المنتخب للطريحي المنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري) الجزء ١

المنتخب للطريحي المنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري)0%

المنتخب للطريحي المنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري) مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 220

المنتخب للطريحي المنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري)

مؤلف: الإمام الكبير والـمُصنّف الشّهير الشّيخ فخر الدّين الطريحي النّجفي
تصنيف:

الصفحات: 220
المشاهدات: 30761
تحميل: 2875


توضيحات:

الـمُنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري) الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 220 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 30761 / تحميل: 2875
الحجم الحجم الحجم
المنتخب للطريحي المنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري)

المنتخب للطريحي المنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري) الجزء 1

مؤلف:
العربية

وإذا الهموم تعاورتك فسلها

بمصاب أولاد البتولة فاطمة

عن ابن عباس قال : كنت جالساً بين يدي النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ذات يوم , وبين يديه عليّ وفاطمة والحسن والحُسين (عليهم‌السلام ) , إذ هبط جبرائيل ومعه تفّاحة , فتحيّا بها النّبي وحيّا بها عليّ بن أبي طالب , فتحيّا بها عليّ وقبّلها وردّها إلى رسول الله , فتحيّا بها رسول الله وحيّا بها الحسن , فتحيّا بها الحسن وقبّلها وردّها إلى رسول الله , فتحيّا بها رسول الله وحيّا بها الحُسين , فتحيّا بها الحُسين وقبّلها وردّها إلى النّبي , فتحيّا بها (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وحيّا بها فاطمة , فتحيّت بها فاطمة وقبّلتها وردّتها إلى النّبي , فتحيّا بها الرّابعة وحيّا بها عليّ بن أبي طالب , فتحيّا بها عليّ بن أبي طالب , فلمّا همّ أن يردّها إلى النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , سقطت التّفاحة من بين أنامله فانفلقت نصفين , فسطع منها نور حتّى بلغ السّماء , فإذا عليها سطران مكتوبان : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ , تحيّة من الله تعالى إلى مُحمّد الـمُصطفى , وعليّ وفاطمة الزّهراء , والحسن والحُسين سبطي رسول الله , وأمان لمحبّيهما يوم القيامة من النّار.

وعن أبي سلمان - راعي رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) - قال : سمعت رسول الله يقول : (( ليلة اُسري بي إلى السّماء , قال لي الجليل جلّ جلاله :( آمَنَ الرّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رَبّهِ ) (١) قُلت : والمؤمنون قال : صدقت يا مُحمّد , مَن خلّفت في اُمّتك ؟ قُلت : خيرها قال : عليّ بن أبي طالب ؟ قُلت : نعم يا رب قال : يا مُحمّد , إنّي اطلعت على الأرض إطلاعة فاخترتك منها , فشققت لك اسماً من اسمائي , فلا اُذكر في موضع إلاّ ذُكرت معي , فأنا المحمود وأنت مُحمّد , ثمّ اطلعت الثّانية , فاخترت منها عليّاً وشققت له اسماً من اسمائي , فأنا الأعلى وهو عليّ يا مُحمّد , إنّي خلقتك وخلقت عليّاً وفاطمة , والحسن والحُسين والأئمة من ولده من سنخ نور من نوري ، وعرضت ولايتكم على أهل السّماوات وأهل الأرض , فمَن قبلها كان عندي من المؤمنين , ومَن جحدهما كان عندي من الكافرين يا مُحمّد , لو أنّ عبداً من عبيدي , عبدني حتّى ينقطع أو يصير كالشّن البالي , ثمّ اتاني جاحداً لولايتكم , ما غفرت له حتّى يقرّ بولايتكم يا مُحمّد , تحبّ أن تراهم ؟ قُلت : نعم يا رب فقال لي : التفت إلى يمين العرش فالتفت , وإذا أنا بعليّ وفاطمة , والحسن والحُسين , وعليّ بن الحُسين , ومُحمّد بن عليّ , وجعفر بن مُحمّد , وموسى بن جعفر , وعليّ بن

____________________

(١) سورة البقرة / ٢٨٥.

١٠١

موسى , ومُحمّد بن عليّ , وعليّ بن مُحمّد , والحسن بن عليّ , والمهدي , في ضحضاح من نور , قيام يُصلّون وهو في وسطهم - يعني المهدي - كأنّه كوكب درّي , وقال : يا مُحمّد , هؤلاء الحجج ، وإنّه - يعني المهدي (عليه‌السلام ) - الحجّة الواجبة لأوليائي والمنتقم من أعدائي )) :

هم النور نور الله جلّ جلاله

هم التين والزيتون والشفع والوتر

مهابط وحي الله خزان علمه

ميامين في أبياتهم نزل الذكر

وأسماؤهم مكتوبة فوق عرشه

ومكنونة من قبل أن يخلق الذر

فلولاهم لم يخلق الله آدماً

ولا كان زيد في الأنام ولا عمرو

ولا سطحت أرض ولا رفعت سما

ولا طلعت شمس ولا أشرق البدر

ونوح بهم في الفلك لـمّا دعا نجى

وغيض به طوفانه وقضي الأمر

ولو لاهم نار الخليل لـمّا غدت

سلاماً وبرداً وانطفى ذلك الجمر

ولولاهم يعقوب ما زال حزنه

ولا كان عن أيوب ينكشف الضر

ولان لداود الحديد بسرهم

وقدر في سر يحير به الفكر

ولما سليمان البساط بهم دعا

اسيلت له عين يفيض بها القطر

وسخرت الريح الرحاء بأمره

فغدوتها شهر وروحتها شهر

وهم سر موسى في العصا عندما عصى

أوامره فرعون والتقف السحر

ولولاهم ما كان عيسى بن مريم

يغادر من طي اللحود له نشر

سرى سرهم في الكائنات وفضلهم

فكل نبي فيه من سرهم سر

مصابكم يا آل طه مصيبة

ورزء على الإسلام أحدثه الكفر

فيا إخواني , على مثل هؤلاء فليبك الباكون , وإيّاهم فليندب النّادبون , ولمثلهم تذرف الدّموع من العيون ، أو لا تكونون كبعض مادحيهم حيث عرته الأحزان وتتابعت عليه الأشجان , فنظم فيهم وقال :

القصيدة للشيخ ابن حماد (رحمه‌الله )

