المنتخب للطريحي المنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري) الجزء ٢

المنتخب للطريحي المنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري)0%

المنتخب للطريحي المنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري) مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 272

المنتخب للطريحي المنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري)

مؤلف: الإمام الكبير والـمُصنّف الشّهير الشّيخ فخر الدّين الطريحي النّجفي
تصنيف:

الصفحات: 272
المشاهدات: 27783
تحميل: 2472


توضيحات:

الـمُنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري) الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 272 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 27783 / تحميل: 2472
الحجم الحجم الحجم
المنتخب للطريحي المنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري)

المنتخب للطريحي المنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري) الجزء 2

مؤلف:
العربية

من دمائهم. وأمّا أنا فإنّي رقدت الآن , فرأيت في منامي كلاباً كثيرة تريد تنهش من لحمي وتشرب من دمي , وكان فيهم كلب أبقع وكان أشدّهم عليّ جرأة وأكثرهم عليّ حنقاً , وهو أنت يا شمر )). - وكان الشّمر لعنه الله أبقع الجسد - قال: فغضب الشّمر من كلام الحُسين وازداد حنقاً وبغضاً، وقال: والله لا يقتلك غيري, ولأذبحنّك من قفاك؛ ليكون ذلك أشدّ بك :

ليبك على الإسلام من كان باكياً

فقد هدمت أركانه ومعالمه

وقد ذهب الإسلام إلّا بقية

قليل من الدُنيا الذي هو لازمه

فيا لهفاه على مصاب الإسلام بعصابة جعلهم الله تعالى رحمة للأنام , بهم تتحصّل الخيرات وتكتسب الفضائل والكمالات ، فيا خيبة من ناوأهم ويا خسران من أبغضهم وعاداهم !

روي عن بعض الثُقاة : أنّ عبد الله بن عمر لـمّا بلغه أنّ الحُسين (عليه‌السلام ) متوجه إلى العراق , جاء إليه وأشار عليه بالطّاعة والانقياد لابن زياد وحذّره من مشاقّة أهل العناد ، فقال له الحُسين (عليه‌السلام ) : (( يا عبد الله , إنّ من هوان هذه الدُنيا على الله , أنّ رأس يحيى بن زكريا (عليه‌السلام ) اُهدي إلى بغي من بغايا بني إسرائيل , فامتلأ به سروراً ولم يعجّل الله عليهم بالانتقام , وعاشوا في الدُنيا مغتبطين. ألم تعلم يا عبد الله , أنّ بني إسرائيل كانوا يقتلون ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشّمس سبعين نبيّاً ، ثمّ يجلسون في أسواقهم يبيعون ويشترون كأنّهم لم يفعلوا شيئاً , ولم يعجّل الله عليهم بانتقام , بل أخذهم الله أخذ عزيز مقتدر ؟ )).

ثمّ قال (( يا عبد الله , اتق الله ولا تدعن نصرتي ولا تركنن إلى الدُنيا ؛ لأنّها دار لا يدوم فيها نعيم ولا يبقى أحد من شرّها سليم , متواترة محنها متكاثرة فتنها , أعظم النّاس فيها بلاء الأنبياء ، ثمّ الأئمة الاُمناء ثمّ المؤمنون ثمّ الأمثل بالأمثل )).

قال (عليه‌السلام ) : (( يا عبد الله , قد خُطّ الموت على ولد آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة , وما أولهني إلى لقاء أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف , وخير مصرع أنا لاقيه , كأنّي بأوصالي تقطّعها عسلان الفلوات بين النّواويس وكربلاء , فيملأنّ منّي أكراشاً جوفاً وأجوفة سغباً , لا محيص يوم خطّ بالقلم , رضا الله رضانا أهل البيت , نصبر على بلائه ليوافينا أجور الصّابرين , لن تشذّ عن رسول الله لحمته , هي مجموعة لنا في حظيرة القدس , تقربهم عينه وينجز لهم وعده , فمَن كان باذلاً فينا مهجته وموطّناً على لقاء الله نفسه ؟

١٦١

فليرحل معي , فإنّي راحل مصبحاً إن شاء الله تعالى )).

ثمّ لقيه أبو هريرة الأسدي , فقال له : يابن رسول الله , ما الذي أخرّك من حرم جدّك مُحمّد الـمُصطفى ؟ فقال : (( يا أبا هريرة , إنّ بني اُميّة أخذوا مالي فصبرت , وشتموا عرضي فحملت , وطلبوا دمي فهربت عن حرم جدّي )). وكان يزيد أنفذ عمر بن العاص في جيش عظيم وولاه أمر الحاج , وأوصاه أن يقبض على الحُسين سرّاً ويقتله غيلة , ألا لعنة الله على القوم الظّالمين.

قال : ثمّ جاء إليه عبد الرّحمن بن الحرث , وأشار عليه بترك ما يجزم عليه من المسير إلى الكوفة وبالغ معه , وذكّره ما فعله أهل الكوفة بأبيه وأخيه من قبله , وحذّره منهم غاية الحذر , فشكر له الحُسين (عليه‌السلام ) ، وقال : (( لقد اجتهدت برأيك هذا ولكن مهما يقض الله يكن , وأيم الله , لتقتضي(١) الفئة الباغية , وليسلبنّهم الله بعد قتلي ذلاً شاملاً وسيفاً قاطعاً في رقابهم ، ثمّ يسلّط الله عليهم من يذلّهم حتّى يكونوا أذلّ من قوم سبأ , إذ ملكتهم امرأة فحكمت في أموالهم وأولادهم ودمائهم , وكذلك اُميّة )) :

إن كان منزل دمعي لا أنيس له

فإن رسم الكرى عن مقلتي درسا

ما زلت أجحد ما القى وادفعه

فاستشهد العاذلون الدمع والنفسا

روي عن الصّادق (عليه‌السلام ) , أنّه قال : (( دخل جابر الأنصاري إلى أبي في مدينة الرّسول , فقال له : يا جابر , بحقّ جدّي رسول الله , ألا أخبرتني عن اللوح , أرأيته عند اُمّي فاطمة الزّهراء ؟ فقال جابر (ره) : أشهد بالله العظيم ورسوله النّبي الكريم , لقد أتيت إلى فاطمة الزّهراء في بعض الأيّام ؛ لأهنئها بولدها الحُسين (عليه‌السلام ) بعدما وضعته بستة أيّام , فإذا هي جالسة وبيدها لوح أخضر من زبرجدة خضراء , وفيه كتابة أنوار الشّمس , وله رائحة أطيب من المسك , فقلت لها : ما هذا اللوح يا بنت رسول الله ؟ فقالت : هذا اللوح أهداه الله إلى أبي رسول الله , فيه اسم مُحمّد الـمُصطفى واسم عليّ الـمُرتضى واسم ولدي الحسن والحُسين ، وأسماء الأئمة الباقين من ولدي. فسألتها أن تدفعه إلي ؛ لأنظرّ ما فيه , فدفعته إلي , فسررت به سروراً عظيماً ، فقلت لها : يا ستّ النّساء , هل تأذنين لي أن اكتب نسخته ؟ فقالت : افعل. فأخذته ونسخته عندي , فقال له الباقر (عليه‌السلام ) : هل لك أن تريني

____________________

(١) هكذا ورد في هذا الكتاب , ولكن ورد في مثير الأحزان /٣٣ , ولواعج الأشجان /٨٤ : لتقتلني. (مؤسسة الإمامين الحسنين).

