المنتخب للطريحي المنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري) الجزء ١

المنتخب للطريحي المنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري)0%

المنتخب للطريحي المنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري) مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 220

المنتخب للطريحي المنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري)

مؤلف: الإمام الكبير والـمُصنّف الشّهير الشّيخ فخر الدّين الطريحي النّجفي
تصنيف:

الصفحات: 220
المشاهدات: 31455
تحميل: 3075


توضيحات:

الـمُنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري) الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 220 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 31455 / تحميل: 3075
الحجم الحجم الحجم
المنتخب للطريحي المنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري)

المنتخب للطريحي المنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري) الجزء 1

مؤلف:
العربية

المنتخب للطريحي

المنتخب

في جمع المراثي والخطب

المشتهر بـ(الفخري)

١

هوية الكتاب

* اسم الكتاب : مُنتخب الطريحي.

* المؤلف : الشّيخ فخر الدّين الطريحي.

* النّاشر : انتشارات المكتبة الحيدريّة.

* عدد الصّفحات : ٤٩٦ , صفحة وزيري.

* الطّبعة : الأولى ١٤٢٦ - ١٣٨٤.

* المطبعة : شريعت.

* عدد المطبوع : ٢٠٠٠ نسخة.

* ردمك : x - ٠٥١ - ٥٠٣ - ٩٦٤

* x - ٠٥١ - ٥٠٣ - ٩٦٤ ISBN

٢

المـُنتخب

في جمع المراثي والخطب

المشتهر بـ (الفخري)

تأليف

الإمام الكبير والمُصنّف الشّهير الشّيخ

فخر الدّين الطريحي النّجفي المُتوفى سنة : ١٠٨٥

٣

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

كلمةُ المؤلّف :

الحمدُ لله الذي جعل الدُّنيا جنّة لأعدائه ، وسجناً ومحنة لأوليائه وأحبائه ؛ ليبلوهم فيها بالاكتئاب ، ويجازيهم من الثّواب والعقاب ، والصّلاة والسّلام على مُحمّد وآله الأكرمين الأنجاب ، وعلى مَن سلك سبيلهم من التّابعين والأصحاب.

وبعد : فيقول الفقير إلى الله , فخر الدّين بن مُحمّد عليّ بن أحمد بن عليّ بن أحمد بن طريح النّجفي ، إنّي مورد في هذا الكتاب , ما استطرفته من فضائل أهل البيت (عليهم‌السلام ) ومراثيهم ، وذكر مصائبهم وتعازيهم ، وجعلته مُرتّباً على عشرين مجلساً وأبواباً ، طالباً بذلك الرِّضا وجزيل الثّواب من الكريم الوهّاب ، وسمّيته بكتاب : (المـُنتخب) في جمع المراثي والخُطب.

وها أنا ذا أشرع وأقول , والله الثّقة والمأمول :

٤

المجلس الأوّل

في الليلة الأولى من عشر المُحرّم

وفيه أبواب ثلاثة

البابُ الأوّل

أيّها المؤمنون المـُخلصون والاُمناء الصّالحون : اعلموا إنّ الله عزّ وجلّ قد ابتلى ابن بنت نبيّه وأهل بيته (عليهم‌السلام ) , بمصائب جليلة ورزايا عظيمة وبلايا جسيمة , لم يبتل بها أحد من نبيّ أو وليّ أو شريف أو دنيّ من ؛ القتل والصّلب والحرق والضّرب , والغيلة والحبس والسّبي والخلس , وضروب النّكال والوبال ، حتّى بنوا عليهم الأبنية وضيّقوا عليهم الأودية , فتفرّقوا في البلاد , وتركوا الأهل والأولاد , وكتموا الأنساب من الأحباب ؛ خوفاً من الأعداء والطّلاب ، ولم يزل السّيف يقطر من دمائهم , والسّجون مشحونة بأحرارهم وإمائهم , ولله درّ مَن قال من الرّجال :