أيفرح من له كبد يذوب

وقلب من صبابته كئيب

وقفت بكربلاء فهيجت لي

كروباً ليس يشفيها طبيب

١٠٢

ومثل لي الحُسين بها غريباً

بنفسي ذلك الثاوي الغريب

فلا سعد ابن سعد حين حرب

إلى حرب الحُسين به الحروب

عجبت لهم وحلم الله عنهم

وكل فعالهم تعس عجيب

حبيب مُحمّد فيهم صريع

يناديهم وليس له مجيب

بنات مُحمّد فيهم سبايا

ورحل مُحمّد فيهم نهيب

كأني بالنساء مهتكات

عليهن الكآبة والشحوب

فلما أن بصرن به صريعاً

له خد على الرمضا تريب

سقطن على الوجوه مولولات

وادمعهن وأكفة تصوب

وشققن الثياب عليه حزناً

وشقت منهم أسفاً جيوب

وأنت زينب من حزن قلب

بنار الوجد محترق يذوب

ونادت ليت أمي لم تلدني

ولم أرى ما الذي بك يا غريب

تنادي اختها يا أخت قومي

فموتك بعد سيدنا قريب

فيا ليت المنية قدمتنا

ومتنا قبل ما قتل الحبيب

أخية لا حيينا بعد هذا

فإن حياتنا ليست تطيب

فوا حزناً ووا سلباً إذا ما

تراءى جسمه العاري السليب

فيا رب السماء إليك نشكو

فأنت على فعالهم رقيب

سأبكي ما حييت لهم وأبكي

وقل لهم بكائي والنحيب

صلاة الله والأملاك تترى

عليهم ما سرت في الأرض نيب

سأنشر فضلهم سراً وجهراً

وألعن ثمّ من لهم يعيب

وحسبي مدح ساداتي حبيباً

بهم أرجو النجاة ولا أخيب

هم نجباء خير الخلق طراً

وليس يحبهم إلّا نجيب

وذكرهم يبيّن كل أصل

بهم عرف المطهر والمشوب

لعبدكم ابن حماد قريض

يلذ سماعه الفطن اللبيب

١٠٣

المجلس السّادس

في اليوم الثّالث من عشر الـمُحرّم

وفيه أبواب ثلاثة

الباب الأوّل

أيّها المؤمنون النّاصحون والأتقياء الصّالحون , إجروا الدّماء من العيون واهجروا لذيذ الرّقاد من الجفون , لهذا الخطب العظيم والرّزء الجسيم ، مصاب أبكى الرّسول والزّهراء البتول والسّماء دماً , واُقيم له فوق الطّباق مأتماً ، فوا أسفاه على ما تجرّعوه من الحتوف ومرارات حرّ السّيوف !

فيا إخواني , بالغوا في النّوح والإجتهاد , وأعدّوه أكرم الزّاد ليوم المعاد , على قوم بهم اُفيضت عليكم النّعم الفاخرة في الحياة الدّنيا والآخرة , وكيف لا نحزن لفتية عصمهم الله من الخطأ والزّلل , وجعلهم سفن النّجاة لِمَن بهم اتصل , كما ورد في الخبر عن سيّد البشر , أنّه قال : (( أهل بيتي كسفينة نوح في قومه , مَن ركبها نجى ومن تخلّف عنها هلك )) أعلام الله في أرضه وحججه على عباده , فرسان الكلام وولاة الإسلام , المجاهدون في سبيل ذي الجلال بالأنفس والأموال , الصّابرون على عظم النّكال وشديد الوبال :

لهم وجوه على الأنوار مشرقة

تضيء نوراً بإشراق ولمعان

تضيء أنوار آثار السجود لها

لما بها من علامات وعنوان

لله كم لهم بالطف من جسد

مسربل بقميص النقع عريان

ملقى على الأرض هوناً بعد غربته

بلا حنوط ولا غسل وأكفان

١٠٤

لهفي وقد صرعوا من حوله نفر

زهر المناقب من شيب وشبان

كأنهم أنجم تنقض من فلك

وكل نجم هوى رجم لشيطان

لهفي وقد خرّ والرمضاء من دمه

تروي ويقتل فيها غير ديان

لهفي على مهره إذ مرّ منقلباً

يشكو إلى الله من فقد ووجدان

لهفي لنسوته يندبنه أسفاً

لهفي لملهوفة تشكو للهفان

لهفي لفاطمة تدعوه صارخة

بكسر قلب من الأحزان ملآن

وكل عين على هذا المصاب جرت

فكيف لم تجر من عيني عينان

يا آل أحمد يا من طيب ذكرهم

إذا تنشقته في الترب أحياني

حزني لكم مثل ودي دائماً أبداً

لا ينقضي وصباباتي وأشجاني

روي عن طريق أهل البيت (عليهم‌السلام ) : (( أنّه لـمّا استشهد الحُسين , بقي في كربلاء صريعاً ودمه على الأرض مسفوحاً , وإذا بطائر أبيض قد أتى ومسح بدمه , وجاء والدّم يقطر منه , فرأى صوراً تحت الظّلال على الغصون والأشجار , وكلّ منهم يذكر الحبّ والعلف والماء , فقال لهم ذلك الطّير المتلطخ بالدّم : يا ويلكم , أتشتغلون بالملاهي وذكر الدّنيا والمناهي , والحُسين في أرض كربلاء في هذا الحرّ مُلقى على الرّمضاء , ظام مذبوح ودمعه مسفوح ؟! فعادت الطّيور كلّ منها قاصدة كربلاء , فرأوا سيدنا الحُسين (عليه‌السلام ) مُلقى في الأرض , جثّة بلا رأس ولا غُسل ولا كفن , قد سفت عليه السّوافي , وبدنه مرضوض قد هشمته الخيل بحوافرها ، زوّاره وحوش القفار ، وندبته جنّ السّهول والأوغار ، قد أضاء التّراب من أنواره , وأزهر الجو من إزهاره , فلمّا رأته الطّيور , تصايحن وأعلنّ بالكباء والثّبور , وتواقعن على دمه يتمرّغن فيه , وطار كلّ واحد منهم إلى ناحية يُعلم أهلها عن قتل أبي عبد الله الحُسين (عليه‌السلام ) , فمن القضاء والقدر أنّ طيراً من هذه الطّيور قصد مدينة الرّسول , وجاء يرفرف والدّم يتقاطر من أجنحته , ودار حول قبر سيّدنا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) يعلن بالنّداء : ألا قُتل الحُسين بكربلاء ! ألا ذُبح الحُسين بكربلاء! فاجتمعت الطّيور عليه وهم يبكون عليه وينوحون , فلمّا نظر أهل المدينة من الطّيور ذلك النّوح , وشاهدوا الدّم يتقاطر من الطّير , ولم يعلموا ما الخبر حتّى انقضت مدّة من الزّمن , وجاء خبر مقتل الحُسين (عليه‌السلام ) , علموا أنّ ذلك الطّير كان يخبر رسول الله بقتل ابن فاطمة

١٠٥

البتول , وقرّة عيّن الرّسول )).

