الـمُنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري)

الـمُنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري)16%

الـمُنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري) مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 493

الـمُنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري) الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 493 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 70411 / تحميل: 5607
الحجم الحجم الحجم
الـمُنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري)

الـمُنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري)

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

إذا ما تعمدت السلو في خاطري

أباه فؤادي للهموم عنيد

وذكرني بالحزن والنوح والبكا

غريب بأكناف الطفوف فريد

يودع أهليه وداع مفارق

لهم أبد الأيام ليس يعود

كأني بمولاي الحُسين وصحبه

كأنهم تحت الوطيس أسود

عطاشى على شاطئ الفرات فمالهم

سبيل إلى قرب المياه ورود

فياليتني يوم الطفوف شهدتهم

وكنت كما جادوا هناك أجود

لقد صبروا لا ضيع الله صبرهم

إلى أن قتلوا من حوله وأبيدوا

وقد خرّ مولاي الحُسين مجدلاً

قتيلاً عفيراً في التراب وحيد

وأقبل شمر الرجس واحتز رأسه

بقلب مشؤوم فارقته سعود

وساقوا السبايا من بنات محمد

يسوقهم قاسي الفؤاد عتيد

وفاطمة الصغرى تقول لاختها

وقد كضها جهد هناك جهيد

يا أخت قد ذابت من السير مهجتي

سلي سائق الأضعان أين يزيد

تنادي وقد أبدت من الثكل صبرها

بصوت تكاد الأرض منه تميد

بكى رحمة لي حاسدي ومعاندي

فيا سوء حال إذ بكاه حسود

فني جلدي يابن الوصي وليس

فؤادي على ما لقيت جليد

فيا غائباً لا يرتجى منه أوبة

مزارك من قرب الديار بعيد

ظننت بأن تبقى فأيسني الرجا

ويأسي المرجى يابن أمي شديد

تبيد الليالي والدهور ومهجتي

وحزني على مولاي ليس يبيد

سيعلم أعداء الحُسين ورهطه

إذا ما هم يوم المعاد أعيدوا

واقبلت الزّهراء فاطم حولها

من أملاك رب العالمين جنود

تنادي إلهي خذ بحق ظالمي

فإنك عدل للخصوم عنيد

فهذا يزيد قاتل إبني ورهطه

على ظمأ حتّى فنوا وأبيدوا

وساقوا بناتي حاسرات أذلة

كما سيل من نسل العبيد عنيد

فتبكي لها الأملاك جمعاً وعندها

ينادي منادي الحق أين يزيد

فيؤتى به سحباً ويؤتى برهطه

وجوههم بين الخلائق سود

فيأمر مولاي الجليل بقتلهم

إذ قتلوا من بعد ذاك أعيدوا

١٦١

وتقتلهم أولاد فاطم كلهم

وشيعتهم والعالمون شهود

ويحشرهم ربي إلى ناره التي

يكون بها للظالمين خلود

إذا نضجت فيها هناك جلودهم

أعيد لهم من بعد ذلك جلود

فما فعلت عاد كقبح فعالهم

ولا استحسنت ما استحسنته ثمود

شهدت بمن حج الملبون بيته

وربي على ما قد شهدت شهيد

بأن رسول الله أكرم من مشى

ومن حملته في المهامة قود

وعترته أزكى وأطهر عترة

ومن جاد حتّى لا يكون يجود

ولولاهم لم يخلق الله خلقه

ولم يك وعد فيهم ووعيد

وما خلقوا إلّا ليمتحن الورى

فيشقى شقي فيهم وسعيد

عليهم سلام الله ما در شارق

وما اخضر يوماً في الأرائك عود

وإني ابن حماد بمدح أئمتي

أعيش وعيشي في الزمان حميد

أحبر في آل النّبي مدائحي

وأحسن ما حبرته وأجيد

الباب الثّالث

يا إخواني , تفكّروا في أنوار الله في أرضه وسمائه , وأصفياء الله وحججه وخلفائه , كيف تُقطّع منهم الأوصال , ويُجدّلون على الرّمال , ويتجرّعون الحتوف بأراضي الطّفوف ؟ ولعمري , هذا دأب الصّالحين وأولياء الله الـمُقرّبين ، فإنّ الله يذود أولياءه عن لذّات الدُنيا , كما يذود لراعي الشّفيق إبله عن مراتع الهلكة .وتأكيد ذلك ما روي : أنّ موسى (عليه‌السلام ) لمـّا توجّه إلى مناجاة ربّه , اعترضه رجل من عباده الصّالحين , فقال له : يا موسى , أبلغ ربّك أنّي أحبّه وأنا مُطيع له .فلمّا فرغ موسى من الـمُناجاة , نودي : (( يا موسى , ألا تبلغني رسالة عبدي ؟ )) .فقال : يا إلهي , أنت العالم بما قال عبدك .فقال ذو الجلال : (( يا موسى , أنا أيضاً أحبّه )) .فازداد ذلك الرّجل في يقين موسى إنّه عبد صالح , فلمّا رجع موسى من مُناجاة ربّه , جعل يتفقّد ذلك الرّجل في مكانه , فإذا هو بالأسد قد افترسه , فتعجّب موسى (عليه‌السلام ) وحزن عليه , وقال : يا إلهي , رجل صالح تحبّه ويحبّك , تسلّط عليه كلباً من كلابك يفترسه ؟! فأتاه النّداء : (( نعم يا موسى , وهكذا أفعل بأحبابي وأوليائي , ابتليهم في دار الهوان , وأسكنهم عندي في غرفات الجنان )).

وروي أيضاً : أنّ رجُلاً جاء إلى رسول الله , فوقف بين

١٦٢

يديه , فقال : يا رسول الله , إنّي أحبّ الله عزّ وجلّ ، فقال : (( استعد للبلاء )) .فقال : يا رسول الله , وإنّي أحبّك .فقال له : (( استعد للفقر )) .فقال : وإنّي أحبّ عليّ بن أبي طالب .فقال : (( استعد لكثرة الأعداء )).

ولـمّا كان الإمام الحُسين حبيب الملك الدّيان , وولي الواحد المنّان , وحجّة الله على العباد , لا جرم ابتلاه الله بأهل العناد والفساد ، وهل اصابته تلك السّهام والمحن العظام ، إلّا من القوس الذي وتر على أبيه واُمّه وأخيه ؟( وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ) (١) ( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ) (٢) .فتعساً لِمَن أردى تلك العصابة الكرام ! وسحقاً لِمَن نكّس أعلام أولئك الأعلام ! أما خافوا من أهوال يوم القيامة ؟! أما راقبوا جدّهم صاحب الغمامة ؟! أما راجعوا عقولهم فعلموا في المحشر كيف يكون ؟! وبماذا يتعللون إذا بكت الزّهراء على ما حلّ بولدها الذي هو قطعة من كبدها ؟( هُنَالِكَ تَبْلُوا كُلّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ وَرُدّوا إِلَى اللّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقّ وَضَلّ عَنْهُم مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ) (٣) .

روي : أنّ النّبي خرج من المدينة غازياً وأخذ معه عليّاً , وبقي الحسن والحُسين (عليهما‌السلام ) عند اُمّهما لأنّهما صغيران , فخرج الحُسين (عليه‌السلام ) ذات يوم من دار اُمّه يمشي في شوارع المدينة , وكان عمره يومئذ ثلاث سنين , فوقع بين نخيل وبساتين حول المدينة , فجعل يسير في جوانبها ويتفرّج في مضاربها , فمرّ عليه يهودي يُقال له صالح بن رقعة اليهودي , فأخذه إلى بيته , وأخفاه عن اُمّه حتّى بلغ النّهار إلى وقت العصر , والحُسين لم يتبيّن له أثر , فقاد قلب فاطمة بالهمّ والحزن على ولدها الحُسين (عليه‌السلام ) , فصارت تخرج من دارها إلى باب مسجد النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) سبعين مرّة , فلم تر أحداً تبعثه في طلب الحُسين (عليه‌السلام ) , ثمّ أقبلت إلى ولدها الحسن (عليه‌السلام ) , وقالت له : (( يا مُهجة قلبي وقُرّة عيني , قُم فاطلب أخاك الحُسين , فإنّ قلبي يحترق من فراقه )) .فقام الحسن وخرج من المدينة , وأتى إلى دور حولها نخل كثير , وجعل يُنادي : (( يا حُسين بن عليّ ! يا قرّة عين النّبي ! أين أنت يا أخي ؟ )) .قال : فبينما الحسن يُنادي , إذ بدا له غزالة في تلك السّاعة , فألهم الله الحسن أن يسأل الغزالة , فقال : (( يا ظبية , هل رأيت أخي حُسيناً ؟ )) .فأنطق الله الغزالة ببركات رسول الله ، وقالت : يا حسن , يا نور عين الـمُصطفى وسرور قلب الـمُرتضى , ويا مُهجة فؤاد الزّهراء , اعلم أنّ أخاك أخذه صالح اليهودي وأخفاه في بيته .فسار الحسن حتّى

____________________

(١) سورة إبراهيم / ٤٢.

(٢) سورة الشّعراء / ٢٢٧.

(٣) سورة يونس / ٣٠.

١٦٣

أتى دار اليهودي , فناداه فخرج صالح , فقال له الحسن : (( إليّ الحُسين من دارك وسلّمه إليّ , وإلّا أقول لاُمّي تدعو عليك في أوقات السّحر , وتسأل ربّها حتّى لا يبقى على وجه الأرض يهودي , ثمّ أقول لأبي يضرب بحسامه لجمعكم حتّى يلحقكم بدار البوار , وأقول لجدّي يسأل الله سبحانه أن لا يدع يهودياً إلّا وقد فارق روحه )) .فتحيّر صالح اليهودي من كلام الحسن ، وقال له : يا صبي مَن اُمّك ؟ فقال : (( اُمّي الزّهراء بنت مُحمّد الـمُصطفى , قلادة الصّفوة ودرّة صدف العصمة , وعزّة جمال العالم والحكمة , وهي نقطة دائرة المناقب والمفاخر , ولمعة من أنوار المحامد والمآثر ، خمرة طينة وجودها من تفّاحة من تفّاح الجنّة , وكتب الله في صحيفتها عتق عصاة الاُمّة ، وهي اُمّ السّادة النُجباء وسيّدة النّساء , البتول العذراء فاطمة الزّهراء (عليها‌السلام ) )).فقال اليهودي : أمّا اُمّك فعرفتها ، فمَن أبوك ؟ فقال الحسن (عليه‌السلام ) : (( إنّ أبي أسد الله الغالب عليّ بن أبي طالب , الضّارب بالسّيفين , والطّاعن بالرّمحين , والـمُصلّي مع النّبي في القبلتين , والمفدي نفسه لسيّد الثّقلين , أبو الحسن والحُسين )).فقال صالح : يا صبي , قد عرفت أباك , فمَن جدّك ؟ فقال : (( جدّي [ درّة ] من صف [ صدف ](١) الجليل ، وثمرة من شجرة إبراهيم الخليل ، الكوكب الدّرّي , والنّور المضيء من مصباح التّبجيل المعلقة في عرش الجليل , سيّد الكونين ورسول الثّقلين , ونظام الدّارين وفخر العالمين , ومُقتدى الحرمين , وإمام المشرقين والمغربين , وجدّ السّبطين أنا الحسن وأخي الحُسين )).

قال : فلمّا فرغ الحسن من تعداد مناقبه , انجلى صداه الكفر عن قلب صالح , وهملت عيناه بالدّموع , وجعل ينظر كالمتحيّر, متعجّباً من حسن منطقه وصغر سنّه وجودة فهمه , ثمّ قال : يا ثمرة فؤاد الـمُصطفى , ويا نور عين الـمُرتضى , ويا سرور صدر الزّهراء , يا حسن , أخبرني من قبل أن أسلّم إليك أخاك عن أحكام دين الإسلام , حتّى أذعن لك وأنقاد إلى الإسلام .ثمّ إنّ الحسن عرض عليه أحكام الإسلام , وعرّفه الحلال والحرام , فأسلم صالح وأحسن الإسلام على يد الإمام , وسلّمه أخاه الحُسين , ثمّ نثر على رأسيهما طبقاً من الذّهب والفضّة , وتصدّق به على الفُقراء والمساكين ببركة الحسن والحُسين (عليهما‌السلام ) ، ثمّ إنّ الحسن أخذ بيد أخيه الحُسين وأتيا إلى اُمّهما ، فلمّا رأتهما اطمأنّ قلبها وزاد سرورها بولديها.

