده في بيت فاطمة، وفي حجرته،

٤٤

وعلى منبره، وفي بعض أسفاره.

تارة يبكيه وحده، يُقبّله في نحره ويبكي، ويُقبّله في شفتَيه ويبكي، وإذا رآه فَرِحاً يبكي، وإذا رآه حَزِناً يبكي؛ بل صحّ أنّه قد بكاه: آدم ونوح، وإبراهيم وإسماعيل، وموسى وعيسى، وزكريّا ويحيى، والخضر وسليمانعليهم‌السلام . وتفصيل ذلك كلّه موكول إلى مظانّه من كتب الحديث(١) .

إقامة الأئمّةعليهم‌السلام المأتم على الحسينعليه‌السلام وحث أولياؤهم على ذلك

وأمّا أئمّة العترة الطاهرةعليهم‌السلام الذين هم كسفينة نوح، وباب حطّة،

____________________

(١) فراجع: الخصائص الحسينيّة / ١٠٥ - ٢٣٢، وإنْ شئتَ فراجع: جلاء العيون، أو البحار، أو غيرهما. ( المؤلّف ).

وراجع: أمالي الصدوق - المجلس ٩٢، كامل الزيارات / ٦٧ - ٦٨، ٨٣ - ٨٤، ٩٢، ١١٥، ١٩٢، علل الشرائع ١ / ١٥٤، الكافي ١ / ٢٨٣، ٥٣٤، مناقب آل أبي طالب ٤ / ٥٥، المحتضر / ١٤٦ - ١٤٧، بحار الأنوار ٤٥ / ٢٢٠ - ٢٢٩، الباب ٤١.

٤٥

وأمان أهل الأرض، وأحد الثقلين اللذين لا يضلّ مَن تمسّك بهما ولا يهتدي إلى الله من صدّ عنهما، فقد استمرّت سيرتهم على النّدب والعويل، وأمروا أولياءهم بإقامة مآتم الحزن، جيلاً بعد جيل.

فعن الصادقعليه‌السلام ، فيما رواه ابن قولويه في الكامل، وابن شهر آشوب في المناقب وغيرهما:« إنَّ عليَّ بنَ الحسين عليهما‌السلام بكى على أبيهِ مُدّةَ حياتِهِ، وما وُضِعَ بَينَ يدَيهِ طعامٌ إلاّ بكى، ولا اُتِيَ بشرابٍ إلاّ بكى حتّى قال له أحدُ مواليه: جُعلتُ فِداك يابن رسولِ الله، إنّي أخافُ أنْ تكون مِنَ الهالكين » . قالعليه‌السلام :« إنّما أشكو بثِّي وحُزني إلى الله، وأعلمُ مِن اللهِ ما لا تَعلمونَ » .

وروى ابن قولويه وابن شهر آشوب أيضاً وغيرهما: أنّه لمّا كثر بكاؤه، قال له مولاه: أما آنَ لحُزنك أنْ ينقضي؟ فقال:« وَيحَك! إنّ يعقوبَ عليه‌السلام كانَ لَه اثنا عَشرَ وَلداً، فَغيّبَ اللهُ واحداً مِنهُمْ فابيضّتْ عَيناهُ مِنْ كثرةِ بُكائِهِ عليهِ، واحدَودَب ظهرُه مِن الغَمِّ، وابنُه حَيٌّ في الدُّنيا، وأنا نَظرتُ إلى أبي وأخي، وعمومَتي وسبعةَ عشرَ مِن أهلِ بَيتي

٤٦

مقتولين حَولي، فَكيف ينقَضي حُزني؟! » .

وعن الباقرعليه‌السلام (١) قال:« كانَ أبي عليُّ بنُ الحسينِ (صَلواتُ اللهِ عليهِ) يقول: أيّما مُؤمنٍ دَمعتْ عَيناه لِقتلِ الحسين بن عليٍّ عليه‌السلام دَمعةً حتّى تسيلُ على خَدّه، بوّأه اللهُ تعالى في الجنّةِ غُرفاً يسكنها أحقاباً.

وأيّما مُؤمنٍ دَمعتْ عَيناه حتّى تَسيلَ على خدِّه فينا، لأذىً مَسّنا مِن عدوِّنا في الدُّنيا، بوّأه الله في الجنَّة مبوّأ صِدقٍ، وأيّما مُؤمنٍ مَسّهُ أذىً فينا فدمعت عيناه حتّى تسيلَ على خدِّه صرفَ اللهُ عن وجههِ الأذى، وآمنَهُ يومَ القيامةِ مِن سخطهِ والنّارِ » (٢) .

وقال الرضاعليه‌السلام (٣) ، وهو الثامن من أئمّة الهدى (صلوات الله وسلامه عليهم):« إنّ المُحرّمَ شهرٌ كان أهلُ الجاهليّة يُحرّمونَ فيه القتالَ، فاستُحلَّتْ فيه دِماؤنَا، وهُتكتْ فيه حُرمتُنَا،

____________________

(١) فيما أخرجه جماعة، منهم: ابن قولويه في كامله. ( المؤلّف ).

(٢) كامل الزيارات / ١٠٠. وراجع: تفسير القمّي / ٦١٦، ثواب الأعمال / ٤٧، بحار الأنوار ٤٤ / ٢٨١.

(٣) فيما أخرجه الصدوق في أماليه وغير واحد من أصحابنا. ( المؤلّف ).

٤٧

وسُبيتْ فيه ذرارينَا ونساؤنَا، واُضرِمتْ فيه النّارُ في مَضارِبنَا، وانتُهبَ ما فيها مِن ثقلِنا (١) ، ولَمْ ترعَ لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حُرمةٌ في أمرِنا.

إنّ يومَ الحُسينِ أقرحَ جفونَنا، وأسبلَ دموعَنا، وأذلّ عزيزَنا.... فَعلى مثلِ الحسينِ فليبكِ الباكون؛ فإنّ البكاءَ عليه يحطّ الذنوبَ العِظام ». ثمّ قالعليه‌السلام :« كانَ أبي إذا دخلَ شهرُ المُحرّمِ، لا يُرى ضاحِكاً، وكانت الكآبةُ تغلبُ عليه حتّى يمضي منه عشرةُ أيّام، فإذا كانَ يوم العاشرِ كانَ ذلك اليوم يومَ مصيبتِهِ وحُزنِهِ وبُكائِهِ » (٢) . وقالعليه‌السلام (٣) :« مَنْ تذكَّرَ مُصابَنا وبكى لِما ارتُكِبَ منّا، كانَ معنا في درجتِنَا يومَ القيامةِ، ومَن ذكَر مُصابَنَا فَبكى

____________________

(١) الثقل: وزان سبب متاع المسافر، وكلّ شيء نفيس مصون. ( المؤلّف ).

(٢) أمالي الصدوق - المجلس السابع والعشرون - الرقم الثاني، وراجع: بحار الأنوار ٤٤ / ٢٨٣.

(٣) فيما أخرجه الصدوق في أماليه. ( المؤلّف ).

٤٨

وأبكى، لَم تبكِ عينُهُ يومَ تبكي العيونُ، ومَنْ جَلَس مَجلِساً يُحيَى فيهِ أمرُنا، لَم يمُتْ قلبُهُ يومَ تموتُ القلوبُ » (١) .

وعن الريّان بن شبيب، فيما أخرجه الشيخ الصدوق في العيون، قال: دخلتُ على الرِّضاعليه‌السلام في أوّل يوم من المُحرّم، فقال لي:« يابنَ شَبيب، إنّ المُحرّمَ هو الشّهرُ الذي كانَ أهلُ الجاهليّةِ فيما مَضى يُحرّمون فيهِ الظُّلمَ والقِتالَ لِحُرمَتِهِ، فَما عرفتْ هذه الاُمّةُ حُرمةَ شهرِها، ولا حُرمَةَ نبيِّها صلى‌الله‌عليه‌وآله ; إذ قَتلوا في هذا الشَّهرِ ذُرِّيَّتهُ، وسَبَوا نساءَه، وانتهبُوا ثِقلَهُ... يابنَ شَبيب، إنْ كُنتَ باكِياً لِشيءٍ فابكِ لِلحسينِ عليه‌السلام ؛ فإنّه ذُبِحَ كما يُذبَحُ الكَبشُ (٢) ،وقُتِل معه مِن أهلِ بيتهِ

____________________

(١) أمالي الصدوق - المجلس السّابع عشر - الرقم الرابع، وراجع: عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ١ / ٢٩٤، بحار الأنوار ٤٤ / ٢٧٨.

(٢) إنّ التعبير كهذا ممّا يدلّك على غاية همجيّة القوم، وشقائهم وبُعدهم عن العطف الإنساني، بالإضافة على قتلهم ريحانة الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهتكهم حرمته في سبطه ( روحي فداه ).

وقد أجمل الإمام (عليه أفضل الصلاة والسّلام) لمّا أدى عن الفاجعة وأهمّيّتها بهذا الكلام القصير، وأشار به إلى معنى جسيم يُدركه الباحث المُتعمّق بعد التحليل والاختبار، ويندهش المجموع البشري لمثل هذه الرزيّة، عندما علم أنّه لَم يوجد بين تلك الجموع المحتشدة في كربلاء مَن يردعهم عن موقفهم البغيض، ولا أقل من تسائل بعضهم: لماذا نُقاتل الحسين؟ وبأيّ عمل استحقّ ذلك منّا؟ أو هل كان دمُ الحسينعليه‌السلام مُباحاً إلى حدّ إباحة دم الكبش، ويُذبح - بأبي هو واُمّي! - بلا ملامةٍ لآثم، ومِنْ دون خشية محاسب؟! ( المؤلّف ).

٤٩

ثمانيةَ عشرَ رجلاً، ما لَهُمْ في الأرضِ مِنْ شَبيهٍ، ولَقد بَكتْ السّماواتُ السَّبع لِقتلِه... » .