وقد نُقل أنّه في ذلك اليوم الذي جاء فيه الطّير إلى المدينة , أنّه كان في المدينة رجل يهودي , وله بنت عمياء زمنة طرشاء مشلولة , والجذام قد أحاط ببدنها , فجاء ذلك الطّائر والدّم يتقاطر منه , ووقع على شجرة يبكي طول ليلته , وكان اليهودي قد أخرج ابنته تلك المريضة إلى خارج المدينة إلى بستان , وتركها في البستان الذي جاء الطّير ووقع فيه , فمن القضاء والقدر أنّ تلك الليلة عرض لليهودي عارض , فدخل المدينة لقضاء حاجته , فلم يقدر أن يخرج تلك الليلة إلى البستان التي فيها ابنته المعلولة ، والبنت لـمّا نظرت أباها لم يأتها تلك الليلة , لم يأتها نوم لوحدتها ؛ لأنّ أباها كان يحدّثها ويسلّيها حتّى تنام , فسمعت عند السّحر بكاء الطّير وحنينه , فبقيت تتقلب على وجه الأرض إلى أن صارت تحت الشّجرة التي عليها الطّير , فصارت كلّما حنّ ذلك الطّير , تجاوبه من قلب محزون , فبينما هي كذلك إذ وقع من الطّير قطرة من الدّم , فوقعت على عينها ففتحت , ثمّ قطرة اُخرى على عينها الاُخرى فبرئت , ثمّ قطرة على يديها فعوفيت , ثمّ على رجليها فبرئت , وعادت كلّما قطرت قطرة من الدّم , تلطخ بها جسدها , فعوفيت من جميع مرضها من بركات دم الحُسين (عليه‌السلام ) , فلمّا أصبح الصّباح , أقبل أبوها إلى البستان فرأى بنتاً تدور ولم يعلم أنّها ابنته , فسألها : أنّه كان لي في البستان بنت عليلة لم تقدر أن تتحرّك فقالت ابنته : والله أنا ابنتك فلمّا سمع كلامها وقع مغشيّاً عليه , فلمّا أفاق قام على قدميه , فأتت به إلى ذلك الطّير , فرآه واكراً على الشّجرة يئنّ من قلب حزين محترق ؛ مما فُعل بالحُسين (عليه‌السلام ) , فقال له اليهودي : بالذي خلقك أيّها الطّير , أن تكلمني بقدرة الله تعالى فنطق الطّير مستعبراً , ثمّ قال : اعلم أنّي كنت واكراً على بعض الأشجار مع جملة من الطّيور قبالة الظّهر , وإذا بطير ساقط علينا وهو يقول : أيّها الطّيور ! تأكلون وتتنعّمون والحُسين في أرض كربلاء في هذا الحرّ على الرّمضاء طريحاً ظامياً , والنّحر دام ورأسه مقطوع على الرّمح مرفوع , ونساءه سبايا حفاة عرايا فلمّا سمعن بذلك , تطايرن إلى كربلاء فرأيناه في ذلك الوادي طريحاً ، الغسل من دمه والكفن الرّمل السّافي عليه ، فوقعنا كلّنا ننوح عليه ونتمرّغ بدمه الشّريف , وكان كلّ منّا طار إلى ناحية , فوقعت أنا في هذا المكان فلمّا سمع اليهودي ذلك , تعجّب وقال : لو لم

١٠٦

يكُن الحُسين ذا قدر رفيع عند الله , ما كان دمه شفاء من كلّ داء ثمّ أسلم اليهودي وأسلمت البنت وأسلم خمسمئة من قومه :

يا أهل يثرب لا مقام لكم بها

قتل الحُسين فأدمعي مدرار

الجسم منه بكربلاء مضرج

والرأس منه على القناة يدار

روي : أنّ فاطمة الزّهراء (عليها‌السلام ) ندبت ولدها الحُسين من قبل أن تحمل به , ولقد ندبته بالغريب العطشان , البعيد عن الأوطان , الظّامي اللهفان , المدفون بلا غسل ولا أكفان , ثمّ قالت لابيها : (( يا رسول الله , مَن يبكي على ولدي الحُسين من بعدي ؟ )) فنزل جبرائيل من الرّب الجليل يقول : إنّ الله تعالى ينشئ له شيعة تندبه جيلاً بعد جيل فلمّا سمعت كلام جبرائيل , سكن بعض ما كان عندها من الوجل.

القصيدة للسيّد الـمُرتضى (رحمه‌الله )

شغل الدموع عن الديار بكاؤها

لبكاء فاطمة على أولادها

وا لهفتاه لعصبة علوية

تبعت اُمية بعد ذل قيادها

الله سابقكم إلى أرواحها

وكسبتم الآثام في أجسادها

إن قوضت تلك القباب فانها

خرت عماد الدين قبل عمادها

هي صفوة الله التي أحيى لها

وقضى أوامره إلى أمجادها

تروي مناقب فضلها أعداؤها

أبداً فتسندها إلى أضدادها

يا فرقة ضاعت دماء مُحمّد

وبنيه بين يزيدها وزيادها

صفدت بمال الله ملأ أكفها

وأكف آل الله في أصفادها

ضربوا بسيف مُحمّد أبناءه

ضرب الغرائب عدن بعد زيادها

يا يوم عاشوراء كم لك لوعة

تترقص الأحشاء في إيقادها

ما عدت إلّا عاد قلبي غلة

حزني ولو بالغت في إيرادها

روي عن رسول الله (ص) أنّه قال : (( بي اُنذرتم , ثمّ بعلي بن أبي طالب اهتديتم )) وقرأ : ((( إِنّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلّ قَوْمٍ هَادٍ ) (١) وبالحسن اُعطيتم الإحسان , وبالحُسين تسعدون وبه تشقون , ألا وإنّما الحُسين باب من أبواب الجنّة , مَن عانده حرّم الله

____________________

(١) سورة الرّعد / ٧.

١٠٧

عليه رائحة الجنّة )).

وروي : أنّ رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) خرج مع أصحابه إلى طعام دُعوا له , فتقدم رسول الله أمام القوم والحُسين مع غلمان يلعب , فأراد رسول الله أن يأخذه , فطفق يفرّ ههنا مرّة وههنا مرّة , فجعل رسول الله أيضاً يضاحكه حتّى أخذه ، قال : فوضع إحدى يديه تحت فاه والاُخرى تحت ذقنه , فوضع فاه على فيه فقبّله ، وقال : (( حُسين منّي وأنا من حُسين , أحبّ الله مَن أحبّ حُسيناً ، حُسين سبط من الأسباط )) :

حسب الذي قتل الحُسين

من الخسارة والندامة

إن الشفيع لدى الإله

خصيمه يوم القيامة

ذكر أحمد بن أعثم الكوفي : إنّ الفرزدق لقي الحُسين (ع) وسلّم عليه ودنا منه فقبّل يده , فقال له الحُسين (عليه‌السلام ) : (( من أين أقبلت يا أبا فراس ؟ )) فقال : من الكوفة يابن رسول الله قال : (( فكيف خلّفت أهل الكوفة ؟ )) قال : خلّفت , قلوب النّاس معك وسيوفهم مع بني اُميّة , والقضاء ينزل من السّماء , والله يفعل ما يشاء فقال له الحُسين : (( صدقت وبررت , إنّ الأمر لله يفعل ما يشاء , ربّنا تبارك وتعالى كلّ يوم هو في شأن , فإن نزل القضاء بما نحبّ , فالحمد لله على نعمائه وهو الـمُستعان على أداء الشّكر , وإن حال القضاء دون الرّجاء , فلن تبعد من الحقّ بلية )) فقال له الفرزدق : يابن رسول الله , وكيف تركن إلى أهل الكوفة وهم الذين قتلوا ابن عمّك مُسلم بن عقيل وشيعته ؟! قال : فاستعبر الحُسين باكياً , ثمّ قال : (( رحم الله مُسلماً , فلقد صار إلى روح الله وريحانه وتحيّته ورضوانه , أما إنّه قد قضى ما عليه وبقي ما علينا )) قال : ثمّ أنشأ يقول :

