الـمُنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري)

الـمُنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري)16%

الـمُنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري) مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 493

الـمُنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري) الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 493 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 70397 / تحميل: 5604
الحجم الحجم الحجم
الـمُنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري)

الـمُنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري)

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

الله بعليّ , وهو أشرف أهل بيتك حسباً , وأعلاهم منصباً , وأرحمهم بالرّعية , وأعدلهم بالسّوية , وأبصرهم بالقضية .وقد سألت ربّي أن تكوني أوّل من يلحقني )) .فلم تبقَ بعده إلّا خمسة وسبعون يوماً , حتّى ألحقها الله به.

وبالإسناد المذكور قال : قال رسول لله (ع) : (( فيأتي المهدي وقد نزل عيسى بن مريم كأنّما يقطر من شعره الماء , فيقول المهدي : تقدّم صلّ بالنّاس .فيقول عيسى : إنّما اُقيمت الصّلاة لك .فيُصلّي عيسى ثمّ خلفه رجل من ولدي , فإذا صُلّيت الصّلاة , قام عيسى حتّى جلس في المقام فبايعه , فيمكث أربعين سنة )) أوّل الآيات في زمان الدّجال , ثمّ نزول عيسى , ثمّ نار تخرج من بحر عدن تسوق النّاس إلى المحشر.

فيا إخواني , أيّ فضل أعظم من فضل أئمتكم ؟ وأيّ حقّ أوجب من حقّ صفوتكم ؟ شهد القرآن بفضلهم وأكّد الله على النّاس بحقّهم , فقال - فيما أوحى على لسان الرّسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) - :( قُل لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلّا الْمَوَدّةَ فِي الْقُرْبَى ) (١) .فجعل جزاء الإسلام والخلاص من النّار محبّة الآل الأطهار , فانظروا إلى البلاء الذي رُفع بسبب مودّتهم عنكم , ولكن على قدرة المحبّة لهم منكم , ولله درّ مَن قال :

وإني قد علقت بحب قوم

إذا ناداهم المضطر جاءوا

هم القوم الذي إذا ألمت

من الأيام مظلمة أضاءوا

وإن بلادهم ما قد علمتم

على الأيام أن يقع البلاء

بمديحهم يسعتين المادحون , فيتسع لهم المقال فيما يقول , كأنّ لهم الصّيب الكامل , بل الكلّ لديهم حاصل , وإن كان لغيرهم شيء من الشّرف , فمن بحرهم أخذ واغترف.

روى جمع من الصّحابة قالوا : دخل النّبي دار فاطمة فقال : (( يا فاطمة , إنّ أباك اليوم ضيفك )) .فقالت : (( يا أبة , إنّ الحسن والحُسين يطالباني بشيء من الزّاد , فلم أجد لهما شيئاً يقتاتان به )) .ثمّ إنّ النّبي دخل وجلس مع ؛ عليّ والحسن والحُسين وفاطمة (عليهم‌السلام ) , وفاطمة مُتحيّرة ما تدري كيف تصنع , ثمّ إنّ النّبي نظر إلى السّماء ساعة , وإذا بجبرائيل قد نزل وقال : يا مُحمّد , العلي الأعلى يقرؤك السّلام ويخصّك بالتّحية والإكرام ويقول لك : (( قُل لعليّ وفاطمة والحسن والحُسين , أيّ شيء يشتهون من فواكه الجنّة ؟ )) .فقال النّبي : (( يا عليّ ويا فاطمة ويا حسن ويا حُسين , إنّ ربّ العزّة

____________________

(١) سورة الشّورى / ٢٣.

٢١

علم أنّكم جياع , فأيّ شيء تشتهون من فواكه الجنّة ؟ )) .فأمسكوا عن الكلام ولم يردّوا جواباً ؛ حياء من النّبي (ص) , فقال الحُسين (ع) : (( عن إذنك يا أباه يا أمير المؤمنين , وعن إذنك يا اُمّاه يا سيدة نساء العالمين , وعن إذنك يا أخاه الحسن الزّكي , أختار لكم شيئاً من فواكه الجنّة ؟ )) .فقالوا جميعاً (عليهم‌السلام ) : (( قُل يا حُسين ما شئت , فقد رضينا بما تختاره لنا )) .فقال : (( يا رسول الله , قُل لجبرائيل إنّا نشتهي رُطباً جنيّاً )) .فقال النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : (( قد علم الله ذلك )) .ثمّ قال : (( يا فاطمة , قومي ادخلي البيت واحضري إلينا ما فيه )) .فدخلت فرأت فيه طبقاً من البلّور مُغطّى بمنديل من السّندس الأخضر , وفيه رُطب جني في غير أوانه , فقال النّبي : (( أنّى لك هذا ؟! )) .قالت : (( هو من عند الله , إنّ الله يرزق من يشاء بغير حساب )) .(كما قالت بنت عمران) .فقام النّبي وتناوله منها وقدّمه بين أيديهم , ثمّ قال : (( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ )) .ثمّ أخذ رطبة فوضعها في فم الحُسين , فقال : (( هنيئاً مريئاً يا حُسين )) .ثمّ أخذ رطبة فوضعها في فم الحسن , وقال : (( هنيئاً مريئاً يا حسن )) .ثمّ أخذ رطبة ثالثة فوضعها في فم فاطمة الزّهراء ، وقال : (( هنيئاً مريئاً لك يا فاطمة الزّهراء )) .ثمّ أخذ رطبة رابعة فوضعها في فم عليّ , وقال : (( هنيئاً مريئاً لك يا عليّ )) .ثمّ ناول عليّاً رطبة اُخرى , والنّبي يقول له : (( هنيئاً لك يا عليّ )) .ثمّ وثب النّبي قائماً ثمّ جلس , ثمّ أكلوا جميعاً من ذلك الرُطب , فلمّا اكتفوا وشبعوا , ارتفعت المائدة إلى السّماء بإذن الله تعالى , فقالت فاطمة : (( يا أبة , لقد رأيت اليوم منك عجباً ! )) .فقال : (( يا فاطمة , أمّا الرّطبة الأولى التي وضعتها في فم الحُسين وقلت له : هنيئاً يا حُسين .فإنّي سمعت ميكائيل وإسرافيل يقولان : هنيئاً لك يا حُسين .فقلت أيضاً موافقاً لهما بالقول : هنيئاً لك يا حُسين .ثمّ أخذت الثّانية فوضعتها في فم الحسن , فسمعت جبرائيل وميكائيل يقولان : هنيئاً لك يا حسن .فقلت أنا موافقاً لهما في القول , ثمّ أخذت الثّالثة فوضعتها في فمك يا فاطمة , فسمعت الحور العين مسرورين مشرفين علينا من الجنان , وهنّ يقلنّ : هنيئاً لك يا فاطمة .فقلت موافقاً لهنّ بالقول , ولـمّا أخذت الرّابعة فوضعتها في فم عليّ , سمعت النّداء من الحقّ سبحانه وتعالى يقول : هنيئاً مريئاً لك يا عليّ .فقلت موافقاً لقول الله عزّ وجلّ , ثمّ ناولت عليّاً رطبة اُخرى ثمّ اُخرى , وأنا أسمع صوت الحقّ سبحانه وتعالى يقول : هنيئاً مريئاً لك يا عليّ .ثمّ قمت إجلالاً لرّب العزّة جلّ جلاله , فسمعته يقول : يا

٢٢

محمّد , وعزّتي وجلالي , لو ناولت عليّاً من هذه السّاعة إلى يوم القيامة رُطبة رُطبة , لقلت له هنيئاً مريئاً بغير انقطاع )).

فيا إخواني , هذا هو الشّرف الرّفيع والفضل المنيع , ولله درّ مَن قال :

لمثل علاهم ينتهي المجد والفخر

وعند نداهم يخجل الغيث والبحر

وعمر سواهم في العلى مثل يومهم

إذا ما علا قدراً ويومهم عمر

وأيامهم بيض إذا اسود حادث

وأسيافهم حمر وأكنافهم خضر

ملكتم فلا عدوى حكمتم فلاهوى

علمتم فلا دعوى علوتم فلا كبر

وذكركم في كل شرق ومغرب

على الناس يتلى كلما تلي الذكر

فيا إخواني , كيف الصّبر ل ـ مَن يتأمّل مولاه الحُسين (عليه‌السلام ) واقفاً في عرصة كربلاء , وهو ينادي : (( ألا هل من نصير ينصر آل مُحمّد المختار ؟ ألا هل من ذاب يذبّ عن الذرّيّة الأطهار ؟ أين الثُقاة البررة ؟ أين الأتقياء ؟ أين مَن أوجب حقّاً عليه الإسلام ؟ أين الوصيّة فينا من الرّسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ؟ )).

فوا عجباه من غفلة أهل هذا الزّمان واشتغالهم عن إقامة عزاء الشّهيد العطشان ! وما عذر أهل الإيمان في إضاعة البكاء والأحزان على سيّد شباب أهل الجنان ونسل سيّد ولد عدنان , ألم يعلموا أنّ النّبي (ص) أضحى لمصابه موتوراً ولقتله مضطهداً مقهوراً ؟!

وكيف لا نبكي لبكاء الزّهراء (عليها‌السلام ) ؟! وكيف لا نحزن لحزن الـمُرتضى ؟! وكيف لا ننوح لقتل الإمام المنبوذ بالعراء ؛ لنفوز بثواب هذا المصاب ونحوز الجنّة يوم المآب.

فعلى الأطائب من أهل بيت الرّسول فليبك الباكون , وإيّاهم فليندب النّادبون , ولمثلهم تذرف الدّموع من العيون , أو لا تكونون كبعض مادحيهم حيث عرته الأحزان وتتابعت عليه الأشجان , فنظم وقال فيهم.

القصيدة للشيخ الجليل ابن حماد:

أهجرت يا ذات الجمال دلالا

وجعلت جسمي للصدود خيالا

وسقيتني كأس الفراق مرارة

ومنعت عذب رضا بك السلسالا

أسفاً كما منع الحُسين بكربلا

ماء الفرات وأوسعوه خيالا

وسقوه أطراف الأسنة والقنا

ويزيد يشرب في القصور زلالا

لم أنس مولاي الحُسين بكربلا

ملقى طريحاً بالدماء رمالا

٢٣

واحسرتا كم يستغيث بجده

والشمر منه يقطع الأوصالا

ويقول يا جداه ليتك حاضراً

فعساك تمنع دونا الأنذالا

ويقول للشمر اللعين وقد علا

صدراً تربى في تقى ودلالا

يا شمر تقتلني بغير جناية

حقاً ستجزى في الجحيم نكالا

فاحتز بالغضب المهند رأسه

ظلماً وهز برأسه العسالا

وعلا به فوق السنان وكبروا

لله جلّ جلاله وتعالى

فارتجت السبع الطباق وأظلمت

وتزلزلت لمصابه زلزالا

وبكين أطباق السماء وأمطرت

أسفاً لمصرعه دما قد سالا

يا ويلكم اتكبرون لفقد من

قتلوا به التكبير والتهليلا

تركوه شلواً في الفلاة وصيروا

للخيل في جسد الحُسين مجالا

ولقد عجبت من الإله وحلمه

في الحال جلّ جلاله وتعالى

كفروا فلم يخسف بهم أرضاً بما

فعلوا وأمهلهم به إمهالا

وغدا الحصان من الوقيعة عارياً

ينعي الحُسين وقد مضى إجفالا

متوجهاً نحو الخيام مخضباً

بدم الحُسين وسرجه قد مالا

وتقول زينب ياسكينة قد أتى

فرس الحُسين فانظري ذا الحالا

قامت سكينة عاينته محمحماً

ملقي العنان فأعولت إعوالا

فبكت وقالت وا شماتة حاسدي

قتلوا الحُسين وأيتموا الأطفالا

يا عمتاه جاء الحصان مخضباً

بدم الشهيد ودمعه قد سالا

لما سمعن الطاهرات سكينة

تنعي الحُسين وتظهر الأعوالا

ابرزن من وسط الخدور صوارخا

يندبن سبط محمّد المفضالا

فلطمن منهن الخدود وكشفت

منها الوجوه وأعولت إعوالا

وخمشن منهن الوجوه لفقد من

نادى مناد في السماء وقالا

قتل الإمام ابن الإمام بكربلا

ظلماً وقاسى منهم الأهوالا

وتقول يا جداه نسل اُميّة

قتلوا الحُسين وذبحوا الأطفالا

يا جدنا فعلوا علوج اُمية

فعلا شنيعاً يدهش الأفعالا

يا جدنا هذا الحُسين بكربلا

قد بضعوه أسنة ونصالا

٢٤

ملقى على شاطئ الفرات مجدلا

في الغاضرية للورى أمثالا

ثم استباحوا في الطفوف حريمه

نهبوا السراة وقوضوا الاجمالا

وغدوا بزين العابدين مكتفاً

فوق المطية يشتكي الأهوالا

يبكي أباه بعبرة مسفوحة

أسروه مضنى لا يطيق نزالا

وأتوا به نحو الخيام واُمّه

تبكي وتسحب خلفه الأذيالا

وتقول ليت الموت جاء ولم أرى

هذي الفعال وانظر الأنذالا

لو كان والده عليّ المرتضى

حياً لجندل دونه الأبطالا

ولفر جيش المارقين هزيمة

من سيفه لا يستطيع قتالا

يا ويلكم فستسحبون أذلة

وستحملون بفعلكم أثقالا

فعلى ابن سعد واللعين عبيدة

لعن تجدد لا يزول زوالا

وعلى محمّد ثم آل محمّد

روح وريحان يدوم مقالا

وعليهم صلّى المهيمن ما حدا

في البيد ركبان تسير عجالا

فمتى تعود لآل أحمد دولة

ونرى لملك الظالمين زوالا

يا آل أحمد أنتم سفن النجا

وأنا وحقكم لكم أتوالا

أرجوكم لي في المعاد ذريعة

وبكم أفوز وأبلغ الآمالا

فلأنتم حجج الإله على الورى

من لم يقل ما قلت قال محالا

والله أنزل هل أتى في مدحكم

والنمل والحجرات والأنفالا

والمرتقى من فوق منكب أحمد

منكم ولو رام السماء لنالا

وعليكم نزل الكتاب مفضلا

والله أنزله لكم إنزالا

نص بإذن الله لا من نفسه

ذو العرش به نص لكم إفضالا

فتكلم المختار لما جاءه

من ربه جبريلهم إرسالا

إذ قال هذا وارثي وخليفتي

في اُمّتي فلتسمعوا ما قالا

أفديكم آل النّبي بمهجتي

وأبي وأبذل فيكم الأموالا

وأنا ابن حماد وليكم الذي

لم يرض غيركم ولم يتوالا

أصبحت معتصماً بحبل ولائكم

جسداً وإن قصر الزمان وطالا

وأنا الذي أهواكم يا سادتي

أرجو بذاك عناية ونوالا

بعد الصلاة على النّبي محمّد

ما غرد القمري وأرخى البالا

٢٥

المجلس الثّاني

في أوّل يوم من عشر الـمُحرّم

وفيه أبواب ثلاثة

الباب الأوّل

يا إخواني , لو تصوّر الـمُحب لآل الرّسول , ما لاقوا من الخطب المهول , لاختاروا الموت والفنا على الحياة والبقا ، وكيف لا , والحُسين (عليه‌السلام ) مجدّل فوق الرّمال , معلّى رأسه على رأس رمح ميّال , وذراريه تُسبى حسراً على الجمال , يُطاف بهم في البلاد مقيّدين في الأصفاد , كلّ هذا والدّموع جامدة , والعيون راقدة والأصوات خامدة , فسيلوا رحمكم الله على هذا المصاب شآبيب الهتان , وتجلببوا جلابيب الإكتئاب والأحزان , واظهروا النّوح والعويل على هذا الرّزء الجليل , أما علمتم أنّكم توافقون الملائكة في ثوابهم , وتواسون النّبي في الحزن على مصابهم ؟ أما تحبّون أن يرضى عنكم مبدع الموجودات ؟ أما تُريدون أن تكونوا بذلك آمنين من الكُربات يوم عرض الخلائق على ربّ السّماوات ؟ فإنّ مَن لم يحزن لمصابهم فليس هو من أتباعهم وأحبائهم ، ولله درّ مَن قال :