ولقد بكيت لقتل آل محمّد

بالطف حتّى كل عضو مدمع

عفرت بنات الأعوجية هل درت

ما يستباح بها وماذا يصنع

وحريم آل محمّد بين العدى

نهباً تقاسمها اللئام الوضع

تلك الضعائن كالإماء متى تُسق

يعنف بهن وبالسياط تقنع

من فوق أقتاب المطى يشلها

لكع على حنق وعبد أكوع

مثل السبايا بل أذل يشق منهن

الخمار ويستباح البرقع

فمضفد في قيده لا يفتدى

وكريمة تسبى وفرط ينزع

تالله لا أنسى الحُسين وشلوه

تحت السنابك بالعراء موزع

٥

متلفعاً حمر الثياب وفي غد

بالخضر من فردوسها يتلفع

تطأ السنابك صدره وجبينه

والأرض ترجف خيفة وتضعضع

والشمس ناشرة الذوائب ثاكل

والدهر مشقوق الرداء مقنع

لهفي على تلك الدماء تراق في

أيدي اُمية عنوة وتضيع

روى الصّدوق القُمّي : أنّ جميع الأئمّة (عليهم‌السلام ) خرجوا من الدّنيا على الشّهادة ؛ قُتل عليّ (ع) فتكاً ، وسُمّ الحسن (ع) سرّاً ، وقُتل الحُسين (ع) جهراً , وسمّ الوليد زين العابدين (ع) ، وسمّ إبراهيم بن الوليد الباقر (ع) ، وسمّ جعفر المنصور الصّادق (ع) ، وسمّ الرّشيد الكاظم (ع) ، وسمّ المأمون الرّضا (ع) ، وسمّ المـُعتصم مُحمّد الجواد (ع) ، وسمّ المـُعتز عليّ بن مُحمّد الهادي (ع) ، وسمّ المـُعتمد الحسن بن عليّ العسكري (ع) ، وأمّا القائم المهدي ( عجّل الله تعالى فرجه الشّريف) فروي : أنّه هرب خوفاً من المـُتوكل ؛ لأنّه أراد قتله :( وَيَأْبَى اللّهُ إِلّا أَن يُتِمّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) (١) .

وكان أوّل من استفتح بالظّلم ؛ مَن أخّر عليّاً (عليه‌السلام ) عن الخلافة , وغصب فاطمة (عليها‌السلام ) ميراث أبيها , وقتل المـُحسن في بطن اُمّه , ووجأ عنق سلمان ، وقتل سعد بن عُبادة ومالك بن نويرة ، وداس بطن عمّار بن ياسر , وكسر أضلاع عبد الله بن مسعود بالمدينة ، ونفى أبا ذر إلى الرّبذة , وأشخص عمّار بن قيس ، وغرب الأشتر النّخعي ، وأخرج عدي بن حاتم الطّائي ، وسيّر عميراً بن زرارة إلى الشّام , ونفى كُميل بن زياد إلى العراق , وخاض في دم مُحمّد بن أبي بكر , ونكب كعب بن جبل , ونفى جارية بن قُدامة , وعذّب عثمان بن حُنيف , وعمل ما عمل بحبّاب بن زهير وشريح بن هاني , ونحو هؤلاء ممّن مضى قتيلاً أو عاش في غصّة ذليلاً ، ولله درّ مَن قال :

لو لا حدود من صوارم

أمضى مضاربها الخليفة

لنشرت من أسرار آل

محمّد نكتاً لطيفة

وأريتكم أن الحُسين

اُصيب في يوم السقيفة

ولأي شيء ألحدت

بالليل فاطمة الشريفة

فانظروا يا إخواني إلى فعل أوائلهم واقتفاء أرجاس بني اُميّة آثارهم , يقتلون مَن قاربهم , ويُعذّبون مَن ظاهرهم , كقتل معاوية ؛ عمّار بن ياسر , وزيد بن صوحان وصعصعة بن صوحان , وحُنيف بن ثابت وأويس القرني , ومالك الأشتر

____________________

(١) سورة التّوبة / ٣٢.

٦

ومحمّد بن أبي بكر , وهاشم المرقال وعبد الرّحمن بن حسّان , وغيرهم.

وتسليط زياد بن سُمّية على قتل الألوف من الشّيعة بالكوفة , وهو الذي دسّ في قتل الحسن (عليه‌السلام ) إلى جعدة بنت الأشعث بن قيس , وتبعه ابنه يزيد على ذلك , حتّى قتل الحُسين بن عليّ في نيف وسبعين رجُلاً ، منهم ؛ تسعة من بني عقيل ، وثلاثة من بني جعفر , وتسعة من بني عليّ (عليهم‌السلام ) ، وأربعة من بني الحسن (عليه‌السلام ) , وستّة من بني الحُسين (عليه‌السلام ) , والباقي من أصحابه , مثل ؛ حبيب بن مُظاهر ومُسلم بن عوسجة , ونافع بن هلال وأحزابهم.