فإن تكن الدنيا تعد نفيسة

فدار ثواب الله أعلى وأنبل

وإن تكن الأبدان للموت اُنشئت

فقتل امرئ في الله بالسيف أفضل

وإن تكن الأرزاق قسماً مقدراً

فقلة حرص المرء في الرزق أجمل

وإن تكن الأموال للترك جمعها

فما بال متروك به المرء يبخل

ثمّ ودّعه الفرزدق في نفر من أصحابه ومضى يُريد مكّة , فأقبل عليه ابن عمّ له من بني مجاشع , فقال : يا أبا فراس , هذا الحُسين بن عليّ ؟ فقال الفرزدق : هذا

١٠٨

الحُسين بن فاطمة الزّهراء بنت مُحمّد الـمُصطفى , هذا والله ابن خير الله وأفضل من مشى على الأرض من ولد آدم أبي البشر , وقد كنت قلت أبياتاً قبل اليوم , فلا عليك أن تسمعها فقال له ابن عمّه : ما أكره ذلك يا أبا فراس , فإن رأيت أن تنشدني ما قلت فيه ؟ فقال الفرزدق : نعم , أنا القائل فيه وفي أبيه وأخيه وجدّه هذه الأبيات :

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته

والبيت يعرفه والحل والحرم

هذا ابن خير عباد الله كلهم

هذا التقي النقي الطاهر العلم

هذا حسين رسول الله والده

أمست بنور هداه تهتدي الأمم

هذا ابن فاطمة الزّهراء عترتها

أئمة الدين مجرياً به القلم

إذا رأته قريش قال قائلها

إلى مكارم هذا ينتهي الكرم

يكاد يمسكه عرفان راحته

ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم

بكفه خيزران ريحه عبق

بكف أروع في عرنينه شمم

يغضي حياء من مهابته

فلا يكلم إلّا حين يبتسم

ينشق نور الدجى عن نور غرته

كالشمس تنجاب عن إشراقها الظلم

مشتقة من رسول الله نبعته

طابت أرومته والخيم والشيم

من معشر حبهم دين وبغضهم

كفر وقربهم فوز ومعتصم

يستدفع الظلم والبلوى بحبهم

ويستقيم به الإحسان والنعم

إن عد أهل الندى كانوا أئمتهم

أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم

لا يستطيع جوازاً بعد غايتهم

ولا يدانيهم قوم وإن كرموا

بيوتهم في قريش يستضاء بها

في النائبات وعند الحكم إن حكموا

وجده من قريش في أرومتها

مُحمّد وعلي بعده علم

بدر له شاهد والشعب من أحد

والخندقان ويوم الفتح قد علموا

وخيبر وحنين يشهدان له

وفي قريضة يوم صيلم قتم

مواطن قد علت في كل نائبة

على الصحابة لم أكتم كما كتموا

ثمّ أقبل الفرزدق على ابن عمّه ذلك , فقال : والله , لقد قلت فيه الأبيات غير متعرّض لمعروفة , ولكن أردت الله بذلك والدّار الآخرة.

فعلى مثل هؤلاء الأطائب

١٠٩

فليبك الباكون , وإيّاهم فليندب النّادبون , ولمثلهم تذرف الدّموع من العيون ، أو لا تكونون كبعض مادحيهم حيث عرته الأحزان , فنظم وقال فيهم :

القصيدة للشيخ الخليعي (رحمه‌الله )

