المنتخب للطريحي المنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري) الجزء ١

المنتخب للطريحي المنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري)18%

المنتخب للطريحي المنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري) مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 220

الـمُنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري) الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 220 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 36918 / تحميل: 5185
الحجم الحجم الحجم
المنتخب للطريحي المنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري)

المنتخب للطريحي المنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري) الجزء ١

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

ويبيت جسم ابن النّبي مرملاً

ترباً يوطئ الخيل والأقدم

وإلى ابن آكلة الكبود برأسه

يسري بعين الواحد العلام

ويمكن الرجس القضيب بجهله

وبضغنة من ثغره البسام

لكنه أملى لهم فتمردوا

في الكفر وازدادوا من الآثام

يا سادة شرف الكتاب بما حوى

فيهم من الإجلال والإعظام

يا من إذا ذكر اللبيب مصابهم

هانت عليه مصائب الأيام

قسماً بمن فرض الولاء على الورى

لكم وذلك أعظم الأقسام

ما أطمع الأرجاس فيما أبدعوا

فيكم وجرأهم على الأقدام

إلّا الذين تعاقدوا أن ينقضوا

ما أحكم الهادي من الإبرام

يا قاسم النيران يا من حبه

فرض عليّ مؤكد الإلزام

أنا عبدك الخلعي لا أخشى لظى

وعليك معتمدي وأنت عصامي

فلقد عرفت بغير نكر خالقي

ونبي الهادي معاً وإمامي

ولقد دللت على وجوب رئاسة

المعصوم لا حصر ولا متعامي

فلتعطفن على يوم تقول للأشياع

طبتم فادخلو بسلام

وتقاد أعداء الرسول إلى الردى

عصب الخنا والرجس والآثام

ويعجل الله العذاب لمعشر

غدروا فأبلغ من عداك مرامي

٤١

المجلس الثّالث

في الليلة الثّانية من عشر الـمُحرّم

وفيه أبواب ثلاثة

الباب الأوّل

اعلموا أعزّكم الله بقيام الدّين واحياكم واماتكم على سنّة سيّد الـمُرسلين , إنّ نور الإسلام ما ظهر ولا استقام إلّا بعليّ (عليه الصّلاة والسّلام) ، وجهاده بين يدي سيّد الأنام لاظهار الإسلام ، فقتل الرّجال وجدّل الأبطال في حومة النّزال ، فلم يبق بيت من قُريش إلّا وعمل صليل حسامه في جوانبه ، وأخنى على أهله وأقاربه ، لا جرم بغضه أهل الشّقاق , فأبطنوا الخلاف وأظهروا الوفاق , فحين عرف النّبي ذلك من ضمائرهم - إذ هو الـمُطّلع على ما في سرائرهم - قام فيهم بالوصية فيه وفي ذرّيّته وبنيه , مقاماً بعد مقام حتّى أسمع كافة الإسلام , فلم يسعهم إلّا القبول في الظّاهر لما يقول , فلمّا توفي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , ارتدّوا وقصدوه وأساءوا إلى وصيه وقتلوه , وثنوا ببنيه وأشياعه ومواليه , فحقّت عليهم كلمة الكفر ؛ بالإرتداد التي وعدهم بها ربّ العباد.

روي عن ابن عبّاس قال : حضرت مسألة فعجز عمر عن ردّها ، فقال ما تقولون يا صحابة رسول الله , مَن ترون يقوم بجواب هذه المسألة ؟ فقالوا : أنت أعرف منّا قال : كُلّنا والله يعلم ابن بجدتها والخبير بها فقالوا : لعلّك أردت عليّ بن أبي طالب قال : وإنّى يعدل بي عنه قالوا : لوبعثت إليه لأتاك قال : هيهات هُناك شمخ من هاشم وأثره من علم يؤتى لا يأتي ، قوموا بنا إليه فقام القوم بأجمعهم , فإذا هو (عليه‌السلام ) في حائط له مُتّك على مسحاة في يده ,

٤٢

يتلو قوله تعالى :( أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى * أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى ) (١) . ودموعه تجري على خدّيه , فأجهش القوم لبكائه ثمّ سكن وسكنوا ، فأصدر إليه عمر مسألته وأدّى عليّ جوابها ، فقال : يا أبا الحسن , لقد أرادك الحقّ ولكن أبى قومك فقال (ع) : (( يا أبا حفص , خفّظ عليك من هُنا ومن هُناك :( إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا ) (٢) )) فلمّا أراد عمر الإنصراف , قال : أؤنسك يابن عباس ؟ قال ابن عبّاس : فأخذ بيدي وقال : يابن عبّاس , لقد كان ابن عمّك أحقّ بهذا الأمر لو لا ثلاث قُلت : وما هي ؟ قال : حداثة سنّه ومحبّته لأهل بيته وبغض قُريش له قال , فقلت : يا أمير المؤمنين , أتأذن لي في الجواب ؟ فقال : قُل فقلت : أمّا حداثة سنّه , فوالله ما استحدثه الله حين جعله أخاً لنبيّه , وجعل نفسه كنفسه ، وأمّا محبّته لأهل بيته , فقد عمل بقول الله تعالى فيهم :( قُل لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلّا الْمَوَدّةَ فِي الْقُرْبَى ) (٣) وأمّا بغض قُريش له , فعلى مَن نقمت قُريش , أعلى الله حيث أمر رسوله بحربها ؟ أم على رسوله حيث أمر عليّاً بقتالها ؟ أم على عليّ حيث أطاع رسوله فيها ؟ قال : فجذب يده وقال : يابن عبّاس , إنّك لتغرق من بحر.

فانظروا يا إخواني إلى ما في ضمائرهم من الأحقاد , حيث قتل بسيفه منهم الآباء والأولاد ؛ امتثالاً لأمر ربّ العباد ، طلبوا نيل مفاخرة الجميلة , فعجزوا عنها وأعيتهم وجوه الحيلة , فلمّا صارت أزمة الاُمور إليهم ووردوها عليهم , صوّبوا صوائب المصائب في ذرّيّته وبنيه وشيعته ومُحبّيه , فلا ترى إلاّ قتيلاً على وجه الثّرى , أو مأسوراً قد أضربه طول السّرى , أو نسوة حواسر على أقتاب الجمال , تصفح وجوههم الرّجال , يندبن جدّهم الـمُصطفى وأباهم الـمُرتضى واُمّهم الزّهراء , يُسار بهم بالعنف الشّديد إلى أشر العبيد , كأنّهم اُسارى بعض اليهود والنّصارى ، ولله درّ مَن قال من الرّجال :

يا للرجال لعظم هول مصيبة

جلّت مصيبتها وخطب هايل

الشمس كاسفة لفقد إمامنا

خير الخلائق والإمام العادل

يا خير من ركب المطى ومن مشى

فوق الثرى من محتف أو ناعل

يابن النّبي لرزءكم هدم الهدى

والحق أصبح خاضعاً للباطل

روي عن أبي سلمة قال : حججت مع عمر بن الخطاب , فلمّا صرنا بالأبطح , فإذا بأعرابي قد أقبل علينا فقال: يا عمر , إنّي خرجت من منزلي وأنا حاج

____________________

(١) سورة القيامة / ٣٧.

(٢) سورة النّبأ / ١٧.

(٣) سورة الشّورى / ٢٣.

٤٣

مُحرم , فأصبت بيض النّعام فاجتنيت وشويت وأكلت , فما يجب عليّ ؟ قال : ما يحضرني في ذلك شيء فاجلس , لعلّ الله يُفرّج عنك ببعض أصحاب مُحمّد (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) فإذا بأمير المؤمنين (عليه‌السلام ) قد أقبل والحُسين يتلوه , فقال عمر : يا أعرابي , هذا عليّ بن أبي طالب فدونك ومسألتك فقام الأعرابي فسأله , فقال عليّ (عليه‌السلام ) : (( يا أعرابي , سل هذا الغلام عندك )) ( يعني : الحُسين (عليه‌السلام ) ) فقال الأعرابي : إنّما يحيلني كلّ واحد منكم على الآخر فأشار النّاس إليه : ويحك ! هذا ابن رسول الله فاسأله فقال الأعرابي : يابن رسول الله , إنّي خرجت من بيتي حاجّاً مُحرماً وقصّ عليه القصّة فقال الحُسين (عليه‌السلام ) : (( ألك إبل ؟ )) قال : نعم قال : (( خُذ بعدد البيض الذي أصبت نوقاً , فاضربها بالفحولة , فما فضلت فاهدها إلى بيت الله الحرام )) فقال عمر : يا حُسين , النّوق يزلقن فقال الحُسين : (( يا عمر , إنّ البيض يمرقن )) فقال : صدقت وبررت فقام عليّ (عليه‌السلام ) وضمّه إلى صدره , وقال :( ذُرّيّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (١) .

فوا عجباه من قوم عرفوا فضائلهم الكريمة وارتكبوا منهم هذه الأفعال العظيمة ! ولكنّها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصّدور , ولله درّ مَن قال :

مطهرون نقيات ثيابهم

تجري الصلاة عليهم أين ما ذُكروا

من لم يكن علوياً حين تنسبه

فما له من قديم الدهر مفتخر

والله لما بدأ خلقاً فأتقنه

صفاكم واصطفاكم أيها البشر

فأنتم الملأ الأعلا وعندكم

علم الكتاب وما جاءت به السور

روى بشّار بن عبد الله قال : دخلت على مولاي الصّادق (عليه‌السلام ) وهو يومئذٍ مُقيم بالكوفة , فرأيت قدّامه طبقاً فيه رطب وهو يأكل منه , فقال لي : (( يا بشّار , ادن فكلّ معي من هذا الرّطب )) فقلت : هنّاك الله به وجعلني فداك فقال لي : (( لِمَ لا تأكُل ؟ )) فقلت : إنّي في همّ عظيم من شيء رأيته الآن في طريقي هذا , قد أوجع قلبي وأهاج حزني , فقال لي : (( بحقّي عليك , إلاّ ما أخبرتني بما رأيت )) فقلت : يا مولاي , رأيت ظالماً يضرب امرأة ويسوقها إلى الحبس , وهي تنادي : الـمُستغاث بالله وبرسول الله ولم يغثها أحد من النّاس ، فقال : (( ولِمَ فُعل بها ذلك ؟ )) فقلت : سمعت من النّاس يقولون : إنّها عثرت بحجر وهي تمشي , فقالت : لعن الله ظالميك يا فاطمة

____________________

(١) سورة آل عمران / ٣٤.

٤٤

الزّهراء فسمعها هذا الجلواز فصنع بها ما سمعت ، قال : فقطع الصّادق (عليه‌السلام ) أكله وتظاهر حزنه , ولم يزل يبكي حتّى ابتلّ منديله ولحيته , وقال لي : (( نغّصت عليّ يا بشّار , قُم بنا إلى مسجد سهيل ؛ لندعوا الله عزّ وجلّ ونسأله خلاص هذه المرأة )) قال : ووجّه بعض أصحابه إلى باب السّلطان , وقال له : (( لا تبرح حتّى تأتيني بالخبر الصّحيح , فإن حدث في المرأة حدث , سر إلينا حيث كُنّا )) فسرنا إلى مسجد السّهلة , وصلّى كلّ منّا ركعتين لله عزّ وجلّ ، ثمّ رفع الصّادق (عليه‌السلام ) يديه بالدُعاء , وابتهل إلى الله تعالى بالثّناء , ثمّ خرّ ساجداً لله ساعة ثمّ رفع رأسه , وقال : (( الحمد لله ، قُم يا بشّار اُطلقت المرأة )) فبينما نحن على الطّريق , إذ أتانا الرّجل الذي وجهه الصّادق إلى باب السّلطان , فقال له : (( ما الخبر ؟ )) فقال : اُطلقت المرأة فقال (( كيف كان إطلاقها ؟ )) قال : كنت واقفاً عند باب السّلطان , إذ خرج الحاجب فدعا المرأة وقال لها : ما الذي تكلّمت به ؟ قالت: عثرت بحجر فقلت : لعن الله ظالميك يا فاطمة الزّهراء ففُعل بي ما ترون قال : فناولها مئتي درهم وقال : خُذي هذا المال واجعلى السّلطان في حلّ فأبت أن تأخذها وانصرفت إلى منزلها , فقال الصّادق (عليه‌السلام ) : (( أبت أن تأخذها وهي والله محتاجة إليها )) ثمّ إنّه (عليه‌السلام ) أخرج من جيبه صرّة فيها سبعة دنانير لم يكن عنده غيرها ، وقال لي : (( اذهب أنت يا بشّار إلى منزلها , واقرأها عنّي السّلام وادفع إليها هذه الدّنانير )) فقال : فمضيت إليها واقرأتها منه السّلام , فقالت : بالله عليك , اقرأني مولاي الصّادق السّلام ؟ فقلت : أي والله فخرّت ساجدة لله ساعة ورفعت رأسها , وقالت : اقرأني مولاي السّلام ؟ فقلت : نعم فسجدت لله شكراً حتّى فعلت ذلك ثلاث مرّات ، فقلت لها : يا أمة الله , خُذي ما أرسله إليك سيدي وابشري بالجنّة فأخذت واستبشرت وشكرته على ذلك , وقالت : يا بشّار , اسأله أن يستوهب أمة الله من الله تعالى قال فرجعت إليه وحدّثته بما جرى , فجعل يبكي ويقول : (( غفر الله لها )).

