الـمُنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري)

الـمُنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري)0%

الـمُنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري) مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 493

الـمُنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري)

مؤلف: الإمام الكبير والـمُصنّف الشّهير الشّيخ فخر الدّين الطريحي النّجفي
تصنيف:

الصفحات: 493
المشاهدات: 58877
تحميل: 2819


توضيحات:

الـمُنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري) الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 493 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 58877 / تحميل: 2819
الحجم الحجم الحجم
الـمُنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري)

الـمُنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري)

مؤلف:
العربية

ولا تنس في يوم الطفوف مصابهم

وداهية من أعظم النكبات

سقى الله أجداثاً على أرض كربلا

مرابيع أمطار من المزنات

وصلّى على روح الحُسين حبيبه

قتيلاً لدى النهرين بالفلوات

قتيلاً بلا جرم فجعنا بفقده

فريداً ينادي أين أين حماتي

أنا الظامي العطشان في أرض غربة

قتيل ومظلوم بغير ترات

وقد رفعوا رأس الحُسين على القنا

وساقوا نساء ولهى حسرات

فقل لإبن سعد عذب الله روحه

ستلقى عذاب النّار باللعنات

سأقنت طول الدهر ما هبت الصبا

وأقنت بالإيصال والغدوات

على معشر ضلوا جميعاً وضيعوا

مقال رسول الله بالشبهات

روي : أنّ المتوكل من خُلفاء بني العبّاس كان تحت ملكه (بسرّ من رأى) , فاستدعى الإمام عليّ الهادي إلى مجلسه , وأعرض عليه جميع عساكره وحجّابه ونوابّه وأرباب دولته ؛ ليرهبه بهم , وأمر كلّ فارس من جنده أن يملأ مخلاة فرسه تراباً ويطرحه في مكان واحد , فصار كالجبل العظيم وسمّاه ( تلّ المخالي ) , وهو حتّى الآن موجود بسرّ من رأى .قال : ثمّ إنّ المتوكل أخذ بيد الإمام عليّ الهادي (عليه‌السلام ) وصعد معه إلى الجبل , وقال له : ما أصعدتك معي إلى هُنا إلّا لترى خيولي وعسكري وقومي وجندي .وكان قد ألبس عسكره الدّروع المجلية واعتلوا بالرّماح الخطّية وتقلّدوا بالسّيوف الهندية ، وأمرهم أن يعرضوا على الإمام الهادي بأحسن زينة وأتمّ عدّة وأعظم هيبة , وهو مع ذلك جالس مع الإمام (عليه‌السلام ) , فقال له الإمام (عليه‌السلام ) : (( يا خليفة الزّمان , أتحبّ أن أعرض عليك عسكري كما عرضت عليّ عسكرك ؟ )) .فقال المتوكل : ومن أين لك عسكر مثل عسكري ؟ فإن كان لك عسكر فأرينه ؟ فقال له : (( انظر يميناً )) .فنظر , فرأى الملائكة بعدد الرّمل والنّمل وهم محيطون بالدُنيا بصور مختلفة , وبأيديهم حراب من نار لا يحصي عددهم إلّا الله تعالى ، فغشي الخليفة ؛ من شدّة رعب دخله منهم ، فلمّا أفاق من غشيته , قال له الإمام : (( يا خليفة الزّمان , إنّا نحن لا نشاجركم على زينة الدُنيا وزخارفها , وإنّا نحن مشغولون عنكم باُمور الآخرة )).

وكذلك الحُسين (عليه‌السلام ) لمـّا أحاط به الكفرة اللئام بنو

٢٤١

اُميّة , أتته أفواج كثيرة من الملائكة وفي أيديهم أعمدة من نار وحراب من نار , وهم راكبون على نجب من نجب الجنّة , وقالوا له : يا حُسين , أنت حجّة الله على الخلق بعد جدّك وأبيك , وإنّ الله عزّ وجلّ قد أمدّ جدّك وأباك بنا في سائر الحروب , وإنّ الله تعالى قد أمدّك بنا ؛ لننصرك على عدوّك , فمرنا بأمرك نقتل عدوّك .فقال : (( أما قرأتم قوله تعالى :( لَبَرَزَ الّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى‏ مَضَاجِعِهِمْ ) (١) ؟ وإنّ الله تعالى كتب عليّ القتل , فإذا قتلتم أعدائي فبما يبتلي الله هذا الخلق المتعوس ؟ ومَن ذا يكون ساكناً بحفرتي في أرض كربلاء وقد اختارها الله يوم دحو الأرض , وقد جعلها معقلاً لشيعتي وزوّاري , وتكون لهم أماناً في الدُنيا والآخرة ؟ ولكن تحضرون عندي يوم العاشر من شهر عاشوراء , ففي آخره اُقتل ولا يبقى بعدي مطلوب من أهل بيتي , ويُسار برأسي إلى يزيد لعنه الله تعالى )) .فقالت له الملائكة : يابن رسول الله , لو لا أنّ أمرك طاعة وإنّه لا يجوز لنا مخالفتك , لقتلنا جميع أعدائك قبل أن يصلوا إليك بسوء أبداً , حتّى لا يبقى على وجه الأرض منهم أحداً .فقال لهم : (( جزيتم خيراً , ولكن نحن والله أقدر منكم عليهم , والله على كلّ شيء قدير )).

فعلى الأطائب من أهل البيت فليبك الباكون , وإيّاهم فليندب النّادبون , ولمثلهم تذرف الدّموع من العيون ، أو لا تكونون كبعض مادحيهم حيث عرته الأحزان , فنظم وقال فيهم :

القصيدة للشيخ ابن حماد (رحمه‌الله )

أآمر بالصبر أسرفت في أمري

أيؤمر مثلي لا أبا لك بالصبر

أفي يوم عاشورا ألام على البكا

ولو أن عيني دمعها من دمي يجر

إذا لم أقم في يوم عاشوراء مأتماً

ولم أندب الأطهار فيه فما عذر

أأنسى حسيناً حين أصبح مفرداً

غريباً بأرض الطف في مهمه قفر

وشمر عليه لعنة الله راكب

على صدره أكرم بذلك من صدر

يقطع أوداج الحُسين بسيفه

على حنق منه يهبر بالنحر

برزن نساء السبط يمشين حسراً

على عجل حتّى تعلقن بالشمر

وقلن له يا شمر فرقت بيننا

والبستنا ثوب الأسى أبد الدهر

أتقتل أولاد النّبي مُحمّد

وترجو بأن تحضى الشفاعة في الحشر

____________________

(١) سورة آل عمران / ١٥٤.