هاج حزني وهاج حر لهيبي

وشجاني ذكر القتيل الغريب

وجفت مقلتي كراها وسحت

سحب أجفانها بدمع سكوب

وقليل لمن يمثل مولاه

لدى الطف ذا حيين تريب

فيض دمع على الخدود وتسهاد

جفون قرحى وطول نحيب

كربلا كم تركت عندي كروباً

برزايا تذيب حب القلوب

كم هوى في ثراك من بدر تم

وأضر النوى بغصن رطيب

لهف نفسي على ابن بنت رسول الله

يدعو وما له من مجيب

قائلاً : ليس في الأنام ابن بنت

لنبي غيري فلا تغدروا بي

هل على بدعة أبحتم دمي ، أم

كنت قصرت ساهياً عن وجوب

لهف قلبي لطفلة فوق كفيه

بصدر ظام ونحر خضيب

وهو يستقبل الدماء ويلقيها

ويبدي شكواه للمستجيب

لهف نفسي لزينب تلطم الوجه

فتدمي خدودها بالندوب

وتناديه يا أخي يا بن أمي

يا شقيقي أسلمتني للخطوب

أين جدي أين البتول ألا أين

عليّ وا وحدتي وا لهيبي

لهف نفسي لسبي فاطمة الصغرى

ولهفي لقلبها المرعوب

لهف نفسي على سكينة من خوف

الأعادي تبكي بدمع صبيب

لهف نفسي لأم كلثوم من سلب

نقاب ومحجر منهوب

لست أنسى رأس الحُسين كبدر

التم يبدو في رأس رمح كعوب

يا لثارات أحمد وعلي

من شنيع جرى وأمر عصيب

أيرى ثغر ابن فاطمة يقرعه

أرذل الورى بالقضيب

يا ابن بنت النّبي يابن الذي

أودعه الله سر علم الغيوب

ليت أن الوصي وافاك بالطف

فلم تخش من أذى وكروب

ولقد أخبر الرواة عن الشيخ المفيد

الحبر الصدوق الأريب

١١٠

يسند النقل عن رجال ذوي

عدل ثقاة لا نقل أفك وحوب

أخبر العامري عن جابر بن الحر

يوماً بغير شك مريب

قال يرويه عن جويرية العبدي

فيما رواه غير كذوب

قال : لـمّا توجه الـمُرتضى يطلب

صفين مؤذناً للحروب

مرّ في كربلاء فقام بها

مستعبراً باكياً بقلب كئيب

ثم نادى هذا مناخ ركاب

القوم يفنون من شباب وشيب

ومحط الرحال منهم وتفوق

المنايا بكل سهل مصيب

وكأني بهم وهم بين مقتول

بكرب الظما وعار سليب

يدخلون الجنان ولم يسألوا عن

واجب كلفوا ولا مندوب

بأبي افتديتهم وإلى الله

احتسابي والله خير حسيب

فعجبنا من أمره حيث لا ينفك

يأتي بكل أمر عجيب

فعرفنا لـمّا رأينا حسيناً

ثمّ ملقى فضل الإمام النجيب

وعلمنا بأن كشف الطويات

وتكليمه لجان وذيب

وخطاب الإله بالطائر المشهور

جهراً ورد شمس المغيب

لم تكن في الأنام إلّا لمستودع

سر من القريب المجيب

يا بني أحمد إليكم تطربت

بمدحي وأنتم مطلوبي

بكم يرتجي الخليعي في الحشر

أماناً من موبقات الذنوب

الباب الثّاني

أيّها المؤمنون الصّالحون ! كيف لا تحزنون على سادات العباد , وأنوار الله في جميع الأقطار والبلاد , وحجج الله على الخلائق ولسانه النّاطق , والشّهداء على الاُمم بين يدي بارئ النّسم ، وهم بين قتيل بالسّم وآخر مضرّج بالدّم ؟! أترونهم ما علموا فضلهم الذي أجمع عليه كافة الـمُسلمين , أم عساهم جهلوا رتبتهم العالية عند ربّ العالمين ؟ كلا , ولكن أغواهم الشّيطان وأوصلهم إلى دار الهوان( وَسَيَعْلَمُ الّذِينَ ظَلَمُوا أَيّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ) (١) :

أيأمن وحش البر غائلة الورى

وآل النّبي الـمُصطفى غير آمن

____________________

(١) سورة الشّعراء / ٢٢٧.

١١١

تكدرت الدنيا عليهم وقد صفت

لكل عنيد جاهل متماجن

فيا خيبة ظالميهم كيف لم يتفطّنوا بما ورد فيهم ؟ فممّا صح روايته من طريق الخصم , مرفوعاً إلى أحمد بن حنبل , عن عليّ (عليه‌السلام ) , قال : (( أخذ النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بيد الحسن والحُسين , فقال : مَن أحبّني وأحبّ هذين وأباهما واُمّهما , كان معي يوم القيامة )).

وبالإسناد المذكور , مرفوعاً إلى عليّ (عليه‌السلام ) , قال : (( دخل رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وأنا نائم في المنام , فاستسقى الحسن والحُسين )) قال (ع) : (( فقام النّبي إلى شاة لنا كي يحلبها فدرّت , فجاء الحُسين فنحّاه النّبي , فقالت فاطمة : يا رسول , كان الحسن أحبّهما إليك ؟ فقال : لا , لكن استسقي قبله ثمّ قال (ص) : إنّي وإيّاك وهذين وهذا الرّاقد في مكان واحد يوم القيامة )).

وبالإسناد المذكور , قال (ع) : (( كان الحسن والحُسين يأتيان رسول الله وهو في الصّلاة فيثبان عليه , فإذا نهيا عن ذلك , أشار بيده دعوهما , فإذا قضى الصّلاة , ضمّهما وقال : مَن أحبّني فليحب هذين )).

وبالإسناد المذكور , عن عليّ (عليه‌السلام ) : (( قال (ص) : في الجنّة درجة تُسمّى الوسيلة , وهي لنبيّ أو لرسول , فإذا سألتموها لي ؟ قالوا : ومَن يسكن معك فيها ؟ قال (ص) : فاطمة والحسن والحُسين )) :

أيا بني الوحي والتنزيل يا أملي

يا من ولاهم غداً في البر يؤنسني

حزني عليكم جديد دائم أبداً

ما دمت حياً إلى أن ينقضي زمني

روي : أنّه لـمّا كان من أمر الحُسين (عليه‌السلام ) ما كان , وقُتل شهيداً وقُطع رأسه الشّريف , أمر عمر بن سعد (لعنه الله) بدفن جميع الخوارج والمنافقين من بني اُميّة , وتركوا الحُسين (عليه‌السلام ) على وجه الأرض ملقى بغير دفن وكذلك أصحابه , وجاءوا بالنّساء قصداً وعناداً وعبّروهم على مصارع آل الرّسول , فلمّا رأت اُمّ كلثوم أخاها الحُسين (عليه‌السلام ) وهو مطروح على وجه الأرض , تسفوا عليه الرّياح وهو مكبوب مسلوب , وقعت من أعلى البعير إلى الأرض , وحضنت أخاها الحُسين , وهي تقول ببكاء وعويل : يا رسول الله , انظر إلى جسد ولدك ملقى على الأرض بغير غسل ، كفنه الرّمل السّافي عليه وغسله الدّم الجاري من وريده , وهؤلاء أهل بيته يُساقون اُسارى في سبي الذي ما لهم محام يمانع عنهم , ورؤوس أولاده مع رأسه الشّريف

١١٢

على الرّماح كالأقمار فلمّا أحسّوا بها , عنّفوها وأركبوها وصاروا بها , باكية لا ترقى لها دمعة ولا تبطل لها حسرة :

ستسأل تيم عنهم وعديها

وبيعتهم من أفجر الفجرات

هم منعوا الآباء عن أخذ حقهم

وهم تركوا الأبناء رهن شتات

وهم عدلوها عن وصي مُحمّد

فبيعتهم جاءت على الفلتات

روي : أنّ فاطمة (عليها‌السلام ) لا زالت بعد رسول الله معصبة الرّأس ناحلة الجسم , منهدّة الرّكن من المصيبة بموت النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , وهي ؛ مغمومة مهمومة , محزونة مكروبة , كئيبة باكية العين , محترقة القلب , يُغشى عليها ساعة بعد ساعة حين تذكره , وتذكر السّاعات التي كان يدخل فيها عليها , فيعظم حزنها مرّة بعد مرّة , وتنظر مرّة إلى الحسن ومرّة إلى الحُسين وهما بين يديها , فتقول : (( أين أبوكما النّبي كان يكرمكما ويحملكما مرّة بعد مرّة ؟ أين أبوكما النّبي كان أشدّ النّاس شفقة عليكما , فلا يدعكما تمشيان على وجه الأرض ؟ فإنّا لله وإنا إليه راجعون , فُقد والله جدّكما وحبيب قلبي , ولا أراه يفتح هذا الباب أبداً , ولم يحملكما على عاتقه كما لم يزل يفعل بكما )).