١٦٢

النّسخة بعينها الآن ؟ فمضى جابر إلى منزله فأتى بصحيفة من كاغذ , مكتوب فيها : بسم الله الرّحمن الرّحيم , هذا كتاب من العليم أنزله الرّوح الأمين على خاتم النّبيين أجمعين ، أمّا بعد , يا مُحمّد , عظّم أسمائي واشكر نعمائي , ولا تجحد آلائي ولا ترج سوائي ولا تخشى غيري , فمَن يرجو ويخشى غيري , أعذّبه عذاباً لا أعذّب به أحداً من العالمين. يا مُحمّد , إنّي اصطفيتك على سائر الأنبياء , وفضلّت وصيّك عليّاً على سائر الأوصياء , وجعلت ولدك الحسن عيبة علمي بعد انقضاء مدّة أبيه , وجعلت الحُسين خير أولاد الأوّلين والآخرين ومن نسله الأئمة المعصومين , وعليه تشبّ فتنة صمّاء , فالويل كلّ الويل لِمَن حاربه وغصبه حقّه ! ومنه يعقب زين العابدين , وبعده مُحمّد الباقر لعلمي والدّاعي إلى سبيلي على منهاج الحقّ , ومن بعده جعفر الصّادق القول والعمل , ومن بعده الإمام المطهّر موسى بن جعفر , ومن بعده عليّ بن موسى الرّضا , يقتله كافر عنيد ذو بأس شديد , ومن بعده مُحمّد الجواد يُقتل مسموماً , ومن بعده عليّ الهادي يُقتل بالسّم , ومن بعده الحسن العسكري يُقتل بالسّم , ومن بعده القائم المهدي , وهو الذي يقيم اعوجاج الدّين ويأخذ ثأر الأئمة الطّاهرين صلوات الله عليهم أجمعين , وهو رحمة للعالمين وسوط عذاب على الظّالمين , وسألقي عليه كمال موسى وبهاء عيسى وصبر أيّوب , فتذلّ أوليائي قبل ظهوره وتهادى رؤوسهم كما تتهادى رؤوس التّرك والدّيلم , فيظهر حجّتي فيهم , فيُقتلون ويُحرقون وتُصبغ الأرض من دمائهم , ويفشوا الويل والرّنّة في نسائهم , أولئك أوليائي حقّاً , بهم أدفع كلّ فتنة عمياء حندسية , وبهم أكشف الزّلازل وأرفع الأسلال(١) والأغلال :( أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ ) (٢) )).

فقال بعض أصحاب الصّادق (عليه‌السلام ) : يا مولانا , لو لم نسمع في دهرنا إلّا فضل هذا الحديث , لكفانا فضله. وقال (عليه‌السلام )(٣) : (( ولكن فصنه إلاّ عن أهله )).

فانظروا أيّها الإخوان الأبرار إلى ما فعل بالأئمة الأطهار , الأشقياء الكفرة الفجّار , فيا ويلهم ماذا يجيبون عند بكاء الرّسول لمصاب ذرّيّة البتول , وبكاء إبراهيم خليل الرّحمن وغضب لغضبهما الملك الدّيان ! :( هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاَهُمْ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ) (٤) .

فعلى الأطائب من أهل الرّسول فليبك الباكون وأيّاهم فليندب النّادبون , ولمثلهم تذرف الدّموع من العيون , أو لا

____________________

(١) الموجود في الكافي : ١/ ٥٢٨ : وأدفع الآصار. (مؤسسة الإمامين الحسنين).

(٢) سورة البقرة / ١٥٧.

(٣) ولكن الوارد في المصادر المعتبرة كالكافي ٢/٥٢٨ , وغيره : قال أبو بصير : لو لم تسمع في دهرك ، إلا هذا الحديث لكفاك ، فصنه إلا عن أهله. (معهد الإمامين الحسنين).

(٤) سورة يونس / ٣٠.

١٦٣

تكونون كبعض مادحيهم حيث عرته الأحزان والأشجان , فنظم وقال فيهم :

القصيدة للشيخ محمود بن طريح النّجفي (رحمه‌الله )

هجوعي وتلذاذي عليّ محرم

إذا هل في دور الشهور المحرم

أجدد حزناً لا يزال مجدداً

ولي مدمع هام همول مسجم

وأبكي على الأطهار من آل هاشم

وما ظفرت أيدي أولي البغي منهم

هم العروة الوثقى هم المعدن التقى

هم الشرف السامي نور الهدى هم

هم العترة الداعي إلى الرشد حبهم

ينبئنا فيه الكتاب المعظم

بهم نطقت مدحاً من الله (هل أتى)

(وطه) (ويس) (وعم) (ومريم)

