المنتخب للطريحي المنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري) الجزء ١

المنتخب للطريحي المنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري)18%

المنتخب للطريحي المنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري) مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 220

الـمُنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري) الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 220 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 36896 / تحميل: 5182
الحجم الحجم الحجم
المنتخب للطريحي المنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري)

المنتخب للطريحي المنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري) الجزء ١

مؤلف:
العربية

المنتخب للطريحي

المنتخب

في جمع المراثي والخطب

المشتهر بـ(الفخري)

١

هوية الكتاب

* اسم الكتاب : مُنتخب الطريحي.

* المؤلف : الشّيخ فخر الدّين الطريحي.

* النّاشر : انتشارات المكتبة الحيدريّة.

* عدد الصّفحات : ٤٩٦ , صفحة وزيري.

* الطّبعة : الأولى ١٤٢٦ - ١٣٨٤.

* المطبعة : شريعت.

* عدد المطبوع : ٢٠٠٠ نسخة.

* ردمك : x - ٠٥١ - ٥٠٣ - ٩٦٤

* x - ٠٥١ - ٥٠٣ - ٩٦٤ ISBN

٢

المـُنتخب

في جمع المراثي والخطب

المشتهر بـ (الفخري)

تأليف

الإمام الكبير والمُصنّف الشّهير الشّيخ

فخر الدّين الطريحي النّجفي المُتوفى سنة : ١٠٨٥

٣

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

كلمةُ المؤلّف :

الحمدُ لله الذي جعل الدُّنيا جنّة لأعدائه ، وسجناً ومحنة لأوليائه وأحبائه ؛ ليبلوهم فيها بالاكتئاب ، ويجازيهم من الثّواب والعقاب ، والصّلاة والسّلام على مُحمّد وآله الأكرمين الأنجاب ، وعلى مَن سلك سبيلهم من التّابعين والأصحاب.

وبعد : فيقول الفقير إلى الله , فخر الدّين بن مُحمّد عليّ بن أحمد بن عليّ بن أحمد بن طريح النّجفي ، إنّي مورد في هذا الكتاب , ما استطرفته من فضائل أهل البيت (عليهم‌السلام ) ومراثيهم ، وذكر مصائبهم وتعازيهم ، وجعلته مُرتّباً على عشرين مجلساً وأبواباً ، طالباً بذلك الرِّضا وجزيل الثّواب من الكريم الوهّاب ، وسمّيته بكتاب : (المـُنتخب) في جمع المراثي والخُطب.

وها أنا ذا أشرع وأقول , والله الثّقة والمأمول :

٤

المجلس الأوّل

في الليلة الأولى من عشر المُحرّم

وفيه أبواب ثلاثة

البابُ الأوّل

أيّها المؤمنون المـُخلصون والاُمناء الصّالحون : اعلموا إنّ الله عزّ وجلّ قد ابتلى ابن بنت نبيّه وأهل بيته (عليهم‌السلام ) , بمصائب جليلة ورزايا عظيمة وبلايا جسيمة , لم يبتل بها أحد من نبيّ أو وليّ أو شريف أو دنيّ من ؛ القتل والصّلب والحرق والضّرب , والغيلة والحبس والسّبي والخلس , وضروب النّكال والوبال ، حتّى بنوا عليهم الأبنية وضيّقوا عليهم الأودية , فتفرّقوا في البلاد , وتركوا الأهل والأولاد , وكتموا الأنساب من الأحباب ؛ خوفاً من الأعداء والطّلاب ، ولم يزل السّيف يقطر من دمائهم , والسّجون مشحونة بأحرارهم وإمائهم , ولله درّ مَن قال من الرّجال :

ولقد بكيت لقتل آل محمّد

بالطف حتّى كل عضو مدمع

عفرت بنات الأعوجية هل درت

ما يستباح بها وماذا يصنع

وحريم آل محمّد بين العدى

نهباً تقاسمها اللئام الوضع

تلك الضعائن كالإماء متى تُسق

يعنف بهن وبالسياط تقنع

من فوق أقتاب المطى يشلها

لكع على حنق وعبد أكوع

مثل السبايا بل أذل يشق منهن

الخمار ويستباح البرقع

فمضفد في قيده لا يفتدى

وكريمة تسبى وفرط ينزع

تالله لا أنسى الحُسين وشلوه

تحت السنابك بالعراء موزع

٥

متلفعاً حمر الثياب وفي غد

بالخضر من فردوسها يتلفع

تطأ السنابك صدره وجبينه

والأرض ترجف خيفة وتضعضع

والشمس ناشرة الذوائب ثاكل

والدهر مشقوق الرداء مقنع

لهفي على تلك الدماء تراق في

أيدي اُمية عنوة وتضيع

روى الصّدوق القُمّي : أنّ جميع الأئمّة (عليهم‌السلام ) خرجوا من الدّنيا على الشّهادة ؛ قُتل عليّ (ع) فتكاً ، وسُمّ الحسن (ع) سرّاً ، وقُتل الحُسين (ع) جهراً , وسمّ الوليد زين العابدين (ع) ، وسمّ إبراهيم بن الوليد الباقر (ع) ، وسمّ جعفر المنصور الصّادق (ع) ، وسمّ الرّشيد الكاظم (ع) ، وسمّ المأمون الرّضا (ع) ، وسمّ المـُعتصم مُحمّد الجواد (ع) ، وسمّ المـُعتز عليّ بن مُحمّد الهادي (ع) ، وسمّ المـُعتمد الحسن بن عليّ العسكري (ع) ، وأمّا القائم المهدي ( عجّل الله تعالى فرجه الشّريف) فروي : أنّه هرب خوفاً من المـُتوكل ؛ لأنّه أراد قتله :( وَيَأْبَى اللّهُ إِلّا أَن يُتِمّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) (١) .

وكان أوّل من استفتح بالظّلم ؛ مَن أخّر عليّاً (عليه‌السلام ) عن الخلافة , وغصب فاطمة (عليها‌السلام ) ميراث أبيها , وقتل المـُحسن في بطن اُمّه , ووجأ عنق سلمان ، وقتل سعد بن عُبادة ومالك بن نويرة ، وداس بطن عمّار بن ياسر , وكسر أضلاع عبد الله بن مسعود بالمدينة ، ونفى أبا ذر إلى الرّبذة , وأشخص عمّار بن قيس ، وغرب الأشتر النّخعي ، وأخرج عدي بن حاتم الطّائي ، وسيّر عميراً بن زرارة إلى الشّام , ونفى كُميل بن زياد إلى العراق , وخاض في دم مُحمّد بن أبي بكر , ونكب كعب بن جبل , ونفى جارية بن قُدامة , وعذّب عثمان بن حُنيف , وعمل ما عمل بحبّاب بن زهير وشريح بن هاني , ونحو هؤلاء ممّن مضى قتيلاً أو عاش في غصّة ذليلاً ، ولله درّ مَن قال :

لو لا حدود من صوارم

أمضى مضاربها الخليفة

لنشرت من أسرار آل

محمّد نكتاً لطيفة

وأريتكم أن الحُسين

اُصيب في يوم السقيفة

ولأي شيء ألحدت

بالليل فاطمة الشريفة

فانظروا يا إخواني إلى فعل أوائلهم واقتفاء أرجاس بني اُميّة آثارهم , يقتلون مَن قاربهم , ويُعذّبون مَن ظاهرهم , كقتل معاوية ؛ عمّار بن ياسر , وزيد بن صوحان وصعصعة بن صوحان , وحُنيف بن ثابت وأويس القرني , ومالك الأشتر

____________________

(١) سورة التّوبة / ٣٢.

٦

ومحمّد بن أبي بكر , وهاشم المرقال وعبد الرّحمن بن حسّان , وغيرهم.

وتسليط زياد بن سُمّية على قتل الألوف من الشّيعة بالكوفة , وهو الذي دسّ في قتل الحسن (عليه‌السلام ) إلى جعدة بنت الأشعث بن قيس , وتبعه ابنه يزيد على ذلك , حتّى قتل الحُسين بن عليّ في نيف وسبعين رجُلاً ، منهم ؛ تسعة من بني عقيل ، وثلاثة من بني جعفر , وتسعة من بني عليّ (عليهم‌السلام ) ، وأربعة من بني الحسن (عليه‌السلام ) , وستّة من بني الحُسين (عليه‌السلام ) , والباقي من أصحابه , مثل ؛ حبيب بن مُظاهر ومُسلم بن عوسجة , ونافع بن هلال وأحزابهم.

ثمّ تسلّط على الشّيعة عُبيد الله بن زياد (لع) , فجعل يصلبهم على جذوع النّخل ، ويقتلهم ألوان القتل ، وهو الذي خرّب سناباد لمـّا رجم أهلها مَن كان مع رأس الحُسين (عليه‌السلام ) , فبقيت خراباً إلى يومنا هذا.

ثمّ تسلّط آل الزّبير على الحجاز والعراق , فقتلوا ؛ المـُختار بن أبي عُبيدة الثّقفي , والسّائب بن مالك وعبد الله بن كامل ونحوهم ، وكانوا قد حبسوا مُحمّد بن الحنفيّة ؛ يُريدون إحراقه ، ونفوا عبد الله بن العبّاس إلى الطّائف ومات بها.

ثمّ استولى عبد الملك بن مروان , وسلّط الحجاج على الحجازيين والعراقيين , فقتل ؛ سعيد بن جُبير بن اُمّ الطّويل , وميثم التّمار , وكُميل بن زياد , وقنبر عبد عليّ بن أبي طالب (عليه‌السلام ) , وأشباههم , حتّى محى آثار أهل البيت (عليهم‌السلام ) , وقُتل زيد بن عليّ بن الحُسين (عليه‌السلام ) على يد نصر بن خُزيمة الأسدي , وصلبه يوسف بن عمر بالكناسة ( اسم موضع الكوفة ) عرياناً , فكسى من بطنه جلدة سترت عورته , وبقي مصلوباً أربع سنوات , وكان لا يقدر أحد أن يندب عليه , وألقوا امرأة زيد بن عليّ على المزبلة , بعدما دُقّت بالضّرب حتّى ماتت.

ثمّ تبعه الوليد بن زيد , وأنفذ إلى يحيى , بن مُسلم بن جون في عشرة آلاف فارس , وليس مع يحيى - يومئذٍ - إلّا مئة وخمسون رجُلاً , فقُتلوا أجمعين وبقي يحيى يُقاتل حتّى قُتل يوم الجُمعة ، ثمّ صُلب واُحرق وذُرّي.

وهكذا فعل بأشياعهم والتّابعين لهم ، ولله درّ مَن قال :

أبيت كأن الدهر يهوي إلى الأسى

فأقداره طول الزمان به تسري

ففي كل يوم تنتحبني صروفه

وقد خانني صبري وضيّعني فكري

كأن الرزايا ظل آل محمّد

إذا مرّ قوم جاء قوم على الأثر

٧

فانظروا يا إخواني إلى حال مَن تبع بني اُميّة الأرجاس , إلى أن ظهرت الدّولة العبّاسية.