يا لكرب بكربلاء عظيم

ولرزء على النّبي ثقيل

كم بكى جبريل مما دهاه

في بنيه صلوا على جبريل

سوف تأتي الزهراء تلتمس

الحكم إذا حان محشر التعديل

وأبوها وبعلها وبنوها

حولها والخصام غير قليل

وتنادي يا رب ذبح أولادي

لماذا وأنت خير مديل

٢٦

فيناد بمالك إلهب النار

وأجج وخذ بأهل الغلول

يا بني المصطفى بكيت وأبكي

ونفسي لم تأت بعد بسول

ليت روحي ذابت دموعاً

فأبكي للذي نالكم من التذليل

ومتى كادني النواصب فيكم

حسبي الله وهو خير وكيل

روي عن سيّد البّشر فيما جاء من الخبر , أنّه قال: (( مَن ذُكر الحُسين (عليه‌السلام ) عنده , فخرج من عينه من الدّموع بقدر جناح الذّبابة , كان ثوابه على الله تعالى , ولم يرض له بدون الجنّة جزاء )).

وعن أبي هارون المكفوف أنّه قال : قال لي الصّادق (عليه‌السلام ) : (( يا أبا هارون , أنشد لي في الحُسين شعراً )) .فأنشدته قصيدة , فبكا بكاءاً شديداً وكذلك أصحابه , فقال : (( زدني قصيدة اُخرى )) .فأنشدته , فبكى طويلاً وسمعت أيضاً نحيباً من وراء السّتر من أهل بيته , ولم أزل أسمع نحيب عياله وأهل بيته حتّى فرغت من إنشاد القصيدة , فلمّا فرغت , قال لي : (( يا أبا هارون , مَن أنشد في الحُسين (عليه‌السلام ) شعراً فبكى أو أبكى واحداً , كتب الله له (ولهما) الجنّة )).

وحكى دعبل الخُزاعي , قال : دخلت على سيّدي ومولاي عليّ بن موسى الرّضا (عليه‌السلام ) في مثل هذه الأيام , فرأيته جالساً جلسة الحزين الكئيب وأصحابه من حوله , فلمّا رآني مُقبلاً , قال لي : (( مرحباً بك يا دعبل , مرحباً بناصرنا بيده ولسانه )) .ثمّ إنّه وسع لي وأجلسني إلى جانبه , ثمّ قال لي : (( يا دعبل , أحبّ أن تنشدني شعراً , فإنّ هذه الأيّام أيّام حزن كانت علينا أهل البيت , وأيّام سرور كانت على أعدائنا خصوصاً بني اُميّة .يا دعبل , مَن بكى أو أبكى على مصابنا ولو كان واحداً أجره على الله .يا دعبل , مَن ذرفت عيناه على مصابنا وبكى لما أصابنا من أعدائنا , حشره الله معنا في زمرتنا .يادعبل , مَن بكى على مصاب جدّي الحُسين غفر الله له ذنوبه البّتة )) .ثمّ إنّه (عليه‌السلام ) نهض وضرب ستراً بيننا وبين حرمه , وأجلس أهل بيته من وراء السّتر ؛ ليبكوا على مصاب جدّهم الحُسين (عليه‌السلام ) , ثمّ التفت إليّ وقال : (( يا دعبل , ارث الحُسين , فأنت ناصرنا ومادحنا ما دمت حيّاً , فلا تقصّر عن نصرتنا ما استطعت )).

قال دعبل : فاسعبرت وسالت عبرتي , وأنشأت أقول :

أفاطم لو خلت الحُسين مجدلا

وقد مات عطشاناً بشط فرات

إذاً للطمت الخد فاطم عنده

وأجريت دمع العين في الوجنات

٢٧

أفاطم قومي يابنة الخير واندبي

نجوم سماوات بأرض فلات

قبور (بكوفان) واُخرى بطيبة

واُخرى (بفخ) نالها صلوات

قبور ببطن النهر من جنب (كربلا)

معرسهم فيها بشط فرات

توفوا عطاشى بالعرى فليتني

توفيت فيهم قبل حين وفاة

إلى الله أشكوا لوعة عند ذكرهم

سقتني بكأس الثكل والصعقات

إذا فخروا يوماً أتوا بمحمّد

وجبريل والقرآن والسورات

وعدوا علياً ذا المناقب والعلى

وفاطمة الزهراء خير بنات

وحمزة والعبّاس ذا الدين والتقى

وجعفرها الطيار في الحجبات

أولئك مشؤمون هنداً وحربها

سمية من نوكى ومن قذرات

هم منعوا الآباء من أخذ حقهم

وهم تركوا الأبناء رهن شتات

سأبكيهم ما حج لله راكب

وما ناح قمري على الشجرات

فيا عين أبكيهم وجودي بعبرة

فقد آن للتسكاب والهملات

بنات زياد في القصور مصونة

وآل رسول الله منهتكات

وآل زياد في الحصون منيعة

وآل رسول الله في الفلوات

ديار رسول الله أصبحن بلقعاً

وآل زياد تسكن الحجرات

وآل رسول الله نحف جسومهم

وآل زياد غلظ القصرات

وآل رسول الله تدمى نحورهم

وآل زياد ربة الحجلات

وآل رسول الله تسبى حريمهم

وآل زياد آمنوا السربات

إذا وتروا مدوا إلى واترهم

أكفاً عن الأوتار منقبضات

سأبكيهم ما در في الأرض شارق

ونادى منادي الخير للصلوات

وما طلعت شمس وحان غروبها

وبالليل أبكيهم وبالغدوات

فيا إخواني , كيف لا يحقّ لنا البُكاء عليهم وإظهار الجزع والإكتئاب لديهم , وهم أعلام الرّحمن واُمناء القرآن ؟!

روي عن الباقر (عليه‌السلام ) , أنّه قال : (( أيما مؤمن ذرفت عيناه على مصاب الحُسين (عليه‌السلام ) حتّى تسيل على خدّه , بوأه الله في الجنّة غُرفاً , يسكنها أحقاباً .وأيما مؤمن مسّه أذى فينا , صرف الله عن وجهه الأذى يوم القيامة , وآمنه من سخط النّار)).

وعن الصّادق (عليه‌السلام ) أنّه قال : (( مَن ذُكرنا عنده

٢٨

ففاض من عينه دمع ولو مثل رأس الذُبابة , غفر الله له ذنوبه ولو كانت مثل زَبد البحر )).

وعنه (عليه‌السلام ) , أنّه قال : (( رحم الله شيعتنا , لقد شاركونا في المصيبة , بطول الحزن والحسرة على مصاب الحُسين (عليه‌السلام ) )).

وعنه (عليه‌السلام ) , أنّه قال : (( مَن بكى أو أبكى فينا مئة فله الجنّة , ومَن بكى أو أبكى عشرة فله الجنّة , ومَن بكى أو أبكى واحداً فله الجنّة , ومَن تباكى فله الجنّة ، ومَن لم يستطع أن يبكي , فليقشعر جلده من الحزن فينا )).

فيا إخواني , انظروا إلى عظم فضيلة البُكاء على هذا الشّخص الرّباني , واغسلوا درن ذنوبكم بماء دموعكم ، ونعوذ بالله من عين لا تدمع وقلب لا يخشع.

روي : أنّه لمـّا أخبر النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ابنته فاطمة بقتل ولدها الحُسين , وما يجري عليه من المحن , بكت فاطمة (عليها‌السلام ) بُكاءاً شديداً , وقالت : (( يا أبي ؛ متى يكون ذلك ؟ )) .قال (ص) : (( في زمان خال منّي ومنك ومن عليّ )) .فاشتدّ بكاؤها وقالت : (( يا أبة ؛ فمَن يبكي عليه ؟ ومَن يلتزم بإقامة العزاء له ؟ )).

فقال النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : (( يا فاطمة , إنّ نساء اُمّي يبكون على نساء أهل بيتي , ورجالهم يبكون على رجال أهل بيتي ، ويجددون العزاء جيلاً بعد جيل في كُلّ سنة ، فإذا كان يوم القيامة , تشفعين أنت للنساء وأنا أشفع للرجال ، وكُلّ مَن بكى منهم على مصاب الحُسين أخذنا بيده وأدخلناه الجنّة .يا فاطمة , كُلّ عين باكية يوم القيامة , إلّا عين بكت على مصاب الحُسين , فإنّها ضاحكة مُستبشرة بنعيم الجنّة )).

فيا إخواني , أكثروا البكاء والعويل على هذا العزيز الجليل ؛ لتفوزوا بالثّواب الجزيل من الرّبّ الجليل , فإنّ الله جعل متابعتنا لهم فيما أمكن من الفعال ، وبكاؤنا عليهم بالدّمع السّجال ، وبعث عيوب أعدائهم أهل الضّلال قائماً مقام الجهاد معهم في يوم القتال ، كما ورد في الخبر عن وصي سيّد البشر , أنّه قال لأصحابه : (( الزموا بيوتكم واصبروا على البلاء , ولا تتحركوا بأيديكم وسيوفكم وهوى ألسنتكم , ولا تستعجلوا بما لم يعجّله الله لكم , فإنّه مَن مات منكم على فراشه , وهو على معرفة من حقّ ربّه وحقّ رسوله وآل رسوله , كان كمن مات شهيداً ووقع أجره على الله تعالى , واستوجب ثواب ما نوى من صالح عمله , وقامت النّية مقام إصالته وجهاده بسيفه ويده , وإنّ لكُلّ شيء أجلاً

٢٩

وانتهاءاً )).

فعلى الأطائب من أهل بيت الرّسول فليبك الباكون ، وإيّاهم فليندب النّادبون ، ولمثلهم تذرف الدّموع من العيون ، أو لا تكونون كبعض مادحيهم حيث عرته الأحزان والأشجان ، فنظم وقال فيهم :

القصيدة للشيخ الخليعي (رحمه‌الله )

أي عذر لمهجة لا تذوب

وحشاً لا يشب فيها لهيب

ولقلب يفيق من ألم للحزن

ولعين دموعها لا تصوب

وابن بنت النّبي بالطف مطروح

ملقى والجبين منه تريب

حوله مني بني أبيه شباب

صرعتهم أيدي المنايا وشيب

وحريم النّبي عبرى من الئكل

وحرى خمارها منهوب

تلك تدعو أخي وتلك تنادي

يا أبي وهو شاخص لا يجيب

لهف قلبي وطفله في يديه

يتلظى والنحر منه خضيب

لهف قلبي لأخته زينب تأوي

اليتامى ودمعها مسكوب

لهف قلبي لفاطم خيفةالسبي

تجافي وقلبها مرعوب

لهف قلبي لاُم كلثوم والخدان

منها قد خددتها الندوب

وهي تدعو يا واحدي يا شقيقي

يا مغيثي قد برحت بي الخطوب

ثم تشكو إلى النّبي ودمع العين

في خدها الأسيل وصيب

جد يا جد لو ترانا حيارى

قد عرتنا بكربلاء الكروب

جد يا جد لم يفد ذلك النصح

وذاك الترغيب والترهيب

جد لم تقبل الوصية في الأهل

ولم يرحم الوحيد الغريب

يصبح الجاحد البعيد من الحقّ

قريباً منهم ويقضي القريب

أين عيناك والحُسين قتيل

وعلي مغلل مضروب

لو ترى سبطك المفدى طريحاً

عارياً والرداء منه سليب

لو ترانا نساق بالذل ما بين

العدى قد قسمت علينا القلوب

لو ترانا حرى وقد أبرزت منا

وجوه صينت وشقت جيوب

بأبي الطاهرات تحدى بهن العيس

بين الملا وطوى السهوب

بأبي رأس جل فاطمة

يشهره للعيون رمح كعوب

٣٠

يا بن أزكى الورى نجاراً على

مثلك يستحسن البكا والنحيب

هاجفوني لما اُصيبت به

قرحي وقلبي لما رزيت كئيب

أين قلبي الشجي والفارغ البال

وأين المحق والمستريب

لا هناني عيشي ومبسمك الدرى

باد وقد علاه قضيب

ليت أبي فداك لو كان بالعبد

يفدي المولى الحسيب النسيب

سهم بغي الأولى أصابك من قبـ

ـل ولله عنك سهم مصيب

أظهروا فيك حقد بدر من قبـ

ـل دعوا للهدى ولم يستجيبوا

يا بني أحمد إلى مدحكم قلب

الخليعي مستهام طروب

كيف صبر امرئ برى الود في

القربى وجوباً وإرثكم مغصوب

أنتم حجة الإله على الخلق

وأنتم للطالب المطلوب

بولاكم وبغض أعدائكم تقبل

أعمالنا وتمحى الذنوب

لثناكم شاهت وجوه ذوي النـ

ـصب وشقت من النغول القلوب

الباب الثّاني

اعلموا أيّها الأخوان , إنّ نفثات الأحزان إذا صدر عن زفير نيران الأشجان , فرجت بعض الكروب عن الواله المكروب ، والدّموع الهتان إذا أسبلت عن مقرحات الأجفان ، نفس ذلك الدّمع المصبوب ما يجده المتيم المتعوب , فليلبس كلّ واحد منكم شعار أحزانه , وليتجلبب بجلباب كآبته واشجانه.