فتفكّروا يا إخواني بمصائب سادة النّاس وما حلّ بهم من الكفرة الأرجاس , أزالوهم عن مناصبهم التي أحلّهم الله فيها , ودفعوهم عن الدّرجة التي لم يصلوا إليها ، فهذه القضية أصل كلّ بليّة إن كنت تعيها , ولأن علا نحيبي من هذا المصاب ؛ فلعظم ما في قلبي من الحزن والاكتئاب , وعظم شوقي وتزايد زفرتي , غير خفيّ على مواليّ وسادتي , ولله درّ مَن قال :

٤٥

سلوا ضمائركم عني فإن وجدت

غير الصفا فلوموني على الكدر

فإن وفت فأنا ذاك الوفي على

ما تعهدون إلى أن ينقضي عمري

فعلى الأطائب من أهل بيت الرّسول فليبك الباكون , وإيّاهم فليندب النّادبون , ولمثلهم تذرف الدّموع من العيون , أولا تكونون كبعض مادحيهم حيث عرته الأحزان , فنظم وقال فيهم :

القصيدة للشيخ الخليعي (رحمه‌الله )

العين عبرى دمعها مسفوح

والقلب من ألم الأسى مقروح

ما عذر مثلي يوم عاشورا إذا

لم أبك آل محمّد وأنوح

أم كيف لا أبكي الحُسين وقد غدا

شلواً بأرض الطف وهو ذبيح

والطاهرات حواسر من حوله

كل تنوح ودمعها مسفوح

هذي تقول أخي وهذي والدي

ومن الرزية قلبها مقروح

أسفي لذاك الشيب وهو مضمخ

بدمائه والوجه فيه قروح

ولفاطم تبكي عليه بحرقة

وتقبل الوجنات هي تصيح

ظلت تلعلع حاسراً مسبية

وسكينة ولهى عليه تنوح

يا والدي لا كان يومك إنه

يوم لباب مصائبي مفتوح

اليوم مات محمّد يا والدي

والطهر موسى والمسيح ونوح

اليوم آدم في العزاء وعرسه

حوى وقد جل المصاب جموح

اليوم تبكيك السماء بأدمع

مثل الدماء أسفاً ويكسف نوح

لهفي عليه مرملاً بدمائه

ومن السوافي كفنته الريح

لهفي له يبغى النصيح وماله

في كربلاء من الأنام نصوح

لهفي له والجسم مه مجدلا

فوق الثرى حتّى حواه ضريح

لهفي لرأس ابن النّبي محمّد

كالبدر من فوق السنان يلوح

والطهر زين العابدين مقيد

يمشي وقد أردى به التبريح

والطاهرات على المطايا حسر

تغدوا العداة عليهم وتروح

قد أقفلوهن الشئام بلا وطا

وعلى الجسوم لباسهن مسفوح

وإلى الذبول جيوبهن وقد غدت

تلك الجسوم بها القروح تسيح

٤٦

والجو معتكر الظلام بلا ضحى

باد وفي وجه الثراء كلوح

والأرض ترجف من رزية أحمد

وعليه وحش الفلا مقروح

وعلى الزمان من الكآبة ذلة

وإليه طرف الحادثات لموح

يا آل أحمد أن شعري فيكم

والمدح ما طال المدى تسبيح

شرفي بكم وبمدحكم ولطال ما

في الناس شرف مادحاً ممدوح

أترى أرى المهدي يظهر قبل ما

يوماً على جسدي يضم ضريح

فهنالك الخلعي يبلغ ما نوى

وبظاهر السر الخفي يبيح

وإليكم مرثية ما أنشدت

إلّا ومنها المسك ظلٍ يفوح

شعر الورى في غير آل محمّد

جسم بلا روح وشعري روح

ولقد روى عن جعفر بن محمّد

خبر أتى والنقل عنه صحيح

إن الولاء بلا براء ما ينفع المولى

وهذا واضح مشروح

صلّى الإله عليكم يا سادتي

ما غاب نجم في السماء يلوح

الباب الثّاني

أيّها المؤمنون , اجروا ماء العيون ، ويا أيّها الباكون , سلوا لذيذ الرّقاد من جفون الجفون ، أما تنظرون إلى هذا الخطب الفادح وهذا المصاب الفادح ؟ أما تستحقّ مواليكم أهل العُلا الممادح بكاء باك ونوح نائح ؟ بلى والله ؛ لأنّه خطب تذلّ له النّفوس وتحلّ بين أطباق الثّرى والرّموس مصاب أبكى فاطمة البتول وأحزن قلب الـمُصطفى الرّسول , مصاب بكت عليه السّماء دماً واُقيم له فوق الطّباق مأتماً ، افيُعذر أحدٌ من ذوي الألباب في ترك الحزن والإكتئاب على المصاب ، كيف ؟ وهم الذين فيهم قال بعض مادحيهم :

أمحب آل محمّد جد بالبكا

إن كنت من يهوى النبي المرسلا

واسكب شآبيب الدموع فإن تكن

فيه الأخير فقد تبعت الأولا

وابك الفروع الطيبات تفرعت

من دوحة لمحمّد فسقت علا

وابك الغصون الناظرات ومن علا

ذرواتها ناحت حمامات البلا

وابك البدور الطالعات كواملا

حاق المحاق بها فأمست أفلا

وابك البحور الزاخرات ووردها

قد كان للوارد عذباً سلسلا

٤٧

وأبك الجبال الراسخات ومن بنى

مجداً أسمى سما العلاء مؤثلا

فمصابه أبكى السماء كأبة

والشهب حزناً والسماك الأعزلا

من أجل ذلك أن قلبي لم يزل

متقلقاً لمصابهم متقلقلا

والعيش في الدنيا إذا ما نغصوا

فيها فما يحلو فكيف وما حلا

روي : أنّ آدم (عليه‌السلام ) لـمّا هبط إلى الأرض , لم ير حواء فصار يطوف الأرض في طلبها , فمرّ بكربلاء , فاعتلّ وأعاق وضاق صدره من غير سبب , وعثر في الموضع الذي قُتل فيه الحُسين (عليه‌السلام ) حتّى سال الدّم من رجله , فرفع رأسه إلى السّماء وقال : إلهي هل حدث منّي ذنب آخر فعاقبتني به , فإنّي طفت جميع الأرض ما أصابني سوء مثل ما أصابني في هذه الأرض ؟ فأوحى الله إليه : (( يا آدم , ما حدث منك ذنب , ولكن يُقتل في هذه الأرض ولدك الحُسين (عليه‌السلام ) ظُلماً , فسال دمك موافقة لدمه )) فقال آدم : يا ربّ , أيكون الحُسين نبيّاً ؟ قال : (( لا , ولكنّه سبط النّبي مُحمّد )) فقال : ومَن القاتل له ؟ قال : (( قاتله يزيد )) فقال آدم : فأيّ شيء أصنع يا جبرائيل ؟ فقال : العنه يا آدم فلعنه أربع مرّات , ومشى خطوات إلى جبل عرفات , فوجد حواء هُناك.

وروي : أنّ نوحاً (عليه‌السلام ) لـمّا ركب في السّفينة , طافت به جميع الدُنيا , فلمّا مرّت بكربلاء , أخذته الأرض وخاف نوح الغرق , فدعا ربّه وقال : إلهي طفت جميع الدّنيا وما أصابني فزع مثل ما أصابني في هذه الأرض فنزل جبرائيل وقال : يا نوح , في هذا الموضع يُقتل الحُسين (عليه‌السلام ) سبط مُحمّد خاتم الأنبياء وابن خاتم الأوصياء فقال : ومَن القاتل له يا جبرائيل ؟ قال : قاتله لعين أهل سبع سماوات وسبع أرضين فلعنه نوح أربع مرّات , فسارت السّفينة حتّى بلغت الجودي واستقرّت عليه.

وروي : أنّ إبراهيم مرّ في أرض كربلاء وهو راكب فرساً , فعثرت به وسقط إبراهيم (عليه‌السلام ) وشج رأسه وسال دمه , فأخذ في الاستغفار وقال : إلهي أيّ شيء حدث منّي ؟ فنزل إليه جبرائيل وقال : يا إبراهيم , ما حدث منك ذنب , ولكن هُنا يُقتل سبط خاتم الأنبياء وابن خاتم الأوصياء ؛ فسال دمك موافقة لدمه قال : يا جبرائيل , ومَن يكون قاتله ؟ قال : لعين أهل السّماوات والأرض , والقلم جرى على اللوح بلعنه بغير إذن ربّه , فأوحى الله تعالى إلى القلم : أنّك استحقّيت الثّناء بهذا اللعن فرفع إبراهيم (عليه‌السلام ) يديه ولعن يزيداً لعناً كثيراً ,

٤٨

وأمّن فرسه بلسان فصيح , فقال إبراهيم لفرسه : أيّ شيء عرفت حتّى تؤمّن على دُعائي ؟ فقال : يا إبراهيم , أنا أفتخر بركوبك عليّ , فلمّا عثرت وسقطت عن ظهري , عظمت خجلتي , وكان سبب ذلك من يزيد.

وروي : أنّ إسماعيل (عليه‌السلام ) كانت أغنامه ترعى بشط الفرات , فأخبره الرّاعي أنّها لا تشرب الماء من هذه المشرعة منذ كذا يوماً , فسأل ربّه عن سبب ذلك , فنزل جبرائيل (عليه‌السلام ) , وقال : يا إسماعيل , سل غنمك فإنّها تجيبك عن سبب ذلك فقال : لِمَ لا تشربين من هذا الماء ؟ فقالت بلسان فصيح : قد بلغنا أنّ ولدك الحُسين (عليه‌السلام ) سبط مُحمّد يُقتل عطشاناً , فحن لا نشرب من هذه المشرعة حُزناً عليه فسألها عن قاتله , فقالت : يقتله لعين أهل السّماوات والأرضين والخلائق أجمعين فقال إسماعيل : اللهمّ العن قاتل الحُسين.

وروي : أنّ موسى كان ذات يوم سائراً ومعه يوشع بن نون , فلمّا جاء إلى أرض كربلاء , انخرق نعله وانقطع شراكه ودخل الحسك في رجليه وسال دمه , فقال : إلهي ! أيّ شيء حدث منّي ؟ فأوحى الله إليه : (( إنّ هُنا يُقتل الحُسين , وهُنا يُسفك دمك موافقة لدمه )) فقال : ربّ ومَن يكون الحُسين ؟ فقيل له : (( هو سبط مُحمّد الـمُصطفى وابن عليّ الـمُرتضى )) فقال : ومَن يكون قاتله ؟ فقيل : (( هو لعين السّمك في البحار , والوحوش في القفار , والطّير في الهواء )) فرفع موسى يديه ولعن يزيد ودعى عليه , وأمّن يوشع بن نون على دعائه ومضى لشأنه.

وروي : أنّ سُليمان (عليه‌السلام ) كان يجلس على بساطه ويسير في الهواء , فمرّ ذات يوم وهو سائر في أرض كربلاء , فأدارت الرّيح بساطه ثلاث دورات حتّى خافوا السّقوط , فسكنت الرّيح ونزل البساط في أرض كربلاء , فقال سُليمان للريح : لِمَ سكنتي ؟ فقالت : إنّ هُنا يُقتل الحُسين (عليه‌السلام ) فقال : ومَن يكون الحُسين ؟ قال : هو سبط مُحمّد الـمُختار وابن عليّ الكرار فقال : ومَن قاتله ؟ قالت : لعين أهل السّماوات والأرض يزيد فرفع سُليمان يديه ولعنه ودعى عليه , وأمّن دعائه الإنس والجن , فهبّت الرّيح وسار البساط.

وروي : أنّ عيسى (عليه‌السلام ) كان سائحاً في البراري ومعه الحواريون , فمرّوا بكربلاء , فرأوا أسداً كاسراً قد أخذ الطّريق , فتقدّم عيسى إلى الأسد , وقال له : لِمَ جلست في هذا الطّريق ولا تدعنا نمرّ فيه ؟ فقال الأسد بلسان فصيح : إنّي لم أدع لكم الطّريق حتّى تلعنوا يزيد قاتل الحُسين فقال عيسى

٤٩

ومَن يكون الحُسين ؟ قال : سبط مُحمّد النّبي الاُمّي وابن عليّ الوليّ قال : ومَن قاتله ؟ قال: قاتله لعين الوحوش والذّئاب والسّباع أجمع خصوصاً أيّام عاشوراء فرفع عيسى (عليه‌السلام ) يديه ولعن يزيد ودعى عليه , وأمّن الحواريون على دعائه , فتنحّى الأسد عن طريقهم ومشوا لشأنهم.

فيا إخواني الذين اقتدوا بالأنبياء والمرسلين والملائكة الـمُقرّبين , باللعن على يزيد الغوي العنيد , ألا لعنة الله على الظّالمين ولله درّ مَن قال :

إذا جاء عاشوراء تضاعف حسرتي

لآل رسول الله وانهل عبرتي

هو اليوم فيه اغبرت الأرض كلها

وجوماً عليهم والسماء اقشعرت

مصائب ساءت كل من كان مسلماً

ولكن عيون الفاجرات أقرت

إذا ذكرت نفسي مصيبة كربلا

وأشلاء سادات بها قد تفرت

أضاقت فؤادي واستباحت تجارتي

وعظم كربي ثمّ عيشي أمرت

أريقت دماء الفاطميات بالملا

فلو عقلت شمس النهار لخرت

ألا بأبي تلك الدماء التي جرت

بأيدي كلاب في الجحيم استقرت

توابيت من نار عليهم قد أطبقت

لهم زفرة في جوفها بعد زفرة

فشتان من في النار قد كان هكذا

ومن هو في الفردوس فوق الأسرة

روي عن طريق الخصم ، مما صح روايته عن أبي هريرة , قال : خرج علينا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ومعه حسن وحُسين (عليهما‌السلام ) , هذا على عاتقه الأيمن وهذا على عاتقه الأيسر , وهو يلثم هذا مرّة وهذا اُخرى حتّى انتهى إلينا , فقال له رجل : إنّك لتحبّهما ؟ قال : (( ومَن أحبّهما فقد أحبّني ، ومَن أبغضهما فقد أبغضني )).

وبالطّريق المذكور عن ابن عبّاس : إنّ النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , قال للحسن والحُسين : (( مَن أحبّكما كان معي في الجنّة , ومَن أبغضكما ففي النّار )).