وجدهم الهادي النّبي وأمهم

بتول ومولانا عليّ أبوهم

يعز على المختار والطهر حيدر

وفاطمة بالطف رزء معظم

وقد سار بالرهط الحُسين بن فاطمة

لكتب من الطاغين بالخدع تقدم

إلى أن أتى أرض الطفوف بأهله

فلم ينبعث مهر ولم يجر منسم

فقال فما هذي البقاع التي بها

وقفن تسمى (كربلاء) قال خيموا

فقال تسمى نينوى نينوى قال أوضحوا

فقالوا تسمى (كربلاء) قال خيموا

نعم هذه والله أخبر جدنا

بأن بها تسبى نسانا وتظلم

وفي هذه الآذان تهوي إلى الثرى

وفي هذه الأطفال بالرغم تيتم

وفي هذه تبدوا البنات حواسراً

وتوجع ضرباً بالسياط وتشتم

وفي هذه النسوان يبرزن هتكاً

بغير شعور والسعور ترنم

وتخرم أقراط وتدمي أساور

وتسلب خمر والخلاخل تقصم

وتستعطف النسوان آل أمية

فلم تر من يحنو عليها ويرحم

وسار ابن سعد واللعين ابن خولة

وشمر وطم الأرض جيش عرمرم

فلما أحاطوا بالحسين تناوبوا

وأكيفهم ليل من الكفر مظلم

وأقبلت الأعداء من كل جانب

على الظلم واشتاقت إليهم جهنم

وصال امامي بالطغاة مجادلاً

كما صال بالأغنام ليث غشمشم

وجالدهم بالبيض ضرباً وبالقنا

طعاناً وروى الأرض بالدم منهم

إلى أن فنوا أصحابه ورجاله

وأضحى فريداً ألفه الترب والدم

١٦٤

فنادى ألا هل ناصراً ومجاهداً

يجاهد عن آل النّبي ويغنم

فلم يلق إلّا سمهرياً يجيبه

وإلّا يمانياً به الموت يعلم

وداروا عليه بالقسي فأرسلت

لجثمانه نبل فرادى وتوأم

فأصدفه سهم الردى متشعباً

ثلاثاً تلقاها الوريد المكرم

فجد له الأرض ملقى على الثرى

طريحاً له الذراري شراب ومطعم

فقام إليه الشمر يسعى وقد جثى

على صدره والشمر رجس مزنم

وأقبل مهر السبط نحو خيامه

يحمحم عرياناً وينعي ويلطم

فلما رأين الطاهرات خرجن في

أذل السبا كل إليه تقدم

وبادرن نحو السبط وهو مرمل

يكلمنه شجواً ولا يتكلم

رأت زينب صدر الحُسين مرضضاً

فصاحت ونار الحزن في القلب تضرم

وصكت من الضرب المبرح وجهها

ولم تر صبراً من جوى الثكل يعصم

تقول أخي قد كنت نوراً لشملنا

فيا سورنا لم أنت فينا مهدم

أخي يا أخي قد كنت كنزاً لفقرنا

فها أنت في أيدي العدى تتقسم

أخي يا أخي قد كنت كهفاً لعزنا

الم ترنا بالذل نسبى ونشتم

أخي زود الأطفال وعداً وأوبة

فليس سوى الباري وإياك يرحم

أخي زود الولهى سكينة نظرة

فمهجتها حرى وعبرتها دم

أخي تهتوي التقبيل منك سكينة

وشمر لها بالسوط ضرباً يؤلم

أخي فاطم الصغرى تحب التفاتة

وحقك هذا قلبها فيك مغرم

أخي بنتك الأخرى رقية ضمها

إليك فأحشاها من الوجد تضرم

تقولا هلمي يا سكينة نرتمي

على والدي دعنا من الموت نسلم

وإلّا فقومي ودعيه فإنه

يروم إرتحالاً بعده ليس يقدم

ولم أنس وجداً أم كلثوم تشتكي

إلى جدها يا جد لو كنت تعلم

أيا جد هل تنظر حسيناً مرملاً

لأضلعه خيل العدة تحطم

وهل تنظر السجاد بالقيد موثقاً

يضربه التكبيل سحباً ويشتم

أيا جدنا هذي بناتك حسراً

أسارى قرط ابن بنتك تقسم

أيا جدنا ساقوا علياً مكبلاً

لينظره الطاغي يزيد المزنم

١٦٥

أيا جدنا رأس الحُسين يقله

سنان سناه بالقناة محكم

فيا لك مقتولا أصيب بقتله

ملائكة الرحمن والجن معهم

ويا لك من رزء عظيم إذا به

تقاس الرزايا كلها فهو أعظم

ويا لك من يوم مهول تزلزلت

له الأرض والأطيار بالجو حوم

ويا لك من حزن كأن مذاقه

على شيعة المختار صاب وعلقم

أتسبى كريمات الحُسين على الضنا

ويكنف نسوان العلوج المخيم

أل لعن الرحمن آل أمية

وأشياخهم مع من تناسل منهم

وأشياعهم والتابعين لقولهم

ومن لهم بالقلب يهوى ويرحم

فيا عترة الهادي خذوها بمدحكم

مدبجة كالدر حين ينظم

على كل بيت للمديح يتيمة

بأسماع من يهواكم تتقسم

تزف إليكمم كل عشر محرم

يتوق إليها الشاعر المترنم

مديحاً لمحمود العزيزي عبدكم

له باعاديكم من اللعن أسهم

موالي مواليكم معادي عدوكم

مودته في حبكم لا تكتم

ويرجي بها يوم القيامة شربة

من الحوض يا أهل الشفاعة منكم

خذوا لي وآبائي وأمي ووالدي

أماناً من أذى النّار وأرحم

ورهطي وإخواني وقارئن مدحتي

ومستمعيها واعطفوا وترحم

وفي الخلد نرجو تدخلونا بجاهكم

فليس لنا إلّا النّبي وأنتم

صلاة وتسليم مساء وبكرة

من الله عد الذر تترى عليكم

١٦٦

المجلس الثّامن

من الجزء الثّاني ، في التّاسع من عشر الـمُحرّم

وفيه أبواب ثلاثة

الباب الأوّل

أيّها الإخوان , اكثروا رحمكم الله النّوح والأشجان , واظهروا شعائر الأحزان على سادات الزّمان , واُولي الكرم والفضل والإحسان خصوصاً في شهر عاشوراء ، وإن كان حزنهم خليقاً في كلّ الشّهور.

وكيف لا نبكي على مصاب من لا يحصل لنا من النّار الخلاص إلّا إذا قمنا في محبّتهم بالإخلاص ؟ وما لنا لا نعادي أعداء قوم محبّهم يحبّهم الجبّار ومبغضهم يورده موارد أهل النّار ؟ ففي الخبر عن سيّد البشر , أنّه قال ذات يوم لبعض أصحابه : (( يا عبد الله , احبب في الله وابغض في الله ووال في الله وعاد في الله ، فإنّه لا تنال ولاية الله إلّا بذلك , ولا يجد رجل طعم الإيمان وإن كثرت صلاته وصيامه , حتّى يكون ذلك كذلك )). فقال له : يا رسول الله , وكيف لي أن اعلم أنّي قد واليت في الله وعاديت في الله ، ومَن ولي الله عزّ وجلّ حتّى أواليه ، ومَن عدوه حتّى أعاديه ؟ فأشار رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) إلى عليّ (عليه‌السلام ) ، فقال : (( أترى هذا ؟ )). قال : بلى. قال : (( وليّ هذا وليّ الله ، وعدو هذا عدو الله ، فوال وليّ هذا لو أنّه أبوك , وعاد عدوه لو أنّه أبوك )) :

إذا كنت تهوى القوم فاسلك طريقهم

فما وصلوا إلّا بعد العلائق

وما نقل الهندي وهو حديدة

على الكتف إلّا بعد دق المطارق

فيا هذا : أيلام من شقّ الجيوب ، جيوب القلوب لا جيوب الثّياب , أو يعنّف مَن أجرى الدّماء لا الدّموع على هذا المصاب ؟ كلا , حاشا لله حقّهم لا

١٦٧

يقضي وشكرهم لا يؤدي ، لكن من بذل الاجتهاد كان جديراً أن يحصل المراد.

روي عن أبي حمزة الثّمالي , قال : أتيت إلى سيّدي ومولاي عليّ بن الحُسين (عليه‌السلام ) وهو في داره في مدينة الرّسول , فاستأذنت عليه بالدّخول , فاذن لي , فدخلت عليه فوجدته جالساً , وإذا على فخذه صبي صغير وهو مشغوف به ، وهو يقبّله ويحنو عليه ، فقام الصّبي يمشي فعثر فوقع على عتبة الباب , فانشجّ رأسه , فوثب إليه مهرولاً وقد أحزنه ذلك , فجعل ينشّف دمه بخرقة وهو يقول له : (( يا بني , أعيذك بالله أن تكون المصلوب في الكناس )). فقلت له : يا مولاي فداك أبي واُمّي وأيّ كناس ؟ فقال : (( يُصلب ابني هذا في موضع يُقال له الكناس من أعمال الكوفة )). فقلت : يا مولاي أو يكون ذلك ؟ قال : (( والله سيكون ذلك , والذي بعث مُحمّداً بالحقّ نبيّاً , لئن عشت بعدي لترين هذا الغلام في ناحية من نواحي الكوفة وهو مقتول مسحوب ، ثمّ يُدفن ويُنبش ويُصلب في الكناسة ، ثمّ يُنزل بعد زمان طويل فيُحرق ويُذرى في الهوى )). فقلت : جعلت فداك ! وما اسم هذا الغلام ؟ قال : (( هذا ابني زيد )). وهو مع ذلك يحدّثني ويبكي ، ثمّ قال لي : (( أتحبّ أن أحدّثك بحديث ابني هذا ؟ )). قلت : بلى.

