مقتل أبي عبد الله الحسين عليه السلام من موروث أهل الخلاف الجزء ٣

مقتل أبي عبد الله الحسين عليه السلام من موروث أهل الخلاف0%

مقتل أبي عبد الله الحسين عليه السلام من موروث أهل الخلاف مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 545

مقتل أبي عبد الله الحسين عليه السلام من موروث أهل الخلاف

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: زهير ابن المرحوم الحاج علي الحكيم
تصنيف: الصفحات: 545
المشاهدات: 44031
تحميل: 2805


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 545 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 44031 / تحميل: 2805
الحجم الحجم الحجم
مقتل أبي عبد الله الحسين عليه السلام من موروث أهل الخلاف

مقتل أبي عبد الله الحسين عليه السلام من موروث أهل الخلاف الجزء 3

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

روى الخوارزمي أيضاً قال : وبهذا الإسناد ( أي أخبرنا الشيخ الإمام الزّاهد الحافظ أبو الحسن علي بن أحمد العاصمي، أخبرنا شيخ القُضاة أبو علي إسماعيل بن أحمد البيهقي، أخبرنا والدي شيخ السنّة أبو بكر أحمد بن الحُسين البيهقي )، عن أبي عبد الله الحافظ، أخبرنا أحمد بن علي المقرئ، حدّثنا محمّد بن عبد الوهاب، حدّثني أبي عبد الوهاب بن حبيب، حدّثني إبراهيم بن أبي يحيى المدني، عن عمارة بن يزيد، عن محمّد بن إبراهيم التيميّ، عن أبي سلمة، عن عائشة: أنّ رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أجلس حُسيناً (عليه‌السلام ) على فخذه، فجاء جبرئيل إليه فقال : هذا ابنك ؟ قال : (( نعم )) قال : أما إنّ اُمّتَك ستقتلُهُ بعدك فدمعت عينا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، فقال جبرئيل : إنْ شئتَ أريتك الأرض التي يُقْتَلُ فيها ؟ قال : (( نعم )) فأراه جبرئيل تراباً من تراب الطفِّ(١) .

____________________

(١) مقتل الحُسين (عليه‌السلام ) للخوارزمي ١ / ٢٣٣ الفصل الثامن.

٤١

بكاءُ الملائكة على الإمام الحسين (عليه‌السلام )

قال الخوارزمي : وذكر الإمام أحمد بن أعثم الكوفي في تاريخه بأسانيد له كثيرة عن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ؛ منها ما ذُكر من حديث ابن عبّاس، ومنها ما ذُكر من حديث اُمّ الفضل بنت الحرث حين أدخلَتْ حُسيناً (عليه‌السلام ) على رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، فأخذه رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وبكى، وأخبرها بقتله . إلى أنْ قال : ثم هبط جبرائيل في قَبيلٍ من الملائكة قد نشرُوا أجنحتهم، ويبكون حزناً على الحُسين (عليه‌السلام )، وجبرائيل معه قبضةٌ من تربة الحُسين (عليه‌السلام ) تفوحُ مسكاً أذفر، فدفعها إلى النّبي، وقال : يا حبيب الله، هذه تربةُ ولدك الحُسين بن فاطمة (عليه‌السلام ) ؛ ستقتلُهُ اللعناء بأرض كربلاء فقال النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : (( حبيبي جبرائيل، وهل تُفْلِحُ اُمَّةٌ تقتلُ فرخي وفرخ ابنتي ؟ )) فقال جبرائيل : لا، بل يضربُهم الله بالاختلاف، فتختلف قلوبهم وألسنتهم آخر الدهر(١) .

وقال ابن المغزلي : وبالإسناد حدّثنا الربعي، حدّثنا فضيل بن يسار، قال : قيل لأبي عبد الله (عليه‌السلام ) : أيُّ قبور الشهداء أفضل ؟ قال : (( أو ليس أفضل الشهداء عندك الحُسين (عليه‌السلام ) ؟ فوالذي نفسي بيده، إنّ حولَ قبره أربعين ألف ملك شعثاً غبراً يبكون عليه إلى يوم القيامة ))(٢) .

ويأتي كثير من روايات بكاء الملائكة في زيارة الإمام الحُسين (عليه‌السلام ) تحت عنوان : ما تفعله الملائكة لزوّار الإمام الحُسين (عليه‌السلام )، وتحت عنوان : سبعون ألف ملك شعثاً غبراً يبكون الإمام الحُسين (عليه‌السلام ).

____________________

(١) مقتل الحُسين (عليه‌السلام ) للخوارزمي ١ / ٢٣٦ الفصل الثامن.

(٢) مناقب ابن المغازلي / ٣٩٧ المطبعة الإسلاميّة - طهران.

٤٢

بكاءُ أمير المؤمنين عليِّ بن أبي طالب (عليه‌السلام ) على الإمام الحُسين (عليه‌السلام )

قال الخوارزمي : وذكر شيخ الإسلام الحاكم الجشمي : أنّ أمير المؤمنين علي (عليه‌السلام ) لمـَّا سار إلى صفّين نزل بكربلاء، وقال لابن عبّاس : (( أتدري ما هذه البقعة ؟ )) قال : لا قال : (( لو عرفتها لبكيت بكائي )) ثم بكى بكاءً شديداً، ثم قال : (( ما لي ولآل أبي سفيان ! )). ثمّ التفت إلى الحُسين (عليه‌السلام )، وقال : (( صبراً يا بُني، فقد لقيَ أبوكَ منهم مثل الذي تلقى بعده ))(١) .

____________________

(١) مقتل الحُسين للخوارزمي ١ / ٢٣٧، وذُكرت هذه الرواية في مصادر الشيعة بتفصيل، وذُكرت التغيرات الكونيّة التي صرّحت بها مصادر أهل الخلاف في روايات اُخرى.