ثمّ تسلّط على الشّيعة عُبيد الله بن زياد (لع) , فجعل يصلبهم على جذوع النّخل ، ويقتلهم ألوان القتل ، وهو الذي خرّب سناباد لمـّا رجم أهلها مَن كان مع رأس الحُسين (عليه‌السلام ) , فبقيت خراباً إلى يومنا هذا.

ثمّ تسلّط آل الزّبير على الحجاز والعراق , فقتلوا ؛ المـُختار بن أبي عُبيدة الثّقفي , والسّائب بن مالك وعبد الله بن كامل ونحوهم ، وكانوا قد حبسوا مُحمّد بن الحنفيّة ؛ يُريدون إحراقه ، ونفوا عبد الله بن العبّاس إلى الطّائف ومات بها.

ثمّ استولى عبد الملك بن مروان , وسلّط الحجاج على الحجازيين والعراقيين , فقتل ؛ سعيد بن جُبير بن اُمّ الطّويل , وميثم التّمار , وكُميل بن زياد , وقنبر عبد عليّ بن أبي طالب (عليه‌السلام ) , وأشباههم , حتّى محى آثار أهل البيت (عليهم‌السلام ) , وقُتل زيد بن عليّ بن الحُسين (عليه‌السلام ) على يد نصر بن خُزيمة الأسدي , وصلبه يوسف بن عمر بالكناسة ( اسم موضع الكوفة ) عرياناً , فكسى من بطنه جلدة سترت عورته , وبقي مصلوباً أربع سنوات , وكان لا يقدر أحد أن يندب عليه , وألقوا امرأة زيد بن عليّ على المزبلة , بعدما دُقّت بالضّرب حتّى ماتت.

ثمّ تبعه الوليد بن زيد , وأنفذ إلى يحيى , بن مُسلم بن جون في عشرة آلاف فارس , وليس مع يحيى - يومئذٍ - إلّا مئة وخمسون رجُلاً , فقُتلوا أجمعين وبقي يحيى يُقاتل حتّى قُتل يوم الجُمعة ، ثمّ صُلب واُحرق وذُرّي.

وهكذا فعل بأشياعهم والتّابعين لهم ، ولله درّ مَن قال :

أبيت كأن الدهر يهوي إلى الأسى

فأقداره طول الزمان به تسري

ففي كل يوم تنتحبني صروفه

وقد خانني صبري وضيّعني فكري

كأن الرزايا ظل آل محمّد

إذا مرّ قوم جاء قوم على الأثر

٧

فانظروا يا إخواني إلى حال مَن تبع بني اُميّة الأرجاس , إلى أن ظهرت الدّولة العبّاسية.

افتتح أبو مُسلم بقتل عبد الله بن الحسن بن الحسن بخراسان , ثمّ سلّ المنصور سيفه في آل عليّ (عليهم‌السلام ) , فقتلهم في كلّ ناحية , وقصدهم بالجيوش من كُلّ وجه , وحُمل عبد الله بن الحسن بن عليّ في أحد عشر رجُلاً , وهم ؛ عليّ بن الحسن بن عليّ ، والحسن بن جعفر بن الحسن بن الحسن بن عليّ , ونحوّهم من الحجاز إلى العراق فوق الأقتاب بالقيود والأغلال , وخلّدهم في سجنه معذّبين حتّى ماتوا كلّهم.

وخرج مُحمّد بن عبد الله , وقاتل حتّى قتله حميد بن قحطبة بن عيسى بن موسى ، وبنى جامع المنصور وجعل أساسه على السّادات من آل رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , ويُقال : إنّه دسّ في سوق الرّقة كثيراً منهم.

نُقل : إنّه لمـّا بنى المنصور الأبنية ببغداد , جعل يطلب العلويّين طلباً شديداً , وجعل مَن ظفر به منهم , بالإسطوانات المجوّفة المبنيّة من الجصّ والآجر , فظفر ذات يوم بغلام منهم حسن الوجه عليه شعر أسود من ولد الحسن بن عليّ بن أبي طالب , فسلّمه إلى البنّاء الذي كان يبني له , فأمر أن يجعله في جوف إسطوانة ويبني عليه , فوكّل به من ثقاته من يرعى ذلك حتّى يجعله في جوف إسطوانة بمشهده , فجعله البنّاء في جوف إسطوانة , فدخلته رقّة عليه ورحمة له , فترك في الإسطوانة فرجة يدخل منها الرّوح , وقال للغُلام : لا بأس عليك فاصبر , فإنّي سأخرجك من هذه الإسطوانة إذا جنّ الليل فلمّا جنّ الليل , جاء البنّاء في ظلمته وأخرج ذلك العلوي من جوف تلك الإسطوانة , وقال له : إتّق الله في دمي ودماء الفعلة الذين معي وغيّب شخصك , فإنّي إنّما أخرجتك في ظلمة هذا الليل من جوف هذه الإسطوانة ؛ إلاّ خفت إن تركتك في جوفها , يكون جدّك رسول الله خصمي يوم القيامة بين يدي الله عزّ وجلّ.