أما تعلمون أنّ لكلّ واحد منكم تمام إيمانه ؟ أما تحبّون أن يرجع ذلك لكلّ واحد منكم بميزانه ؟ أأبلغ شاهد من هذا تريدون ؟ فلِمَ عن إقامة العزاء متقاصرون ؟ أما بلغكم أنّ بعينهم جميع ما تصنعون ؟ أما قال عزّ وجلّ :( وَلاَ تَحْسَبَنّ الّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبّهِمْ يُرْزَقُونَ ) (١) ؟ .بل والله أنّه قول لا مرية فيه ولا شكّ يعتريه , ولله درّ مَن قال :

يا من بجاههم الظليل وعزهم

لذوي المراتب في البرايا سادوا

فلهم على السبع الطرايق منصب

عالي البناء له العلاء عماد

وحياض وردهم لكل مؤمل

يروي به الرواد والوراد

____________________

(١) سورة آل عمران / ١٦٩.

٣١

إن أوعدوا صفحوا عن الجاني وإن

وعدوا بخير انجزوا الميعاد

تضع الملوك جباههم في أرضهم

ولزهدهم تتأدب الزهاد

إن كان غيري ناسياً لمصابكم

فالحزن في قلبي له تزداد

بالله أقسم لا تعدي دينكم

إلّا زنيم دينه الحاد

عن الصّادق (عليه‌السلام ) : (( إذا كان يوم القيامة , نُصب لفاطمة (عليها‌السلام ) قبّة من نور , ويقبل الحُسين (عليه‌السلام ) ماشياً ورأسه في يده , فإذا رأته فاطمة (عليها‌السلام ) , شهقت شهقة عظيمة , فلا يبقى في ذلك الموقف ملك ولا نبيّ إلّا وبكى لبكائها , فيمثل الله الحُسين في أحسن صور , فيخاصم قتلته وهو بلا رأس , فيجمع الله قتلته والمجهزين عليه ومن شرك في قتاله فيقتلهم عليّ ، ثمّ يُنشرون فيقتلهم الحسن , ثمّ يُنشرون فيقتلهم الأئمة )).

وفي خبر آخر عن النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , قال : (( إذا كان يوم القيامة , جاءت فاطمة الزّهراء في لـمّة من نساء أهل الجنّة , فيُقال لها : ادخلي .فتقول : لا ادخل حتّى أعلم ما صُنع بولدي الحُسين .فيُقال لها : انظري في قلب القيامة .فتنظر يميناً وشمالاً فترى الحُسين وهو قائم ليس عليه رأس , فتصرخ صرخة عالية وتصرخ الملائكة لصرختها , وتقول : وا ولداه وا ثمرة فؤاداه ! قال : فيشتدّ غضب الله عند ذلك , فيأمر الله ناراً اسمها هبهب , قد أوقدوا عليها ألف عام حتّى اسودّت واظلمّت , لا يدخلها روح ولا يخرج منها همّ ولا غمّ أبداً , فيُقال لها : التّقطي قتلة الحُسين .فتلتقطهم جميعاً واحداً بعد واحد , فإذا صاروا في حوصلتها , صهلت بهم وصهلوا بها , وشهقت بهم وشهقوا بها , واشتدّ عليهم العذاب , فيقولون : ربّنا لِمَ أوجبت علينا النّار قبل عَبدة الأوثان ؟ فيأتيهم الجواب عن الله : إنّ مَن علم ليس كمن لا يعلم ))( فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ ) (١) ولله درّ مَن قال :

عين تروم فراق شخصك ساعة

كحلت بأميال العمى آماقها

نفس للحظك لم تكن مشتاقة

ضربت بأسياف العدى أعناقها

روي عن الفضل بن شاذان قال : سمعت الرّضا (عليه‌السلام ) يقول : (( لمـّا أمر الله إبراهيم (عليه‌السلام ) أن يذبح مكان إسماعيل الكبش - الذي أنزله عليه - , تمنّى إبراهيم أن يكون قد ذبح ابنه إسماعيل بيده , وإنّه يؤمر بذبح الكبش مكانه ؛ ليرجع إلى قلبه ما

____________________

(١) سورة الأحقاف / ٢٠.

٣٢

يرجع إلى قلب الوالد الذي يذبح أعزّ ولده , فيستحقّ بذلك أرفع درجات أهل الثّواب على المصائب , فأوحى الله عزّ وجلّ إليه : يا إبراهيم , مَن أحبّ خلقي إليك ؟ فقال : يا ربّ , ما خلقت خلقاً هو أحبّ إليّ من حبيبك مُحمّد (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) .فأوحى الله إليه : يا إبراهيم , هو أحبّ إليك أمّ نفسك ؟ فقال : بل هو أحبّ إليّ من نفسي .قال : فولده أحبّ إليك أم ولدك ؟ قال : بل ولده .قال : فذبح ولده ظُلماً على يدي أعدائه أوجع لقلبك أو ذبح ولدك بيدك في طاعتي ؟ قال : يا ربّ , بل ذبحه على أيدي أعدائه أوجع لقلبي .قال : يا إبراهيم , إنّ طائفة تزعم أنّها من اُمّته , ستقتل الحُسين ابنه من بعده ظُلماً وعدواناً كما يُذبح الكبش , ويستوجبون بذلك بيدك ؛ بجزعك على الحُسين وقتله , وأوجبت لك أرفع درجات أهل الثّواب على المصائب , وذلك قول الله تعالى :( وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ) (١) )) .ولله درّ مَن قال :

عليك ابن خير المرسلين تأسفي

وحزني وإن طال الزمان طويل

جللت فجل الرزء فيك على الورى

كذا كل رزء للجليل جليل

فوا حسرتاه لتلك الجسوم المرمّلة بالدّماء ! ووا لهفتاه لتلك الأفواه اليابسة من الظّماء ! وواحرّ قلباه لمولاي الحُسين وهو يُنادي فلا يُجاب , ويستغيث وليس مَن يرد الخطاب , ويطلب شربة من الماء فلا يُسقى أو لا يدارى , وقد حرّموه عليه وحلّلوه على اليهود والنّصارى , ومنعوه من توديع الأحباب والأولاد , وأظهروا في الإسلام حُزناً لا ينقضي حتّى المعاد ! فلا غرو إن بكت عليه محاجري أو فرّ السّهاد عن ناظري.

فيا إخواني , كيف يحسن نوح النّائحين وبكاء الباكين على إلف وخدين ؟ ولا يحسن على ابن أمير المؤمنين وابن سيّدة نساء العالمين , بلى والله والحقّ الـمُبين , ولله درّ مَن قال :

يا أهل بيت محمد دمعي لكم

جار وقلبي ما حييت كئيب

أنتم ولاة المسلمين وحبكم

فرض ونهج هداكم ملحوب

طبتم فحبكم النجاة وبغضكم

كفر برب العالمين وحوب

نُقل عن ابن عبّاس أنّه قال : لمـّا حضرت رسول الله الوفاة , بكى بكاء شديداً حتّى بلّت دموعه لحيته ، فقلت له : يا رسول الله , ما يبكيك ؟ فقال :

____________________

(١) سورة الصّافات / ١٠٧.

٣٣

(( أبكي لذرّيّتي وما يصنع بهم من بعدي , وما يفعلون بهم أشرار اُمّتي , فكأنّي بفاطمة (عليها‌السلام ) ابنتي وقد ظُلمت من بعدي , وغُصب حقّها وقُهر بعلها وغُصبت على ميراثها , فكأنّي بها وهي تُنادي : يا أبتاه يا أبتاه ! فلا يعينها أحد من اُمّتي )).فسمعت فاطمة كلام أبيها فبكت , فقال لها النّبي : (( اسكتي يا فاطمة , ابشري يا بنت مُحمّد بسرعة اللحاق بي , ولم تلبثي بعدي إلّا قليلاً , وأنّك أوّل مَن يلحق بي من أهل بيتي )) .فسرّت بذلك سروراً عظيماً.

وفي بعض الأخبار عن أبي جعفر (عليه‌السلام ) , قال : (( ما راُيت فاطمة ضاحكة بعد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) )) .وقيل : ما كان في الدُنيا أعبد من فاطمة , كانت تقوم للصّلاة حتّى تتورّم قدماها .وقيل : لمـّا دُفن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ورجعت فاطمة إلى بيتها , اجتمع إليها نساؤها , فقالت : (( إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، انقطع عنّا خبر السّماء )) .ثمّ قالت :

أغبر آفاق البلاد وكورت

شمس النهار وأظلم العصران

والأرض من بعد النّبي حزينة

أسفاً عليه كثيرة الرجفان

فليبكه شرق البلاد وغربها

وليبكه مصر وكل يمان

نفسي فداؤك ما لرأسك مائلاً

ما وسدوك وسادة الوسنان

ونُقل : إنّها وقعت على قبره , وقالت :

ما ضر من شم تربة أحمد

أن لا يشم مدى الزمان غواليا

صبت عليّ مصائب لو أنها

صبت على الأيام صرن لياليا

فيا إخواني , إن رغبتم في المنزل الكريم والثّواب العظيم الجسيم , فأديموا الحزن عليهم والجزع والكآبة لديهم ، فإنّه يكتب لكم في صحائف الحسنات ويمحو عنكم الذّنوب المعضلات .فعلى الأطائب من أهل البيت فليبك الباكون ، وإيّاهم فليندب النّادبن , ولمثلهم تذرف دموع العيون ، أولا تكونون كبعض مادحيهم حيث عرته الأحزان والأشجان ، فنظم وقال :

القصيدة للشيخ ابن حماد (رحمه‌الله )

خواطر فكري في الحشاء تجول

وحزني على آل النبي طويل

أراق دموعي ظلم آل محمد

وقتلي لنفسي في الهداة قليل

٣٤

تهون الرزايا عند ذكر مصابهم

ورزؤهم في العالمين جليل

لعمرك خطب لو علمت جليل

وأمر عنيف لو علمت مهول

مصارع أولاد النبي بكربلا

عليهن حزني ما حييت يطول

قبور عليها النور يزهو عندها

صعود لأملاك السما ونزول

قبور بها يستدفع الضر والأذى

ويعطي بها رب السما وينيل

ولما رأيت الحير حارت مدامعي

وكان لها من قبل ذاك همول

ومثل لي يوم الحُسين وقوله

لأعدائه بالطف وهو يقول :

أما فيكم يا أيها الناس راحم

لعترة أولاد النبي وصول

أأقتل مظلوماً وقدما علمتم

بأن ليس لي في العالمين عديل

أليس أبي خير الوصيين كلهم

أما أنا للطهر النبي سليل

أما فاطم الزهراء اُمي ويلكم

وعمّاي أيضاً جعفر وعقيل

دعوني أرد ماء الفرات ودونكم

لقتلي فعندي للظماء غليل

فنادوه مهلاً يابن بنت محمّد

فليس إلى ما تبتغيه سبيل

فداؤك روحي يا حسين وعترتي

وأنت غفير في التراب جديل

فديتك لما مر مهرك عارياً

ورأسك في رأس السنان مثيل

بناتك تسبى كالإماء حواسراً

وسبطك ما بين العداة قتيل

وزينب تدعو بالحُسين وقلبها

حزين لفقدان السلو ثكول

أخي يا أخي قد كنت عزي ومنعتي

فأصبح عزي فيك وهو ذليل

أخي يا أخي لم أعط سؤلي ولم يكن

لأختك مأمول سواك وسول

أخي لو ترى عيناك ما فعل العدا

بنا لرأت أمراً هناك يهول

ترانا سبايا كالأماء حواسراً

يجد بنا نحو الشئام رحيل

أخي لاهنتي بعد فقدك عيشتى

ولا طاب لي حتى الممات مقيل

فإن كنت أزمعت المغيب فقل لنا

أما لك من بعد المغيب قفول

أقول كما قد قال عني والدي

وأدمعه بعد البتول همول

أرى علل الدنيا عليّ كثيرة

وصاحبها حتى الممات عليل

لكل اجتماع من خليلين فرقة

وإن بقائي بعدكم لقليل

٣٥

يريد الفتى أن لا يفارق خله

وليس إلى ما يبتغيه سبيل

وإن افتقادي فاطماً بعد أحمد

دليل على أن لا يدوم خليل

عليكم سلام الله يا خيرة الورى

ومن فضلهم عند الإله جليل

بكم طاب ميلادي وإن ودادكم

بان على ما في الأمور دليل

لأنكم أعلى الورى عند ربكم

إذ الطرف في اليوم المعاد كليل

وإن موازين الخلائق حبكم

خفيف لما يأتي به وثقيل

وأصفيتكم ودي ودنت بحبكم

مقيم عليه لست عنه أحول

وإنكم يوم المعاد وسيلتي

ومالي سواكم إن علقت وسيل

تسمع لها بكر الغواني إذا بدت

تتيه على أقرانها وتصول

منمقة الألفاظ من قول قادر

على الشعر إن رام القريض يقول

لساني حسامي مرهف الحد قاطع

ورأيي سديد في الأمور دليل

وذلك فضل من إلهي وطوله

وفضل إلهي للعباد جزيل

ألا رب مغرور تناسى ولو درى

لكان إلى ما في الأمور يؤول

تشبه لي في الشعر عز فهل ترى

يكون سواء عالم وجهول

ولو لا حفاظ العهد بيني وبينه

لقلت ولكن الجميل جميل

كفى أن من يهوى غوات أراذل

لأم تناشوا في الخنا ونغول

وإني بحمد الله ما بين عصبة

لهم شيم محمودة وعقول

بحبكم يرجو ابن حماد سؤله

ويعلوه ظل في الجنان ظليل

فقل للذي يبغي عنادي لحينه

رويداً رويداً فالحديث يطول

الباب الثّالث

اتظنون أيّها المؤمنون إخوانكم أصحاب الحُسين (عليهم‌السلام ) عظمت عليهم تلك الآلام , أو أضرّت بهم تلك الجراح في ميدان الكفاح ؟ لا وخالق الأرواح , أليس هُم بعين الملك الجبّار ؟ أليس هُم في نصرة النّبي الـمُختار ؟ أما هُم الذين باعوا الدُنيا بالآخرة في نصرة الذّرية الطّاهرة ؟ لقد والله , شاهدوا مقاعدهم في الجنان مشاهدة الحضور والعيان ، وعلموا أنّهم قادمون عليها فبذلوا وسارعوا إليها , ولله درّ مَن قال فيهم :

٣٦

قوم إذا حضر الوغى لم يسألوا

حذر المنية عن سبيل الهارب

وإذا الكماة تطاعنوا ألفيتهم

يتقدمون إلى مكان الضارب

فيا حبّذا نجم سعدهم اللائح ويا طيب نشر عطرهم الفائح ، كيف لا وقد تحقق أنّ القتيل منهم في سبيل الـمَلك الجليل لا يجب له التّغسيل ؛ لما ورد في الخبر عن سيّد البشر (ص) : (( رمّلوهم بدمائهم ؛ فإنّهم يُحشرون يوم القيامة تشخب أوداجهم دماً , اللون لون الدّم والرّيح ريح المسك )).