٢٤٢

وقد فرّ ينعاه إلى الأهل مهره

سليباً فلمّا أن نظرن إلى المهر

هتكن حجاب الخدر عنهن جهرة

يعز عليهن الخروج من الخدر

وبادرن حتّى إذ رأين مكانه

وشيبته مخضوبة من النحر

فلما رأين الرأس في رأس ذابل

كبدر الدجى إذ لاح في رابع العشر

سقطن على حر الوجوه بدهشة

وأيقن بالتهتيك والسبي والكسر

وقد قبضت أحشائها بيمينها

وقد قبضت إحدى يديها على العشر

تضم علياً تارة نحو صدرها

وفاطمة الصغرى مدامعها تجر

وتدعو حسيناً يا ابن أم تركتني

وفي كبدي ثكل أحر من الجمر

أخي لو ترانا في السبايا ولو تر

بناتك حولي بالمذلة والأسر

سأبكيك دهراً يابن بنت مُحمّد

وأسعد من يبكيك ما مد في عمر

متى ينجز الوعد الذي قد وعدته

وتأتي به الأجناد في غابر الدهر

حقيق على الرحمن إنجاز وعده

وتبلغه حتّى نرى راية النصر

قيام إمام لا محالة قائم

يقيم عماد الدين بالبيض والسمر

لعل ابن حماد يجرد سيفه

ويقتص من أعدائه باقي الدهر

فإن قصرت كفاي عن قتلهم غداً

سأقتلهم باللعن في محكم الشعر

أيا شيعة الأطهار صبراً على الأذى

فإن منال النجح عاقبة الصبر

عليكم سلام الله يا آل أحمد

سلام محب دائم مدة العمر

٢٤٣

المجلس الثّاني

في اليوم السّادس من عشر الـمُحرّم

وفيه أبواب ثلاثة

الباب الأوّل

لو صفّت أفكار المتفكّرين لأشرقت عليها أنوار اليقين , ولو طُلب طريق الحقّ بالتّحقيق لأدرك الطّالب سؤاله وخرج عن المضيق ، ولكن كثرة الشّوائب يصدر عنها الرّأي العازب , كيف وقد شهد بفضلهم التّوراة والإنجيل وبمدحهم العظيم الجليل في مُحكم التّنزيل.

يا إخواني , أيّ شرف أعظم من شرف من يخدم بالملائكة المقرّبين إلى ربّ العالمين ، أخلاقهم طاهرة ومعجزاتهم ظاهرة ودولتهم مستمرّة دائمة إلى الرّشاد , إمام الصّادقين البررة قاتل الجاحدين الكفرة , نور الله في العالمين مدمّر النّاكثين والقاسطين والمارقين , أصل الفخار غرّة شمس النّهار , شجرة أصلها النّبي المختار وفرعها بنوه المعصومون الأطهار , في مدحه نزل القُرآن وفي التّمسك به يكمل الإيمان :

كم بين من شك في عقيدته

وبين من قيل أنه الله

روي عن كعب بن مُحمّد القرطي , قال : افتخر طلحة بن عبد الدّار والعبّاس بن عبد الـمُطّلب وعليّ بن أبي طالب (ع) , فقال طلحة : معي مفتاح الكعبة ولو شئت أبت بها .وقال العبّاس : أنا صاحب السّقاية القائم عليها ولو شئت أبت في المسجد .فقال عليّ (عليه‌السلام ) : (( ما أدري ما تقولان ؟! لقد صلّيت إلى القبلة ستة

٢٤٤

أشهر قبل النّاس , وأنا صاحب الجهاد الأكبر )) .فأنزل الله تعالى فيه :( أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَيَسْتَوُونَ عِندَ اللّهِ وَاللّهُ لاَيَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ ) (١) :

يقولون لي قل في عليّ مدائحاً

فإن أنا لم أفعل يقولوا معاند

وما صنعت عنه الشعر عن ضعف هاجر

ولا إنني عن مذهب الحق حائد

ولكن عن الأشعار والله صنت من

عليه بني قرآننا والمساجد

فلو أن ماء الأبحر السبعة التي

خلقن مداداً والسماوات كاغد

وأشجار خلق الله أقلام كاتب

إذا الخط أفناهن عادت عوائد

وكان جميع الجن والإنس كتبا

إذا كل منهم واحد قام واحد

وخطوا جميعاً منقب بعد منقب

لـمّا خط من تلك المناقب واحد

فوا عجباً ممّن أنكر الوصية بالأمر إليه وخالف في النّص بالخلافة عليه , مع اعترافهم بعصبة الرّسول التي دلّ عليهم المعقول والمنقول ! ووا عجباً كيف ينكرون نصّه عليه يوم غدير خم في حجّة الوداع وقد ملأ بذلك الأسماع ! أما قال له عمر : بخ بخ لك أصبحت مولى كلّ مؤمن ! كأنّهم زعموا أنّ ذلك كان في النّوم فغفلوا عن ذلك اليوم , كلا ولكنّهم رجعوا على الأعقاب كما وعدهم به في الكتاب الله العزيز الوهاب , يقول :( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ) (٢) .تركوا أخا الرّسول وعكفوا على الأوّل كقوم موسى حيث تركوا أخاه وعكفوا على العجل , تصديقاً لكلام الرّسول حيث يقول : (( تحذو اُمّتي حذو بني إسرائيل النّعل بالنّعل والقذّة بالقذّة )).

ومن طريقهم ما رواه أحمد بن حنبل عن أنس بن مالك , قال : قُلت لسلمان : سلّ النّبي (ص) عن وصيّه .وقال سلمان : مَن وصيّك ؟ فقال (ص) : (( يا سلمان , مَن كان وصي موسى (عليه‌السلام ) ؟ )) .فقال : يوشع بن نون .قال , فقال (ص) : (( وصيي ووارثي يقضي ديني وينجز وعدي عليّ بن أبي طالب )) .فقد هبلت الهبول شانىء آل الرّسول :

إذا كان كل الناس سبعين فرقة

ونيفاً كما قد جاء في واضح النقل

____________________

(١) سورة التّوبة / ١٩.

(٢) سورة آل عمران / ١٤٤.

٢٤٥

ولم يك منهم ناجياً غير فرقة

فماذا ترى يا ذا البصيرة والعقل

أفي الفرقة الناجين آل مُحمّد

أم الفرقة الهلاك أيهما قل لي

رضيت علياً لي إماماً وسيداً

وأنت من الباقين في سائر الحل

فابشروا أيّها الإخوان بموالات مولاكم الذي هو سبب هديكم وبه تحصلون الفوز في آخرتكم , واعلموا أنّه لا بدّ لكم من معاينته في سياق الموت وكربته كما أشار إليه في قوله سلام الله عليه يقول :

يا حار همدان من يمت يرني

من مؤمن أو منافق قبلا

يعرفني شخصه وأعرفه

بعينه واسمه وما فعلا

وأنت يا حار إن نمت ترني

فلا تخف عثرة ولا زللا

أسقيك من بارد على ظمأ

تخاله في الحلاوة العسلا

أقول للنار حين تعرض للحشر

ذريه لا تقربي الرجلا

ذرية لا تقربيه إن له

حبلاً بحبل الوصي متصلا

روي من طريقهم عن أبي مريم عن عليّ (عليه‌السلام ) , قال : (( انطلقت أنا والنّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) حتّى انتهينا إلى الكعبة , فقال لي رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : اجلس .فصعد على منكبي وذهبت أنهض به فرأى منّي ضعفاً , فجلس لي نبي الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , وقال : اصعد على منكبي .فصعدت على منكبيه , قال (ع) : فنهض فيّ , فخُيّل لي أنّي لو شئت لنلت اُفق السّماء , حتّى سقطت على البيت وعليه تمثال صفراً ونحاس , فجعلت أزاوله عن يمينه وعن شماله ومن بين يديه ومن خلفه حتّى استمسكت منه , فقال لي رسول الله : نستيق(١) أقذف به .فقذفت به فتكسّر كالقوارير , ثمّ نزلت وانطلقت أنا ورسول الله نستيق(٢) , حتّى توارينا بالبيوت؛ خشية أن يلقانا أحد من النّاس )).