افتتح أبو مُسلم بقتل عبد الله بن الحسن بن الحسن بخراسان , ثمّ سلّ المنصور سيفه في آل عليّ (عليهم‌السلام ) , فقتلهم في كلّ ناحية , وقصدهم بالجيوش من كُلّ وجه , وحُمل عبد الله بن الحسن بن عليّ في أحد عشر رجُلاً , وهم ؛ عليّ بن الحسن بن عليّ ، والحسن بن جعفر بن الحسن بن الحسن بن عليّ , ونحوّهم من الحجاز إلى العراق فوق الأقتاب بالقيود والأغلال , وخلّدهم في سجنه معذّبين حتّى ماتوا كلّهم.

وخرج مُحمّد بن عبد الله , وقاتل حتّى قتله حميد بن قحطبة بن عيسى بن موسى ، وبنى جامع المنصور وجعل أساسه على السّادات من آل رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , ويُقال : إنّه دسّ في سوق الرّقة كثيراً منهم.

نُقل : إنّه لمـّا بنى المنصور الأبنية ببغداد , جعل يطلب العلويّين طلباً شديداً , وجعل مَن ظفر به منهم , بالإسطوانات المجوّفة المبنيّة من الجصّ والآجر , فظفر ذات يوم بغلام منهم حسن الوجه عليه شعر أسود من ولد الحسن بن عليّ بن أبي طالب , فسلّمه إلى البنّاء الذي كان يبني له , فأمر أن يجعله في جوف إسطوانة ويبني عليه , فوكّل به من ثقاته من يرعى ذلك حتّى يجعله في جوف إسطوانة بمشهده , فجعله البنّاء في جوف إسطوانة , فدخلته رقّة عليه ورحمة له , فترك في الإسطوانة فرجة يدخل منها الرّوح , وقال للغُلام : لا بأس عليك فاصبر , فإنّي سأخرجك من هذه الإسطوانة إذا جنّ الليل فلمّا جنّ الليل , جاء البنّاء في ظلمته وأخرج ذلك العلوي من جوف تلك الإسطوانة , وقال له : إتّق الله في دمي ودماء الفعلة الذين معي وغيّب شخصك , فإنّي إنّما أخرجتك في ظلمة هذا الليل من جوف هذه الإسطوانة ؛ إلاّ خفت إن تركتك في جوفها , يكون جدّك رسول الله خصمي يوم القيامة بين يدي الله عزّ وجلّ.

ثمّ أخذ شعره بألآت الجصّاصين ما أمكن , وقال له : غيّب شخصك وانج بنفسك ولا ترجع إلى اُمّك قال الغُلام : إن كان هكذا , فعرّف اُمّي إنّي قد نجوت وهربت ؛ لتطبب نفسها ويقلّ جزعها وبكاؤها , وإنّه لم يكن لعودي إليها وجه.

فهرب الغُلام ولا يدري إلى أين قصد من أرض الله تعالى , ولا أيّ بلد وقع , قال البنّاء : وكان الغُلام عرّفني مكان اُمّه وأعطاني شعره , فانتهيت إليها في الموضع الذي دلّني عليه , فسمعت دويّاً كدويّ النّحل من البكاء , فعلمت أنّها اُمّه , فدنوت منها

٨

وعرّفتها خبر ابنها , وأعطيتها شعره وانصرفت كذا في (عيون أخبار الرّضا)

فلمّا ولي الدّوانيقي قتل عبد الله بن مُحمّد بن عبد الله الحُسيني , بالسّند على يد هشام بن عمر التّغلبي , وخنق عبد الله بن الحسن في حبسه , وقتل ابنيه مُحمّداً وإبراهيم على يد عيسى بن موسى العبّاسي , وهزم إدريس بفخّ حتّى وقع على الأندلس فريداً.

وما مات الدّوانيقي , إلّا أن ملأ سجونه من أهل بيت النّبوة والرّسالة , واقتفيت هذه الآثار حتّى قُتل في أيّام المهدي ؛ الحُسين بن عليّ بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب (عليهم‌السلام ) ، وعبد الله بن إسحاق بن إبراهيم بن الحسن بن عليّ (عليهم‌السلام ) ، وعبد الله بن الحسن بن عليّ بن الحسن (عليهم‌السلام ) - المعروف بالأفطس - وكان مع القوم بفخّ.

وسمّ هارون الرّشيد موسى بن جعفر (عليهم‌السلام ) , وقتل يحيى بن زيد بالسّجن بالجوع والعطش , ويحيى بن الحسن , إلى تمام السّتمئة رجل من أولاد فاطمة (عليهم‌السلام ) , قُتلوا في مقام واحد.

وقتل المأمون مُحمّد بن إبراهيم بن إسماعيل بن الحسن بن الحسن بن عليّ (عليهم‌السلام ) , وكان قد خرج ومعه أبو السّرايا , عليّ بن هرثمة بن أعين ، وقتلوا من أصحاب زين العابدين (ع) مثل : خالد الكابُلي وسعيد بن جُبير ، ومن أصحاب الباقر (عليه‌السلام ) مثل : بشر الرّحال والكُميت بن زيد , ومن أصحاب الصّادق (عليه‌السلام ) مثل : المـُعلّى بن خُنيس ، وقتل المـُتوكل من أصحاب الرّضا (عليه‌السلام ) مثل : يعقوب بن السّكّيت - الأديب - وسبب قتله ؛ إنّه كان مُعلّماً للمُعين والمؤيد ابني المتوكل , إذ أقبل فقال له : يا يعقوب , أهُما أحبّ إليك أم الحسن والحُسين ؟ فقال : والله , إنّ قنبراً غلام عليّ خير منهما ومن أبيهما فقال المـُتوكل : سلّوا لسانه من قفاه فسلّوه فمات (رحمة الله عليه) , ومثل دعبل الخُزاعي.

وانتهت بالمـُتوكل العداوة لأهل البيت (عليهم‌السلام ) , إلى أن أمر بهجو عليّ وفاطمة وأولادها (عليهم‌السلام ) , فهجاهم ؛ ابن المـُعتز وابن الجهم , وابن سكرة وآل أبي حفصة , ونحوهم لعنهم الله جميعاً , وصار من أمر المتوكل إلى أن أمر بهدم البناء على قبر الحُسين (عليه‌السلام ) , وإحراق مقابر قُريش , وفي ذلك أنشد حيث قال :

قام الخليفة من بني العبّاس

بخلاف أمر إلهه في الناس

ضاها بهتك حريم آل محمّد

سفهاً فعال اُميّة الأرجاس

والله ما فعلت اُميّة فيهم

معشار ما فعلوا بنو العبّاس

٩

ما قتلهم عندي بأعظم مأتماً

من حرقهم من بعد في الأرماس

ثمّ جرى الظُلم على ذلك , إلى أن هدم سبكتكين مشهد الرّضا (عليه‌السلام ) , وأخرج أبوابه وأخرج منه وقر ألف جمل مالاً وثياباً , وقتل عدّة من الشّيعة.

قيل : وممّن دُفن حيّاً من الطّالبيين ؛ عبد العظيم الحسني بالرّي , ومُحمّد بن عبد الله بن الحُسين , ولم يبق في بيضة الإسلام بلدة إلاّ قُتل فيها طالبي أو شيعي , حتّى ترى الظَّلَمة يُسلّمون على مَن يعرفونه ؛ دهريّاً أو يهوديّاً أو نصرانيّاً ويقتلون مَن عرفوه شيعيّاً , ويسفكون دم مَن اسمه عليّ , ألا تسمعون ؛ بيحيى المـُحدّث , كيف قطعوا لسانه ويديه ورجليه , وضربوه ألف سوط ثمّ صلبوه ؟ وبعليّ بن يقطين كيف اتهموه ؟ وزرارة بن أعين كيف جبهوه ؟ وأبي تراب الرّموزي كيف حبسوه ؟ ومنصور بن الزّبرقان من قبره كيف نبشوه ؟

ولقد لعن بنو اُميّة عليّاً (عليه‌السلام ) ألف شهر في الجُمع والأعياد , وطافوا بأولاده في الأمصار والبلاد وليس فيها مُسلم ينكر ذلك , حتّى أنّ خطيباً من خُطبائهم بمصر , نسي اللعنة في الخطبة , فلمّا ذكرها , قضاها في الطّريق , فبني في ذلك الموضع مسجداً وسمّوه مسجد الذّكر يتبرّكون به.

ثمّ إنّهم لم يرضوا بذلك حتّى قالوا : مات أبو طالب كافراً ولا تزال تسمع بذلك , دون أن تسمع عن أبي أو عن أو عن.. شيئاً من ذلك.

فيا عجباه , بقيت آثار كسرى إلى الآن وآثار رسول الله دارسة وأعلامه طامسة ! استولوا على ماله بعده وخرّبوا بيته , وأضرموا ناراً على أهل العبا , وحرّفوا كتاب الله , وغيرّوا السّنن وأبدعوا في الدّين , وخذلوا الأوصياء وقتلوا العترة ، وسبوا نساء النّبي وذرّيّته , وذبحوا أطفاله وصبيته , وداروا برؤوسهم في البُلدان من فوق عالي السّنان , فهذه رزيّة لم تُماثلها رزيّة , وبليّة عظمت على كُلّ بليّة ، ولله درّ مَن قال - وهو على ما نُقل : أوّل شعر قيل في الحُسين (عليه‌السلام ) - :

إذا العين قرت في الحياة وأنتم

تخافون في الدنيا فأظلم نورها

مررت على قبر الحُسين بكربلا

ففاض عليه من دموعي غزيرها

فما زلت أبكيه وأرثي لشجوه

ويسعد عيني دمها وزفيرها

وأبكيت من بعد الحُسين عصائباً

أطافت به من جانبيه قبورها

سلام على أهل القبور بكربلا

وقُل لها مني سلام يزورها

سلام بآصال العشي وبالضحى

تؤدّيه نكبات الرياح ومورها

١٠

ولا يبرح الوفاد زوار قبره

يفوح عليهم مسكها وعبيرها

وممّا يحسن في هذا الباب , ذكرُ مَن قتله الرّشيد من أولاد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , بعد قتله لموسى بن جعفر (عليه‌السلام ) بالسّم في ليلة واحدة , سوى مَن قُتل منهم في الليالي والأيّام :

روي عن عبد الله البزاز النّيسابوري , قال : كان بيني وبين حميد بن قحطبة الطّائي معاملة , فدخلت في بعض الأيّام فبلغه قدومي , فاستحضرني للوقت وعليّ ثياب السّفر لم أغيّرها , وذلك في شهر رمضان وقت صلاة الظّهر , فلمّا دخلت عليه , رأيته في بيت يجري فيه الماء , فسلّمت عليه وجلست , فأتى بطشت وإبريق فغسّل يده وأمرني فغسلت يدي , واُحضرت المائدة وذهب عنّي , فقلت : إنّي صائم وإنّي في شهر رمضان ثمّ ذكرت فأمسكت يدي , فقال حميد : مالك لا تأكل ؟ فقلت : أيّها الأمير , هذا شهر رمضان ولست بمريض ولا بي علّة توجب الإفطار , وإنّي لصحيح البدن ثمّ دمعت عيناه وبكى , فقلت له - بعدما فرغ من طعامه - : ما يبكيك أيّها الأمير ؟ فقال : أنفذ إليّ هارون الرّشيد وقت كونه بطوس في بعض الليل أن أجب الأمير ، فلمّا دخلت عليه , رأيت بين يديه خادماً واقفاً , فلمّا قمت بين يديه , أذِن لي بالانصراف , فلم ألبث في منزلي حتّى عاد إليّ الرّسول وقال : أجب الأمير فقلت في نفسي : إنّا لله وإنّا إليه راجعون وأخاف على نفسي أن يكون قد عزم على قتلي , وإنّه لمّا رآني , استحى منّي فعدت إلى بين يديه , فرفع رأسه وقال : كيف طاعتك لأمير المؤمنين ؟ قلت بالنّفس والمال والأهل والولد فتبسّم ضاحكاً ، ثمّ قال : أذنت لك بالإنصراف فلمّا دخلت منزلي , لم ألبث أن عاد إليّ الرّسول , فقال : أجب أمير المؤمنين فحضرت بين يديه وهو على حاله , فرفع رأسه وقال : كيف طاعتك لأمير المؤمنين ؟ فقلت : بالنّفس والمال والأهل والولد والدّين فضحك ثمّ قال : خُذ هذا السّيف , وامتثل ما يأمرك به هذا الخادم.