ثمّ أخذ شعره بألآت الجصّاصين ما أمكن , وقال له : غيّب شخصك وانج بنفسك ولا ترجع إلى اُمّك قال الغُلام : إن كان هكذا , فعرّف اُمّي إنّي قد نجوت وهربت ؛ لتطبب نفسها ويقلّ جزعها وبكاؤها , وإنّه لم يكن لعودي إليها وجه.

فهرب الغُلام ولا يدري إلى أين قصد من أرض الله تعالى , ولا أيّ بلد وقع , قال البنّاء : وكان الغُلام عرّفني مكان اُمّه وأعطاني شعره , فانتهيت إليها في الموضع الذي دلّني عليه , فسمعت دويّاً كدويّ النّحل من البكاء , فعلمت أنّها اُمّه , فدنوت منها

٨

وعرّفتها خبر ابنها , وأعطيتها شعره وانصرفت كذا في (عيون أخبار الرّضا)

فلمّا ولي الدّوانيقي قتل عبد الله بن مُحمّد بن عبد الله الحُسيني , بالسّند على يد هشام بن عمر التّغلبي , وخنق عبد الله بن الحسن في حبسه , وقتل ابنيه مُحمّداً وإبراهيم على يد عيسى بن موسى العبّاسي , وهزم إدريس بفخّ حتّى وقع على الأندلس فريداً.

وما مات الدّوانيقي , إلّا أن ملأ سجونه من أهل بيت النّبوة والرّسالة , واقتفيت هذه الآثار حتّى قُتل في أيّام المهدي ؛ الحُسين بن عليّ بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب (عليهم‌السلام ) ، وعبد الله بن إسحاق بن إبراهيم بن الحسن بن عليّ (عليهم‌السلام ) ، وعبد الله بن الحسن بن عليّ بن الحسن (عليهم‌السلام ) - المعروف بالأفطس - وكان مع القوم بفخّ.

وسمّ هارون الرّشيد موسى بن جعفر (عليهم‌السلام ) , وقتل يحيى بن زيد بالسّجن بالجوع والعطش , ويحيى بن الحسن , إلى تمام السّتمئة رجل من أولاد فاطمة (عليهم‌السلام ) , قُتلوا في مقام واحد.

وقتل المأمون مُحمّد بن إبراهيم بن إسماعيل بن الحسن بن الحسن بن عليّ (عليهم‌السلام ) , وكان قد خرج ومعه أبو السّرايا , عليّ بن هرثمة بن أعين ، وقتلوا من أصحاب زين العابدين (ع) مثل : خالد الكابُلي وسعيد بن جُبير ، ومن أصحاب الباقر (عليه‌السلام ) مثل : بشر الرّحال والكُميت بن زيد , ومن أصحاب الصّادق (عليه‌السلام ) مثل : المـُعلّى بن خُنيس ، وقتل المـُتوكل من أصحاب الرّضا (عليه‌السلام ) مثل : يعقوب بن السّكّيت - الأديب - وسبب قتله ؛ إنّه كان مُعلّماً للمُعين والمؤيد ابني المتوكل , إذ أقبل فقال له : يا يعقوب , أهُما أحبّ إليك أم الحسن والحُسين ؟ فقال : والله , إنّ قنبراً غلام عليّ خير منهما ومن أبيهما فقال المـُتوكل : سلّوا لسانه من قفاه فسلّوه فمات (رحمة الله عليه) , ومثل دعبل الخُزاعي.