فيا عاذلي خل عن عذلي

أيحسن أن يسلو مثلهم مثلي

أتروم ويحك سلواني ، أو تحاول إطفاء نيراني وتبريد وجدي وأشجاني ؟ هيهات هيهات هذا لا يكون ، وحيل بينهم وبين ما يشتهون ، فيا حرقي تزايدي ويا نار وجدي توقّدي ، ويا فؤادي القريح من الحزن والكآبة لا يستريح ، ويا

٥٠

قلبي الولهان دم في العناء والأحزان ، ولله درّ مَن قال :

لا أضحك الله سن الدهر إن ضحكت

وآل أحمد مظلومون قد قهروا

مشردون نفوا عن عقر دارهم

كأنهم قد جنوا ما ليس يغتفر

روي عن بعض الأخبار : أنّ النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أجلس يوماً الحُسين (عليه‌السلام ) على فخذه الأيمن , وولده إبراهيم على فخذه الأيسر , وجعل يلثم هذا مرّة وهذا اُخرى ؛ من شدّة شغفه بهما , فهبط جبرائيل من ربّ العالمين , وقال : يا مُحمّد , إنّ الله لم يكُن ليجمع لك بينهما , فاختر من شئت منهما ؛ فإنّ الله قد أمر بقبض روح واحد منهما فقال : (( يا أخي جبرائيل , إن مات الحُسين , بكى عليه عليّ وفاطمة والحسن وأنا ، وإن مات ولدي إبراهيم بكيت أنا وحدي , فسل ربّك إليه يقبض إبراهيم ولدي )) فمات إبراهيم بعد ثلاثة أيّام ، فكان النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) إذا رأى حُسيناً مُقبلاً إليه , يقول له : (( مرحباً بمن فديته بابني إبراهيم )).

فانظروا يا إخوتي إلى هذا الشّخص العظيم الرّباني , أيفديه سيّد الـمُرسلين بولده الذي هو من فلذة أحشائه وكبده ؟ ويقتله أولاد الزّواني وتخون فيه الأماني , اُولئك هم الخاسرون :( وَسَيَعْلَمُ الّذِينَ ظَلَمُوا أَيّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ) (١) .

فعلى الأطائب من أهل بيت الرّسول فليبك الباكون , وإيّاهم فليندب النّادبون , ولمثلهم تذرف الدّموع من العيون , أو لا تكونون كبعض مادحيهم حيث عرته الأحزان وتتابعت عليه الأشجان , فنظم فيهم وقال :

القصيدة للخليعي (رحمه‌الله )

جفون لا تمل من الهمول

وجسم لا يفك من النحول

وقلب لا يفيق من الرزايا

لتذكار القتيل ابن القتيل

قتيل بالطفوف أطال نوحي

وأسلمني إلى الحزن الطويل

قتيل أورث المختار حزناً

وأذكى النار في قلب البتول

بنفسي وهو يسري والمنايا

أمام الركب تسري بالحمول

بنفسي وهو يسري مستدلا

وضوء سناه نهج هذا الدليل

يقول ألا أخبروني ما اسم أرض

أراني كارهاً فيها نزولي

أبينوا ما اسمها المشهور عنها؟

فقالوا كربلا يابن الرسول

____________________

(١) سورة الشّعراء / ٢٢٧.

٥١

فقال هي البلا وفي ثراها

تريق دماؤنا أيدي النغول

بها تضحى أعزتنا أسارى

يلوح عليهم كسر الذليل

بها تسبى كرائمنا وفيها

يتامانا تعثر في الذيول

إلى الرحمن أستعدي وأشكو

على عضب رموني بالذحول

أضاعوا عهد جدي عن قريب

وساقوني إلى الورد الوبيل

ألا حطوا رحالكم وقيلوا

فليس من المنية من مقيل

ومن رام النجاة وحاد عني

إلى الدنيا ففي دعة الجليل

فقالوا ما لنا فيها خلود

وليس متاعها غير القليل

وكيف يلذ بعدك طيب عيش

لأرباب البصائر والعقول

أنا وأبيك لا نلوي وظل

سيوف مظنة الظل الظليل

فمر إلى المضارب غير وأن

بقلب عاطف بر وصول

ونادى زينباً يا أخت قومي

إلى التوديع من قبل الرحيل

أوصيكم بتقوى الله إنا

قبيل مُحمّد خير القبيل

عليك بطاعة السجاد بعدي

محل الذكر والعلم الجزيل

وإن نودي بقتل أخيك بين

الورى فعليك بالصبر الجميل

وقولي في سبيلي الله إني

رزيت فإنه خير السبيل

ولطم الخد يقبح بالموالي

وشق الجيب يرزي بالأصيل

ومر مشمراً للحرب يسطو

على الأبطال بالسيف الصقيل

فلما أثخنوا وخر ملقى

وراح المهر يعلن بالصهيل

برزن الطاهرات مهتكات

حيارى لا يفقن من العويل

ونادت زينب لما رأته

يجود بنفسه تحت الخيول

أخي هل للسبايا من ولي

أخي هل لليتامى من كفيل

وخرت فوقه تلقي دماءاً

براحتها على الخد الأسيل

وتدعو أمها الزّهراء وتطفي

بسح دموعها حر الغليل

ألا يا اُم قومي وساعديني

على نكبات دهري واندبي لي

ترى هل أنت عالمة بأنا

نجرر بالحزون وبالسهول

٥٢

وهل أخبرت بالسجاد أضحى

مع الأعداء في قيد ثقيل

عليلا يشتكي مرضاً وأسراً

فوا أسفي على العاني العليل

ويدعو السبط وهو لقي رميل

يلاحظها بناظره الكليل

فيا لله من نوب رمتنا

بأسهمها ومن خطب جليل

أيحمل رأس مولى الخلق طراً

إلى الأمصار في رمح طويل

وتهدى الطاهرات إلى يزيد

سبايا بالمذلة والخمول

ألا يابن النّبي ومن هداني

بحبكم إلى نهج السبيل

مصابك يا قتيل الطف أدمى

جفوني لا البكاء على الطلول

وبعدي عن مزار ثراك أضنى

فؤادي لا مفارقة الخليل

وإن وليك الخلعي يرجو

الشفاعة منك في اليوم المهول

محبكم وعارفكم يقيناً

بإيضاح المحجة والدليل

يواليكم ويبرئ من عداكم

ولا يصغي إلى عذل العذول

ينوح عليكم ما دام حيا

ويبكيكم وما هو بالملول

لقد بلغ المنى عبد عطفتم

عليه وفاز منكم بالقبول

الباب الثّالث

أيّها الإخوان , ألا تستنهضون مُضمرات الأحزان , فتجرونها في ميادين الأشجان ؟ ألا تمتطون كواهل عوامل الأشواق وتحثونها في ميادين السّباق , فتحوزوا قصب السّبق التي أنتم أولى بها وأحقّ ؟ أما علمتم أنّ الـمُقصّر عن هذه الغاية بنفسه قصّر , والـمُتأخر عن بلوغ النّهاية لحظة اُخرى :( مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبّكَ بِظَلاّمٍ لِلْعَبِيدِ ) (١) ؟ ولئن سحت من جفوني الدّموع , فإنّها عن نيران بين الضّلوع ، ولئن جزعت من هذا المصاب , فلعظم ما في قلبي من الوجد والاكتئاب ولله درّ مَن قال من الرّجال :

لأي مصاب يذرف الشان ماءه

وتقضي نفوس أو تفت كبود

لأعظم من هذا المصاب وخطبه

عظيم على أهل السّماء شديد

مصاب له في قلب كلّ مصيبة

سهام لحبات القلوب تبيد

وللهم هم والرزايا رزية

وللحزن حزن زايد ويزيد

____________________

(١) سورة فصلّت / ٤٦.

٥٣

روي في بعض الأخبار عن الصّحابة الأخيار , قال : رأيت النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , يمصّ لعاب الحُسين كما يمصّ الرّجل السّكرة , وهو يقول : (( حُسين منّي وأنا من حُسين , أحبّ الله مَن أحبّ حُسيناً , وأبغض الله مَن أبغض حُسيناً ، حُسين سبط من الأسباط لعن الله قاتله )) فنزل جبرائيل , وقال : يا مُحمّد , إنّ الله قتل بيحيى بن زكريا سبعين ألفاً من الـمُنافقين , وسيقتل بابن ابنتك الحُسين , سبعين ألفاً من الكافرين وسبعين ألفاً من الـمُعتدين , وإنّ قاتل الحُسين في تابوت من نار , ويكون عليه نصف عذاب أهل الدّنيا , وقد شُدّت يداه ورجلاه بسلاسل من نار , وهو منكس على اُمّ رأسه في قعر جهنّم , وله ريح يتعوذ أهل النّار من شدّة نتنها , وهو فيها خالد ذائق العذاب الأليم لا يفتر عنه , ويسقى من حميم جهنم.

وروي عن الصّادق (عليه‌السلام ) أيضاً في بعض الأخبار : (( أنّ ملكاً من ملائكة الصّف الأعلى , اشتاق لرؤية النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , واستأذن ربّه بالنّزول إلى الأرض لزيارته , وكان ذلك الملك لم ينزل إلى الأرض أبداً مُنذ خُلق , فلمّا أراد النّزول , أوحى الله تعالى إليه يقول : أيّها الملك , أخبر مُحمّداً أنّ رجلاً من اُمّته اسمه يزيد , يقتل فرخه الطّاهر بن الطّاهرة , نظيرة البتول مريم بنت عمران فقال الملك : لقد نزلت إلى الأرض وأنا مسرور برؤية نبيك مُحمّد (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , فكيف أخبره بهذا الخبر الفظيع , وإنّني لاستحي منه أن أفجعه بقتل ولده , فليتني لم أنزل إلى الأرض ، قال فنودي الملك من فوق رأسه : أن أفعل ما اُمرت به فدخل الملك إلى رسول الله ونشر أجنحته بين يديه , وقال: يا رسول الله , اعلم أنّي أستأذنت ربّي في النّزول إلى الأرض ؛ شوقاً لرؤيتك وزيارتك , فليت ربّي كان حطّم أجنحتي ولم آتك بهذا الخبر , ولكن لا بدّ من إنفاذ أمر ربّي عزّ وجلّ ، اعلم يا مُحمّد , إنّ رجُلاً من اُمّتك اسمه يزيد , ( زاده الله لعناً في الدُنيا وعذاباً في الآخرة ) , يقتل فرخك الطّاهر ابن الطّاهرة , ولن يتمتّع قاتله في الدُنيا من بعده إلّا قليلاً , ويأخذه الله مُقاصّاً له على سوء عمله , ويكون مُخلّداً في النّار فبكى النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بُكاءاً شديداً , وقال: أيّها الملك , هل تفلح اُمّة تقتل ولدي وفرخ ابنتي ؟ قال : لا يا مُحمّد , بل يرميهم الله باختلاف قلوبهم وألسنتهم في دار الدّنيا , ولهم في الآخرة عذاب أليم )).

وعن كعب الأحبار حين أسلم في أيّام خلافة عمر بن الخطاب , وجعل النّاس يسألونه عن الملاحم التي تظهر في آخر الزّمان ,

٥٤

فصار كعب يخبرهم بأنواع الأخبار والملاحكم والفتن التي تظهر في العالم , ثمّ قال : وأعظمها فتنة وأشدّها مصيبة لا تنسى إلى أبد الآبدين , مصيبة الحُسين (عليه‌السلام ) , وهي الفساد الذي ذكره الله تعالى في كتابه المجيد , حيث قال :( ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النّاسِ ) (١) وإنّما فُتح الفساد بقتل هابيل بن آدم , وخُتم بقتل الحُسين (عليه‌السلام ) , أو لا تعلمون أنّه تُفتح يوم قتله أبواب السّماوات , ويؤذن للسماء بالبكاء فتبكي دماً , فرأيتم الحمرة في السّماء قد ارتفعت , فاعلموا أنّ السّماء تبكي حُسيناً.

فقيل : يا كعب , لِمَ لا تفعل السّماء كذلك ولا تبكي دماً لقتل الأنبياء ممّن كان أفضل من الحُسين ؟ فقال : ويحكم ! إنّ قتل الحُسين أمر عظيم , وإنّه ابن سيّد الـمُرسلين , وإنّه يُقتل علانية مبارزة ظُلماً وعدواناً , ولا تُحفظ فيه وصيّة جدّه رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , وهو مزاج مائه وبضعة من لحمه , يُذبح بعرصة كربلاء ، فو الذي نفس كعب بيده , لتبكينّه زمرة من الملائكة في السّماوات السّبع , لا يقطعون بكاءهم عليه إلى آخر الدّهر ، وإنّ البقعة التي يُدفن فيها خير البقاع , وما من نبيّ إلّا ويأتي إليها ويزورها ويبكي على مصابه , ولكربلاء في كلّ يوم زيارة من الملائكة والجن والإنس , فإذا كانت ليلة الجُمُعة , ينزل إليها تسعون ألف ملك , يبكون على الحُسين ويذكرون فضله، وإنّه يُسمّى في السّماء حُسيناً المذبوح , وفي الأرض أبا عبد الله المقتول - وفي البحار : الفرخ الأزهر المظلوم - وإنّه يوم قتله , تنكسف الشّمس بالنّهار , ومن الليل ينخسف القمر , وتدوم الظُلمة على النّاس ثلاثة أيّام , وتمطر السّماء دماً , وتدكدك الجال وتغطمط البحار ؛ ولو لا بقية من ذرّيّته وطائفة من شيعته الذين يطلبون بدمه ويأخذون بثاره , لصبّ الله عليهم ناراً من السّماء , أحرقت الأرض ومَن عليها.