فيا إخواني , هل هذا إلّا لمكرمة حصلوها وفضيلة أدركوها ؟ وذلك هو الحظّ العظيم والنّيل الجسيم.

نُقل أنّه لمـّا قدم الحُسين (عليه‌السلام ) إلى أرض كربلاء , كان معه اثنان وسبعون رجُلاً , وثلاثون فارساً وأربعون راجلاً , وكان عسكر ابن سعد سبعين ألف فارس , فحملوا بأجمعهم على الحُسين وأصحابه (عليهم‌السلام ) , فأمر ابن سعد برميهم في السّهام , فرموهم بها حتّى صار جسد الحُسين كالقنفذ , وجرحوه في بدنه ثلاثمئة ونيفاً وعشرين جرحاً ؛ بالرّماح والسّيوف والنّبل والحجارة، حتّى أنّه (عليه‌السلام ) حجم عنهم وضعف عن القتال , فطعنه سنان بسنانه فصرعه إلى الأرض , فابتدر إليه خولي ؛ ليحتز رأسه فارتعد ورجع عن قتله ، فقال له الشّمر : فتّ الله عضدك , ما لك ترعد ؟ ثمّ إنّ الشّمر نزل عن فرسه ودنا إلى الحُسين , فذبحه كما يُذبح الكبش , ألا لعنة الله على القوم الظّالمين.

وكان عدد مَن قُتل مع الحُسين من أهل بيته وعشيرته (عليه‌السلام ) ثمانية عشر نفساً ، فمن أولاد عليّ ستة وهم ؛ العبّاس وعبد الله , وجعفر وعثمان , وعُبيد الله وأبو بكر ، ومن أولاد الحُسين (عليه‌السلام ) اثنان , وهما ؛ عليّ بن الحُسين , وعبد الله الطّفل المذبوح بالسّهم ، ومن أولاد الحسن (عليه‌السلام ) ثلاثة , وهم ؛ القاسم وأبو بكر وعبد الله ، ومن أولاد عبد الله بن جعفر بن أبي طالب اثنان , وهما ؛ مُحمّد وعون ، ومن أولاد عقيل ثلاثة , وهم ؛ عون وجعفر وعبد الرّحمن , ومن أولاد مُسلم بن عقيل اثنان , وهما ؛ عبد الله بن مُسلم وعُبيد الله بن مُسلم .فهؤلاء ثمانية عشر نفساً من أهل البيت (عليهم‌السلام ) قُتلوا مع الحُسين (عليه‌السلام ) , وكلّهم مدفونون مما يلي رجلي الحُسين في مشهده ، وإنّهم حُفر لهم حفيرة عميقة , واُلقوا فيها جميعاً وسوّي عليهم التّراب (رحمة الله عليهم) ، وأمّا العبّاس , فإنّه دُفن ناحية عنهم في موضع المعركة عند (المسناة) , وقبره ظاهر على ما هو الآن ، وليس لقبور إخوته

٣٧

وبني عمّه الذين سمعنا لهم أثر ظاهر , وإنّما يزورهم الزّائر عند رجلي الحُسين (ع) , ويومي إلى الأرض ويشير إليهم بالسّلام , وعليّ بن الحُسين من جملتهم ، وقيل : إنّه أقرب منهم إلى قبر أبيه.

وأمّا أصحاب الحُسين الذين قُتلوا معه من سائر النّاس , وهم ثلاثة وخمسون رجُلاً , فإنّهم دُفنوا حوله , وليس لهم أجداث على الحقيقة ، ولا شكّ أنّهم في الحائر الـمُقدّس على ما نُقل من الثُقاة , والحائر مُحيط بهم (رضوان الله عليهم أجمعين).

وأمّا رأس الحُسين (عليه‌السلام ) , فنُقل عن بعض علمائنا , إنّه رُدّ من الشّام ودُفن مع جسده الشّريف .وفي خبر آخر عن الصّادق (عليه‌السلام ) , إنّه بلغ في مسيره من المدينة إلى الغري شرّفه الله تعالى , ومعه ابنه إسماعيل وجماعة من أصحابه (عليه‌السلام ) , نزل عن دابته في موضع عند الغري قريباً من القبر مما يلي الرأس , وزار الحُسين وصلّى عنده ركعتين , فقال له بعض مَن كان معه : يابن رسول الله , أليس رأس الحُسين بُعث إلى الشّام إلى يزيد ؟ فقال : (( بلى , ولكنّه رجل من موالينا اشتراه من بعد موت يزيد , وأتى به إلى هذا الموضع ودفنه هُنا )) وليس هذا ببعيد , وكذلك اشتهر بين الأصحاب زيارته من عند رأس قبر أبيه.

وجاء في بعض الأخبار , أنّه كان للحُسين أربعة أولاد ذكور , وهم ؛ عليّ بن الحُسين الأكبر , وكان عمره يوم قُتل مع أبيه سبع عشر سنة ، وعليّ بن الحُسين الأصغر , وهو الإمام (عليه‌السلام ) الذي عاش بعد حياة أبيه , وجعفر بن الحُسين (عليه‌السلام ) , مات في حياة أبيه ودُفن بالمدينة ولا بقية له ، وعبد الله بن الحُسين (عليه‌السلام ) , هو الطّفل الذي قُتل في حجر أبيه , جاءه سهم ميشوم وهو يستقي له من القوم ماءاً , فجاءه السّهم في نحره , فذبحه من الاُذن إلى الاُذن , فجعل أبوه الحُسين (ع) يلقي الدّم من نحره ويرمي به إلى السّماء , فلا يسقط منه قطرة , وهو مع ذلك يبدي الشّكاية إلى الله تعالى ويبكي ويقول : (( قتل الله قوماً قتلوك يا بُني , ما أجرأهم على انتهاك حُرمة الرّسول , على الدُنيا بعدك العفا )).

فانظروا يا إخواني بعيون بصائركم إلى مصاب العترة الطّاهرة , واعملوا فكركم فيما أصابهم من الفئة الفاجرة , أتدرون إذا حزنتم على المصاب أيّ شيء تحوزون من الأجر والثّواب ؟.

لقد طال ما أسهر أجفاني

تمثلهم في خاطري وجناني

ولله درّ مَن قال :

٣٨

حتى متى وإلى متى تتصبر

فلمثل هذا اليوم دمعك يذخر

اليوم فلتذب النفوس كآبة

وعلى الخدود من المحاجر تقطر

روي عن الإمام أبي عبد الله (ع) , قال : (( سمعت أبي يقول : إنّ فاطمة (عليها‌السلام ) كانت تأتي قبور الشُهداء فتبكي , ثمّ تأتي قبور البقيع بين اليوم واليومين , فكانت إذا وهجها الشّمس تفيّأت بظل أراكة هُناك , فبلغ الرّجلين ذلك فبعثا فقطعا الإراكة )) .فلا جرم , لقد كانت الأراكة سبباً لإعمال سيوف فتّاكة في نسلها وبنيها وولدها وذرّيّتها , ولله درّ من قال :

ستعلم في الحساب إذا التقينا

غداً عند الإله من الظلوم

إلى ديان يوم الدين نمضي

وعند الله تجتمع الخصوم

روي عن الصّادق (عليه‌السلام ) , أنّه إذا هلّ هلال عاشور , اشتدّ حزنه وعظم بكاؤه على مصاب جدّه الحُسين (عليه‌السلام ) , والنّاس يأتون إليه من كُلّ جانب ومكان ؛ يُعزّونه بالحُسين ويبكون وينوحون على مصاب الحُسين (عليه‌السلام ) , فإذا فرغوا من البكاء , يقول لهم : (( أيّها النّاس , اعلموا أنّ الحُسين حيّ عند ربّه يُرزق من حيث يشاء , وهو (عليه‌السلام ) دائماً ينظر إلى موضع عسكره ومصرعه ومَن حلّ فيه من الشُهداء , وينظر إلى زوّاره والباكين عليه والمقيمين العزاء عليه , وهو أعرف بهم وباسمائهم واسماء آبائهم وبدرجاتهم ومنازلهم في الجنّة , وإنّه ليرى مَن يبكي عليه فيستغفر له , ويسأل جدّه وأباه واُمّه وأخاه أن يستغفروا للباكين على مصابه والمقيمين عزاءه , ويقول : لو يعلم زائري والباكي عليّ ما له من الأجر عند الله تعالى , لكان فرحه أكثر من جزعه , وأنّ زائري والباكي عليّ لينقلب إلى أهله مسروراً , وما يقوم من مجلسه إلّا وما عليه ذنب , وصار كيوم ولدته اُمّه )).

وعنه (عليه‌السلام ) أنّه قال : (( لمـّا قُتل الحُسين (عليه‌السلام ) , بكت عليه السّماوات السّبع , ومَن فيهنّ من الجن والإنس , والوحوش والدّواب , والأشجار والأطيار , ومَن في الجنّة والنّار وما لا يرى , كلّ ذلك يبكون على الحُسين (عليه‌السلام ) ويحزنون لأجله , إلّا ثلاث طوائف من النّاس , فإنّها لم تبك عليه أبداً )) .فقيل : فمَن هذه الثّلاثة التي لم تبك على الحُسين ؟ فقال : (( هُم ؛ أهل دمشق ، وأهل البصرة , وبنو اُميّة , لعنة الله على الظّالمين )).

فيا عجباً من القلوب القاسية والنّفوس العاصية , كيف لا تبكي لـمَن بكاه مُحمّد الـمُصطفى , وعليّ الـمُرتضى وفاطمة الزّهراء سيّدة

٣٩

النّساء , وملائكة السّماء وما بينهما وما تحت الثّرى ؟!

فعلى الأطائب من أهل البيت فليبك الباكون , وإيّاهم فليندب النّادبون , ولمثلهم تذرف الدّموع من العيون , أو لا تكونون كبعض مادحيهم حيث عرته الأحزان , فنظم وقال فيهم :

القصيدة للشيخ الخليعي (رحمه‌الله )

ألا يا عين لا لمراتع وخيامي

أودت بساكنها يد الأيام

لا ينفع الغل الدموع بربها

ألا إذا ندب القتيل الظامي

ما عذر من لم يبكي يوم مصابه

متأسفاً بدم ودمع هام

سحي الدموع على الحُسين وحا

ذري تستزلك ألسن اللوام

وتمثليه بكربلا يا ظامياً

يرنو إلى ماء الفرات الطامي

وأبكي على الشيب التريب معفراً

وأبكي على النحر الخضيب الدامي

وتمثيله إخوانه وبناته

يندبنه بتفجع ولطامي

هذي تنوح وهذي تبكي لما

سلب العدى من برقع ولثام

وأبكي اليتامى للطغاة خواضعا

وارحمتاه لتخضع الأيتام

وأبكي مصارع فتية علوية

شربوا على ظمأ كؤوس حمام

أحشاء فاطمة لهم مقروحة

وعلى النبي توجع الأيتام

وأبكي لزينب تستغيث باُمها

ذات المفاخر والمحل السامي

يا اُم قومي من ثراك وسارعي

وتبيني ذلي وسوء مقامي

وقفي على المقتول وانفجعي له

وأبكي له فرداً بغير محمامي

وأبكي على الطفل الصغير مضمخاً

بدماه بعد تحرق وأوام

وأبكي عزيزات الحُسين حواسراً

يسترن أوجههن بالأكمام

وأبكي لزين العابدين مقيداً

في الأسر يشكو كربة الأسقام

وأبكي لنا نسبي على الأقتاب ما

بين الملأ في مهمه وأكام

وأبكي لرأس السبط يشهر في القنا

كالبدر يجلو حندس الأظلام

يا للرجال لثار عترة أحمد

الهادي وبالحمية الإسلام

أيكون صاحب شرعة الأحكام

والداعي الأنام منكس الأعلام

تبيد آل زياد آل محمّد

قتلاً بحد صوارم وسهام

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

حديث الحوت على أي شيء هو(١)

١٤٨٧٠ / ٥٥. محمد ، عن أحمد(٢) ، عن ابن محبوب ، عن جميل بن صالح ، عن أبان بن تغلب :

عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال : سألته عن الأرض : على أي شيء هي؟ قال : «هي على حوت».

قلت : فالحوت على أي شيء هو(٣) ؟ قال : «على الماء».

قلت(٤) : فالماء على أي شيء هو؟ قال : «على صخرة».

قلت : فعلى أي شيء الصخرة؟ قال : «على قرن ثور أملس»(٥) .

قلت : فعلى أي شيء الثور؟ قال : «على الثرى».

قلت : فعلى أي شيء الثرى؟ فقال(٦) : «هيهات ، عند ذلك ضل علم العلماء(٧) ».(٨)

__________________

البحار ، ج ٩٥ ، ص ٣٥ ، ح ١٩.

(١) في «ع ، م ، بف ، بن ، جد» : «هي». وفي شرح المازندراني : ـ «على أي شيء هي». وفي المرآة : ـ «حديث الحوت على أي شيء هو».

(٢) في «د ، ع ، ل ، ن ، بح ، بف ، جد» : «محمد بن أحمد» بدل «محمد ، عن أحمد» ، وهو سهو. والمراد من محمدهو محمد بن يحيى ، ومن أحمد هو أحمد بن محمد بن عيسى ؛ فقد تكرر هذا الطريق إلى جميل بن صالح في غير واحد من أسناد الكافي ، منها ما تقدم في الكافي ، ح ١٤٨٥٩ و ١٤٨٦١.

(٣) في «د ، ع ، ل ، م ، بح ، بف ، جد» والوافي : «هي».

(٤) في الوافي : «فقلت».

(٥) في «بن» : «أبرش». والأملس : الشديد ، أو صحيح الظهر ، أو ضد الخشن ، قال العلامة المازندراني : «والأول أنسب». راجع : القاموس المحيط ، ج ١ ، ص ٧٨٧ (ملس).