ثمّ إنّها مرضت مرضاً شديداً , ومكثت أربعين ليلة في مرضها الذي توفّيت فيه , فلمّا نُعيت إليها نفسها , دعت اُمّ أيمن وأسماء بنت عميس , ووجّهت خلف عليّ وأحضرته , وقالت : (( يابن العمّ , إنّه قد نُعيت إليّ نفسي , وإنّني لأرى ما بي لا شك , إلا أنّني لاحقة بأبي ساعة بعد ساعة , وأنا أوصيك بأشياء في قلبي )) قال لها عليّ (عليه‌السلام ) : (( أوصيني بما أحببت يابنة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) )) فجلس عند رأسها وأخرج مَن كان في البيت , ثمّ قالت: (( ابن العم , ما عهدتني كاذبة ولا خائنة ولا خالفتك منذ عاشرتني ؟ )) فقال (عليه‌السلام ) : (( معاذ الله ! أنت أعلم بالله وأتقى وأكرم , وأشدّ خوفاً من الله أن أوبّخك بمخالفتي , فقد عزّ عليّ مفارقتك وفقدك إلا أنّه أمر لا بدّ منه , والله جدّدت عليّ مصيبة رسول الله , وقد عظمت وفاتك وفقدك , فإنّا لله وإنّا إليه راجعون , مصيبة ما أفجعها وآلمها وأمضها وأحزنها , هذه والله مصيبة لا عزاء لها ورزيّة لا خلف لها )) ثمّ بكيا جميعاً ساعة واحدة على رأسها وضمّها إلى صدره , ثمّ قال : (( أوصيني بما شئت تجديني وفيّاً , امضي كلّ ما امرتيني به وأختار أمرك على أمري )) ثمّ قالت : (( جزاك الله عنّي خير الجزاء , يابن العم , أوصيك أوّلاً أن تتزوّج

١١٣

بعدي بابنة أختي أمامة ؛ فإنّها تكون لولدي مثلي , فإنّ الرّجال لا بدّ لهم من النّساء , ثمّ أوصيك يابن العم , أنّ تتخذ لي نعشاً , فقد رأيت الملائكة صوروا صورته )) فقال لها : (( صفيه لي )) فوصفته , فاتخذه لها ، فأوّل نعش عُمل على وجه الأرض ذلك , وما رأى أحد قبله , ثمّ قالت : (( أوصيك أن لا يشاهد أحد جنازتي من هؤلاء الذين ظلموني واخذوا حقّي , فإنّهم أعدائي وأعداء رسول الله , ولا تترك أن يُصلّي عليّ أحد منهم ومن أتباعهم , وادفني في الليل إذا هدأت العيون ونامت الأبصار )) ثمّ توفيت (صلوات الله عليها).

وعن ابن عباس , أنّه قال : لـمّا جاء فاطمة الأجل , لم تحل ولم تصدع ولكن أخذت بيد الحسن والحُسين , فذهبت بهما إلى قبر النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , فاجلستهما عنده , ثمّ وقفت بين المنبر والقبر فصلّت ركعتين , ثمّ ضمّت الحسن والحُسين إلى صدرها والتزمتهما , وقالت : (( يا أولادي , اجلسا عند أبيكما ساعة )) وعليّ (عليه‌السلام ) يفتي في المسجد , ثمّ رجعت من عندهما نحو المنزل , فحملت ما فضل من حنوط النّبي , فاغتسلت به ولبست فضل كفنه , وقالت : (( يا أسماء )) ( وهي : امرأة جعفر الطّيار ) فقالت : لبيك يا بنت رسول الله قالت : (( تعاهديني , فإنّي أدخل هذا البيت فأضع جنبي ساعة , فإذا مضت ساعة ولم أخرج فناديني ثلاثاً , فإن أجبتك , وإلّا فاعلمي أنّي لحقت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) )) ثمّ قامت مقام رسول الله في بيتها , فصلّت ركعتين , ثمّ جلّلت وجهها بطرف ردائها , وقضت نحبها.

وفي نقل آخر : أنّها ماتت في سجودها , فلمّا مضت ساعة , أقبلت أسماء فنادت : يا فاطمة الزّهراء ! يا اُمّ الحسن والحُسين ! يا بنت رسول الله ! يا سيّدة نساء العالمين ! فلم تجب , فإذا هي ميتة - قيل لابن عباس : كيف عَلمت وقت وفاتها ؟ قال : اعلمها أبوها - ثمّ إنّ أسماء شقّت جيبها , وقالت : كيف أجترئ أن أخبر ابني رسول الله بوفاتك ؟ ثمّ خرجت فتلقّاها الحسن والحُسين , فقالا : (( أين اُمّنا ؟ )) فسكتت فدخلا البيت فإذا هي ممتدة , فحرّكها الحُسين فإذا هي ميتة , فقال : (( يا أسماء , آجرك الله في الوالدة )) وخرجا يُناديان : (( يا مُحمّداه ! يا أحمداه ! اليوم جُدّد لنا موتك إذ ماتت اُمّنا )) ثمّ أخبرا عليّاً وهو في المسجد , فغشي عليه حتّى رُشّ عليه الماء ، فلمّا أفاق حملهما حتّى أدخلهما إلى بيت فاطمة , وعند رأسها أسماء تبكي وتقول : وا ابنا محمداه ! كنّا نتعزّى بفاطمة بعد موت جدّكما , فيمن نتعزى بعدها ؟ فكشف

١١٤

عليّ عن وجهها , فإذا برقعة عند رأسها , فنظر إليها فإذا فيها : (( بسم الله الرّحمن الرّحيم , هذا ما أوصت به فاطمة بنت رسول الله , وهي تشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمداً عبده ورسوله , وأنّ الجنّة حقّ والنّار حقّ , وأنّ السّاعة آتية لا ريب فيها , وأنّ الله يبعث مَن في القبور يا عليّ , أنا فاطمة بنت مُحمّد , زوّجني الله منك ؛ لأكون لك في الدّنيا والآخرة , أنت أولى بي من غيرك , حنّطني وغسّلني وكفّني , وصلّ عليّ , وادفنّي بالليل , ولا تعلم أحداً , واستودعك الله , واقرأ ولدي السّلام إلى يوم القيامة )) فلمّا جنّ الليل , غسّلها عليّ ووضعها على السّرير , وقال للحُسين : (( ادع لي أبا ذر )) فدعاه , فحملاها إلى الـمُصلّى , فصلّى عليها , ثمّ صلّى ركعتين ورفع يده إلى السّماء , فنادى : (( هذه بنت نبيك فاطمة , اخرجها من الظّلمات إلى النّور )) فأضاءت الأرض ميلاً في ميل , فلمّا أرادوا أن يدفنوها , نادوا من بقعة من البقع : إليّ إليّ , فقد رفع تربتها منّي فنظروا فإذا بقبر محفور , فحملوا السّرير إليه فدفنوها , فلمّا أنزلها عليّ والحسن والحُسين (عليهم‌السلام ) , جلس عليّ على شفير القبر , فقال : (( يا أرض استودعتك وديعتي , هذه فاطمة بنت رسول الله )) فنودي منها : (( يا عليّ , أنا أرفق بها منك , فارجع ولا تهتم )) فرجع وانسدّ القبر واستوت الأرض , فلم يُعلم اين كان إلى يوم القيامة.