ثمّ قال كعب : يا قوم , كأنّكم تتعجبون بما اُحدّثكم فيه من أمر الحُسين (عليه‌السلام ) , وإنّ الله تعالى لم يترك شيئاً كان أو يكون من أوّل الدّهر إلى آخره , إلّا وقد فسّره لموسى (عليه‌السلام ) , وما نسمة خُلقت إلّا وقد رُفعت إلى آدم (عليه‌السلام ) في عالم الذّر وعُرضت عليه ، ولقد عُرضت عليه هذه الاُمّة , ونظر إليها وإلى اختلافها وتكالبها على هذه الدّنيا الدّنية ، فقال آدم : يا ربّ , ما لهذه الاُمّة الزّكية وبلاء الدّنيا وهم أفضل الاُمم ؟ فقال له : (( يا آدم , إنّهم اختلفوا فاختلفت قلوبهم , وسيظهرون الفساد في الأرض , كفساد قابيل حين قتل هابيل , وأنّهم يقتلون فرخ

____________________

(١) سورة الرّوم / ٤١.

٥٥

حبيبي مُحمّد الـمُصطفى )) ثمّ مثّل لآدم (عليه‌السلام ) مقتل الحُسين ومصرعه , ووثوب اُمّة جدّه عليه , فنظر إليهم فرآهم مسودّة وجوههم ، فقال : يا ربّ , أبسط عليهم الانتقام , كما قتلوا فرخ نبيك الكريم عليه أفضل الصّلاة ولله درّ مَن قال من الرّجال :

إذا أبصرتك العين من بعد غاية

وعارض فيك الشك أثبتك القلب

ولو أن قوماً يمموك لقادهم

باسمك حتّى يستدل بك الركب

وروي عن ريان بن شبيب , قال : دخلت على الرّضا (عليه‌السلام ) في أوّل يوم من الـمُحرّم , فقال لي : (( يابن شبيب , أصائم أنت ؟ )) فقلت : لا فقال : (( إنّ هذا اليوم هو اليوم الذي دعا زكريا ربّه عزّ وجلّ , فقال :( رَبّ هَبْ لِي مِن لَدُنْكَ ذُرّيّةً طَيّبَةً إِنّكَ سَمِيعُ الدّعَاءِ ) (١) فاستجاب الله تعالى له , وأمر الملائكة فنادت زكريا :( وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى ) (٢) فمن صام هذا اليوم ثمّ دعا الله تعالى , استجاب الله له كما استجاب لزكريا يابن شبيب , إنّ الـمُحرّم هو الشّهر الذي كان أهل الجاهلية يحرّمون فيه القتال لحُرمته , فما عرفت هذه الاُمّة حُرمة شهرها ولا حُرمة نبيّها , لقد قتلوا في هذا الشّهر ذرّيّته , وسبوا نساءه وانتهبوا ثقله , فلا غفر الله لهم ذلك أبداً يابن شبيب , إن كُنت باكياً لشيء , فابك للحُسين بن عليّ بن أبي طالب (عليهم‌السلام ) , فإنّه ذُبح كما يُذبح الكبش , وقُتل معه من أهل بيته ثمانية عشر رجُلاً ما لهم في الأرض شبيه , ولقد بكت السّماء والأرض لقتله , ولقد نزل إلى الأرض من الملائكة أربعة آلاف لنصرته فلم يؤذن لهم , فهم عند قبره شعث غبر إلى أن يقوم القائم (عليه‌السلام ) فيكونون من أنصاره , وشعارهم يا لثارات الحُسين (عليه‌السلام ) يابن شبيب , لقد حدّثني أبي عن أبيه عن جدّه (عليه‌السلام ) , أنّه لـمّا قُتل جدّي الحُسين (عليه‌السلام ) , أمطرت السّماء دماً وتراباً أحمراً.

يابن شبيب , إن بكيت على الحُسين , ثمّ تصير دموعك على خدّيك , غفر الله لك كُلّ ذنب أذنبته صغيراً كان أو كبيراً يابن شبيب , إن سرّك أن تلقى الله ولا ذنب عليك , فزر الحُسين (عليه‌السلام ) يابن شبيب , إن سرّك أن تسكن الغرف المبنية في الجنّة مع النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , فالعن قاتل الحُسين يابن شبيب , إن سرّك أن يكون لك من الثّواب مثل ما لمن استشهد مع الحُسين (عليه‌السلام ) , فقُل متى ما ذكرته : يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزاً عظيماً ! يابن شبيب , إن سرّك أن تكون معنا في الدّرجات العُلى من الجنات , فاحزن لحزننا وافرح لفرحنا

____________________

(١) سورة آل عمران / ٣٨.

(٢) سورة آل عمران / ٣٩.

٥٦

وعليك بولايتنا , فلو أنّ رجُلاً أحبّ حجراً , لحشره الله معه يوم القيامة )).

فيا أيّها الأبرار , لا تبخلوا بالدّموع الغزار على عترة النّبي الـمُختار , ألا تحبّون أن يغفر الله لكم ويجزل ثوابكم ؟ أليس هم شفعاءكم يوم المعاد إذا وقفتم بين يدي ربّ العباد ؟ أليس بهم تحطّ الأوزار ؟ أليس هم الجنن الواقية من النّار ؟ فسارعوا رحمكم الله إلى النّوح والبكاء عليهم , فإنّ ذلك من أعظم القرب إلى الله وإليهم ، فيا عجباً ممّن يطيل النّوح على الدّيار , ويندب الرّبوع المقفرة والآثار , ولا يبكي لمصاب السّادة الأطهار وأولاد عليّ الكرّار ! ولكنّها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القُلوب التي في الصّدور.

فعلى الأطائب من أهل بيت الرّسول فليبك الباكون , وإيّاهم فليندب النّادبون , ولمثلهم تذرف الدّموع من العيون , أو لا تكونون كبعض مادحيهم حيث عرته الأحزان , فنظم فيهم وقال :

القصيدة للنيلي (رحمه‌الله )

لا تنكري إن ألفت الهم والأرقا

وبت من بعدهم حلف الأسى قلقا

قد كنت آمل روحي أن تفارقني

ولا أرى شملنا الملتام مفترقا

ليث الركائب لازمت لبينهم

وليت ناعق يوم البين لا نعقا

كم هد ركني وكم أوهى قوى جلدي

وكم دم بمواضي جوره هرقا

لا تطلبوا أبداً مني البقاء فهل

يرجى مع البين من أهل الغرام بقا

يحق لي أن بكت عيني دماً لهم

وإن غدوت بنار الحزن محترقا

يا منزلا لعبت أيدي الشتات به

لعب النحول بجسمي إذ به علقا

مالي على ربعك البالي غدوت به

وظلت أسأل عن أهليه ما نطقا

أبكي عليه ولو أن البكاء على

سوى بني أحمد المختار ما خلقا

تحكمت فيهم الأعداء ويلهم

ومن نجيع الدما أسقوهم علقا

تداركت منهم الأعداء ثارهم

يوم الطفوف وداروا حولهم حلقا

ذادوهم عن ورود الماء ويلهم

ومن نجيعهم اسقوهم العلقا

تا لله كم قصموا ظهراً لحيدرة

وكم بروا للرسول الـمُصطفى عنقا

والله ما قبلوا بالطف يومهم

إلّا بما يوم (بدر) فيهم سبقا

وقد رواه حديثاً صادقاً لهم

زيد بن أرقم إذ كان أمره حذقا

٥٧

إذا قال كنت مقيماً في دمشق

جاءت سبايا حسين تذرف الأمقا

حتّى إذا أحضروهن الطغاة إلى

يزيد إذ زاده من كفره حنقا

حتّى إذا أبرزت للسبي جارية

كأنها البدر من حسن إذا اتسقا

فقال من هذه قالوا سكينة بنت

الخارجي الذي عن حكمنا أبقا

فقال كيف رأيت الله مكنني

رقابكم إذ لنا صرتم من العتقا

أخذت ثأري من ابن النّبي ومن

غدا من أسلافنا من جدكم سبقا

هناك قالت أمه أنى ثكلتك يا

أردى الأنام ويا من ليس فيه تقا

اسمع مناماً رأت عيناي بارحتّى

يزيد قلبك هماً عندما طفقا

فقال قصي لنا رؤياك فابتدرت

تقص والدمع منها يسبق النطقا

فبينما أنا إذ صلّيت نافلتي

أثنى عليّ خالقي والليل قد غسقا

إذ الحُسين أبي قد جاء ملتثماً

فرقى وقد مد لي كفيه معتنقا

وعاينت مقلتي من بعد ذاك إلى

قصر من النور يزهو أبيضاً يققا

عال شرانفه الياقوت حمرتها

للناظرين إليها يدهش الامقا

فبينما أنا نحو القصر ناظرة

إذ شرع الباب لي من بعدما غلقا

وعاينت مقلتي خمساً وقد برزوا

من المشايخ في ترتيبهم نسقا

ومن بين أيديهم شخص فقلت له

والقلب مني لما عاينت قد خفقا

لمن ترى يا فتى ذا القصر قالوا لمو

لاك الحُسين ولولاه لما خلقا

وهذه الخمسة الأشباح آدم

ثمّ الطهر نوح الذي في حبكم سقا

وذا الخليل وهناك الكليم وذا

عيسى النّبي الذي يبرئ بغير رقا

وعاينت مقلتي شخصاً لطلعته

نور علا الشمس لما تبلغ الأفقا

وكفه قابض من فوق لمته

باك بعبرته قد صار مختنقا

وقد قطعت زفرات الحزن مهجته

والقلب منه لما قد ناله حنقا

فقلت من ذا فقالوا يا سكينة ذا

النّبي جدك ينجو من به علقا

فقمت اسعى إليه ثمّ قلت له

يا جد لم يبق منا من به وثقا

يا جدنا لو ترى بالطف قد قتلت

رجالنا وإبنك السبط الشهيد لقا

يا جدنا لو ترانا نستغيث فلا

نغاث قد قطعوا من دوننا الطرقا

٥٨

يا جدنا لو ترانا إذ نحث على

الأقتاب نطلب من أعدائنا الرفقا

فعندها ضمني جدي وقبلني

وخر من عظم ما حدثته صعقا

ومد كفي وصيف القوم أدخلني

في القصر وهو بطيب المسك قد عبقا

وفيه خمس نساء لو برزن إلى

الشمس الظهيرة خلتا نورها شفقا

وبين تلك النساء الخمس باكية

قد أكثرت دونهن النوح والحرقا

أثوابها من سود قد صبغن وفي

أزياقها الدمع في الأردان قد خرقا

وشعرها فوق كتفيها تنشره

على الحُسين ومنها الجيب قد مزقا

فقلت أخبرني يا ذا الوصف فمن

هذي النساء فقل لي لا لقيت شقا

فقال هاتيك يا سكينة و

الاُخرى خديجة أو في العالمين تقا

وهذه مريم أيضاً وسارتها

مع هاجر قد ملكن الخلق والخلقا

وذي القميص الذي قد ضمخته دماً

بنت النّبي الذي فوق البراق رقا

فقمت أسعى إليها ثمّ قلت لها

أخبرك أن أبي بالبيض قد مزقا

يا جدنا لو ترى عيناك إبنك

بين الرأس منه وبين الجسم قد مزقا

يا جدنا لو رأيتنا وليس لنا

عن أعين الناس من فوق المطى وقا

فعندها صرخت في الحل فاطمة

حتّى لقد خلت أن القصر قد طبقا

وأقبلت وهي تشكي تستغيث على

قتل الحُسين وتذري الدمع مندفقا

والهفتاه لحزني فيك يا ولدي

وا حسرتا يا قتيل الصحب والرفقا

وا طول لهفي عليك اليوم يا ولدي

لأهجرن سهادي فيك والأرقا

وظل من حولها النسوان في ثكل

يندبن للسبط لا لهواً ولا ملقا

هنا قامت وضمتني براحتها

لصدرها فسكبت الدمع مندفقا

وأقبلت وهي تذري الدمع تسألني

عن الحُسين وعن طاغ به طرقا

وتستغيث وتدعو يا سكينة من

أضحى يغسل إبني من به رفقا

ويلاه ويلاه من أضحى يكفنه

ومن رأى وجهه والنحر والحدقا

ويلاه ويلاه من عبى الحنوط

ومن ترى سار حول النعش والنطلقا

ويلاه ويلاه من صلّى عليه ومن

أيضاً ترى للثرى في لحده طبقا

ومن ترى يكفل الأيتام ويحك بعد

ابني الحُسين ومن في حبنا صداقا

٥٩

وكيف خلف زين العابدين ومن

أوصى إليه من الأصحاب والرفقا

متى أرى القائم المهدي يقدم جيش

الله والسنجق المنصور قد خفقا

هناك أظهر عن ما لو أردت به

خرق السموات من دون الورى خرقا

يا آل طه لقد نال الأمان بكم

في البعث كلّ ولي مؤمن صدقا

أحب أعدائي فيكم إذ تحبكم

وإنني أهجر الأهلين والرفقا

فهانموها من النيلي رائقة

تحكي الحيا رقة لفظاً ومنتسقا

إذا تلا نائح يوماً محاسنها

أزرت على كلّ من بالشعر قد نطقا

من شاعر في مجال الشعر خاطره

إلى طريق العلا والمجد قد سبقا

بها سموت على من قال مقتدما

حي الفريق الحي فافترقا

وأزفت ما قال نصر في قصيدته

طيف لخنساء من بعد الكرى طرقا

بعد الصلاة على المختار سيدنا

خير الورى شرفاً ما مثله خلقا

٦٠

المجلس الرّابع

في اليوم الثّاني من عشر الـمُحرّم

وفيه أبواب ثلاثة

الباب الأوّل

أيّها المؤمنون , ألم تسمعوا بمصائب آل الرّسول وأولاد الزّهراء البتول ؟ أم سمعتم وأنتم غافلون بإهراق الدّموع متباخلون ؟ ليس هذا من فعل الـمُحبّين ولا من دأب الـمُريدين , وكيف لا يحزن على مثلهم وهم اُمناء الرّحمن , ومَن شهد بفضلهم القرآن , وبكى عليهم كلّ مخلوق كان , والمخدومون والملائكة الكرام , والـمُباهي بفضلهم النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ؟! تركهم الأعداء بين مقتول بالسّم , وشهيد مضرّج بالدّم , وفقيد لا يُعرف قبره وإلى أيّ شيء آل أمره , وبين رأس على سنان , وبدن بلا رأس بين الأبدان , وبين شيبة بالدّماء مخضوبة , وبنت لرسول الله مسلوبة , وحرمة الرّسول مهتوكة , وطريدة بالعلى منهوكة فيا شوهاً لطوائف الأدعياء وقُبحاً لأولئك الأشقياء , كيف ترونهم ينظر إليهم النّبي أو يسقيهم من الحوض الوصي ؟! وكيف بهم إذا أتت بنت سيّد الثّقلين , مصبوغة ثيابها بدماء الحُسين , وتعلّقت بقائمة العرش وهي تقول : (( يا عدل يا حكيم , احكم بيني وبين قاتل ولدي )) فهنالك حقّت عليهم كلمة العذاب , ولهم عذاب شديد غير مبيد , ولله درّ بعض ذوي العقول حيث يقول :