قال : فتناول الخادم السّيف وناولنيه , وجاء إلى بيت بابه مُغلق ففتحه , فإذا فيه بئر في وسطه , وثلاث بيوت أبوابها مُغلقة , ففتح باب بيت منها , فإذا فيه عشرون نفساً عليهم الشّعور والذّوائب , شيوخ وكهول وشبّان مقيّدون , فقال لي : إنّ أمير المؤمنين يأمرك بقتل هؤلاء - وكانوا كلّهم علويين من ولد عليّ وفاطمة (عليهم‌السلام ) - فجعل يخرج إليّ واحداً بعد واحد

١١

فاضرب عُنقه , حتّى أتيت على آخرهم , فرمى بأجسامهم ورؤوسهم في البئر.

ثمّ فتح باب آخر , فإذا فيه أيضاً عشرون نفساً من العلويين من ولد عليّ وفاطمة مقيّدون , فقال لي : إنّ أمير المؤمنين يأمرك بقتل هؤلاء فجعل يخرج إليّ واحداً بعد واحد , فاضرب عُنقه ويرمي به في تلك البئر , حتّى اتيت على أخرهم.

ثمّ فتح باب البيت الثّالث , فإذا فيه مثلهم عشرون نفساً من ولد عليّ وفاطمة مقيّدون , عليهم الشّعور والدّوائب , فقال لي : إنّ أمير المؤمنين يأمرك بقتل هؤلاء أيضاً أتيت على تسعة عشر نفساً منهم , وبقي شيخ منهم عليه شعر , فقال لي : تبّاً لك يا ميشوم , أيّ عذر لك يوم القيامة إذا قدمت على جدّنا رسول الله , وقد قتلت من أولاده ستّين نفساً من ولد عليّ وفاطمة (عليها‌السلام ) ؟! ثمّ قال : فارتعشت يدي وارتعدت فرائصي , فنظر إليّ الخادم فزجرني , فاتيت على ذلك الشّيخ أيضاً فقتلته ورميت به في تلك البئر , فإذا كان فعلي هذا وقد قتلت ستّين نفساً من ولد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , فما ينفعني صومي ولا صلاتي , وأنا لا أشكّ إنّي مُخلد في النّار كذا في (عيون أخبار الرّضا).

فيا إخواني , أيّ قلب يستر بعد قتلهم ؟! وأيّ فؤاد يفرح بعد فقدهم ؟! أم أيّة عين تحبس دمعها وتبخل بأنّهما لها ودفعها ؟! كيف وقد بكت لهم ؛ السّبع الشّداد والجبال والأوتاد , والأرض بأرجائها والأشجار بأغصانها , والحيتان في لجج البحار , ومَن في جميع الأمصار والأقطار , والملائكة المقرّبون وأهل السّماوات أجمعين , وكيف لا , وقد أصبح أهل البيت ؛ مطرّدين مشرّدين مذوّدين عن الدّيار , والأوطان والأهل والولدان.

فيا إخواني , اجتهدوا في النّياحة والعويل , وتساعدوا على إقامة هذا المصاب الجليل , والبسوا لباس الأحزان , وتخلّقوا بجلباب الأشجان , وخاطبوا السّلوة خطاب الهجر متمثّلين بقول مَن قال : أيا سلوة الأيّام موعدك الحشر.

فعلى الأطائب من أهل بيت الرّسول فليبك الباكون , وإيّاهم فليندب النّادبون , أو لا تكونون كبعض مادحيهم حيث عرته الأحزان والأشجان , فنظم وقال فيهم.

القصيدة للشيخ الخليعي (رحمه‌الله )

لم أبك ربعاً للأحبّة قد خلا

وعفا وغيره الجديد وامحلا

كلا ولا كلفت صحبي وقفة

في الدار إن لم أشف صباً عللا

١٢

ومطارح النادي وغزلان النقا

والجزع لم أحفل بها متغزلا

وبواكر الأضعان أسكب لها

دمعاً ولا خل نأى وترحلا

لكن بكيت لفاطم ولمنعها

(فدكاً) وقد أتت الخؤون الأولا

إذ طالبته بإرثها فروى لها

خبراً ينافي المحكم المتنزلا

لهفي لها وجفونها فرحى وقد

حملت من الأحزان عبئاً مثقلا

وقد اعتدت منفية وحميها

متطيراً ببكائها متثقلا

تخفي تفجعها وتخفض صوتها

وتظل نادبة أباها المرسلا

تبكي على تكدير دهر ما صفا

من بعده وقرير عيش ما حلا

لم أنسها إذ أقبلت في نسوة

من قومها تروي مدامعها الملا

وتنفست صعداً ونادت أيها

الأنصار يا أهل الحماية والكلا

أخذ الإله لك العهود على الورى

في الذر لما أن يرى وبك ابتلى

في يوم قال لهم : ألست بربكم

وعلي مولاكم معاً قالوا : بلى

قسماً بوردي من حياض معارفي

وبشربتي العذب الرحيق السلسلا

ومن استجارك من نبي مرسلا

ودعى بحقك ضارعاً متوسلا

لو قلت إنك رب كل فضيلة

ما كنت فيما قلته متنحلا

أو بحت بالخطر الذي أعطاك رب

العرش كادوني وقالوا قد غلا

فإليك من تقصير عبدك عذره

فكثير ما أبكي أراه مقللا

بل كيف يبلغ كنه وصفك قائل

وأبيه في علياك أبلغ مقولا

ونفائس القرآن فيك تنزّلت

وبك اغتدى متحلياً متجملا

فاستحلها بكراً فأنت مليكها

وعلى سواك تجل من أن يجتلى

ولئن بقيت لأنظمن قلائداً

ينسى ترصعها النظام الأولا

شهد الإله بأني متبرئ

من حبتر ومن الدلام ونعثلا

وبراءة الخلعي من عصب الخنا

تبنى على أن البرا أصل الولا

الباب الثّاني

أيّها الإخوان , الطّريق واضح والحقّ بيّن لائح , لا يضلّ عنه إلّا مَن دان الله على قلبه , وطبع على عقله ولبّه.

علم النّبي فيما اُوحي إليه , أنّ أصحابه من بعده

١٣

يبتزّون نحلة ابنته ويشجعون ببلغة ذرّيّته , قال : (( فاطمة بضعة منّي , مَن آذاها فقد آذاني )) فلم يسمعوا , وقال: (( فاطمة يغضب الله لغضبها )) فلم يرتدعوا ، ثمّ علم أنّ آله يُشرّدون عن الأوطان , ويُقتلون في كلّ مكان ، فقال - بعدما ورد في حقّهم من القُرآن - : (( مَن أحبّ أن ينسى له في أجله , وأن يُمتّعه الله بما خوّله الله؟ فليخلفني في أهلي خلافة حسنة , فمَن لم يخلفني فيهم , بتر الله عمره , وورد عليّ يوم القيامة مسودّاً وجهه )) فلم يرجعوا.

فصبروا (عليهم‌السلام ) على مضض الأحزان , واحتسبوا ذلك في جنب الرّحمن , وكان القادر على هلاكهم ذو الجلال على استئصالهم في الحال دون المآل , إلّا أنّ الحكم من الحكيم اقتضت تأخيرهم من العذاب الأليم ؛ رجاء أن يخرج من أصلابهم قوم , يعبدون الله ويسبّحونه ويهلّلونه ويقدّسونه.

قيل : لـمـّا بلغ فاطمة (عليها‌السلام ) إصرار أبي بكر على منعها فدكاً والعوالي , قامت ولاثت خمارها واشتملت بإزارها , وأقبلت في لـمـّة من حفدتها ونسائها تطأ في أذيالها من شدّة الحياء , حتّى دخلت على أبي بكر وهو في مسجد أبيها وحوله جمع من المهاجرين والأنصار , فأمرت أن يُضرب بينها وبينهم ستر ، ثمّ إنّها أنّت أنّة أجهش القوم بالبكاء والنّحيب ؛ رحمة لها ، ثمّ أمهلت حتّى سكنوا من فورتهم , فقالت : (( يا معشر الـمـُسلمين , كيف ابتزّ إرث أبي وأنتم الآن تزعمون إنّه إرث لي :( أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) (١) ؟! فكيف اُحرم ميراث أبي وأنت ( تعني أبا بكر ) ترث أباك :( لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا ) (٢) ؟! )) فقال لها : ما أرّثك أبوك شيئاً , وإنّه قال : إنّ الأنبياء لا يورّثون شيئاً فقالت : (( لهذا يُخالف ما أنزل في كتابه العزيز , حيث يقول :( يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ ) (٣) .

ولم يجعل ذلك خاصّاً بالاُمّة دونه , وكيف تروي عن أبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أنّه قال : نحن معاشر الأنبياء لا نورّث , وقد قال تعالى :( وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ ) (٤) وقال تعالى عن زكريا , قَالَ رَبّ :( فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ) (٥) ؟! )).

فلمّا ألحّت عليه بالجدال , قال : هاتي أسود وأبيض يشهدا لك بذلك فقام إليه رجل من المؤمنين وقال له : مَن شهد لعلي ببيعته يوم الغدير من ذلك , الجم الغفير حتّى يشهد لفاطمة بفدك والعوالي ؟ فجاءت اُمّ أيمن وشهدت لها بذلك , قال : هذه امرأة لا يُقبل قولها مع أنّ جميع الصّحابة رووا أنّ رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قال : (( إنّ اُمّ أيمن من أهل الجنّة )) ثمّ جاء عليّ

____________________

(١) سورة المائدة / ٥٠

(٢) سورة مريم / ٢٧.

(٣) سورة النّساء / ١١.

(٤) سورة النّمل / ١٦.

(٥) سورة مريم / ٥ - ٦.

١٤

(عليه‌السلام ) وشهد لها بذلك , فقال : هذا بعلك يجرّ النّفع إلى نفسه ولا نحكم بشهادته لك مع أنّهم رووا جميعاً , إنّ رسول الله قال : (( عليّ مع الحقّ والحقّ مع عليّ , يدور حيث ما دار , لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض )).

قال : فعند ذلك غضبت فاطمة (عليها‌السلام ) وانصرفت , وحلفت أن لا تكلّمه وصاحبه , حتّى تلقى أباها وتشكو إليه ما نالها منهما.

وروي من كرامتها (عليها‌السلام ) وعظمتها عند الله.