وفي نقل آخر : أنّها لـمّا توفيت (عليها‌السلام ) , صاح أهل المدينة صيحة واحدة , واجتمعت نساء بني هاشم في دارها , فصرخن صرخة واحدة كادت المدينة أن تتزعزع من صراخهنّ , وهنّ يقلنّ : يا سيدتاه ! يا بنت رسول الله ! وأقبل النّاس إلى عليّ وهو جالس والحسن والحُسين بين يديه يبكيان والنّاس يبكون لبكائهما , وخرجت اُمّ كلثوم عليها برقعها وهي تجرّ ذيلها , متجللة برداء عليها تسحبه وهي تقول : يا أبتاه ! يا رسول الله ! الآن فقدناك فقداً لا لقاء بعده أبداً واجتمع النّاس فجلسوا وهم يرجون أن تخرج الجنازة ليصلّوا عليها , فخرج أبو ذر , فقال : انصرفوا , فإنّ بيت مُحمّد قد أخّر إخراجها في هذه العشيّة فانصرف النّاس , فلمّا أن هدأت العيون ومضى شطر من الليل , أخرجها ؛ عليّ والحسنان , وعمار والمقداد , وعقيل وأبوذر وسلمان , ونفر من بني هاشم , ودفنوها في جوف الليل , وسوّى عليّ (عليه‌السلام ) حولها قبوراً مزوّرة ؛ حتّى لا يُعرف قبرها , وقال عند دفنها : (( السّلام عليك يا رسول الله عنّي , ومن ابنتك النّازلة في جوارك السّريعة اللحاق بك , قلّ يا رسول الله عن صفيّتك صبري

١١٥

ورقّ عنها تجلدي , إلا أنّ لي في التّأسّي بعظم فرقتك وفادح مصيبتك موضع تعزّ ، فلقد وسدتك في ملحودة قبرك , وفاضت بين نحري وصدري نفسك , فإنّا لله وإنّا إليه راجعون , فلقد استرجعت الوديعة وأخذت الرّهينة , أمّا حزني فسرمد , وأمّا ليلي فمسهد إلى أن يختار الله لي دارك التي أنت بها مقيم , وستنبئك فاحفها السؤال واستخبرها الحال , هذا ولم يطل العهد , والسّلام عليكما سلام مودّع لا قال ولا سئم , فإن انصرف لا عن ملالة , وإن أقم فلا عن سوء ظنّ بما وعد الله الصّابرين )).

قال الأصبغ بن نباتة : سُئل أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) عن علّة دفن فاطمة ليلاً ، فقال (عليه‌السلام ) : (( إنّها كانت ساخطة على قوم كرهت حضورهم جنازتها , وحرام على مَن لا أتولاهم أن يصلّي على أحد من ولدها )).

قال عبد الرّحمن الهمداني : لـمّا دفن عليّ فاطمة , قام على شفير القبر وأنشأ يقول :

لكل اجتماع من خليلين فرقة

وكل الذي دون الفراق قليل

وإن افتقادي فاطماً بعد أحمد

دليل على أن لا يدوم خليل

سيعرض عن ذكري وينسى مودتي

ويحدث بعدي للخليل خليل

فتفكّروا يا إخوان الدّين على هؤلاء الكفرة الملاعين , كيف انتهزوا في أهل بيت الرّسول الفرص , وجرّعوهم كاسات الغصص , ضيّعوا من الرّسول وصيته , وابتزّوا نحلته , وشحّوا ببلغة ذرّيّته , وغدروا ببيته وعترته شرّدوهم عن الأوطان , وتتبعوهم في كلّ مكان , فوا حسرتاه عليهم ! ووا لهفتاه لديهم ! فعلى مثل هؤلاء فليبك الباكون , وإيّاهم فليندب النّادبون , وعليهم فلتذرف الدّموع من العيون , أو لا تكونون كبعض مادحيهم حيث عرته الأحزان , فنظم وقال فيهم :

القصيدة للشيخ عليّ بن عبد الحميد (رحمه ‌الله تع الى)