وانتهت بالمـُتوكل العداوة لأهل البيت (عليهم‌السلام ) , إلى أن أمر بهجو عليّ وفاطمة وأولادها (عليهم‌السلام ) , فهجاهم ؛ ابن المـُعتز وابن الجهم , وابن سكرة وآل أبي حفصة , ونحوهم لعنهم الله جميعاً , وصار من أمر المتوكل إلى أن أمر بهدم البناء على قبر الحُسين (عليه‌السلام ) , وإحراق مقابر قُريش , وفي ذلك أنشد حيث قال :

قام الخليفة من بني العبّاس

بخلاف أمر إلهه في الناس

ضاها بهتك حريم آل محمّد

سفهاً فعال اُميّة الأرجاس

والله ما فعلت اُميّة فيهم

معشار ما فعلوا بنو العبّاس

٩

ما قتلهم عندي بأعظم مأتماً

من حرقهم من بعد في الأرماس

ثمّ جرى الظُلم على ذلك , إلى أن هدم سبكتكين مشهد الرّضا (عليه‌السلام ) , وأخرج أبوابه وأخرج منه وقر ألف جمل مالاً وثياباً , وقتل عدّة من الشّيعة.

قيل : وممّن دُفن حيّاً من الطّالبيين ؛ عبد العظيم الحسني بالرّي , ومُحمّد بن عبد الله بن الحُسين , ولم يبق في بيضة الإسلام بلدة إلاّ قُتل فيها طالبي أو شيعي , حتّى ترى الظَّلَمة يُسلّمون على مَن يعرفونه ؛ دهريّاً أو يهوديّاً أو نصرانيّاً ويقتلون مَن عرفوه شيعيّاً , ويسفكون دم مَن اسمه عليّ , ألا تسمعون ؛ بيحيى المـُحدّث , كيف قطعوا لسانه ويديه ورجليه , وضربوه ألف سوط ثمّ صلبوه ؟ وبعليّ بن يقطين كيف اتهموه ؟ وزرارة بن أعين كيف جبهوه ؟ وأبي تراب الرّموزي كيف حبسوه ؟ ومنصور بن الزّبرقان من قبره كيف نبشوه ؟

ولقد لعن بنو اُميّة عليّاً (عليه‌السلام ) ألف شهر في الجُمع والأعياد , وطافوا بأولاده في الأمصار والبلاد وليس فيها مُسلم ينكر ذلك , حتّى أنّ خطيباً من خُطبائهم بمصر , نسي اللعنة في الخطبة , فلمّا ذكرها , قضاها في الطّريق , فبني في ذلك الموضع مسجداً وسمّوه مسجد الذّكر يتبرّكون به.

ثمّ إنّهم لم يرضوا بذلك حتّى قالوا : مات أبو طالب كافراً ولا تزال تسمع بذلك , دون أن تسمع عن أبي أو عن أو عن.. شيئاً من ذلك.

فيا عجباه , بقيت آثار كسرى إلى الآن وآثار رسول الله دارسة وأعلامه طامسة ! استولوا على ماله بعده وخرّبوا بيته , وأضرموا ناراً على أهل العبا , وحرّفوا كتاب الله , وغيرّوا السّنن وأبدعوا في الدّين , وخذلوا الأوصياء وقتلوا العترة ، وسبوا نساء النّبي وذرّيّته , وذبحوا أطفاله وصبيته , وداروا برؤوسهم في البُلدان من فوق عالي السّنان , فهذه رزيّة لم تُماثلها رزيّة , وبليّة عظمت على كُلّ بليّة ، ولله درّ مَن قال - وهو على ما نُقل : أوّل شعر قيل في الحُسين (عليه‌السلام ) - :

إذا العين قرت في الحياة وأنتم

تخافون في الدنيا فأظلم نورها

مررت على قبر الحُسين بكربلا

ففاض عليه من دموعي غزيرها

فما زلت أبكيه وأرثي لشجوه

ويسعد عيني دمها وزفيرها

وأبكيت من بعد الحُسين عصائباً

أطافت به من جانبيه قبورها

سلام على أهل القبور بكربلا

وقُل لها مني سلام يزورها

سلام بآصال العشي وبالضحى

تؤدّيه نكبات الرياح ومورها

١٠

ولا يبرح الوفاد زوار قبره

يفوح عليهم مسكها وعبيرها

وممّا يحسن في هذا الباب , ذكرُ مَن قتله الرّشيد من أولاد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , بعد قتله لموسى بن جعفر (عليه‌السلام ) بالسّم في ليلة واحدة , سوى مَن قُتل منهم في الليالي والأيّام :