قال : (( بينما أنا ليلة ساجداً في محرابي , إذ ذهب بي النّوم فرأيت كأنّي إلى الجنّة , وكأنّ رسول الله وعليّاً والحسن والحُسين وقد زوجوني بحورية من حور العين , فواقعتها واغتسلت عند سدرة الـمُنتهى , وإذا أنا بهاتف يقول : أتحبّ أن أبشّرك بولد اسمه زيد ؟ فاستيقظت من نومي وقمت وصلّيت صلاة الفجر , وإذا أنا بطارق الباب ، فخرجت إليه , فإذا معه جارية وهي مخمرة بخمار ، فقلت له : ما حاجتك ؟ فقال : أريد عليّ بن الحُسين. فقلت : أنا هو. فقال : أنا رسول الـمُختار إليك , وهو يقرئك السّلام ويقول : قد وقعت هذه الجارية بأيدينا , فاشتريتها بستمائة دينار وقد وهبتها لك , وهذه أيضاً ستمائة دينار اُخرى فاستعن بها على زمانك. فدفع إليّ المال ومعه كتاب , فقبضت المال والجارية ، فقلت لها : ما اسمك ؟ قالت : اسمي حورية. فقلت : صدق الله ورسوله ، هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربّي حقّاً. فدخلت بها تلك الليلة فإذا هي غاية الصّلاح , فعلقت منّي بهذا الغلام ، فلمّا وضعته سمّيته زيداً ، وسترى ما قُلت لك )).

١٦٨

قال أبو حمزة الثّمالي : فو الله لقد رأيت زيداً مقتولاً , ثمّ سُحب ثمّ دُفن ثمّ نُشر ثمّ صُلب ، ولم يزل مصلوباً زماناً طويلاً حتّى عشعشت الفاختاة في جوفه ، ثمّ اُحرق وذري في الهواء رحمة الله عليه.

وروى فضله عن بعض الأخبارين , قال : سألت خالد بن فضله عن فضل زيد بن زين العابدين (عليه‌السلام ) , فقال : أيّ رجل كان ! فقلت : وما علمت عن فضله ؟ قال : كان يبكي من خشية الله تعالى حتّى تختلط دموعه بدمه طول ليله , حتّى اعتقد كثير من النّاس فيه الإمامة , وكان سبب اعتقادهم ذلك منه ؛ لخروجه بالسّيف يدعو بالرّضى من آل مُحمّد (عليهم‌السلام ) , فظنّوه يريد بذلك نفسه ولم يكن يريدها ؛ لمعرفته باستحقاق من قبله ، وكان سبب خروجه ؛ الطّلب بدم جدّه الحُسين (عليه‌السلام ) , وأنّه دخل يوماً على هشام بن عبد الملك ، وقد كان جمع له هشام بني اُميّة , وأمرهم أن يتضايقوا في المجلس ؛ حتّى لا يتمكن زيد من الوصول إلى قربه ، فوقف زيد مقابله وقال له : يا هشام , ليس أحد من عباد الله فوق أن يوصي بتقوى الله في عباده ، وأنا اُوصيك بتقوى الله فاتقه. فقال هشام : يا زيد , أنت المؤهل نفسك للخلافة ، وأنت الرّاجي لها , وما أنت وذاك لا اُمّ لك ! وإنّما أنت ابن أمة. فقال له زيد : إنّي لا اعلم أحداً أعظم عند الله من نبي بعثه , فلو كان ذلك يقصر عن منتهى غاية لم يبعث الله إسماعيل نبيّاً وهو ابن أمة , فالنّبوة أعظم أم الخلافة ؟ وبعد , فما يقصر في رجل جدّه رسول الله وهو ابن عليّ بن أبي طالب أن يكون ابن أمة.

قال : فنهض هشام مغضباً ودعا قهرمانه وقال : والله , لآتين هذا بعسكر يضيق به الفضاء. وخرج زيد وهو يقول : لم يكره قوم قط حرّ السّيوف إلّا ذلّوا. ثمّ إنّه توجه إلى الكوفة فاجتمع عليه أهلها وبايعوه على الحرب معه. فنقضوا ببيعته وسلّموه لعدوه , فقُتل رحمة الله عليه وصُلب في موضع يُقال له الكناس , وبقي مصلوباً بينهم أربع سنوات لا ينكر أحد منهم بيد ولا لسان , وقد عشعشت الفاختاة في جوفه , وقد خانوا به أهل الكوفة ونقضوا بيعته كما خانوا آبائه وأجداده من قبل ، ألا لعنة الله على القوم الظّالمين.

قال : فلمّا بلغ قتله إلى الصّادق (عليه‌السلام ) , حزن عليه حزناً عظيماً وجعل يئنّ من وجده عليه , وفرّق من ماله صدقة عنه وعمّن اُصيب معه من أصحابه لكلّ بيت منهم ألف دينار ، وكان مقتله يوم الاثنين لليلتين خلتا من شهر صفر سنة عشرين

١٦٩

ومئة من الهجرة ، وكان عمره يوم قُتل اثنين وأربعين سنة ، قال : فلمّا قُتل زيد , سرّ بقتله المنافقون وحزن له المؤمنون ، وأمّا هشام بن الحكم , فإنّه فرح بقتله وعمل يوم قتله عيداً , وأنشد يقول :

صلبنا لكم زيداً على جذع نخلة

ولم نر مهدياً على الجذع يصلب

وقستم بعثمان علياً سفاهة

وعثمان خير من عليّ وأطيب

قال : فبلغ قوله إلى الصّادق (عليه‌السلام ) , فاغتمّ منه غمّاً شديداً ، ورفع يديه إلى نحو السّماء وهما يرتعدان من شدّة عرقه , وقال : (( اللّهمّ , إن كان عبدك الحكم كاذباً , فسلّط عليه كلباً من كلابك يأكله )).

قال : فأرسله بنو اُميّة إلى الكوفة , فافترسه الأسد لعنة الله عليه , فوصل خبره إلى الصّادق (عليه‌السلام ) , فخرّ ساجداً لله ؛ لسرعة إجابة دعائه , وقال : (( الحمد لله الذي أنجز وعده وأهلك عدوه( وَسَيَعْلَمُ الّذِينَ ظَلَمُوا أَيّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ) (١) )). لقد غرّتهم الدُنيا الدّنيّة حتّى أردتهم وأهلكتهم , فحسبهم جهنّم وساءت مصيراً ، يوم لا يجدون من الله وليّاً ولا نصيراً.