لـمّا مُنعت حقّها , اخذت بعضادتي حجرة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , وقالت : (( ليست ناقة صالح عند الله بأعظم منّي )) ثمّ رفعت جنب قناعها إلى السّماء وهمّت أن تدعو , فارتفعت جدران المسجد عن الأرض وتَدلّ العذاب , فجاء أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) فمسك يدها الشّريفة وقال : (( يا بنت الصّفوة وبقيّة النّبوة وشمس الرّسالة ومعدن الرّحمة, إنّ أباك رحمة للعالمين , فلا تكوني عليهم نقمة , أقسمت عليك بالرّؤوف الرّحيم أن ترجعي )) فعادت إلى مصلاها (عليها‌السلام ) , ولله درّ مَن قال :

دكدك القوم مسجدك

منعوا فاطماً فدك

فعلى القوم لعنة

كلما حرك الفلك

١٥

١٦

١٧

١٨

١٩

٢٠

الله بعليّ , وهو أشرف أهل بيتك حسباً , وأعلاهم منصباً , وأرحمهم بالرّعية , وأعدلهم بالسّوية , وأبصرهم بالقضية وقد سألت ربّي أن تكوني أوّل من يلحقني )) فلم تبقَ بعده إلّا خمسة وسبعون يوماً , حتّى ألحقها الله به.

وبالإسناد المذكور قال : قال رسول لله (ع) : (( فيأتي المهدي وقد نزل عيسى بن مريم كأنّما يقطر من شعره الماء, فيقول المهدي : تقدّم صلّ بالنّاس فيقول عيسى : إنّما اُقيمت الصّلاة لك فيُصلّي عيسى ثمّ خلفه رجل من ولدي , فإذا صُلّيت الصّلاة , قام عيسى حتّى جلس في المقام فبايعه , فيمكث أربعين سنة )) أوّل الآيات في زمان الدّجال , ثمّ نزول عيسى , ثمّ نار تخرج من بحر عدن تسوق النّاس إلى المحشر.

فيا إخواني , أيّ فضل أعظم من فضل أئمتكم ؟ وأيّ حقّ أوجب من حقّ صفوتكم ؟ شهد القرآن بفضلهم وأكّد الله على النّاس بحقّهم , فقال - فيما أوحى على لسان الرّسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) - :( قُل لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلّا الْمَوَدّةَ فِي الْقُرْبَى ) (١) فجعل جزاء الإسلام والخلاص من النّار محبّة الآل الأطهار , فانظروا إلى البلاء الذي رُفع بسبب مودّتهم عنكم , ولكن على قدرة المحبّة لهم منكم , ولله درّ مَن قال :

وإني قد علقت بحب قوم

إذا ناداهم المضطر جاءوا

هم القوم الذي إذا ألمت

من الأيام مظلمة أضاءوا

وإن بلادهم ما قد علمتم

على الأيام أن يقع البلاء

بمديحهم يسعتين المادحون , فيتسع لهم المقال فيما يقول , كأنّ لهم الصّيب الكامل , بل الكلّ لديهم حاصل , وإن كان لغيرهم شيء من الشّرف , فمن بحرهم أخذ واغترف.

روى جمع من الصّحابة قالوا : دخل النّبي دار فاطمة فقال : (( يا فاطمة , إنّ أباك اليوم ضيفك )) فقالت : (( يا أبة , إنّ الحسن والحُسين يطالباني بشيء من الزّاد , فلم أجد لهما شيئاً يقتاتان به )) ثمّ إنّ النّبي دخل وجلس مع ؛ عليّ والحسن والحُسين وفاطمة (عليهم‌السلام ) , وفاطمة مُتحيّرة ما تدري كيف تصنع , ثمّ إنّ النّبي نظر إلى السّماء ساعة , وإذا بجبرائيل قد نزل وقال : يا مُحمّد , العلي الأعلى يقرؤك السّلام ويخصّك بالتّحية والإكرام ويقول لك : (( قُل لعليّ وفاطمة والحسن والحُسين , أيّ شيء يشتهون من فواكه الجنّة ؟ )) فقال النّبي : (( يا عليّ ويا فاطمة ويا حسن ويا حُسين , إنّ ربّ العزّة

____________________

(١) سورة الشّورى / ٢٣.

٢١

علم أنّكم جياع , فأيّ شيء تشتهون من فواكه الجنّة ؟ )) فأمسكوا عن الكلام ولم يردّوا جواباً ؛ حياء من النّبي (ص) , فقال الحُسين (ع) : (( عن إذنك يا أباه يا أمير المؤمنين , وعن إذنك يا اُمّاه يا سيدة نساء العالمين , وعن إذنك يا أخاه الحسن الزّكي , أختار لكم شيئاً من فواكه الجنّة ؟ )) فقالوا جميعاً (عليهم‌السلام ) : (( قُل يا حُسين ما شئت , فقد رضينا بما تختاره لنا )) فقال : (( يا رسول الله , قُل لجبرائيل إنّا نشتهي رُطباً جنيّاً )) فقال النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : (( قد علم الله ذلك )) ثمّ قال : (( يا فاطمة , قومي ادخلي البيت واحضري إلينا ما فيه )) فدخلت فرأت فيه طبقاً من البلّور مُغطّى بمنديل من السّندس الأخضر , وفيه رُطب جني في غير أوانه , فقال النّبي : (( أنّى لك هذا ؟! )) قالت : (( هو من عند الله , إنّ الله يرزق من يشاء بغير حساب )) (كما قالت بنت عمران) فقام النّبي وتناوله منها وقدّمه بين أيديهم , ثمّ قال : (( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ )) ثمّ أخذ رطبة فوضعها في فم الحُسين , فقال : (( هنيئاً مريئاً يا حُسين )) ثمّ أخذ رطبة فوضعها في فم الحسن , وقال : (( هنيئاً مريئاً يا حسن )) ثمّ أخذ رطبة ثالثة فوضعها في فم فاطمة الزّهراء ، وقال : (( هنيئاً مريئاً لك يا فاطمة الزّهراء )) ثمّ أخذ رطبة رابعة فوضعها في فم عليّ , وقال : (( هنيئاً مريئاً لك يا عليّ )) ثمّ ناول عليّاً رطبة اُخرى , والنّبي يقول له : (( هنيئاً لك يا عليّ )) ثمّ وثب النّبي قائماً ثمّ جلس , ثمّ أكلوا جميعاً من ذلك الرُطب , فلمّا اكتفوا وشبعوا , ارتفعت المائدة إلى السّماء بإذن الله تعالى , فقالت فاطمة : (( يا أبة , لقد رأيت اليوم منك عجباً ! )) فقال : (( يا فاطمة , أمّا الرّطبة الأولى التي وضعتها في فم الحُسين وقلت له : هنيئاً يا حُسين فإنّي سمعت ميكائيل وإسرافيل يقولان : هنيئاً لك يا حُسين فقلت أيضاً موافقاً لهما بالقول : هنيئاً لك يا حُسين ثمّ أخذت الثّانية فوضعتها في فم الحسن , فسمعت جبرائيل وميكائيل يقولان : هنيئاً لك يا حسن فقلت أنا موافقاً لهما في القول , ثمّ أخذت الثّالثة فوضعتها في فمك يا فاطمة , فسمعت الحور العين مسرورين مشرفين علينا من الجنان , وهنّ يقلنّ : هنيئاً لك يا فاطمة فقلت موافقاً لهنّ بالقول , ولـمّا أخذت الرّابعة فوضعتها في فم عليّ , سمعت النّداء من الحقّ سبحانه وتعالى يقول : هنيئاً مريئاً لك يا عليّ فقلت موافقاً لقول الله عزّ وجلّ , ثمّ ناولت عليّاً رطبة اُخرى ثمّ اُخرى , وأنا أسمع صوت الحقّ سبحانه وتعالى يقول : هنيئاً مريئاً لك يا عليّ ثمّ قمت إجلالاً لرّب العزّة جلّ جلاله , فسمعته يقول : يا

٢٢

محمّد , وعزّتي وجلالي , لو ناولت عليّاً من هذه السّاعة إلى يوم القيامة رُطبة رُطبة , لقلت له هنيئاً مريئاً بغير انقطاع )).

فيا إخواني , هذا هو الشّرف الرّفيع والفضل المنيع , ولله درّ مَن قال :

لمثل علاهم ينتهي المجد والفخر

وعند نداهم يخجل الغيث والبحر

وعمر سواهم في العلى مثل يومهم

إذا ما علا قدراً ويومهم عمر

وأيامهم بيض إذا اسود حادث

وأسيافهم حمر وأكنافهم خضر

ملكتم فلا عدوى حكمتم فلاهوى

علمتم فلا دعوى علوتم فلا كبر

وذكركم في كل شرق ومغرب

على الناس يتلى كلما تلي الذكر

فيا إخواني , كيف الصّبر لـمَن يتأمّل مولاه الحُسين (عليه‌السلام ) واقفاً في عرصة كربلاء , وهو ينادي : (( ألا هل من نصير ينصر آل مُحمّد المختار ؟ ألا هل من ذاب يذبّ عن الذرّيّة الأطهار ؟ أين الثُقاة البررة ؟ أين الأتقياء ؟ أين مَن أوجب حقّاً عليه الإسلام ؟ أين الوصيّة فينا من الرّسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ؟ )).

فوا عجباه من غفلة أهل هذا الزّمان واشتغالهم عن إقامة عزاء الشّهيد العطشان ! وما عذر أهل الإيمان في إضاعة البكاء والأحزان على سيّد شباب أهل الجنان ونسل سيّد ولد عدنان , ألم يعلموا أنّ النّبي (ص) أضحى لمصابه موتوراً ولقتله مضطهداً مقهوراً ؟!

وكيف لا نبكي لبكاء الزّهراء (عليها‌السلام ) ؟! وكيف لا نحزن لحزن الـمُرتضى ؟! وكيف لا ننوح لقتل الإمام المنبوذ بالعراء ؛ لنفوز بثواب هذا المصاب ونحوز الجنّة يوم المآب.

فعلى الأطائب من أهل بيت الرّسول فليبك الباكون , وإيّاهم فليندب النّادبون , ولمثلهم تذرف الدّموع من العيون , أو لا تكونون كبعض مادحيهم حيث عرته الأحزان وتتابعت عليه الأشجان , فنظم وقال فيهم.