قال : فلمّا كان اليوم الثّاني , أقبل

____________________

(١) ما في المعقوفتين هي من إضافات ( موقع معهد الإمامَين الحسنَين).

١٦٤

صالح ومعه سبعون رجُلاً من رهطه وأقاربه , وقد دخلوا جميعهم في الإسلام على يد الإمام ابن الإمام أخى الإمام (عليهم أفضل الصّلاة والسّلام) ، ثمّ تقدّم صالح إلى الباب - باب الزّهراء - رافعاً صوته بالثّناء للسادة الاُمناء , وجعل يمرّغ وجهه وشيبته على عتبة دار فاطمة , وهو يقول : يا بنت مُحمّد الـمُصطفى , عملت سوءاً بابنك وآذيت ولدك , وأنا على فعلي نادم , فاصفحي عن ذنبي .فأرسلت إليه فاطمة تقول : (( يا صالح , أمّا أنا فقد غفرت عنك من حقّي ونصيبي , وصفحت عمّا سوءتني به , لكنّهما ابناي وابنا عليّ الـمُرتضى , فاعتذر إليه ممّا آذيت ابنه )) .ثمّ إنّ صالحاً انتظر عليّاً حتّى أتى من سفره , وعرض عليه حاله واعترف عنده بما جرى له , وبكى بين يديه واعتذر مما أساء إليه , فقال له : (( يا صالح , أمّا أنا فقد رضيت عنك وصفحت عن ذنبك , لكن هؤلاء ابناي وريحانتا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , فامض إليه واعتذر ممّا أسأت بولده )) .قال : فأتى صالح إلى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) باكياً حزيناً , وقال : يا سيّد الـمُرسلين , أنت قد اُرسلت رحمة للعالمين , وإنّي قد أسأت وأخطأت , وإنّي قد سرقت ولدك الحُسين , وأدخلته داري وأخفيته عن أخيه واُمّه , وقد سوءتهما في ذلك , وأنا الآن قد فارقت الكفر ودخلت في دين الإسلام .فقال له النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : (( أمّا أنا فقد رضيت عنك وصفحت عن جرمك , لكن يجب عليك أن تعتذر إلى الله , وتستغفره ممّا أسأت به قرّة عين الرّسول ومهجة فؤاد البتول , حتّى يعفو الله عنك سبحانه )) .قال : فلم يزل صالح يستغفر ربّه ويتوسّل إليه , ويتضرّع بين يديه في أسحار الليل وأوقات الصّلوات , حتّى نزل جبرائيل إلى النّبي بأحسن التّبجيل , وهو يقول : (( يا مُحمّد , قد صفح الله عن جرم صالح حيث دخل في دين الإسلام على يد الإمام ابن الإمام عليهم أفضل الصّلوات والسّلام )) .:

فقل لحساده موتوا بغيضكم

فإنه بعطاء الله ممنوح

وحرفوا ما استطعتم من إمامته

فشأنه بلسان الحق ممدوح

بيوتكم بفنون اللهو مفعمة

وبيته فيه تقديس وتسبيح

فإنكم جسد ميت بكثرتكم

وفضله بين أبدان الورى روح

عن أبي ذر الغفاري , قال : كان سيدي عليّ بن أبي طالب يحدّثنا في بعض الأوقات بالمغيّبات , فبينما نحن جلوس معه في جامع الكوفة , إذ دخل إليه رجل

١٦٥

وسلّم عليه , وقال له : يا أمير المؤمنين , إنّي مررت بوادي القُرى , فرأيت خالد بن عرفطة مقتولاً مطروحاً في البر .فقال له عليّ (عليه‌السلام ) : (( كذبت , أنّ خالداً لم يمت حتّى يقود جيش الضّلال ابن زياد , ويكون حامل لوائه حبيب بن جماز لعنه الله تعالى )) .فقام حبيب بن جماز من بينهم , وقال : يا أمير المؤمنين , أراك تقول هكذا وإنّي لك شيعة , وأنا موال لك , وإنّي لك محبّ ؟! فقال له : (( مَن أنت ؟ )) .فقال : أنا حبيب بن جماز .فقال له : (( إيّاك إيّاك أن تحملها يا شقي ! ولكن لا بدّ أن تحملها وتدخل بها من هذا الباب )) .وأومى بيده إلى باب الفيل بمسجد الكوفة , (( وتُقاتل ولدي الحُسين بعد وفاتي )) .فلمّا كان من أمر الحُسين ما كان وحان من حينه ما حان , بعث ابن زياد بعمر بن سعد إلى حرب الحُسين (عليه‌السلام ) , وجعل خالد بن عرفطة على مقّدمته بأربعة آلاف فارس , وحبيب بن جماز حامل رايته , فسار بها حتّى دخل مسجد الكوفة من باب الفيل كما أخبر أمير المؤمنين (عليه‌السلام ).

ومن أخباره بالمغيّبات : أنّه (عليه‌السلام ) التفت إلى البرّاء بن عازب ، وقال له : (( يابن عازب , يُقتل ولدي الحُسين وأنت حيّ حاضر ولم تنصره , وتزعم أنّك مُحبّ لنا )) .فلمّا قُتل الحُسين , كان البرّاء بن عازب يُظهر الحسرة والنّدم , ويقول : حدّثني سيّدي عليّ بن أبي طالب أنّه يُقتل ولده الحُسين ولم أنصره .وظلّ يُكثر الحسرة والنّدم مدّة عمره.

فانظروا يا إخواني إلى ما خصّ الله به هذا الشّخص الرّباني من الفضائل العظيمة والعطايا الجسيمة .فعلى الأطائب من أهل بيت الرّسول فليبك الباكون , وإيّاهم فليندب النّادبون , ولمثلهم تذرف الدّموع من العيون , أو لا تكونون كبعض مادحيهم حيث عرته الأحزان وتتابعت عليه الأشجان , فنظم وقال فيهم :

القصيدة للشيخ الدرمكي ( رحمه ‌الله تعالى )

نحول جسمي لا ينفك عني

وقد صار البكا شغلي وفني

وقلبي فيه نيران ووجد

وهمي صار ممزوجاً بحزني

يطيب لي البكا في كل وقت

وأسعف في الرزايا من سعفني

كفاني موت خير الخلق طراً

بأن النفس في السلوان أشني

أخذتم نحلتي ظلماً وإرثي

وحلتم دون ما ربي رزقني

وسب البضعة الزّهراء لـمّا

أتت زفراً وقالت ما نصفني

١٦٦

أما في هل أتى وفيت نذري

فيا ويل لملعون عصبني

سلوا عم وطة إن شككتم

سلوا ياسين ما ربي رزقني

فقال الرجس ما نرضى بهذا

ولا ذا القول في ذا اليوم يغني

فماتت وهي في حرق وكرب

تواصل حر زفرتها بغين

وقتل الطهر في المحراب لـمّا

أتته كتب ملعون ولكني

بأنا طائعون بكل أمر

وأنت محكم في كل فن

فعجل بالمسير يظن خيراً

يحسب البيد سرعاً لا يوني

إلى أن صار في نقع المنايا

وحادي العيس مسرور يغني

فمانعه الجواد السير عنها

فقال لصحبته يا من حضرني

فما اسم الأرض يا قوم انبؤني

ففي أكنافها قد طاش ذهني

فقالوا ذي منازل كربلايا

فقال الكرب فيها قد شملني

ألا حطوا الرحال فلا مسير

ففي هذه الفلاة يكون دفني

وفيها يقتل العباس ظلماً

ويقتل كل صديق نصرني

وفيها تقتل أولادي وصحبي

وتسبى نسوتي بالرغم مني

وفي هذي الفلاة نزار حقاً

وقد جاز السعادة من نصرني

وأقتل ظامياً والماء طام

ويشربه هنيئاً من منعني

إذا شرب المحب الماء بعدي

فطاب له التنغص إذ ذكرني

وما لي مهرب عن أمر ربي

فقد لاحت دلائل ما وعدني

فلما كان وقت الظهر بانت

لهم خيل لأشقى الخلق تدني

فقال أتتكم أرجاس حرب

بأعلام تخالف ما وردني

فما للقوم قصدكم سبيلاً

وكل بالمنايا قد قصدني

فضجوا بالبكاء حزناً عليه

وقالوا بعدكم لا عيش يهني

فلا والله لا نرضى بذل

ولا نستقبل الأعداء يجني

ولكن نبذل الأرواح منا

ونرضى خير مسؤول ومغني

ونفحم عند نيران الأعادي

ونوصل فيهم ضربا بطعن

فيا لله كم قطعوا رؤوساً

وكم قد ألحقوا قرناً بقرن

١٦٧

إلى أن جدلوا بالترب جمعاً

عليهم جاريات الريح تبني

وظل الطهر يفترس الأعادي

كليث ثار في إبل وضان

إلى أن خر مطعوناً طريحاً

دنيفاً بإنكسار الطرف يرني

ينادي بعد عز وامتناع

أما أحد على أهلي يجرني

أليس البضعة الزّهراء أمي

وجدي أحمد يا من جهلني

فقال الشمر أقصر يا حُسين

وما تعديدك المعروف بغني

وحز الرأس كرهاً من قفاه

وبراه وعلاه بلدن

وخلا الجسم منعفراً طريحاً

غسيلاً بالدما من غير دفن

تلوذ به الأرامل واليتامى

حيارى يا أباه منيع ركني

يعز عليك يا أبتاه ما لي

بلا وطأ وقيد قد جرحني

أبي من لليتيمة إن سبتها

علوج أمية واستصرختني

وفاطمة الصغيرة في بكاها

تقول إليك يا أبتاه خذني

وأسكن روعتي مما جرى لي

لأن مصيبة عظمى دهتني

فلو بنت النّبي ترى مكاني

لماتت غصة لمـّا رأتني

وليت الموت قدمني بأخذ

وإلّا عند مصرعكم صرعني

أبي أصبحت منفرداً غريباً

فوا حزناه مما قد دهمني

أبي ساروا بنا فوق المطايا

بأعنف حادي يحدي ببدن

فلما أن أتين إلى يزيد

فقال لساقي الصهباء زدني

وقرب رأس مولانا إليه

ليقرع منه سناً بعد سن

فلعنة ذي الجلال على يزيد

بعد الخلق أنسى وجني

وتغشي أدلماً وأبا فلان

وقرمانا فافهم ما أكني

إليكم يا بني طه عروساً

تربت بين أتراب وخدن

زهت إذ ألبست حلل المعاني

وتوجها مديحكم بحسن

منظمها مديح درمكي

بها يرجو جواركم بعدن

فمن فضل الإله أبي محب

وأمي من محبتكم سقتني

١٦٨

إذا ما نلت من ربي ولاكم

فلا أسفي على شيء منعني

لأنكم أجل الخلق أصلاً

وأعلمهم وأفضلهم بلسن

وأعبدهم وأهداهم وأتقى

وأخوفهم لمن يغني ويفني

صلاة الله دائمة عليكم

تضاعف ما شدت ورقا تغني

١٦٩

المجلس التّاسع

في الليلة الخامسة من عشر الـمُحرّم

وفيه أبواب ثلاثة

الباب الأوّل

يا إخواني في الدّين , هل يحسن إصاخة سمعي إلى لوم اللائمين , أو يميل طبعي إلى عذل العاذلين في ترك أحزاني وشجوني , وبثّ أشجاني وأنيني , وقد فتكت أيدي الكفرة الفجرة المارقين بمولاي الحُسين بن أمير المؤمنين ؟ بل أموت وأحزانه في فؤادي وبها ألاقي الله في معادي , فأطيلوا رحمكم الله النّوح والأحزان على سادات الزّمان واُمناء الملك الدّيان , وليكن نوحكم على شفعائكم يوم النّشور أكثر من نوح الحمام والطّيور , وكيف لا ينهدّ ركني لمصابهم ولم أتجرّع بعض ما تجرّعوه من غصصهم وأوصابهم ؟ أأطمع أن أشاركهم في الفضل والأنعام ولا أشاركهم في تلك الأهوال العظام ؟ :