روي عن عبد الله البزاز النّيسابوري , قال : كان بيني وبين حميد بن قحطبة الطّائي معاملة , فدخلت في بعض الأيّام فبلغه قدومي , فاستحضرني للوقت وعليّ ثياب السّفر لم أغيّرها , وذلك في شهر رمضان وقت صلاة الظّهر , فلمّا دخلت عليه , رأيته في بيت يجري فيه الماء , فسلّمت عليه وجلست , فأتى بطشت وإبريق فغسّل يده وأمرني فغسلت يدي , واُحضرت المائدة وذهب عنّي , فقلت : إنّي صائم وإنّي في شهر رمضان ثمّ ذكرت فأمسكت يدي , فقال حميد : مالك لا تأكل ؟ فقلت : أيّها الأمير , هذا شهر رمضان ولست بمريض ولا بي علّة توجب الإفطار , وإنّي لصحيح البدن ثمّ دمعت عيناه وبكى , فقلت له - بعدما فرغ من طعامه - : ما يبكيك أيّها الأمير ؟ فقال : أنفذ إليّ هارون الرّشيد وقت كونه بطوس في بعض الليل أن أجب الأمير ، فلمّا دخلت عليه , رأيت بين يديه خادماً واقفاً , فلمّا قمت بين يديه , أذِن لي بالانصراف , فلم ألبث في منزلي حتّى عاد إليّ الرّسول وقال : أجب الأمير فقلت في نفسي : إنّا لله وإنّا إليه راجعون وأخاف على نفسي أن يكون قد عزم على قتلي , وإنّه لمّا رآني , استحى منّي فعدت إلى بين يديه , فرفع رأسه وقال : كيف طاعتك لأمير المؤمنين ؟ قلت بالنّفس والمال والأهل والولد فتبسّم ضاحكاً ، ثمّ قال : أذنت لك بالإنصراف فلمّا دخلت منزلي , لم ألبث أن عاد إليّ الرّسول , فقال : أجب أمير المؤمنين فحضرت بين يديه وهو على حاله , فرفع رأسه وقال : كيف طاعتك لأمير المؤمنين ؟ فقلت : بالنّفس والمال والأهل والولد والدّين فضحك ثمّ قال : خُذ هذا السّيف , وامتثل ما يأمرك به هذا الخادم.

قال : فتناول الخادم السّيف وناولنيه , وجاء إلى بيت بابه مُغلق ففتحه , فإذا فيه بئر في وسطه , وثلاث بيوت أبوابها مُغلقة , ففتح باب بيت منها , فإذا فيه عشرون نفساً عليهم الشّعور والذّوائب , شيوخ وكهول وشبّان مقيّدون , فقال لي : إنّ أمير المؤمنين يأمرك بقتل هؤلاء - وكانوا كلّهم علويين من ولد عليّ وفاطمة (عليهم‌السلام ) - فجعل يخرج إليّ واحداً بعد واحد

١١

فاضرب عُنقه , حتّى أتيت على آخرهم , فرمى بأجسامهم ورؤوسهم في البئر.

ثمّ فتح باب آخر , فإذا فيه أيضاً عشرون نفساً من العلويين من ولد عليّ وفاطمة مقيّدون , فقال لي : إنّ أمير المؤمنين يأمرك بقتل هؤلاء فجعل يخرج إليّ واحداً بعد واحد , فاضرب عُنقه ويرمي به في تلك البئر , حتّى اتيت على أخرهم.

ثمّ فتح باب البيت الثّالث , فإذا فيه مثلهم عشرون نفساً من ولد عليّ وفاطمة مقيّدون , عليهم الشّعور والدّوائب , فقال لي : إنّ أمير المؤمنين يأمرك بقتل هؤلاء أيضاً أتيت على تسعة عشر نفساً منهم , وبقي شيخ منهم عليه شعر , فقال لي : تبّاً لك يا ميشوم , أيّ عذر لك يوم القيامة إذا قدمت على جدّنا رسول الله , وقد قتلت من أولاده ستّين نفساً من ولد عليّ وفاطمة (عليها‌السلام ) ؟! ثمّ قال : فارتعشت يدي وارتعدت فرائصي , فنظر إليّ الخادم فزجرني , فاتيت على ذلك الشّيخ أيضاً فقتلته ورميت به في تلك البئر , فإذا كان فعلي هذا وقد قتلت ستّين نفساً من ولد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , فما ينفعني صومي ولا صلاتي , وأنا لا أشكّ إنّي مُخلد في النّار كذا في (عيون أخبار الرّضا).