وروي من طرقهم أيضاً عن ابن عبّاس , قال : قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : (( لو أنّ الرّياض أقلام والبحر مداد والجن حساب والإنس كتاب , ما أحصوا فضائل عليّ (عليه‌السلام ) )) :

وإذا الدر زان حسن نحور

كان للدر حسن بحرك زينا

وتزين طيب الطيب طيباً

عند ذكراك أين مثلك أينا

فضائله لا تُحصى ومناقبه لا تُستقصى , ولو لم يكُن إلّا مبارزته لعمرو بن ودّ

____________________

(١) لم أجد هذه الكلمة في المصادر الاُخرى , ولعلّها من اشتباهات النّساخ .المقوم.

(٢) هذا ما ورد في الكتاب , ولكن الوارد في مسند احمد : ١/٨٤ , ينابيع المودة لذوي القربى ٣/٢٣٣ , وغيرهم : نستبق ...(معهد الإمامين الحسنين).

٢٤٦

الذي قال فيها النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : (( برز الإسلام كلّه إلى الشّرك كلّه )) .فلمّا قتله قال : (( ضربة عليّ لعمرو , توازي عمل اُمّتي إلى يوم القيامة )) .ولقد اُحصيت برزاته (عليه‌السلام ) بين يدي النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) فكانت ألفاً وسبعين .فإذا كان جزء واحد من نيف وسبعين من قوّته العمليّة , بمقدار عمل جميع أهل الإسلام إلى يوم القيامة , فما ظنّك بباقي أعماله صلوات الله عليه في سائر أحواله.

فتبّاً لقوم غرّتهم الدُنيا فاختاروها على الأخرى وهو الآفة الكبرى , كان منتهاهم إلى الذّل والهوان وفي الآخرة عذاب النّيران.

روي : أنّ عمرو بن العاص قال لمعاوية بن أبي سفيان : يا معاوية , ما أشدّ حُبّك للمال ؟ فقال : ولِمَ لا أحبّه وأنا استعبد به مثلك وأبتاع به دينك ومروّتك ؟ فلعمري , ما ربحوا بل خسروا وما جبروا بل كسروا وسيندمون ويعلمون أيّ منقلب ينقلبون.

روي : أنّ معاوية بن أبي سفيان لمـّا مرض الموت , رقي المنبر وخطب النّاس - وكانت آخر خطبة خطبها للنّاس في جامع بني اُميّة - وأنّه قال : أيّها النّاس , إنّ من زرع قد استحصد , وإنّي وليتكم ولم يتولكم أحد من بعدي إلّا مَن هو شرّ منّي كما كان من قبلي هو خير منّي , يا ليتني رجُلاً من قُريش ولم أتوّل من أمور النّاس شيئاً .ثمّ قال :( يَا لَيْتَهَا كَانَتْ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ ) (١) .فوالله , لو علمت هكذا عمري قصيراً ما فعلت .ثمّ بكى وقال : وا بُعد سفراه ! وا قلّة زاداه ! ثمّ نزل عن المنبر ودخل داره وثقل حاله وازدادت علّته , فعادوه إخوانه وجلسوا حوله وقالوا له : يا معاوية , أوصي إلينا بما تريد .فقال: يا إخواني , أحذّركم مصرعي هذا , فإنّه لا بدّ لكم منه .ثمّ قال : اجلسوني وسندوني .فأجلسوه وسندوه , فقال : إلهي , أنا الذي أمرتني فقصرت ونهيتني فعصيت .ثمّ قال : الآن تذكر ربّك يا معاوية بعد الهرم والانحطاط , فلِمَ لا كان هذا وغصن الشّباب نظر ريّان ؟! فقيل له : يا معاوية , كأنّك تحبّ الحياة ؟ فقال : لا , ولكن القدوم على الله شديد .قال : ودخل عليه قوم آخرون , فقالوا له : كيف أصبحت يا معاوية ؟ فقال : أصبحت من الدُنيا راحلاً وللإخوان مفارقاً ولسوء عملي ملاق .ثمّ انصرف النّاس عنه , قالت زوجته : فسمعته يقول عند موته :( تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلاَ فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ) (٢) .ثمّ سكت فجعلت لا أسمع له كلاماً أبداً , فقلت لوصيف كان عنده : انظر أنائم هو أم يقظان ؟ فنظر إليه فوجده قد مات.

وأمّا مروان بن الحكم

____________________

(١) سورة الحاقة /٢٧- ٢٨.

(٢) سورة القصص / ٨٣.

٢٤٧

لـمّا مرض مرضه الذي مات فيه , مرّ على غسّال يغسل ثياباً بجانب نهر في دمشق , فنظر إليه وهو يلوي ثوباً بيده ثمّ يضرب به في المسلّة , فقال مروان : ليتني كنت غسّالاً آكل من كسب يدي يوماً بيوم ولم أكن والياً على الـمُسلمين ! قال : فبلغ كلامه إلى أبي حازم الغسّال , فقال : الحمد لله الذي جعل الملوك إذا حضرهم الموت يتمنون ما نحن فيه من الغسل .قال : فدخلوا عليه إخوانه يعودونه في مرضه , فقالوا له : كيف نجدك يا أمير ؟ قال : تجدوني كما قال الله تعالى :( وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى‏ كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوّلَ مَرّةٍ وَتَرَكْتُم مَا خَوّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ ) (١) .ثمّ بكى فقيل له : وما يبكيك يا أمير ؟ فقال : ما أبكي جزعاً على الدُنيا , ولكن عهد إلينا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أنّه قال : (( يكون بلغة أحدكم من الدُنيا كزاد راكب )) .ثمّ قال: وا بُعد سفراه ! وا قلّة زاداه ! ثمّ اُغمي عليهفمات لا رحمه ‌الله.

وأمّا عمرو بن العاص , فإنّه لمـّا دنت منه الوفاة وقد نظر إلى خزائنه وصناديق ماله , قال : مَن يأخذها بما فيها ؟ وليتني كنت أعيش أبداً .فبكت امرأته , فقال لها : إن كنت باكية فابكي على نفسك ؟ ثمّ اُغمي عليه فمات لا رحمه‌ الله تعالى

وأمّا المأمون لمـّا ذنت منه الوفاة وأيس من الحياة , فرش رماداً واضطجع عليه وجعل يقول : يا مَن لا يزول ملكه , ارحم مَن قد زال ملكه .فقيل له : لا بأس عليك .فقال : ليس إلّا هذا , لقد ذهبت منّي الدُنيا والآخرة .ثمّ اُغمي عليه فمات لا رحمه ‌الله تعالى.

وأمّا الحجاج بن عُبيدة الثّقفي , فإنّه كان يقول عند موته : اللّهمّ اغفر لي , فإنّ الخلق مجتمعون على أنّك لا تغفر لي .ثمّ اُغمي عليه فمات لا رحمه ‌الله تعالى

وأمّا الشّمر اللعين , فإنّه كان عاقبته أن قتله الـمُختار أشرّ قتلة , وأحرق داره بمن فيها من أهله وعشيرته , ألا لعنة الله على الكافرين :

ستعلم أمة قتلت حسيناً

بأن عذاب قاتله وبيل

إذا عرضوا على الرحمن صفاً

وجاءت ثمّ فاطمة البتول

وفي يدها قميص السبط تشكو

ظلامتها فينصفها الجليل

ويهوي الظّالمين بها جميعاً

إلى قعر الجحيم لهم عويل

فعلى الأطائب من أهل بيت الرّسول فليبك الباكون , وإيّاهم فليندب النّادبون , ولمثلهم تذرف الدّموع من العيون , أو لا تكونون كبعض مادحيهم حيث عرته

____________________

(١) سورة الأنعام / ٩٤.