قال الشيخ الصدوق في أماليه / ٦٩٤ : حدّثنا محمّد بن أحمد السّناني (رضي‌الله‌عنه )، قال : حدّثنا أحمد بن يحيى بن زكريا القطّان، قال : حدّثنا بكر بن عبد الله بن حبيب، قال : حدّثنا تميم بن بهلول، قال : حدّثنا علي بن عاصم، عن الحصين بن عبد الرحمن، عن مجاهد، عن ابن عبّاس، قال : كنتُ مع أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) في خروجه إلى صفّين، فلمـَّا نزل بنينوى - وهو شط الفرات - قال بأعلى صوته : (( يابن عبّاس، أتعرف هذا الموضع ؟ )) فقلتُ له : ما أعرفه يا أمير المؤمنين فقال عليٌّ (عليه‌السلام ) : (( لو عرفته كمعرفتي لم تكن تجوزه حتّى تبكي كبكائي )) قال : فبكى طويلاً حتّى اخضلّت لحيته، وسالت الدموع على صدره، وبكينا معه، وهو يقول : (( أوّه أوّه، ما لي ولآلِ أبي سفيان! ما لي ولآلِ حرب، حزبِ الشيطان وأولياءِ الكفر ! صبراً يا أبا عبد الله، فقد لقي أبوك مثل الذي تلقى منهم)) ثم دعا بماء فتوضّأ وضوءه للصلاة، وصلّى ما شاء الله أن يصلّي، ثم ذكر نحو كلامه الأوّل، إلّا أنّه نعس عند انقضاء صلاته وكلامه ساعة، ثم انتبه فقال : (( يابن عبّاس )) فقلتُ : ها أنا ذا فقال : (( ألا اُحدّثك بما رأيتُ في منامي آنفاً عند رقدتي ؟ )) فقلتُ : نامت عيناك ورأيت خيراً، يا أمير المؤمنين قال : (( رأيتُ كأنّي برجال قد نزلوا من السّماء، معهم أعلام بيض، قد تقلّدوا سيوفهم، وهي بيضٌ تلمعُ، وقد خطّوا حول هذه الأرض خطّة، ثم رأيتُ كأنّ هذه النّخيل قد ضربت بأغصانِها الأرضَ، [ فرأيتُها ] تضطرب بدمٍ عبيطٍ، وكأنّي بالحُسين سخلي وفرخي، ومضغتي ومخّي قد غرقَ فيه ؛ يستغيث فلا يُغاثُ، وكأنّ الرجال البيض قد نزلوا من السّماء يُنادونه ويقولون : صبراً آل الرسول ؛ فإنّكم تُقتلون على أيدي شرار النّاس، وهذه الجنّة يا أبا عبد الله إليك مشتاقة ثُمّ يُعزّونني ويقولون: يا أبا الحسن، أبشر فقد أقرّ الله به عينك يوم القيامة ؛ يوم يقوم النّاس لربِّ العالمين، ثمّ انتبهت هكذا.

والذي نفسُ عليٍّ بيده، لقد حدّثني الصّادق الم-صدّق أبو القاسم (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أنّي سأراها في خروجي إلى أهل البغي علينا، وهذه أرضُ كربٍ وبلاءٍ، يُدفنُ فيها الحُسين وسبعة عشر رجلاً من ولْدِي

٤٣

____________________

= وولْدِ فاطمة، وأنّها لفي السّماوات معروفةٌ، تُذكرُ أرضُ كربٍ وبلاءٍ كما تُذكرُ بقعةُ الحرمين وبقعةُ بيتِ المقدس )) ثم قال : (( يابن عبّاس، اطلب لي حولها بعر الظباء، فوالله، ما كذبتُ ولا كُذّبت، وهي مصفرّة، لونُها لونُ الزعفران)) قال ابن عبّاس : فطلبتُها فوجدتُها مجتمعةً، فناديته : يا أمير المؤمنين، قد أصبتها على الصّفة التي وصفتها لي فقال عليٌّ (عليه‌السلام ) : (( صدق الله ورسوله )) ثم قام (عليه‌السلام ) يهرول إليها، فحملها وشمّها، وقال : (( هي هي بعينها، أتعلم يابن عبّاس ما هذه الأبعار ؟ هذه قد شمّها عيسى بن مريم (عليه‌السلام )، وذلك أنّه مرّ بها ومعه الحواريون، فرأى ها هنا الظّباء مجتمعةً وهي تبكي، فجلس عيسى (عليه‌السلام ) وجلس الحواريون معه، فبكى وبكى الحواريون، وهم لا يدرون لِمَ جلس ولِمَ بكى فقالوا : يا روح الله وكلمته، ما يبكيك ؟ قال : أتعلمون أيّ أرضٍ هذه ؟ قالوا : لا قال : هذه أرضٌ يُقتلُ فيها فرخُ الرسول أحمد، وفرخُ الحرّة الطّاهرة البتول شبيهةُ اُمّي، ويُلحدُ فيها.

طينةٌ أطيبُ من المسك ؛ لأنّها طينةُ الفرخ الم-ستشهدِ، وهكذا تكون طينةُ الأنبياء وأولاد الأنبياء، فهذه الظّباء تُكلِّمني وتقول : إنّها ترعى في هذه الأرض شوقاً إلى تربة الفرخ الم-بارك، وزعمت أنّها آمنةٌ في هذه الأرض.

ثم ضرب بيده إلى هذه الصّيران فشمّها، وقال : هذه بعر الظّباء على هذا الطّيب لمكان حشيشها، اللّهمَّ فأبقِها أبداً حتّى يشمّها أبوه فتكون له عزاءً وسلوةً قال : فبقيت إلى يوم النّاس هذا، وقد اصفرّت لطول زمنها، وهذه أرضُ كربٍ وبلاءٍ )).

ثم قال بأعلى صوته : (( يا ربّ عيسى بن مريم، لا تُباركَ في قتلتهِ، والم-عين عليه والخاذل له )) ثمّ بكى بكاءً طويلاً وبكينا معه حتّى سقط لوجهه وغشي عليه طويلاً، ثمّ أفاق، فأخذ البعر فصرّه في ردائه، وأمرني أن أصرّها كذلك، ثمّ قال : (( يابن عبّاس، إذا رأيتها تنفجر دماً عبيطاً ويسيلُ منها دمٌ عبيط، فاعلم أنّ أبا عبد الله قد قُتلَ بها ودُفنَ )).

قال ابن عبّاس : فوالله، لقد كنتُ أحفظها أشدّ من حفظي لبعض ما افترض الله (عزّ وجلّ) عليّ، وأنا لا أحلّها من طرف كمي، فبينما أنا نائمٌ في البيت إذ انتبهت فإذا هي تسيلُ دماً عبيطاً، وكان كمّي قد امتلأ دماً عبيطاً، فجلست وأنا باكٍ، وقلت : قد قُتلَ - والله - الحُسين والله، ما كذبني عليٌّ قطّ في حديث حدّثني، ولا أخبرني بشيء قطّ أنّه يكون إلّا كان كذلك ؛ لأنّ رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) كان يخبرُه بأشياء لا يخبرُ بها غيره.

ففزعتُ وخرجت، وذلك عند الفجر، فرأيت - والله - المدينة كأنّها ضبابٌ لا يستبين منها أثرُ عينٍ، ثمّ طلعت الشّمس فرأيت كأنّها م-نكسفة، ورأيت كأنّ حيطان المدينة عليها دمٌ عبيطٌ، فجلست وأنا باكٍ، فقلتُ : قد قُتلَ - والله - الحُسين، وسمعت صوتاً من ناحية البيت، وهو يقول : =

٤٤

بكاءُ أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) حتّى بلَّ الأرض بدموعه

قال سبط ابن الجوزي : وذكر ابن سعد أيضاً، عن الشعبي قال : لمـَّا مرَّ عليّ (عليه‌السلام ) بكربلاء في مسيره إلى صفّين وحاذى نينوى ( قريةً على الفرات ) وقف ونادى صاحب مطهّرته : (( أخبر أبا عبد الله، ما يُقال لهذه الأرض ؟ )) فقال : كربلاء فبكى حتّى بلَّ الأرض بدموعه، ثم قال: (( دخلت على رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وهو يبكي، فقلتُ له : ما يبكيك ؟! فقال : كان عندي جبرائيل آنفاً، وأخبرني أنّ ولدي الحُسين (عليه‌السلام ) يُقتلُ بشطِّ الفرات بموضعٍ يُقالُ له : كربلاء، ثم قبض قبضةً من تراب فشمَّني إيّاها، فلم أملك عيني أن فاضتا ))(١) .