بنفسي طريحاً نازحاً عن دياره

تريب المحيا عاري الجسم مجتلا

بنفسي نساء السبط يبكين حوله

ظمايا حيارى حاسرات وثكلا

٦١

بنفسي عليّ بن الحُسين مقيداً

بقيد ثقيل بالحديد مكبلا

تناديه بالشجو العظيم سكينة

أيا أبتا ماذا دهانا وأثكلا

وزينب تدعو جدها يا مُحمّد

أيا جدنا صفوة الله ذي العلا

أيا جدنا يعزز عليك بأن يرى

حبيبك مقتولاً عفيراً مجدلا

وساقوا السايا حاسرات أذلة

وقادوا عليّ بن الحُسين مغللا

وساروا برأس الطاهرين وخلفوا

حسيناً بأرض الطف شلواً مجدلا

تجر عليه العاصفات ذيولها

ويبكي عليه الوحش والطير في الفلا

الا لعن الرّحمن آل اُميّة

وعجلهم ثمّ الدلام ونعثلا

وأشياعهم أو من رضي بفعالهم

واتبعهم أو من لهم كان قد تلا

عليكم سلام الله ما در شارق

وما أن حدي الحادي وركب تحملا

روى شرحبيل بن أبي عون , أنّه قال : لـمّا ولد الحُسين (عليه‌السلام ) , هبط ملك من ملائكة الفردوس الأعلى ونزل إلى البحر الأعظم , ونادى في أقطار السّموات والأرض : يا عباد الله , البسوا ثوب الأحزان واظهروا التّفجع والأشجان ؛ فإنّ فرخ مُحمّد مذبوح مظلوم مقهور ثمّ جاء ذلك الملك إلى النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , وقال : يا حبيب الله , يُقتل على هذه الأرض قوم من أهل بيتك , تقتلهم فرقة باغية من اُمّتك , ظالمة معتدية فاسقة , يقتلون فرخك الحُسين ابن ابنتك الطّاهرة , يقتلوه بأرض كربلاء وهذه تربته ثمّ ناوله قبضة من أرض كربلاء , وقال له : يا مُحمّد , احفظ هذه التّربة عندك حتّى تراها وقد تغيّرت واحمرّت وصارت كالدّم , فاعلم أنّ ولدك الحُسين قد قُتل.

ثمّ إنّ ذلك الملك , حمل من تربة الحُسين (عليه‌السلام ) على بعض أجنحته وصعد إلى السّماء بها , فلم يبق ملك في السّماء إلّا وشمّ تربة الحُسين (عليه‌السلام ) وتبرّك بها , قال : ولـمّا أخذ النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) تربة الحُسين (عليه‌السلام ) , جعل يشمّها ويبكي وهو يقول : (( قتل الله قاتلك يا حُسين , وأصلاه في نار الجحيم ، اللّهمّ لا تُبارك في قاتله , واصله حرّ نار جهنّم وبئس المصير )) ثمّ دفع تلك التّربة من تربة الحُسين إلى زوجته اُمّ سلمة , وأخبرها بقتل الحُسين (عليه‌السلام ) بطفّ كربلاء , وقال لها : (( يا اُمّ سلمة , خُذي هذه التّربة إليك وتعاهديها بعد وفاتي , فإذا رأيتيها وقد تغيّرت واحمرّت وصارت دماً عبيطاً , فاعلمي أنّ ولدي الحُسين قد قُتل بطفّ كربلاء )) فلمّا أتى للحُسين سنة

٦٢

كاملة من مولده , هبط إلى رسول الله اثني عشر ألف ملك على صور شتّى , محمرّة وجوههم باكية عيونهم , ونشروا أجنحتهم بين يدي رسول الله وهم يقولون : يا مُحمّد , إنّه سينزل بولدك الحُسين مثل ما نزل بهابيل من قابيل.

قال : ولم يبق ملك في السّماء إلّا ونزل على رسول الله ؛ يُعزّيه بولده الحُسين , ويخبره بما يُعطى من الأجر لزائره والباكي عليه , والنّبي مع ذلك يبكي ويقول : (( اللهمّ اخذل من خذله واقتل من قتله , ولا تمتعه بما أمله في الدّنيا , واصله حرّ نارك في الآخرة )) ولله درّ مَن قال :

أزالوهم بالقهر عن إرث جدهم

عناداً وما شاءوا أحلوا وحرموا

وقادوا علياً في حمائل سيفه

وعمار دقوا ضلعه وتهجموا

على بيت بنت الـمُصطفى وإمامهم

ينادي ألا في بيتها النار فاضرم

فو الله ما أدري الحُسين ورهطه

وصبرهم فيئاً يحاز ويقسم

سوى حبتر ثم الدلام ونعثل

لأنهم في كلّ ظلم تقدموا

وتلك التي جاءت تقود عسكراً

على جمل يحدوا بها المترنم

أبوها يولي الدبر في كلّ موقف

وابنته عند اللقا تتقدم

ألا لعن الله المهيمن حبترا

وابنته تعداد ما الله يعلم

روي في بعض الأخبار عن ثقاة الأخيار : أنّ نصرانياً أتى رسولاً من ملك الرّوم إلى يزيد , وقد حضر في مجلسه الذي أتى فيه برأس الحُسين (عليه‌السلام ) , فلمّا رأى النّصراني رأس الحُسين , بكى وصاح وناح حتّى ابتلّت لحيته بالدّموع , ثمّ قال : اعلم يا يزيد , إنّي دخلت المدينة تاجراً في أيّام حياة النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , وقد أردت أن آتيه بهدية , فسألت من أصحابه : أيّ شيء أحبّ إليه من الهدايا ؟ فقالوا : الطّيب أحبّ إليه من كُلّ شيء , وإنّ له رغبة فيه قال : فحملت من المسك فارتين , وقدراً من العنبر الأشهب , وجئت به إليه وهو يومئذ في بيت زوجته اُمّ سلمة (رضي‌الله‌عنه ) , فلمّا شاهدت جماله , أزاد لعيني من لقائه نوراً ساطعاً , وزادني منه سروراً , وقد تعلّق قلبي بمحبّته , فسلّمت عليه ووضعت العطر بين يديه , فقال : (( ما هذا ؟ )) قُلت : هدية محقرة أتيت بها إلى حضرتك فقال لي : (( ما اسمك ؟ )) فقلت : اسمي عبد شمس فقال لي : (( بدّل اسمك , فأنا أسمّيك عبد الوهاب إن قبلت منّي الإسلام قبلت منك الهدية )) قال : فنظرته وتأمّلته , فعلمت أنّه نبيّ وهو الذي أخبرنا عنه عيسى , حيث قال : إنّي

٦٣

مبشر لكم برسول يأتي من بعدي , اسمه أحمد فاعتقدت ذلك وأسلمت على يده في تلك السّاعة , ورجعت إلى الرّوم وأنا أخفي الإسلام , ولي مدّة من السّنين وأنا مُسلم مع خمس من البنين وأربع من البنات , وأنا اليوم وزير ملك الرّوم , وليس لأحد من النّصارى اطلاع على حالنا.

واعلم يا يزيد , إنّي يوم كنت في حضرة النّبي وهو في بيت اُمّ سلمة , رأيت هذا العزيز الذي رأسه وضع بين يديك مُهاناً حقيراً , قد دخل على جدّه من باب الحجرة , والنّبي فاتح بابه ليتناوله , وهو يقول : (( مرحباً بك يا حبيبي )) حتّى أنّه تناوله واجلسه في حجره , وجعل يُقبّل شفتيه ويرشف ثناياه , وهو يقول : (( بُعداً , لا رحمه ‌الله م َن قتلك يا حسين وأعان على قتلك )) والنّبي مع ذلك يبكي , فلمّا كان اليوم الثّاني , كنت مع النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) في مسجده , إذ أتاه الحسن (عليه‌السلام ) مع أخيه الحُسين (عليه‌السلام ) , وقال : (( يا جدّاه , قد تصارعت مع أخي الحُسين (عليه‌السلام ) , ولم يغلب أحدنا الآخر , وإنّما نريد أن نعلم أيّنا أشدّ قوّة من الآخر )) فقال لهُما النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : (( يا حبيبي ويا مهجتي , إنّ التّصارع لا يليق لكما , اذهبا فتكاتبا , فمَن كان خطّه أحسن , كذلك تكون قوّته أكثر )) قال : فمضيا وكتب كُلّ واحد منهما سطراً , وأتيا إلى جدّهما النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , فأعطياه اللوح ليقضي بينهما , فنظر النّبي إليهما ساعة ولم يرد أن يكسر قلب أحدهما , فقال لهما : (( يا حبيبي , إنّي اُمّيّ لا أعرف الخط , اذهبا إلى أبيكما ليحكم بينكما , وينظر أيّكما أحسن خطّاً )) قال : فمضيا إليه وقام النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أيضاً معهما , ودخلوا جميعاً إلى منزل فاطمة (عليها‌السلام ) , فما كان إلّا ساعة وإذا النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) مُقبل وسلمان الفارسي معه , وكان بيني وبين سلمان صداقة ومودّة , فسألته : كيف حكم أبوهما , وخطّ أيّهما أحسن ؟ قال سلمان (رضي‌الله‌عنه ) : إنّ النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لم يجبهما بشيء ؛ لأنّه تأمّل أمرهما وقال : (( لو قُلت خطّ الحسن أحسن كان يغتمّ الحُسين , ولو قُلت خطّ الحُسين أحسن كان يغتمّ الحسن , فوجهتهما إلى أبيهما )) فقلت : يا سلمان , بحقّ الصّداقة والإخوّة التي بيني وبينك , وبحقّ دين الإسلام , إلّا ما أخبرتني كيف حكم أبوهما بينهما ؟ فقال : لـمّا أتيا إلى أبيهما وتأمّل حالهما , رقّ لهما ولم يرد أن يكسر قلب أحدهما , قال لهما : (( امضيا إلى اُمّكما فهي تحكم بينكما )) فأتيا إلى اُمّهما وعرضوا عليها ما كتبا في اللوح وقالا : (( يا اُمّاه , إنّ جدّنا أمرنا أن نتكاتب , فكلّ مَن كان خطّه أحسن تكون قوّته أكثر , فتكاتبنا وجئنا إليه , فوجّهنا إلى أبينا فلم

٦٤

يحكم بيننا , ووجّهنا إلى عندك )) فتفكّرت فاطمة (عليها‌السلام ) بأنّ جدّهما وأباهما ما أرادا كسر خاطرهما , أنا ما أصنع وكيف أحكم بينهما , فقالت لهما : (( يا قرّتي عيني , إنّي أقطع قلادتي على رأسكما , فأيّكما يلتقط من لؤلؤها أكثر , كان خطّه أحسن وتكون قوّته أكثر )) قال : وكان في قلادتها سبع لؤلؤات ثمّ إنّها قامت فقطعت قلادتها على رأسهما , فالتقط الحسن ثلاث لؤلؤات , والتقط الحُسين ثلاث لؤلؤات وبقيت الاُخرى , فأراد كُلّ منهما تناولها , فأمر الله تعالى جبرائيل (عليه‌السلام ) بنزوله إلى الأرض , وأن يضرب بجناحيه تلك اللؤلؤة ويقدّها نصفين بالسّوية , ليأخذ كُلّ منهما نصفاً ؛ لئلا يغتمّ قلب أحدهما , فنزل جبرائيل (عليه‌السلام ) كطرفة عين وقدّ اللؤلؤة نصفين , فأخذ كُلّ منهما نصفاً فانظر يا يزيد , إنّ رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لم يدخل على أحدهما ألم التّرجيح في الكتابة , ولم يرد كسر قلبهما , وكذلك أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) وفاطمة (عليها‌السلام ) , وكذلك ربّ العزّة لم يرد كسر قلب أحدهما , بل أمر مَن يقسم اللؤلؤة بينهما ؛ لجبر قلبهما , وأنت هكذا تفعل بابن بنت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ؟! أفّ لك ولدينك يا يزيد.

ثمّ إنّ النّصراني نهض إلى رأس الحُسين (عليه‌السلام ) , واحتضنه وجعل يُقبّله , وهو يبكي ويقول : يا حُسين , اشهد لي عند جدّك مُحمّد الـمُصطفى , وعند أبيك الـمُرتضى , وعند اُمّك فاطمة الزّهراء (صلوات الله عليهم أجمعين).