٢٤٨

الأحزان والأشجان , فنظم وقال فيهم :

القصيدة للشيخ صالح بن عبد الوهاب

نوحوا يا شيعة المولى أبا الحسن

على الحُسين غريب الدار والوطن

وابكوا عليه طريحاً بالطفوف على

الرمضاء مختضب الأوداج والذقن

وابكوا على صدره بالطف ترضضه

خيول أهل الخنا والحقد والإحن

وابكوا على رأسه بالرمح مشتهراً

إلى يزيد اللعين الفاجر الكني

وابكوا بنات رسول الله بين بني

اللئام يشهرن في الأمصار والمدن

وابكوا على السيد السجاد معتقلاً

في أسره مستذلاً ناحل البدن

وا حر قلباه وا حزني لا بنته

سكينة حاسراً والدمع كالمزن

تقول واضيتي بعد الحُسين أبي

وا ذلتي وا عنا قلبي ووا حزني

أبعد صوني وخدري والحجاب أرى

جهراً وينظرني الطاغي ويرمقني

والطهر فاطمة الصغرى تنوح على

الحُسين نوح كئيب القلب ذي شجن

وتستغيث أباها يا أباه ترى

من ذا يجود على يتمي فيرحمني

وزينب أخته للخد لاطمة

تشكو إليه بقلب موجع حزن

أيا أخي يا ضيا عيني ويا أملي

فقدانكم يا كفيل اليوم ضيعني

يا واحدي يابن أمي يا حسين أما

ترى مقامي أيا حصني ومرتكن

أمسيت بين الأعادي لا كفيل ولا

مساعد في ملماتي يساعدني

يا كافلي يا أخي ما كان في خلدي

إنّي أراك ومنك الرأس في لدن

كلا ولا خلت يا حصني وملتجئي

هتكي وسبي ولا بعدي عن الوطن

يا ليت عيني قبل الآن قد عميت

وليتني قبل هذا اليوم لم أكن

أيا بن امي قد أورثتني كمداً

أو هي فؤادي وابلاني وانحلني

أيا كفيلي لقد عز الكفيل فمن

أرى نصيراً على الأعداء ينصرني

أيا نصيري لقد عز النصير فلا

أرى نصيرا على الأعداء ينصرني

وا ذلتي يا أخي من بعد عزك لي

هتكت بين أهل الظغن والأحن

يا ليتني قبل هذا ايوم في جدث

ولا أراك خضيب الشيب والذقن

وأم كلثوم تدعو وهي باكية

بمدمع هامل كالعارض الهتن

٢٤٩

أخي أخي يابن أمي يا حسين لقد

تجددت لي أحزان على حزن

أخي أخي بعد جدّي والوصي أبي

وفقدكم لثياب الحزن ألبسني

أخي أخي بعدكم من ذا ألوذ به

ومن يساعدني في حادث الزمن

أخي أخي بعد صوني يا حسين لقد

أصبحت أسبى كسبي الروم في المدن

فآه يا ضيعتي من بعد فقدك يا

حصني الحصين ويا سؤلي ويا سكني

يا ليت عين رسول الله ناظرة

إلي والفاجر الملعون يسلبني

يا ليت عين أمير المؤمنين أتى

بين الأعادي بهذا اليوم تنظرني

حسري مجردة وا ويلتاه فلا

أرى كفيلاً بهذا اليوم يكفلني

وتستغيث إلى الزّهراء فاطمة

بنت النّبي ودمع العين كالمزني

يا أم قومي من الأجداث نادبة

على الحُسين مقيم الفرض والسنن

يا أم قومي وانظري رأس الحُسين أخي

كالبدر يشرق فوق الذبل اللدن

يا أم قومي انظري السجاد معتقلاً

يساق نحو يزيد الفاجر الكني

فيا لها حسرة لا تنقضي أبداً

حتّى ترى حجّة الرحمن ذا المنن

سمي خير الورى المختار من مضر

خليفة الله فينا صاحب الزمن

الآخذ الثأئر من أهل العناد ومفني

كل رجس خؤون غير مؤتمن

الناصر للدين والمحيي معالمه

الناشر العدل في الأطراف والمدن

يزيل ما أسس الأرجاس من بدع

بالإفك منهم وبالأحقاد والظغن

يا حجّة الله يابن العسكري إلى

متى تكابد أهل البغي والفتن

عجل وخلص محبيك الضعاف فقد

تشرد الناس عن أهل وعن وطن

وما لهم ناصر مولاي غيرك يا

محيي فرائض دين الله والسنن

فخذ بنصرهم واشفي الغليل وخذ

بثأر جدك يا سؤلي ومرتكني

أيا بني الوحي والتنزيل يا أملي

يا من ولاهم غداً في القبر يؤنسني

حزني عليكم جديداً دائماً أبداً

ما دمت حياً إلى أن ينقضي زمني

وما تذكرت يوم الطف رزءكم

إلا تجدد لي حزن على حزن

وأصبح القلب منّي وهو مكتئب

والدمع منسكب كالعارض الهتن

لكم لكم يا بني المختار ذا أسفي

لا للتنائي عن الأهلين والوطن

٢٥٠

فهماكموها ولاة الأمر مرثية

من الكئيب العبير القلب ذو الشجن

يا عدتي واعتمادي والرجا ومن

هم أنيسي إذا أدرجت في كفني

إني بحبكم أرجو النجاة غداً

إذا أتيت وذنبي قد تكابدني

وعاينت مقلتي ما قدمته يدي

من الخطيات في سر وفي علن

لأن حبكم زاد لآخرتي

به إلهي من النيران ينقذني

صلّى عليكم إله العرش ما سجعت

حمامسة أو شدى ورق على غضن

الباب الثّاني

يا إخواني في الدّين , لو أحاط النّاس بفضل أولاد أمير المؤمنين , لذهلت عقولهم وغدوا والهين , كيف وقد جُمعت فيهم فضائل الأنبياء الـمُتقدّمين خصوصاً على أبيهم عليّ أمير المؤمنين(ع) , وقد قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : (( يا عليّ , لو لا خوفي أن تقول النّاس فيك كما قالت النّصارى في عيسى بن مريم , لقلت فيك مقالاً لا تمر بأحد إلّا وأخذ التّراب من تحت قدميك )) .ولهذا اُطلق عليهم لفظ الأشباح ؛ لأنّ الشّبح هو الذي ترى صورته ولا تعلم حقيقته .أو لا ترون يا أهل البصائر إلى رجل أخفى أعداءه فضائله ؛ بغضاً له , وستر أولياءه مناقبه ؛ خوفاً على أنفسهم , ثمّ ظهر بين هذين الاخفائين مناقب ملأت الخافقين ، ولقد أجاد ابن سرايا حيث ذكر له جمع بعض المزايا , حيث قال :