وقال سبط ابن الجوزي أيضاً : وقد روى الحسن بن كثير، وعبد خير، قالا : لمـَّا وصل عليّ (عليه‌السلام ) إلى كربلاء وقف وبكى، وقال : (( بأبيه اُغيلمة يُقتلون هاهنا، هذا مناخُ ركابِهم، هذا موضعُ رحالِهم، هذا مصرعُ الرجلِ )) ثم ازداد بكاءه(٢) .

____________________

=

اصبروا آلَ الرسولْ

قُتل الفرْخُ النُّحُولْ

نزل الروحُ الأمينُ

ببكاءٍ وعويلْ

ثمّ بكى بأعلى صوته وبكيت، فأثبتُّ عندي تلك الساعة، وكان شهر الم-حرّم يوم عاشوراء لعشر مضين منه، فوجدته قُتلَ يوم ورد عليَّ خبره وتاريخه كذلك، فحدّثت هذا الحديث اُولئك الذين كانوا معه، فقالوا : والله، لقد سمعنا ما سمعت ونحن في المعركة، ولا ندري ما هو، فكنَّا نرى أنّه الخضر (عليه‌السلام ).

وأيضاً روي في كمال الدين وتمام النعمة ١ / ٥٢٣، بحار الأنوار ٤٤ / ٢٥٢.

(١) تذكرة الخواص - سبط ابن الجوزي / ٢٢٥ ط منشورات الشريف الرضي.

(٢) المصدر نفسه.

٤٥

تأوّه أمير المؤمنين لمقتل الإمام الحُسين (عليهما‌السلام )

روى ابن عساكر، وابن منظور، وابن سعد، وابن حجر، والمزّي، واللفظ للأوّل قال : أخبرنا أبو بكر الأنصاري، أنبأنا أبو محمّد الجوهري، أنبأنا أبو عمر حيويه، أنبأنا أحمد بن معرف، أنبأنا الحُسين بن الفهم، أنبأنا محمّد بن سعد، أنبأنا يحيى بن حمّاد، أنبأنا أبو عوانة، عن سليمان، قال : أنبأنا أبو عبيد الضبّي، قال : دخلنا على ابن هرثم الضبّي حين أقبل من صفّين، وهو مع عليّ (عليه‌السلام )، وهو جالس على دكان له، وله امرأة يُقالُ لها: جرداء، وهي أشدُّ حبًّاً لعليٍّ (عليه‌السلام )، وأشدُّ لقولِه تصديقًا، فجاءت شاة له فبعرت، فقال لها : لقد ذكّرني بعر هذه الشاة حديثاً لعليٍّ (عليه‌السلام ) قالوا : وما علم عليٍّ (عليه‌السلام ) بهذا ؟ قال : أقبلنا مرجعَنا من صفّين، فنزلنا كربلاء، فصلّى بنا عليٌّ صلاة الفجر بين شجيرات ودوحات حرمل، ثم أخذ كفّاً من بعر الغزلان فشمّه، ثمّ قال : (( أوه أوه، يُقتلُ بهذا الغائط(١) قومٌ يدخلون الجنّة بغير حساب)).

قال أبو عبيد : قالت جرداء : وما تنكر من هذا ؟ هو أعلم بما قال منك نادت بذلك وهي في جوف البيت(٢) .

وروى أيضاً ابن حجر، والمزّي، وابن عساكر، وابن منظور، وابن العديم، واللفظ للأوّل قال : وقال إسحاق بن سليمان الرّازي، ثنا عمرو بن أبي قيس، عن يحيى بن سعيد، عن أبي حيان، عن قُدامة الضّبي،

____________________

(١) لسان العرب - ابن منظور ٧ / ٣٦٤، والغائط : المتّسع من الأرض مع طمأنينة، وجمعه أغواط وغوط، وغياط وغيطات، الصحاح - الجوهري ٣ / ١١٤٧، وأصل الغائط المطمئن من الأرض الواسع.

(٢) تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر ١٤ / ١٩٩، مختصر تاريخ مدينة دمشق لابن منظور ٧ / ١٣٥، ترجمة الحُسين لابن سعد / ٤٩ من الطبقات، تهذيب التهذيب لابن حجر ٢ / ٣٠١، تهذيب الكمال للمزّي ٦ / ٤١١.

٤٦

عن جرداء بنت سمير، عن زوجها هرثمة بن سلمى، قال : خرجنا مع عليٍّ (عليه‌السلام )، فسار حتّى انتهى إلى كربلاء، فنزل إلى شجرة فصلّى إليها، فأخذ تربةً من الأرض، فشمّها، ثمّ قال : ((واهاً لكٍ يا تربة ! ليُقتلنَّ بكِ قومٌ يدخلون الجنّة بغير حساب )) قال : فقفلنا من غزاتنا، وقُتلَ عليٌّ (عليه‌السلام )، ونسيتُ الحديثَ.

قال : فكنت في الجيش الذين ساروا إلى الحُسين (عليه‌السلام )، فلمـَّا انتهيت إليه نظرت إلى الشجرة، فذكرتُ الحديث، فتقدّمت على فرسٍ لي، فقلت : أُبشّرك ابن بنت رسول الله، وحدّثته الحديث قال (عليه‌السلام ) : (( معنا أو علينا ؟ )) قلت : لا معك، ولا عليك، تركت عيالاً، وتركت […] قال : (( أمّا لا فَوَلِّ في الأرض هارباً ؛ فوالذي نفس حسين بيده، لا يشهد قتلنا اليوم رجلٌ إلّا دخل جهنم )) قال : فانطلقت هارباً موليّاً في الأرض حتّى خفي عليَّ مقتله(١) .

وقال ابن أبي الحديد، قال نصر : وحدّثنا منصور بن سلام التميمي، قال : حدّثنا حيّان التيمي، عن أبي عبيدة، عن هرثمة بن سليم، قال : غزونا مع عليِّ (عليه‌السلام ) صفّين، فلمـَّا نزل بكربلاء صلّى بنا، فلمـَّا سلَّم رفع إليه من تربتها فشمّها، ثم قال : (( واهاً لك يا تربة ! ليُحشرنَّ منك قومٌ يدخلون الجنّة بغير حساب)).

قال : فلمـَّا رجع هرثمة من غزاته إلى امرأته جرداء بنت سمير - وكانت من شيعة عليٍّ (عليه‌السلام ) - حدّثها هرثمة فيما حدّث، فقال لها : ألا اُعجبُكِ من صديقك أبي الحسن ! قال : لمـَّا نزلنا كربلاء، وقد أخذ حفنة من تربتها فشمَّها، قال : (( واهاً لك أيتها التربة ! ليحشرنَّ منك قوم يدخلون الجنّة

____________________

(١) تهذيب التهذيب لابن حجر ٢ / ٣٠١، تهذيب الكمال للمزّي ٦ / ٤١١، تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر ١٤ / ٢٢٢، مختصر تاريخ مدينة دمشق لابن منظور ٧ / ١٤٨، بغية الطلب في تاريخ حلب لابن العديم ٦ / ٢٦١٩.

٤٧

بغير حساب)) وما علْمهُ بالغيب ؟! فقالت المرأة له : دعنا منك أيُّها الرجل ؛ فإنّ أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) لمْ يقل إلّا حقّاً.