إلى أنْ قال:« يابنَ شَبيب، إنْ سَرّكَ أنْ تكونَ معنا في الدَّرجاتِ العُلا من الجنانِ، فاحزَنْ لِحُزنِنا وافرَحْ لِفَرحِنا، وعليكَ بولايَتِنا... » (١) .

وقالعليه‌السلام ، فيما أخرجه الصدوق في أماليه:« مَن تَركَ السَّعيَ في حوائِجِهِ يومَ عاشوراء قضَى اللهُ لهُ حوائجَ الدُّنيا والآخِرةِ، ومَن كانَ يومُ عاشوراء يومَ مُصيبَتِهِ وحُزنِهِ وبُكائِهِ،

____________________

(١) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ١ / ٢٩٩، وراجع: أمالي الصدوق - المجلس ٢٧، بحار الأنوار ٤٤ / ٢٨٥.

٥٠

جعلَ اللهُ عزّ وجل يومَ القيامةِ يومَ فَرحِهِ وسرورِهِ وقرّت بنا في الجنانِ عينُه... » (١) .

وبكى (صلوات الله عليه) إذ أنشده دعبل بن عليٍّ الخُزاعي قصيدته التائيّة السائرة، التي اُغمي عليه في أثنائها مرّتين، كما نصّ عليه الفاضل العبّاسي في ترجمة دعبل من معاهد التنصيص، وغيره من أهل الأخبار.

وفي البحار وغيره: أنّهعليه‌السلام أمر - قبل إنشادها - بسترٍ فضُرب دون عقائله، فجلسنَ خلفه يسمعن الرثاء ويبكينَ على جدّهن سيد الشهداءعليه‌السلام ، وأنّه قال يومئذ:« يا دِعبلُ، مَن بَكى أو أبكَى على مُصابِنا ولَو واحداً كانَ أجرُهُ على اللهِ. يا دعبلُ، مَنْ ذرفتْ عَيناهُ على مُصابِنا حشرَه اللهُ مَعنا ».

وحدّث محمّد بن سهل، كما في ترجمة الكميت من معاهد التنصيص، قال: دخلت مع الكميت على أبي عبد الله

____________________

(١) أمالي الصدوق - المجلس السّابع والعشرون - الرقم الرابع، وراجع: بحار الأنوار ٤٤ / ٢٨٤.

٥١

جعفر بن محمّد الصّادقعليه‌السلام في أيّام التشريق، فقال له: جُعلت فداك! ألا أنشدك؟ قال:« إنّها أيّامٌ عِظام » . قال: إنّها فيكم. قالعليه‌السلام :« هاتْ » . وبعث أبو عبد الله إلى بعض أهله فقرب، فأنشده، في رثاء الحسينعليه‌السلام ، فكثر البكاء حتّى أتى على هذا البيت:

يُصيبُ به الرَّامُونَ عَنْ قَوسِ غَيرِهِمْ

فَيَا آخِراً أسدَّى له الغَيَّ أوَّلُ

قال: فرفع أبو عبد اللهعليه‌السلام يدَيهِ، فقال:« اللهمّ، اغفِرْ للكُميتْ ما قدَّمَ وما أخّرَ، وما أسرَّ وما أعلنَ حتّى يَرضَى » (١) .

____________________

(١) بخٍ بخٍ، هنيئاً لمَن نال من أئمّة الهُدىعليهم‌السلام بعضَ ذلك، وأنت تعلم أنّهعليه‌السلام لَم يبتهل بالدُّعاء للكميت هذا الابتهال إلاّ لِما دلّ عليه بيته هذا من معرفته بحقيقة الحال.

وقد أكثر الشعراء من نظم هذا المعنى، فنظمه المهيار في قصيدته اللاميّة، وقبل ذلك نظمه الشريف الرضي، فقال:

بَنى لَهُمُ الماضونَ آساسَ هَذِهِ

فَعَلّوا عَلى آساسِ تِلكَ القَواعِدِ

إلى آخر ما قال.

وكأنّ سيدة نساء عصرها زينبعليها‌السلام أشارت إلى هذا المعنى بقولها مخاطبة ليزيد: وسيعلمُ مَنْ سوّل لك، ومكّنكَ من رقابِ المُسلمين.

بل أشار إليه معاوية إذ كتبَ إليه محمّد بن أبي بكر يلومه في تمرّده على أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ويذكر له فضله وسابقته، فكتب له معاوية في الجواب ما يتضمّن الإشارة إلى المعنى الذي نظمه الكميت، فراجع ذلك الجواب في كتاب: وقعة صفين لنصر بن مزاحم، أو شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، أو مروج الذهب للمسعودي.

وقد اعترف بذلك المعنى يزيد بن معاوية، إذ كتب إليه ابن عمر يلومه على قتل الحسينعليه‌السلام ، فأجابه: أمّا بعد، فإنّا أقبلنا على فُرش مُمهّدة ونمارق مُنضّدة... إلى آخر الكتاب.

وقد نقله البلاذري وغيره من أهل السير والأخبار، وفي كتابنا ( سبيل المؤمنين ) من هذا شيء كثير، فحقيق بالباحثين أنْ يقفوا عليه. ( المؤلّف ).

٥٢

وفي كامل الزيارات بالإسناد إلى عبد الله بن غالب، قال: دخلتُ على أبي عبد اللهعليه‌السلام فأنشدتُه مرثيّة للحسينعليه‌السلام ، فلمّا انتهيتُ إلى قولي:

لبليّة تسقو حُسيناً

بمسقاةِ الثَّرى غير التُّرابِ

صاحت باكية من وراء الستر: يا أبتاه!(١) .

____________________

(١) كامل الزيارات / ١٠٥، وراجع: بحار الأنوار ٤٤ / ٢٨٦.

٥٣

وروى الصدوق في الأمالي وثواب الأعمال، وابن قولَويه، بأسانيد معتبرة عن أبي عمارة، قال: قال لي أبو عبد اللهعليه‌السلام :« يا أبا عُمارة، أنشِدْني في الحسين عليه‌السلام » . فأنشدته فبكى، ثمّ أنشدته فبكى. قال: فو الله. ما زِلتُ أنشده وهو يبكي حتّى سمعت البكاء من الدار. قال: فقال لي:« يا أبا عُمارة، مَن أنشدَ في الحسينِ بن عليٍّ عليهما‌السلام فأبكى خمسينَ فلَهُ الجنّة، ومَن أنشدَ في الحسينِ فأبكى ثلاثينَ فلَه الجنّة، ومَن أنشدَ في الحسينِ فأبكى عشرينَ فله الجنّة، ومَن أنشدَ في الحسينِ فأبكى عشرةً فله الجنّة، ومَن أنشدَ في الحسينِ فأبكى واحداً فله الجنّة، ومَن أنشدَ في الحسينِ فبكى فَلَهُ الجنّة، ومَن أنشدَ في الحسينِ فتباكى فلَه الجنّة » (١) .

____________________

(١) أمالي الصدوق - المجلس ٢٩ - الرقم ٦، ثواب الأعمال / ٤٧، كامل الزيارات / ١٠٥.

وراجع: بحار الأنوار ٤٤ / ٢٨٢.

٥٤

وروى الصدوق في ثواب الأعمال بالإسناد إلى هارون المكفوف، قال: دخلتُ على أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام ، فقال لي:« يا أبا هارونَ، أنشِدْني في الحسين عليه‌السلام » . فأنشدته، فقال لي:« أنشِدْني كما تُنشدونَ » - يعني بالرقّة -. قال: فأنشدته:

اُمرُرْ على جَدثِ الحُسيـْ

ـنِ فقُلْ لأعظُمِهِ الزَّكيّهْ

قال: فبكى، ثمّ قال:« زدني » . فأنشدته القصيدة الاُخرى. قال: فبكى، وسمعتُ البكاء من خلف السّتر. قال: فلمّا فرغت، قال:« يا أبا هارونَ، مَن أنشدَ في الحُسينِ فبكَى وأبكَى عشرةً كُتبتْ لهُمْ الجنّة... إلى أنْ قال:ومَن ذُكر الحسينُ عندَه فخرجَ مِنْ عَينَيهِ مِنَ الدَّمعِ مقدارُ جناحِ ذبابةٍ، كانَ ثوابُهُ على اللهِ عزّ وجل، ولم يرضَ له بدونِ الجنّةِ » (١) .

____________________

(١) ثواب الأعمال / ٤٧، وراجع: كامل الزيارات / ١٠٠، ١٠٤، بحار الأنوار ٤٤ / ٢٨٨.

٥٥

وروى الكشِّي بسند معتبر عن زيد الشحّام، قال: كنّا عند أبي عبد اللهعليه‌السلام ، فدخل عليه جعفر بن عثمان، فقرّبه وأدناه، ثمّ قال:« يا جعفر » . قال: لبّيك، جعلني الله فداك. قال:« بلَغنِي أنّكَ تقولُ الشّعرَ في الحُسينِ عليه‌السلام وتُجيدُ » . فقال له: نعم، جعلني الله فداك. قال:« قُلْ » . فأنشدته، فبكى ومَن حوله حتّى صارت الدموع على وجهه ولحيته، ثمّ قال:« يا جعفرُ، واللهِ، لقد شهَدتْ الملائكةُ المُقرَّبونَ ها هُنا يسمعون قولَك في الحسينِ عليه‌السلام ، ولقد بكَوا كَما بَكينا وأكثر ... إلى أنْ قال:ما مِن أحدٍ قالَ في الحُسينِ شعراً فبكَى وأبكَى بهِ إلاّ أوجب اللهُ لَه الجنّةَ، وغَفَرَ لَهُ » (١) .

وروى ابن قولويه في الكامل بسند معتبر حديثاً عن الصادقعليه‌السلام جاء فيه:« وكانَ جدّي عليُّ بنُ الحُسينِ عليهما‌السلام إذا ذكرَه ( يعني: الحسينعليه‌السلام )بَكى حتّى تملأ عيناه لحيته، وحتّى يبكي لِبكائِهِ - رَحمةً لَه - مَنْ رآه، وأنّ الملائِكَةَ

____________________

(١) رجال الكشّي / ١٨٧.