القصيدة للشيخ الجليل ابن حماد:

أهجرت يا ذات الجمال دلالا

وجعلت جسمي للصدود خيالا

وسقيتني كأس الفراق مرارة

ومنعت عذب رضا بك السلسالا

أسفاً كما منع الحُسين بكربلا

ماء الفرات وأوسعوه خيالا

وسقوه أطراف الأسنة والقنا

ويزيد يشرب في القصور زلالا

لم أنس مولاي الحُسين بكربلا

ملقى طريحاً بالدماء رمالا

٢٣

واحسرتا كم يستغيث بجده

والشمر منه يقطع الأوصالا

ويقول يا جداه ليتك حاضراً

فعساك تمنع دونا الأنذالا

ويقول للشمر اللعين وقد علا

صدراً تربى في تقى ودلالا

يا شمر تقتلني بغير جناية

حقاً ستجزى في الجحيم نكالا

فاحتز بالغضب المهند رأسه

ظلماً وهز برأسه العسالا

وعلا به فوق السنان وكبروا

لله جلّ جلاله وتعالى

فارتجت السبع الطباق وأظلمت

وتزلزلت لمصابه زلزالا

وبكين أطباق السماء وأمطرت

أسفاً لمصرعه دما قد سالا

يا ويلكم اتكبرون لفقد من

قتلوا به التكبير والتهليلا

تركوه شلواً في الفلاة وصيروا

للخيل في جسد الحُسين مجالا

ولقد عجبت من الإله وحلمه

في الحال جلّ جلاله وتعالى

كفروا فلم يخسف بهم أرضاً بما

فعلوا وأمهلهم به إمهالا

وغدا الحصان من الوقيعة عارياً

ينعي الحُسين وقد مضى إجفالا

متوجهاً نحو الخيام مخضباً

بدم الحُسين وسرجه قد مالا

وتقول زينب ياسكينة قد أتى

فرس الحُسين فانظري ذا الحالا

قامت سكينة عاينته محمحماً

ملقي العنان فأعولت إعوالا

فبكت وقالت وا شماتة حاسدي

قتلوا الحُسين وأيتموا الأطفالا

يا عمتاه جاء الحصان مخضباً

بدم الشهيد ودمعه قد سالا

لما سمعن الطاهرات سكينة

تنعي الحُسين وتظهر الأعوالا

ابرزن من وسط الخدور صوارخا

يندبن سبط محمّد المفضالا

فلطمن منهن الخدود وكشفت

منها الوجوه وأعولت إعوالا

وخمشن منهن الوجوه لفقد من

نادى مناد في السماء وقالا

قتل الإمام ابن الإمام بكربلا

ظلماً وقاسى منهم الأهوالا

وتقول يا جداه نسل اُميّة

قتلوا الحُسين وذبحوا الأطفالا

يا جدنا فعلوا علوج اُمية

فعلا شنيعاً يدهش الأفعالا

يا جدنا هذا الحُسين بكربلا

قد بضعوه أسنة ونصالا

٢٤

ملقى على شاطئ الفرات مجدلا

في الغاضرية للورى أمثالا

ثم استباحوا في الطفوف حريمه

نهبوا السراة وقوضوا الاجمالا

وغدوا بزين العابدين مكتفا

فوق المطية يشتكي الأهوالا

يبكي أباه بعبرة مسفوحة

أسروه مضنى لا يطيق نزالا

وأتوا به نحو الخيام واُمّه

تبكي وتسحب خلفه الأذيالا

وتقول ليت الموت جاء ولم أرى

هذي الفعال وانظر الأنذالا

لو كان والده عليّ المرتضى

حياً لجندل دونه الأبطالا

ولفر جيش المارقين هزيمة

من سيفه لا يستطيع قتالا

يا ويلكم فستسحبون أذلة

وستحملون بفعلكم أثقالا

فعلى ابن سعد واللعين عبيدة

لعن تجدد لا يزول زوالا

وعلى محمّد ثم آل محمّد

روح وريحان يدوم مقالا

وعليهم صلّى المهيمن ما حدا

في البيد ركبان تسير عجالا

فمتى تعود لآل أحمد دولة

ونرى لملك الظالمين زوالا

يا آل أحمد أنتم سفن النجا

وأنا وحقكم لكم أتوالا

أرجوكم لي في المعاد ذريعة

وبكم أفوز وأبلغ الآمالا

فلأنتم حجج الإله على الورى

من لم يقل ما قلت قال محالا

والله أنزل هل أتى في مدحكم

والنمل والحجرات والأنفالا

والمرتقى من فوق منكب أحمد

منكم ولو رام السماء لنالا

وعليكم نزل الكتاب مفضلا

والله أنزله لكم إنزالا

نص بإذن الله لا من نفسه

ذو العرش به نص لكم إفضالا

فتكلم المختار لما جاءه

من ربه جبريلهم إرسالا

إذ قال هذا وارثي وخليفتي

في اُمّتي فلتسمعوا ما قالا

أفديكم آل النّبي بمهجتي

وأبي وأبذل فيكم الأموالا

وأنا ابن حماد وليكم الذي

لم يرض غيركم ولم يتوالا

أصبحت معتصماً بحبل ولائكم

جسداً وإن قصر الزمان وطالا

وأنا الذي أهواكم يا سادتي

أرجو بذاك عناية ونوالا

بعد الصلاة على النّبي محمّد

ما غرد القمري وأرخى البالا

٢٥

المجلس الثّاني

في أوّل يوم من عشر الـمُحرّم

وفيه أبواب ثلاثة

الباب الأوّل

يا إخواني , لو تصوّر الـمُحب لآل الرّسول , ما لاقوا من الخطب المهول , لاختاروا الموت والفنا على الحياة والبقا، وكيف لا , والحُسين (عليه‌السلام ) مجدّل فوق الرّمال , معلّى رأسه على رأس رمح ميّال , وذراريه تُسبى حسراً على الجمال , يُطاف بهم في البلاد مقيّدين في الأصفاد , كلّ هذا والدّموع جامدة , والعيون راقدة والأصوات خامدة , فسيلوا رحمكم الله على هذا المصاب شآبيب الهتان , وتجلببوا جلابيب الإكتئاب والأحزان , واظهروا النّوح والعويل على هذا الرّزء الجليل , أما علمتم أنّكم توافقون الملائكة في ثوابهم , وتواسون النّبي في الحزن على مصابهم ؟ أما تحبّون أن يرضى عنكم مبدع الموجودات ؟ أما تُريدون أن تكونوا بذلك آمنين من الكُربات يوم عرض الخلائق على ربّ السّماوات ؟ فإنّ مَن لم يحزن لمصابهم فليس هو من أتباعهم وأحبائهم ، ولله درّ مَن قال :

يا لكرب بكربلاء عظيم

ولرزء على النّبي ثقيل

كم بكى جبريل مما دهاه

في بنيه صلوا على جبريل

سوف تأتي الزهراء تلتمس

الحكم إذا حان محشر التعديل

وأبوها وبعلها وبنوها

حولها والخصام غير قليل

وتنادي يا رب ذبح أولادي

لماذا وأنت خير مديل

٢٦

فيناد بمالك إلهب النار

وأجج وخذ بأهل الغلول

يا بني المصطفى بكيت وأبكي

ونفسي لم تأت بعد بسول

ليت روحي ذابت دموعاً

فأبكي للذي نالكم من التذليل

ومتى كادني النواصب فيكم

حسبي الله وهو خير وكيل

روي عن سيّد البّشر فيما جاء من الخبر , أنّه قال : (( مَن ذُكر الحُسين (عليه‌السلام ) عنده , فخرج من عينه من الدّموع بقدر جناح الذّبابة , كان ثوابه على الله تعالى , ولم يرض له بدون الجنّة جزاء )).

وعن أبي هارون المكفوف أنّه قال : قال لي الصّادق (عليه‌السلام ) : (( يا أبا هارون , أنشد لي في الحُسين شعراً )) فأنشدته قصيدة , فبكا بكاءاً شديداً وكذلك أصحابه , فقال : (( زدني قصيدة اُخرى )) فأنشدته , فبكى طويلاً وسمعت أيضاً نحيباً من وراء السّتر من أهل بيته , ولم أزل أسمع نحيب عياله وأهل بيته حتّى فرغت من إنشاد القصيدة, فلمّا فرغت , قال لي : (( يا أبا هارون , مَن أنشد في الحُسين (عليه‌السلام ) شعراً فبكى أو أبكى واحداً , كتب الله له (ولهما) الجنّة )).

وحكى دعبل الخُزاعي , قال : دخلت على سيّدي ومولاي عليّ بن موسى الرّضا (عليه‌السلام ) في مثل هذه الأيام , فرأيته جالساً جلسة الحزين الكئيب وأصحابه من حوله , فلمّا رآني مُقبلاً , قال لي : (( مرحباً بك يا دعبل , مرحباً بناصرنا بيده ولسانه )) ثمّ إنّه وسع لي وأجلسني إلى جانبه , ثمّ قال لي : (( يا دعبل , أحبّ أن تنشدني شعراً , فإنّ هذه الأيّام أيّام حزن كانت علينا أهل البيت , وأيّام سرور كانت على أعدائنا خصوصاً بني اُميّة يا دعبل , مَن بكى أو أبكى على مصابنا ولو كان واحداً أجره على الله يا دعبل , مَن ذرفت عيناه على مصابنا وبكى لما أصابنا من أعدائنا , حشره الله معنا في زمرتنا يادعبل , مَن بكى على مصاب جدّي الحُسين غفر الله له ذنوبه البّتة )) ثمّ إنّه (عليه‌السلام ) نهض وضرب ستراً بيننا وبين حرمه , وأجلس أهل بيته من وراء السّتر ؛ ليبكوا على مصاب جدّهم الحُسين (عليه‌السلام ) , ثمّ التفت إليّ وقال : (( يا دعبل , ارث الحُسين , فأنت ناصرنا ومادحنا ما دمت حيّاً , فلا تقصّر عن نصرتنا ما استطعت )).

قال دعبل : فاسعبرت وسالت عبرتي , وأنشأت أقول :

أفاطم لو خلت الحُسين مجدلا

وقد مات عطشاناً بشط فرات

إذاً للطمت الخد فاطم عنده

وأجريت دمع العين في الوجنات

٢٧

أفاطم قومي يابنة الخير واندبي

نجوم سماوات بأرض فلات

قبور (بكوفان) واُخرى بطيبة

واُخرى (بفخ) نالها صلوات

قبور ببطن النهر من جنب (كربلا)

معرسهم فيها بشط فرات

توفوا عطاشى بالعرى فليتني

توفيت فيهم قبل حين وفاة

إلى الله أشكوا لوعة عند ذكرهم

سقتني بكأس الثكل والصعقات

إذا فخروا يوماً أتوا بمحمّد

وجبريل والقرآن والسورات

وعدوا علياً ذا المناقب والعلى

وفاطمة الزهراء خير بنات

وحمزة والعبّاس ذا الدين والتقى

وجعفرها الطيار في الحجبات

أولئك مشؤمون هنداً وحربها

سمية من نوكى ومن قذرات

هم منعوا الآباء من أخذ حقهم

وهم تركوا الأبناء رهن شتات

سأبكيهم ما حج لله راكب

وما ناح قمري على الشجرات

فيا عين أبكيهم وجودي بعبرة

فقد آن للتسكاب والهملات

بنات زياد في القصور مصونة

وآل رسول الله منهتكات

وآل زياد في الحصون منيعة

وآل رسول الله في الفلوات

ديار رسول الله أصبحن بلقعاً

وآل زياد تسكن الحجرات

وآل رسول الله نحف جسومهم

وآل زياد غلظ القصرات

وآل رسول الله تدمى نحورهم

وآل زياد ربة الحجلات

وآل رسول الله تسبى حريمهم

وآل زياد آمنوا السربات

إذا وتروا مدوا إلى واترهم

أكفاً عن الأوتار منقبضات

سأبكيهم ما در في الأرض شارق

ونادى منادي الخير للصلوات

وما طلعت شمس وحان غروبها

وبالليل أبكيهم وبالغدوات

فيا إخواني , كيف لا يحقّ لنا البُكاء عليهم وإظهار الجزع والإكتئاب لديهم , وهم أعلام الرّحمن واُمناء القرآن ؟!

روي عن الباقر (عليه‌السلام ) , أنّه قال : (( أيما مؤمن ذرفت عيناه على مصاب الحُسين (عليه‌السلام ) حتّى تسيل على خدّه, بوأه الله في الجنّة غُرفاً , يسكنها أحقاباً وأيما مؤمن مسّه أذى فينا , صرف الله عن وجهه الأذى يوم القيامة, وآمنه من سخط النّار )).