فيا إخواني , أديموا رحمكم الله الحزن الطّويل , وواظبوا على النّدب والعويل , فعلى مثل أهل البيت فليبك الباكون , وإيّاهم فليندب النّادبون , ولمثلهم تذرف الدّموع من العيون , أو لا تكونون كبعض مادحيهم حيث عرته الأحزان وتتابعت عليه الأشجان , فنظم وقال فيهم :

القصيدة للخليعي (رحمه‌الله )

لم أبك ربعاً دارس العرصات

أضحت معارفه من النكرات

درست معاهده وغيرها البلى

ونأت بساكنها يد الغربات

عفت الوقوف على الديار تجنبي

منها الصدى بتردد الكلمات

لكن بكيت على حريم مُحمّد

يشهرن فوق غوارب البدنات

وتذكري رفع الكريم أعاد لي

حزناً كيوم مصارع السادات

بأبي ربيبات البتول نوادباً

من عظم أحزان وطول شتات

لما قفلن إلى الشآم قريحة

أجفانهن سواكب العبرات

٦٥

والرأس منتصب وزينب عنده

ودموعها تجري على الوجنات

تشكو إليه ووجهه متوقد

كالبدر يجلو حندس الظلمات

وتصيح وا حزاني وتدعو يا أخي

وخليفتي لعظائم النكبات

لهفي عليك وأنت ثاو بالعرى

ملقى على الرمضاء في الفلوات

لهفي عليك وأنت تشتكي

حر الظما وتلهب الزفرات

لهفي على ما نيل منك بكربلا

من قتل أبناء وسبي بنات

لهفي لهن مسلبات حسرا

فواضل الأردان مختمرات

لهفي لما أودعت قلب مُحمّد

وفؤاد فاطمة من الحسرات

يا واحدي لو كنت شاهد ما جرى

من ذلنا وتعزز الشمات

صبت علي مصائب لا تنقضي

من فقد أحباب وقتل حمات

وتعج والأيام سكرى حولها

قرحى الجفون خوافت الأصوات

ولرأس مولاي الحُسين ترنّم

في الليل يتلو محكم الآيات

والسيد السجاد يدعوها ألا

اصطبري فإت كلما هو آت

وكفي الدموع ورأفتي رب العلا

فعليك منه أفضل الصلوات

وتيقني أن الشهيد مخلد

لا تحسبيه يعد في الأموات

واستبشري يا عمتي فلك الهنا

بقيام دولة آخذ الثارات

والقائم المهدي والمولى الذي

يستأصل الأعداء بالنقمات

يا سادتي يا من بنور هداهم

وسناهم يجلي دجى الظلمات

بولاكم يا خير وطأ الثرى

نيل المنى وتقبل الطاعات

وكذا البراءة من أعاديكم بها

يعفو الإله غدا من الزلات

واليتكم ونصبت حرب عداكم

فرفعتم فوق العلى درجات

وتناوشوني حاسد ومعاند

وتظاهرا بالحقد والأحنات

يا رب فاشهد أنني متبرء

منهم وممن خان عقد ولات

من معشر جحدوا النّبي حقوقه

وتحاملوا ظلما على مولاتي

نال الخليعي الأمان بحبكم

ونجا من النيران أي نجات

لا تحسب الشعراء إن قد أدركوا

تحديد فضلكم بكنه صفات

٦٦

لكنهم نظروا الكتاب فضمنوا

من مدحكم ما جاء في الآيات

ليبدلن الله خوف وليكم

أمناً ويجزيه على الحسنات

ويمكن الدين الذي لكم ارتضى

جهراً على رغم الزنيم العات

الباب الثّاني

اعلموا تقبّل الله أعمالكم وأحسن لديه آلكم , إنّ الله تعالى لا يقبل الأعذار في ترك المآتم على الآل الأطهار ؛ لأنّه تعالى جرت عادته بتكليف العباد بعد إلهامهم الرّشاد ؛ ليفيض عليهم من الخيرات فيصلون إلى الكمالات , ولا شيء لعمري , اُدّعى لحصول الثّواب العظيم وإزالة العذاب الأليم , من إظهار شعائر الأحزان وإجراء الدّموع الهتان , على ما أصابهم في ذلك الزّمان من أهل الغدر والخذلان , فكم من دم مسفوح وطفل مذبوح وقلب مقروح , ومرمّل بالدّماء ومسلوب للرداء , ومنبوذ بالعرى ومذبوح من القفا , وقرّة عين الـمُصطفى , وثمرة فؤاد الزّهراء بنت خاتم الأنبياء , فيا لله ! ما أجرأهم على الله وعلى انتهاك حُرمة الرّسول , فنوحوا أيّها الإخوان , وضجّوا بالعويل وعجّوا بالبكاء على هذا الرّزء الجليل , ولله در مَن قال من الرّجال :

بنفسي خدوداً في التراب تعفرت

بنفسي جسوماً بالعراء تعرت

بنفسي رؤوساً معليات على القنا

إلى الشام تهدي بارقات الأسنتى

بنفسي شفات ذابلات من الظما

ولم تحظ من ماء الفرات بقطرة

بنفسي عيونا غابرات شواهرا

الى الماء منها نظرة بعد نظرة

بنفسي من آل النّبي خرائد

حواسر لم تغدف عليهم بسترة

تفيض دموعاً بالدماء مشوبة

كقطر الغوادي من مدامع ثرت

على خير جيل من كهول وفتية

مصاليت انجاد إذا الخيل كرت

ربيع اليتامى والأرامل فابكها

مدارس للقرآن في كل سحرة

وأعلام دين الـمُصطفى وولاته

وأصحاب قربان وحج وعمرة

ينادون يا جداه أية محنة

نراها علينا من اُمية مرّت

ضغائن بدر بعد ستين أظهرت

وكانت أجنت في الحشا وأسرت

٦٧

كأني ببنت الـمُصطفى قد تعلقت

يداها بساق العرش والدمع أذرت

وفي حجرها ثوب الحُسين مضمخا

وعنها جميع العالمين بحسرت

تقول أيا عدل أقض بيني وبين من

تعدى على ابني بعد قهر وقسرت

أجالوا عليه بالصوارم والقنا

وأسقوه كأس الموتّ طعم الممرت

هم أول العادين ظلماً على الورى

ومن سار فيهم بالأذى والمضرت

مضوا وانقضت أيامهم وعهودهم

سوى لعنة باءوا بها واستمرت

روي عن السّيد السّعيد عبد الحميد يرفعه إلى مشايخه , عن منذر الثّوري , عن أبيه , عمّن أخبره , قال : قال الحُسين (عليه‌السلام ) : (( أنا قتيل العبرة , ما ذُكرت عند مؤمن إلّا بكى واغتمّ لمصابي )).

وروى أيضاً عبد الحميد يرفعه إلى مشايخه إلى جابر الجعفي , يرويه عن أبي عبد الله , ثمّ قال : (( يا جابر , كم بينكم وبين قبر الحُسين (عليه‌السلام ) ؟ )) قال , قُلت : يوم وبعض آخر قال , فقال لي : (( أتزوره ؟ )) قال , قلت : نعم قال : (( ألا اُفرّحك ألا اُبشرّك بثوابه ؟ )) قلت : بلى جعلت فداك ! قال : (( إنّ الرّجل منكم ليتهيأ لزيارته , فتباشر به أهل السّماء , فإذا خرج من باب منزله راكباً أو ماشياً , وكّل الله عزّ وجلّ به أربعين ألفاً من الملائكة , يُصلّون عليه حتّى يوافي قبر الحُسين (عليه‌السلام ) , وثواب كُلّ قدم يرفعها , كثواب المتشحّط بدمه في سبيل الله , فإذا سلّمت على القبر , فاستلمه بيدك وقُل : السّلام عليك يا حُجّة الله في أرضه ثمّ انهض إلى صلاتك , فإنّ الله تعالى يُصلّي عليك وملائكته حتّى تفرغ من صلاتك , ولك بكُلّ ركعة تركعها عنده ؛ ثواب مَن حجّ ألف حجّة , واعتمر ألف عُمرة , وأعتق ألف رقبة , وكمَن وقف في سبيل الله ألف مرّة مع نبي مرسل , فإذا أنت قمت من عند القبر , نادى مناد لو سمعت مقالته , لأفنيت عمرك عند قبر الحُسين (عليه‌السلام ) , وهو يقول : طوبى لك أيّها العبد , لقد غنمت وسلمت , قد غفر الله لك ما سلف فاستأنف العمل )) قال : (( فإن مات من عامه أو من ليلته أو من يومه , لم يقبض روحه إلّا الله تعالى )) قال : (( ويقوم معه الملائكة يُسبّحون ويُصلّون عليه حتّى يوافي منزله , فتقول الملائكة : ربّنا , عبدك وافى قبر وليّك وقد وافى منزله , فأين نذهب ؟ فيأتيهم النّداء من قبل السّماء : يا ملائكتي , قفوا بباب عبدي , فسبّحوني وقدّسوني وهلّلوني , واكتبوا ذلك في حسناته إلى يوم وفاته فإذا توفّي ذلك العبد , شهدوا غسله

٦٨

وكفنه والصّلاة عليه , ثمّ يقولون : ربّنا , وكلتنا بباب عبدك وتوفّي , فأين نذهب ؟ فيأتيهم النّداء : يا ملائكتي , قفوا بقبر عبدي , فسبّحوني وقدّسوني وهلّلوني , واكتبوا ذلك في حسناته إلى يوم القيامة )).

فيا طوبى لـمَن أحبّهم ووالاهم , ويا خسران مَن أبغضهم وعاداهم :

عدوي عن محبتكم فنادى

وموتي تحت أرجلكم صلاحي

هواكم قبلة تهوي إليها

قلوب الناس من كلّ النواحي

فلا والله لا أسلو هواكم

ولا أصبو إلى قول اللواحي

فلعمري , لو تضاعفت أحزاني فتزايدت أشجاني , واُجريت عوض الدّموع دماً , وجعلت عمري كلّه مأتماً , وبقيت من شدّة الجزع والاكتئاب كالخلال , لم أوف ببعض ما يجب عليّ من حقّ الآل.

روي عن عاصم , عن أبي عبدالله (عليه‌السلام ) قال : (( يا عاصم , مَن زار الحُسين (عليه‌السلام ) وهو مغموم , أذهب الله غمّه , ومَن زاره وهو فقير , أذهب الله الفقر عنه , ومَن كانت به عاهة فدعى الله أن يذهبها , اُستجيبت دعوته وفرّج همّه وغمّه , فلا تدع زيارته , فكأنّك كُلمّا أتيته , كتب الله لك بكُلّ خطوة تخطوها عشر حسنات , ومحى عنك عشر سيئات , وكتب لك ثواب شهيد في سبيل الله أهريق دمه , فإيّاك أن تفوتك زيارته , وأمّا في الآخرة , فبولايتهم يحصل الفوز بالنّعيم الدّائم الـمُقيم , وبحبّهم يحصل الخلاص من العذاب الأليم )).

وعن الإمام أبي عبد الله (ع) قال : (( قال الحُسين (عليه‌السلام ) : مَن زارني بعد موتي , زرته يوم القيامة ولو لم يكُن إلّا في النّار لأخرجته )) :

يا عترة الهادي النّبي ومن هم

عزي وكنزي والرجا والمفزع

واليتكم وبرئت من أعدائكم

فأنا بغير ولاكم لا أقنع

صلّى الإله عليكم ما أحييت

فكروا وقضت العيون الهجع

روي عن إسحاق بن عمّار , عن أبي عبد الله (عليه‌السلام ) , قال : (( ما بين قبر الحُسين (عليه‌السلام ) إلى السّماء مُختلف الملائكة )) وعن بشير الدّهان قال , قُلت لأبي عبدالله : ربّما فاتني الحجّ وأعرف عند قبر الحُسين قال : (( أحسنت يا بشير , أيما مؤمن أتى قبر الحُسين (عليه‌السلام ) , عارفاً بحقّه في غير يوم عيد , كتب الله له عشرين حجّة وعشرين

٦٩

عمرة مبرورات مُتقبّلات , وألف غزوة مع نبيّ مُرسل أو إمام عادل )) قال , قلت : وكيف لي مثل الموقف ؟ قال : فنظر إليّ شبه الـمُغضب , ثمّ قال : (( يا بشير , إنّ المؤمن إذا أتى قبر الحُسين يوم عرفة , فاغتسل بالفُرات ثمّ توجّه إليه , كتب الله عزّ وجلّ له بكُلّ خطوة حجّة بمناسكها )) ولا أعلمه إلّا وقال : (( عمرة )).

وعن أبي جعفر الباقر (عليه‌السلام ) , أنّه قال : (( خلق الله تعالى كربلاء قبل أن يخلق الكعبة بأربعة وعشرين ألف عام , ثمّ قدّسها وبارك فيها , فما زالت أرض كربلاء مُقدّسة مباركة طاهرة , قبل أن يخلق الله الخلق وقبل أن يكون الكون , ولم تزل كذلك حتّى جعلها الله أفضل أرض في الجنّة , وأفضل منزل ومسكن يسكن الله أولياءه في الجنّة , وهي أعلا وأرفع مساكن الجنّة , وأنّها إذا زلزل الله الأرض وسيّرها , رُفعت كما هي بتربتها نورانية صافية , فجُعلت أوّل روضة من رياض الجنّة , وأفضل مسكن في الجنّة , لا يسكنها إلّا النّبيون والمرسلون وأولوا العزم من الرّسل , وأنّها لتزهو بين رياض الجنّة , كما يزهو الكوكب الدّرّي لأهل الأرض , يغشي نورها أبصار أهل الجنّة جميعاً , وهي تُنادي: أنا الأرض الـمُقدّسة والطّينة الـمُباركة التي تضمّنت جسد سيّد الشُهداء , وسيّد شباب أهل الجنّة أبا عبد الله الحُسين )).