٥٦

الذين عند قبرِهِ لَيبكون فيبكي لِبكائِهمْ كُلُّ مَن في الهواء والسّماء. وما مِن باكٍ يبكيه إلاّ وقد وصلَ فاطمةَ وأسعدَها، ووصلَ رسولَ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأدّى حقّنا... » .

وفي قرب الإسناد عن بكر بن محمّد الأزدي، قال: قال أبو عبد الله الصادقعليه‌السلام لفضيل بن يسار:« أتجلسون وتُحدّثون؟ » . قال: نعم، جعلتُ فداك. قالعليه‌السلام :« إنّ تلكَ المجالِسَ اُحبُّها، فأحيوا أمرَنا؛ فرَحمَ اللهُ مَن أحيا أمرَنا. يا فُضيلُ، مَن ذَكَرَنا أو ذُكِرْنا عندهُ فخرجَ مِن عَينِهِ مثلُ جناحِ الذُّباب غفرَ اللهُ له ذنوبَه » .

وفي خصال الصدوق، عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، قال:« إنّ اللهَ تبارَك وتعالى اطّلَعَ إلى الأرضِ فاختارَنا، واختارَ لَنا شيعةً يَنصرونَنا، ويفرحونَ لِفَرَحِنا، ويَحزَنونَ لِحُزنِنا، ويَبذلون أموالَهُمْ وأنفُسَهمْ فِينا، أُولئِكَ مِنّا وإلَينا » .

وفي كامل الزيارات بالإسناد إلى أبي عمارة المنشد، قال: ما ذُكر الحسينُعليه‌السلام عند أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام في يوم قط فرؤيَ مُتبسِّماً في ذلك اليوم إلى الليل.

٥٧

قال: وكان أبو عبد اللهعليه‌السلام يقول:« الحسينُ عليه‌السلام عَبرَةُ كُلِّ مُؤمنٍ » (١) .

وفيه بالإسناد إلى الصادقعليه‌السلام ، قال:« قال الحسينُ عليه‌السلام : أنا قتيلُ العَبرَة، لا يَذكُرنِي مُؤمِنٌ إلاّ استعبَرَ » (٢) .

إلى غير ذلك من صحاح الأخبار المتواترة عن الأئمّة الأبرارعليهم‌السلام (٣) .

حجّية أقوال الأئمّةعليهم‌السلام في رجحان إقامة المأتم

وناهيك بها حجّة على رجحان هذه المآتم، واستحبابها شرعاً؛ فإنّ أقوالَ أئمّة الهدى من أهل البيتعليهم‌السلام وأفعالَهم وتقريرَهم حجّةٌ بالغة؛ لوجوب عصمتهم بحكم العقل والنقل، كما هو مُقرّر في مظانه من كتب المتكلّمين من أصحابنا، والتفصيل في كتابنا ( سبيل المؤمنين ).

____________________

كامل الزيارات / ١٠٨، وراجع: بحار الأنوار ٤٤ / ٢٨٠.

(٢) كامل الزيارات / ١٠٨، وراجع: بحار الأنوار ٤٤ / ٢٨٤.

(٣) راجع: بحار الأنوار ٤٤ / ٢٧٨ - ٢٩٦، الباب الرابع والثلاثون.

٥٨

على أنّ الاقتداء بهم في هذه المآتم وغيرها لا يتوقّف عند الخصم على عصمتهم، بل يكفينا فيه ما اتّفقت عليه الكلمة من إمامتهم في الفتوى، وأنّهم في أنفسهم لا يقصرون عن الفقهاء الأربعة والثوري والأوزاعي وأضرابهم علماً ولا عملاً.

وأنت تعلم أنّ هذه المآتم لَو ثبتت عن أبي حنيفة أو صاحبَيه أبي يوسف والشيباني مثلاً، لاستبق الخصم إليها وعكف أيّام حياته عليها، فلِمَ ينكرها علينا ويندّد بها بعد ثبوتها عن أئمّة أهل البيت يا منصفون؟!

أتراه يرى في أئمّة الثقلين أمراً يقتضي الإعراض عنهم، أو يجد فيهم شيئاً يستوجب الإنكار على الآخذين بمذهبهم، أو أنّ هناك أدلّة خاصّة تقصر الإمامة في الفتوى على أئمّة خصومنا ولا تبيح الرجوع إلى غيرهم، كلاّ إنّ واقع الأمر وحقيقة الحال بالعكس.

حديث الثقلين

هذا حديث الثقلين المجمع على صحّته واستفاضته،

٥٩

قد أنزل العترة منزلة الكتاب، وجعلها قدوةً لاُولي الألباب، فراجعه:

في باب فضائل عليعليه‌السلام من صحيح مسلم. أو في الجمع بين الصحيحين. أو الجمع بين الصحاح الستّة. أو في حديث أبي سعيد الخدري من مسند أحمد بن حنبل. أو خصائص عليعليه‌السلام للإمام النّسائي. أو في تفسيري الثعلبي والبيهقي. أو في حلية الحافظ الأصفهاني. أو كتب الحاكم والطبراني وغيرها من كتب الحديث(١) .

____________________

(١) حديث الثقلين حديث صحيح ثابت متواتر عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أخرجه الحفّاظ وأئمّة الحديث في الصحاح والمسانيد والسّنن والمعاجم بطرق كثيرة صحيحة عن بضع وعشرين صحابيّاً، فالنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا أحسّ بقرب أجله أوصى اُمّته بأهمّ الاُمور لدَيه وأعزّها عليه، وهما ثقلاه وخليفتاه، وحثّ على التمسّك بهما

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

في الرؤى المتعلّقة بمقتل الإمام الحُسين (عليه‌السلام )

رؤيا النّبيِّ (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بني اُميّة وهم ينزون على منبره نزو القِردة

قال ابن أبي الحديد المعتزلي : وقد جاء في الأخبار الشائعة المستفيضة في كتب المحدّثين أنّ رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أخبر أنّ بني اُميّة تملك الخلافة بعده، مع ذمٍّ منه (عليه‌السلام ) لهم ؛ نحو ما روى عنه في تفسير قوله تعالى :( وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا التي أَرَيْنَاكَ إلّا فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ ) (١) فإنّ المفسرين قالوا : إنّه رأى بني اُميّة ينزون على منبره نزو القِردة، هذا لفظ رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) الذي فسّر لهم الآية به، فساءه ذلك، ثمّ قال : (( الشّجرة الملعونةُ بنو اُميّة وبنو المغيرة )).

ونحو قوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : (( إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلاً اتّخذوا مال الله دولاً وعباده خولاً)) ونحو قوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) في تفسير قوله تعالى :( لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) (٢) قال (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): (( ألفُ شهر يملك فيها بنو اُميّة ))(٣) .

قال ابن أبي الحديد المعتزلي : . وقال (عمر) : أتستمع يابن عباس، أما والله , لقد سمعتُ من رسول الله ما يشابه هذا، سمعته يقول : (( ليصعدنَّ بنو اُميّة على منبري، ولقد أريتهم في منامي ينزون عليه نزو القردة، وفيهم اُنزل : وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا التي أَرَيْنَاكَ إلّا فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ ))(٤) .

____________________

(١) سورة الإسراء / ٦٠.

(٢) سورة القدر / ٣.

(٣) شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد ٩ / ٢١٩.

(٤) شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد ١٢ / ٨١.

١٦١

روى الطبري، عن المعتضد العباسي، أنّه قال فيما قال في بني اُميّة : وأنزل به كتاباً قوله :( وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إلّا طُغْيَانًا كَبِيراً ) (١) ولا اختلاف بين أحد أنّه أراد بها بني اُميّة(٢) .

وقال الفخر الرازي : قال سعيد بن المسيّب : رأى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بني اُميّة ينزون على منبره نزو القردة، فساءه ذلك وهذا قول ابن عبّاس في رواية عطاء(٣) .

رؤيا الإمام الحُسين (عليه‌السلام ) جدَّه الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) . وأمره بالخروج

روى ابن عساكر، والمزّي، وابن كثير، والذهبي، واللفظ للأوّل قال : وكتب عبد الله بن جعفر بن أبي طالب إليه كتاباً يحذّره أهلَ الكوفة، ويناشده الله أنْ يشخص إليهم، فكتب إليه الحُسين(عليه‌السلام ) : (( إنّي رأيت رؤيا، ورأيت فيها رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وأمرني بأمر أنا ماضٍ له، ولست بمخبرٍ بها أحداً حتّى اُلاقي عملي ))(٤) .

____________________

(١) سورة الإسراء / ٦٠.

(٢) تاريخ الطبري ٥ / ٦١٩، أقول : تقدّم نقل هذا في الفصل السّادس عند ذكر فضائح بني اُميّة في الهامش [ تحت] عنوان : فضائح بني اُميّة على لسان المعتضد العباسي.

(٣) التفسير الكبير - الرازي ٢٠ / ٢٣٦ نقلاً عن تهذيب المقال - السيّد محمّد علي الأبطحى ٣ / ١٥٧.

(٤) تاريخ مدينة دمشق - ابن عساكر ١٤ / ٢٠٩، ترجمة الإمام الحُسين (عليه‌السلام ) / ٢٠٤، تهذيب الكمال - المزّي ٦ / ٤١٨، البداية والنهاية - ابن كثير ٨ / ١٧٦، سير أعلام النبلاء - الذهبي ٣ / ٢٩٧.

١٦٢

روى الخوارزمي، والقندوزي، واللفظ للأوّل قال : فلمـَّا كانت الليلة الثالثة خرج (عليه‌السلام ) إلى قبر جدِّه أيضاً، فصلّى ركعات، فلمـَّا فرغ من صلاته جعل يقول : (( اللهمَّ، إنّ هذا قبر نبيّك محمّد (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، وأنا ابن بنت نبيّك، وقد حضرني من الأمر ما قد علمت اللهمَّ، إنّي اُحبُّ المعروف، واُنكِرُ المنكرَ، وإنّي أسألك يا ذا الجلال والإكرام بحقِّ هذا القبر ومَنْ فيه، إلّا اخترت لي من أمري ما هو لك رضىً، ولرسولك رضىً، وللمؤمنين رضىً )).