وعن الصّادق (عليه‌السلام ) أنّه قال : (( مَن ذُكرنا عنده

٢٨

ففاض من عينه دمع ولو مثل رأس الذُبابة , غفر الله له ذنوبه ولو كانت مثل زَبد البحر )).

وعنه (عليه‌السلام ) , أنّه قال : (( رحم الله شيعتنا , لقد شاركونا في المصيبة , بطول الحزن والحسرة على مصاب الحُسين (عليه‌السلام ) )).

وعنه (عليه‌السلام ) , أنّه قال : (( مَن بكى أو أبكى فينا مئة فله الجنّة , ومَن بكى أو أبكى عشرة فله الجنّة , ومَن بكى أو أبكى واحداً فله الجنّة , ومَن تباكى فله الجنّة ، ومَن لم يستطع أن يبكي , فليقشعر جلده من الحزن فينا )).

فيا إخواني , انظروا إلى عظم فضيلة البُكاء على هذا الشّخص الرّباني , واغسلوا درن ذنوبكم بماء دموعكم ، ونعوذ بالله من عين لا تدمع وقلب لا يخشع.

روي : أنّه لـمّا أخبر النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ابنته فاطمة بقتل ولدها الحُسين , وما يجري عليه من المحن , بكت فاطمة (عليها‌السلام ) بُكاءاً شديداً , وقالت : (( يا أبي ؛ متى يكون ذلك ؟ )) قال (ص) : (( في زمان خال منّي ومنك ومن عليّ )) فاشتدّ بكاؤها وقالت : (( يا أبة ؛ فمَن يبكي عليه ؟ ومَن يلتزم بإقامة العزاء له ؟ )).

فقال النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : (( يا فاطمة , إنّ نساء اُمّي يبكون على نساء أهل بيتي , ورجالهم يبكون على رجال أهل بيتي ، ويجددون العزاء جيلاً بعد جيل في كُلّ سنة ، فإذا كان يوم القيامة , تشفعين أنت للنساء وأنا أشفع للرجال ، وكُلّ مَن بكى منهم على مصاب الحُسين أخذنا بيده وأدخلناه الجنّة يا فاطمة , كُلّ عين باكية يوم القيامة , إلّا عين بكت على مصاب الحُسين , فإنّها ضاحكة مُستبشرة بنعيم الجنّة )).

فيا إخواني , أكثروا البكاء والعويل على هذا العزيز الجليل ؛ لتفوزوا بالثّواب الجزيل من الرّبّ الجليل , فإنّ الله جعل متابعتنا لهم فيما أمكن من الفعال ، وبكاؤنا عليهم بالدّمع السّجال ، وبعث عيوب أعدائهم أهل الضّلال قائماً مقام الجهاد معهم في يوم القتال ، كما ورد في الخبر عن وصي سيّد البشر , أنّه قال لأصحابه : (( الزموا بيوتكم واصبروا على البلاء , ولا تتحركوا بأيديكم وسيوفكم وهوى ألسنتكم , ولا تستعجلوا بما لم يعجّله الله لكم , فإنّه مَن مات منكم على فراشه , وهو على معرفة من حقّ ربّه وحقّ رسوله وآل رسوله , كان كمن مات شهيداً ووقع أجره على الله تعالى , واستوجب ثواب ما نوى من صالح عمله , وقامت النّية مقام إصالته وجهاده بسيفه ويده , وإنّ لكُلّ شيء أجلاً

٢٩

وانتهاءاً )).

فعلى الأطائب من أهل بيت الرّسول فليبك الباكون ، وإيّاهم فليندب النّادبون ، ولمثلهم تذرف الدّموع من العيون ، أو لا تكونون كبعض مادحيهم حيث عرته الأحزان والأشجان ، فنظم وقال فيهم :

القصيدة للشيخ الخليعي (رحمه‌الله )

أي عذر لمهجة لا تذوب

وحشاً لا يشب فيها لهيب

ولقلب يفيق من ألم للحزن

ولعين دموعها لا تصوب

وابن بنت النّبي بالطف مطروح

ملقى والجبين منه تريب

حوله مني بني أبيه شباب

صرعتهم أيدي المنايا وشيب

وحريم النّبي عبرى من الئكل

وحرى خمارها منهوب

تلك تدعو أخي وتلك تنادي

يا أبي وهو شاخص لا يجيب

لهف قلبي وطفله في يديه

يتلظى والنحر منه خضيب

لهف قلبي لأخته زينب تأوي

اليتامى ودمعها مسكوب

لهف قلبي لفاطم خيفة السبي

تجافي وقلبها مرعوب

لهف قلبي لاُم كلثوم والخدان

منها قد خددتها الندوب

وهي تدعو يا واحدي يا شقيقي

يا مغيثي قد برحت بي الخطوب

ثم تشكو إلى النّبي ودمع العين

في خدها الأسيل وصيب

جد يا جد لو ترانا حيارى

قد عرتنا بكربلاء الكروب

جد يا جد لم يفد ذلك النصح

وذاك الترغيب والترهيب

جد لم تقبل الوصية في الأهل

ولم يرحم الوحيد الغريب

يصبح الجاحد البعيد من الحقّ

قريباً منهم ويقضي القريب

أين عيناك والحُسين قتيل

وعلي مغلل مضروب

لو ترى سبطك المفدى طريحاً

عارياً والرداء منه سليب

لو ترانا نساق بالذل ما بين

العدى قد قسمت علينا القلوب

لو ترانا حرى وقد أبرزت منا

وجوه صينت وشقت جيوب

بأبي الطاهرات تحدى بهن العيس

بين الملا وطوى السهوب

بأبي رأس جل فاطمة

يشهره للعيون رمح كعوب

٣٠

يا بن أزكى الورى نجاراً على

مثلك يستحسن البكا والنحيب

هاجفوني لما اُصيبت به

قرحي وقلبي لما رزيت كئيب

أين قلبي الشجي والفارغ البال

وأين المحق والمستريب

لا هناني عيشي ومبسمك الدرى

باد وقد علاه ق-ضيب

ليت أبي فداك لو كان بالعبد

يفدي المولى الحسيب النسيب

سهم بغي الأولى أصابك من قبـ

ـ ل ولله عنك سهم مصيب

أظهروا فيك حقد بدر من قبـ

ـل دعوا للهدى ولم يستجيبوا

يا بني أحمد إلى مدحكم قلب

الخليعي مستهام طروب

كيف صبر امرئ برى الود في

القربى وجوباً وإرثكم مغصوب

أنتم حجة الإله على الخلق

وأنتم للطالب المطلوب

بولاكم وبغض أعدائكم تقبل

أعمالنا وتمحى الذنوب

لثناكم شاهت وجوه ذوي النـ

ـصب وشقت من النغول القلوب

الباب الثّاني

اعلموا أيّها الأخوان , إنّ نفثات الأحزان إذا صدر عن زفير نيران الأشجان , فرجت بعض الكروب عن الواله المكروب ، والدّموع الهتان إذا أسبلت عن مقرحات الأجفان ، نفس ذلك الدّمع المصبوب ما يجده المتيم المتعوب , فليلبس كلّ واحد منكم شعار أحزانه , وليتجلبب بجلباب كآبته واشجانه.

أما تعلمون أنّ لكلّ واحد منكم تمام إيمانه ؟ أما تحبّون أن يرجع ذلك لكلّ واحد منكم بميزانه ؟ أأبلغ شاهد من هذا تريدون ؟ فلِمَ عن إقامة العزاء متقاصرون ؟ أما بلغكم أنّ بعينهم جميع ما تصنعون ؟ أما قال عزّ وجلّ :( وَلاَ تَحْسَبَنّ الّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبّهِمْ يُرْزَقُونَ ) (١) ؟ بل والله أنّه قول لا مرية فيه ولا شكّ يعتريه , ولله درّ مَن قال :

يا من بجاههم الظليل وعزهم

لذوي المراتب في البرايا سادوا

فلهم على السبع الطرايق منصب

عالي البناء له العلاء عماد

وحياض وردهم لكل مؤمل

يروي به الرواد والوراد

____________________

(١) سورة آل عمران / ١٦٩.

٣١

إن أوعدوا صفحوا عن الجاني وإن

وعدوا بخير انجزوا الميعاد

تضع الملوك جباههم في أرضهم

ولزهدهم تتأدب الزهاد

إن كان غيري ناسياً لمصابكم

فالحزن في قلبي له تزداد

بالله أقسم لا تعدي دينكم

إلّا زنيم دينه الحاد

عن الصّادق (عليه‌السلام ) : (( إذا كان يوم القيامة , نُصب لفاطمة (عليها‌السلام ) قبّة من نور , ويقبل الحُسين (عليه‌السلام ) ماشياً ورأسه في يده , فإذا رأته فاطمة (عليها‌السلام ) , شهقت شهقة عظيمة , فلا يبقى في ذلك الموقف ملك ولا نبيّ إلّا وبكى لبكائها , فيمثل الله الحُسين في أحسن صور , فيخاصم قتلته وهو بلا رأس , فيجمع الله قتلته والمجهزين عليه ومن شرك في قتاله فيقتلهم عليّ ، ثمّ يُنشرون فيقتلهم الحسن , ثمّ يُنشرون فيقتلهم الأئمة )).

وفي خبر آخر عن النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , قال : (( إذا كان يوم القيامة , جاءت فاطمة الزّهراء في لـمّة من نساء أهل الجنّة , فيُقال لها : ادخلي فتقول : لا ادخل حتّى أعلم ما صُنع بولدي الحُسين فيُقال لها : انظري في قلب القيامة فتنظر يميناً وشمالاً فترى الحُسين وهو قائم ليس عليه رأس , فتصرخ صرخة عالية وتصرخ الملائكة لصرختها , وتقول : وا ولداه وا ثمرة فؤاداه ! قال : فيشتدّ غضب الله عند ذلك , فيأمر الله ناراً اسمها هبهب , قد أوقدوا عليها ألف عام حتّى اسودّت واظلمّت , لا يدخلها روح ولا يخرج منها همّ ولا غمّ أبداً , فيُقال لها : التّقطي قتلة الحُسين فتلتقطهم جميعاً واحداً بعد واحد , فإذا صاروا في حوصلتها , صهلت بهم وصهلوا بها , وشهقت بهم وشهقوا بها , واشتدّ عليهم العذاب , فيقولون : ربّنا لِمَ أوجبت علينا النّار قبل عَبدة الأوثان ؟ فيأتيهم الجواب عن الله : إنّ مَن علم ليس كمن لا يعلم ))( فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ ) (١) ولله درّ مَن قال :

عين تروم فراق شخصك ساعة

كحلت بأميال العمى آماقها

نفس للحظك لم تكن مشتاقة

ضربت بأسياف العدى أعناقها

روي عن الفضل بن شاذان قال : سمعت الرّضا (عليه‌السلام ) يقول : (( لـمّا أمر الله إبراهيم (عليه‌السلام ) أن يذبح مكان إسماعيل الكبش - الذي أنزله عليه - , تمنّى إبراهيم أن يكون قد ذبح ابنه إسماعيل بيده , وإنّه يؤمر بذبح الكبش مكانه ؛ ليرجع إلى قلبه ما

____________________

(١) سورة الأحقاف / ٢٠.