جمعت في صفاتك الأضداد

فلهذا عزت لك الأنداد

زاهد حاكم حليم شجاع

ناسك فاتك فقير جواد

خلق يشبه النسيم من اللطف

وبأس يذوب منه الجماد

شيم ما جمعن في بشر قط

ولا حاز مثلهم العباد

فلهذا تعمقت فيك أقوام

بأقوالهم فرانوا وزادوا

وغلت في صفات فضلك (يس

وطه) وآل ياسين وصاد

ظهرت منك للورى معجزات

فأقرت بفضلك الحساد

إن يكذب بها عداك فقد

كذب من قبل قوم لوط وعاد

أنت سر النّبي والصنو وبن

العم والصهر والأخ المستجاد

٢٥١

لو رأى مثلك النّبي لآخاه

وإلّا فائط الإنتقاد

فيكم بأهل النّبي ولم

يلق لكم خامساً سواه يزاد

كنت نفساً له وعرسك وإبناك

لديه النساء والأولاد

جل معناك أن يحمل به البشر

ويحصي صفاته النقاد

إنما الله عنكم أذهب الرجس

فردت بغيضها الأضداد

ذاك مدح الإله فيكم فإن

فهت بمدح فذاك قول يعاد

روي من طرقهم عن أحمد بن سعيد الثّقفي , قال : كُنّا يوماً وقوفاً على باب أبي نعيم الفضل بن دكين , ونحن جماعة فينا أحمد بن حنبل وغيره من نقلة الحديث ؛ نتوقع خروجه لنسمع منه ، فاطلع علينا من خوخة على باب داره , فقال : إنّ لي وعكة وعلّة صداع , فاعذروا وانصرفوا مأجورين .فقام إليه رجل فقال : مسألة .فقال : هاتها وأوجز .فقال : ما تقول في رجُل شهد أن لا إله إلّا الله , وأقرّ أنّ مُحمّداً رسول الله , وأقام الصّلاة وأتى الزّكاة , وصام شهر رمضان وحجّ البيت مع الأركان , وجاهد عند دعاء الحاجة إلى الجهاد , وأمر بالمعروف ونهى عن الـمُنكر , واجتهد بعد ذلك في أفعال الخير , ثمّ مات وهو لا يعرف ...أبي قحافة , هل مات مؤمناً ولا بأس فيما جهل .قال : فإن فعل مثل ذلك وهو لا يعرف الثّاني .فأجاب مثل الجواب الأول , قال : فإن فعل مثل ما تقدم ومات ولم يعرف عليّ بن أبي طالب .قال : لا يسعه ذلك , لأنّ الصّلاة لا تفتقر إلى ذكر غير عليّ كما تفتقر إلى ذكره , وقد كان من مُحمّد بمكان لا كغيره.

ومن طريقهم أيضاً عن سعد بن أبي وقاص , قال : أمر معاوية سعداً بالسّب , فأبى , فقال ما يمنعك أن تسبّ أبا تراب ؟ فقال : ثلاث قالهن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) فلن أسبّه , ولئن تكُن لي واحدة منهنّ أحبّ إليّ من حمر النّعم , سمعته يقول لعلي - وقد خلّفه في بعض مغازيه - فقال له عليّ (ع) : (( خلّفتني مع النّساء والصّبيان ؟ )) .فقال له رسول الله (ص) : (( أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى , إلّا أنّه لا نبي بعدي ؟ )) .وسمعته يقول (ص) يوم خيبر : (( لأعطينّ الرّاية غداً رجُلا يحبّه الله ورسوله ويحبّ الله ورسوله )) .قال : فتطاولنا إليها , فقال : (( ادعوا إليّ عليّ )) .فأتاه وبه رمد , فبصق في عينيه ودفع الرّاية إليه , ففتح الله عليه , ولـمّا نزلت( قُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ ) (١) ، دعا رسول الله (ص) فاطمة وعليّاً والحسن والحُسين , فقال (ص) : (( اللّهمّ هؤلاء أهلي )).

____________________

(١) سورة آل عمران / ٦١.

٢٥٢

حديث الكساء

روي عن فاطمة الزّهراء (عليها‌السلام ) بنت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ، قال : سَمِعتُ فَاطِمَةَ الزَّهراءِعليها‌السلام بِنتِ رَسُول اللهِ (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أَنِّها قالَت : (( دَخَلَ عَلَيَّ أبي رَسُولُ اللهِ (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) فِي بَعضِ الأيَّامِ , فَقَالَ : أَلسَّلامُ عَلَيكِ يا فاطِمَةُ .فَقُلتُ : وَعَلَيكَ السَّلامُ .قالَ : إنّي أَجِدُ في بَدَني ضَعفاً .فَقُلتُ لَهُ : أُعِيذُكَ باللهِ يا أَبَتاهُ مِنَ الضَّعفِ .فَقَالَ : يا فاطِمَةُ إِيتيني بِالكِساءِ اليَمانِيِّ فَغَطّينِي بهِ.فَأَتَيتُهُ بِالكِساءِ اليَمانِيِّ فَغَطّيتُهُ بِهِ وَصِرتُ أَنظُرُ إِلَيهِ , وَإِذا وَجهُهُ يَتَلَأ لَأ كَأَنَّهُ البَدرُ فِي لَيلَةِ تمامِهِ وَكَمالِهِ.

فَما كَانَت إِلّا ساعَةً وإذا بوَلَدِيَ الحَسَنِ قَد أَقبَلَ وَقالَ : أَلسَّلامُ عَلَيكِ يا أُمّاهُ .فَقُلتُ : وَعَلَيكَ السَّلامُ يا قُرَّةَ عَيِني وَثَمَرَةَ فُؤادِي .فَقالَ : يا أُمّاهُ , إِنّي أَشَمُّ عِندَكِ رائِحَةً طَيِّبَةً كَأَنَّها رائِحَةُ جَدِّي رَسُولِ اللهِ (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ؟ فَقُلتُ : نَعَم , إِنَّ جَدَّكَ تَحتَ الكِساء .فَأَقبَلَ الحَسَنُ نَحوَ الكِساء وَقالَ : أَلسَّلامُ عَلَيكَ يا جَدّاهُ يا رَسُولَ اللهِ , أَتَأذَنُ لي أَن أَدخُلَ مَعَكَ تَحتَ الكِساءِ ؟ فَقالَ: وَعَلَيكَ السَّلامُ يا وَلَدِي وَيا صاحِبَ حَوضِي قَد أَذِنتُ لَكَ .فَدَخَلَ مَعَهُ تَحتَ الكِساءِ.

فَما كانَت إِلّا سَاعَةً وَإِذا بِوَلَدِيَ الحُسَينِ (عليه‌السلام ) أَقبَلَ وَقال : أَلسَّلامُ عَلَيكِ يا أُمّاهُ .فَقُلتُ : وَعَلَيكَ السَّلامُ يا قُرَّةَ عَيِني وَثَمَرَةَ فُؤادِي .فَقالَ : يا أُمّاهُ , إِنّي أَشَمُّ عِندَكِ رائِحَةً طَيِّبَةً كَأَنَّها رائِحَةُ جَدّي رَسُولِ اللهِ (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ؟ فَقُلتُ : نَعَم , إِنَّ جَدَّكَ وَأَخاكَ تَحتَ الكِساءِ .فَدَنَا الحُسَينُ (عليه‌السلام ) نحوَ الكِساءِ وَقالَ : أَلسَّلامُ عَلَيكَ يا جَدَّاهُ يا مَنِ أختارَهُ اللهُ ، أَتَأذَنُ لي أَن أَكونَ مَعَكُما تَحتَ الكِساءِ ؟ فَقالَ : وَعَلَيكَ السَّلامُ يا وَلَدِي وَيا شافِع أُمَّتِي قَد أَذِنتُ لَكَ .فَدَخَلَ مَعَهُما تَحتَ الكِساء ، فَأَقبَلَ عِندَ ذلِكَ أَبو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَبي طالِبٍ وَقال : أَلسَّلامُ عَلَيكِ يا بِنتَ رَسُولِ اللهِ .فَقُلتُ : وَعَلَيكَ السَّلامُ يا أَبَا الحَسَن وَيا أَمِيرَ الـمُؤمِنينَ .فَقالَ : يا فاطِمَةُ , إِنّي أَشَمُّ عِندَكِ رائِحَةً طَيِّبَةً كَأَنَّها رائِحَةُ أَخي وَابِنِ عَمّي رَسُولِ اللهِ ؟ فَقُلتُ : نَعَم ها هُوَ مَعَ وَلَدَيكَ تَحتَ الكِساءِ .فَأقبَلَ عَلِيٌّ نَحوَ الكِساءِ وَقالَ : أَلسَّلامُ عَلَيكَ يا رَسُولَ اللهِ , أَتَأذَنُ لي أَن أَكُونَ مَعَكُم تَحتَ الكِساءِ ؟ قالَ لَهُ : وَعَلَيكَ السَّلامُ يا أَخِي وَيا وَصِيّيِ وَخَلِيفَتِي وَصاحِبَ لِوائِي , قَد أَذِنتُ لَكَ.