ثمّ جعل يبكي عند القبر، حتّى إذا كان قريباً من الصبح وضع رأسه على القبر فأغفى، فإذا هو برسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قد أقبل في كتيبة من الملائكة عن يمينه وشماله، وبين يديه ومن خلفه، فجاء حتّى ضمّ الحُسين (عليه‌السلام ) إلى صدره، وقبَّل بين عينيه، وقال (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : (( حبيبي يا حُسين، كأنّي أراك عن قريب مرمّلاً بدمائك، مذبوحاً بأرض كربلاء بين عصابة من اُمّتي، وأنت في ذلك عطشان لا تُسقى، وظمآن لا تُروى، وهم في ذلك يرجون شفاعتي، ما لهم ! لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة، وما لهم عند الله من خلاق حبيبي يا حُسين، إنّ أباك واُمَّك وأخاك قَدِموا عليَّ وهم إليك مشتاقون، وإنّ لك في الجنّة لدرجاتٍ لن تنالها إلّا بالشهادة )).

قال : فجعل الحُسين (عليه‌السلام ) في منامه ينظر إلى جدِّه محمّد (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ويسمع كلامه، ويقول له: (( يا جدّاه، لا حاجة لي في الرجوع إلى الدُّنيا، فخذني إليك، وأدخلني معك إلى قبرك )) فقال له النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : (( يا حُسين، لا بدَّ لك من الرجوع إلى الدُّنيا حتّى تُرزق الشهادة، وما قد كتب الله لك من الثواب العظيم ؛ فإنّك وأباك واُمَّك وأخاك وعمَّك وعمَّ أبيك تُحشرون يوم القيامة في زمرةٍ واحدة حتّى تدخلوا الجنّة )).

قال : فانتبه الحُسين (عليه‌السلام ) من نومه فَزِعاً مرعوباً، فقصَّ رؤياه على أهل بيته وبني عبد المطلب، فلم يكن في ذلك اليوم في شرق ولا غرب قومٌ أشدّ

١٦٣

غمَّاً من أهل بيت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، ولا أكثر باكٍ ولا باكية(١) .

رؤيا الإمام الحُسين (عليه‌السلام ) في طريقه إلى كربلاء

قال الخوارزمي : وسار الحُسين (عليه‌السلام ) حتّى نزل الثعلبية - وذلك وقت الظهيرة - ونزل أصحابه، فوضع رأسه فأغفى، ثمّ انتبه باكياً من نومه، فقال له ابنه عليُّ بن الحُسين (عليهما‌السلام ) : ما يُبكيك يا أبه ؟ لا أبكى الله عينيك فقال له : (( يا بُني، هذه السّاعة لا تُكذب فيها الرؤيا، فاُعلمكَ أنّي خفقت برأسي خفقةً فرأيت فارساً على فرسٍ وقف عليَّ وقال : يا حُسين، إنّكم تُسرعون، والمنايا تُسرع بكم إلى الجنّة فعلمتُ أنّ أنفسنا نعيت إلينا )) فقال له ابنه علي : يا أبه، أفلسنا على الحق ؟ قال : (( بلى يا بُني، والذي إليه مرجع العباد )) فقال ابنه علي : إذاً لا نبالي بالموت فقال له الحُسين (عليه‌السلام ) : (( جزاك الله يا بُني خير ما جُزي به ولداً عن والده))(٢) .

رؤيا الإمام الحُسين (عليه‌السلام ) يوم التاسع

روى الطبري، وابن الأثير، وابن كثير، والخوارزمي، واللفظ للأوّل قال : ثمّ إنّ عمر بن سعد نادى : يا خيل الله، اركبي وأبشري فركب في النّاس، ثمّ زحف نحوهم بعد صلاة العصر، وحُسين (عليه‌السلام ) جالس أمام بيته محتبياً بسيفه إذ خفق برأسه على ركبتيه، وسمعت اُخته زينب الصيحة، فدنت من أخيها فقالت : يا أخي، أما تسمع الأصوات قد اقتربت ؟ قال : فرفع

____________________

(١) مقتل الحُسين (عليه‌السلام ) - الخوارزمي ١ / ٢٧٠ - ٢٧١، ينابيع المودّة - للقندوزي ٣ / ٥٤.

(٢) مقتل الحُسين (عليه‌السلام ) - الخوارزمي ١ / ٣٢٤.

١٦٤

الحُسين (عليه‌السلام ) رأسه، فقال : (( إنّي رأيتُ رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) في المنام فقال لي : إنّك تروح إلينا)) قال : فلطمت اُخته وجهها، وقالت : يا ويلتا ! فقال : (( ليس لك الويل يا اُخيّة، اسكتي رحمك الرحمن ))(١) .

وفي مقتل الخوارزمي، قال : (( يا اُختاه، رأيت السّاعة في منامي جدّي رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، وأبي عليّاً، واُمّي فاطمة، وأخي الحسن (صلوات الله عليهم) وهم يقولون : إنّك تروح إلينا عن قريب، وقد والله، دنا الأمر لا شكَّ فيه )).

فلطمت زينب (عليها‌السلام ) وجهها وصاحت، فقال لها الحُسين (عليه‌السلام ) : (( مهلاً ومهلاً، اسكتي ولا تصيحي فيشمت القوم بنا ))(٢) .

رؤيا الإمام الحُسين (عليه‌السلام ) في ليلة عاشوراء في وقت السحر

وفي مقتل الخوارزمي قال : فلمـَّا كان وقت السحر خفق الحُسين (عليه‌السلام ) برأسه خفقة، ثمّ أستيقظ فقال : (( أتعلمون ما رأيت في منامي السّاعة ؟ )) قالوا : فما رأيت يابن رسول الله؟! قال : (( رأيت كلاباً قد شدَّت عليَّ لتنهشني، وفيها كلبٌ أبقع رأيته كأشدّها عليَّ، وأظن الذي يتولى قتلي رجلاً أبرص من بين هؤلاء القوم، ثمّ إني رأيت بعد ذلك جدِّي رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ومعه جماعة من أصحابه، وهو يقول لي : يا بُني، أنت شهيد آل محمّد (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، وقد استبشر بك أهل السّماوات وأهل الصفيح الأعلى، فليكن إفطارك عندي الليلة(٣) .

عجِّل يا بُني لا تُأخّر، فهذا ملك نزل من السّماء

____________________

(١) تاريخ الطبري ٣ / ٣١٤، البداية النهاية ٨ / ١٧٥ - ١٧٦، الكامل في التاريخ ٣ / ٤١٥، مقتل الحُسين (عليه‌السلام ) - الخوارزمي ١ / ٣٥٣.

(٢) مقتل الحُسين (عليه‌السلام ) - الخوارزمي ١ / ٣٥٣.

(٣) أقول : وهذا شاهد على أنّ الإمام الحُسين (عليه‌السلام ) قضى صائماً عطشان.

١٦٥

ليأخذ دمك في قارورة خضراء فذا ما رأيت، وقد أزف الأمر، وأقترب الرحيل من هذه الدنيا))(١) .

رؤيا ابن عبّاس، عن عمّار بن عمّار بسند صحيح

روى أحمد بطريقين عن حمّاد بن سلمة، ورواه الطبراني والخوارزمي، وابن عساكر والهيثمي، وابن الأثير والمزّي، وابن حجر العسقلاني وابن كثير، والذهبي والمحبّ الطبري، والزّرندي الحنفي والمناوي، والبري والقندوزي، واللفظ لأحمد قال :

١ - حدّثنا عبد الله حدّثني أبي، ثنا عبد الرحمن، ثنا حمّاد بن سلمة، عن عمّار بن أبى عمّار، عن ابن عبّاس قال : رأيت النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) في المنام بنصف النّهار أشعث أغبر، معه قارورة فيها دمٌ يلتقطه، أو يتتبّع فيها شيئاً، قال : قلتُ : يا رسول الله، ما هذا ؟! قال : (( دم الحُسين (عليه‌السلام ) وأصحابه لمْ أزل أتتبّعه منذ اليوم )) قال عمّار : فحفظنا ذلك اليوم، فوجدناه قُتِلَ ذلك اليوم.

٢ - حدّثنا عبد الله، حدّثني أبي، ثنا عفّان، ثنا حمّاد هو ابن سلمة، أنا عمّار، عن ابن عبّاس قال : رأيت النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) فيما يرى النّائم

____________________

(١) مقتل الحُسين (عليه‌السلام ) - الخوارزمي ١ / ٣٥٦، وقد تقدّم إخبار النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بذلك، في ترجمة الملعون شمر بن ذي الجوشن قال (عليه‌السلام ) : (( صدق الله ورسوله ؛ قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : كأنّي أنظر إلى كلبٍ أبقع يلغ في دماء أهل بيتي )) فكان شمرٌ أبرص.

تاريخ مدينة دمشق - ابن عساكر ٢٣ / ١٩٠، البداية والنهاية - ابن كثير ٨ / ٢٠٥، مقتل الحُسين (عليه‌السلام ) - الخوارزمي ٢ / ٤١، كنز العمال - الم-تّقي الهندي ٣١ / ٦٧٢، الخصائص الكبرى - السيوطي ٢ / ١٢٥ ط دار الكتاب العربي.

١٦٦

بنصف النّهار، وهو قائم أشعث أغبر(١) ، بيده قارورة فيها دم، فقلتُ : بأبي أنت واُمّي يا رسول الله ! ما هذا ؟! قال : (( هذا دم الحُسين (عليه‌السلام ) وأصحابه لمْ أزل التقطه منذ اليوم )) فأحصينا ذلك اليوم، فوجدوه قُتِلَ في ذلك اليوم(٢) .