٣٢

يرجع إلى قلب الوالد الذي يذبح أعزّ ولده , فيستحقّ بذلك أرفع درجات أهل الثّواب على المصائب , فأوحى الله عزّ وجلّ إليه : يا إبراهيم , مَن أحبّ خلقي إليك ؟ فقال : يا ربّ , ما خلقت خلقاً هو أحبّ إليّ من حبيبك مُحمّد (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) فأوحى الله إليه : يا إبراهيم , هو أحبّ إليك أمّ نفسك ؟ فقال : بل هو أحبّ إليّ من نفسي قال : فولده أحبّ إليك أم ولدك ؟ قال : بل ولده قال : فذبح ولده ظُلماً على يدي أعدائه أوجع لقلبك أو ذبح ولدك بيدك في طاعتي ؟ قال : يا ربّ , بل ذبحه على أيدي أعدائه أوجع لقلبي قال : يا إبراهيم , إنّ طائفة تزعم أنّها من اُمّته , ستقتل الحُسين ابنه من بعده ظُلماً وعدواناً كما يُذبح الكبش , ويستوجبون بذلك بيدك ؛ بجزعك على الحُسين وقتله , وأوجبت لك أرفع درجات أهل الثّواب على المصائب , وذلك قول الله تعالى :( وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ) (١) )) ولله درّ مَن قال :

عليك ابن خير المرسلين تأسفي

وحزني وإن طال الزمان طويل

جللت فجل الرزء فيك على الورى

كذا كل رزء للجليل جليل

فوا حسرتاه لتلك الجسوم المرمّلة بالدّماء ! ووا لهفتاه لتلك الأفواه اليابسة من الظّماء ! وواحرّ قلباه لمولاي الحُسين وهو يُنادي فلا يُجاب , ويستغيث وليس مَن يرد الخطاب , ويطلب شربة من الماء فلا يُسقى أو لا يدارى , وقد حرّموه عليه وحلّلوه على اليهود والنّصارى , ومنعوه من توديع الأحباب والأولاد , وأظهروا في الإسلام حُزناً لا ينقضي حتّى المعاد ! فلا غرو إن بكت عليه محاجري أو فرّ السّهاد عن ناظري.

فيا إخواني , كيف يحسن نوح النّائحين وبكاء الباكين على إلف وخدين ؟ ولا يحسن على ابن أمير المؤمنين وابن سيّدة نساء العالمين , بلى والله والحقّ الـمُبين , ولله درّ مَن قال :

يا أهل بيت محمد دمعي لكم

جار وقلبي ما حييت كئيب

أنتم ولاة المسلمين وحبكم

فرض ونهج هداكم ملحوب

طبتم فحبكم النجاة وبغضكم

كفر برب العالمين وحوب

نُقل عن ابن عبّاس أنّه قال : لـمّا حضرت رسول الله الوفاة , بكى بكاء شديداً حتّى بلّت دموعه لحيته ، فقلت له : يا رسول الله , ما يبكيك ؟ فقال :

____________________

(١) سورة الصّافات / ١٠٧.

٣٣

(( أبكي لذرّيّتي وما يصنع بهم من بعدي , وما يفعلون بهم أشرار اُمّتي , فكأنّي بفاطمة (عليها‌السلام ) ابنتي وقد ظُلمت من بعدي , وغُصب حقّها وقُهر بعلها وغُصبت على ميراثها , فكأنّي بها وهي تُنادي : يا أبتاه يا أبتاه ! فلا يعينها أحد من اُمّتي )) فسمعت فاطمة كلام أبيها فبكت , فقال لها النّبي : (( اسكتي يا فاطمة , ابشري يا بنت مُحمّد بسرعة اللحاق بي , ولم تلبثي بعدي إلّا قليلاً , وأنّك أوّل مَن يلحق بي من أهل بيتي )) فسرّت بذلك سروراً عظيماً.

وفي بعض الأخبار عن أبي جعفر (عليه‌السلام ) , قال : (( ما راُيت فاطمة ضاحكة بعد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) )) وقيل: ما كان في الدُنيا أعبد من فاطمة , كانت تقوم للصّلاة حتّى تتورّم قدماها وقيل : لـمّا دُفن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ورجعت فاطمة إلى بيتها , اجتمع إليها نساؤها , فقالت : (( إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، انقطع عنّا خبر السّماء )) ثمّ قالت :

أغبر آفاق البلاد وكورت

شمس النهار وأظلم العصران

والأرض من بعد النّبي حزينة

أسفاً عليه كثيرة الرجفان

فليبكه شرق البلاد وغربها

وليبكه مصر وكل يمان

نفسي فداؤك ما لرأسك مائلاً

ما وسدوك وسادة الوسنان

ونُقل : إنّها وقعت على قبره , وقالت :

ما ضر من شم تربة أحمد

أن لا يشم مدى الزمان غواليا

صبت عليّ مصائب لو أنها

صبت على الأيام صرن لياليا

فيا إخواني , إن رغبتم في المنزل الكريم والثّواب العظيم الجسيم , فأديموا الحزن عليهم والجزع والكآبة لديهم ، فإنّه يكتب لكم في صحائف الحسنات ويمحو عنكم الذّنوب المعضلات فعلى الأطائب من أهل البيت فليبك الباكون، وإيّاهم فليندب النّادبن , ولمثلهم تذرف دموع العيون ، أولا تكونون كبعض مادحيهم حيث عرته الأحزان والأشجان، فنظم وقال :

القصيدة للشيخ ابن حماد (رحمه‌الله )

خواطر فكري في الحشاء تجول

وحزني على آل النبي طويل

أراق دموعي ظلم آل محمد

وقتلي لنفسي في الهداة قليل

٣٤

تهون الرزايا عند ذكر مصابهم

ورزؤهم في العالمين جليل

لعمرك خطب لو علمت جليل

وأمر عنيف لو علمت مهول

مصارع أولاد النبي بكربلا

عليهن حزني ما حييت يطول

قبور عليها النور يزهو عندها

صعود لأملاك السما ونزول

قبور بها يستدفع الضر والأذى

ويعطي بها رب السما وينيل

ولما رأيت الحير حارت مدامعي

وكان لها من قبل ذاك همول

ومثل لي يوم الحُسين وقوله

لأعدائه بالطف وهو يقول :

أما فيكم يا أيها الناس راحم

لعترة أولاد النبي وصول

أأقتل مظلوماً وقدما علمتم

بأن ليس لي في العالمين عديل

أليس أبي خير الوصيين كلهم

أما أنا للطهر النبي سليل

أما فاطم الزهراء اُمي ويلكم

وعمّاي أيضاً جعفر وعقيل

دعوني أرد ماء الفرات ودونكم

لقتلي فعندي للظماء غليل

فنادوه مهلاً يابن بنت محمّد

فليس إلى ما تبتغيه سبيل

فداؤك روحي يا حسين وعترتي

وأنت غفير في التراب جديل

فديتك لما مر مهرك عارياً

ورأسك في رأس السنان مثيل

بناتك تسبى كالإماء حواسراً

وسبطك ما بين العداة قتيل

وزينب تدعو بالحُسين وقلبها

حزين لفقدان السلو ثكول

أخي يا أخي قد كنت عزي ومنعتي

فأصبح عزي فيك وهو ذليل

أخي يا أخي لم أعط سؤلي ولم يكن

لأختك مأمول سواك وسول

أخي لو ترى عيناك ما فعل العدا

بنا لرأت أمراً هناك يهول

ترانا سبايا كالأماء حواسراً

يجد بنا نحو الشئام رحيل

أخي لاهنتي بعد فقدك عيشتى

ولا طاب لي حتى الممات مقيل

فإن كنت أزمعت المغيب فقل لنا

أما لك من بعد المغيب قفول

أقول كما قد قال عني والدي

وأدمعه بعد البتول همول

أرى علل الدنيا عليّ كثيرة

وصاحبها حتى الممات عليل

لكل اجتماع من خليلين فرقة

وإن بقائي بعدكم لقليل

٣٥

يريد الفتى أن لا يفارق خله

وليس إلى ما يبتغيه سبيل

وإن افتقادي فاطماً بعد أحمد

دليل على أن لا يدوم خليل

عليكم سلام الله يا خيرة الورى

ومن فضلهم عند الإله جليل

بكم طاب ميلادي وإن ودادكم

بان على ما في الأمور دليل

لأنكم أعلى الورى عند ربكم

إذ الطرف في اليوم المعاد كليل

وإن موازين الخلائق حبكم

خفيف لما يأتي به وثقيل

وأصفيتكم ودي ودنت بحبكم

مقيم عليه لست عنه أحول

وإنكم يوم المعاد وسيلتي

ومالي سواكم إن علقت وسيل

تسمع لها بكر الغواني إذا بدت

تتيه على أقرانها وتصول

منمقة الألفاظ من قول قادر

على الشعر إن رام القريض يقول

لساني حسامي مرهف الحد قاطع

ورأيي سديد في الأمور دليل

وذلك فضل من إلهي وطوله

وفضل إلهي للعباد جزيل

ألا رب مغرور تناسى ولو درى

لكان إلى ما في الأمور يؤول

تشبه لي في الشعر عز فهل ترى

يكون سواء عالم وجهول

ولو لا حفاظ العهد بيني وبينه

لقلت ولكن الجميل جميل

كفى أن من يهوى غوات أراذل

لأم تناشوا في الخنا ونغول

وإني بحمد الله ما بين عصبة

لهم شيم محمودة وعقول

بحبكم يرجو ابن حماد سؤله

ويعلوه ظل في الجنان ظليل

فقل للذي يبغي عنادي لحينه

رويداً رويداً فالحديث يطول

الباب الثّالث

اتظنون أيّها المؤمنون إخوانكم أصحاب الحُسين (عليهم‌السلام ) عظمت عليهم تلك الآلام , أو أضرّت بهم تلك الجراح في ميدان الكفاح ؟ لا وخالق الأرواح , أليس هُم بعين الملك الجبّار ؟ أليس هُم في نصرة النّبي الـمُختار ؟ أما هُم الذين باعوا الدُنيا بالآخرة في نصرة الذّرية الطّاهرة ؟ لقد والله , شاهدوا مقاعدهم في الجنان مشاهدة الحضور والعيان، وعلموا أنّهم قادمون عليها فبذلوا وسارعوا إليها , ولله درّ مَن قال فيهم :

٣٦

قوم إذا حضر الوغى لم يسألوا

حذر المنية عن سبيل الهارب

وإذا الكماة تطاعنوا ألفيتهم

يتقدمون إلى مكان الضارب

فيا حبّذا نجم سعدهم اللائح ويا طيب نشر عطرهم الفائح ، كيف لا وقد تحقق أنّ القتيل منهم في سبيل الـمَلك الجليل لا يجب له التّغسيل ؛ لما ورد في الخبر عن سيّد البشر (ص) : (( رمّلوهم بدمائهم ؛ فإنّهم يُحشرون يوم القيامة تشخب أوداجهم دماً , اللون لون الدّم والرّيح ريح المسك )).

فيا إخواني , هل هذا إلّا لمكرمة حصلوها وفضيلة أدركوها ؟ وذلك هو الحظّ العظيم والنّيل الجسيم.