فيا إخواني , أيّ قلب يستر بعد قتلهم ؟! وأيّ فؤاد يفرح بعد فقدهم ؟! أم أيّة عين تحبس دمعها وتبخل بأنّهما لها ودفعها ؟! كيف وقد بكت لهم ؛ السّبع الشّداد والجبال والأوتاد , والأرض بأرجائها والأشجار بأغصانها , والحيتان في لجج البحار , ومَن في جميع الأمصار والأقطار , والملائكة المقرّبون وأهل السّماوات أجمعين , وكيف لا , وقد أصبح أهل البيت ؛ مطرّدين مشرّدين مذوّدين عن الدّيار , والأوطان والأهل والولدان.

فيا إخواني , اجتهدوا في النّياحة والعويل , وتساعدوا على إقامة هذا المصاب الجليل , والبسوا لباس الأحزان , وتخلّقوا بجلباب الأشجان , وخاطبوا السّلوة خطاب الهجر متمثّلين بقول مَن قال : أيا سلوة الأيّام موعدك الحشر.

فعلى الأطائب من أهل بيت الرّسول فليبك الباكون , وإيّاهم فليندب النّادبون , أو لا تكونون كبعض مادحيهم حيث عرته الأحزان والأشجان , فنظم وقال فيهم.

القصيدة للشيخ الخليعي (رحمه‌الله )

لم أبك ربعاً للأحبّة قد خلا

وعفا وغيره الجديد وامحلا

كلا ولا كلفت صحبي وقفة

في الدار إن لم أشف صباً عللا

١٢

ومطارح النادي وغزلان النقا

والجزع لم أحفل بها متغزلا

وبواكر الأضعان أسكب لها

دمعاً ولا خل نأى وترحلا

لكن بكيت لفاطم ولمنعها

(فدكاً) وقد أتت الخؤون الأولا

إذ طالبته بإرثها فروى لها

خبراً ينافي المحكم المتنزلا

لهفي لها وجفونها فرحى وقد

حملت من الأحزان عبئاً مثقلا

وقد اعتدت منفية وحميها

متطيراً ببكائها متثقلا

تخفي تفجعها وتخفض صوتها

وتظل نادبة أباها المرسلا

تبكي على تكدير دهر ما صفا

من بعده وقرير عيش ما حلا

لم أنسها إذ أقبلت في نسوة

من قومها تروي مدامعها الملا

وتنفست صعداً ونادت أيها

الأنصار يا أهل الحماية والكلا

أخذ الإله لك العهود على الورى

في الذر لما أن يرى وبك ابتلى

في يوم قال لهم : ألست بربكم

وعلي مولاكم معاً قالوا : بلى

قسماً بوردي من حياض معارفي

وبشربتي العذب الرحيق السلسلا

ومن استجارك من نبي مرسلا

ودعى بحقك ضارعاً متوسلا

لو قلت إنك رب كل فضيلة

ما كنت فيما قلته متنحلا

أو بحت بالخطر الذي أعطاك رب

العرش كادوني وقالوا قد غلا

فإليك من تقصير عبدك عذره

فكثير ما أبكي أراه مقللا

بل كيف يبلغ كنه وصفك قائل

وأبيه في علياك أبلغ مقولا

ونفائس القرآن فيك تنزّلت

وبك اغتدى متحلياً متجملا

فاستحلها بكراً فأنت مليكها

وعلى سواك تجل من أن يجتلى

ولئن بقيت لأنظمن قلائداً

ينسى ترصعها النظام الأولا

شهد الإله بأني متبرئ

من حبتر ومن الدلام ونعثلا

وبراءة الخلعي من عصب الخنا

تبنى على أن البرا أصل الولا

الباب الثّاني

أيّها الإخوان , الطّريق واضح والحقّ بيّن لائح , لا يضلّ عنه إلّا مَن دان الله على قلبه , وطبع على عقله ولبّه.

علم النّبي فيما اُوحي إليه , أنّ أصحابه من بعده

١٣

يبتزّون نحلة ابنته ويشجعون ببلغة ذرّيّته , قال : (( فاطمة بضعة منّي , مَن آذاها فقد آذاني )) فلم يسمعوا , وقال: (( فاطمة يغضب الله لغضبها )) فلم يرتدعوا ، ثمّ علم أنّ آله يُشرّدون عن الأوطان , ويُقتلون في كلّ مكان ، فقال - بعدما ورد في حقّهم من القُرآن - : (( مَن أحبّ أن ينسى له في أجله , وأن يُمتّعه الله بما خوّله الله؟ فليخلفني في أهلي خلافة حسنة , فمَن لم يخلفني فيهم , بتر الله عمره , وورد عليّ يوم القيامة مسودّاً وجهه )) فلم يرجعوا.