قال الهيثمي : ورواه أحمد والطبراني، ورجال أحمد رجال الصحيح(٣) .

وقال ابن كثير : تفرّد به أحمد وإسناده قوي(٤) .

وصححه الحاكم بطريق آخر عن حمّاد عن عمّار قال : حدّثني أبو بكر محمّد بن أحمد بن بالوجيه، ثنا بشر بن موسى الأسدي، ثنا الحسن بن موسى الأشيب، ثنا حمّاد بن سلمة، عن عمّار بن عمّار، عن ابن عبّاس ( رضي‌ الله ‌عنه ما) قال : رأيت النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) فيما يرى النّائم نصف النّهار أشعث أغبر، معه قارورة فيها دم، فقلت : يا نبيّ الله، ما هذا ؟! قال : (( هذا دم الحُسين (عليه‌السلام )

____________________

(١) وفي المطبوع : (أغير) بدل (أغبر) والصحيح ما أثبتناه.

(٢) مسند أحمد - الإمام أحمد بن حنبل [ الخبر ] الأوّل في ١ / ٢٤٢ والخبر الثاني في ١ / ٢٨٣، وبأسنانيد مختلفة عن حمّاد بن سلمة، المعجم الكبير - الطبراني ٣ / ١١٠ وأيضاً في ٢١ / ١٤٣، مقتل الحُسين (عليه‌السلام ) - الخوارزمي ٢ / ١٠٧ الفصل الثاني عشر، تاريخ مدينة دمشق - ابن عساكر ١٤ / ٢٣٧ بثلاثة طرق عن حمّاد، ترجمة الإمام الحُسين (عليه‌السلام ) - ابن عساكر / ٣٨٧ بثلاثة طرق عن حمّاد، مجمع الزوائد - الهيثمي ٩ / ١٩٣، اُسد الغابة - ابن الأثير ٢ / ٢٢، تهذيب الكمال - المزّي ٦ / ٤٣٩، تهذيب التهذيب - ابن حجر٢/ ٣٠٦، الإصابة - ابن حجر ٢ / ٧١، البداية والنهاية - ابن كثير ٨ / ٢١٨ بطريقين عن حمّاد، سير أعلام النبلاء - الذهبي ٣ / ٣١٥، ذخائر العقبى - أحمد بن عبد الله الطبري / ١٤٨، نظم درر السمطين - الزّرندي الحنفي / ٢١٧، فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي ١ / ٢٦٥، الجوهرة في نسب الإمام علي وآله - البري / ٤٦، ينابيع المودّة لذوي القربى - القندوزي ٣ / ١٣.

(٣) مجمع الزوائد - الهيثمي ٩ / ١٩٣.

(٤) البداية والنهاية - ابن كثير ٨ / ٢١٨.

١٦٧

وأصحابه، لمْ أزل التقطه منذ اليوم )) قال : فاُحصي ذلك اليوم، فوجدوه قُتِلَ قبل ذلك بيوم هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولمْ يخرجاه(١) .

رؤيا ابن عبّاس، عن زيد بن جدعان

روى محدّث الشام ابن عساكر، وابن كثير، واللفظ للأوّل قال : أخبرنا أبو محمّد بن طاووس، أنا أبو الغنائم بن أبي عثمان، نا أبو الحُسين بن بشران، أنا الحُسين بن صفوان، أنا أبو بكر بن أبي الدُّنيا، أنا عبد الله بن محمّد بن هانئ أبو عبد الرحمن النحوي، نا معدي بن سلمان، نا علي بن زيد بن جدعان، قال : استيقظ ابن عبّاس من نومه فاسترجع، وقال : قُتِلَ الحُسين والله فقال له أصحابه : كلّا يابن عباس، كلّا قال : رأيت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ومعه زجاجة من دم، فقال : (( ألا تعلم ما صنعت اُمّتي من بعدي ؟ قتلوا ابني الحُسين (عليه‌السلام )، وهذا دمه ودم أصحابه أرفعه إلى الله عزّ وجل )).

قال : فكُتب ذلك اليوم الذي قال فيه وتلك الساعة قال : فما لبثوا إلّا أربعة وعشرين يوماً حتّى جاءهم الخبر بالمدينة أنّه قُتِلَ ذلك اليوم وتلك الساعة(٢) .

رؤيا اُمِّ سلمة ( رضي ‌الله‌عنه ا) النّبيَّ (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وعلى رأسه ولحيته التراب ..

روى الترمذي والذهبي، وابن حجر والمزّي، والبخاري والطبراني، وابن جرير الطبري والزّرندي الحنفي، واللفظ للأوّل قال :

____________________

(١) المستدرك - الحاكم النيسابوري ٤/ ٣٩٧، منتخب مسند عبد بن حميد / ٢٣٤.

(٢) تاريخ مدينة دمشق - ابن عساكر ١٤ / ٢٣٧، ترجمة الإمام الحُسين (عليه‌السلام ) - ابن عساكر / ٣٨٧، البداية والنهاية - ابن كثير ٨ / ٢١٨.

١٦٨

حدّثنا أبو سعيد الأشج، أخبرنا أبو خالد الأحمر، أخبرنا رزين(١) قال : حدّثتني سلمى قالت : دخلت على اُمِّ سلمة وهي تبكي فقلتُ : ما يبكيك ؟! قالت : رأيت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) - تعني في المنام - وعلى رأسه ولحيته التراب، فقلت : ما لك يا رسول الله ؟! قال : (( شهدتُ قتل الحُسين (عليه‌السلام ) آنفاً ))(٢) .

وقال الذهبي، تعليقاً على هذه الرواية : رزين هو ابن حبيب، وثّقه ابن معين(٣) .

وقال المزّي في كلامه عن رزين : وقد وقع لنا عالياً من روايته(٤) ، فذكر هذه الرواية.

أقول : ورجاله ثقات(٥) .

____________________

(١) وذكر ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق ١٤ / ٢٣٨ بدله زريق، وقال : وهو الصواب أقول : وهو وهمٌ حتّى نبّه على وهمه مَن علّق على كتابه، ولعلّه أشتبه بمثل سند المستدرك.

(٢) سنن الترمذي ٥ / ٣٢٣، وقال : هذا حديث غريب أقول : إنْ كان من جهة الدلالة فلا يُعبأ به بعد تماميّة سنده، ووجود أمثاله عن ابن عبّاس والبرّاء، وقد أخرجه الحاكم من طريق زريق، والبخاري أخرجه بطريقين عن رزين سير أعلام النبلاء - الذهبي ٣ / ٣١٦، تهذيب التهذيب - ابن حجر العسقلاني ٢ / ٣٠٧، تهذيب الكمال - المزّي ٩ / ١٨٦، التاريخ الكبير - البخاري ٣ / ٣٢٤، المعجم الكبير - الطبراني ٣٢ / ٣٧٣، ذخائر العقبى - أحمد بن عبد الله الطبري / ١٤٨، نظم درر السمطين - الزّرندي الحنفي / ٢١٧.

(٣) سير أعلام النبلاء - الذهبي ٣ / ٣١٦.

(٤) تهذيب الكمال - المزّي ٩ / ١٨٦.

(٥) الأوّل : أبو سعيد الأشج، قال فيه ابن حجر في تقريب التهذيب ١ / ٤٩٧ : عبد الله بن سعيد بن حصين الكندي أبو سعيد الأشج الكوفي، ثقة من صغار العاشرة، مات سنة سبع وخمسين ع وقال فيه الذهبي في تذكرة الحفّاظ ٢ / ٥٠١ : الأشج الإمام، شيخ الإسلام، أبو سعيد عبد الله بن سعيد بن حصين الكندي الكوفي، الحافظ، محدّث الكوفة، وصاحب التفسير والتصانيف ؛ حدّث عن هشيم، وأبي بكر بن عيّاش، وعبد الله بن إدريس، وعقبة بن خالد، وخلائق وعنه الجماعة، وابن خزيمة، وأبو يعلى، وزكريا السّاجي، وعمر البجيرى، وعبد الرحمن بن ابن حاتم =

١٦٩

____________________

= واُمم سواهم ذكره أبو حاتم فقال : هو إمام أهل زمانه وقال محمّد بن أحمد بن بلال الشطوى : ما رأيت أحداً أحفظ منه وقال النّسائي : صدوق، مات في ربيع الأوّل سنة سبع وخمسين ومئتين، وقد زاد على التسعين (رحمه‌الله ).

الثاني : أبو خالد الأحمر، قال فيه الذهبي في تذكرة الحفّاظ ١ / ٢٧٢ : أبو خالد الأحمر، الحافظ الصدوق، سليمان بن حيان الأزدي الكوفي، ولد سنة أربع عشرة ومئة . وثّقه جماعة وقال أبو حاتم : صدوق قلتُ : هو من مشاهير المحدّثين، وغيره أثبت منه مات سنة تسع وثمانين ومئة ( رحمه‌ الله تعالى).

الثالث : رزين بن حبيب الجهني الرمّاني، ذكرناه، وقال أبو حاتم في الجرح والتعديل ٣ / ٥٠٨ : رزين بن حبيب الجهني، بيّاع الرمّان، كوفي، ويُقال : القزاز، ويُقال : التمّار . حدّثنا عبد الرحمن، أنا علي بن أبي طاهر فيما كتب إليَّ، قال : نا الأثرم، قال : سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل سُئل عن رزين بيّاع الرمّان فقال : ثقة.

حدّثنا عبد الرحمن قال : ذكره أبي، عن إسحاق بن منصور، عن يحيى بن معين أنّه قال : رزين بيّاع الرمّان ثقة حدّثنا عبد الرحمن قال : سألت أبي عن رزين هذا فقال : صالح الحديث ليس به بأس، هو أحبّ إليَّ من إسحاق بن خُليد مولى سعيد بن العاص.