وفي بعض الأخبار : إنّ الله تعالى لـمّا خلق أرض الكعبة , افتخرت وابتهجت وقالت : مَن مثلي وقد بُني بيت الله على ظهري , ويأتيني النّاس من كلّ فجّ عميق , وجُعلت حرم الله وأمنه ؟! فاوحى الله تعالى إليها : (( يا أرض الكعبة , كفّي وقرّي , فوعزّتي وجلالي , ما فضّلتك به فيما أعطيت كربلاء , إلّا بمنزلة الإبرة التي اُغمست في البحر , ولو لا تربة كربلاء ما فضّلتك , ولو لا ما تضمّنته أرض كربلاء , ما خلقتك ولا خلقت البيت الذي افتخرت به , فقرّي واستقرّي وكوني متواضعة ذليلة مهينة , غير مستنكفة ولا مستكبرة على أرض كربلاء , وإلّا سخت بك وأهويت بك في نار جهنّم )) كلّ ذلك تعظيماً للحُسين (عليه‌السلام ) وإجلالاً له :

ما لي إذا وضع الحساب وسيلة

أنجو بها من حر نار الموعد

إلّا اعترافي بالذنوب وانني

متمسك بولاء آل مُحمّد

روي في بعض الأخبار , إنّ رجلاً جاء إلى الصّادق (عليه‌السلام ) وشكا إليه من علّة أردته , فقال له الصّادق (عليه‌السلام ) : (( يا هذا , استعمل تربة جدّي الحُسين (عليه‌السلام ) , فإنّ الله

٧٠

تعالى جعل الشّفاء فيها من جميع الأمراض , وأماناً من جميع الخوف , وإذا أراد أن يستعملها للشفاء , فليأخذ من تلك التّربة , ثمّ يقبّلها ويضعها على وجهه وعينيه وينزلها على جميع بدنه , ويقول : اللّهمّ بحقّ هذه التّربة وبحقّ مَن حلّ بها وثوى فيها , وبحقّ جدّه وأبيه واُمّه وأخيه والأئمة من ولده , بحقّ الملائكة الحافّين به , إلّا جعلتها شفاء من كلّ داء , وبرء من كلّ مرض , ونجاة من كلّ خوف , وحرزاً مما أخاف وأحذر , برحمتك يا أرحم الرّاحمين ثمّ استعمل من تلك التّربة أقل من الحمّصة , فإنّك تبرئ بإذن الله تعالى )) قال الرّجل : فو الله , إنّي فعلت ذلك فشفيت من علّتي في وقتي وساعتي , من بركات سيدي وابن سيدي أبي عبد الله الحُسين (عليه‌السلام ).

وعن إسحاق بن إسماعيل , أنّه قال : سمعت من الصّادق (عليه‌السلام ) , يقول : (( إنّ لموضع قبر الحُسين (عليه‌السلام ) حرمة معروفة , مَن عرفها واستجار بها اُجير )) فقلت : يا مولاي , فصف لي موضعها جعلت فداك ! فقال : (( امسح من موضع قبره الآن خمسة وعشرين ذراعاً من ناحية رأسه , ومن ناحية رجليه كذلك , وعن يمينه كذلك وعن شماله , واعلم أنّ ذلك روضة من رياض الجنّة , ومنه معراج الملائكة تعرج فيه إلى السّماء بأعمال زوّاره , وليس ملك في السّموات ولا في الأرض , إلّا وهم يسألون الله عزّ وجلّ في زيارة قبر الحُسين , ففوج منهم ينزل وفوج يعرج إلى يوم القيامة )).

يا جوهر قام الوجود به

والناس بعدك كلهم عرض

أسهرت عيناً أنت قرتها

ولهي عليك وليس تغمض

وأتهت قلباً أنت منيته

القصوى بحزن فيك يعترض

روي : أنّ الصّادق (عليه‌السلام ) أصابه مرض , فأمر مولى أن يستأجر له أجيراً يدعو له بالعافية عند قبر الحُسين (عليه‌السلام ) , فخرج المولى فوجد رجلاً مؤمناً على الباب , فحكى له ما أمر به الصّادق , فقال الرّجل : أنا أمضي , لكنّ الحُسين إمام مُفترض الطّاعة , والصّادق إمام مُفترض الطّاعة , فكيف ذلك ؟! فرجع مولاه وعرّفه بمقالة الرّجل، فقال الصّادق : (( صدق الرّجل في مقالته , لكنّ لله بقاعاً يُستجاب فيها الدُعاء , فتلك البقعة من تلك البقاع , وإنّ الله عزّ وجلّ عوّض الحُسين (عليه‌السلام ) من قتله بثلاثة أشياء ؛ إجابة الدُعاء تحت قُبّته والشّفاء في تُربته والأئمّة من ذُرّيّته )) :

يا بفعة مات بها سيد

ما مثله في الناس من سيد

٧١

مات الهدى من بعده والندا

والعلم والحلم مع السؤدد

روي في بعض الأخبار : إنّ رجُلاً صالحاً , قال : رفعت إليّ امرأة غزلاً أبيض , فقالت لي : ادفع هذا الغزل إلى سدنة مكّة , ليخيط بها كسوة الكعبة فكرهت أن أدفعه إلى الحجبة , فقال (عليه‌السلام ) : (( اشتر به عسلاً وزعفراناً , وخُذ قليلاً من طين قبر الحُسين (عليه‌السلام ) , واعجنه بماء السّماء , واجعل فيه العسل والزّعفران , وفرّقه على أوليائنا المؤمنين ليداووا به مرضاهم )) ففعلت ما أمرني مولاي , فكلّ مريض أخذ منه شفي بإذن الله تعالى.

فيا إخواني , ما أطيب نشر فضائلهم الفاضلة , وما أعذب ذكر مدائحهم الكاملة , تقدست أنفس امتنعت عليهم من الهجوع , وطهرت أعين أسبلت عليهم شآبيب الدّموع , وظفر بالنّصيب الوافر مَن والاهم , وحصل الشّرف الظّاهر مَن مال عمّن عاداهم ، ما ضرّهم ما تجرّعوه من الآلام , لم تكن لحظة واحدة فيحلّون دار السّلم جوار الملك العلام فيا عيني سحّي دموعي ويا جفوني وافقي وأطيعي.

فعلى الأطائب من أهل البيت فليبك الباكون , وإيّاهم فليندب النّادبون , ولمثلهم تذرف الدّموع من العيون ، أو لا تكونون كبعض مادحيهم حيث عرته الأحزان , فنظم وقال فيهم :

القصيدة للشيخ مُحمّد السمين (رحمه‌الله )

بان صبري وبان خافي شجوني

واستهلت بالدمع مني جفوني

واستهلت لما استهلت بدمع

حين جادت به شؤون شؤوني

وقلت مقلتي الرقاد ارتقاباً

بالسهي والسهاد ألف عيوني

وأستسرت مسرت السر لما

بان خوفي من سرها المكنون

فتبدت مصونة الحزن من قلبي

المعنى المتيم المحزون

ثمّ قالت للطرف أبرز ما كان

مصاناً من دمعك المسجون

واستمد الدماء أن نفد الدمع

فبالدمع أنت غير ضنين

واندب السبط في الطفوف فريداً

قد تخلا من مسعد ومعين

يتمنى لكي يبل غليلاً

وشربه من مباح ماء معين

فسقاه العدو كأساً دهاقا

من كؤوس الردى وماء المنون

لهف قلبي عليه وهو فؤول

يهدو في قوله وسكون

٧٢

ويحكم لا تهونوا بقتل حسين

فتذوقوا طعم العذاب المهين

لا تقولوا يوم القيامة إنا

ما علمنا وإنكم تجهلوني

تعرفوني بأنني خير خلق الله

قدماً وآنفاً تنكروني

تنكروني فلم بغير اجترام

تقتلوني وأنتم تعرفوني

إن جدي النّبي أشرف خلق الله

ذو الفضل والفخار المبين

وأبي المرتضى الوصي عليّ

وهو رب الإمكان والتمكين

والبتول الزّهراء بنت رسول الله

أمي لأجلها راقبوني

فأجابوه قد علمنا يقيناً

أن هذا الكلام حق اليقين

غير أنا نروم منك مراماً

فاعطياه بالطوع يابن الأمين

قل رضينا يزيد مولا ولياً

والياً حاكماً بحق مبين

فمتى قلت أنت في دعة الله

وحرز من بأسنا بيقين

عندما أفحشوا الجواب اجتراءاً

آب عنهم بصفقة المغبون

ثمّ نادى أهل الخيام ودمع العين

جازية برقة وبلين

أم كلثوم يا سكينة يا زينب

يا بنت فاطمة جاوبيني

أنت في عترتي وفي أهل بيتي

وعيالي وصبيتي تخلفيني

ثمّ قومي إذا أردت وداعاً

ودعيني من قبل أن تفقديني

إن هذا الأوان آن انتقالي

وارتحالي وحان يا أخت حيني

أخت ابني عليّ بعد وليي

وإمام هاد لدنيا ودين

أخت صبراً صبراً فليس يضيع

الله أجر الصبور والمستكين

لا تشقي جيباً عليّ وابكي

كلّ حين بفيض دمع هتون

وإذا ما مررت بالجسد الملقى

على الأرض شاحباً فاندبيني

وإذا ما تلوت نافلة الذكر

وصلّيت دائماً فاذكريني

والعني ما شربت ماء فرات

من عن الماء ظامياً منعوني

فأجابته عزّ والله ما قلت

علينا وليس ذاك بهون

لو قدرنا على الفداء فديناك

وبأرواحنا وبالمخزون

وشربنا من شربك كاسات

المنايا من كف ساقي المنون

٧٣

ثمّ لما رأته ملقى على الترب

تريب الخدين دامي الجبين

صرخت صرخة وقالت أجدة

العيس رفقاً هنية أوقفوني

لأودعه كي أبل غليلي

بوداعي منه ولا تمنعوني

فهو روحي فأين عنه رواحي

وهو قلبي فعنه لا تقلبوني

وهو شخصي فأين عنه شخوصي

فاشخصوا ثمّ عنه لا تشخصوني

وهو عدلي فأين عنه عدولي

فاعدلوا ثمّ عنه لا تعدلوني

فأجابوا صوت الشجي بسوط

وبضرب يبدي خفي الأنين

فاستغاثت بجدها وأبيها

وأخيها الزاكي الإمام المبين

بدموع على الخدود تجاري

من جفون قرحى وقلب حزين

ثمّ قالت يا موئلي يا مآلي

يا حصوني وأين مني حصوني

آه يا كسرتي لفقد حماتي

آه يا خذلتي لفقد معين

آه يا حسرتي ويا طول وحدي

أه يا ذلتي ويا طول هوان

جدي هذا القناع يسلب مني

ثم بالسوط بعد قنعوني

جدي هذا صدر الحُسين فقد ديس

عناداً له بقب البطون

رضضوه بغير إفراض غسل

جامع للحنوط والتكفين

جدي هذا الكريم فوق سنان

وسنان يغله باليمين

جدي هذي الرؤوس فوق قناها

وهي تهدي إلى يزيد اللعين

جدي هذي سكينة أسكنوها

بعد دار الأعزاز في دار هون

والسبايا على المطايا عرايا

مبديات لكل وجه مصون

سائرات بنا بغير وطاء

في سهول من بيدها وحزون

وإذا قلت للحداء رويداً

أزعجوا العيس عامداً وأزعجوني

وإذا قلت استروني بثوب

سلبوني ثوبي وما ستروني

وإذا قلت احجبوني عن الناس

تعدوا كفراً وما حجبوني

وإذا ما شكوت ضراً وبؤساً

رجموني بغياً وما رحموني

وإلى الله مشتكانا وما نلقاه

فيه من الأذى والهون

يا ذوي البيت والمشاعر والأركان

والحجر والصفا والحجون

يا ذوي الذاريات والطور

والأعراف والنحل والنساء ونون

٧٤

فاز من مكن اليدين من الود

وفازت يداه بالتمكين

فاز بالصدق في الولاء كما

فاز بصدق الولاء نجل السمين

عبدكم أهدى إليكم نظاماً

فاق في نظمه نظام الثمين

فعليكم من ربكم صلوات

وسلام في كل وقت وحين

الباب الثّالث

تفكّروا يا إخواني في الدّين ، فيما قدم عليه الأنصار من إخوانكم المؤمنين , لكنّهم ظهر لهم السّر المكنون فعلموا ما كان وما يكون ، ورضوا عن الرّحمن فسمحوا في محبته بالأرواح ، وغضبوا الملك الدّيان فأجادوا في سبيله بالكفاح , آساد غيل غرير عرينها قليل قرينها ، جاهدوا في سبيل ذي الجلال وبذلوا نفوسهم في محاربة أهل الزّيغ والضّلال ، رموهم بالجياد حتّى انطوين , وضربوهم بالسّيوف حتّى انحنين ، وطعنوهم بالرّماح حتّى ارتوين , أو ليس هم القوم الذين إذا دعوا لم يقولوا أين أين ولم يخافوا الحين ، ولا سقطوا بين بين وأين ؟ لكم مثل أنصار مولاكم الحُسين أين ؟ ولله درّ مَن قال فيهم من الرّجال :

هم القوم أقيال مناجيد سادة

مذ أو يد أبطال لها الحرب منزل

كماة حماة يرهب الموت بأسهم

وليس لهم عن حومة الضرب معدل

فكم غادروا من غادر في كريهة

وكم عقلوا من كافر ليس يعقل

وحادوا وجادوا بالنفوس أمامه

وذاك من الجود العظيم المؤمل

وسادوا فشادوا منزلاً متطاولاً

دعائمه فوق السماكين أطول

وحاموا فحاموا دون سبط محمد

إلى أن تداعوا للمنايا وقتلوا

فلهفي لهم صرعى أمام إمامهم

ومن دمهم وجهه الثرى متبلل

وقد نسجت أيدي الرياح من الثرى

لهم حللاً من فوقهم تتجلل

فلو أنني شاهدت مشهد كربلا

وسيفي بكفي كنت للنفس أبذل

وواسيتهم بالطعن والضرب والقنا

فذاك المنى لو أن ذلك يحصل

روي من طريق الخصم ، وعن أنس بن مالك , قال : قرأ رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) :( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ

٧٥

لّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللّهِ ) (١) . فقام إليه رجل , فقال : أيّ بيوت هذه يا رسول الله ؟ فقال : (( بيوت الأنبياء )) فقام الأوّل فقال : يا رسول الله , هذا البيت منها - يعني بيت عليّ وفاطمة - ؟ قال : (( نعم ، من أفاضلها )).

ومن طريقهم أيضاً في الصّحيحين , قال : لـمّا نزل قوله تعالى :( قُل لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلّا الْمَوَدّةَ فِي الْقُرْبَى‏ ) (٢) قالوا : يا رسول الله , ومَن قرابتك التي أوجبت علينا مودتهم ؟ فقال : (( عليّ وفاطمة وابناهما )).