فصبروا (عليهم‌السلام ) على مضض الأحزان , واحتسبوا ذلك في جنب الرّحمن , وكان القادر على هلاكهم ذو الجلال على استئصالهم في الحال دون المآل , إلّا أنّ الحكم من الحكيم اقتضت تأخيرهم من العذاب الأليم ؛ رجاء أن يخرج من أصلابهم قوم , يعبدون الله ويسبّحونه ويهلّلونه ويقدّسونه.

قيل : لـمـّا بلغ فاطمة (عليها‌السلام ) إصرار أبي بكر على منعها فدكاً والعوالي , قامت ولاثت خمارها واشتملت بإزارها , وأقبلت في لـمـّة من حفدتها ونسائها تطأ في أذيالها من شدّة الحياء , حتّى دخلت على أبي بكر وهو في مسجد أبيها وحوله جمع من المهاجرين والأنصار , فأمرت أن يُضرب بينها وبينهم ستر ، ثمّ إنّها أنّت أنّة أجهش القوم بالبكاء والنّحيب ؛ رحمة لها ، ثمّ أمهلت حتّى سكنوا من فورتهم , فقالت : (( يا معشر الـمـُسلمين , كيف ابتزّ إرث أبي وأنتم الآن تزعمون إنّه إرث لي :( أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) (١) ؟! فكيف اُحرم ميراث أبي وأنت ( تعني أبا بكر ) ترث أباك :( لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا ) (٢) ؟! )) فقال لها : ما أرّثك أبوك شيئاً , وإنّه قال : إنّ الأنبياء لا يورّثون شيئاً فقالت : (( لهذا يُخالف ما أنزل في كتابه العزيز , حيث يقول :( يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ ) (٣) .

ولم يجعل ذلك خاصّاً بالاُمّة دونه , وكيف تروي عن أبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أنّه قال : نحن معاشر الأنبياء لا نورّث , وقد قال تعالى :( وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ ) (٤) وقال تعالى عن زكريا , قَالَ رَبّ :( فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ) (٥) ؟! )).

فلمّا ألحّت عليه بالجدال , قال : هاتي أسود وأبيض يشهدا لك بذلك فقام إليه رجل من المؤمنين وقال له : مَن شهد لعلي ببيعته يوم الغدير من ذلك , الجم الغفير حتّى يشهد لفاطمة بفدك والعوالي ؟ فجاءت اُمّ أيمن وشهدت لها بذلك , قال : هذه امرأة لا يُقبل قولها مع أنّ جميع الصّحابة رووا أنّ رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قال : (( إنّ اُمّ أيمن من أهل الجنّة )) ثمّ جاء عليّ

____________________

(١) سورة المائدة / ٥٠

(٢) سورة مريم / ٢٧.

(٣) سورة النّساء / ١١.

(٤) سورة النّمل / ١٦.

(٥) سورة مريم / ٥ - ٦.

١٤

(عليه‌السلام ) وشهد لها بذلك , فقال : هذا بعلك يجرّ النّفع إلى نفسه ولا نحكم بشهادته لك مع أنّهم رووا جميعاً , إنّ رسول الله قال : (( عليّ مع الحقّ والحقّ مع عليّ , يدور حيث ما دار , لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض )).

قال : فعند ذلك غضبت فاطمة (عليها‌السلام ) وانصرفت , وحلفت أن لا تكلّمه وصاحبه , حتّى تلقى أباها وتشكو إليه ما نالها منهما.

وروي من كرامتها (عليها‌السلام ) وعظمتها عند الله.

لـمّا مُنعت حقّها , اخذت بعضادتي حجرة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , وقالت : (( ليست ناقة صالح عند الله بأعظم منّي )) ثمّ رفعت جنب قناعها إلى السّماء وهمّت أن تدعو , فارتفعت جدران المسجد عن الأرض وتَدلّ العذاب , فجاء أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) فمسك يدها الشّريفة وقال : (( يا بنت الصّفوة وبقيّة النّبوة وشمس الرّسالة ومعدن الرّحمة, إنّ أباك رحمة للعالمين , فلا تكوني عليهم نقمة , أقسمت عليك بالرّؤوف الرّحيم أن ترجعي )) فعادت إلى مصلاها (عليها‌السلام ) , ولله درّ مَن قال :

دكدك القوم مسجدك

منعوا فاطماً فدك

فعلى القوم لعنة

كلما حرك الفلك

١٥

١٦

١٧

١٨

١٩

٢٠