(٦) في «ل ، م ، ن ، بح ، بف ، بن ، جد» : «قال».

(٧) في الوافي : «في هذا الحديث رموز ، وإنما يحلها من كان من أهلها». وفي المرآة : «قولهعليه‌السلام : عند ذلك ضل علم العلماء ، لعل المراد أنا لم نؤمر ببيانه للخلق».

(٨) تفسير القمي ، ج ٢ ، ص ٥٩ ، بسنده عن الحسن بن محبوب. وفيه ، ص ٥٨ ، بسند آخر ، مع اختلاف يسير.

٢٢١

١٤٨٧١ / ٥٦. علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل بن دراج ، عن زرارة :

عن أحدهماعليهما‌السلام ، قال : «إن الله ـعزوجل ـ خلق الأرض ، ثم أرسل عليها الماء المالح أربعين صباحا ، والماء العذب أربعين صباحا ، حتى إذا(١) التقت(٢) واختلطت أخذ بيده قبضة ، فعركها عركا شديدا جميعا ، ثم فرقها فرقتين ، فخرج من كل واحدة منهما عنق(٣) مثل عنق الذر ، فأخذ عنق إلى الجنة ، وعنق إلى النار».(٤)

حديث(٥) الأحلام والحجة على أهل ذلك الزمان

١٤٨٧٢ / ٥٧. بعض أصحابنا ، عن علي بن العباس ، عن الحسن بن عبد الرحمن :

عن أبي الحسنعليه‌السلام ، قال : «إن الأحلام لم تكن(٦) فيما مضى في أول الخلق ، وإنما(٧) حدثت».

فقلت(٨) : وما العلة في ذلك؟

فقال : «إن الله ـ عز ذكره ـ بعث رسولا إلى أهل زمانه ، فدعاهم إلى عبادة الله وطاعته ، فقالوا : إن فعلنا ذلك فما لنا؟ فو الله(٩) ما أنت بأكثرنا(١٠) مالا ، ولا بأعزنا(١١)

__________________

راجع : تفسير فرات ، ص ٤٩٥ ، ح ٦٤٩ ؛ وعلل الشرائع ، ص ١ ، ح ١ الوافي ، ج ٢٦ ، ص ٤٧٢ ، ح ٢٥٥٥٠ ؛ البحار ، ج ٦٠ ، ص ٧٩ ، ذيل ح ٣.

(١) في «ن» : «إذ».

(٢) في حاشية «بح» : «التفت».

(٣) العنق : الجماعة من الناس. القاموس المحيط ، ج ٢ ، ص ١٢١٠ (عنق).

(٤) راجع : الكافي ، كتاب الإيمان والكفر ، باب آخر منه ، ح ١٤٥٦ ؛ وتفسير العياشي ، ج ٢ ، ص ٣٩ ، ح ١٠٩ الوافي ، ج ٤ ، ص ٣٥ ، ح ١٦٥١.

(٥) في «د» : + «أهل».

(٦) في «ن ، بح ، جد» والوافي : «لم يكن».

(٧) في «ن» : «فإنما».

(٨) في «ل ، بن» : «قلت».

(٩) في البحار ، ج ٦ : ـ «فو الله».

(١٠) في «ع ، ل» : «بأكثر».

(١١) في «ع ، ل» : «بأعز».

٢٢٢

عشيرة. فقال : إن أطعتموني أدخلكم الله الجنة ، وإن عصيتم(١) أدخلكم الله النار. فقالوا : وما الجنة والنار(٢) . فوصف لهم ذلك ، فقالوا : متى نصير إلى ذلك؟ فقال : إذا متم. فقالوا : لقد رأينا أمواتنا صاروا عظاما ورفاتا(٣) . فازدادوا له تكذيبا وبه استخفافا ، فأحدث الله ـعزوجل ـ فيهم الأحلام ، فأتوه ، فأخبروه بما رأوا وما أنكروا من ذلك ، فقال : إن الله ـعزوجل ـ أراد أن يحتج عليكم بهذا ، هكذا تكون(٤) أرواحكم إذا متم ، وإن(٥) بليت أبدانكم تصير(٦) الأرواح إلى عقاب حتى تبعث الأبدان».(٧)

١٤٨٧٣ / ٥٨. علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم :

عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال : سمعته يقول : «رأي المؤمن ورؤياه في آخر الزمان على سبعين جزءا من أجزاء النبوة».(٨)

١٤٨٧٤ / ٥٩. محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن معمر بن خلاد :

عن الرضاعليه‌السلام قال : «إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان إذا أصبح قال لأصحابه : هل من مبشرات؟ يعني به الرؤيا».(٩)

__________________

(١) هكذا في معظم النسخ التي قوبلت والوافي. وفي «جت» والمطبوع : «عصيتموني».

(٢) في «ن» وحاشية «م ، جت» والبحار ، ج ٦١ : «وما النار».

(٣) الرفات : كل ما دق وكسر. النهاية ، ج ٢ ، ص ٢٤١ (رفت).

(٤) في «جت» : «يكون».

(٥) في «بح ، جد» وحاشية «م» : وإذا».

(٦) في «بف» : «يصير».

(٧) الوافي ، ج ٢٥ ، ص ٦٤٠ ، ح ٢٤٧٩٥ ؛ البحار ، ج ٦ ، ص ٢٤٣ ، ح ٦٨ ؛ وج ١٤ ص ٤٨٤ ، ح ٣٨ ؛ وج ٦١ ، ص ١٨٩ ، ح ٥٥.

(٨) الفقيه ، ج ٢ ، ص ٥٨٤ ، ذيل ح ٣١٩١ ؛ والأمالي للصدوق ، ص ٦٤ ، المجلس ١٥ ، ذيل ح ١٠ ؛ وعيون الأخبار ، ج ٢ ص ٢٥٧ ، ذيل ح ١١ ، بسند آخر عن الرضاعليه‌السلام ، وتمام الرواية هكذا : «وإن الرؤيا الصادقة جزء من سبعين جزءا من النبوة». المؤمن ، ص ٣٥ ، ح ٧١ ، مرسلا ، مع اختلاف يسير وزيادة في آخره الوافي ، ج ٢٦ ، ص ٥٤٦ ، ح ٢٥٦٧٤ ؛ البحار ، ج ٦١ ، ص ١٧٧ ، ح ٤٠.

(٩) الوافي ، ج ٢٦ ، ص ٥٤٧ ، ح ٢٥٦٧٥ ؛ البحار ، ج ٦١ ، ص ١٧٧ ، ح ٣٩.

٢٢٣

١٤٨٧٥ / ٦٠. عنه ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال ، عن أبي جميلة ، عن جابر :

عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال : «قال رجل لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : في قول اللهعزوجل :( لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ) ؟(١) قال : هي الرؤيا الحسنة يرى المؤمن ، فيبشر(٢) بها في دنياه».(٣)

١٤٨٧٦ / ٦١. علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن سعد بن أبي خلف :

عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال : «الرؤيا على ثلاثة وجوه : بشارة من الله للمؤمن ، وتحذير(٤) من الشيطان ، وأضغاث(٥) أحلام».(٦)

١٤٨٧٧ / ٦٢. عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أبيه ، عن النضر بن سويد ، عن درست بن أبي منصور ، عن أبي بصير ، قال :

قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : جعلت فداك ، الرؤيا الصادقة والكاذبة مخرجهما من(٧)

__________________

(١) يونس (١٠) : ٦٤.

(٢) في شرح المازندراني : «فيبشره».

(٣) الفقيه ، ج ١ ص ١٣٣ ، ح ٣٥٣ ، مرسلا عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله . تفسير القمي ، ج ١ ص ٣١٣ ، من دون الإسناد إلى المعصومعليه‌السلام ، وفيهما مع اختلاف يسير الوافي ، ج ٢٦ ، ص ٥٤٧ ، ح ٢٥٦٧٦ ؛ البحار ، ج ٦١ ، ص ١٨٠ ، ح ٤١.

(٤) في المرآة : «قولهعليه‌السلام : وتحذير من الشيطان ، أي يحذر ويخوف من الأعمال الصالحة. ويحتمل أن يكون المراد الرؤيا الهائلة المخوفة. ويحتمل أن يكون : «تحزين من الشيطان» بالنون فصحف ؛ لقوله تعالى :( إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا ) [المجادلة (٥٨) : ١٠] ، وروى محيي السنة بإسناده عن أبي هريرة عن النبي أنه قال : الرؤيا ثلاثة : رؤيا بشرى من الله ، ورؤيا مما يحدث به الرجل نفسه ، ورؤيا من تحزين الشيطان».

(٥) في شرح المازندراني : «أضغاث أحلام ، وهي الرؤيا التي لا يمكن تأويلها لاختلاطها وجمعها للأشياء المتضادة والمختلفة ، كما أن الضغث يجمعها ؛ لأنه قبضة من حشيش مختلطة الرطب باليابس».

وفي المرآة : «قوله عليه‌السلام : أضغاث أحلام ، الحلم : ما يراه النائم في نومه ، والضغث فما جمع من أخلاط النبات ، وأضغاث الأحلام : الرؤيا المختلطة التي تركبها المتخيلة ، ولا أصل لها ، وليس من الله ولا من الشيطان». وراجع : الصحاح ، ج ١ ، ص ٢٨٥ (ضغث) ؛ القاموس المحيط ، ج ٢ ، ص ١٤٤٥ (حلم).

(٦) الوافي ، ج ٢٦ ، ص ٥٤٨ ، ح ٢٥٦٧٧ ؛ البحار ، ج ٦١ ، ص ١٨٠ ، ح ٤٢.

(٧) في «جت» : «عن».

٢٢٤

موضع واحد ، قال : «صدقت ؛ أما الكاذبة المختلفة(١) ، فإن الرجل يراها في أول ليلة في سلطان المردة الفسقة ، وإنما(٢) هي شيء يخيل إلى الرجل وهي كاذبة مخالفة ، لاخير فيها ؛ وأما(٣) الصادقة إذا رآها بعد الثلثين من الليل مع حلول الملائكة وذلك قبل السحر ، فهي(٤) صادقة لاتخلف(٥) إن شاء الله ، إلا أن يكون جنبا ، أو ينام على غير طهور ولم يذكر(٦) الله ـعزوجل ـ حقيقة ذكره ، فإنها تختلف(٧) وتبطئ على صاحبها».(٨)

حديث الرياح

١٤٨٧٨ / ٦٣. محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن علي بن رئاب(٩) وهشام بن سالم ، عن أبي بصير ، قال :

سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن الرياح الأربع : الشمال ، والجنوب ، والصبا ، والدبور(١٠) ، وقلت(١١) : إن الناس يذكرون أن الشمال من الجنة ، والجنوب من النار؟

__________________

(١) في «د ، ن» وحاشية «بح ، جت» : «المخلفة». وفي «م» : «المخلقة».

(٢) في «ن» : «فإنما».

(٣) في «بف» : ـ «أما».

(٤) في «جت» : «وهي».

(٥) في «ن» وحاشية «ن ، بح» : «لا تختلف».

(٦) في البحار : «غير طهر أو لم يذكر» بدل «غير طهور ولم يذكر».

(٧) في «د ، م ، ن ، جت ، جد» : «تخلف».

(٨) الوافي ، ج ٢٦ ، ص ٥٤٨ ، ح ٢٥٦٧٨ ؛ البحار ، ج ٦١ ، ص ١٩٣ ، ح ٧٥.

(٩) في البحار : «محمد بن رئاب» ، وهو سهو واضح.

(١٠) قال الجوهري : «الشمال : الريح التي تهب من ناحية القطب» ، وقال أيضا : «الجنوب : الريح التي تقابل الشمال» ، وقال أيضا : «الصبا : ريح ، ومهبها المستوي أن تهب من موضع مطلع الشمس إذا استوى الليل والنهار» ، وقال أيضا : «الدبور : الريح التي تقابل الصبا». راجع : الصحاح ، ج ١ ، ص ١٠٣ (جنب) ؛ وج ٢ ، ص ٦٥٤ (دبر) ؛ وج ٥ ، ص ١٧٣٩ (شمل) ؛ وج ٦ ، ص ٢٣٩٨ (صبا). وللمزيد راجع : شرح المازندراني ، ج ١٢ ، ص ٢ و ٣ ؛ مرآة العقول ، ج ٢٥ ، ص ٢١٦ و ٢١٧.

(١١) في «م» : «قلت» بدون الواو. وفي البحار : + «له».

٢٢٥

فقال : «إن لله ـعزوجل ـ جنودا من رياح يعذب بها من يشاء ممن عصاه ، ولكل(١) ريح منها ملك موكل بها ، فإذا أراد الله ـعزوجل ـ أن يعذب قوما بنوع من العذاب ، أوحى إلى الملك الموكل بذلك النوع من الريح التي يريد أن يعذبهم بها» قال : «فيأمرها الملك ، فتهيج(٢) كما يهيج الأسد المغضب».

قال(٣) : «ولكل ريح منهن اسم ، أما تسمع قوله(٤) عزوجل :( كَذَّبَتْ عادٌ فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً (٥) فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ ) ؟(٦) وَقَالَ :( الرِّيحَ الْعَقِيمَ ) (٧) وَقَالَ :( رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ ) (٨) وَقَالَ :( فَأَصابَها إِعْصارٌ (٩) فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ ) (١٠) وما ذكر من الرياح التي يعذب الله بها من عصاه».

قال : «ولله ـ عز ذكره ـ رياح رحمة لواقح(١١) وغير ذلك ينشرها بين يدي رحمته ، منها ما يهيج السحاب للمطر ، ومنها رياح تحبس السحاب بين السماء والأرض ، ورياح تعصر(١٢) السحاب فتمطره بإذن الله(١٣) ، ومنها رياح

__________________

(١) في «بن ، جت» والبحار : «فلكل». وفي «بح» : «لكل».

(٢) هكذا في معظم النسخ التي قوبلت والوافي. وفي «د» : «فهيج». وفي المطبوع : «فيهيج».

(٣) في «ن» والبحار : «وقال».

(٤) في «جت» وحاشية «بح» : «قول الله».

(٥)( رِيحاً صَرْصَراً ) أي شديدة الصوت ، وهو من صرير الباب ومن الصرة ، وهي الضجة ، أو شديدة البرد ، وأصلها : صرر ، من الصر ، وهو البرد ، فأبدلوا مكان الراء الوسطى فاء الفعل. راجع : الصحاح ، ج ٢ ، ص ٧١٢ ؛ تاج العروس ، ج ٧ ، ص ٨٤ (صرر).

(٦) القمر (٥٤) : ١٨.