وقال المزّي في تهذيب الكمال ٩ / ١٨٦ - وتعرّض لهذا الرواية أيضاً - : رزين بن حبيب الجهني، ويُقال : البكري الكوفي الرمّاني، ويُقال : التّمار، ويُقال : البزاز بيّاع الأنماط . قال أبو بكر الأثرم، عن أحمد بن حنبل، وإسحاق بن منصور، عن يحيى بن معين : رزين بيّاع الرمّان ثقة وقال أبو حاتم : صالح الحديث ليس به بأس، وهو أحبّ إليَّ من إسحاق بن خُليد مولى سعيد بن العاص.

ومنهم مَنْ فرّق بين رزين بيّاع الأنماط، يروي عن الأصبغ بن نباتة، ويروي عنه عيسى بن يونس، وبين رزين بن حبيب الجهني بيّاع الرمّان، ومنهم من جعلهما واحداً، فالله أعلم.

روى له الترمذي حديثا واحداً، وقد وقع لنا عالياً من روايته، أخبرنا به أبو الحسن بن البخاري، وإبراهيم بن علي الواسطي، وأحمد بن إبراهيم بن عمر الفاروقي، قالوا : أخبرنا عمر بن كرم الدينوري ببغداد، قال : أخبرنا عبد الأوّل بن عيسى بن شعيب السّجزي، قال : أخبرنا محمّد بن أبي مسعود الفارسي، قال : أخبرنا عبد الرحمن بن أبي شريح الأنصاري، قال : أخبرنا يحيى بن محمّد بن صاعد، قال : حدّثنا أبو سعيد الأشج، قال : حدّثنا أبو خالد الأحمر، قال : حدّثني رزين، قال : حدّثتني سلمى، قالت : دخلت على اُمّ سلمة (رضوان الله عليها) وهي تبكي فقلت : ما يبكيك ؟! =

١٧٠

ورواه الحاكم بطريق آخر قال :

أخبرني أبو القاسم الحسن بن محمّد السّكوني بالكوفة، ثنا محمّد بن عبد الله الحضرمي، ثنا أبو كريب، ثنا أبو خالد الأحمر، حدّثني زريق، حدّثني سلمان قال : دخلت على اُمِّ سلمة، وهي تبكي، فقلتُ : ما يُبكيك ؟! قالت : رأيت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) في المنام يبكي، وعلى رأسه ولحيته التراب، فقلت : ما لك يا رسول الله ؟! قال : (( شهدتُ قتلَ الحُسين آنفاً ))(١) .

روى الإسفراييني قال : وعن ابن عبّاس قال : بينما أنا راقد في منزلي إذ سمعت صراخاً عالياً من بيت اُمِّ سلمة، فخرجت أتوجه بقائدي إلى منزلها، وقد أقبل أهل المدينة إليها رجالاً ونساء، فقالت : يا بنات عبد المطلب، عدّدن وابكينّ معي ؛ فقد قُتِلَ الحُسين (عليه‌السلام ) - والله - سيِّدُكنَّ، وسيّدُ شباب أهل الجنّة فقلت لها : يا اُمَّ سلمة، مَنْ هو ؟ فقالت : الحُسين (عليه‌السلام ) فقلت لها : ومن أين علمت ؟! قالت : رأيت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) في المنام مذعوراً، فسألته عن ذلك، فقال :

____________________

= قالت : رأيت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) في المنام، وعلى رأسه ولحيته التراب، فقلتُ : ما لك يا رسول الله ؟ قال : ((شهدتُ قتلَ الحُسين آنفاً )) رواه عن الأشج، وقال : غريب، فوافقناه فيه بعلو.

الرابع : سلمى البكريّة، ذكرها الذهبي في مَن له رواية في الكتب الستّة ٢ / ٥١٠ : سلمى البكريّة عن عائشة واُمّ سلمة، وعنها رزين الجهني (ت).

وقال عنها المزّي في تهذيب الكمال ٥٣ / ١٩٦ : سلمى البكريّة، من بكر بن وائل مولاة لهم، روت عن عائشة واُمّ سلمة (ت) زوجَي النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) روى عنها رزين الجهني (ت)، ويُقال : البكري روى لها الترمذي، وقد كتبنا حديثها في ترجمة رزين.

أقول : والذهبي ظاهره قبول روايتها ؛ حيث إنّه لمْ يتعرّض إلّا لرزين، وأمّا المزّي جعل رواية رزين عنها بعلو.

(١) مستدرك الحاكم النيسابوري ٤ / ١٩.

١٧١

(( قُتِلَ الحُسين (عليه‌السلام ) وأهل بيته، والسّاعة فرغت من دفنهم )) قالت اُم سلمة : فدخلت البيت وأنا لا أكاد أعقل، ونظرت فإذا تربة الحُسين (عليه‌السلام ) التي أتى بها جبريل من كربلاء إلى النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، وقال له : إذا صارت مثل الدم، فاعلم أنّه علامة على قتل الحُسين (عليه‌السلام ) ؛ وقد نظرتُ إليها فوجدتها دماً عبيطاً(١) .

امرأةٌ صالحة ترى فاطمة الزهراء (عليها‌السلام ) وفي حجرها رأس الإمام الحُسين (عليه‌السلام )، وأمْرُها بمَن يبلّغ ابن أصدق لينوح على الإمام الحُسين (عليه‌السلام )

روى ابن العديم قال : أنبأنا أحمد بن أزهر بن السبّاك، قال : أخبرنا أبو بكر محمّد بن عبد الباقي الأنصاري في كتابه، عن أبي القاسم علي بن المحسن التنوخي، عن أبيه أبي علي قال : حدّثني أبي، قال : خرج إلينا أبو الحسن الكرخي يوماً، فقال : تعرفون ببغداد رجلاً يقال له : ابن أصدق ؟ فلم يعرفه من أهل المجلس غيري، وقلتُ : أعرفه، فكيف سألت عنه ؟ قال : أيّ شيء يعمل ؟ قال : ينوح على الحُسين بن علي (عليه‌السلام ).

قال : فبكى أبو الحسن، وقال : عندي عجوز تزيّنني من أهل كرخ جدّان، يغلب على لسانها النبطيّة، ولا يمكنها أنْ تقيم كلمة عربيّة فضلاً عن أنْ تحفظ شعراً، وهي من صوالح النساء، وتكثر من الصلاة والصوم والتهجّد، وانتبهتْ البارحة في جوف الليل، ومنامها قريب من منامي، فصاحت : أبو الحسن أبو الحسن ! قلتُ : ما لك ؟! قالت : الحقني فجئتها ووجدتها ترعد، وقلتُ : ما أصابكِ ؟!

____________________

(١) نور العين في مشهد الحُسين (عليه‌السلام ) - أبو إسحاق الإسفراييني / ٧٦، وفي ط ص٦٥.

١٧٢

قالت : رأيت في منامي، وقد صلّيت وردي ونمت، كأنّي في درب من دروب الكرخ، فيه حجرة محمرّة بالساج، مبيضّة بالأسفيداج، مفتوحة الباب، وعليها نساء وقوف، فقلت لهن : ما الخبر ؟! فأشاروا إلى داخل الدار، وإذا امرأة شابّة حسناء بارعة الجمال والكمال، وعليها ثياب بياض مرويّة، من فوقها إزار شديد البياض التفَّت به، وفي حجرها رأس يشخب دماً، ففزعتُ، وقالت : (( لا عليك، أنا فاطمة بنت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، وهذا رأس الحُسين (عليه‌السلام ) . فقولي لابن أصدق حتّى ينوح :

لَمْ اُمرِّضْه فأسلوا

لا ولا كان مريضا ))(١)

وانتبهت مذعورة.

قال أبو الحسن : وقالت العجوز : اُمرّظه ( بالظاء ) ؛ لأنّها لا تتمكن من إقامة الضاد، فسكنت منها إلى أنْ عاودت نومها.

وقال أبو القاسم : ثمّ قال لي : مَع معرفتك بالرجل فقد حمّلتك الأمانة في هذه الرسالة فقلت : سمعاً وطاعة لأمر سيدة النساء (رضوان الله تعالى عليها).

قال : وكان هذا في شعبان، والناس في إذ ذاك يلقون أذىً شديداً وجهداً جهيداً من الحنابلة، وإذا أرادوا زيارة المشهد بالحائر خرجوا على استتار ومخافة، فلم أزل أتلطّف في الخروج حتّى تمكّنت منه، وحصلت في الحائر ليلة

____________________

(١) مناقب آل أبي طالب - ابن شهر آشوب ٣ / ٢٢٠ :

أمالي المفيد النيشابوري : إنّ زر النائحة رأت فاطمة (عليها‌السلام ) فيما يرى النائم أنّها وقعت على قبر الحُسين تبكي، وأمرتها أنْ تنشد :

أيُّها العينانِ فيضا

واستهلّا لا تَغِيضا

وابكيا بالطفِّ مَيْتاً

تَرَكَ الصدرَ رضيضا

لم اُمرِّضْه قتيلاً

لا ولا كان مريضا

١٧٣

النصف من شعبان، وسألت عن ابن أصدق فُدللت عليه، ودعوته وحضرني، فقلت له : إنّ فاطمة تأمرك أنْ تنوح بالقصيدة التي فيها :

لمْ اُمرِّضْه فأسلوا

لا ولا كان مريضا

فانزعج من ذلك، وقصصت عليه وعلى مَنْ كان معه عندي الحديثَ، فأجهشوا بالبكاء، وناح بذلك طول ليلته.

وأوّل القصيدة :

أيُّها العينانِ فيضا

واستهلا لا تغيضا

وهذه الحكاية ذكرها غرس النّعمة أبو الحسن محمّد بن هلال بن المحسن بن إبراهيم المعروف بابن الصابئ في كتاب الربيع، وذكر أنّ أباه الرئيس هلال بن المحسن ذكرها في كتاب المنامات من تأليفه، وقال : حدّث القاضي أبو علي التنوخي قال : حدّثني أبي - يعني أبا القاسم - وذكر الحكاية.