قال : فلمـَّا بعث عبيد الله بن زياد البعث الذي بعثه إلى الحُسين (عليه‌السلام )، كنت في الخيل التي بعث إليهم، فلمـَّا انتهيت إلى الحُسين (عليه‌السلام ) وأصحابه، عرفت المنزل الذي نزلنا فيه مع عليٍّ (عليه‌السلام )، والبقعة التي رفع إليه من تربتها والقول الذي قاله، فكرهت مسيري، فأقبلت على فرسي حتّى وقفت على الحُسين (عليه‌السلام ) فسلَّمت عليه، وحدّثته بالذي سمعت من أبيه في هذا المنزل، فقال الحُسين (عليه‌السلام ) : (( أمعنا أم علينا ؟ )) فقلتُ : يابن رسول الله، لا معك ولا عليك، تركت ولْدي وعيالي أخاف عليهم من ابن زياد فقال الحُسين (عليه‌السلام ) : (( فَوَلِّ هرباً حتّى لا ترى مقتلنا ؛ فوالذي نفس حُسينٍ بيده لا يرى اليوم مقتلنا أحدٌ، ثمّ لا يعيننا إلّا دخل النّار)) قال : فأقبلت في الأرض أشتدّ هرباً، حتّى خفي عليَّ مقتلهم(١) .

____________________

(١) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٣ / ١٦٩، وهو نقلها من كتاب واقعة صفّين لنصر بن مزاحم، ويوجد بعض الاختلاف في بعض المفردات نضعها بين معكوفتين :

قال : حدّثني مصعب [ابن سلام]، قال أبو حيّان التّميمي، عن أبي عُبيدة، عن هرثمة بن سليم قال : غزونا مع عليِّ بن أبي طالب غزوة صفّين، فلمّا نزلنا بكربلاء صلّى بنا صلاة، فلمّا سلّم رفع إليه من تربتها فشمّها، ثمّ قال : (( [واهاً لكٍ أيّتُها التربة]، ليُحشرنّ منك قومٌ يدخلون الجنّة بغير حساب )) فلمّا رجع هرثمة [من غزوته] إلى امرأته - وهي جرداء بنت سمير، وكانت شيعةً لعليٍّ (عليه‌السلام ) - فقال لها زوجها هرثمة : ألا اُعجبُك من صديقك أبي الحسن (عليه‌السلام ) ! لمـّا نزلنا كربلاء رفع إليه من تربتها فشمّها وقال : (( واهاً لك يا تربة، ليُحشرنَّ منك قومٌ يدخلون الجنّة بغير حساب )) وما علْمه بالغيب ؟! فقالت : دعنا منك أيُّها الرجل ؛ فإنّ أمير المؤمنين لم يقُلْ إلّا حقّاً.

فلمّا بعث عبيد الله بن زياد البعث الذي بعثه إلى الحُسين بن عليٍّ (عليه‌السلام ) وأصحابه، قال : كنت فيهم في الخيل التي بعث إليهم، فلمّا انتهيت إلى القوم وحُسينٍ وأصحابِه، عرفتُ المنزلَ الذي نزل بنا عليٌّ (عليه‌السلام ) فيه، والبُقعة التي رفع إليه من ترابها، والقول الذي قاله، فكرهت مسيري، فأقبلت على فرسي حتّى وقفت على الحُسين (عليه‌السلام ) فسلّمت عليه، وحدّثته بالذي سمعت من أبيه في هذا المنزل، فقال الحُسين (عليه‌السلام ) : (( معنا أنت أو علينا ؟ )) فقلتُ : يابن رسول الله، لا معك ولا عليك ؛ تركت أهلي [وولْدي] أخاف عليهم من ابن زياد فقال الحُسين (عليه‌السلام ) : (( فَوَلِّ هرباً حتّى لا ترى لنا مقتلاً ؛ [ فوالذي نفس محمّد بيده ] لا يرى مقتلنا اليوم رجلٌ [ ولا يُغيثنا ] إلّا أدخله الله النّار )). قال : فأقبلت في الأرض هارباً حتّى خفي [ عليّ مقتله ] وقعة صفّين - ابن مزاحم المنقري / ١٤٠.

٤٨

بكاءُ الإمام زين العابدين على الإمام الحُسين (عليهما‌السلام )

روى الخوارزمي قال : وأخبرني الشيخ الإمام سيف الدّين أبو جعفر محمّد بن عمر بن علي (كتابةً )، أخبرني الشيخ الإمام أبو الحسن زيد بن الحسن بن علي البيهقي، أخبرني السيّد الإمام النّقيب عليّ بن محمّد بن جعفر الاسترابادي، حدّثني السيّد الإمام زيد السّلام أبو جعفر محمّد بن جعفر بن عليّ الحسني، حدّثني السيّد الإمام أبو طالب يحيى بن الحُسين، أخبرني أبو العبّاس الحسني، أخبرني محمّد بن جعفر القزاداني، حدّثني علي بن إبراهيم ابن هاشم، عن أبيه، عن حنان بن سدير، عن أبيه، عن جعفر بن محمّد بن عليّ الباقر (عليه‌السلام ) قال : (( كان أبي عليّ بن الحُسين (عليه‌السلام ) إذا حضرت الصلاة يقشعرُّ جلْدُهُ، ويصفرُّ لونُهُ، وترتعدُ فرائصُهُ، ويقفُ شعْرُهُ، ويقول - ودموعه تجري على خدّيه - : لو علم العبد مَنْ يناجي ما انفتل )).

وبرز يوماً إلى الصحراء، فتبعه مولىً له، فوجده قد سجد على حجارةٍ خشنةٍ قال مولاه : فوقفت حيث أسمع شهيقَهُ وبكاءَهُ، فوالله، لقد أحصيت عليه ألفَ مرةٍ وهو يقول : (( لا إله إلّا الله حقّا حقّاً، لا إله إلّا الله تعبدّاً ورِقّاً، لا إله إلّا الله إيماناً وصدقاً )) ثمّ رفع رأسه من سجوده، وإنّ لحيتَه ووجهَه قد غُمِرا بالماء من دموع عينيْهِ، فقال مولاه : يا سيدي، أما آنَ لحزنك أنْ ينقضي، ولبكائِك أنْ يقلَّ ؟!

٤٩

فقال لي : (( ويحك ! إنّ يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم (عليهم‌السلام ) كان نبيًّاً ابن نبيٍّ، وكان له اثنا عشر ابناً، فغيَّبَ اللهُ تعالى واحداً منهم فشاب رأسُه من الحزن، واحدودبَ ظهرُه من الغمِّ، وذهب بصرُه من البكاء، وابنه حيٌّ في دار الدنيا، وأنا رأيت أبي وأخي وسبعة وعشرين(١) من أهل بيتي (عليهم‌السلام ) صرعى مقتولين، فكيف ينقضي حُزني ويقل بكائي ؟! ))(٢) .