أيحسن من بعد الفراق سرور

وكيف وعيشي بعد ذاك مرير

تنكرت الأيام من بعد بعدهم

فعيني عبرى والفؤاد كسير

على لذة العيش الحشاء وهل ترى

يلذذ مكروب الفؤاد أسير

يقول عذولي أين صبرك إننا

عهدناك لا تخشى وأنت صبور

تروح عليك النائبات وتغتدي

وما أنت مما يعتريك ضجور

١١٦

إذا ما عرى الخطب المهول وأصبحت

له نوب أمواجهن تمور

لبست له الصبر الجميل ذريعة

فقلبك مرتاح وأنت قرير

فأي مصاب هد ركنك وقعه

فقلبك فيه حرفة وزفير

لحى الله عذالي أما علموا الذي

عراني ومما الدمع ظل يفور

أعاذل خل اللوم عني فإنه

أصابك إثمّ لو علمت كبير

أتنسى مصاب السبط نفسي له الفدا

مصاب له قتل النفوس حقير

أبى الذل لـمّا حاولوا منه بيعة

وإن حسيناً بالإباء جدير

وراح إلى البيت الحرام يؤمه

بعزم شديد ليس فيه قصور

فجاءته كتب الغادرين بعهده

فأقدم إلينا فالنصير كثير

فقدم من قبل القدوم بمسلم

فأسلمه العادون وهو كسير

فألقوه من فوق الجدار معفراً

له طيب جنات الخلود مصير

ووافاهم حتّى أناخ بكربلا

على أنهم عون له ونصير

فلما أتاه الحر بالخيل ضمراً

جياد على أصواتهن شرور

فقال علينا أم لنا قال بل إلى

قتالك يا بن الأكرمين نسير

فقال أما كاتبتموني وقلتم

إلينا فها كل إليك يشير

فقالوا كذبنا كي يحط بك الردى

ونشفي بأخذ الثأر منك صدور

وجاء ابن سعد بالجيوش كأنها

عمام تفاديها صبا ودبور

فقال لهم يا عصبة الكفر إنني

لعمري على مر الزمان صبور

أما فاطم أمي أما حيدر أبي

وجعفر عمي في الجنان يطير

أما جدي الهادي أما أنا سبطه

أما بذوي القربى إلي يشير

بأي إجترام أم بأي جناية

أبحتم قتلي أن ذا لغور

فقالوا أطع حكم الأمير فإننا

إلى أمره فيما يقول نصير

وإلّا فدع عنك الجدال وقم إلى

القتال فإن القول منك كثير

فلما رأى أن لا مناص من الردى

وإن مراد القوم منه كبير

فقال لأهليه وباقي صحبه

ألا إن لبثي فيكم ليسير

عليكم بهذا الليل فاستتروا به

وقوموا وجدوا في الظلام وسيروا

١١٧

ويأخذ كل منكم يد واحد

من الآن واخفوا في البلاد وغوروا

فما بغية الأرجاس غيري وخالقي

على كل شيء يبتغيه قدير

فقالوا معاذ الله نسلمك للعدى

وتضفي علينا للحياة ستور

فأي حياةٍ بعد فقدك نرتجي

وأي فؤادٍ يعتريه سرور

ولكن نقي عنك الردى بسيوفنا

لتحظى بنا دار النعيم وحور

فقال جزيتم كل خير فأنتم

لكل الورى يوم القيامة نور

فأصبح يدعو هل مغيث يغيثنا

فقلّ مجيبوه وعز نصير

ولم تبق إلّا عصبة علوية

لهم عزمات ما بهن قصور

ولما شبت نار الحروب وأضرمت

وقت نفسه هام لهم ونحور

ولم أنسه يوم الهياج كأنه

هزبر له وقع السيوف زئير

يكر عليهم والحسام بكفه

فلم ير إلّا صارخ وعفير

وراح إلى نحو الخيام مودعاً

يهمهم بالقرآن حيث يسير

فقمن إليه الفاطميات حسراً

يفدينه والمعولات كثير

فقال استعينوا بالإله فإنه

عليم بما يخفي العباد بصير

الا لا تشققن الجيوب ولا يرى

لكن عويل إن ذاك غرور

ألم تعلمي يا أخت أن جميع من

على الأرض كل للمماة يصير

عليك بزين العابدين فإنه

إمامك بل للمؤمنين أمير

أطيعي له إن قال مولى فإنه

المطاع بأحكام الكتاب خبير

عليّ بطفلي كي أودعه انني

عليه لعمري مشفق وحذير

فلما أقل الطفل يطلب لثمه

ومن حوله خيل العداة تدور

رموه بسهم ظل منه معفراً

وظل دم الأوداج منه يفور

فقال إلهي أنت أعلم بالذي

لقيت وهذا في رضاك يسير

وشد عليهم شدة علوية

تكاد لها الصم الصلاد تمور

فقاتلهم فرداً وحيداً وإذا هم

ثلاثون ألفاً دارع وحسير

يفرون كالمعزى إذا شد نحوهم

أبو أشبل عبل الذراع مبير

إذا ما سطا شاهدت هاماً مفلقاً

وأيد من الضرب الدراك تطير

بخط يخطي القنا فهي ظهورهم

خطوطاً لها وقع السيوف سطور

١١٨

إذا جردت يوم الهياج سيوفه

فلا سيف إلّا والرقاب حفير

رقا فوق أطباق الطباق وقد غدا

له فوق أملاك السماء سرير

له زجل كالرعد والبرق سيفه

فيمطرهم حتفاً لهم فيبير

فلما رأوا أن لا وصول إلى الذي

يريدون والأمر المراد خطير

تنادوا ألا بالنبل نيل مرادكم

وإلّا فخلوا عن لقاه وسيروا

فظلت بنو الزرقاء ترشق وجهه

بنبل له نحو الحسين دروروا

رموه بسهم طاح في وسط لبه

وآخر في نحر الحُسين يفور

فخر صريعاً لليدين مرمل

الترائب لا يلوي عليه نصير

وجاء سنان فارتقى فوق صدره

وظل لأوداج الحُسين يبير

وعلا كريم السبط من فوق ذابل

كبدر مطل في البلاد يسير

فيا ذلة الإسلام من بعد عزه

ويا لك رزء في الأنام خطير

وأي حياة بعد ذي الرزء يرتجى

وأي فؤاد يعتريه سرور

فيا عبرتي سحي ويا حرقتي ازدري

ويا نفس ذوبي فالمصاب كبير

على طيب عيش لو صفا بعدك العفا

وظلمة حزني لا أضاء لك نور

ومر جواد السبط يبدي صهيله

إلى نعي مولاي الحُسين يشير

فقمن إليه الفاطميات حسراً

يقلن ألا ويل لكم وثبور

قتلتم حسيناً ليت لا در فوقكم

سحاب هطول صوبهن درور

وراحوا إلى سلب الفواطم جهرة

وظل عليّ في القيود أسير

ولم أنس بنت الـمُرتضى زينباً وقد

رأته صريعاً والدماء تفور

فنادت بأعلى صوتها مستجيرة

ألا هل لنا مما نراه مجير

أيا جد لو عاينت سبطك بالعرا

قتيلاً بأرض الطف وهو عفير

أيا جد لو عاينتنا ورأيتنا

اسارى إلى نحو الشئام نسير

أخي يا أخي ما كان أسرع فرقتي

ألا أن دهري بالكرام عثور

حيارى على الأقتاب تبدو وجوهها

وكان لعمري دونهن ستور

بناتك ياجداه تبدوا جسومها

ونسوة حرب دونهن قصور

ألسنا ذوي القربى أما حقنا على

الأنام به نص الكتاب يشير

١١٩

أما قلت يا جد احفظوهم فإنهم

لكم عصم فيها الحياة ونور

فلو لم تقل هذا ترى كان أمرنا

إلى بعض ما قد صيروه يصير

فأبكت جميع النّاس طراً بنوحها

لعمري كبير منهم وصغير

لقد هدموا الدين الحنيف بقتله

وظل عمود الدين وهو كسير

وأني ليعرفوني إذا ما ذكرتهم

غرام تكاد النفس منه تطير

أفكر في هذا المصاب فأغتدي

كأني رغاء في الرغاء أغور

وقال أناس جل أن ير هالكاً

ولكن لعيش راح وهو نظير

وليس كما قالوا ولكن إلهنا

ابتلاه لكي يلقاه وهو صبور

فيجزيه بالفضل العميم وجنة

النعيم ويجزي قاتليه سعير

أيا آل طه والحواميم والنسا

ومن بهم يرجو النجاة أسير

وعودكم دار الرضا ووعيدكم

سعير لها في الظالمين سعير

علي فتى عبد الحميد بمدحكم

طروب بكم يوم الحساب قرير

بحبكم يعلو على قمم العلا

وأنتم له يوم القيامة نور

ومن أنتم عون له في وجودكم

فمتن بأن يلقى الرسا وجدير

منحتكم مدحي رجاء شفاعة

لدى الحشر والراجي لذاك كثير

خذوها قصيداً يخجل الشمس نورها

ويعجز عنها جرول وجرير

إذا نثرت بين الملأ بمديحكم

تضوع منها مندل وعبير

محررة قد زانها بث مدحكم

وما شأنها عما يراد قصور

عليكم سلام الله ما لاح بارق

وما غردت فوق الغصون طيور

الباب الثالث

يا إخواني , سارعوا إلى الخيرات وارتقوا إلى علي الدّرجات , واجتهدوا في شكر من يفضلّه أولاكم , ودلكم على موالات وليّكم ومولاكم , فتابعوه إن كنتم تحبّوه فما أمكنكم من الأقوال والأعمال , فإنّه لا خير في قول تكذبه الفعال ، واعدّوا ذلك من أتمّ النّعم الواصلة إليكم والتي أفاضها الله واسبغها عليكم ، فيا لها نعمة فاز بها المؤمنون , فاغنت عنهم يوم لا ينفع مال ولا بنون.

فيا إخواني , إنّ نظرتم ببصر بصيرتكم , عرفتم مَن تقصدونه بعزيّتكم ، إنّكم والله تعزّون البتول

١٢٠