٢٥٣

فَدَخَلَ عَلِيٌّ تَحتَ الكِساءِ.

ثُمَّ أَتَيتُ نَحوَ الكِساءِ وَقُلتُ : أَلسَّلامُ عَلَيكَ يا أبَتاهُ يا رَسُولَ الله , أَتأذَنُ لي أَن أَكونَ مَعَكُم تَحتَ الكِساءِ ؟ قالَ : وَعَليكَ السَّلامُ يا بِنتِي وَيا بَضعَتِي , قَد أَذِنتُ لَكِ .فَدَخَلتُ تَحتَ الكِساءِ ، فَلَمَّا اكتَمَلنا جَمِيعاً تَحتَ الكِساءِ , أَخَذَ أَبي رَسُولُ اللهِ بِطَرَفَيِ الكِساءِ وَأَومَأَ بِيَدِهِ اليُمنى إِلىَ السَّماءِ , وقالَ : أَللّهُمَّ , إِنَّ هؤُلاءِ أَهلُ بَيتِي وخَاصَّتِي وَحَامَّتي ، لَحمُهُم لَحمِي وَدَمُهُم دَمِي، يُؤلِمُني ما يُؤلِمُهُم وَيُحزِنُني ما يُحزِنُهُم ، أَنَا حَربٌ لِمَن حارَبَهُم وَسِلمٌ لِمَن سالَمَهُم , وَعَدوٌّ لِمَن عاداهُم وَمُحِبٌّ لِمَن أَحَبَّهُم ، إنًّهُم مِنّي وَأَنا مِنهُم , فَاجعَل صَلَواتِكَ وَبَرَكاتِكَ وَرَحمَتكَ وغُفرانَكَ وَرِضوانَكَ عَلَيَّ وَعَلَيهِم , وَاَذهِب عَنهُمُ الرَّجسَ وَطَهِّرهُم تَطهِيراً.

فَقالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ : يا مَلائِكَتي وَيا سُكَّانَ سَماواتي , إِنّي ما خَلَقتُ سَماءً مَبنَّيةً وَلا أرضاً مَدحيَّةً , وَلا قَمَراً مُنيراً وَلا شَمساً مُضيِئةً , وَلا فَلَكاً يَدُورُ وَلا بَحراً يَجري وَلا فُلكاً يَسري , إِلّا في مَحَبَّةِ هؤُلاءِ الخَمسَةِ الَّذينَ هُم تَحتَ الكِساء ِ .فَقالَ الأَمِينُ جِبرائِيلُ : يا رَبِّ , وَمَنْ تَحتَ الكِساءِ ؟ فَقالَ عَزَّ وَجَلَّ : هُم أَهلُ بَيتِ النُّبُوَّةِ وَمَعدِنُ الرِّسالَةِ , هُم فاطِمَةُ وَأَبُوها وَبَعلُها وَبَنوها.فَقالَ جِبرائِيلُ : يا رَبِّ , أَتَأذَنُ لي أَن أَهبِطَ إلىَ الأَرضِ لأِكُونَ مَعَهُم سادِساً ؟ فَقالَ اللهُ : نَعَم قَد أَذِنتُ لَكَ.

فَهَبَطَ الأَمِينُ جِبرائِيلُ وَقالَ : أَلسَّلامُ عَلَيكَ يا رَسُولَ اللهِ ، العَلِيُّ الأَعلَى يُقرِئُكَ السَّلامَ ، وَيَخُصُّكَ بِالتًّحِيَّةِ وَالإِكرَامِ وَيَقُولُ لَكَ : وَعِزَّتي وَجَلالي , إِنّي ما خَلَقتُ سَماءً مَبنيَّةً ولا أَرضاً مَدحِيَّةً , وَلا قَمَراً مُنِيراً وَلا شَمساً مُضِيئَةً , ولا فَلَكاً يَدُورُ ولا بَحراً يَجري وَلا فُلكاً تَسري , إِلّا لِأجلِكُم وَمَحَبَّتِكُم ، وَقَد أَذِنَ لي أَن أَدخُلَ مَعَكُم ، فَهَل تَأذَنُ لي يا رَسُول الله ِ؟ فَقالَ رَسُولُ الله : وَعَلَيكَ السَّلامُ يا أَمِينَ وَحيِ اللهِ ، إِنَّهُ نَعَم قَد أَذِنتُ لَكَ .فَدَخَلَ جِبرائِيلُ مَعَنا تَحتَ الكِساءِ ، فَقالَ لأِبي : إِنَّ اللهَ قَد أَوحى إِلَيكُم يَقولُ :( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (١) .

فَقالَ : عَلِيٌّ لِأَبِي : يا رَسُولَ اللهِ , أَخبِرنِي ما لِجُلُوسِنا هَذا تَحتَ الكِساءِ مِنَ الفَضلِ عِندَ اللهِ ؟ فَقالَ النَّبيُّ (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : وَالَّذي بَعَثَنِي بِالحَقِّ نَبِيّاً وَاصطَفانِي بِالرِّسالَةِ نَجِيّاً ، ما ذُكِرَ خَبَرُنا هذا فِي مَحفِلٍ مِن مَحافِل أَهلِ الأَرَضِ ,

____________________

(١) سورة الأحزاب / ٣٣.

٢٥٤

وَفِيهِ جَمعٌ مِن شِيعَتِنا وَ مُحِبِيِّنا , إِلّا وَنَزَلَت عَلَيهِمُ الرَّحمَةُ ، وَحَفَّت بِهِمُ الـمَلائِكَةُ وَاستَغفَرَت لَهُم إِلى أَن يَتَفَرَّقُوا .فَقالَ عَلِيٌّ (عليه‌السلام ) : إذَاً وَاللهِ فُزنا وَفازَ شِيعَتنُا وَرَبِّ الكَعبَةِ .فَقالَ أَبي رَسُولُ اللهِ (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : يا عَلِيُ , وَالَّذي بَعَثَني بِالحَقِّ نَبِيّاً وَاصطَفاني بِالرِّسالَةِ نَجِيّا ، ما ذُكِرَ خَبَرُنا هذا في مَحفِلٍ مِن مَحافِلِ أَهلِ الأَرضِ , وَفِيهِ جَمعٌ مِن شِيعَتِنا وَمُحِبّيِنا وَفِيهِم مَهمُومٌ , إِلّا وَ فَرَّجَ اللهُ هَمَّهُ وَلا مَغمُومٌ إِلّا وَكَشَفَ اللهُ غَمَّهُ وَلا طالِبُ حاجَةٍ إِلّا وَقَضى اللهُ حاجَتَهُ .فَقالَ عَلِيٌّ (عليه‌السلام ) : إذَاً والله فُزنا وَسُعِدنا ، وَكَذلِكَ شِيعَتُنا فَازوا وَسُعِدوا في الدُّنيا وَالآخِرَةِ وَ رَبِّ الكَعبَةِ )).