أذل لمن أهوى لأحظى بعزة

وكم عزة قد نالها المرء بالذل

إذا كان من تهوى عزيزاً ولم تكن

ذليلاً له فأقر السّلام على الوصل

ولعمري , كم من باك على ربع خراب , وكم من هائم على سكن التّراب , وهو غافل عن تمثّل هذا الرّزء العظيم والمصاب الجسيم ، فلا خير والله في قلوب لا تميل إليهم ودموع لا تسح عليهم ، وما لي لا أبكيهم حتّى تنقطع أوصالي ؟ كيف وهم مرجعي وبهم اتصالي :

آل الرّسول الألي لا زال حبهم

للقلب من كل داء للمحب شفا

١٧٠

ومن خذلهم فلا تشفى بشافية

قلوبهم ولهم فوق الجحيم شفا

ضاعت حقوقهم حتّى طريقتهم

قد ضل عنها عقول سيرهم عنفا

روي عن الإمام العسكري (ع) في تفسير قوله تعالى :( وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ * ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاَء تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ) (الآية)(١) .قال : (( قال لي أبي عن آبائه عن رسول الله (ص) : لمـّا نزلت هذه الآية في ذمّ اليهود الذين نقضوا عهود الله , وحادوا عن أمر الله , وكذّبوا رسول الله , وقتلوا أنبياء الله , فقال النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : يا أصحابي , أفلا أنبئكم بما يضاهيكم من يهود اُمّتي ؟ فقالوا : بلى يا رسول الله صلّى الله عليك وعلى آلك .فقال : قوم من بني اُميّة يزعمون أنّهم من اُمّتي , ويظنون أنّهم من أهل ملّتي , يقتلون أفاضل ذرّيّتي وأطائب أرومتي وذرّيّة ابنتي , ويبذلون شريعتي ويتركون سنّتي , ويقتلون ولديَّ الحسن والحُسين كما قتل أسلاف هؤلاء اليهود زكريا ويحيى (عليهما‌السلام ) , ألا وأنّ الله يلعنهم كما لعنهم من قبل , ويبعث الله على بقايا ذراريهم يوم القيامة إماماً هادياً مهديّاً من ولد الحُسين , فيقتلهم عن آخرهم ويأخذ بثأر جدّه الحُسين , ولهم يوم القيامة أشدّ العذاب وبئس المصير ، ألا لعن الله قتلة الحُسين ومحبّيهم وناصريهم والشّاكّين في لعنهم من غير تقية , ألا وصلّى الله على الباكين على الحُسين والمقيمين عزاءه , ألا وصلّى الله على مَن بكى على الحُسين رحمة وشفقة ورقّة له ، ألا وصلّى الله على اللاعنين لأعدائهم والممتلين عليهم غيضاً وحنقاً ، ألا وإنّ الرّاضين بقتل الحُسين هُم شُركاء قتلته ، ألا وإنّ قتلته وأعوانهم وأشياعهم والمتقدّمين والمتأخّرين براءة من دين الله , وعليهم لعنة الله والملائكة والنّاس أجمعين ، ألا وأنّ الله يأمر ملائكته المقرّبين أن يتلقّوا دموع الباكين على مصاب الحُسين (عليه‌السلام ) , فيجمعون دموعهم وينقلونها إلى خزنة الجنان , فيمزجونها بماء الحيوان فيزيد في عذبها وطيبها وطعمها ألف ضعفها , وإنّ الملائكة المقرّبين ليتلقّون دموع الفرحين الضّاحكين لقتل الحُسين ومصاب الحُسين , فيلقونها في الهاوية , فيمزجونها بحميم جهنّم وصديدها وغساقها وغسيلها , فتزيد في شدّة حرارتها وعظيم عذابها ألف ضعفها , يشدّد الله على المنقولين إليها من أعداء آل

____________________

(١) سورة البقرة / ٨٤ - ٨٥.

١٧١

محمد في عذابهم يوم القيامة )) .قال : (( فقام ثوبان مولى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , فقال : بأبي واُمّي يا رسول الله ! أخبرني متى قيام الساعة ؟ فقال رسول الله : ماذا أعددت لها ؟ فقال ثوبان : ما أعددت لها كثير عمل إلّا أنّي أحبّ الله ورسوله وأهل بيت رسوله .فقال رسول الله : وإلى ماذا بلغ حبّك لرسول الله وأهل بيته ؟ قال : والذي بعثك بالحقّ نبيّاً , إنّ في قلبي محبّتكم ما لو أنّي قُطّعت بالسّيوف ونُشّرت بالمناشير , وقُرّضت بالمقارض واُحرقت بالنّيران , وطُحنت برحى الحجارة , كان أحبّ إليّ وأسهل عليّ من أن أجد لك في قلبي منك غشّاً أو دغلاً أو بُغضاً , ولا لأحد من أهل بيتك ومن عترتك , فهم أحبّ الخلق إليّ من بعدك , وإنّ أبغض النّاس إليّ مَن لا يحبّك ولا يحبّ أهل بيتك وعرتك .يا رسول الله , فهذا ما عندي من حبّك وحبّ مَن يحبّك , وبغض من يبغضك أو يبغض أحداً من أهل بيتك , فإن قُبل منّي , فقد سعدت , وإن ترد منّي عملاً غيره , فما أعلم أنّ لي عملاً غير هذا أعتمد عليه وأعتدّ به يوم القيامة مع مَن أحبّ.

فقال (ص) : ...واعلم يا ثوبان , لو أنّ عليك من الذّنوب ملأ ما بين الثّرى إلى عنان السّماء , لانحسرت وزالت عنك بهذه الموالاة , أسرع من انحسار الظّل عن الصّخرة الملساء المستوية إذا طلعت عليها الشّمس , ومن انحسار الشّمس إذا غابت عنها , ولعمري , لا عمل فيها أفضل من موالات الآل ؛ لدفع تلك الأهوال والأمور العضال )) .:

يا آل طة أنتم القصد والمنى

وفي يدكم يوم اللقا النفع والضر

رجوتكم ذخري وفخري وعدتي

وما خاب من أنتم له الفخر والذخر

إذا كل من عاداكموا بجهنم

وشيعتكم والمؤمنون بكم سروا

وادخلتموهم للجنان فهم بها

وجوههم بيض ملابسهم خضر

عليكم سلام الله ما ناح صادح

على عذبات الدوح وابتسم الزهر

روي : أنّ الرّشيد لمـّا أراد أن يقتل الإمام موسى بن جعفر (عليه‌السلام ) , أعرض قتله على سائر جنده وفرسانه , فلم يقتله أحد منهم ، فأرسل إلى عُمّاله في بلاد الأفرنج يقول لهم : التمسوا إليّ قوماً لا يعرفون الله ولا يعرفون رسول الله , فإنّي أريد أن أستعين بهم على مُهمّ .قال : فأرسلوا إليه قوماً لا يعرفون من شرائط الإسلام كلمة واحدة , ولا يعرفون من اللغة العربية كلمة واحدة أبداً ، وكانوا خمسين رجلاً , فلمّا

١٧٢

دخلوا إليه , أكرمهم وأعزّهم وأنزلهم في دار الكرامة , وحمل لهم الهدايا والتُحف والخُلع السّنيّة , ثمّ استدعاهم وسألهم : مَن ربّكم , ومَن نبيّكم ؟ فقالوا : لا نعرف لنا ربّاً ولا نبيّاً أبداً .فقال لهم : هذا مرادي وهذا قصدي .فقال لوزيره : قُل لهم , إنّ الملك له عدو في هذا البيت جالس - يعني موسى بن جعفر (عليه‌السلام ) - , فادخلوا إليه واقتلوه ولكم الجائزة العُظمى .فقالوا : سمعاً وطاعة , وهذا أمر هيّن علينا , فإن أردتم قطعناه قطعاً وأكلنا لحمه .قال : فقاموا جميعاً بأسلحتهم كأنّهم السّباع الضّارية ودخلوا على الإمام موسى بن جعفر (عليه‌السلام ) , والرّشيد ينظر إليهم من طاقة حجرته ويبصر ما يفعلون , قال : فلمّا رأوه , رموا أسلحتهم وارتعدت فرائضهم وخرّوا سجّداً يبكون رحمة له ، قال : فجعل الإمام (عليه‌السلام ) يمرّ يده الشّريفة على رؤوسهم وهم يبكون , ومع ذلك يخاطبهم بلحنهم ولغتهم ، قال : فلمّا رأى الرّشيد ذلك منهم , خشي من الفضيحة وصاح بالوزير : اخرجهم عنه .فخرجوا وهُم يمشون القهقرى إجلالاً للإمام (عليه‌السلام ) , ثمّ إنّهم ركبوا خيولهم وأخذوا الهدايا والتُحف التي وصلتهم منه , ومضوا لشأنهم من غير إذن الرّشيد.

فانظروا يا إخواني إلى هذه العداوة العظيمة والشّقاوة المعضلة الجسيمة :( يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) (١) :

قوم علا بنيانهم من هاشم

فرع أشم وسؤدد ما ينقل

قوم بهم نصر الإله رسوله

وعليهم نزل الكتاب المنزل

وبهديهم رضي الإله لخلقه

وبجدهم نصر النّبي المرسل

روي : أنّ رجُلاً من الخوارج قال لـمُحمّد بن الحنفية : لِمَ غرر بك أبوك في الحروب ولم يغرر الحسن والحُسين ؟ فقال له : ويا ويلك ! أما علمت أنّهما عيناه وأنا يمينه , فهو يدفع بيمينه عن عينيه.

وعن ابن عباس , قال : لمـّا كنُا في حرب صفّين , إذ دعا عليّ ابنه مُحمّد بن الحنفية , وقال له : (( يا بني , شد على عسكر معاوية )) .ففعل ما أمره أبوه وحمل على ميمنة عسكر معاوية فكشفهم , ثمّ رجع إلى أبيه وقد جُرح , فقال له : يا أبي العطش العطش ! فسقاه جرعة من الماء , ثمّ صبّ الباقي بين درعه وجلده , فو الله لقد رايت علق الدّم يخرج من الدّرع , ثمّ أمهله ساعة , ثمّ قال له : (( يا بُني , شد على الميسرة )) .فحمل على ميسرة عسكر معاوية فكشفهم , ثمّ رجع وبه جراحات وهو يقول : الماء الماء يا أبتاه ! فسقاه جرعة من الماء وصبّ باقي الماء

____________________

(١) سورة الصّف / ٨.

١٧٣

بين درعه وجلده ، ثمّ قال له : (( يا بُني , شد على القلب )) .فحمل عليهم فكشفهم وقتل منهم فُرساناً , ثمّ رجع إلى أبيه وهو يبكي وقد أثقلته الجروح , فقام إليه أبوه وقبّل ما بين عينيه , وقال له : (( فداك أبوك ! فقد سررتني والله يا بني بجهادك هذا بين يدي , فما يبكيك , أفرح أم جزع ؟ )) .فقال : يا أبتي كيف لا أبكي وقد عرّضتني للموت ثلاث مرّات فسلّمني الله , وها أنا مجرح كما ترى ؟ وكلّما رجعت إليك لتمهلني عن الحرب ساعة , فما تمهلني وهذان أخواي الحسن والحُسين ما تأمرهما بشيء من الحرب .فقام إليه أمير المؤمنين وقبّل وجهه , وقال له : (( يا بُني , أنت ابني وهذان ابنا رسول الله , أفلا أصونهما من القتل ؟ )) .فقال : بلى يا أبتاه , جعلني الله فداك وفداهما من كلّ سوء ! :

فليت شعري هل توازي مصيبة

مصيبتكم يا آل بيت محمد

رزيتم رزايا لا يطيق بحملها

سماء ولا أرض ولا كل جامد

روي : أنّ الحسن الزّكي لمـّا دنت وفاته ونفذت أيّامه وجرى السّم في بدنه وأعضائه , وتغيّر لون وجهه ومال بدنه إلى الزّرقة والخضرة ، قال له أخوه الحُسين (عليه‌السلام ) : (( ما لي أرى لون وجهك مائلاً إلى الخضرة ؟ )) .فبكى الحسن (عليه‌السلام ) , وقال له : (( يا أخي , لقد صحّ حديث جدّي فيّ وفيك )) .ثمّ مدّ يده إلى أخيه الحُسين واعتنقه طويلاً وبكيا كثيراً , فقال الحُسين (عليه‌السلام ) : (( يا أخي , ما حدّثك جدّك وماذا سمعت منه ؟ )) .فقال : (( أخبرني جدّي رسول الله , أنّه قال : لمـّا مررت ليلة المعراج بروضات الجنان ومنازل أهل الإيمان , فرأيت قصرين عاليين متجاورين على صفة واحدة , لكن أحدهما من الزّبرجد الأخضر والآخر من الياقوت الأحمر , فاستحسنتهما وشاقني حسنهما , فقلت : يا أخي جبرائيل , لِمَن هذين القصرين ؟ فقال : أحدهما لولدك الحسن والآخر لولدك الحُسين .فقلت : يا جبرائيل , فلِمَ لا يكونا على لون واحد ؟ فسكت ولم يردّ عليّ جواباً , فقلت : يا أخي , لِمَ لا تتكلّم ؟ فقال : حياء منك يا مُحمّد .فقلت له : تالله عليك إلّا ما أخبرتني ؟ فقال : أمّا خضرة قصر الحسن , فإنّه يُسمّ ويخضر لونه عند موته، وأمّا حُمرة قصر الحُسين, فإنّه يُقتل ويُذبح ويُخضب وجهه وشيبته وبدنه من دمائه.فعند ذلك بكيا وضجّ النّاس بالبكاء والنّحيب على فقد حبيبيّ الحبيب )).