(٧) الذاريات (٥١) : ٤١.

(٨) الأحقاف (٤٦) : ٢٤.

(٩) قال الجوهري : «الإعصار : ريح تهب تثير الغبار ، فيرتفع إلى السماء ، كأنه عمود ، قال الله تعالى :( فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ ) ، ويقال : هي ريح تثير سحابا ذات رعد وبرق». الصحاح ، ج ٢ ، ص ٧٥٠ (عصر).

(١٠) البقرة (٢) : ٢٦٦.

(١١) «لواقح» أي ذوات لقاح ، أو حوامل ، شبه الريح التي جاءت بخير من إنشاء سحاب ماطر بالحامل. راجع : المفردات للراغب ، ص ٧٤٤ (لقح) ؛ تفسير البيضاوي ، ج ٣ ، ص ٣٦٦ ، ذيل الآية ٢٢ من سورة الحجر (١٥).

(١٢) في «بف» : «تقطر».

(١٣) في حاشية «بح» : + «ومنها رياح تعوق السحاب». وفي حاشية «جت» والبحار : + «ومنها رياح

٢٢٦

مما(١) عدد الله في الكتاب.

فأما الرياح الأربع : الشمال والجنوب والصبا والدبور ، فإنما هي أسماء الملائكة الموكلين بها ؛ فإذا أراد الله(٢) أن يهب شمالا ، أمر الملك الذي اسمه الشمال ، فيهبط(٣) على البيت الحرام ، فقام على الركن الشامي ، فضرب بجناحه(٤) ، فتفرقت(٥) ريح الشمال حيث يريد الله من(٦) البر والبحر ؛ وإذا(٧) أراد الله أن يبعث جنوبا ، أمر الملك(٨) الذي اسمه الجنوب ، فهبط على البيت الحرام ، فقام على الركن الشامي ، فضرب بجناحه ، فتفرقت(٩) ريح الجنوب في(١٠) البر والبحر حيث(١١) يريد الله ؛ وإذا أراد الله أن يبعث ريح(١٢) الصبا ، أمر الملك الذي اسمه الصبا ، فهبط على البيت الحرام ، فقام على الركن الشامي ، فضرب بجناحه(١٣) ، فتفرقت(١٤) ريح الصبا حيث يريد الله ـعزوجل ـ في البر والبحر ؛ وإذا أراد الله أن يبعث دبورا ، أمر الملك الذي اسمه الدبور ، فهبط على البيت الحرام ، فقام على الركن الشامي ، فضرب بجناحه(١٥) ، فتفرقت(١٦) ريح الدبور حيث يريد الله من(١٧) البر والبحر».

__________________

تفرق السحاب».

(١) في «بف» : ـ «مما».

(٢) في «د ، ع ، بن» : ـ «الله».

(٣) في «ن» وحاشية «د ، م ، جد» : «فهبط». وفي «بح» : «فيبسط».

(٤) في «جد» : «بجناحيه».

(٥) في «جت» وحاشية «د ، بح» : «فتفرق». وفي «بن» : + «منه».

(٦) في حاشية «د» : «في».

(٧) في «ن» وحاشية «بح» والبحار : «فإذا».

(٨) في «بح» وحاشية «م ، جد» : + «الموكل».

(٩) في «بف ، جت» وحاشية «د» : «فتفرق». وفي حاشية «بح» : «وتفرقت».

(١٠) في «جت» : «على».

(١١) في «ع ، م ، ن ، بف» وحاشية «بح ، جد» : «وحيث».

(١٢) في «ل ، م ، ن ، بف ، بن» والبحار : ـ «ريح».

(١٣) في «جد» : «بجناحيه».

(١٤) في «بف ، جت» وحاشية «د ، بح» : «فتفرق».

(١٥) في «ن» : «بجناحيه».

(١٦) في «جت» وحاشية «د ، بح» : «فتفرق».

(١٧) في حاشية «د ، م» : «في».

٢٢٧

ثم قال أبو جعفرعليه‌السلام : «أما تسمع لقوله : ريح الشمال وريح الجنوب وريح الدبور وريح الصبا(١) ، إنما تضاف(٢) إلى الملائكة الموكلين بها».(٣)

١٤٨٧٩ / ٦٤. عنه ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن عبد الله بن سنان ، عن معروف بن خربوذ :

عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال : «إن لله ـعزوجل ـ رياح رحمة ورياح عذاب ، فإن شاء الله أن يجعل العذاب من الرياح(٤) رحمة فعل» قال : «ولن يجعل(٥) الرحمة من الريح(٦) عذابا» قال : «وذلك أنه لم يرحم قوما قط أطاعوه وكانت طاعتهم إياه وبالا عليهم إلا من بعد تحولهم عن(٧) طاعته».

قال(٨) : «وكذلك(٩) فعل بقوم يونس ، لما آمنوارحمهم‌الله بعد ما قد(١٠) كان قدر عليهم العذاب وقضاه(١١) ، ثم تداركهم برحمته ، فجعل العذاب المقدر عليهم رحمة ، فصرفه عنهم وقد أنزله عليهم وغشيهم ، وذلك لما آمنوا به وتضرعوا إليه».

قال : «وأما الريح العقيم ، فإنها ريح عذاب لاتلقح شيئا من الأرحام ، ولا شيئا

__________________

(١) في «ن» والبحار : «ريح الصبا وريح الدبور».

(٢) في «د ، م ، ن ، جت ، جد» : «يضاف».

(٣) الخصال ، ص ٢٦٠ ، باب الأربعة ، ح ١٣٨ ، بسنده عن الحسن بن محبوب. الفقيه ، ج ١ ، ص ٥٤٥ ، ح ١٥٢٢ ، معلقا عن علي بن رئاب ، عن أبي بصير ، مع اختلاف يسير الوافي ، ج ٢٦ ، ص ٤٩٣ ، ح ٢٥٥٦٩ ؛ البحار ، ج ٦٠ ، ص ١٢ ، ح ١٦.

(٤) في «د ، ع ، ل ، م ، ن ، بح ، بن ، جت ، جد» والبحار ، ج ٦٠ : «الرياح من العذاب» بدل «العذاب من الرياح».

(٥) في حاشية «بح» : «ولم يجعل الله». وفي «ن» والبحار ، ج ٦٠ : + «الله».

(٦) في «بف» : «الرياح».

(٧) في «ع» والوافي وشرح المازندراني : «من».

(٨) في «بف» : ـ «قال».

(٩) هكذا في جميع النسخ التي قوبلت والوافي والبحار. وفي المطبوع : «كذلك» بدون الواو.

(١٠) هكذا في معظم النسخ التي قوبلت وحاشية «د» وشرح المازندراني والوافي والبحار ، ج ١١. وفي «د» والمطبوع : ـ «قد».

(١١) في شرح المازندراني : «وقضاه ، أي قضاه قضاء غير محتوم ولم يبلغ حد الإمضاء ؛ إذ لا دافع بعده».

٢٢٨

من النبات(١) ، وهي ريح تخرج من تحت الأرضين السبع ، وما خرجت منها ريح قط إلا على قوم عاد حين غضب الله عليهم ، فأمر(٢) الخزان أن يخرجوا منها على مقدار سعة(٣) الخاتم».

قال : «فعتت على الخزان(٤) ، فخرج منها على مقدار منخر الثور تغيظا منها على قوم عاد» قال : «فضج الخزان إلى الله ـعزوجل ـ من ذلك ، فقالوا : ربنا إنها قد عتت عن أمرنا ، إنا نخاف أن تهلك من لم يعصك من خلقك وعمار بلادك».

قال : «فبعث الله ـعزوجل ـ إليها جبرئيلعليه‌السلام ، فاستقبلها بجناحه(٥) ، فردها إلى موضعها ، وقال لها : اخرجي على ما أمرت به».

قال : «فخرجت على ما أمرت به ، وأهلكت قوم عاد ومن كان بحضرتهم».(٦)

١٤٨٨٠ / ٦٥. علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني :

عن أبي عبد اللهعليه‌السلام (٧) ، قال : «قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من ظهرت عليه النعمة ، فليكثر ذكر «الحمد لله» ومن كثرت همومه ، فعليه بالاستغفار ، ومن ألح عليه الفقر ،

__________________

(١) في «م» : «البنات». وفي «ل» : «النباب».

(٢) في «بح» : + «الله».

(٣) في «بف» والوافي : «يسعه».

(٤) قال المحقق الشعراني في هامش شرح المازندراني : «هذا حديث صحيح من جهة الإسناد وليس فيه ضعف من جهة المعنى إلاقوله : فعتت على خزانها فخرج على مقدار منخر الثور ؛ لأن ضعف الملائكة المأمورين من جانب الله على ما شاء من المصلحة عن ضبط الطبائع المقهورة المسخرة غير معقول عندنا ، ولا نعتقد في الطبائع قوة أشد من ملائكة الموكلين بها ، ولا نرى أن يأمر الله تعالى ملائكته بأمر يعلم عجزهم ، وعلى كل حال فالظاهر من الرواية أن الريح التي أهلكت قوم عاد كانت من البخارات المحتبسة في أعماق الأرض خرجت دفعة من ثقبة حدثت في قشر الأرض بدفعها ، كما يخرج من البراكين ، والله أعلم».

(٥) هكذا في جميع النسخ التي قوبلت والوافي. وفي المطبوع : «بجناحيه».

(٦) تفسير القمي ، ج ١ ، ص ٣٣٠ ، بسنده عن عبد الله بن سنان ، من قوله : «وأما الريح العقيم» مع اختلاف يسير الوافي ، ج ٢٦ ، ص ٤٩٥ ، ح ٢٥٥٧١ ؛ البحار ، ج ١١ ، ص ٣٥٢ ، ح ٣ ؛ وج ٦٠ ، ص ١٦ ، ح ٢٠.

(٧) في المحاسن : + «عن آبائهعليهم‌السلام ».

٢٢٩

فليكثر من قول «لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم»(١) ينفي(٢) عنه الفقر».

وقال(٣) : «فقد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله رجلا من الأنصار ، فقال : ما غيبك عنا؟

فقال : الفقر يا رسول الله وطول السقم(٤) .

فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ألا أعلمك كلاما إذا قلته ذهب عنك الفقر والسقم(٥) ؟

فقال : بلى يا رسول الله.

فقال : إذا أصبحت وأمسيت ، فقل : لاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم(٦) ، توكلت على الحي الذي لايموت ، والحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ، ولم يكن له شريك في الملك ، ولم يكن له ولي من الذل ، وكبره تكبيرا(٧) .

فقال الرجل : فو الله(٨) ما قلته إلا ثلاثة أيام حتى ذهب(٩) عني الفقر والسقم».(١٠)

١٤٨٨١ / ٦٦. محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن

__________________

(١) في «ع ، ل» والمحاسن : ـ «العلي العظيم».

(٢) في المحاسن : + «الله».

(٣) في «بح» : «قال» بدون الواو.

(٤) في الوافي : ـ «وطول السقم».

(٥) في «د ، ع ، ل ، م» : ـ «والسقم».

(٦) في «ع ، ل ، م ، ن ، بن ، جت» والبحار والمحاسن : ـ «العلي العظيم».

(٧) في المرآة : «قوله تعالى :( وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً ) [الإسراء (١٧) : ١١١] في الآية معطوف على القول ، والمخاطب به النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويشكل نظمه هاهنا مع الجمل السابقة ، فيحتمل أن يكون معطوفا على الجمل السابقة بأن يكون خبر مبتدأ محذوف بتأويل : مقول في حقه ، أو يكون خطابا عاما لكل من يستحق الخطاب ؛ لبيان أنه يستحق من كل أحد أن يصفه بالكبرياء ، ويمكن أن يقرأ على صيغة الماضي ، أي كبره كل شيء تكبيرا. ولا يبعد أن يكون في الأصل : واكبره تكبيرا على صيغة المتكلم ، فصحفه النساخ ليكون موافقا للقرآن».

(٨) في «جت» : «والله».

(٩) في «بن» : «زال».

(١٠) المحاسن ، ص ٤٢ ، كتاب ثواب الأعمال ، ح ٥٦ ، عن الحسين بن يزيد النوفلي. وفي الجعفريات ، ص ٢٣١ ؛ والأمالي للصدوق ، ص ٥٥٦ ، المجلس ٨٢ ، ح ١٣ ، بسند آخر عن جعفر بن محمد ، عن آبائهعليهم‌السلام ، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، إلى قوله : «فليكثر من قول : لا حول ولا قوة إلابالله العلي العظيم» مع اختلاف يسير ، وفي الأخير مع زيادة في آخره. الكافي ، كتاب الدعاء ، باب الدعاء للرزق ، ح ٣٣٦٤ ، بسند آخر من دون الإسناد إلى المعصومعليه‌السلام ، مع اختلاف الوافي ، ج ٩ ، ص ١٦١٠ ، ح ٨٨٣٢ ؛ البحار ، ج ٩٥ ، ص ٢٩٦ ، ح ١٠.

٢٣٠

إسماعيل بن عبد الخالق ، قال :

سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول لأبي جعفر الأحول وأنا أسمع(١) : «أتيت البصرة؟» فقال : نعم.

قال : «كيف رأيت مسارعة الناس إلى هذا الأمر ، ودخولهم فيه؟».

قال : والله إنهم لقليل ، ولقد فعلوا ، وإن ذلك لقليل.

فقال : «عليك بالأحداث(٢) ، فإنهم أسرع إلى كل خير».

ثم قال : «ما يقول أهل البصرة في هذه الآية( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) ؟»(٣) .

قلت : جعلت فداك ، إنهم يقولون : إنها لأقارب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

قال(٤) : «كذبوا ، إنما نزلت(٥) فينا خاصة ، في أهل البيت ، في علي وفاطمة والحسن والحسين أصحاب الكساءعليهم‌السلام ».(٦)

حديث أهل الشام

١٤٨٨٢ / ٦٧. عنه ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن محمد بن داود ، عن محمد بن عطية ، قال :

__________________

(١) في الوسائل : ـ «وأنا أسمع».

(٢) في الوافي : «المراد بأبي جعفر الطاق مؤمن الطاق ، وبهذا الأمر التشيع ، وبالأحداث الشباب».

(٣) الشورى (٤٢) : ٢٣.

(٤) هكذا في معظم النسخ التي قوبلت والوافي. وفي «بن» والمطبوع : «فقال».

(٥) في «ع» : «انزلت».