ولله درّ بعض من قال من الرّجال في مدح عليّ (عليه‌السلام ) حين طاف حول قبره (عليه‌السلام ) :

هو الشمس ام نور الضريح يلوح

هو المسك أم طيب الوصي يفوح

وبحر ندى أم روضة حوت الهدى

وآدم أم سر المهيمن نوح

وداود هذا أم سليمان بعده

وهارون ام موسى العصى ومسيح

وأحمد هذا الـمُصطفى أم وصيه

على نماه هاشم وذبيح

حبيب حبيب الله بل سر سره

وعين الورى بل للخلائق روح

له النص من يوم الغدير ومدحه

من الله في الذكر المبين صريح

إمام إذا ما المرء جاد يحبه

فميزانه يوم المعاد رجيح

له شيعة مثل النجوم زواهر

إذا جادلت تلقى العدو طريح

عليك سلام الله يا راية الهدى

سلام سليم يغتدي ويروح

روي عن سلمان الفارسي , قال : اُهدي إلى النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قطف من العنب في غير أوانه , فقال لي : (( يا سلمان , آتيني بولدي الحسن والحُسين ؛ ليأكلا معي من هذا العنب )) .قال سلمان الفارسي : فذهبت أطرق عليهما منزل اُمّهما فلم أرهما , فأتيت منزل أختهما اُمّ كلثوم فلم أرهما , فجئت فخبرت النّبي بذلك , فاضطرب ووثب قائماً وهو يقول : (( وا ولداه ! وا قرّة عيناه ! مَن يرشدني عليهما فله على الله الجنّة )) .فنزل جبرائيل من السّماء وقال : يا مُحمّد , علام هذا الانزعاج ؟ فقال : (( على ولدي الحسن والحُسين ؛ فإنّي خائف عليهما من كيد اليهود )) .فقال جبرائيل : يا

٢٥٥

مُحمّد , بل خف عليهما من كيد الـمُنافقين ؛ فإنّ كيدهم أشدّ من كيد اليهود ، واعلم يا مُحمّد , إنّ ابنيك الحسن والحُسين نائمان في حديقة أبي الدّحداح .فسار من وقته وساعته إلى الحديقة وأنا معه حتّى دخلنا الحديقة , وإذا هُما نائمان وقد اعتنق أحدهما الآخر , وثعبان في فيه طاقة ريحان يروح بها وجهيهما ، فلمّا رأى الثّعبان النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , ألق ما كان في فيه , وقال : السّلام عليك يا رسول الله , لست أنا ثعباناً ولكنّي ملك من ملائكة الله المكروبين , غفلت عن ذكر ربّي طرفة عين , فغضب عليّ ربّي ومسخني ثعبان كما ترى , وطردني من السّماء إلى الأرض , ولي منذ سنين كثيرة أقصد كريماً على الله فأسأله أن يشفع لي عند ربّي ؛ عسى أن يرحمني ويعيدني ملكاً كما كنت أوّلاً إنّه على كلّ شيءٍ قدير .قال فجثي النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) يقبّلهما حتّى استيقظا , فجلسا على ركبتي النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , فقال لهما النّبي (ص) : (( انظرا يا ولدي , هذا ملك من ملائكة الله المكروبين , قد غفل عن ذكر ربّه طرفة عين , فجعله الله هكذا , وأنا مستشفع إلى الله تعالى بكما فاشفعا له )) .فوثب الحسن والحُسين (عليهما‌السلام ) فاصبغا الوضوء وصلّيا ركعتين , وقالا : (( اللّهمّ , بحقّ جدّنا الجليل الحبيب مُحمّد الـمُصطفى , وبأبينا عليّ الـمُرتضى, وباُمّنا فاطمة الزّهراء , إلّا ما رددته إلى حالته الأولى )) .قال : فما استتم دعاؤهما , وإذا بجبرائيل قد نزل من السّماء في رهط من الملائكة , وبشرّ ذلك برضى الله عليه وبردّه إلى سيرته الأولى ، ثمّ ارتفعوا به إلى السّماء وهم يُسبّحون الله تعالى ، ثمّ رجع جبرائيل (عليه‌السلام ) إلى النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وهو مُبتسم وقال : يا رسول الله , إنّ ذلك الملك يفتخر على ملائكة السّبع السّماوات , ويقول لهم : مَن مثلي وأنا في شفاعة السّيدين السّبطين.

فعلى الأطائب من أهل بيت الرّسول فليبك الباكون , وإيّاهم فليندب النّادبون , ولمثلهم فلتذرف الدّموع من العيون , أو لا تكونون كبعض مادحيهم حيث عرته الأحزان والأشجان , فنظم وقال فيهم :