ألا يا بايعاً ديناً بدنيا

غروراً لا يدوم لها نعيم

إلى ديان يوم الدين نمضي

وعند الله تجتمع الخصوم

نُقل : أنّه كانت الدّولة لبني اُميّة ألف شهر ، وكانوا لا يزالون يأمرون الخطباء بسبّ عليّ بن أبي طالب على رؤوس المنابر، فأوّل من تأمّر منهم معاوية عليه اللعنة ومدّة خلافته عشرون سنة ، ثمّ تخلّف من بعده ولده يزيد عليه اللعنة ثلاثة سنين وثمانية أشهر وأربعة عشر يوماً ، ثمّ تخلّف من بعده معاوية بن يزيد شهراً واحداً وأحد عشر يوماً ، وترك الخلافة ؛ خوفاً من عذاب الله , واعترف بظلم آبائه وعرّف النّاس ذلك وهو قائم على المنبر , حتّى أنّ اُمّه لامته على ذلك ، فقالت له : ليتك كنت حيضة ولم تكن بشراً , أتعزل نفسك عن منصب آبائك ؟! فقال لها : يا اُمّاه , وأنا والله وددت أن أكون حيضة , ولا أطأ موطئاً لست له بأهل , ولا ألقى الله عزّ وجلّ بظلم آل مُحمّد.

ثمّ تخلّف من بعده عبد الملك بن مروان عليه اللعنة إحدى وعشرين سنة وشهراً ، ثمّ تخلّف من بعده الوليد بن عبد الملك بن مروان عليه اللعنة إحدى وعشرين سنة وشهراً ، ثمّ تخلّف من بعده الوليد بن عبد الملك تسع سنين

____________________

(١) سورة الشّعراء / ٢٢٧.

١٧٠

وثمانية أشهر ويوماً واحداً , ثمّ تخلّف من بعده أخوه هشام بن عبد الملك , تسع عشرة سنة وتسعة أشهر وتسعة أيّام ، ثمّ تخلّف مروان الحمار خمس سنين وشهراً وثلاثة عشر يوماً , فملك بنو اُميّة ثلاثة وثمانون سنة وأربعة أشهر ، يكون المجموع ألف شهر , وهم مع ذلك يسبّون عليّاً (عليه‌السلام ). ثمّ تخلّف عمر بن عبد العزيز وأبطل السّب عن عليّ(ع).

فلمّا قُتل الحُسين (عليه‌السلام ) , لم تقم لبني اُميّة قائمة حتّى سلبهم الله ملكهم واضمحلّ ذكرهم ، فلمّا تولّى السّفاح , أحمد بن مُحمّد بن عليّ بن عبد الله بن العبّاس , عمّ رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , فاستأصل الأكثر منهم ، ألا لعنة الله على القوم الظّالمين. وعلى الأطائب من أهل البيت فليبك الباكون ، وإيّاهم فليندب النّادبون , ولمثلهم تذرف الدّموع من العيون , أولا تكونون كبعض مادحيهم حيث عرته الأحزان وتتابعت عليه الأشجان , فنظم وقال فيهم :

القصيدة لابن حماد (رحمه‌الله )