وحكي عن السّدي , قال : ضافني

١٧٤

رجل في ليلة كنت أحبّ الجليس , فرحّبت به وقرّبته وأكرمته وجلسنا نتسامر , وإذا به ينطلق بالكلام كالسّيل إذا قصد الحضيض , فطرقت له فانتهى في سمره طفّ كربلاء , وكان قريب العهد من قتل الحُسين (عليه‌السلام ) , فتأوّهت الصّعداء وتزفّرت كمداً , فقال : ما بالك ؟ قلت : ذكرت مصاباً يهون عنده كلّ مصاب .قال : أما كُنت حاضراً يوم الطّفّ ؟ قلت : لا ، والحمد لله .قال : أراك تحمد على أيّ شيء ؟ قلت : على الخلاص من دم الحُسين ؛ لأنّ جدّه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قال : (( مَن طولب بدم ولدي الحُسين يوم القيامة , لخفيف الميزان )) .قال : قال هكذا جدّه ؟ قلت : نعم ، وقال (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : (( ولدي الحُسين يُقتل ظُلماً وعدواناً , ألا ومَن قتله يدخل في تابوت من نار , ويُعذّب نصف عذاب أهل النّار , وقد غلت يداه ورجلاه , وله رائحة يتعوّذ أهل النّار منها , هو ومَن شايع وبايع أو رضي بذلك :( كُلّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ ) (١) .لا يفتر عنهم ساعة , ويسقون من حميم جهنّم ، فالويل لهم من عذاب جهنم ! )) .قال : لا تُصدّق هذا الكلام يا أخي .فقلت : كيف هذا وقد قال (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : (( لا كَذِبتُ ولا كُذِّبت )) ؟ قال : ترى قالوا : قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : (( قاتل ولدي الحُسين لا يطول عمره )) ها أنا وحقّك قد تجاوزت التّسعين مع أنّك لا تعرفني .قُلت : لا والله .قال: أنا الأخنس بن زيد .قُلت : وما صنعت يوم الطّفّ ؟ قال : أنا الذي اُمّرت على الخيل الذين أمرهم عمر بن سعد بوطء جسم الحُسين بسنابك الخيل , وهشّمت أضرعه , وجررت نطفاً من تحت عليّ بن الحُسين وهو عليل حتّى كببته على وجهه , وخرمت أذني صفيّة بنت الحُسين لقرطين كانا في إذنيها .قال السّدي : فبكى قلبي هجوعاً وعيناي دموعاً , وخرجت أعالج على إهلاكه , وإذا بالسّراج قد ضعفت فقمت أظهرها , فقال : اجلس , وهو يحكي لي مُتعجّباً من نفسه وسلامته , ومدّ إصبعه ليظهرها فاشتعلت به , ففركها في التّراب فلم تنطفئ , فصاح بي : أدركني يا أخي ! فكببت الشّربة عليها وأنا غير محبّ لذلك , فلمّا شمّت النّار رائحة الماء , إزدادت قوّة , وصاح بي : ما هذه النّار وما يطفئها ؟ قلت : إلق نفسك في النّهر .فرمى بنفسه , فكُلّما ركس جسمه في الماء , اشتعلت في جميع بدنه كالخشبة البالية في الرّيح البارح ، هذا وأنا أنظره فو الله الذي لا إله إلّا هو , لم تطف حتّى صار فحماً وسار على وجه الماء , ألا لعنة الله على الظالمين

____________________

(١) سورة النّساء / ٥٦.

١٧٥

( وَسَيَعْلَمُ الّذِينَ ظَلَمُوا أَيّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ) (١) .

فعلى الأطائب من أهل بيت الرّسول فليبك الباكون , وإيّاهم فليندب النّادبون , ولمثلهم تذرف الدّموع من العيون , أو لا تكونون كبعض مادحيهم حيث عرته الأحزان , فنظم وقال فيهم :

القصيدة للشيخ الفاضل مُحمّد بن نقيح (رحمه ‌الله تعال ى)

عجباً لقلب فيكم لا يفجع

ولأنفس في رزئكم لا تجزع

لله در مراركم بمصابكم

لم تنصدع ونواظر لا تدمع

ما هل عاشورا إلّا وهاج لي

حزن فصرت كبومة استبشع

لم أنس مولاي الحُسين بمكة

عن بيعة الباغي غداً يتمنع

تباً لقوم خالفوه وخالفوا

أمر الرسول وللوصية ضيعوا

كتبوا إليه من العراق وأجمعوا

أن ينصروه فمذ أتى لم يزمعوا

وتقاعدوا عن نصره وتعاقدوا

في خذله وعلى الأذية أجمعوا

فأراد لمـّا أن تبين غدرهم

جزماً إلى حرم المدينة يرجع

بعثوا إليه الحر عند قدومه

فبقى يساير تارة ويجعجع

ساروا فوافوا في العشية كربلا

أرض الطفوف من البراري سلقع

قال انزلوا فهنا مناخ ركابنا

وهنا محط رحالنا والمصرع

وأتى ابن سعد مقبلاً في عصبة

نحو الأطائب والعساكر تتبع

وتأهبوا للحرب بعد تظاهر

والعلج في إضرامها يتشجع

فاستمهل السبط الطغاة لعله

يدعو إلى الله العلي ويضرع

فأقام ليلته يناجي ربه

طوراً ويسجد في الظلام ويركع

ويقول إن القوم لا بغيا لهم

غيري وإني عارف من يرجع

فأقام بين يديه كل موفق

وغدا يقهقر كل من يتطمع

وأتى الحُسين يناشد القوم الذي

لم يبق فيهم من ينيب ويخشع

وغدا ابن سعد راشقاً بسهامه

قوم الإمام وفي الأذية يسرع

وأتت سهام القوم بعد كأنها

مطر تدفعه الرياح الزعزع

ذادوه عن ماء الفرات بجحفل

فيه الصوارم والسلاح يقعقع

فتيقن السبط اللقاء لربه

فأتى الخيام بدرعه يتلفع

____________________

(١) سورة الشّعراء / ٢٢٧.