القصيدة للشيخ عبد الله بن داوُد الدّرمكي

أسهر طرفي وانحل البدنا

واجتاح صبري وزادني حزنا

وحول القلب من مساكنه

وصير النايبات لي سكنا

ذكر غريب الطفوف يوم سرى

بالأهل والمال يعنف البدنا

إلى الذي كاتبوه واجتهدوا

أن يقتلوه ويخربوا الوطنا

٢٥٦

فحين لمـّا أتى مخبرهم

بأنه قد أجابهم ودنا

تألبوا للقتال واجتهدوا

واتخذوا دون ربهم وثنا

فقال مولاي لا أبا لكم

لم خنتم عهدنا وموثقنا

أما كتبتم إلى أنكم

من بعض أنصارنا وشيعتنا

قالوا له كف ما لنا كتب

ولا بعثنا بأن تقاربنا

لكن زورت ما أتيت به

تريد يا بن البتول تخدعنا

نسيت في يوم بدر ما صنعت

كف عليّ وفي حنين بنا

أباد أبطالنا بصارمه

وقدّ بالمشرفي ساداتنا

فاصبر لأخذ الحقوق منك فقد

أوقعك الدهر في مخالبنا

فقال لي صبراً على جلادكم

فالله حرب لمن يحاربنا

إن قيل من أشرف الورى نسباً

وأصبر العالمين قلت أنا

أنظر إلى ماء الفرات كيف به

الخنزير والكلب يمرغ البدنا

ولم أذق منه شربة وإذا

سطوت في الحرب ما ونيت أنا

إن كان أغررتم بكثرتكم

فلا نولي إذا لقلتنا

وصطفت القوم للقتال معاً

وكل ضد لضدّه كمنا

وامتد جنح القيام بينهما

فما ترى العين للنهار سنا

ما كان إلّا هنيئة فإذا

السبط وحيد وما له قرنا

ينظر أصحابه على ظما

بين ذبيح وطائح طعنا

قد صبغ الترب من دمائهم

وما غنوا عن الحُسين غنا

فقال وا حسرتاه لفقدكم

فرقنا الدهر بعد الفتنا

وأم نحو الخيام مبتدراً

ودمع عينيه يحرق الردنا

يقول ودعتكم إلاهكم

يا أهل بيتي أرى الفراق دنا

فلتاح للطاهرين منطقة

منكسر القلب باكياً حزنا

فأقبلت زينب تقول له

في يد من يا حسين تتركنا

أراك يا بن البتول منكسر

بمثل هذا الكلام تزعجنا

فقال أنصارنا غدو زمراً

وانتهكت بالطفوف حرمتنا

٢٥٧

أوصيك خيراً إذا قتلت فلا

تقاربوا كل من يدنسنا

فنشركم للشعور نكرهه

وشقكم للجيوب يوكسنا

نحن بنو الـمُصطفى وعترته

والله قد عزنا وشرفنا

فاستعلى الصبر دائماً أبداً

فالصبر في النائبات شيمتنا

قالت عزيز عليّ يا أملي

صبري على حزننا وغربتنا

من ذا يفك الأسير بعدك أو

يكفل أيتامنا ويؤنسنا

ويشترينا ببذل مهجته

أو يتقي الله عن هضيمتنا

فضمها رحمة وقبلها

وقال سيري إلى مضاربنا

فمذ رأته النساء يلثمها

وهي تناديه وا شقاوتنا

مالوا إلى جزهم شعورهم

وأكثروا من مقال وا حزنا

فانتحب السبط رحمة لهم

وقال للنائبات مقدمنا

لا تحرقوني بدمعكم فلقد

أبيح للمعضلات جانبنا

والله ضرب السيوف في جسدي

أهون من ذلنا وشهرتنا

أخاف بعد الخدور تنهتكوا

في يد من خاننا وخادعنا

قالوا له يا حسين راجعهم

لعلهم يعرفون موضعنا

ويوصلونا بشربة فلقد

أحرق حرّ الأوام مهجتنا

قال عسى الله وانثنى عجلاً

يقول هل ناصر فينصرنا

هل فيكم محسن نلوذ به

هل فيكم راحم فيرحمنا

نموت يا قوم بينكم عطشاً

ما تحذروا الله في تعطشنا

قالوا له يا حسين مت ظمأ

لا تعترينا ولا تماطلنا

نسقيك طعن الرماح في عجل

وأوجع الضرب من صوارمنا

ودارت القوم حوله حلقاً

كل يناديه صرت في يدنا

وانتهبوا بالنبال جثته

وخبطوا من دمائه الذقنا

وجاءه الشمر مسرعاً عجلاً

ورجله فوق منكبيه ثنى

فاقبلت زينب تقول له

يا شمر يا شمر خل سيدنا

يا شمر نفديه النفوس فإن

قتلته فالمصاب يقتلنا

٢٥٨

يا شمر درّ الحسام عن دمه

وفي جنان عداً تجاورنا

فقال خلوا لكم جنانكم

لا أبتغي دون قتله ثمنا

وميز الرأس ثمّ شال به

قابض منه بكفه الأذنا

وخلف الجسم عارياً شحباً

من حركات الحياة قد سكنا

فلو ترى فاطماً تقبله

أصابعه من دمائه الردنا

قائلة يا أخي مصابك قد

أسهر أجفاننا وأنحلنا

عزّ عليّ جدنا ووالدنا

وأمنا أن ترى وعمتنا

إذ كل شخص تراه يسلبنا

وبعد سلب الثياب يضربنا

وإن يروك الغداة منجدلا

معفراً في التراب مرتهنا

يا عمتاه قربوا جهازهم

ما تنظري في جوار سيدنا

قالت فما حيلتي وخيلهم

تجري على صدره وتدفعنا

لكن تنادي عليه وابتدرت

تقول يا قوم من يكرمنا

غريب مقتول ما له أحد

من ذا على دفنه يساعدنا

من يكسب الأجر من يلحده

ومن يعبي الحنوط والكفنا

فلم يجبها من الورى أحد

فقالت الغوث من مصيبتنا

أودعتك الله يا حسين متى

يا سيّدي باللقا تواعدنا

وزينب في النساء قائلة

أين مراد المنافقين بنا

لم يكفهم ذلنا وغربتنا

فالشتم والضرب فوق عاتقنا

يسيرونا على المطي بلا

ستر وفي كسبهم براقعنا

يا ويلهم ما أشد كفرهم

ما يرحمونا لوجه خالقنا

يا حادي العيس لا رحمت فكم

في السير يا بن الزنيم تعنفنا

كم نطلب الرفق ما نحصله

والرأس فوق القناة يقدّمنا

وا ذلنا بعدهم وغربتهم

وا طول تشتيتنا ومحنتنا

يا آل بيت النّبي رزءكم

أنحل أبداننا وأزعجنا

قد حول الكل من مسرتنا

وقبل أن المشيب شيبتنا

لا رحم الله من معى لكم

في الظلم قدماً ومن عليه بنا

٢٥٩

ويل ابن سلما وويل صاحبه

قد فتنا العالمين وافتتنا

فلعنة الله لا تزال على

روحيهما عد من قصي ودنا

ومن توالاهما ومال إلى

قوليهما وإليهما ركنا

يا صفوة الله لا نظير لكم

يا من بهم سميت مناً بمنى

عبدكم الدرمكي باعكم

مهجته إذ نقدتم الثمنا

في قولهم لا يخاف من مسكت

كفاه في حشره ولايتنا

يا آل طه وهل (أتى) (وسب)

ومن إلى قصدهم توجهنا

صلّى عليكم إلهكم أبدا

ما صاح طير وما علا غصنا

الباب الثّالث

أو لا ينتبه من الضّلال من رغب عن الآل وتحمّل الذّنوب الثّقال , أم على القلوب الأقفال ؟ ولكن اعلموا رحمكم الله وهداكم الطّريق القويم والصّراط المُستقيم , إنّ أهل البيت ومَن تابعهم من الأنام , لم يزالوا مُضطهدين في الدُنيا إلى يوم القيامة والرّزايا تعمّهم ؛ ليعظم لهم الثّواب ويوفون بأجورهم يوم الحساب , وليس سبي الذرّيّة وقتل العترة النّبويّة بأوّل منكر نهض أهل الشّنآن إليه وحملهم الشّيطان عليه , بل تقدّمته أحوال كانت له كالأساس وترتّب عليها هذا الرّزء , فكان أعظم منها على النّاس.

روي : أنّه لمـّا جاءت فاطمة إلى أبي بكر وكلّمته في أمر فدك والعوالي , قال لها : يا بنت رسول الله , ما أورثكي أبوك لا درهماً ولا ديناراً , وأنّه قال : الأنبياء لا يورّثون .فقالت له : (( يا أبا بكر , إنّ فدكاً والعوالي قد وهبهما لي أبي رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) )) .فقال لها : مَن يشهد لك بذلك ؟ فجاء عليّ فشهد لها بذلك , ثمّ جاءت اُمّ أيمن فقالت : يا أبا بكر , إنّ السّماء تشهد إنّي من أهل الجنّة , وإنّي ما أقول إلّا حقّاً , وإنّي أشهد أنّ رسول الله أعطى فدكاً والعوالي لابنته فاطمة .فقال أبو بكر : يا بنت رسول الله , صدق عليّ وصدقت , ولكن رسول الله يدفع إليكم من فدك والعوالي قوتكم , ويُقسّم الباقي على المؤمنين من أصحابه , وينفق الباقي في سبيل الله , وأنت فما تصنعين بها ؟ فقالت : (( وأنا أصنع بها ما كان يصنع بها أبي )).فارتجّ الأمر بينهم وغضب أبو بكر من قولها وخرجت فاطمة ,

٢٦٠