(٦) قرب الإسناد ، ص ١٢٨ ، ح ٤٥٠ ، بسنده عن إسماعيل بن عبد الخالق ، مع اختلاف يسير الوافي ، ج ٣ ، ص ٩٠٣ ، ح ١٥٧٢ ؛ الوسائل ، ج ١٦ ، ص ١٨٧ ، ح ٢١٣٠٩ ، إلى قوله : «فإنهم أسرع إلى كل خير».

٢٣١

جاء إلى أبي جعفرعليه‌السلام رجل(١) من أهل الشام من علمائهم ، فقال : يا با جعفر(٢) ، جئت أسألك عن مسألة قد أعيت(٣) علي أن أجد أحدا(٤) يفسرها ، وقد سألت عنها ثلاثة أصناف من الناس ، فقال كل صنف منهم شيئا غير الذي قال الصنف الآخر.

فقال له أبو جعفرعليه‌السلام : «ما ذاك؟».

قال : فإني أسألك عن أول ما خلق الله من خلقه ، فإن بعض من سألته قال :

القدر ، وقال(٥) بعضهم : القلم ، وقال بعضهم : الروح(٦) ؟

فقال أبو جعفرعليه‌السلام : «ما قالوا شيئا(٧) ، أخبرك أن الله ـ تبارك وتعالى ـ كان ولا شيء غيره ، وكان عزيزا ، ولا أحد كان قبل عزه ، وذلك قوله :( سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ) (٨) وكان الخالق قبل المخلوق ، ولو كان أول ما خلق من خلقه الشيء من

__________________

(١) هكذا في معظم النسخ التي قوبلت والوافي والبحار. وفي «جت» والمطبوع : «جاء رجل إلى أبي جعفرعليه‌السلام ».

(٢) هكذا في معظم النسخ التي قوبلت والوافي. وفي «بن» والمطبوع : «يا أبا جعفر».

(٣) يقال : أعيا عليه الأمر وتعايا واستعيا وتعيا ، إذا لم يهتد لوجه مراده ، أو وجه علمه ، أو عجز عنه ولم يطق إحكامه. راجع : تاج العروس ، ج ١٩ ، ص ٧١٦ (عيا).

(٤) في «جد» وحاشية «م» : + «أن».

(٥) في «بن» : ـ «قال».

(٦) في الوافي : «اللوح».

(٧) في الوافي : «ما قالوا شيئا ، أي شيئا ينفعك وإن كان صحيحا ، كما يأتي بيانه ، ولعله أشار بالماء الذي خلق الأشياء منه إلى المادة التي خلق منها الأشياء بإفاضة الصور عليها ، وإنما سماها الماء لقبولها التشكلات بسهولة ، وإنما جعلها أول ما خلق مع أنها متأخرة عن الصورة في الوجود ؛ لثباتها على حالها مع توارد الصور عليها ، فهي من هذا الوجه متقدمة على جميع الصور ، وإنما جعلها أولا مع أن خلق الأرواح متقدم على خلق الأجسام ؛ لأن السائل إنما سأل عن أول ما خلق من عالم الخلق دون الأمر ، كما كان ظاهرا من حاله ومبلغ علمه وسؤاله».

وقال المحقق الشعراني في هامش شرح المازندراني : «مراده عليه‌السلام من تضعيف قول من قال : إن أول ما خلق الله الروح أو القلم أو القدر ، أنه لم يقع موقعه من السؤال ، وإلا فجميع هذه أيضا مروية ، وقد سبق في أول الكتاب أن أول ما خلق الله العقل ، وروي أن أول ما خلق نور رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولكن لم يكن سؤال السائل إلاعن المادة الاولى للأجسام ، وكم من كلام صحيح لا يمكن أن يقع جواب سائل ، مثل قوله : «قل هو الله أحد» في جواب من سأل عن نصاب الزكاة».

(٨) الصافات (٣٧) : ١٨٠.

٢٣٢

الشيء ، إذا لم يكن له انقطاع أبدا ، ولم يزل الله إذا ومعه شيء ليس هو يتقدمه ، ولكنه كان إذ لاشيء غيره ، وخلق الشيء الذي جميع الأشياء منه ، وهو الماء الذي خلق الأشياء منه(١) ، فجعل(٢) نسب كل شيء إلى الماء ، ولم يجعل للماء نسبا يضاف إليه ، وخلق الريح من الماء ، ثم سلط الريح على الماء ، فشققت الريح متن الماء حتى ثار من الماء زبد على قدر ما شاء أن يثور ، فخلق من ذلك الزبد أرضا بيضاء نقية(٣) ليس فيها صدع(٤) ولا ثقب(٥) ولا صعود ولا هبوط(٦) ولا شجرة ، ثم طواها فوضعها فوق الماء ، ثم خلق الله النار من الماء ، فشققت النار متن الماء حتى ثار من الماء دخان على قدر ما شاء الله أن يثور ، فخلق من ذلك الدخان سماء صافية نقية ليس فيها صدع ولا ثقب(٧) ، وذلك قوله :( أَمِ السَّماءُ (٨) بَناها رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها ) (٩) .

قال : «ولا شمس ولا قمر ولا نجوم ولا سحاب ، ثم طواها ، فوضعها(١٠) فوق الأرض ، ثم نسب الخليقتين(١١) ، فرفع السماء قبل الأرض ،

__________________

(١) في «بف» : ـ «الذي خلق الأشياء منه».

(٢) في «ن» : «وجعل».

(٣) في «ن» : «نقية بيضاء».

(٤) الصدع : الشق والتفرق. راجع : الصحاح ، ج ٣ ، ص ١٢٤١ (صدع).

(٥) في «م ، بح ، بف ، جت ، جد» وشرح المازندراني : «نقب».

(٦) قرأ العلامة المازندراني الصعود والهبوط بالفتح ، حيث قال في شرحه : «الصعود بالفتح : العقبة ، والهبوط بالفتح : الخدود». قوله : «الخدود» الصحيح : الحدور. راجع : الصحاح ، ج ٢ ، ص ٤٩٧ (صعد) ؛ وج ٣ ، ص ١١٦٩ (هبط).

(٧) في «ل ، م ، بح ، بف ، جت» وشرح المازندراني والوافي والبحار : «نقب».

(٨) هكذا في المصحف والبحار. وفي النسخ والمطبوع : «والسماء» بدل «أم السماء».

(٩) النازعات (٧٩) : ٢٧ ـ ٢٩.

(١٠) في شرح المازندراني : «ووضعها».

(١١) في «ن» : «الخلقتين». وفي «ع ، ل» : «الخليقين». وفي «د» : «الحلقتين».

وفي شرح المازندراني : «ثم نسب الخليقتين ، أي جاء بواحدة منهما في أثر الآخر».

٢٣٣

فذلك(١) قوله عز ذكره :( وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها ) (٢) يَقُولُ : بَسَطَهَا».

فَقَالَ(٣) لَهُ(٤) الشَّامِيُّ : يَا بَا جَعْفَرٍ(٥) ، قَوْلُ(٦) اللهِ عَزَّوَجل :( أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما ) ؟(٧) .

فَقَالَ لَهُ(٨) أَبُو جَعْفَرٍعليه‌السلام : «فَلَعَلَّكَ تَزْعُمُ أَنَّهُمَا كَانَتَا رَتْقاً مُلْتَزِقَتَيْنِ(٩) مُلْتَصِقَتَيْنِ(١٠) ، فَفُتِقَتْ إِحْدَاهُمَا مِنَ الْأُخْرى؟».

فَقَالَ : نَعَمْ.

فَقَالَ(١١) أَبُو جَعْفَرٍعليه‌السلام : «اسْتَغْفِرْ رَبَّكَ ، فَإِنَّ قَوْلَ اللهِ عَزَّوَجَلَّ :( كانَتا رَتْقاً ) يقول : كانت السماء رتقا لاتنزل المطر ، وكانت الأرض رتقا لاتنبت الحب ، فلما خلق الله ـ تبارك وتعالى ـ الخلق ، وبث فيها من كل دابة ، فتق السماء بالمطر ، والأرض بنبات الحب».

فقال الشامي : أشهد أنك من ولد(١٢) الأنبياء ، وأن علمك علمهم.(١٣)

__________________

وفي المرآة : «قوله عليه‌السلام : ثم نسب الخليقتين ، أي رتبهما في الوضع وجعل إحداهما فوق الاخرى ، أو بين نسبة خلقهما في كتابه بقوله : ( وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها ) [النازعات (٧٩) : ٣٠] فبين أن دحوالأرض بعد رفع السماء».

(١) في «د» : «فلذلك».

(٢) النازعات (٧٩) : ٣٠.

(٣) في «ع ، ن ، جت» : «قال». وفي البحار : «قال : فقال».

(٤) في «بن» وشرح المازندراني : ـ «له».

(٥) هكذا في جميع النسخ التي قوبلت والوافي. وفي المطبوع وشرح المازندراني «يا أبا جعفر».

(٦) في «بن» : «فقول».

(٧) الأنبياء (٢١) : ٣٠.

(٨) في «بح ، جد» وشرح المازندراني : ـ «له».

(٩) في «د ، ع ، ل ، م ، ن ، بف ، بن» وحاشية «بح ، جت» وشرح المازندراني والوافي : «ملتزقتان». وفي «جت» : «متلازقتان».

(١٠) في «د ، ع ، ل ، م ، ن ، بف ، جت» وحاشية «بح» وشرح المازندراني والوافي : «ملتصقتان». وفي «بن» وحاشية «جت» : «ملتقيتان».

(١١) في «د ، م» : + «له».

(١٢) في حاشية «بح ، جت» : «أولاد».

(١٣) التوحيد ، ص ٦٦ ، ح ٢٠ ، بسند آخر ، إلى قوله : «وخلق الشيء الذي جميع الأشياء منه وهو الماء» مع

٢٣٤

١٤٨٨٣ / ٦٨. محمد ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن العلاء بن رزين ، عن محمد بن مسلم ؛ و(١) الحجال ، عن العلاء ، عن محمد بن مسلم ، قال :

قال لي أبو جعفرعليه‌السلام : «كان كل شيء ماء ، وكان عرشه على الماء ، فأمر الله ـ جل وعز ـ الماء فاضطرم(٢) نارا ، ثم أمر النار فخمدت(٣) ، فارتفع من خمودها دخان ، فخلق(٤) السماوات(٥) من ذلك الدخان ، وخلق الأرض من الرماد(٦) ، ثم اختصم الماء والنار والريح ، فقال الماء : أنا جند الله الأكبر ، وقالت(٧) الريح(٨) : أنا جند الله الأكبر ، وقالت(٩) النار(١٠) : أنا جند الله الأكبر ، فأوحى الله ـعزوجل ـ إلى الريح : أنت جندي الأكبر».(١١)

__________________

اختلاف يسير الوافي ، ج ٢٦ ، ص ٤٦٧ ، ٢٥٥٤٨ ؛ البحار ، ج ٥٧ ، ص ٩٦ ، ح ٨١.

(١) في السند تحويل بعطف «الحجال ، عن العلاء ، عن محمد بن مسلم» على «ابن محبوب ، عن العلاء بن رزين ، عن محمد بن مسلم».

(٢) «فاضطرم» أي اشتعل ، يقال : ضرمت النار وتضرمت واضطرمت ، إذا اشتعلت والتهبت ، وأضرمتها أناوضرمتها ، شدد للمبالغة. راجع : الصحاح ، ج ٥ ، ص ١٩٧١ ؛ لسان العرب ، ج ١٢ ، ص ٣٥٤ (ضرم).

(٣) قال الجوهري : «خمدت النار تخمد خمودا : سكن لهبها ولم يطفأ جمرها. وخمدت ، إذا طفئ جمرها». الصحاح ، ج ٢ ، ص ٤٦٩ (خمد).

(٤) هكذا في معظم النسخ التي قوبلت. وفي المطبوع والوافي : + «الله».

(٥) في «جت» : «السماء».

(٦) في شرح المازندراني : «وخلق الأرض من الرماد ، هذا لا ينافي ما مر من أنها خلقت من زبد الماء ؛ لأن الرماد زبد ، سمي رمادا باعتبار أنه بقي بعد تأثير النار فيه وخروج أجزاء مائيته وتصاعدها من تأثير النار». وقيل غير ذلك ، فراجع : مرآة العقول ، ج ٢٥ ، ص ٢٣٢.

(٧) في «بح» : «وقال».

(٨) في الكافي ، ح ١٤٩٥٧ : «النار».

(٩) في «بح» : «وقال».

(١٠) في الكافي ، ح ١٤٩٥٧ : «الريح».

(١١) الكافي ، كتاب الروضة ، ح ١٤٩٥٧. وفي كمال الدين ، ص ٢٤٧ ؛ ومعاني الأخبار ، ص ٩٣ ، مرسلا عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتمام الرواية هكذا : «الريح جند الله الأكبر» الوافي ، ج ٢٦ ، ص ٤٧٢ ، ح ٢٥٥٤٩ ؛ بحارالأنوار ، ج ٥٧ ، ص ٩٨ ، ح ٨٢.

٢٣٥

حديث الجنان والنوق(١)

١٤٨٨٤ / ٦٩. علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن محمد بن إسحاق المدني :

عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال : «إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله سئل(٢) عن قول اللهعزوجل :( يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً ) (٣) ؟

فقال(٤) : يا علي ، إن الوفد(٥) لايكونون(٦) إلا ركبانا ، أولئك رجال اتقوا الله ، فأحبهم الله ـ عز ذكره ـ واختصهم ، ورضي أعمالهم(٧) ، فسماهم المتقين.

ثم قال له(٨) : يا علي ، أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة(٩) إنهم ليخرجون من قبورهم(١٠) ، وإن الملائكة لتستقبلهم بنوق من نوق العز(١١) ، عليها رحائل(١٢) الذهب ،

__________________

(١) «النوق» : جمع الناقة. الصحاح ، ج ٤ ، ص ١٥٦١ (نوق).

(٢) في «بف» : «سئل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله » بدل «إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله سئل».

(٣) مريم (١٩) : ٨٥.

(٤) في «م ، جد» وتفسير القمي : «قال».

(٥) الوفد والوفود : هم الذين يقدمون على الملوك مستنجزين الحوائج ، أو هم القوم يجتمعون ويردون البلاد وكذلك الذين يقصدون الامراء لزيارة واسترفاد وانتجاع وغير ذلك ، أو هم الركبان المكرمون. فأما الوفد فاسم للجميع ، وقيل : جميع ، وأما الوفود فجمع وافد. راجع : النهاية ، ج ٥ ، ص ٢٠٩ ؛ لسان العرب ، ج ٣ ، ص ٤٦٤ (وفد).

(٦) في «بن» وتفسير القمي : «لا يكون».