ويك يا عين سحي دمعاً سكوباً

ويك يا قلب كن حزيناً كئيبا

ساعداني سعدتما فعسى

أشفي غليلاً من لوعة وكروبا

إن يوم الطفوف لم يبق لي من

لذة العيش والرقاد نصيبا

يوم صارت إلى الحُسين بنو حرب

بجيش فنازلوه الحروبا

وحموه من الفرات فما ذاق

سوى الموت دونه مشروبا

في رجال باعوا النفوس على الله

فنالوا ببيعها المرغوبا

لست أنساه حين أيقن بالموت

دعاهم فقام فيهم خطيبا

ثم قال الحقوا بأهليكم إذ

ليس غيري أرى لهم مطلوبا

شكر الله سعيكم إذ نصحتم

ثمّ أحسنتم لي المصحوبا

فأجابوه ما وفيناك إن نحن

تركناك بالطفوف غريبا

أي عذر لنا يوم نلقى

الله والطهر جدك المندوبا

حاش لله بل نواسيك أو يأخذ

كل من المنون نصيبا

فبكى ثمّ قال جوزيتم الخير

فما كان سعيكم ان يخيبا

ثم قال أجمعوا الرجال وشبوا

النّار فيها حتّى تصير لهيبا

وغدا للقتال في يوم عاشوراء

فأبدى طعناً وضرباً مصيبا

١٧١

فكأني بصحبه حوله صرعى

لدى كربلاء شباباً وشيبا

فكأني أراه فرداً وحيداً

ظامياً بينهم يلاقي الكروبا

حاملاً طفله بقبله حتّى

قد هو الطفل بالدماء خضيبا

وكأني أراه إذ خر مطعوناً

على حر وجهه مكبوبا

وكأني بمهره قاصداً الفسطاط

يبدي تحمحماً ونحيبا

وبرزن النساء حتّى إذا أبصرن

حيارى وقد شققن الجيوبا

فكأني بزينب إذ رأته

عارياً دامي الجبين تريبا

أقبلت نحو اختها ثمّ قالت

وديه وداع من لا يؤوبا

أخت يا أخت كيف صبرك عنه

وهو كان المؤمل المحبوبا

ثم خرت عليه تلثم خديه

وقد صار دمعها مسكوبا

وتناديه يا أخي لو رأت عيناك

حالي رأيت أمراً عجيباً

يا أخي لا حييت بعدك هيهات

حياتي من بعدكم لن تطيبا

كنت حصني من الزمان إذا ما

خفت خطباً دفعت عني الخطوبا

ضاقت الأرض بي وكانت علينا

بك يا سيّدي فناءاً رحيبا

يا هلالاً لـمّا استتم كمالاً

غاله خسفه فأهوى غروبا

يا قضيباً اغضى ما كان أودته

رياح الورى وكان رطيبا

ما توهمت يا شقيق فؤادي

كأن هذا مقدراً مكتوبا

عد يتاماك إن أردت منيباً

يا أخي بالرجوع وعداً قريبا

فلعلي أسر فيك ولياً

وأسوء الحسود فيك المريبا

يا أخي حق فيك ما كنت أخشاه

فظني قد بان فيك كذوبا

يا أخي فاطم الصغيرة كلمها

فقد كاد قلبها أن يذوبا

يا أخي قلبك الشفيق علينا

ما له قد قسى وصار صليبا

ما أذل اليتيم حين ينادي

بأبيه ولا يراه مجيبا

يا أخي لو ترى علياً لدى اليتم

مع الأسر ما يطيق وجوبا

يا أخي لو ترى علياً لقد صار

لدى القيد بينهم مسحوبا

يا أخي ضمه إليك وقربه

وسكن فؤاده المرعوبا

١٧٢

لا تباعده يا أخي بعد إذا

عودته منك ذلك التقريبا

يا أخي لو تراه مستضعفاً بين

الأعادي مقيداً مصحوبا

كلما أوجعوه بالضرب ناداك

وقد صار دمعه مسكوبا

يا أخي هل يعز فيك على

حين أضحى مكبلاً مضروبا

يا أخي زود اليتيم اعتناقا

والتزاماً إذا أردت المغيبا

عندها قد بكت ملائكة الله

واهتز عرش ربي غضوبا

ثم سيرن حاسرات حيارى

ما يفترن رنة ونحيبا

وإذا ما رأين بالرأس قد شيل

على رأس ذابل منصوبا

يتساقطن بالوجوه على الأرض

ويندبن بالعويل ندوبا

وينادين : يا أقل البرايا

كلها رحمة وأقسى قلوبا

باعدوا الرأس وارحمونا ورقوا

لا تزيدوا قلوبنا تعذيبا

ما لنا بيننا وبينكم الله

لدى الحشر حاكماً وحسيبا

يوم عاشور لا رعيت لقد

كنت مشوماً على الهداة عصيبا

يا بني الـمُصطفى السلام عليكم

ما أقل الغصون طيراً طروبا

هدني الحزن بعدكم مثل ما هد

من الحزن يوسف يعقوبا

ولقد زاد ذكر زيد غليلي

حين أضحى على الكناس صليبا

ثم أذري من بعد قبر ونبش

وحريق بين الرياح نهيبا

أمة السوء لم تجازوا رسول الله

فيكم إذ لم يزل متعوبا

كل يوم تهتكون حريماً

من بنيه وتقتلون حبيبا

وتبيحون ما حمى وتشنون

على أهله الأذى والحروبا

كيف تلقونه شفيعاً وترجون

غداً أن يزيل عنكم كروبا

لا وربي ينال ذاك سوى من

كان مولاهم موال منيبا

وإليكم يا سادتي قد توجهت

مطيعاً لأمركم مستجيبا

بكم طاب مولد علم الله

وزادت بصيرتي تهذيبا

ويقيني صفا لكم فصفا سري

وودي قتلت حصنا عجيبا

وخلعت العذار فيكم فلن

أقبل عذلا فيكم ولا تأنيبا

١٧٣

وأنا الشاعر ابن حماد لا ينكر

فضلي من كان طبا لبيبا

الباب الثّاني

أيّها المؤمنون السّامعون , اعملوا رحمكم الله الفكر وأطيلوا التّأمّل والنّظر , وانظروا إلى هذا الإمام وشدّة صبره على المضض والآلام , وتجرّع كؤوس الحمام في رضى الملك العلام , فإنّه أمر تحير فيه الأفكار وتذهل في معانيه القلوب والأبصار. ألا ترون إلى إبراهيم الخليل (عليه‌السلام ) ابتلى بنفسه لا غير حين اُلقي في النّار , والحُسين (عليه‌السلام ) صُرع حوله بنوه وبنو أبيه الأطهار وآله وصحبه الأخيار , واغتصبوا نفسه الزّكيّة , فقابل الجمع بالرّضى والاصطبار ؟ وهذا أمر لم يصل أحد قبل ولا بعد إليه إلّا أبوه الإمام عليه أفضل الصّلاة والسّلام :

كفاك قسماً لو أكتفيت به

إنك في المجد والعلى علم

بمن يلوذ الراجي سواك ومن

به يعوذ اللاجي ويعتصم

فلا غرو إن بكينا الإمام الحُسين (عليه‌السلام ) بدمع يخجل صوب الغمام. أليس هو ابن حبيب الملك العلام ؟ أليس هو سبط سيّد الأنام ؟ أليس هو ثمرة فؤاد الزّهراء ؟ أليس من خدّامه جبرائيل ؟ أليس من عتقائه دردائيل ؟ فيا ويل من ظلمهم وغصبهم حقّهم وهضمهم !

نُقل : أنّه لـمّا أنفذ ابن زياد برأس الحُسين (عليه‌السلام ) إلى يزيد لعنه الله , التفت يزيد إلى عبد الملك بن مروان , وقال له : انطلق حتّى تأتي عمر بن سعيد بن العاص بالمدينة , فبشّره بقتل الحُسين. قال عبد الملك : فركبت ناقتي وسريّت نحو المدينة , فلمّا دخلت المدينة , لقيني رجل من قُريش فقال لي : ما الخبر ؟ فقلت : عند الأمير تسمعه. فبكى الرّجل وقال : إنّا لله وإنّا إليه راجعون , قُتل والله الحُسين. قال عبد الملك : فلمّا دخلت على عمر بن سعيد , قال لي : ما وراءك ؟ قُلت : ما يسرّ الأمير , قُتل والله الحُسين بن عليّ. فاسترّ بذلك سروراً عظيماً , [و](١) قال لي : اخرج فناد في شوارع المدينة بقتل الحُسين ؛ لتسرّ بذلك بني اُميّة وتكمد بني هاشم. قال : فخرجت فناديت في شوارع المدينة , فلم أسمع واعية قطة [قط](٢) مثل واعية بني هاشم في دورهم ينوحون على

____________________

(١) و (٢) من إضافات المقوّم.

١٧٤

الحُسين (عليه‌السلام ) حين سمعوا النّداء بقتله , ثمّ رجعت إلى عمر بن سعيد بن العاص , فلمّا رآني تبسّم ضاحكاً ثمّ قال :

عجت نساء بني زياد عجة

كعجيج نسوتنا غداة الأرنب

فالآن أشفينا القلوب بقتله

وسقى حسين جرعة لم تشرب

ثمّ قال : هذه والله واعية بواعية عثمان. ثمّ خرج إلى المسجد ورقى المنبر وأعلمَ النّاس بقتل الحُسين (عليه‌السلام ) , ودعا ليزيد بدوام الـمُلك وشدّة السّلطان , وسبّ الحُسين وذمّه , ثمّ نزل عن المنبر. فازداد البكاء والنّوح في دور بني هاشم , وقال : وخرجت اُمّ لقمان بنت عقيل بن أبي طالب حين سمعت نعي الحُسين وهي حاسرة ومعها أخواتها ؛ اُمّ هاني وأسماء ورملة وزينب بنات عقيل , وهن يبكين قتلاهن بطفّ كربلاء , وواحدة منهنّ تقول :

ماذا تقولون إذ قال النّبي لكم

ماذا فعلتم وأنتم آخر الأمم

بعترتي وبأهلي بعد مفتقدي

منهم أسارى ومنهم ضرجوا بدم

ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم

أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي

قال : فلمّا كان الليل من ذلك اليوم الذي خطب فيه عمر بن سعيد , إذ سمع أهل المدينة في جوف الليل منادياً ينادي ولا يُرى شخصه :

أيها القاتلون ظلماً حسيناً

إبشروا بالعذاب والتنكيل

كل من في السّماء يدعو عليكم

من نبي وملائك وقبيل

قد لعنتم على لسان ابن داود

وموسى وصاحب الإنجيل

فتبّاً لهم ما أجرأهم على انتهاك حرمة خاتم النّبيين ! وما أقسى قلوبهم على الذّرّيّة الطّاهرين , كأنّهم لم يسمعوا بفضلهم في القُرآن الـمُبين على لسان الرّسول وجبرائيل الأمين , بلى والله قد سمعوا وعرفوا وعاهدوا عليه وما وفوا( وَسَيَعْلَمُ الّذِينَ ظَلَمُوا أَيّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ) (١) .