نُقل أنّه لـمّا قدم الحُسين (عليه‌السلام ) إلى أرض كربلاء , كان معه اثنان وسبعون رجُلاً , وثلاثون فارساً وأربعون راجلاً, وكان عسكر ابن سعد سبعين ألف فارس , فحملوا بأجمعهم على الحُسين وأصحابه (عليهم‌السلام ) , فأمر ابن سعد برميهم في السّهام , فرموهم بها حتّى صار جسد الحُسين كالقنفذ , وجرحوه في بدنه ثلاثمئة ونيفاً وعشرين جرحاً ؛ بالرّماح والسّيوف والنّبل والحجارة ، حتّى أنّه (عليه‌السلام ) حجم عنهم وضعف عن القتال , فطعنه سنان بسنانه فصرعه إلى الأرض , فابتدر إليه خولي ؛ ليحتز رأسه فارتعد ورجع عن قتله ، فقال له الشّمر : فتّ الله عضدك , ما لك ترعد ؟ ثمّ إنّ الشّمر نزل عن فرسه ودنا إلى الحُسين , فذبحه كما يُذبح الكبش , ألا لعنة الله على القوم الظّالمين.

وكان عدد مَن قُتل مع الحُسين من أهل بيته وعشيرته (عليه‌السلام ) ثمانية عشر نفساً ، فمن أولاد عليّ ستة وهم ؛ العبّاس وعبد الله , وجعفر وعثمان , وعُبيد الله وأبو بكر ، ومن أولاد الحُسين (عليه‌السلام ) اثنان , وهما ؛ عليّ بن الحُسين , وعبد الله الطّفل المذبوح بالسّهم ، ومن أولاد الحسن (عليه‌السلام ) ثلاثة , وهم ؛ القاسم وأبو بكر وعبد الله ، ومن أولاد عبد الله بن جعفر بن أبي طالب اثنان , وهما ؛ مُحمّد وعون ، ومن أولاد عقيل ثلاثة , وهم ؛ عون وجعفر وعبد الرّحمن , ومن أولاد مُسلم بن عقيل اثنان , وهما ؛ عبد الله بن مُسلم وعُبيد الله بن مُسلم فهؤلاء ثمانية عشر نفساً من أهل البيت (عليهم‌السلام ) قُتلوا مع الحُسين (عليه‌السلام ) , وكلّهم مدفونون مما يلي رجلي الحُسين في مشهده ، وإنّهم حُفر لهم حفيرة عميقة , واُلقوا فيها جميعاً وسوّي عليهم التّراب (رحمة الله عليهم) ، وأمّا العبّاس , فإنّه دُفن ناحية عنهم في موضع المعركة عند (المسناة) , وقبره ظاهر على ما هو الآن ، وليس لقبور إخوته

٣٧

وبني عمّه الذين سمعنا لهم أثر ظاهر , وإنّما يزورهم الزّائر عند رجلي الحُسين (ع) , ويومي إلى الأرض ويشير إليهم بالسّلام , وعليّ بن الحُسين من جملتهم ، وقيل : إنّه أقرب منهم إلى قبر أبيه.

وأمّا أصحاب الحُسين الذين قُتلوا معه من سائر النّاس , وهم ثلاثة وخمسون رجُلاً , فإنّهم دُفنوا حوله , وليس لهم أجداث على الحقيقة ، ولا شكّ أنّهم في الحائر الـمُقدّس على ما نُقل من الثُقاة , والحائر مُحيط بهم (رضوان الله عليهم أجمعين).

وأمّا رأس الحُسين (عليه‌السلام ) , فنُقل عن بعض علمائنا , إنّه رُدّ من الشّام ودُفن مع جسده الشّريف وفي خبر آخر عن الصّادق (عليه‌السلام ) , إنّه بلغ في مسيره من المدينة إلى الغري شرّفه الله تعالى , ومعه ابنه إسماعيل وجماعة من أصحابه (عليه‌السلام ) , نزل عن دابته في موضع عند الغري قريباً من القبر مما يلي الرأس , وزار الحُسين وصلّى عنده ركعتين , فقال له بعض مَن كان معه : يابن رسول الله , أليس رأس الحُسين بُعث إلى الشّام إلى يزيد ؟ فقال : (( بلى , ولكنّه رجل من موالينا اشتراه من بعد موت يزيد , وأتى به إلى هذا الموضع ودفنه هُنا )) وليس هذا ببعيد , وكذلك اشتهر بين الأصحاب زيارته من عند رأس قبر أبيه.

وجاء في بعض الأخبار , أنّه كان للحُسين أربعة أولاد ذكور , وهم ؛ عليّ بن الحُسين الأكبر , وكان عمره يوم قُتل مع أبيه سبع عشر سنة ، وعليّ بن الحُسين الأصغر , وهو الإمام (عليه‌السلام ) الذي عاش بعد حياة أبيه , وجعفر بن الحُسين (عليه‌السلام ) , مات في حياة أبيه ودُفن بالمدينة ولا بقية له ، وعبد الله بن الحُسين (عليه‌السلام ) , هو الطّفل الذي قُتل في حجر أبيه , جاءه سهم ميشوم وهو يستقي له من القوم ماءاً , فجاءه السّهم في نحره , فذبحه من الاُذن إلى الاُذن , فجعل أبوه الحُسين (ع) يلقي الدّم من نحره ويرمي به إلى السّماء , فلا يسقط منه قطرة , وهو مع ذلك يبدي الشّكاية إلى الله تعالى ويبكي ويقول : (( قتل الله قوماً قتلوك يا بُني , ما أجرأهم على انتهاك حُرمة الرّسول , على الدُنيا بعدك العفا )).

فانظروا يا إخواني بعيون بصائركم إلى مصاب العترة الطّاهرة, واعملوا فكركم فيما أصابهم من الفئة الفاجرة, أتدرون إذا حزنتم على المصاب أيّ شيء تحوزون من الأجر والثّواب؟.

لقد طال ما أسهر أجفاني

تمثلهم في خاطري وجناني

ولله درّ مَن قال :

٣٨

حتى متى وإلى متى تتصبر

فلمثل هذا اليوم دمعك يذخر

اليوم فلتذب النفوس كآبة

وعلى الخدود من المحاجر تقطر

روي عن الإمام أبي عبد الله (ع) , قال : (( سمعت أبي يقول : إنّ فاطمة (عليها‌السلام ) كانت تأتي قبور الشُهداء فتبكي , ثمّ تأتي قبور البقيع بين اليوم واليومين , فكانت إذا وهجها الشّمس تفيّأت بظل أراكة هُناك , فبلغ الرّجلين ذلك فبعثا فقطعا الإراكة )) فلا جرم , لقد كانت الأراكة سبباً لإعمال سيوف فتّاكة في نسلها وبنيها وولدها وذرّيّتها , ولله درّ من قال :

ستعلم في الحساب إذا التقينا

غداً عند الإله من الظلوم

إلى ديان يوم الدين نمضي

وعند الله تجتمع الخصوم

روي عن الصّادق (عليه‌السلام ) , أنّه إذا هلّ هلال عاشور , اشتدّ حزنه وعظم بكاؤه على مصاب جدّه الحُسين (عليه‌السلام ) , والنّاس يأتون إليه من كُلّ جانب ومكان ؛ يُعزّونه بالحُسين ويبكون وينوحون على مصاب الحُسين (عليه‌السلام ) , فإذا فرغوا من البكاء , يقول لهم : (( أيّها النّاس , اعلموا أنّ الحُسين حيّ عند ربّه يُرزق من حيث يشاء , وهو (عليه‌السلام ) دائماً ينظر إلى موضع عسكره ومصرعه ومَن حلّ فيه من الشُهداء , وينظر إلى زوّاره والباكين عليه والمقيمين العزاء عليه , وهو أعرف بهم وباسمائهم واسماء آبائهم وبدرجاتهم ومنازلهم في الجنّة , وإنّه ليرى مَن يبكي عليه فيستغفر له , ويسأل جدّه وأباه واُمّه وأخاه أن يستغفروا للباكين على مصابه والمقيمين عزاءه , ويقول : لو يعلم زائري والباكي عليّ ما له من الأجر عند الله تعالى , لكان فرحه أكثر من جزعه , وأنّ زائري والباكي عليّ لينقلب إلى أهله مسروراً , وما يقوم من مجلسه إلاّ وما عليه ذنب , وصار كيوم ولدته اُمّه )).

وعنه (عليه‌السلام ) أنّه قال : (( لـمّا قُتل الحُسين (عليه‌السلام ) , بكت عليه السّماوات السّبع , ومَن فيهنّ من الجن والإنس , والوحوش والدّواب , والأشجار والأطيار , ومَن في الجنّة والنّار وما لا يرى , كلّ ذلك يبكون على الحُسين (عليه‌السلام ) ويحزنون لأجله , إلاّ ثلاث طوائف من النّاس , فإنّها لم تبك عليه أبداً )) فقيل : فمَن هذه الثّلاثة التي لم تبك على الحُسين ؟ فقال : (( هُم ؛ أهل دمشق ، وأهل البصرة , وبنو اُميّة , لعنة الله على الظّالمين )).

فيا عجباً من القلوب القاسية والنّفوس العاصية , كيف لا تبكي لـمَن بكاه مُحمّد الـمُصطفى , وعليّ الـمُرتضى وفاطمة الزّهراء سيّدة

٣٩

النّساء , وملائكة السّماء وما بينهما وما تحت الثّرى ؟!

فعلى الأطائب من أهل البيت فليبك الباكون , وإيّاهم فليندب النّادبون , ولمثلهم تذرف الدّموع من العيون , أو لا تكونون كبعض مادحيهم حيث عرته الأحزان , فنظم وقال فيهم :

القصيدة للشيخ الخليعي (رحمه‌الله )

ألا يا عين لا لمراتع وخيامي

أودت بساكنها يد الأيام

لا ينفع الغل الدموع بربها

ألا إذا ندب القتيل الظامي

ما عذر من لم يبكي يوم مصابه

متأسفاً بدم ودمع هام

سحي الدموع على الحُسين وحا

ذري تستزلك ألسن اللوام

وتمثليه بكربلا يا ظامياً

يرنو إلى ماء الفرات الطامي

وأبكي على الشيب التريب معفراً

وأبكي على النحر الخضيب الدامي

وتمثيله إخوانه وبناته

يندبنه بتفجع ولطامي

هذي تنوح وهذي تبكي لما

سلب العدى من برقع ولثام

وأبكي اليتامى للطغاة خواضعا

وارحمتاه لتخضع الأيتام

وأبكي مصارع فتية علوية

شربوا على ظمأ كؤوس حمام

أحشاء فاطمة لهم مقروحة

وعلى النبي توجع الأيتام

وأبكي لزينب تستغيث باُمها

ذات المفاخر والمحل السامي

يا اُم قومي من ثراك وسارعي

وتبيني ذلي وسوء مقامي

وقفي على المقتول وانفجعي له

وأبكي له فرداً بغير محمامي

وأبكي على الطفل الصغير مضمخاً

بدماه بعد تحرق وأوام

وأبكي عزيزات الحُسين حواسراً

يسترن أوجههن بالأكمام

وأبكي لزين العابدين مقيداً

في الأسر يشكو كربة الأسقام

وأبكي لنا نسبي على الأقتاب ما

بين الملأ في مهمه وأكام

وأبكي لرأس السبط يشهر في القنا

كالبدر يجلو حندس الأظلام

يا للرجال لثار عترة أحمد

الهادي وبالحمية الإسلام

أيكون صاحب شرعة الأحكام

والداعي الأنام منكس الأعلام

تبيد آل زياد آل محمّد

قتلاً بحد صوارم وسهام

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220