(٧) في حاشية «د» : «أفعالهم».

(٨) في «بن» وتفسير القمي : ـ «له».

(٩) قال الجوهري : «النسمة : الإنسان». وقال ابن الأثير : «النسمة : النفس والروح ، وكل دابة فيها روح فهي نسمة» ، ف «برأ النسمة» أي خلق ذات روح. راجع : الصحاح ، ج ٥ ، ص ٢٠٤٠ ؛ النهاية ، ج ٥ ، ص ٤٩ (نسم).

(١٠) في تفسير القمي : + «وبياض وجوههم كبياض الثلج عليهم ثياب بياضها كبياض اللبن عليهم نعال الذهب شراكها من لؤلؤ يتلألأ. وفي حديث آخر ، قال».

(١١) في تفسير القمي : «الجنة». وفي شرح المازندراني : «إضافة النوق إلى العز لامية باعتبار أنها معدة لمن أراد الله تعالى عزته في ذلك اليوم». وفي المرآة : «قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من نوق العز ، النوق بالضم : جمع ناقة ، أي النوق التي يعز من يركب عليها ، أي نسبت إلى عزه تعالى لرفعتها وظهور قدرة الله فيها ، أو هي عزيزة في نفسها».

(١٢) في «بف» وحاشية «بح» وشرح المازندراني والوافي : «وحال». والرحائل : جمع الرحالة ، ككتابة ، وهو

٢٣٦

مكللة بالدر والياقوت(١) ، وجلائلها(٢) الإستبرق(٣) والسندس(٤) ، وخطمها(٥) جدل(٦) الأرجوان(٧) ، تطير(٨) بهم إلى المحشر ، مع كل رجل منهم ألف ملك من(٩) قدامه(١٠) ، وعن يمينه وعن شماله ، يزفونهم زفا(١١) حتى ينتهوا بهم إلى باب الجنة الأعظم ، وعلى باب الجنة شجرة ، إن الورقة(١٢) منها ليستظل تحتها(١٣) ألف رجل من الناس ، وعن يمين الشجرة عين(١٤) مطهرة مزكية.

__________________

السرج ، أو سرج من جلود ليس فيه خشب كانوا يتخذونه للركض الشديد. راجع : لسان العرب ، ج ١١ ، ص ٢٧٦ ؛ القاموس المحيط ، ج ٢ ، ص ١٣٢٨ (رحل).

(١) «مكللة بالدر والياقوت» أي محفوفة ومحاطة ومزينة بهما. راجع : الصحاح ، ج ٥ ، ص ١٨١٢ (كلل).

(٢) في الوافي : «جلالها». والجلائل : جمع الجليل ، وهو الثمام ، وهو نبت ضعيف يحشى به خصاص البيوت ، والواحدة : جليلة ، أو هو الثمام إذا عظم وجل. راجع : الصحاح ، ج ٤ ، ص ١٦٥٩ ؛ لسان العرب ، ج ١١ ، ص ١٢٠ (جلل).

(٣) «الإستبرق» : الديباج الغليظ ، فارسي معرب. الصحاح ، ج ٤ ، ص ١٤٥٠ (برق) ، وص ١٤٩٦ (سرق).

(٤) السندس : ما رق من الديباج ورفع. النهاية ، ج ٢ ، ص ٤٠٩ (سندس).

(٥) الخطم : جمع الخطام ، وهو الزمام ، أو هو الحبل الذي يقاد به البعير ، وأما الزمام فهو الذي يجعل في الأنف دقيقا. راجع : الصحاح ، ج ٥ ، ص ١٩١٥ ؛ النهاية ، ج ٢ ، ص ٥٠ (خطم).

(٦) في «د ، م ، ن ، بح ، جد» : «جذل». والجدل : مصدر جدلت الحبل أجدله جدلا ، أي فتلته فتلا محكما. وقرأه العلامة المازندراني بضمتين ، ككتب جمع الجديل ، وهو الزمام المجدول ـ أي المفتول ـ من أدم ، وحبل من أدم أو شعر في عنق البعير. راجع : الصحاح ، ج ٤ ، ص ١٦٥٣ ؛ القاموس المحيط ، ج ٢ ، ص ١٢٩١ (جدل).

(٧) «الارجوان» : صبغ أحمر شديدة الحمرة. الصحاح ، ج ٦ ، ص ٢٣٥٣ (رجا).

(٨) في «جد» : «تصير». وفي تفسير القمي : «خطامها جدل الارجوان ، وأزمتها من ربرجد ، فتطير» بدل «خطمها جدل الارجوان ، تطير».

(٩) في «ن» : «عن».

(١٠) في «د ، ع ، ل» : «قدامهم».

(١١) قال ابن الأثير : «ومنه الحديث : يزف علي بيني وبين إبراهيمعليه‌السلام إلى الجنة ، إن كسرت الزاي فمعناه : يسرع ، من زف في مشيه وأزف ، إذا أسرع ؛ وإن فتحت فهو من زففت العروس أزفها ، إذا أهديتها إلى زوجها». وفي المرآة : «قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يزفونهم زفا ، أي يذهبون بهم على غاية الكرامة ، كما يزف العروس إلى زوجها ، أو يسرعون بهم». النهاية ، ج ٢ ، ص ٣٠٥ (زفف).

(١٢) في «جت» : «ورقة».

(١٣) في تفسير القمي : + «مائة».

(١٤) في «د ، جت» : + «ماء».

٢٣٧

قال(١) : فيسقون منها شربة(٢) ، فيطهر الله بها قلوبهم من الحسد ، ويسقط عن(٣) أبشارهم الشعر ، وذلك قول الله(٤) عزوجل :( وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً ) (٥) من تلك العين المطهرة.

قال : ثم ينصرفون(٦) إلى عين أخرى عن يسار الشجرة ، فيغتسلون فيها ، وهي عين الحياة ، ، فلا يموتون أبدا.

قال(٧) : ثم يوقف بهم قدام العرش وقد سلموا من الآفات والأسقام والحر والبرد أبدا. قال : فيقول الجبار(٨) ـ جل ذكره ـ للملائكة الذين معهم : احشروا أوليائي إلى الجنة ، ولاتوقفوهم مع الخلائق ، فقد(٩) سبق رضاي عنهم ، ووجبت رحمتي لهم ، وكيف أريد أن أوقفهم مع أصحاب الحسنات والسيئات.

قال : فتسوقهم الملائكة إلى الجنة ، فإذا انتهوا بهم إلى باب الجنة الأعظم ، ضرب الملائكة الحلقة ضربة(١٠) تصر(١١) صريرا(١٢) يبلغ(١٣) صوت(١٤) صريرها كل حوراء أعدها الله

__________________

(١) في «بف» وتفسير القمي : ـ «قال».

(٢) في «د ، ع ، ل ، م ، ن ، بح ، بن ، جت» والبحار : + «شربة».

(٣) هكذا في جميع النسخ التي قوبلت والوافي. وفي المطبوع : «من».

(٤) في «بن» : «قوله» بدل «قول الله».

(٥) الإنسان (٧٦) : ٢١.

(٦) في «د» وحاشية «م ، بح ، جد» : «يصرفون».

(٧) في «م ، بن» : ـ «قال».

(٨) في «بن» : «الله».

(٩) في «ن» : «وقد».

(١٠) في البحار : + «عظيمة».

(١١) هكذا في جميع النسخ التي قوبلت والوافي والبحار. وفي المطبوع : «فتصر».

(١٢) الصر والصرير : الصوت الشديد وأشد الصياح. راجع : لسان العرب ، ج ٤ ، ص ٤٥٠ ؛ القاموس المحيط ، ج ١ ، ص ٥٩٤ (صرر).

(١٣) في «ع ، م ، ن ، بح ، جد» والبحار : «فبلغ». وفي «د» وحاشية «بح» وتفسير القمي : «فيبلغ». وفي «بن» : «يسمع». وفي «جت» : «تبلغ».

(١٤) في «د» : «ضرب».

٢٣٨

ـعزوجل (١) ـ لأوليائه في الجنان ، فيتباشرن بهم إذا سمعن(٢) صرير الحلقة ، فيقول بعضهن(٣) لبعض : قد جاءنا أولياء الله : فيفتح لهم الباب ، فيدخلون الجنة ، وتشرف(٤) عليهم أزواجهم من الحور العين والآدميين ، فيقلن : مرحبا بكم ، فما كان أشد شوقنا إليكم ، ويقول(٥) لهن أولياء الله مثل ذلك.

فقال عليعليه‌السلام : يا رسول الله ، أخبرنا(٦) عن قول اللهعزوجل :( غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ ) (٧) بِمَا ذَا بُنِيَتْ يَا رَسُولَ اللهِ؟

فَقَالَ : يَا عَلِيُّ ، تِلْكَ غُرَفٌ بَنَاهَا اللهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ لِأَوْلِيَائِهِ بِالدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ وَالزَّبَرْجَدِ ، سُقُوفُهَا الذَّهَبُ مَحْبُوكَةٌ(٨) بِالْفِضَّةِ ، لِكُلِّ غُرْفَةٍ مِنْهَا أَلْفُ بَابٍ مِنْ ذَهَبٍ(٩) ، عَلى كُلِّ بَابٍ مِنْهَا مَلَكٌ مُوَكَّلٌ بِهِ ، فِيهَا فُرُشٌ مَرْفُوعَةٌ ، بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ مِنَ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ بِأَلْوَانٍ مُخْتَلِفَةٍ ، وَحَشْوُهَا(١٠) الْمِسْكُ وَالْكَافُورُ وَالْعَنْبَرُ ، وَذلِكَ قَوْلُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ :( وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ ) (١١) إذا أدخل(١٢) المؤمن إلى منازله(١٣) في الجنة ووضع على رأسه تاج الملك والكرامة ، ألبس حلل الذهب والفضة والياقوت ، والدر منظوم(١٤) في

__________________

(١) في تفسير القمي : «خلقها الله وأعدها» بدل «أعدها اللهعزوجل ».

(٢) هكذا في حاشية «بم». وفي النسخ والمطبوع والوافي والبحار : «فيتباشرون بهم إذا سمعوا». وما أثبتناه هو الظاهر الموافق لسياق الحديث.

(٣) في «د ، بف ، جت» وحاشية «م ، بح ، جد» والوافي والبحار : «بعضهم».

(٤) في الوافي : «ويشرف».

(٥) في «ل ، بن» : «تقول». وفي «بف» : «فيقول».

(٦) في «بن» : «أخبرنا يا رسول الله».

(٧) الزمر (٣٩) : ٢٠.

(٨) «محبوكة» ، من الحبك ، وهو الشد والإحكام وتحسين أثر الصنعة في الثوب. راجع : القاموس المحيط ، ج ٢ ، ص ١٢٣٩ (حبك).

(٩) في «م ، ن» والبحار : «الذهب».

(١٠) الحشو : ما ملأت به ـ كالقطن ـ الفراش وغيره. راجع : لسان العرب ، ج ١٤ ، ص ١٨٠ (حشا).

(١١) الواقعة (٥٦) : ٣٤.

(١٢) في «بن» : «دخل».

(١٣) في «جت» : «منزله».

(١٤) هكذا في معظم النسخ التي قوبلت وحاشية «د ، جت» والوافي والبحار. وفي «د ، جت» وحاشية «ن ، بح» : «منظومة». وفي المطبوع : «المنظوم».

٢٣٩

الإكليل(١) تحت التاج.

قال : وألبس سبعين حلة حرير بألوان مختلفة وضروب مختلفة منسوجة بالذهب والفضة واللؤلؤ والياقوت الأحمر ، فذلك قولهعزوجل :( يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ ) (٢) فإذا جلس المؤمن على سريره ، اهتز سريره فرحا ، فإذا استقر لولي(٣) الله ـعزوجل ـ منازله في الجنان ، استأذن عليه الملك(٤) الموكل بجنانه ليهنئه بكرامة الله ـعزوجل ـ إياه ، فيقول له خدام المؤمن من(٥) الوصفاء والوصائف(٦) : مكانك ؛ فإن ولي الله قد اتكأ على أريكته ، وزوجته الحوراء(٧) تهيأ له(٨) ، فاصبر لولي الله.

قال : فتخرج(٩) عليه زوجته الحوراء من خيمة لها تمشي مقبلة وحولها وصائفها ، وعليها سبعون حلة منسوجة بالياقوت واللؤلؤ والزبرجد هي(١٠) من مسك وعنبر(١١) ، وعلى رأسها تاج الكرامة ، وعليها نعلان من ذهب مكللتان بالياقوت

__________________

(١) في شرح المازندراني : «الإكليل : التاج ، وشبه عصابة تزين بالجوهر ، ولعل المراد به الثاني ، وإن اريد به الأول كان المراد بتحت التاج حواشيه». وراجع : الصحاح ، ج ٥ ، ص ١٨١٢ (كلل).

(٢) الحج (٢٢) : ٢٣ ؛ فاطر (٣٥) : ٣٣.

(٣) في البحار : «بولي».

(٤) في «ع ، ل ، بن ، جت» : ـ «الملك».

(٥) في الوافي : ـ «من».

(٦) قال الجوهري : «الوصيف : الخادم ، غلاما كان أو جارية ، يقال : وصف الغلام ، إذا بلغ حد الخدمة ، فهو وصيف بين الوصافة ، والجمع : وصفاء ، وربما قالوا للجارية : وصيفة بين الوصافة والإيصاف ، والجمع : وصائف». وقال ابن الأثير : «الوصيف : العبد ، والأمة : وصيفة ، وجمعهما : وصفاء ووصائف». الصحاح ، ج ٤ ، ص ١٤٣٩ ؛ النهاية ، ج ٥ ، ص ١٩١ (وصف).

(٧) في «بح» : ـ «الحوراء».

(٨) في شرح المازندراني : «تهنأ ، في بعض النسخ بالنون بعد الهاء من التهنية ، وفي بعضها بالياء بعدها من التهيئة». وفي المرآة : «قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : تهيأ له ، على صيغة المضارع بحذف إحدى التاءين».

(٩) في الوافي : «فيخرج».

(١٠) هكذا في معظم النسخ. وفي «جت» والبحار : ـ «هي». وفي المطبوع والوافي : «وهي».

(١١) في المرآة : «قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : هي من مسك وعنبر ، لعل المراد أن أصل تلك الثياب من نوع من المسك والعنبر يمكن نسجها ولبسها ، أو من شيء عطره كالمسك والعنبر ، لكنها نظمت ونسجت بالياقوت واللؤللؤ ، وفي تفسير علي بن إبراهيم : صبغن بمسك وعنبر».

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493