١٧٦

يوصي سكينة بالسكينة بعده

بالصبر عند مصابه ويودع

وبقى رجال السبط يقتل واحد

منهم وآخر بعده يتوقع

حتى بقى فرداً وحيداً ظامياً

لا مانع عنه ولا من يدفع

حملوا عليه بالطعان فصدهم

بالسيف وهو اللوذعي الأشجع

مذ اثخنوه بالجراح وأضعفوا

منه الجوارح وهو لا يتروع

وشكى النساء إلى الحُسين من الظما

وأتينه بالطفل مضى يرضع

فمضى به نحو الطغاة كأنه

بدر بدا من برجه يتطلع

ودعا له ماء يبل غليله

ويقول هل قلب يرق ويخشع

وأتاه سهم مارق من مارق

بغروره وبكفره يتمتع

قطع الوريد من الوليد وأقبلت

منه الدماء واحمر منه البرقع

أخذ الدماء بكفه فرمى به

نحو السّماء والعين منه تدمع

ومضى يجدل كل صل صائل

ويقد هاماً منهم ويدرع

حتى دنى أجل الكتات ولم يكن

من بغدما حتم المقدر ينفع

أردوه عن ظهر الجواد كأنه

جبل لخشية ربه متصدع

لهفي له يبغي هنالك شربة

فيجاب بالشتم الشنيع ويمنع

لهفي لمصرعه الشريف على الثرى

بين اللئام وعز ذاك المصرع

لهفي لجثته الشريفة في الثرى

مطروحة يسفى عليها الزوبع

لهفي له إذ يستغيث فلم يغث

أفلم يكن عند النداء من يسمع

ذبحوه ظمآناً وكوثر جدّه

بالماء في يوم القيامة مترع

حملوا الكريم على القناة مضمخاً

والنور من أعضائه يتشعشع

قطع اللعين سنان منه وريده

هل كان يدري أي عضو يقطع

تبت يداه لقد أساء بفعله

وله جهنم في القيامة تسفع

وأتى الجواد إلى الخيام منهما

بصهيله والسرج منه بلقع

وأتت سكينة وهي تندب حاسراً

بأبي الشجاع الاريحي الأروع

وا سيداه عدمت بعدك صحتي

فإلى الإله المشتكى والمفزع

فالدين أضحى بعد فقدك ثاكلا

والدهر أمسى وهو بعدك أجدع

١٧٧

أين الحماة وأين جدّي الـمُصطفى

بل أين حيدرة البطين الأنزع

اليوم مات مُحمّد واستوسرت

أولاده من بعده وتضعضعوا

كم حرمة ظهرت محاسن وجهها

وكريمة قد مال عنها البرقع

فالطيبات الطاهرات حواسر

وتماط عنهن الثياب وتنزع

والسيد السجاد في أيدي العدا

مضني على حمل الشدائد يرفع

هذا وما سكنت به اضغانهم

وبما جرى في حقه لم يقنع

سلبوه من أثوابه ودروعه

ولنزع خاتمه تبين الإصبع

رضوا جناجن صدره بخيولهم

بغياً وعن أحقادهم لا يقلع

ويزيد ينكث ثغره بقضيبه

متمثلاً بالشعر لا يتنعنع

فليأتين غداً بقبح صنيعه

من الندامة في القيامة يقرع

تالله لا عاد ولا فرعونها

كلا ولا فعلت ثمود وتبع

كفعال هذا النكس ابن أميّة

ومقامه في يه يتسكع

أين الصحابة أين حزب مُحمّد

لا منكر منهم ولا متوجع

خص الكرام بكل خطب فادح

فيه العقول مع القلوب تروع

صبروا على البلوى بكل كريهة

والسر فيهم لا محالة يودع

طوبى لأرض حل في أكنافها

جسد الحُسين وطاب ذاك الموضع

قد قدست أرض الطفوف وبوركت

لـمّا اغتدى لك في ثراها مضجع

لك تربة فيها الشفاء وقبة

فيها الدعاء إلى المهيمن يرفع

هم سادة الدنيا ويوم معادنا

في الحشر منهم شافع ومشفع

ولسوف يدرك ثأرهم مهديهم

وأنا ليوم ظهوره أتوقع

إن لم أكن أدركت نصرة جدّه

فبنصره فيما بقي اتطمع

يابن الإمام العسكري ومن له

صيد الملوك إذا تمثل تخضع

يا سيّدي ظهر الفساد وأظلمت

سبل الرشاد فهل لنورك مطمع

وجرت علينا في الزمان ملاحم

لم ندر في تدبيرها ما نصنع

لم يبق إلّا عالم متصنع

أو جاهل متنسك أو مبدع

جعل العلوم على الفساد ذريعة

أكلوا بها الدنيا ولم يتورعوا

١٧٨

يبغون في الأرض العلو وقصدهم

قبل العوام إليهم كي يخدعوا

كل يريد رئاسة بوقاحة

وإذا رأى أهل النهى لا يتبع

يتنافسون على المناصب والعلى

والله يخفض ما يشاء ويرفع

والله يصلح شأنهم ويصدهم

عن غيهم وعن المعاصي يرجع

وبقي رجال أخلصوا في ودهم

خصوا ببلوى للجبال تصدع

أما طريد أو شريد ضائع

بين البرية أو فقير مدقع

فالله يجبر كسرهم بظهوره

يا من بهم جل المكاره تدفع

ويعين منا الصالحين بعصمة

من كل فعل موثق يستبشع

وبه نؤمل أن ينجي كل من

يبغي الهدى ولسبله تتبع

ونعوذ من خطب يهول وفتنة

فيها المعارف والحقوق تضيع

يا عترة الهادي النّبي ومن هم

عزي وكنزي والرجا والمفزع

واليتكم وبرئت من أعدائكم

وأنا بغير ولاكم لا أقنع

ونظمت في علياكم من مقولي

دراً لها وشى القريض يرصع

علماً بأن مديحكم لي نافع

ومديح قوم غيركم لا ينفع

وأنا بكم متنسك وبحبكم

متمسك وبجدكم مستشفع

لم أهو ديناً أصله من غيركم

حسبي إفتخاري أنني أتشيع

وإلى نقيح نسبتي ومحمد

إسمي فكم لي منكر ومضيع

لم استعن في نظمها بسواكم

كلا ولست لمن تقدم اتبع

بل هذه بكر أتت من فكرتي

وقريحتي للبكر دوماً تقرع

وقبولها يا سادتي مهر لها

إن صح فزت بنعمة لا تقطع

صلّى الإله عليكم ما أحييت

فكر وأوقضت العيون الهجع

أبغي الشفاعة في معادي يوم لا

مال هناك ولا بنون ينفع

بكم اؤمل نجح سعيي دائماً

وإلى الإله بحبكم أتدرع

الباب الثّاني

أيّها المؤمنون النّاصحون , اقطعوا رقاد العيون وواصلوا سهاد الجفون ،

١٧٩

وامسكوا أنفسكم عن اللذّات وابذلوا الدّموع الجاريات ، فقد أعزّ دينه وأحرزه مَن أحمل دمعه وأبرزه ، فإنّ إظهار الدّموع البادية , دليل على ما بطن من الأحزان الخافية ، أما علمتم أنّ هذه الدّموع الهتان نفئة مصدور ، وردّ شرائع الأحزان ، وعجز عن الصّدور .وإنّي كُلّما تزايدت عليّ الأفكار , يتوقّد في قلبي لهيب النّار ، فلا أجد ملجأ التّجئ إليه ولا معولاً أصبر إليه , سوى ماء الشّؤون المتحادرة من مقرحات الجفون :

إن الحزين إذا ما الحزن خالطه

كان البكاء له ملجأ من الفكر

لا تعذلوني عذولي إنني رجل

لـمّا تزايد حزني قل مصطبري

وكيف لا تحزن على سادات العباد وأنوار الله في البلاد , فليتني شاهدتهم يوم الطّفوف وفديتهم بروحي من الحتوف ، ولكن ليس إلّا ما أراد الله ولا حول ولا قوة إلّا بالله.

روي : أنّ بعض الصّالحين من المؤمنين , رأى في منامه فاطمة الزّهراء في أرض كربلاء , بعد قتل الحُسين مع جملة من نساء أهل الجنّة وهم يندبون الحُسين (عليه‌السلام ) , وفاطمة تقول : (( يا أبي يا رسول الله ! أما تنظر إلى اُمّتك ما فعلوا بولدي الحُسين ؟ قتلوه ظُلماً وعدواناً , قتلوه ومن شرب الماء منعوه , وللمنايا والغصص جرّعوه , وبالسّيوف قطّعوه , وعلى وجهه قلبوه , ومن القفا ذبحوه , فيا بئس ما فعلوه ! يا ابتاه ! أترى فُعل بولد أحد من الأنبياء كما فُعل بولدي ؟! فوا حرّ قلبه ! كأنّ ربّنا ما خلقنا إلّا للبلاء والابتلاء , فإنّا لله وإنّا إليه راجعون .يا أبتاه ! قتلوا بعلي أمير المؤمنين , واُدير الحطب على بيتي واُضرمت النّار فيه , وفُتح باب داري عليّ كُرهاً , وقُتل ولدي الـمُحسن سقطاً , كأنّي لم أكُن بضعة منك يا رسول الله ! ولا أنا الذي قُلت فيّ : فاطمة بضعة منّي يُريبني ما يُريبها , ويُزريني ما يُزريها .يا أبتي ! أتعلم ما صُنع بي ؟ كسر اللعين ضلعي حتّى متّ بأسفي , مقروحة عليك وعلى الـمُحسن وعلى ولديّ الحسن والحُسين , إنّا لله وإنّا إليه راجعون )).

ثمّ قالت (عليها‌السلام ) : (( يا أبة يا رسول الله ! وأعظم من هذا , أنّهم منعوني من البكاء عليك في المدينة , وقالوا : آذيتينا بكثرة بكائك .حتّى عدت إذا ذكرتك واشتقت إلى النّدب عليك , صرت

١٨٠

ثم ذكر أن معه ماء قبل أن يخرج الوقت قال عليه أن يتوضأ ويعيد الصلاة قال وسألته عن تيمم الحائض والجنب سواء إذا لم يجدا ماء قال نعم.

(باب)

(الرجل يكون معه الماء القليل في السفر ويخاف العطش)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن ابن سنان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في رجل أصابته جنابة في السفر وليس معه ماء إلا قليل وخاف إن هو اغتسل أن يعطش قال إن خاف عطشا فلا يهريق منه قطرة وليتيمم بالصعيد فإن الصعيد أحب إلي.

_________________________________________

أبي بصير ، وهي مع ضعف سندها بعثمان ، واشتراك أبي بصير ، وجهالة المسؤول ، إنما يدل على الإعادة إذا نسي الماء في رحله ، وتيمم وصلى ثم ذكر في الوقت ، وهو خلاف محل النزاع.

قولهعليه‌السلام : « قال نعم » قال في المدارك : اعلم أن الظاهر من كلام الأصحاب تساوي الأغسال في كيفية التيمم ، وهو الظاهر من كلام المفيد في المقنعة ، فإنه لم يذكر التيمم بدلا من الوضوء ، واستدل له الشيخ (ره) بخبر أبي بصير وعمار ، قال في الذكرى : وخرج بعض الأصحاب وجوب تيممين على غير الجنب بناء على وجوب الوضوء هناك ، ولا بأس به والخبران غير مانعين منه لجواز التسوية في الكيفية لا الكمية ، وما ذكره أحوط ، وإن كان الأظهر الاكتفاء بالتيمم الواحد.

باب الرجل يكون معه الماء القليل في السفر ويخاف العطش

الحديث الأول : حسن.

وقولهعليه‌السلام : « أحب إلى » يشعر بجواز الغسل أيضا حينئذ والمشهور عدمه.

١٨١

٢ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الحسن بن علي الوشاء ، عن حماد بن عثمان ، عن ابن أبي يعفور قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الرجل يجنب ومعه من الماء قدر ما يكفيه لشربه أيتيمم أو يتوضأ قال التيمم أفضل ألا ترى أنه إنما جعل عليه نصف الطهور.

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن محمد بن حمران وجميل قالا قلنا لأبي عبد اللهعليه‌السلام إمام قوم أصابته جنابة في السفر وليس معه ماء يكفيه للغسل أيتوضأ بعضهم ويصلي بهم قال لا ولكن يتيمم ويصلي بهم فإن الله عز وجل قد جعل التراب طهورا.

٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عبد الله بن المغيرة قال إن كانت الأرض مبتلة وليس فيها تراب ولا ماء فانظر أجف موضع تجده فتيمم من غباره أو شيء

_________________________________________

الحديث الثاني : ضعيف على المشهور.

قولهعليه‌السلام : « نصف الطهور » أي جعل عليه مسح نصف أعضاء الوضوء تخفيفا ، والأمر بالوضوء مع احتياجه إلى الماء ينافي التخفيف.

الحديث الثالث : حسن.

والمشهور بين الأصحاب كراهة إمامة التيمم بالمتوضين ، بل قال في المنتهى : إنه لا يعرف فيه خلافا إلا ما حكي عن محمد بن الحسن الشيباني من المنع من ذلك ، ولو لا ما يتخيل من انعقاد الإجماع على هذا الحكم لأمكن القول بجواز الإمامة على هذا الوجه من غير كراهة.

الحديث الرابع : حسن مقطوع.

وقال الوالد العلامةقدس‌سره : رواه في التهذيب في الصحيح ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن رفاعة عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، وفي الموثق كالصحيح عن عبد الله ، عن ابن أبي بكير ، عن زرارة عن أبي جعفرعليه‌السلام في معناه ، والظاهر أن عبد الله نقل في كتابه فتوى لا رواية.

١٨٢

مغبر وإن كان في حال لا تجد إلا الطين فلا بأس أن تتيمم به.

(باب)

(الرجل يصيبه الجنابة فلا يجد إلا الثلج أو الماء الجامد)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ومحمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد جميعا ، عن حماد بن عيسى ، عن حريز ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : سألته عن

_________________________________________

وقال في الحبل المتين : يستفاد منه عدم جواز التيمم بالأرض الرطبة مع وجود التراب ، وأنها متقدمة على الطين ، وأنه يجب تحري الأجف منها عند الاضطرار إلى التيمم بها ، وربما يستنبط ـ من تعليقهعليه‌السلام الأمر بالتيمم بها على فقد الماء والتراب ـ تسويغ التيمم بالحجر الرطب إلا مع فقد التراب ، لشمول اسم الأرض للحجر ، ولو قلنا بعدم شموله له ففي الحديث دلالة على تقديم التراب على الحجر الجاف كما هو مذهب الشيخين في النهاية ، والمقنعة ، ومختار ابن إدريس ، وابن حمزة ، وسلار لأن الأرض الرطبة لما كانت مقدمة عليه كما يقتضيه اقتصارهعليه‌السلام على قوله ليس فيها ماء ولا تراب دون أن يقول ولا حجر فالتراب مقدم عليه بطريق أولى.

باب الرجل تصيبه الجنابة فلا يجد إلا الثلج أو الماء الجامد

الحديث الأول : صحيح.

قولهعليه‌السلام : « يتيمم » استدل به سلار على التيمم بالثلج ولا يخفى أن الظاهر التيمم بالتراب كما فهمه الشيخ وعلى تقدير عدم ظهوره لا يمكن الاستدلال به ، ثم [ إنه ] ذهب الشيخ في النهاية إلى تقدم الثلج على التراب كما يظهر من بعض الأخبار ، ويمكن القول بالتفصيل بأنه إن حصل الجريان فالثلج مقدم وإلا فالتراب ، وقال في المختلف : لو لم يجد إلا الثلج وتعذر عليه كسره وإسخانه قال الشيخان وضع يديه عليه باعتماد حتى تتنديا ثم يتوضأ بتلك الرطوبة بأن يمسح يده على وجهه بالنداوة ، وكذا بقية أعضائه ، وكذا في الغسل ، فإن خشي من ذلك آخر الصلاة

١٨٣

رجل أجنب في السفر ولم يجد إلا الثلج أو ماء جامدا فقال هو بمنزلة الضرورة يتيمم ولا أرى أن يعود إلى هذه الأرض التي توبق دينه.

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه رفعه قال قال إن أجنب فعليه أن يغتسل على ما كان عليه وإن احتلم تيمم.

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن جعفر بن بشير عمن رواه ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سألته عن رجل أصابته الجنابة في ليلة باردة يخاف على نفسه

_________________________________________

حتى يتمكن من الطهارة المائية أو الترابية. وقال المرتضى : إذا لم يجد إلا الثلج ضرب بيديه ويتيمم بنداوته ، وكذا قال سلار ومنع ابن إدريس من التيمم به والوضوء والغسل منه وحكم بتأخير الصلاة إلى أن يجد الماء أو التراب ، والوجه ما قاله الشيخان.

قولهعليه‌السلام « ولا أرى أن يعود » فيه دلالة على أن من صلى بتيمم فصلاته لا تخلو من نقص وإن كانت مبرئة للذمة وأنه يجب عليه إزالة هذا النقص عن صلاته المستقبلة بالخروج عن محل الاضطرار.

الحديث الثاني : مرفوع.