أنبأنا بذلك أبو محمّد عبد اللطيف بن يوسف بن علي، عن أبي الفتح محمّد بن عبد الباقي بن سلمان، عن أبي عبد الله الحميدي قال : أخبرنا غرس النّعمة وأبو الحسن الكرخي المذكور، هو من كبار أصحاب أبي حنيفة، وله من المصنّفات مختصر الكرخي في الفقه.

وقريب من هذه الحكاية ما قرأت بخط أبي غالب عبد الواحد بن مسعود بن الحصين في تاريخه(١) .

أقول : ورجاله ثقات(٢) .

____________________

(١) بغية الطلب في تاريخ حلب - ابن العديم ٦ / ٢٦٥٤، نشوار المحاضرة / ٧٤٦، وله كتاب اسمه نشوان المحاضرة غير هذا، للقاضي التنوخي - نسخة برنامج الموسوعة الشعريّة.

(٢) الأوّل : الكرخي، قال فيه الذهبي في ١٥ / ٤٢٦ : =

١٧٤

____________________

= الكرخي، الشيخ الإمام الزاهد، مفتي العراق، شيخ الحنفيّة، أبو الحسن عبيد الله بن الحُسين بن دلال البغدادي الكرخي الفقيه سمع إسماعيل بن إسحاق القاضي، ومحمّد بن عبد الله الحضرمي، وطائفة حدّث عنه أبو عمر بن حيويه، وأبو حفص بن شاهين، والقاضي عبد الله بن الأكفاني، والعلّامه أبو بكر أحمد بن علي الرازي الحنفي، وأبو القاسم علي بن محمّد التنوخي، وآخرون.

انتهت إليه رئاسة المذهب، وانتشرت تلامذته في البلاد، واشتهر اسمه وبَعُدَ صيتُه، وكان من العلماء العبّاد ذا تهجّد وأوراد وتألّه، وصبر على الفقر والحاجة وزهد تام، ووقع في النفوس.

ومن كبار تلامذته أبو بكر الرازي المذكور وعاش ثمانين سنة.

الثاني : أبو القاسم علي بن محمّد التنوخي

ونذكر ما جاء فيه، وفي ابنه المحسن، وفي حفيده أبي القاسم علي بن المحسن التنوخي جملة، قال القنوجي في أبجد العلوم ٣ / ٨٤ : القاضي التنوخي أبو علي المحسن بن أبي القاسم علي بن محمّد صاحب كتاب الفرج بعد الشدّة، وله ديوان شعر جيد أكبر من ديوان أبيه، وكتاب نشوان المحاضرة، وكتاب المستجاد من فعلات الأجواد، نزل بغداد وأقام بها، وحدّث إلى حين وفاته.

كان سماعه صحيحاً، وكان أديباً شاعراً إخبارياً، تقلّد القضاء والأعمال من قبل الإمام المطيع لله، ولد بالبصرة وتوفي ببغداد، ذكره وأباه الثعالبي، ثمّ قال في حقّه : هلال ذلك القمر، وغصن هاتيك الشجر، والشاهد العدل بمجد أبيه وفضله، والفرع المشيد لأصله، النائب عنه في حياته، والقائم مقامه بعد وفاته.

وأمّا ولده أبو القاسم علي بن المحسن فكان أيضاً أديباً فاضلاً له شعر، صحب أبا العلاء المعرّي وأخذ عنه كثيراً، وهم أهل بيت كلّهم فضلاء أدباء ظرفاء ولد في منتصف شعبان سنة خمس وستّين وثلاثمئة بالبصرة، وتوفي مستهل المحرّم يوم الأحد سنة سبع وأربعين وأربعمئة، انتهى.

قال فيه البغدادي في تاريخه ١٢ / ٧٧ : . وكان يعرف الكلام في الاُصول على مذاهب المعتزلة، ويعرف النجوم وأحكامها معرفة ثاقبة، ويقول الشعر الجيّد، وله ديوان مجموع أنشدناه علي بن المحسن، عن أبيه، عنه.

ولي القضاء بالأهواز وسائر كورها، وتقلّد قضاء ايذج وجند حمص من قِبل المطيع لله، وحدّث ببغداد فروى عنه من أهلها أبو حفص بن الآجري، وأبو القاسم بن الثلاّج.

أخبرنا التنوخي، حدّثنا عمر بن أحمد بن محمّد بن هارون المقرئ، حدّثنا أبو القاسم علي بن =

١٧٥

____________________

= محمّد بن أبي الفهم التنوخي قاضي الأهواز قراءة عليه، وأقرّ به شيخاً حافظاً ثبتاً.

وذكر ابن حجر ما ذكره الخطيب في لسان الميزان ٤ / ٢٥٦، وفي ط ٥ / ٨٧ - ٨٨ قال : قال الخطيب : كان يعرف الكلام في الاُصول على مذهب المعتزلة، ويعرف النجوم وأحكامها معرفة ثاقبة، ويقول الشعر الجيّد، وله ديوان سمعناه من حفيده، عن أبيه ولي قضاء الأهواز وغيرها، روى عنه ابنه أبو علي المحسن، وأبو حفص بن الآجري، وقال : إنّه شيخ حافظ.

وقال فيه الذهبي في سير أعلام النبلاء ١٥ / ٤٩٩ : التنوخي القاضي العلّامه أبو القاسم علي بن محمّد بن أبي الفهم التنوخي الحنفي، مولده بأنطاكية، سمع أحمد بن خليد . والحسن بن أحمد بن حبيب صاحب مسدّد، وعمر بن أبي غيلان، وكان معتزلياً مناظراً، منجّماً شاعراً أديباً، ولي قضاء الأهواز، حدّث عنه ابنه المحسن، وأبو حفص الآجري، وأبو القاسم بن الثلاّج، وكان أحد الأذكياء حفظ ستمئة بيتٍ في يوم وليلة، وله تصانيف، وكان المطيع قد همّ بتوليته قضاء القضاة، ولمـّا توفّي بالبصرة وفّى عنه المهلّبي خمسين ألف درهم دَيناً، وقال ابنه : كان يحفظ للطائيّين ستمئة قصيدة، ويحفظ من النحو واللغة شيئاً عظيماً، ومن العقليات، ويجيب في أزيد من عشرين ألف حديث.

أقول : وكونه من أهل الغناء وشراب النّبيذ ليس بغريب في رجال أهل الخلاف ؛ إذ لا أثر له عندهم، وما أكثرهم !

الثالث : أبو علي المحسن بن علي التنوخي : قال فيه الذهبي في سير أعلام النبلاء ١٦ / ٥٢٤ : التنوخي القاضي العلّامه، أبو علي المحسن بن علي بن محمّد بن أبي الفهم التنوخي البصري الأديب، صاحب التصانيف ولد بالبصرة - على ما قال - في سنة سبع وعشرين وثلاثمئة، وأوّل سماعه في سنة ثلاث وثلاثين.

سمع أبا العبّاس الأثرم، وأبا بكر الصولي، وابن داسة، وواهب بن محمّد صاحب نصر الجهضمي روى عنه ولده أبو القاسم علي، وكان إخبارياً متفنناً، شاعراً نديماً، ولي قضاء رامهرمز، وعسكر مكرم، وغير ذلك.

قال الخطيب : كان سماعه صحيحاً، توفّي في المحرّم سنة أربع وثمانين وثلاثمئة، بعد أبيه باثنتين وأربعين سنة، وأوّل مَن استعمله على القضاء القاضي أبو السّائب عتبة بن عبد الله، وذلك في سنة تسع وأربعين وثلاثمئة وله اثنتان وعشرون سنة، وله كتاب (الفرج بعد الشدّة)، وكتاب (النشوار) وغير ذلك عاش سبعاً وخمسين سنة =

١٧٦

____________________

= الرابع : أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي : قال فيه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ١٢ / ١١٥ : علي بن المحسن بن علي بن محمّد بن أبي الفهم أبو القاسم التنوخي، وقد ذكر نسب جدّه علي بن محمّد على الاستقصاء، وذكر لنا أنّ تنوخ - الذين ينتسبون إليه - اسم لعدّة قبائل، اجتمعوا قديماً بالبحرين وتحالفوا على التآزر والتناصر، وأقاموا هناك فسُمّوا تنوخاً.

سمع أبا القاسم عبد الله بن إبراهيم الزينبي، وعليَّ بن محمّد بن سعيد الرزّاز، وأبا الحسن بن كيسان، وأبا سعيد الحرفي، وإسحاق بن سعد بن الحسن بن سفيان، وأبا عبد الله العسكري، وعبيد الله بن محمّد الحوشبي، وإبراهيم بن أحمد الخرقي، وعبد العزيز بن جعفر الخرقي، وخلقاً كثيراً من طبقتهم، وممّن بعدهم كتبتُ عنه وسمعته، يقول : ولدت بالبصرة في النصف من شعبان سنة خمس وستّين وثلاثمئة، وأوّل سماعي في شعبان من سنة سبعين وثلاثمئة، وكان قد قُبِلَتْ شهادتُه، ثمّ الحكّام في حداثته، ولم يزل على ذلك مقبولاً إلى آخر عمره.

كان متحفّظاً في الشهادة، محتاطاً صدوقاً في الحديث، وتقلّد قضاء نواحٍ عدّة، منها المدائن وأعمالها، ودرزنجان والبردان وقرميسين، ومات في ليلة الإثنين الثاني من المحرّم سنة سبع وأربعين وأربعمئة، ودُفن يوم الإثنين في داره بدرب التل، وصُلّيت على جنازته

الخامس : أبو بكر محمّد بن عبد الباقي الأنصاري قاضي مارستان، قال فيه الذهبي في سير أعلام النبلاء ٢٠ / ٢٣ : قاضي المارستان الشيخ الإمام، العالم المتفنن، الفرضي العدل، مسند العصر، القاضي أبو بكر محمّد بن عبد الباقي بن محمّد بن عبد الله بن محمّد بن عبد الرحمن بن الربيع بن ثابت بن وهب بن مشجعة بن الحارث بن عبد الله بن شاعر النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، وأحد الثلاثة الذين خلفوا كعب بن مالك بن عمرو بن القين الخزرجي السلمي الأنصاري البغدادي النصري، من محلّة النصرية . إلخ.