بكاءُ اُمّ سلمة (رضوان الله عليها) على الإمام الحُسين (عليه‌السلام )

روى الترمذي، والذّهبي، وابن حجر، والمزّي، والبخاري، والطبراني، وابن جرير الطبري، والزرندي الحنفي، واللفظ للأوّل قال : حدّثنا أبو سعيد الأشج، أخبرنا أبو خالد الأحمر، أخبرنا رزين(٣) قال : حدّثتني سلمى قالت : دخلت على اُمِّ سلمة - وهى تبكي - فقلت : ما يُبكيك ؟ قالت : رأيت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) - تعني في المنام - وعلى رأسه ولحيته التراب، فقلت : ما لك يا رسول الله ؟! قال : (( شهدتُ قتلَ الحُسين (عليه‌السلام ) آنفاً )) هذا حديثٌ غريبٌ(٤) .

____________________

(١) الموجود في مصادر الشيعة : سبعة عشر.

(٢) مقتل الحُسين (عليه‌السلام ) - للخوارزمي ٢ / ١٤١ - ١٤٢، الفصل الثالث عشر.

(٣) وذكر ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق ١٤ / ٢٣٨ بدله (زريق) وقال : ورواه الترمذي، عن زين، وهو الصواب.

أقول : ولكنْ طبعة دار الفكر لتاريخ مدينة دمشق يوجد فيها خطأ ؛ إذ نُقلَ عن الترمذي، عن زريق وقال : وهو الصواب، والصحيح عن رزين كما في السنن وغيرها.

(٤) سنن الترمذي ٥ / ٣٢٣، سير أعلام النبلاء - الذهبي ٣ / ٣١٦، تهذيب التهذيب - ابن حجر العسقلاني ٢ / ٣٠٧، تهذيب الكمال - المزّي ٩ / ١٨٦، التاريخ الكبير - البخاري ٣ / ٣٢٤، المعجم الكبير - الطبراني ٣٢ / ٣٧٣، ذخائر العقبى - أحمد بن عبد الله الطبري / ١٤٨، نظم درر السمطين - الزرندي الحنفي / ٢١٧.

٥٠

وقال الذهبي : رزين هو ابن حبيب وثّقه ابن معين(١) .

وقال المزّي في كلامه عن رزين : (وقد وقع لنا عالياً من روايته)(٢) ، فذكر هذه الرواية.

أقول : ورجاله ثقات(٣) .

____________________

(١) سير أعلام النبلاء - الذهبي ٣ / ٣١٦.

(٢) تهذيب الكمال - المزّي ٩ / ١٨٦.

(٣) الأوّل : أبو سعيد الأشجّ، قال فيه ابن حجر في تقريب التهذيب ١ / ٤٩٧ : عبد الله بن سعيد بن حُصين الكندي، أبو سعيد الأشجّ الكوفي، ثقةٌ، من صغار العاشرة، مات سنة سبعٍ وخمسين، وقال فيه الذهبي في تذكرة الحفّاظ ٢ / ٥٠١ : الأشجّ الإمام شيخ الإسلام أبو سعيد، عبد الله بن سعيد بن حصين الكندى الكوفي الحافظ، مـُحدّث الكوفة وصاحبُ التفسير والتّصانيف.

حدّث عن هشيم، وأبي بكر بن عيّاش، وعبد الله بن إدريس، وعقبة بن خالد وخلائق وعنه الجماعة، وابن خزيمة، وأبو يعلى، وزكريا السّاجي، وعمر البجيري، وعبد الرحمن بن حاتم، واُممٌ سواهم ذكره أبو حاتم فقال : هو إمامـُ أهل زمانِه وقال مـُحمّد بن أحمد بن بلال الشطوي : ما رأيت أحداً أحفظ منه وقال النّسائي : صدوقٌ، مات في ربيع الأوّل سنة سبعٍ وخمسين ومئتين، وقد زاد على التسعين (رحمه‌الله ).

الثاني : أبو خالد الأحمر، قال فيه الذهبي في تذكرة الحفّاظ ١ / ٢٧٢ : أبو خالد الأحمر، الحافظ الصّدوق، سليمان بن حيّان الأزدي الكوفي ولِدَ سنة أربع عشرة ومئة وحدّث عن سليمان التّيمي، وليث بن أبي سليم، وهشام بن عروة، وحميد الطّويل وعدّة وعنه أحمد بن حنبل، وابن نمير، وأبو كريب، وأبو سعيد الأشجّ، ويوسف بن موسى القطّان، وإسحاق بن راهويه، وهناد بن السّري، وحميد بن الرّبيع وطائفة وثّقه جماعة، وقال أبو حاتم : صدوقٌ.

قلت : هو من مشاهير المحدّثين، وغيرُه أثبتُ منه مات سنة تسع وثمانين ومئة ( رحمه ‌الله تعالى).

الثالث : ورزين بن حبيب الجُهني الرمّاني : ذكر الذهبي توثيق بن معين له كما ذكرناه.

وقال الرّازي في الجرح والتعديل ٣ / ٥٠٨ :

٢٣٠٤ - رزين بن حبيب الجُهني بيّاع الرمّان، كوفيٌ، ويُقال القزّاز، ويُقال التمّار روى عن الشعبي، وأبي جعفر، وأبي الرقّاد العبسي روى عنه الثّوري، وإسماعيل بن زكريا، وأبو خالد الأحمر، ووكيع، وأبو نعيم سمعت أبي يقول ذلك =

٥١

____________________

= قال أبو مـُحمّد : وروى عنه عُبيد الله بن موسى حدّثنا عبد الرحمن، أنا علي بن أبي طاهر فيما كتب إليَّ قال : نا الأثرم قال : سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل سُئل عن رزين بيّاع الرمّان فقال : ثقةٌ.

حدّثنا عبد الرحمن قال : ذكره أبي، عن إسحاق بن منصور، عن يحيى بن معين أنّه قال : رزين بيّاع الرمّان ثقةٌ حدّثنا عبد الرحمن قال : سألت أبي عن رزين هذا فقال : صالحُ الحديث، ليس به بأسٌ، هو أحبُّ إليَّ من إسحاق بن خُلَيْد مولى سعيد بن العاص.

وقال المزّي في تهذيب الكمال ٩ / ١٨٦، وتعرّض لهذه الرواية أيضاً : قال أبو بكر الأثرم : عن أحمد بن حنبل، وإسحاق بن منصور، عن يحيى بن معين : رزين بيّاع الرمّان ثقةٌ وقال أبو حاتم : صالحُ الحديث، ليس به بأسٌ، وهو أحبُّ إليَّ من إسحاق بن خُلَيْد مولى سعيد بن العاص.

ومنهم مَنْ فرّق بين رزين بيّاع الأنماط، الذي يروي عن الأصبغ بن نُباتة، ويروي عنه عيسى بن يونس، وبين رزين بن حبيب الجُهني بيّاع الرمّان، ومنهم مَنْ جعلهما واحداً، فالله أعلم.