وقال في المدارك : من عدم الماء مطلقا أو تعذر عليه استعماله يجوز له الجماع لعدم وجوب الطهارة المائية عليه ، ولو كان معه ما يكفيه للوضوء فكذلك قبل دخول الوقت ، أما بعده فجزم العلامة في المنتهى بتحريمه لأنه يفوت الواجب وهو الصلاة بالمائية ، وفيه نظر ، وقال : إطلاق النص وكلام أكثر الأصحاب يقتضي أنه لا فرق في تيمم المريض بين متعمد الجنابة وغيره ، ويؤيده أن الجنابة على هذا التقدير غير محرم إجماعا كما نقله في المعتبر فلا يترتب على فاعله عقوبة وارتكاب التغرير بالنفس عقوبة.

وقال الشيخان : إن أجنب نفسه مختارا لم يجز له التيمم ، وإن خاف التلف أو الزيادة في المرض ، واستدل عليه في الخلاف بصحيحة عبد الله بن سليمان وصحيحة

١٨٤

التلف إن اغتسل قال يتيمم ويصلي فإذا أمن البرد اغتسل وأعاد الصلاة.

(باب)

(التيمم بالطين)

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إذا كنت في حال لا تقدر إلا على الطين فتيمم

_________________________________________

محمد بن مسلم ، وأجاب عنهما في المعتبر بعدم الصراحة في الدلالة لأن العنت المشقة وليس كل مشقة تلفا ولأن قولهعليه‌السلام « على ما كان » ليس حجة في محل النزاع وإن دل بإطلاقه فدفع الضرر المظنون واجب عقلا لا يرتفع بإطلاق الرواية ولا يخص بها عموم نفي الحرج وهو جيد.

الحديث الثالث : مرسل.

وقال الشيخرحمه‌الله : من تعمد الجنابة وخشي على نفسه من استعمال الماء يتيمم ويصلي ثم يعيد ، واحتج بخبر جعفر بن بشير ، وعبد الله بن سنان ، وقال في المدارك : هما لا يدلان على ما اعتبره من القيد ، والأجود حملهما على الاستحباب لأن مثل هذا المجاز أولى من التخصيص وإن كان القول بالوجوب لا يخلو من رجحان.

باب التيمم بالطين

الحديث الأول : صحيح ، وآخره مرسل.

وقال في المدارك : ومع فقد الغبار يتيمم بالوحل ، والمستند في ذلك بعد الإجماع روايتا أبي بصير ورفاعة ولو أمكن تجفيف الوحل بحيث يصير ترابا والتيمم به وجب ذلك ، وقدم على الغبار قطعا ، واختلف الأصحاب في كيفية التيمم بالوحل ، فقال الشيخان : إنه يضع يديه على الأرض ثم يفركهما ويتيمم به وهو خيرة المعتبر ، وقال آخرون : يضع يديه على الوحل ويتربص فإذا يبس تيمم به

١٨٥

به فإن الله أولى بالعذر إذا لم يكن معك ثوب جاف أو لبد تقدر أن تنفضه وتتيمم به وفي رواية أخرى صعيد طيب وماء طهور.

(باب)

(الكسير والمجدور ومن به الجراحات وتصيبهم الجنابة)

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن أبي أيوب الخزاز ، عن محمد بن مسلم قال سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن الرجل يكون به القرح والجراحة يجنب قال لا بأس بأن لا يغتسل ويتيمم.

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابه ، عن

_________________________________________

واستوجهه في التذكرة إن لم يخف فوت الوقت وهو بعيد ، وقال : إذا فقد التراب وما في معناه ، وجب التيمم بغبار الثوب ، أو عرف الدابة ، أو لبد السرج ، أو غير ذلك مما فيه غبار ، قال في المعتبر : وهو مذهب علمائنا ، وأكثر العامة ، وإنما يجوز التيمم بالغبار مع فقد التراب كما نص عليه الشيخ وأكثر الأصحاب ، وربما ظهر من عبارة المرتضى في الجمل جواز التيمم به مع وجود التراب أيضا ، وهو بعيد لأنه لا يسمى صعيدا ، بل يمكن المناقشة في جواز التيمم به مع إمكان التيمم بالطين ، إلا أن الأصحاب قاطعون بتقديم الغبار على الوحل وظاهر هم الاتفاق عليه.

قولهعليه‌السلام « صعيد طيب » قال الفاضل التستريرحمه‌الله : كان المعنى أن الطين مركب من الصعيد الطيب ومن الماء ، فلا يدل على أن الطين صعيد بقول مطلق ، ويحتمل أن يكون المراد أن الله تعالى أمر بالصعيد وبالماء ، والصعيد هنا حاصل فيستفاد منه أن الطين صعيد.

باب الكسير والمجدور ومن به الجراحات وتصيبهم الجنابة

الحديث الأول : صحيح.

الحديث الثاني : حسن.

١٨٦

أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال يتيمم المجدور والكسير بالتراب إذا أصابته الجنابة.

٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن أحمد رفعه ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سألته عن مجدور أصابته جنابة قال إن كان أجنب هو فليغتسل وإن كان احتلم فليتيمم.

٤ ـ أحمد بن محمد ، عن بكر بن صالح وابن فضال ، عن عبد الله بن إبراهيم الغفاري ، عن جعفر بن إبراهيم الجعفري ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ذكر له أن رجلا أصابته جنابة على جرح كان به فأمر بالغسل فاغتسل فكز فمات فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قتلوه قتلهم الله إنما كان دواء العي السؤال.

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن محمد بن سكين وغيره ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قيل له إن فلانا أصابته جنابة وهو مجدور فغسلوه

_________________________________________

الحديث الثالث : مرفوع.

الحديث الرابع : مجهول.

قولهعليه‌السلام « فكز » كذا في أكثر النسخ وفي بعضها فكن قال في الصحاح الكن السترة ، وقال الكز بالضم داء تأخذ من شدة البرد ، وقد كز الرجل فهو مكزوز إذا تقبض من البرد.

قولهعليه‌السلام « دواء العي » في الصحاح عي إذا لم يهتد لوجه ، يحتمل أن يكون صفة مشبهة من عي إذا عجز ولم يهتد إلى العلم بالشيء وأن يكون مصدرا ، وقال في شرح المصابيح : العي بكسر العين وتشديد الياء التحير في الكلام ، والمراد به هنا الجهل ، يعني لم لم تسألوا إذا لم تعلموا شيئا فإن الجهل داء شديد وشفاؤه السؤال والتعلم من العلماء ، وكل جاهل لم يستح عن التعلم وتعلم يجد شفاء.

الحديث الخامس : حسن ، وفي بعض النسخ ابن سكين وهو ثقة ، وفي بعضها ابن مسكين وهو مجهول ، ولا يضر ذلك لأنه بمنزلة مرسل ابن أبي عمير ، ولو كان فاعل قال في قوله ـ قال وروى ـ ابن أبي عمير كما هو ظاهر لكان حسنا

١٨٧

فمات فقال قتلوه ألا سألوا ألا يمموه إن شفاء العي السؤال.

قال وروي ذلك في الكسير والمبطون يتيمم ولا يغتسل.

(باب النوادر)

١ ـ علي بن محمد بن عبد الله ، عن إبراهيم بن إسحاق الأحمر ، عن الحسن بن علي الوشاء قال دخلت على الرضاعليه‌السلام وبين يديه إبريق يريد أن يتهيأ منه للصلاة فدنوت منه لأصب عليه فأبى ذلك وقال مه يا حسن فقلت له لم تنهاني أن أصب على يدك تكره أن أوجر قال تؤجر أنت وأوزر أنا فقلت له وكيف ذلك فقال أما سمعت الله عز وجل يقول «فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ »

_________________________________________

أيضا ولعله في الكسير محمول على عدم إمكان الجبيرة ، ويحتمل التخيير أيضا أو تخصيص الجبيرة بالوضوء والأوسط أظهر.

باب النوادر

الحديث الأول : ضعيف.

قولهعليه‌السلام « تؤجر أنت » يحتمل أن يكون استفهاما ، وقولهعليه‌السلام « وأوزر أنا » جملة حالية وعلى ظاهره يدل على أن الجاهل يثاب على فعل يراه حسنا ويمكن حمله على الكراهة ولا يكون المعاونة على المكروه مكروها ، أو يكون مكروها من جهة ومندوبا من جهة ، وقال الشيخ البهائيرحمه‌الله : استدل العلامة في المنتهى وغيره بهذه الرواية على كراهة الاستعانة والظاهر أن المراد الصب على نفس العضو ، وهو التولية المحرمة كما يرشد إليه قوله « على يدك » ولم يقل في يدك ، وكما يدل عليه قولهعليه‌السلام « وأوزر أنا » إذ لا وزر في المكروه ، فالاستدلال بها على كراهة الاستعانة محل تأمل. وقال : الباء في بعبادة ربه ظرفية ، والتفسير المشهور لهذه الآية ، ولا يجعل أحدا شريكا مع ربه في المعبودية فلعل كلا المعنيين مراد فإن الإمامعليه‌السلام لم ينف ذلك التفسير هذا ولا يخفى أن

١٨٨

«عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً » وها أنا ذا أتوضأ للصلاة وهي العبادة فأكره أن يشركني فيها أحد.

٢ ـ علي بن محمد ، عن سهل بن زياد ، عن جعفر بن محمد الأشعري ، عن القداح ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله افتتاح الصلاة الوضوء وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم.

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن صالح بن السندي ، عن جعفر بن بشير ، عن صباح الحذاء ، عن أبي أسامة قال كنت عند أبي عبد اللهعليه‌السلام فسأله رجل من المغيرية عن شيء من السنن فقال ما من شيء يحتاج إليه أحد من ولد آدم إلا وقد جرت فيه من الله ومن رسوله سنة عرفها من عرفها وأنكرها من أنكرها فقال رجل فما السنة في دخول الخلاء قال تذكر الله وتتعوذ بالله من الشيطان الرجيم وإذا فرغت قلت الحمد لله على ما أخرج مني من الأذى في يسر وعافية قال الرجل فالإنسان يكون على تلك

_________________________________________

الضمير في قولهعليه‌السلام « وهي العبادة » وقوله « إن يشركني فيها » راجعين إلى الصلاة والغرض منع الشركة في الوضوء : فكأنه لعدم تحققها بدونه ، أو بدله كالجزء منها ، ولا يبعد أن يجعل الباء في الآية للسببية ، وكذا « في » في قولهعليه‌السلام فيها ، وحينئذ لا يحتاج إلى تكلف جعل الوضوء كالجزء من الصلاة فتدبر.

الحديث الثاني : ضعيف على المشهور.

وكان فيه دلالة على استحباب عدم الفاصلة كثيرا بين الوضوء والصلاة ، والظاهر أن الغرض بيان الاشتراط.

الحديث الثالث : مجهول.

قولهعليه‌السلام : « من المعتزلة » وفي بعض النسخ ـ المغيرية ـ وهو أظهر ، قال في الملل والنحل : المغيرية أصحاب المغيرة بن سعيد العجلي ادعى أن الإمام بعد محمد بن علي بن الحسين ، محمد بن عبد الله بن الحسن ، وكان المغيرة مولى لعبد الله بن خالد

١٨٩

الحال ولا يصبر حتى ينظر إلى ما يخرج منه قال إنه ليس في الأرض آدمي إلا ومعه ملكان موكلان به فإذا كان على تلك الحال ثنيا برقبته ثم قالا يا ابن آدم انظر إلى ما كنت تكدح له في الدنيا إلى ما هو صائر.

٤ ـ محمد بن يحيى ، عن سلمة بن الخطاب ، عن إبراهيم بن محمد الثقفي ، عن علي بن المعلى ، عن إبراهيم بن محمد بن حمران ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من توضأ فتمندل كانت له حسنة وإن توضأ ولم يتمندل حتى يجف وضوؤه كانت له ثلاثون حسنة.

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عمرو بن عثمان ، عن جراح الحذاء ، عن سماعة بن مهران قال قال أبو الحسن موسىعليه‌السلام من توضأ للمغرب كان وضوؤه ذلك كفارة لما مضى من ذنوبه في نهاره ما خلا الكبائر ومن توضأ لصلاة الصبح كان وضوؤه ذلك كفارة لما مضى من ذنوبه في ليلته إلا الكبائر.