وفي سير أعلام النبلاء ٢٣ / ٢٥ أيضاً، قال : قال ابن الجوزي فيه : . وكان ثقة فهماً، ثبتاً حُجّة ومتفنناً . إلخ.

وقال فيه ملا علي القاري في شرح مسند أبي حنيفة / ١٠ : مسند له، جمعه الشيخ الإمام الثقة العدل أبو بكر محمّد بن عبد الباقي بن محمّد الأنصاري ( رحمه‌ الله تعالى).

السادس : أحمد بن أزهر، قال فيه ابن ماكولا في إكمال الكمال ٤ / ٢٤٥ : . أبو محمّد أحمد بن أزهر بن عبد الوهاب السبّاك، سمع عبد الوهاب الأنماطي، وأبا المعالي أحمد بن محمّد =

١٧٧

رؤيا الشيخ نصر الله أميرَ المؤمنين (عليه‌السلام )، وسؤاله وجوابه

قال ابن العديم، وابن خلكان، وعبد الحي الدمشقي، واللفظ للأوّل قال : وأخبرنا أبو عبد الله محمّد بن محمود بن هبة الله بن النّجار عنه، قال : حدّثني الشيخ نصر الله بن مجلي مشارف الصناعة بالمخزن - وكان من الثقاة الأمناء [ عند ] أهل السنّة - قال : رأيت في المنام علي بن أبي طالب (عليه‌السلام )، فقلتُ : يا أمير المؤمنين، تفتحون مكّة فتقولون : (( مَنْ دخل دار أبي سفيان فهو آمن )) ثمّ يتم- على وَلدكَ

____________________

= ابن أحمد بن الحُسين المذاري، وأبا القاسم أحمد بن عبد الباقي بن قفرجل، وأبا حفص عمر بن عبد الله الحربي المقري، وله إجازة من القاضي أبي بكر والقزّاز وغيرهما، وسماعه صحيح وإجازاته، توفّي ليلة الجمعة ثامن شوال من سنة اثنتي عشرة وستمئة، ودُفن من الغد

السابع : ابن العديم، قال فيه إليان سركيس في معجم المطبوعات العربية ١ / ١٧١ : ابن العديم ( ٥٨٨ - ٦٦٠ ) كمال الدين أبو حفص، (أو) أبو القاسم عمر بن أحمد بن هبة الله، الشهير بابن العديم الحلبي، والمعروف بابن أبي جرادة ؛ من أعيان أهل حلب وأفاضلهم، وبيت أبي جرادة بيت مشهور من أهل حلب ؛ اُدباء شعراء فقهاء، يتوارثون الفضل كابراً عن كابر، وتالياً عن غابر.

سمع من أبيه، ومن عمّه، ومن جماعة كثيرة بدمشق وحلب والقدس، والحجاز والعراق، انتهت إليه رئاسة أصحاب أبي حنيفة، وكان محدّثاً فاضلاً، حافظاً مؤرّخاً، له تصانيفٌ رائقة، منها تاريخ حلب - أدركته المنيّة قبل إكمال تبييضه - وله كتاب الدراري، صنّفه للملك الظاهر غازي بن يوسف بن أيّوب، وقدّمه له يوم ولد ولده الملك العزيز، وكان قد قدم مصر لمـّا جفل الناس من التتر، ثمّ عاد بعد خراب حلب، فلمّا نظر ما فعله التتر من خراب حلب وقتل أهلها بعد تلك العمارة، قال في ذاك قصيدة طويلة أوّلها :

هو الدهرُ ما تبنيه كفُّك يهدم

وإنْ رُمتَ إنصافاً لديهِ فتُظلَم

ثمّ عاد إلى القاهرة ومات بها، ودُفن بالقرافة.

وذكر فيه ابن نقطة، كما في هامش إكمال الكمال لابن ماكولا ٢ / ٧٣ : وأبو القاسم عمر بن أحمد بن هبة الله بن أبي جرادة الحلبي العدل، سمع الحديث بها من جماعة، وسمع معنا بدمشق من القاضي أبي القاسم الحرستاني وغيره، وكان مليح الخطِّ، حَسَن القراءة، كريمَ الأخلاق، ثقة فاضلاً.

١٧٨

الحُسين يوم الطّف ما تَمَّ ؟! فقال لي عليٌّ (عليه‌السلام ) : (( أما سمعت أبيات الجمّال ابن الصيفي في هذا ؟ )) فقلتُ : لا فقال : (( اسمعها منه )) ثمّ استيقظت فباكرت إلى دار الحيص بيص، فخرج إليَّ، فذكرت له الرؤيا، فشهق وأجهش بالبكاء، وحلف بالله إنْ كانت خرجت من فمي أو خطّي إلى أحد، وإنْ كنت نظمتها إلّا في ليلتي هذه :

ملكنا فكان العفوُ منَّا سجيةً

فلمـَّا ملكتُمْ سال بالدمِ أبطحُ

وحلًّلتُم قتلَ الاُسارى وطالما

غدونا عن الأسرى نعفُّ ونصفحُ

ولا غروَ فيما بينَنا من تفاوتٍ

فكلُّ إناءٍ بالذي فيه ينضحُ

وأخبرنا أبو الطليق معتوق بن أبي السعود البغدادي المقرئ، قال : أنشدني الوزير أبو غالب بن الحصين هذه الأبيات للحيص بيص(١) .

أقول : ورجاله ثقات(٢) .

____________________

(١) بغية الطلب في تاريخ حلب ٦ / ٢٦٥٦ و ٩ / ٤٢٦٦، وفيات الأعيان - ابن خلكان ٢ / ٣٦٤، شذرات الذهب - عبد الحي الدمشقي ٢ / ٢٤٧، جواهر المطالب - ابن الدمشقي الباعوني ٢ / ٣١٤ عن ابن خلّكان، وذكر خلاصة عبقات الأنوار - السيّد حامد النقوي ٨ / ٣٩٢، مرآة الجنان - حوادث / ٥٧٤، ريحانة الألباء ١ / ٤١٤ - ٤١٥، خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر.

(٢) الأوّل : نصر الله بن مجلي، قال عنه ابن خلكان في وفيات الأعيان ٢ / ٣٦٤ عندما نقل هذه الرؤية قال : إنّه من ثقات أهل السنّة، وما قاله ابن العديم هنا : وكان من الثقاة الاُمناء.

الثاني : محمّد بن محمود بن الحسن، قال فيه ابن كثير في البداية والنهاية ٣١ / ١٩٧ : ابن النّجار الحافظ، صاحب التاريخ، محمّد بن محمود بن الحسن بن هبة الله بن محاسن بن النّجار، أبو عبد الله البغدادي الحافظ الكبير، سمع الكثير، ورحل شرقاً وغرباً ولد سنة ثلاث وسبعين وخمسمئة . وكانت وفاته يوم الثلاثاء الخامس من شعبان من هذه السنة، وله من العمر خمس وسبعون سنة، وصُلّي عليه بالمدرسة النظاميّة، وشهد جنازته خلق كثير، وكان =

١٧٩

ورأيت في تاريخ ابن خلكان (رحمه‌الله ) قضية غريبة فأحببت ذكرها هاهنا، وهي : قال الشيخ نصر الله بن مجلي في (مشارف الخزانة الصلاحية) : فكّرت ليلةً وقد آويت إلى فراشي فيما عامل به آل (أبي) سفيان أهلَ بيت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، وفي قضية الحُسين (عليه‌السلام ) وقتله وقتل أهل بيته (عليهم‌السلام )، وأسر بنات رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، وحملهم (إيّاهن) على الأقتاب سبايا، ووقوفهم على درج دمشق سبايا عرايا، فبكيت بكاءً شديداً، وأرقت، ثمّ نمت فرأيت أمير المؤمنين عليّاً (عليه‌السلام )، فحين رأيته بادرت إليه وقبّلت يديه وبكيت، فقال : (( ما يُبكيك ؟ )) فقلتُ : يا أمير المؤمنين،

____________________

= يُنادى حول جنازته : هذا حافظ حديث رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، الذي كان ينفي الكذب عنه ولم يترك وارثاً، وكانت تركتُه عشرين ديناراً وثياب بدنه وأوصى أنْ يتصدّق بها، ووقف خزانتين من الكتب بالنظاميّة تساوي ألف دينار، فأمضى ذلك الخليفة المستعصم، وقد أثنى عليه الناس ورثوه بمراثٍ كثيرة، سردها ابن السّاعي في آخر ترجمته، انتهى.

راجع ما ذكر في حقّه من المدح في طبقات الحفّاظ ٢ / ٥٠٢، شذرات الذهب ٣ / ١٢٦، طبقات الشافعيّة ٢ / ١٢٤، العبر في أخبار مَن غبر ٥ / ١٨٠ وفي طبقات المحدّثين ١ / ٢٠٣ قال عنه : الحافظ الكبير.

الثالث : ابن العديم صاحب بغية الطلب في تاريخ حلب، ذكرنا ترجمته في المرأة الصالحة التي رأت فاطمة الزهراء (عليها‌السلام )، وهي الرواية السابقة.

وأمّا صاحب الأبيات وهو الحيص بيص، فقد قال فيه الذهبي في سير أعلام النبلاء ٢١ / ٦١ : الحيص بيص، الشاعر المشهور، الأمير شهاب الدين أبو الفوارس سعد بن محمّد بن سعد بن صيفي التميمي، الأديب الفقيه الشافعي، سمع من أبي طالب الزينبي، وأبي المجد محمّد بن جهور، روى عنه القاضي بهاء الدين بن شدّاد، ومحمّد بن المني، وله ديوان وترسّل وبلاغة، وباعٌ في اللغة، ويدٌ في المناظرة، وكان يتحدّث بالعربية، ويلبس زي العرب مات في شعبان سنة أربع وسبعين وخمسمئة.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545