وابشروا أيّها الشّيعة وبشّروا , فإنّ لكم عند الله الأجر العظيم والثّواب الجسيم ، وتصديق ذلك ما روي عن أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) , أنّه كان يقول لغلامه قنبر : (( أبشر وبشّر المؤمنين , أنّ رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )

____________________

(١) سورة الشّعراء / ٢٢٧.

١٧٥

مات وهو ساخط على اُمّته إلّا الشّيعة ، ألا وإنّ لكلّ شيء عروة , وعروة الإسلام الشّيعة , ألا وإنّ لكلّ شيء دعامة , ودعامة الإسلام الشّيعة ، ألا وإنّ لكلّ شيء شرفاً , وشرف الإسلام الشّيعة ، ألا وإنّ لكلّ شيء سيّداً , وسيّد المجالس مجالس الشّيعة. والله , لولا من في الأرض منكم , ما أنعم الله على أهل الخلاف وما لهم في الآخرة من نصيب , وإن تعبّدوا واجتهدوا وصاموا وصلّوا كثيراً , لن يدخلوا الجنّة , وإنّ شيعتنا ينظرون بنور الله ومَن خالفنا ينقلب بسخط الله. والله , إنّ فقراءكم أهل الغنى وإنّ أغنياءكم أهل القنوع , وإنّ كلّكم أهل دعوة الله وأهل إجابته ، أنتم الطّيبون ونساءكم الطّيبات، كلّ مؤمن منكم صدّيق في الجنّة , وكلّ مؤمنة حوراء في الجنّة )).

فيا إخواني , ما عذر أهل الإيمان في إضاعة البكاء ولبس أثواب الأحزان ؛ لمصاب سيّد الشّهداء من ولد عدنان ؟ كيف لا وهو حبيب ربّ العالمين وابن سيّد الوصيين وآية الله في العالمين ؟!

ففي الخبر عن ابن مسعود , أنّه قال : دخلت يوماً على رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , فقلت : يا رسول الله , أرني الحقّ حتّى أنظر إليه. فقال لي : (( يابن مسعود الج المخدع )). فولجت , فرأيت عليّ بن أبي طالب راكعاً ساجداً وهو يقول عقيب كلّ صلاة : (( اللّهمّ , بحرمة مُحمّد عبدك ورسولك اغفر للخاطئين من شعيتي )). قال ابن مسعود : فخرجت أخبر رسول الله بذلك , فرأيته راكعاً وساجداً وهو يقول : (( اللّهمّ , بحرمة عليّ بن أبي طالب عبدك اغفر للعاصين من اُمّتي )). قال ابن مسعود : فأخذني الهلع حتّى غشي عليّ. فرفع النّبي رأسه فقال : (( يابن مسعود , أكفرت بعد إيمانك ؟ )). فقلت : معاذ الله , ولكنّي رأيت عليّاً يسأل الله تعالى بك وتسأل الله به , ولا أدري أيّكما أفضل ! فقال النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : (( يابن مسعود , إنّ الله عزّ وجل خلقني وعلقني [ وعليّ ](١) والحسن والحُسين من نور عظمته قبل الخلق بألف عام حين لا تسبيح ولا تقديس ، ففتق نوري فخلق منه السّماوات ، وفتق نور عليّ فخلق منه العرش والكرسي ، وعلي أجلّ من العرش والكرسي ، وفتق نور الحسن فخلق منه اللوح والقلم ، والحسن أجلّ من اللوح والقلم , وفتق نور الحُسين فخلق منه الجنان والحور والولدان ، والحُسين أفضل منهم ، فأظلمت المشارق والمغارب , فشكت الملائكة إلى الله عزّ وجلّ الظُلمة وقالت : اللّهمّ , بحرمة هذه الأشباح التي خلقتهم إلّا ما فرّجت عنّا من هذه الظُلمة.

____________________

(١) نقلناه عن مدينة المعاجز ٣/٢٢٠. المقوّم.

١٧٦

فخلق الله روحاً وقرنها باُخرى فخلق منها نوراً ، ثمّ أضارت الرّوح(١) , فخلق منها الزّهراء فأضاءت منها المشارق والمغارب ؛ فمن ذلك سمّيت الزّهراء. يابن مسعود , إذا كان يوم القيامة , يقول الله عزّ وجلّ لي ولعلي : ادخلا الجنّة مَن شئتما وادخلا النّار من شئتما , وذلك قوله تعالى :( أَلْقِيَا فِي جَهَنّمَ كُلّ كَفّارٍ عَنِيدٍ ) (٢) . والكافر من جحد نبوّتي والعنيد من عادى عليّاً وأهل بيته وشيعته )).

ولله درّ دعبل الخزاعي , حيث قال :

ولو قلدوا الموصى إليه أمورهم

لزمت بمأمون على العثرات

أخو خاتم الرسل الصفي من القذا

ومفترس الأبطال في الغمرات

فإن جحدوا كان الغدير شهودهم

وبدر وأحد شامخ الهضبات

وآي من القرآن يتلى بفضله

وإيثاره بالقوت في اللزبات

نحى لجبرائيل الأمين وأنتم

عكوف على العزى معاً ومنات

روى الشّيخ أبو عليّ الطّبرسي في مجمع البيان في تفسير قوله تعالى :( إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً إلى قولهوَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً ) (٣) . قال : نزلت في عليّ وفاطمة والحسن والحُسين وجارية لهم تُسمّى فضّة. وذكر القصّة بإسناد عن الصّادق (عليه‌السلام ) وابن عبّاس , قالا : (( مرض الحسن والحُسين وهما صبيّان صغيران , عادهما رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ومعه رجلان , فقال أحدهما لأمير المؤمنين : يا أبا الحسن , لو نذرت في ابنيك نذراً عافاهما الله تعالى , فقال عليّ : أصوم ثلاثة أيّام شكراً لله سبحانه , وكذلك قالت فاطمة وكذا الصّبيّان وكذا جاريتهم فضّة , فألبسهما الله العافية , فأصبحوا صياماً وليس عندهم شيء من الطّعام ، فانطلق أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) إلى جار له يهودي يعالج الصّوف اسمه شمعون , فقال له أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) : هل لك أن تعطيني جزراً من الصّوف تغزلها لك ابنة مُحمّد بثلاثة أصواع من شعير ؟ فقال اليهودي : نعم. وأعطاه , فجاء بالصّوف والشّعير وأخبر فاطمة بذلك , فقبلت وأطاعت ثمّ عمدت فغزلت ثلثه ، ثمّ أخذت صاعاً من الشّعير فطحنته فخبزت منه خمسة أقراص ، وصلّى أمير المؤمنين صلاة المغرب مع رسول الله ، ثمّ أتى المنزل فوضع الخوان بين يديه وجلسوا يتعشون خمستهم , فأوّل لقمة كسرها أمير المؤمنين إذا مسكين قد وقف

____________________

(١) في المصدر : ثم أضاف النور بالروح. (معهد الإمامين الحسنين).