٦ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن قاسم الخزاز ، عن عبد الرحمن بن كثير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال بينا أمير المؤمنينعليه‌السلام قاعد ومعه ابنه محمد إذ قال :

_________________________________________

القصري وفي القاموس كدح في العمل كمنع سعى وعمل لنفسه خيرا أو شرا.

الحديث الرابع : ضعيف.

الحديث الخامس : مجهول.

والظاهر يومه مكان ليلته وكأنه من النساخ ، أو الرواة بقرينة أنه نقل هذا الخبر عن سماعة بعد ذلك بزيادة ، وهنا في أكثر النسخ يومه ، وفي ثواب الأعمال في نهاره إلا الكبائر ، ومن توضأ للصبح كان وضوءه ذلك كفارة لما مضى من ذنوبه في ليلته إلا الكبائر ، وعلى ما في أكثر نسخ المتن يحتمل أن يكون المراد الليلة السابقة ، أو يكون الظرف متعلقا بالكفارة فيكون المراد جميع الذنوب والله يعلم.

الحديث السادس : ضعيف.

قولهعليه‌السلام : « بينا أمير المؤمنينعليه‌السلام » أصل ـ بينا ـ بين فأشبعت الفتحة وقفا فصارت ألفا ، يقال بينا وبينما ، ثم أجرى الوصل مجرى الوقف وأبقيت الألف المشبعة وصلا مثلها وقفا ، وهما ظرفا زمان بمعنى المفاجأة ، ويضافان إلى جملة

١٩٠

_________________________________________

من فعل وفاعل ومبتدأ وخبر ويحتاجان إلى جواب يتم به المعنى ، والأفصح في جوابهما أن لا يكون فيه إذ وإذا ، وقد جاء في الجواب كثيرا تقول بينا زيد جالس دخل عليه عمرو وإذ دخل عليه وإذا دخل عليه ، على ما ذكره الجوهري و ـ بينا ـ هنا مضاف إلى جملة ما بعده وهي ـ أمير المؤمنينعليه‌السلام جالس ـ وأقحم جزئي الجملة الظرف المتعلق بالخبر وقدم عليه توسعا ، أما كلمة « ذات » فقد قال الشيخ الرضيرضي‌الله‌عنه في شرح الكافية : وأما ذا وذات وما تصرف منهما إذا أضيف إلى المقصود بالنسبة فتأويلها قريب من التنزيل المذكور ، إذ معنى ـ جئت ذا صباح ـ أي وقتا صاحب هذا الاسم ، فذا من الأسماء الستة وهو صفة موصوف محذوف وكذا جئته ذات يوم أي مدة صاحبة هذا الاسم ، واختصاص ذا بالبعض وذات بالبعض الأخر يحتاج إلى سماع ، وأما ذا صبوح وذا غبوق فليس من هذا الباب ، لأن الصبوح والغبوق ليسا زمانين ، بل ما يشرب فيهما فالمعنى جئت زمانا صاحب هذا الشراب فلم يضف المسمى إلى اسمه. وقيل : إن ذا وذات في أمثال هذه المقامات مقحمة بلا ضرورة داعية إليها بحيث يفيدان معنى غير حاصل قبل زيادتهما مثل ـ كاد ـ في قوله تعالى «وَما كادُوا يَفْعَلُونَ » والاسم في بسم الله على بعض الأقوال ، وظرف المكان المتأخر أعني مع متعلق بجالس أيضا.

واختلف في إذا الفجائية هذه هل هي ظرف مكان أو ظرف زمان فذهب المبرد إلى الأول ، والزجاج إلى الثاني ، وبعض إلى أنها حرف بمعنى المفاجأة ، أو حرف زائد وعلى القول بأنها ظرف مكان ، قال ابن جني عاملها الفعل الذي بعدها لأنها غير مضافة إليه وعامل ـ بينا وبينما ـ محذوف يفسره الفعل المذكور فمعنى الفقرة المذكورة في الحديث قال أمير المؤمنينعليه‌السلام بين أوقات جلوسه يوما من الأيام مع محمد بن الحنفية وكان ذلك القول في مكان جلوسه ، وقال شلوبين : إذ مضافة إلى الجملة فلا يعمل فيها الفعل ولا في بينا وبينما لأن المضاف إليه

١٩١

يا محمد ائتني بإناء من ماء فأتاه به فصبه بيده اليمنى على يده اليسرى ثم قال :

_________________________________________

لا يعمل في المضاف ولا فيما قبله وإنما عاملهما محذوف يدل عليه الكلام ، وإذ بدل منهما ويرجع الحاصل إلى ما ذكرنا على قول ابن جني ، وقيل : العامل ما يلي بين بناء على أنها مكفوفة عن الإضافة إليه كما يعمل تألى اسم الشرط فيه ، والحاصل حينئذ أمير المؤمنينعليه‌السلام جالس مع محمد بين أوقات يوم من الأيام في مكان ، قوله « يا محمد إلى آخره » وقيل بين خبر لمبتدء محذوف والمصدر المسبوك من الجملة الواقعة بعد إذ مبتدأ والمال حينئذ أن بين أوقات جلوسهعليه‌السلام مع ابنه قوله يا محمد إلى آخره ـ ثم حذف المبتدأ مدلولا عليه بقوله ـ يا محمد إلى آخره ـ وعلى قول الزجاج وهو كون إذا ظرف زمان يكون مبتدأ مخرجا عن الظرفية خبره ـ بينا وبينما ـ فالمعنى حينئذ ، وقت قول أمير المؤمنينعليه‌السلام حاصل بين أوقات جلوسه يوما من الأيام مع محمد بن الحنفية.

قولهعليه‌السلام : « آتني » يدل على أن طلب إحضار الماء ليس من الاستعانة المكروهة.

قولهعليه‌السلام « فصبه » في التهذيب وغيره فأكفاه ، وقال الجوهري كفأت الإناء كبيته وقلبته فهو مكفوء وزعم ابن الأعرابي أن أكفاءه لغة فصيحة الضبط.

قولهعليه‌السلام « بيده اليمنى » كذا في أكثر نسخ الفقيه والتهذيب أيضا ، وفي بعض نسخ التهذيب وغيره بيده اليسرى على يده اليمنى وعلى كلتا النسختين الأكفاء إما للاستنجاء أو لغسل اليد قبل إدخالها الإناء ، والأول أظهر ويؤيده استحباب الاستنجاء باليسرى على نسخة الأصل ، وعلى الأخرى يمكن أن يقال : الظاهر أن الاستنجاء باليسرى إنما يتحقق بأن تباشر اليسرى العورة وأما الصب فلا بد أن يكون باليمنى في استنجاء الغائط وأما استنجاء البول فإن لم تباشر اليد العورة فلا يبعد كون الأفضل الصب باليسار ، وإن باشرتها فالظاهر أن الصب باليمين أولى.

١٩٢

الحمد لله الذي جعل الماء طهورا ولم يجعله نجسا ثم استنجى فقال : اللهم حصن فرجي وأعفه واستر عورتي وحرمها على النار ثم استنشق فقال : اللهم لا تحرم علي ريح الجنة واجعلني ممن يشم ريحها وطيبها وريحانها ثم تمضمض

_________________________________________

قولهعليه‌السلام « الحمد لله » في الفقيه وغيره ـ بسم الله الحمد لله ـ أي أستعين ، أو أتبرك باسمه تعالى وأحمده.

قوله « طهورا » أي مطهرا كما يناسب المقام ، ولأن التأسيس أولى من التأكي د « ولم يجعله نجسا » أي متأثرا من النجاسة ، أو بمعناه فإنه لو كان نجسا لم يمكن استعماله في إزالة النجاسة ، ولعل كلمة « ثم » في الموضع منسلخة عن معنى التراخي كما قيل في قوله تعالى «ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ »(١) والمراد بتحصين الفرج ستره وصونه عن الحرام وعطف ـ الإعفاف ـ عليه تفسيري أو الإعفاف عن الشبهات والمكروهات ، وقال الشيخ البهائي (ره) عطف العورة من قبيل عطف العام على الخاص فإن العورة كل ما يستحيي ، والأولى أن يقال : عطف الستر من قبيل عطف الخاص على العام فلا تغفل و « حرمها » أي العورة بالمعنى الأخص أو الفرج وفي بعض الروايات حرمهما باعتبار لفظي الفرج والعورة وإن اتحد معناهما أو يقرأ عورتي بتشديد الياء.

قولهعليه‌السلام « ثم استنشق » أقول : الرواية في سائر الكتب بتقديم المضمضة على الاستنشاق كما هو المشهور فيهما ، وفي الكتاب بالعكس ، ولعله من النساخ والمشهور استحباب تقديم المضمضة ، وذهب الشيخ في المبسوط إلى عدم جواز تأخير المضمضة عن الاستنشاق ، وقال في الذكرى : هذا مع قطع النظر عن اعتقاد شرعية التغيير أما معه فلا شك في تحريم الاعتقاد لا عن شبهة ، وأما الفعل فالظاهر لا انتهى ، والاستنشاق اجتذاب الماء بالأنف ، وأما الاستنتار فلعله مستحب آخر ولا يبعد كونه

__________________

(١) المؤمنون : ١٤.

١٩٣

فقال اللهم أنطق لساني بذكرك واجعلني ممن ترضى عنه ثم غسل وجهه فقال : اللهم بيض وجهي يوم تسود فيه الوجوه ولا تسود وجهي يوم تبيض فيه

_________________________________________

داخلا في الاستنشاق عرفا ويشم بفتح الشين من باب علم ، ويظهر من الفيروزآبادي أنه يجوز الضم فيكون من باب نصر والريح الرائحة وفي الفقيه وغيره ريحها وروحها وطيبها. وقال الجوهري : الروح نسيم الريح ويقال : أيضا يوم روح أي طيب وروح وريحان أي رحمة ورزق وأول الدعاء استعاذة من أن يكون من أهل النار فإنهم لا يشمون ريح الجنة حقيقة ولا مجازا والمضمضة تحريك الماء في الفم كما ذكره الجوهري والدعاء في الفقيه وأكثر كتب الدعاء والحديث هكذا ( اللهم لقني حجتي يوم ألقاك وأطلق لساني بذكرك ) وفي بعضها ـ بذكراك ـ والتلقين التفهيم وهو سؤال منه تعالى أن يلهمهم يوم لقائه ما يصير سببا لفكاك رقابهم من النار كما قال تعالى «يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها »(١) وقرأ بتخفيف النون من التلقي كما قال تعالى «وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً »(٢) والأول أظهر.

« ويوم اللقاء » إما يوم القيامة والحساب ، أو يوم الدفن والسؤال ، أو يوم الموت أو الأعم ، وإنطاق اللسان عبارة عن توفيق الذكر مطلقا ، وبياض الوجه وسواده إما كنايتان عن بهجة السرور والفرح وكابة الخوف والخجلة ، أو المراد بهما حقيقة السواد والبياض ، وفسر بالوجهين قوله تعالى «يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ »(٣) ويمكن أن يقرأ قولهعليه‌السلام « تبيض وتسود » على المضارع الغائب من باب الأفعال ، فالوجوه مرفوعة فيهما بالفاعلية وأن يقرأ بصيغة المخاطب من باب التفعيل مخاطبا إليه تعالى فالوجوه منصوبة فيهما على المفعولية كما ذكره الشهيد الثاني

__________________

(١) النحل : ١١١.

(٢) الإنسان : ١١.

(٣) آل عمران : ١٠٦.

١٩٤

الوجوه ثم غسل يمينه فقال : اللهم أعطني كتابي بيميني والخلد بيساري ثم غسل شماله فقال : اللهم لا تعطني كتابي بشمالي ولا تجعلها مغلولة إلى عنقي وأعوذ بك من مقطعات النيران ثم مسح رأسه فقال : اللهم غشني برحمتك

_________________________________________

رفع الله درجته ، والأول هو المضبوط في كتب الدعاء المسموع عن المشايخ الأجلاء ثم الظاهر أن التكرير للإلحاح في الطلب والتأكيد فيه ، وهو مطلوب في الدعاء فإنه تعالى يحب الملحين في الدعاء ، ويمكن أن تكون الثانية تأسيسا على التنزل فإن ابيضاض الوجوه تنور فيها زائدا على الحالة الطبيعة ، فكأنه يقول : إن لم تنورها فأبقها على الحالة الطبيعية ولا تسودها « والكتاب » كتاب الحسنات وإعطائه باليمين علامة الفلاح يوم القيامة كما قال تعالى «فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً »(١) .