روى له الترمذي حديثاً واحداً، وقد وقع لنا عالياً من روايته، أخبرنا به أبو الحسن بن البخاري، وإبراهيم بن عليّ الواسطي، وأحمد بن إبراهيم بن عُمر الفاروقي، قالوا : أخبرنا عمر بن كرم الدّينوري ببغداد، قال : أخبرنا عبد الأوّل بن عيسى بن شعيب السّجزي، قال : أخبرنا مـُحمّد بن أبي مسعود الفارسي، قال : أخبرنا عبد الرحمن بن أبي شريح الأنصاري، قال : أخبرنا يحيى بن مـُحمّد بن صاعد، قال : حدّثنا أبو سعيد الأشجّ، قال : حدّثنا أبو خالد الأحمر، قال : حدّثني رزين، قال : حدّثتني سلمى، قالت : دخلت على اُمّ سلمة وهي تبكي فقلتُ : ما يُبكيك ؟ قالت : رأيت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) في المنام، وعلى رأسه ولحيته التراب، فقلت : ما لك يا رسول الله ؟! قال : (( شهدتُ قتلَ الحُسين (عليه‌السلام ) آنفاً )) رواه عن الأشجّ، وقال : غريب، فوافقناه فيه بعلو.

الرابع : سلمى البكْرية، فقد ذكرها الذهبي في مَنْ له رواية في الكتب السّتة ٢ / ٥١٠ : سلمى البكْرية، عن عائشة، واُمِّ سلمة، وعنها رزين الجُهني.

وقال عنها المزّي في تهذيب الكمال ٥٣ / ١٩٦ : سلمى البكْرية، من بكر بن وائل مولاة لهم، روت عن عائشة، واُمِّ سلمة زوجي النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) روى عنه رزين الجُهني، ويُقال : البكْري روى لها الترمذي، وقد كتبنا حديثها في ترجمة رزين.

أقول : والذهبي ظاهره قبول روايتها، حيث إنّه لمْ يتعرّض إلّا لرزين، وأمّا المزّي جعل رواية رزين عنها من عالي السّند.

٥٢

ورواها الحاكم أيضاً قال : أخبرني أبو القاسم الحسن بن مـُحمّد السكوني بالكوفة، ثنا مـُحمّد بن عبد الله الحضرمي، ثنا أبو كريب، ثنا أبو خالد الأحمر، حدّثني زريق، حدّثني سلمان قال : دخلت على اُمّ سلمة، وهي تبكي، فقلت ما يبكيك ؟ قالت : رأيت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) في المنام يبكي، وعلى رأسه ولحيته التراب، فقلتُ : ما لك يا رسول الله ؟! قال : (( شهدت قتلَ الحُسين (عليه‌السلام ) آنفاً ))(١) .

صراخُ اُمّ سلمة (رضوان الله عليها) لمـَّا سمعتْ بمقتل الإمام الحُسين (عليه‌السلام ) حتّى غُشي عليها

روى ابن عساكر، وابن حَجَرِ العسقلاني، واللفظ للأوّل قال : أخبرنا أبو بكر مـُحمّد بن عبد الباقي، أنا أبو مـُحمّد الحسن بن علي، أنا أبو عمر مـُحمّد بن العبّاس، أنا أبو الحسن أحمد ابن معروف، أنا الحُسين بن الفهم، أنا مـُحمّد بن سعد، أنا مـُحمّد بن عبد الله الأنصاري، أنا قُرّة بن خالد، أخبرني عامر بن عبد الواحد، عن شهر بن حَوْشَب، قال : أنا لعند اُمّ سلمة زوج النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قال : فسمعنا صارخة، فأقبلت حتّى انتهيت إلى اُمِّ سلمة، فقالت : قُتِلَ الحُسين (عليه‌السلام ) قالت : قد فعلوها ! ملأ الله بيوتهم - أو قبورهم - عليهم ناراً ووقعت مغشيّاً عليها وقمنا(٢) .

شهيقُ اُمِّ سَلَمة (رضوان الله عليها) على الإمام الحُسين (عليه‌السلام )

روى محدّث الشّام ابن عساكر : أخبرنا أبو القاسم زاهر، وأبو بكر وجيه ابنا طاهر بن مـُحمّد، قالا : أنا أحمد بن الحسن بن مـُحمّد الأزهري، أنا الحسن

____________________

(١) مستدرك الحاكم - الحاكم النيسابوري ٤ / ١٩.

(٢) تاريخ مدينة دمشق - ابن عساكر ١٤ / ٢٣٨، تهذيب التهذيب - ابن حجر ٢ / ٣٠٦ عن مـُحمّد بن سعد إلى ابن حوشب.

٥٣

ابن أحمد المـُخلّدي، أنا أبو بكر الإسفراييني، نا الربيع بن سليمان، نا أسد بن موسى، نا عمران بن زيد التغلُبي، عن زبيد الإيامي، عن شهر بن حَوْشَب، عن اُمّ سلمة أنّها قالت لجارية: اخرجي فخبّريني قال : فرجعت الجارية، فقالت : قُتِلَ الحُسين (عليه‌السلام ) فشهقت شهقةً غشيَ عليه، ثمّ أفاقت فاسترجعت، ثمّ قالت : قتلوه قتلهم الله ! قتلوه أذلّهم الله ! قتلوه أخزاهم الله ! ثمّ أنشأت تحدّث قالت : رأيت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) على السّرير، أو على هذا الدّكان، فقال : (( ادعُوا إليَّ أهلي وأهل بيتي، ادعُوا إليَّ الحسنَ والحُسين وعليًّاً )) فقالت اُمـُ سلمة : يا رسول الله، أوَلستُ من أهل بيتك ؟! قال : (( وأنتِ في خيرٍ وإلى خيرٍ )) فقال : (( اللهمَّ، هؤلاء أهلي وأهل بيتي، أذهبْ عنهم الرجس أهل البيت وطهّرهم تطهيراً ))(١) .

اُمُّ سلمة (رضي الله عنها) بكت كثيراً على الإمام الحُسين (عليه‌السلام )

قال أبو المحاسن : وفيها (أي في أحداث سنة ٦٣) توفّيت اُمُّ المؤمنين اُمُّ سلمة، واسمـُها هندُ بنت أبي اُميّة بن المـُغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم المخزوميّة، زوجة النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، وهي بنتُ عمِّ أبي جهلٍ، وبنتُ عمِّ خالد بن الوليد بنى بها النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) في سنة ثلاث من الهجرة، وكانت قبله عند الرجل الصالح أبي سلمة بن عبد الأسد، وهو أخو النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، وكانت من أجمل النّساء، وطال عُمـُرُها، وعاشت تسعين سنةً وأكثر، وهي آخر اُمهاتِ المؤمنين وفاةً، وقد حزنت على الحُسين (عليه‌السلام ) وبكت عليه كثيراً(٢) .

____________________

(١) تاريخ مدينة دمشق - ابن عساكر ١٤ / ١٤٠.

(٢) النجوم الزاهرة ١ / ١٥٦.

٥٤

بكاءُ اُمِّ سلمة (رضوان الله عليها) وتحوّلُ التُرابِ إلى دمٍ

روى الخوارزمي قال : وأخبرني أبو العلاء - هذا إجازةً - أخبرني أبو عليِّ الحدّاد، أخبرني مـُحمّد بن أحمد الكاتب، أخبرني عبد الله بن مـُحمّد، حدّثني أحمد بن عمر، حدّثني إبراهيم بن سعيد، حدّثني مـُحمّد بن جعفر بن مـُحمّد، قال : سمعت عبد الرحمن بن مـُحمّد بن أبي سلمة يذكر عن أبيه، عن جدّه، عن اُمّ سلمة قالت : جاء جبرئيل (عليه‌السلام ) إلى النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، فقال : إنّ اُمّتَك تقتلُه - يعني الحُسين - بعدك ثمّ قال له : ألا اُريك من تربةِ مقتلِه ؟ قال : (( نعم)) فجاء بحصيات فجعلهنَّ رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) في قارورة، فلمـَّا كانت ليلة قتل الحُسين (عليه‌السلام ) قالت اُمُّ سلمة : سمعْتُ قائلاً يقول :

أيُّها القاتلون جهلاً حُسيناً

أبشروا بالعذابِ والتّنكيلِ

قد لُعِنْتُم على لسانِ ابنِ داو

دَ وموسى وصاحبِ الإنجيلِ

قالت : فبكيت، وفتحتُ القارورةَ فإذا قد حدثَ فيها دمٌ(١) .