ومن طريقهم أيضاً , ما رواه الفقيه المغازلي الشّافعي , بإسناده عن ابن عبّاس , قال : سُئل النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) عن الكلمات التي تلقّاها آدم من ربّه فتاب عليه فقال : (( سأله بمُحمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحُسين إلّا تبت عليّ , فتاب عليه )) :

آل طه يا من بهم يغفر الله

ذنوبي وما جنته يميني

وإمامي في يوم بعثي وأمني

عند خوفي في كلّ خطب وضيني

أنتموا قبلتي وحجي وفرضي

وصلاتي وأصل نسكي وديني

من تمسك بكم وأم إليكم

قد نجا والتجا بحصن حصين

لا أبالي وإن تعاظم ذنبي

يوم بعثي لكن يقيني يقيني

كل عزى بين الأنام وفخري

يوم أخشى بابكم تقبلوني

أنا منكم لكم بكم واليكم

فرط وجدي وذا حنين أنيني

فعليكم من الإله صلاة

كلما ناح طائر بالغصون

يا إخواني , مَن علق بحبّهم سلم , والتجأ إلى كهف عزّهم ربح وغنم , ومَن اقتفى أثرهم حصل على سواء الطّريق، ومَن تنكّب عن سمتهم وقع في المضيق بالتّحقيق , إذا أحبّ الله عبداً القى حجّتهم عليه ، وإن أبغض عبداً ألقى الشّيطان بغضهم إليه ، فمحبّتهم المقرّبة إلى الملك العلام , المؤدّية إلى أعظم المرام , لا تحصل بمجرّد الكلام ما لم تفترق بإعتقاد يحصل به برد الإيمان , وتشبّ به على مصابهم نيران الأحزان.

روى قتادة : أنّ أروى بنت الحارث بن عبد الملك , دخلت على معاوية بن أبي سفيان وقد قدم المدينة - وهي عجوز كبيرة - , فلمّا رآها معاوية , قال : مرحباً بك يا خالة , كيف كنت بعدي ؟ قالت : كيف أنت يابن أختي , لقد كفرت النّعمة وأسأت لابن عمّك الصّحبة , وتسمّيت بغير اسمك

____________________

(١) سورة النّور / ٣٦ - ٣٧.

(٢) سورة الشّورى / ٢٣.

٧٦

, واخذت غير حقّك بلا بلاء كان منك ولا من آبائك في ديننا , ولا سابقة كانت لكم , بل كفرتم بما جاء به مُحمّد (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , فانغس الله الخدود , وأصغر منكم الخدود , وردّ الحقّ إلى أهله ، فكانت كلمتنا هي العليا , ونبينا هو المنصور على مَن ناواه ، فوثبت قُريش علينا من بعده حسداً لنا وبغياً , فكنّا بحمد الله ونعمته , أهل بيت فيكم بمنزلة بني إسرائيل في آل فرعون ، وكان سيّدنا فيكم بعد نبيّنا (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , بمنزلة هارون من موسى ، غايتنا الجنّة وغايتكم النّار.

فقال لها عمرو بن العاص : كفّى أيّتها العجوز الضّالة , واقصري من قولك مع ذهاب عقلك , إذ لا تجوز شهادتك وحدك فقالت : وأنت يا بن الباغية , تتكلّم واُمّك أشهر بغي بمكّة وأقلّهم أجرة , وادعاك خمسة من قُريش , فسألت اُمّك عن ذلك , فقالت : كلّ أتاها فانظروا أشبههم به فالحقوه به , فغلب شبه العاص بن وايل جزار قُريش , ألأمهم مكراً وأبهتهم خبراً , فما ألومك ببغضاً.

قال مروان بن الحكم : كفّى أيّتها العجوز واقصدي لما جئت له فقالت : وأنت يابن الزّرقاء تتكلّم , والله وأنت ببشير مولى ابن كلدة أشبه منك بالحكم بن العاص , وقد رأيت الحكم سبط الشّعر مديد القامة , وما بينكما قرابة إلّا كقرابة الفرس الضّامر من الأتان المقرف ، فاسأل عمّا أخبرتك به اُمّك , فإنّها ستخبرك بذلك.

ثمّ التفتت إلى معاوية , فقالت : والله , ما جرّأ هؤلاء غيرك , وإنّ اُمّك القائلة في قتل حمزة :

نحن جزيناكم بيوم بدر

والحرب بعد الحرب ذات السعر

إلى آخر الأبيات , فأجابتها ابنة عمّي :

خزيت في بدر وغير بدري

يا بنت وقاح عظيم الكفر

إلى آخر الأبيات.

فالتفت معاوية إلى مروان وعمرو , وقال : والله , ما جرّأها عليّ غيركما , ولا أسمعني هذا الكلام سواكما ، ثمّ قال : يا خالة , اقصدي ودعي أساطير النّساء عنك قالت : تعطيني ألفي دينار وألفي دينار وألفي دينار قال : ما تصنعين بألفي دينار ؟ قالت : أزوّج فقراء بني الحارث بن عبد الـمُطلب قال : هي لك ، فما تصنعين بألفي دينار ؟ قالت : أستعين بها على شدّة الزّمان وزيارة بيت الله الحرام قال : قد أمرت بها لك قال : فما تصنعين بألفي دينار ؟ قالت :

٧٧

أشتري بها عيناً خرّارة في أرض خوّارة , تكون لفقراء بني الحارث بن عبد الملك قال : هي لك يا خالة ، أما والله لو كان ابن عمّك على ما أمر لك بها قالت : تذكر عليّاً فضّ الله فاك وأجهد بلاك ثمّ علا نحيبها وبكاؤها وجعلت تقول :

ألا يا عين ويحك فاسعدينا

ألا فابكي أمير المؤمنينا

رزينا خير من ركب المطايا

وجال بها ومن رب السفينا

ومن لبس النعال ومن حذاها

ومن قرأ المثاني والمبينا

إذا استقبلت وجه أبي حسين

رأيت البدر راق الناظرينا

ألا فابلغ معاوية بن حرب

فلا قرت عيون الشامتينا

أفي الشهر الحرام فجعتمونا

بخير الخلق طراً أجمعينا

مضى بعد النّبي فدته نفسي

أبو حسن وخير الصالحينا

كأن الناس إذ فقدوا علياً

نعام جال في بلد سنينا

فلا والله لا أنسى علياً

وحسن صلاته في الراكعينا

لقد علمت قريش حيث كانت

بأنك خيرها حسباً ودينا

فلا يفرح معاوية بن حرب

فإن بقية الخلفاء فينا

قال : فبكى معاوية ثمّ قال : يا خالة , لقد كان كما قُلت وأفضل.

فانظروا يا إخوان الدّين إلى هؤلاء الكفرة الملاعين , يعترفون بالحقّ ويرغبون عنه , ويتطلّعون إليه ويفرّون منه , استحوذ عليهم الشّيطان فسلك بهم في أودية الهوان , وقادتهم أزمّة الباطل وأرخت لهم العنان , فباءوا بالخيبة والخسران واستحقّوا عذاب النّيران :( وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) (١) .

روي عن بعض الصّادقين , أنّه قال : دخلت إلى جامع بني اُميّة لاُصلّي صلاة الصّبح , وإذا أنا برجل من بني اُميّة جاء ووقف يصلّي قريباً منّي , فلمّا طأطأ رأسه للسجود , سقطت عمامته عن رأسه , فإذا رأسه ووجهه كرأس الخنزير وشعره كشعر الخنزير , فلمّا نظرته , طار عقلي وطاش لبّي , ولم اعلم ما صلّيت ولا ما قلت في صلاتي , فلمّا فرغ من الصّلاة , تنفّس الصّعداء وقال : لا حول ولا قوة إلّا بالله ، يا أخي , إنّي أخبرك بقصّتي وأظهرك على حالي. ثمّ إنّه كشف عن رأسه ونزع قميصه , فإذا رأسه ووجهه كالخنزير , وبدنه وشعره مثل جلد الخنزير , فتعجبت منه وقلت له : ما الذي أرى

____________________

(١) سورة النّحل / ١١٨.

٧٨

بك من البلاء ؟ فقال : اعلم أنّي كنت مؤذّناً لبني اُميّة , وكنت كلّ يوم العن عليّ بن أبي طالب ألف مرّة بين الأذان والإقامة , وإذا كان يوم الجُمُعة العنه أربعين ألف مرّة , فبينما أنا نائم ليلة الجُمُعة , رأيت في منامي كأنّ القيامة قد قامت , ورأيت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وعليّاً والحسن والحُسين وماء الكوثر مترع , وبيد الحسن (عليه‌السلام ) إبريق من نور , وبيد الحُسين (عليه‌السلام ) كأس من نورهما , يسقيان النّاس كافّة وأنا في عطش شديد , فدنوت من الحُسين (عليه‌السلام ) وقلت له : اسقني يابن رسول الله فقال لي : (( ستشرب من حميم جهنّم )) فقال له النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : (( لِمَ لا تسقيه ؟ )) فقال : (( يا جدّاه , كيف اسقيه وهو يلعن أبي كلّ يوم ألف مرّة ؟ )) فالتفت إليّ النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , وقال لي : (( ما لك يا لعين يا شقي ! أتلعن أخي وخليفتي وابن عمّي عليّ بن أبي طالب ؟! )) ثمّ بصق في وجهي , وقال : (( غيّر الله ما بك من نعمة )) فانتبهت من منامي مرعوباً وإذا هو قد مُسخ كما ترى , وصار عبرة لمن يسمع ويرى , وأنا أحمد الله تعالى مما كان منّي , وواليت عليّ بن أبي طالب وتبرأت من أعدائه :

أيا من هم فلك النجاة ومن هم

هداة وغوث للأنام وجود

ولولاهم ما كان نور ولا دجا

ظلام ولا للخلق كان وجود

عليكم سلام الله حيث ثناءكم

حكى نشره نداً يضوع وعود

وحيث بكم هبت نسيم ونسمة

هبوب وللعيدان رنح عود

وأزهر من زهر البروج زواهر

وورد من زهر المروج ورود

فالويل الدّائم لمن عاداهم ! والخيبة لمن ضلّ عن هُداهم وما والاهم !

روي : أنّه دخل أبو أمامة الباهلي على معاوية , فقرّبه وأدناه ثمّ دعا بالطّعام ، فجعل يطعم أبا أمامة بيده , ثمّ أوسع رأسه ولحيته طيباً بيده , وأمر له ببدرة من دنانير فدفعها إليه , ثمّ قال : يا أبا أمامة , أبالله أنا خير أم عليّ بن أبي طالب ؟ فقال أبو أمامة : نعم ولا كذب , ولو بغير الله سألتني لصدقت ، عليّ والله خير منك وأكرم , وأقدم إسلاماً وأقرب إلى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قرابة , وأشدّ في الـمُشركين نكاية ، وأعظم عند الاُمّة غناء , أتدري مَن عليّ يا معاوية ؟ عليّ ابن عمّ رسول الله وزوج ابنته سيّدة نساء العالمين ، وأبو الحسن والحُسين سيّدا شباب أهل الجنّة ، وابن أخي حمزة سيّد الشّهداء , وأخو جعفر ذي الجناحين ، فأين تقع أنت من

٧٩

هذا يا معاوية ؟! أظننت أنّي اخترك على عليّ بألطافك وإطعامك وعطائك , فأدخل إليك مؤمناً وأخرج منك كافراً، بئس ما سوّلت لك نفسك يا معاوية ! ثمّ نهض وخرج من عنده , فاتبعه بالمال , فقال : لا والله , لا أقبل منك ديناراً واحداً.

فهذه هي المحبّة النّاصحة والمودّة الرّائقة الخالصة ، وعلى مثل أهل البيت فليبك الباكون ، وإيّاهم فليندب النّادبون، ولمثلهم تذرف الدّموع من العيون ، أو لا تكونون كبعض مادحيهم حيث عرته الأحزان , فنظم وقال :

القصيدة للشيخ الخليعي (رحمه‌ الله تعالى )

ألا ما لجفني بالسهاد توكل

وقلبي لأعباء الهوى يتحمل

وما بال عيني ليس ترقى دموعها

وقلبي بعبء السم يذوي فينحل

ولم يشجني فقد الأنيس ولم أطل

وقوفي على الربع الدريس فأسأل

ولا قلت للحادي ترفق هنيئة

وللركب لما سار أين ترحل

ولم ارتقيت طيف الخيال من الكرى

ولا أنا ممن بالمنى يتعلل

ولكن شجتني عصبة علوية

تداعوا جميعاً بالفتى ثمّ قتلوا

لهم طال حزني وأسكنت أظالعي

على جمرة في عشرة عاشور تشعل

ولم أنس مولاي الحُسين وقد غدا

يودع أهليه ويوصي ويعجل

ينادي ألا يا أهل بيت محمد

أصيخوا لما أوصيكموا وتقبلوا

عليكم بتقوى الله لا تتغيروا

لعظم رزاياكم ولا تتبدلوا

ودوموا على أعمالكم وابتهالكم

وقوموا إذا جن الدجى وتقبلوا

وإن نابكم خطب فلا تتضعضوا

لوقع الرزايا واصبروا وتحملوا

وفاطمة الصغرى تقول لاختها

هلمي إلى التوديع فالأمر مهول

أرى والدي يوصي بنا اخواته

وعيناه من حزن تفيض وتهمل

وتدعو ألا يا سيدي بلغ العدا

بنا ما تمنوا في النفوس واملوا

فيحنوا عليها باكياً ويضمها

ويدني إليه وجهها ويقبل

ومر إلى حرب الطغاة ولم يزل

يفلق هامات العدى ويقلّل

إلى أن هوى فوق التراب مجدلا

قتيلاً وراح المهر ينعي ويعول

فقمن النساء الفاطميات ولهاً

فأبصرن منه ما يسوء ويذهل

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220