قولهعليه‌السلام « والخلد بيساري » في سائر الكتب والخلد في الجنان يحتمل وجوها :

الأول : أن المراد بالخلد الكتاب المشتمل على توقيع كونه مخلدا في الجنان على حذف المضاف ، وباليسار اليد اليسرى ، والباء صلة لأعطني ، كما روي عن أمير المؤمنينعليه‌السلام أنه قال : يعطى كتاب أعمال العباد بإيمانهم وبراءة الخلد في الجنان بشمائلهم ، وهو أظهر الوجوه.

الثاني : أن المراد باليسار اليسر خلاف العسر كما قال تعالى «فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى » فالمراد هنا طلب الخلود في الجنة من غير أن يتقدمه عذاب النار وأهوال يوم القيامة وسهولة الأعمال الموجبة له.

الثالث : أن يراد باليسار مقابل الإعسار أي اليسار بالطاعات ، أي أعطني الخلد في الجنان بكثرة طاعاتي فالباء للسببية فيكون في الكلام إيهام التناسب و

__________________

(١) الإنشقاق : ٩.

١٩٥

وبركاتك وعفوك ثم مسح على رجليه فقال : اللهم ثبت قدمي على الصراط يوم تزل فيه الأقدام واجعل سعيي فيما يرضيك عني ثم التفت إلى محمد فقال :

_________________________________________

وهو الجمع بين المعنيين المتناسبين بلفظين لهما معنيان متناسبان ، كما قيل في قوله تعالى «الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ »(١) فإن المراد بالنجم ما ينجم من الأرض أي ما يظهر ولا ساق له كالبقول ، وبالشجر ما له ساق فالنجم. بهذا المعنى وإن لم يكن مناسبا للشمس والقمر لكنه بمعنى الكواكب يناسبها وهذا الوجه مع لطفه لا يخلو من بعد.

الرابع : أن الباء للسببية أي أعطني الخلد بسبب غسل يساري وعلى هذا فالباء في قوله ـ بيميني أيضا للسببية ، ولا يخفى بعده لا سيما في اليمين لأن إعطاء الكتاب مطلقا ضروري ، وإنما المطلوب الإعطاء باليمين الذي هو علامة الفائزين أقول في سائر الكتب بعد قوله بيساري وحاسبني حسابا يسيرا.

وقال الشهيد الثاني قدس الله روحه : لم يطلب دخول الجنة بغير حساب لمقامه واعترافا بتقصيره عن الوصول إلى هذا القدر من القرب لأنه مقام الأصفياء ، بل طلب سهولة الحساب تفضلا من الله تعالى وعفوا عن المناقشة بما يستحقه وتحرير الحساب بما هو أهله ، وفيه مع ذلك اعتراف بحقية الحساب مضافا إلى الاعتراف بأخذ الكتاب وذلك بعض أحوال يوم الحساب.

و قولهعليه‌السلام « اللهم لا تعطني كتابي بشمالي » إشارة إلى قوله سبحانه «وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ ». «فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً وَيَصْلى سَعِيراً »(٢) وقوله « ولا من وراء ظهري » كما في غير نسخ الكتاب « ولا تجعلها مغلولة إلى عنقي » إلى ما روي من أن المجرمين يعطى كتابهم من وراء ظهورهم بشمائلهم حالكونها مغلولة إلى أعناقهم.

قولهعليه‌السلام « من مقطعات النيران » قال الجزري : المقطع من الثياب كل

__________________

(١) الرحمن : ٦.

(٢) الإنشقاق : ١٠.

١٩٦

يا محمد من توضأ بمثل ما توضأت وقال مثل ما قلت خلق الله له من كل قطرة ملكا يقدسه ويسبحه ويكبره ويهلله ويكتب له ثواب ذلك

_________________________________________

ما يفصل ويخاط من قميص وغيره ، انتهى. وهذا إشارة إلى قوله تعالى «قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ »(١) فإما أن تكون جبة وقميصا حقيقة من النار ، مثل الرصاص والحديد ، أو تكون كناية عن لصدوق النار بهم كالجبة والقميص ، ولعل السر في كون ثياب النار مقطعات أو التشبيه بها كونها أكثر اشتمالا على البدن من غيرها ، فالعذاب بها أشد ، وفي بعض نسخ الحديث والدعاء مفظعات بالفاء والظاء المعجمة جمع مفظعة بكسر الظاء من فظع الأمر بالضم فظاعة فهو فظيع أي شديد شنيع ، وهو تصحيف ، والأول موافق للاية الكريمة حيث يقول «فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ ».

و « التغشية » التغطية و « البركة » النماء والزيادة. وقال في النهاية : في قولهم ـ وبارك على محمد وآل محمد ـ أي أثبت لهم وأدم ما أعطيته من التشريف والكرامة ، وهو من برك البعير إذا ناخ في موضع فلزمه ، وتطلق البركة أيضا على الزيادة ، والأصل الأول ، انتهى. ولعل الرحمة بالنعم الأخروية أخص ، كما أن البركة بالدنيوية أنسب ، كما يفهم من موارد استعمالهما ، ويحتمل التعميم فيهما ، وقال الوالدقدس‌سره : يمكن أن تكون الرحمة عبارة عن نعيم الجنة وما يوصل إليها ، والبركات عن نعيم الدنيا الظاهرة والباطنة من التوفيقات للأعمال الصالحة والعفو عن الخلاص من غضب الله وما يؤدي إليه.

قولهعليه‌السلام « من كل قطرة » أي بسببها أو من عملها ، بناء على تجسم الأعمال ، والتسبيح والتقديس مترادفان بمعنى التنزيه ، ويمكن تخصيص التقديس بالذات والتسبيح بالصفات والتكبير بالأفعال وقولهعليه‌السلام « إلى يوم القيمة » إما متعلق بيكتب أو بخلق ، أو بهما وبالأفعال الأربعة على التنازع.

__________________

(١) الحجّ : ١٩.

١٩٧

٧ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب ، عن محمد بن قيس قال سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول وهو يحدث الناس بمكة صلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الفجر ثم جلس مع أصحابه حتى طلعت الشمس فجعل يقوم الرجل بعد الرجل حتى لم يبق معه إلا رجلان أنصاري وثقفي فقال لهما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد علمت أن لكما حاجة وتريدان أن تسألا عنها فإن شئتما أخبرتكما بحاجتكما قبل أن تسألاني وإن شئتما فاسألا عنها قالا بل تخبرنا قبل أن نسألك عنها فإن ذلك أجلى للعمى وأبعد من الارتياب وأثبت للإيمان فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أما أنت يا أخا ثقيف فإنك جئت أن تسألني عن وضوئك وصلاتك ما لك في ذلك من الخير أما وضوؤك فإنك إذا وضعت يدك في إنائك ثم قلت بسم الله تناثرت منها ما اكتسبت من الذنوب فإذا غسلت وجهك تناثرت الذنوب التي اكتسبتها عيناك بنظرهما وفوك فإذا غسلت ذراعيك تناثرت الذنوب عن يمينك وشمالك فإذا مسحت رأسك وقدميك تناثرت الذنوب التي مشيت إليها على قدميك فهذا لك في وضوئك.

٨ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال الوضوء شطر الإيمان.

٩ ـ أبو علي الأشعري ، عن بعض أصحابنا ، عن إسماعيل بن مهران ، عن صباح

_________________________________________

الحديث السابع : صحيح على الظاهر ، وإن قيل باشتراك محمد بن قيس.

الحديث الثامن : ضعيف على المشهور.

ويحتمل أن يكون المراد بالشطر الجزء والنصف وعلى التقديرين يمكن أن يراد بالإيمان الصلاة كما قال تعالى «وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ »(١) أي صلاتكم أو الإيمان المشتمل على العبادات لأنه أحد إطلاقاته. في الأخبار.

الحديث التاسع : مرسل ، وظاهره الأعم من التجديد.

__________________

(١) البقرة : ١٤٣.

١٩٨

الحذاء ، عن سماعة قال كنت عند أبي الحسنعليه‌السلام فصلى الظهر والعصر بين يدي وجلست عنده حتى حضرت المغرب فدعا بوضوء فتوضأ للصلاة ثم قال لي توضأ فقلت جعلت فداك أنا على وضوئي فقال وإن كنت على وضوء إن من توضأ للمغرب كان وضوؤه ذلك كفارة لما مضى من ذنوبه في يومه إلا الكبائر ومن توضأ للصبح كان وضوؤه ذلك كفارة لما مضى من ذنوبه في ليلته إلا الكبائر.

١٠ ـ محمد بن يحيى وأحمد بن إدريس ، عن أحمد بن إسحاق ، عن سعدان ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال الطهر على الطهر عشر حسنات.

١١ ـ محمد بن الحسن وغيره ، عن سهل بن زياد بإسناده ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إذا فرغ أحدكم من وضوئه فليأخذ كفا من ماء فليمسح به قفاه يكون ذلك فكاك رقبته من النار.

١٢ ـ علي بن محمد ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن أبي الحسنعليه‌السلام قال قلت له الرجل يغتسل بماء الورد ويتوضأ به للصلاة قال :

_________________________________________

الحديث العاشر : مرسل.

ويشمل الوضوء بعد الغسل بل الغسل بعد الغسل أيضا ، ولم أر التصريح بهما في كلامهم.

الحديث الحادي عشر : ضعيف على المشهور.

والظاهر أنه محمول على التقية ، ويحتمل أن يكون الثواب على هذا الفعل للتقية.

الحديث الثاني عشر : ضعيف على المشهور.

والمشهور بين الأصحاب عدم جواز التوضؤ والاغتسال بالمضاف مطلقا وخالف فيه ابن بابويه فجوز رفع الحدث بماء الورد ، ولم يعتبر المحقق خلافه حيث ادعى الإجماع على عدم حصول الرفع به لمعلومية نسبه ، أو لانعقاد الإجماع بعده ، والمعتمد المشهور ، احتج ابن بابويه بهذه الرواية ، وقال في المدارك : وهو ضعيف لاشتمال

١٩٩

لا بأس بذلك.

١٣ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان ، عن عبد الوهاب ، عن محمد بن أبي حمزة ، عن هشام بن سالم ، عن إسماعيل الجعفي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سألته عمن مس عظم الميت قال إذا كان سنة فليس به بأس.

١٤ ـ محمد بن يحيى رفعه ، عن أبي حمزة قال قال أبو جعفرعليه‌السلام إذا كان الرجل نائما في المسجد الحرام أو مسجد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله فاحتلم فأصابته جنابة فليتيمم ولا يمر في المسجد إلا متيمما حتى يخرج منه ثم يغتسل وكذلك الحائض إذا أصابها الحيض تفعل كذلك ولا بأس أن يمرا في سائر المساجد ولا يجلسان فيها.

_________________________________________

سنده على سهل بن زياد ، ومحمد بن عيسى عن يونس ، وقد نقل الصدوق عن شيخه ابن الوليد أنه لا يعتمد على حديث محمد بن عيسى ، عن يونس ، وحكم الشيخ في كتاب الأخبار بشذوذ هذه الرواية وأن العصابة أجمعت على ترك العمل بظاهرها ، ثم أجاب عنها باحتمال أن يكون المراد بالوضوء التحسين والتنظيف ، أو أن يكون المراد بماء الورد الماء الذي وقع فيه الورد دون أن يكون معتصرا منه ، وما هذا شأنه فهو بالإعراض عنه حقيق ، ونقل المحقق في المعتبر اتفاق الناس جميعا على أنه لا يجوز الوضوء بغير ماء الورد من المائعات.

الحديث الثالث عشر : مجهول.

قولهعليه‌السلام « إذا جاز سنة » كأنه لذهاب الدسومة التي تكون في العظم ، والمراد بالعظم عظم الميتة من الحيوانات ، أو الميت الذي لم يغسل ، ويحتمل أن يكون السؤال باعتبار غسل المس.

الحديث الرابع عشر : مرفوع.

قولهعليه‌السلام « فاحتلم » أي رأى في النوم ما يوجب الاحتلام.

قولهعليه‌السلام « فليتيمم » قال في المدارك : هذا مذهب أكثر علمائنا ، ومستنده

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493