وذكر ابن جرير الطبري، والصالحي الشامي، واللفظ للأوّل قال : وعنها قالت : رأيت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وهو يمسحُ رأسَ الحُسين (عليه‌السلام ) ويبكي، فقلت ممّا بكاؤك ؟! فقال : (( إنّ جبريل أخبرني أنّ ابني هذا يُقتلُ بأرضٍ يُقالُ لها : كربلاء )) قالت : ثمّ ناولني كفّاً من ترابٍ أحمرٍ، وقال : (( إنّ هذا من تربةِ الأرض التي يُقتلُ بها، فمتى صار دماً فاعلمي أنّه قد قُتِلَ )).

قالت اُمُّ سلمة : فوضعتُ التُّراب في قارورةٍ عندي، وكنتُ أقول : إنّ يوماً يتحوَّلُ فيه دماً لَيومٍ عظيمٍ خرّجه الملاّ في سيرته(٢) .

____________________

(١) مقتل الحُسين (عليه‌السلام ) - الخوارزمي ٢ / ١٠٥ - ١٠٦.

(٢) ذخائر العقبى - أحمد بن جرير الطبري / ١٤٧، سبل الهدى والرشاد - الصالحي الشامي ١٠ / ١٥٤.

٥٥

وقال الزّرندي الحنفي : وروتْ اُمُّ سلمةَ (رض) قالت : جاء جبريل إلى النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) فدخل عليه الحُسين (عليه‌السلام )، فقال : إنّ اُمّتَك تقتلُه بعدك ثمّ قال : ألا اُريك تربةَ مقتلِه ؟ فجاء بحصياتٍ فجعلهنَّ رسولُ اللهِ (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) في قارورةٍ، فلمـَّا كان في ليلةِ قتلِ الحُسين (عليه‌السلام ) سمعتُ قائلاً يقول :

أيُّها القاتلون جهلاً حُسيناً

أبشروا بالعذابِ والتّنكيلِ

قد لُعِنْتُم على لسانِ ابنِ داو

دَ وموسى وصاحبِ الإنجيلِ

قالت : فبكيت، وفتحت القارورة فإذا الحصيات قد جرت دماً(١) .

وقال الخوارزميّ : وجاء في المراسيل أنّ سلمى المدنية قالت : دفع رسولُ الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) إلى اُمِّ سلمة قارورةً فيها رملٌ من الطّفِّ، وقال لها : (( إذا تحوَّلَ هذا دماً عبيطاً فعند ذلك يُقتلُ الحُسين (عليه‌السلام )).

قالت سلمى : فارتفعتْ واعيةٌ من حجرةِ اُمِّ سلمة، فكنتُ أوَّلُ مَنْ أتاها، فقلت : ما دهاكِ يا اُمَّ المؤمنين ؟! قالت : رأيت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) في المنام والتُراب على رأسه، فقلت : ما لك؟! فقال (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : (( وثبَ النّاسُ على ابني فقتلُوه، وقد شهدتُه قتيلاً السّاعةَ )) فاقشعرّ جلْدي، فوثبتُ إلى القارورةِ فوجدتُها تفورُ دماً قالت سلمى : فرأيتُها موضوعةً بين يديها(٢) .

بكاءُ ابن عبّاس (رضوان الله عليه) على الإمام الحُسين (عليه‌السلام )

وروى ابن عساكر، والمزّي، وابن كثير، واللفظ للأوّل قال : . فقال ابن عبّاس مـُخاطباً الحُسين (عليه‌السلام ) : لولا أنْ يُزري ذلك بي أو بك لنشبتُ يدي في رأسِك،

____________________

(١) نظم درر السمطين - الزّرندي الحنفي / ٢١٧.

(٢) مقتل الحُسين (عليه‌السلام ) - الخوارزمي ٢ / ١٠٩ -١١٠، الفصل الثاني عشر.

٥٦

ولو أعلم أنّا إذا تناصبنا أقمت لفعلت، ولكنْ لا أخالُ ذلك نافعي فقال له الحُسين (عليه‌السلام ) : (( لأنْ اُقتلُ بمكانِ كذا وكذا أحبُّ إليَّ أنْ تُستحلَّ بي )) - يعني مكّة -.

قال : فبكى ابن عبّاس، وقال : أقررتَ عين ابن الزّبير وكان ابن عبّاس يقول : فذاك الذي سلا بنفسي عنه، ثمّ خرج عبد الله بن عبّاس مِنْ عندِه وهو مـُغضبٌ، وابن الزّبير على الباب، فلمـَّا رآه قال : يابن الزّبير، قد أتى ما أحببتَ، قرّتْ عينُك، هذا أبو عبد الله يخرج ويتركُك والحجاز، ثمّ قال :

يا لكِ مِنْ قُنْبَرةٍ بمعْمر

خلا لكِ الجوُّ فبيضي واصفري

ونقِّري ما شئتِ أنْ تُنقّري(١)

نيحَ على الإمام الحُسين (عليه‌السلام ) ثلاث سنين، وبكاءُ أصحاب رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) عليه

قال الزرندي الحنفي : روى جعفر بن مـُحمّد، عن أبيه (عليه‌السلام ) قال : (( نيحَ الحُسينُ بن عليّ (عليه‌السلام ) ثلاث سنين، وفي اليوم الذي قُتلَ فيه، فكان وائلة بن الأصمع، ومروان بن الحكم، ومسوّر بن محزمة، وتلك المشيخة من أصحاب رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) يجيئون متقنعين فيستمعون نوحَ الجنّ ويبكون ))(٢) .

بكاءُ مـُحمّد بن الحنفيّة (رضي‌الله‌عنه ) حتّى سُمعَ منه صوتُ وقع الدموع

روى الطبري قال : قال أبو مـُخنف، عن هشام بن الوليد، عمَّن شهدَ ذلك قال : أقبل الحُسين بن عليٍّ (عليه‌السلام ) بأهله من مكّة، ومـُحمّد بن الحنفيّة بالمدينة قال : فبلغه خبره، وهو يتوضّأ في طست قال : فبكى حتّى سمعت وقع دموعه

____________________

(١) تاريخ مدينة دمشق - لابن عساكر ١٤ / ٢١١، وذكرنا تمام هذه الحادثة في مَنْ اعترض على الحُسين (عليه‌السلام ) في خروجه، تهذيب الكمال - المزّي ٦ / ٤٢٠، البداية والنهاية - ابن كثير ٨ / ١٧٨.

(٢) درر السمطين - للزرندي الحنفي / ٢٢٣ - ٢٢٥.

٥٧

في الطست(١) .

وقال البلاذري : وبلغ ابنَ الحنفيّة شخوصُ الحُسين (عليه‌السلام ) وهو يتوضّأ، فبكى حتّى سمع وقع دموعه في الطست(٢) .

وقال الشريف الشهرزوري : لمـَّا بلغ أخاه مـُحمّد بن الحنفيّة بكى حتّى ملأ طستاً بين يديه(٣) .

بكاءُ أهل المدينة لمقتل الإمام الحُسين (عليه‌السلام )

وقال البلاذري : ولمـَّا بلغ أهلَ المدينةِ مقتلُ الحُسينِ (عليه‌السلام ) كثُرَت النّوائح والصوارخ عليه، واشتدّت الواعية في دور بني هاشم، فقال عمرو بن سعيد الأشدق : واعية بواعيةِ عثمان وقال مروان حين سمع ذلك :

عجَّت نساءُ بني زبيد عجةً

كعجيجِ نسوتنا غداةَ الأرنب(٤)

بكاءُ الحسن البصري على الإمام الحُسين (عليه‌السلام ) حتّى اختلج صدغاه

روى البلاذري قال :

____________________

(١) تاريخ الطبري ٣ / ٣٠١.

(٢) أنساب الأشراف - البلاذري ٣ / ٣٧٧.

(٣) كتاب الإشاعة لأشراط الساعة - العلّامه الشريف السيّد مـُحمّد بن عبد الرسول البرزنجي الحُسيني الموسوي الشافعي الشهرزوري المدني، المـُتوفّى بها سنة ١١٠٣ ( ص ٢٤ ط دار الكتب العلمية في بيروت ) نقلاً عن إحقاق الحقِّ ٢٧ / ٢٣١.

(٤) أنساب الأشراف - البلاذري ٢ / ٤١٧.

٥٨

وحدّثنا عمرو بن سبه، ثنا الصّلْت، عن مسعود الجُحدري، ثنا عاصم بن قرهد، عن أبي بكر الهُذلي، عن الحسن (البصري) : أنّه لمـَّا قُتِلَ الحُسينُ (عليه‌السلام ) بكى حتّى اختلج جنباه، ثمّ قال : وا ذلّ اُمَّةٍ قتلَ ابنُ دعيِّها ابنَ نبيِّها !(١) .

قال الخوافي أو الحافي الشافعي : قال الزهري : لمـَّا بلغَ الحسنُ البصري الكوفةَ قُتِلَ الحُسينُ (عليه‌السلام )، فبكى حتّى اختلج صدغاه، ثمّ قال : وا ذلَّ اُمَّةٍ قتلَ ابنَ بنتِ نبيِّها دعيُّها ! والله، لَيردّنَّ رأس الحُسينِ إلى جسدِه، ثمّ لينتقمنَّ له جدُّه وأبوه من ابن مرجانة ويزيد(٢) .

بكاءُ عبد الله بن عمر

وروى محدّث الشام ابن عساكر، وابن كثير، وابن الدمشقي، واللفظ للأوّل قال : أخبرنا أبو طالب علي بن عبد الرحمن بن أبي عقيل، أنا علي بن الحسن بن الحُسين، أنا أبو مـُحمّد بن النّحاس، أنا أحمد بن مـُحمّد بن زياد، نا أبو بكر يحيى بن جعفر بن عبد الله بن الزّبرقان، نا شبابة بن سوار، نا يحيى بن إسماعيل بن سالم الأسدي قال : سمعت الشعبي يُحدّث عن ابن عمر: أنّه كان بماءٍ له فبلغَه أنّ الحُسينَ بن عليّ (عليه‌السلام ) قد توجّه إلى العراق، فلحقَه على مسيرةِ ثلاثِ ليالٍ، فقال له : أين تريد ؟ فقال : (( العراق )) وإذا معه طواميرُ كتبٍ، فقال : (( هذه كتبُهم وبيعتُهم )) فقال : لا تأتيهم فأبى.

قال : إنّي مـُحدّثك حديثاً ؛ إنّ جبريل أتى النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) فخيَّره بين الدّنيا والآخرة، فأختار الآخرة، ولم يُردِ الدّنيا

____________________

(١) أنساب الأشراف - البلاذري ٣ / ٤٢٥.

(٢) التبر المذاب / ٩١ مخطوط، للشريف أحمد بن مـُحمّد بن أحمد الحُسيني الخوافي [الحافي] الشافعي، نقلاً عن إحقاق الحقِّ ٣٣ / ٦٩٨.

٥٩

وإنّكم(*) بضعةٌ من رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، واللهِ، لا يليها أحدٌ منكُم، وما صرفها الله عنكم إلّا للذي هو خير لكم فأبى أنْ يرجعَ قال : واعتنقَه ابنُ عمر وبكى، وقال : استودعك الله مِنْ قتيلٍ(١) .

ورواه أيضاً البيهقي قال : (أخبرنا) أبو عبد الله الحافظ، ثنا أبو العبّاس مـُحمّد بن يعقوب، ثنا يحيى بن أبي طالب، ثنا شبابة بن سوار، ثنا يحيى بن إسماعيل الأسدي، قال : سمعت الشعبي يحدّث عن ابن عمر (رضي‌الله‌عنه ) : أنّه كان بماءٍ له فبلغَه أنّ الحُسينَ بن عليٍّ (عليه‌السلام ) توجّه للعراق فلحقَهُ، فذكر الحديث في أمره بالرجوع، فأبى أنْ يرجعَ، فاعتنقه ابن عمر وبكى، وقال: أستودعُك اللهَ مِنْ قتيلٍ هكذا رواه شبابة، ورواه سعيد بن سليمان، عن يحيى بن إسماعيل، عن سالم، عن أبيه، عن الشعبي(٢) .

بكاءُ اُمّ البنين (رضي‌الله‌عنه ) على أبنائها (عليهم‌السلام )

روى الأصفهاني قال : حدّثني أحمد بن عيسى، قال : حدّثني حُسين بن نصر، قال : حدّثنا أبي قال : حدّثنا عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر : أنّ زيد بن رقّاد الجنبي، وحكيم بن الطّفيل الطّائي قتلا العباسَ بن عليٍّ (عليه‌السلام )، وكانت اُمُّ البنين - اُمّ هؤلاءِ الأربعةِ

____________________

(*) لا يخفى أنّ هذا التفسير مِنْ ابن عمر يدلّ على قصورِه، وإلّا فما هو الرّابط بين خروج الحُسينِ (عليه‌السلام ) على فاسقٍ يلعب بمقدّساتِ الإسلام وبين ما أختاره النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ؟! وهل الأمر بالمعروف والنّهي عن المـُنكر طلب للدّنيا ؟! أوَ ليس الدّنيا مزرعة للآخرة ؟!

(١) تاريخ مدينة دمشق - ابن عساكر ٤١ / ٢٠٢، البداية والنهاية - ابن كثير ٨ / ١٧٣، جواهر المطالب في مناقب الإمام عليّ (عليه‌السلام ) - ابن الدمشقي ٢ / ٢٧٥.

(٢) السنن الكبرى - البيهقي ٧ / ١٠٠.

٦٠