(٢) سورة ق / ٢٤.

(٣) سورة الإنسان/٥ - ٢٢.

١٧٧

على الباب وقال : السّلام عليكم يا أهل بيت النّبوة , أنا مسكين من مساكين الـمُسلمين , اطعموني مما تأكلون اطعمكم الله من موائد الجنّة. فوضع أمير المؤمنين اللقمة من يده ثمّ قال : يا فاطمة ادفعيه إليه. فعمدت فاطمة إلى ما كان على الخوان جميعه فدفعته إلى المسكين , وباتوا جياعاً وأصبحوا صياماً ولم يذوقوا إلّا الماء القراح ، ثمّ عمدت إلى الثّلث الثّاني من الصّوف فغزلته , ثمّ أخذت صاعاً من الشّعير فطحنته وخبزت منه خسمة أقراص لكلّ واحد قرص ، وصلّى أمير المؤمنين مع رسول الله صلاة المغرب ، ثمّ أتى المنزل , فلمّا وضع الخوان بين يديه وجلسوا خمستهم , فأوّل لقمة كسرها أمير المؤمنين إذا بيتيم ينادي بالباب : السّلام عليكم يا أهل بيت النّبوة , أنا يتيم من يتامى الـمُسلمين , أطعموني مما تأكلون أطعمكم الله من موائد الجنّة. فرمى أمير المؤمنين اللقمة وقال لفاطمة : ادفعيه إليه. ثمّ عمدت فاطمة إلى جميع ما على الخوان من الخبز فأعطته لليتيم , وباتوا جياعاً لم يذوقوا إلّا الماء وأصبحوا صائمين ، فعمدت فاطمة إلى الثّلث الباقي من الصّوف فغزلته وطحنت الباقي من الشّعير وعجنته , وخبزته خمسة أقراص لكلّ واحد قرص , فصلّى أمير المؤمنين مع رسول الله صلاة المغرب وأتى المنزل , فوضع الخوان وجلسوا يتعشون خمستهم , فأوّل لقمة كسرها أمير المؤمنين وأراد وضعها في فمه , إذا بأسير من أسارى المشركين ينادي بالباب : السّلام عليكم يا أهل بيت النّبوة , تأسروننا وتشرّدوننا ولا تطعموننا مما تأكلون , أطعمونا أطعمكم الله من موائد الجنّة. فرمى أمير المؤمنين اللقمة من يده وعمدت فاطمة إلى ما كان على الخوان فجمعته ودفعته إلى الأسير , وباتوا ليلتهم جياعاً وأصبحوا مفطرين وليس عندهم شيء )).

قال شعيب في حديثه : وأقبل عليّ بالحسن والحُسين نحو رسول الله وهما يرتعشان كالفراخ من شدّة الجوع , فلمّا نظرهما رسول الله قال : (( يا أبا الحسن , ما أشدّ ما يسوءني ما أراكم فيه )). فقال : (( يا رسول الله , انطلق معي إلى فاطمة )). فانطلق , فإذا هي في محرابها وقد لصقت بطنها بظهرها من شدّة الجوع وغارت عيناها في وجهها , فلمّا نظرها رسول الله , ضمّها إليه وقال : (( وا غوثاه ! أنتم منذ ثلاثة أيّام على ما أرى )). فهبط جبرائيل (عليه‌السلام ) وقال : خُذ يا مُحمّد مما هنّاك الله في أهل بيتك. قال : (( وما آخذ يا جبرائيل ؟ )). قال :( هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ

١٧٨

مِنَ الدَّهْرِ إلى قولهإِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً ) (١) :

بأهلي ومالي ثمّ قومي وأسرتي

فداء لمن أضحى قتيل ابن ملجم

علي رقا فوق الخلائق في الورى

فهدّت له أركان بيت المحرم

تكاد الصفا والمشعران كلاهما

تهدّر وبان النقص في ماء زمزم

وأصبحت الشمس المنير ضياؤها

لقتل عليّ لونها لون أدهم

وضل له أفق السّماء كأنه

شقيقة ثوب لونها لون عندم

وناحت عليه الأرض إذ فجعت به

حنيناً لثكلى نوحها بترنم

وأضحى التقي والخير والعلم والنهى

وبات العلي في قبره المتهدم

وقال غيره من أهل الفضل :

إلى م الام وحتى متى

أعنف في حُبّ هذا الفتى

فهل زوجت فاطم غيره

وفي غيره (هل أتى) هل أتى

فيا إخواني , العنوا من ظلمهم وغصبهم حقّهم وهضمهم , فعلى مثل هؤلاء الأشراف فليبك الباكون , وإيّاهم فليندب النّادبون , ولمثلهم تذرف الدّموع من العيون , أو لا تكونون كبعض مادحيهم حيث عرته الأحزان , فنظم وقال فيهم :

القصيدة للشيخ الخليعي (رحمه‌الله )

سجعت فوق الغصون فاقدات للقرين

فاستهلت سحب أجفاني وهزتني شجوني

غردت لاشجوها شجوي ولاحنت حنيني

لا ولا قلت لها يا ورق بالنوح أسعديني

ماشجي الباكي طروباً وشجي الباكي الحزين

حق لي أبكي دماء عوض الدمع الهتوني

لغريب نازح الدار خلى من معين

لتريب الخددامي الوجه مرضوض الجبين

لحبيب أسلم القلب إلى داء دفين

لست أنساه بأرض الطف إذا قال أخبروني

ما اسم هذه الأرض قالوا كربلاء يابن الأمين

فبكى شجواً ونادى يا لقومي حان حيني

أرض كرب وبلاء في رباها يدفنوني

وبها تهتك نسواني وفيها يقتلوني

وبها يمتحن الله رجالاً ينصروني

فارجعوا جزيتم خير جزاء واتركوني

ليس للقوم سوى قتلي قصد فاسمعوني

فأجابوا لا ومن خصك بالفضل المبين

لا رجعنا أو سنسقي القوم كاسات المنون

فانثنى نحو الحريم الفاطميات بلين

____________________

(١) سورة الإنسان /١ - ٢٢.

١٧٩

قائلاً يا أخت يا أخت هلمي ودعيني

أخت يا زينب ضمي شمل أهلي خلفيني

واحرسي السجاد واحميه بأجفان العيون

فهو القائم من بعدي بعلم وبدين

وإن اشتد عليكن مصابي فاندبيني

وإذا نحت فنوحي بشجون وسكون

واتقي الله وكوني خير أسلاف القرون

وإذا قمت إلى نافلة الليل اذكروني

وإذا استعبدت مولاك صلاة فصليني

وغداً نحو العدى يرتاح للحرب الزبون

جاثلاً يشبه في سطوته ليث العرين

فرمته أسهم الأحقاد عن أيدي الضغون

فهوى شلواً طعيناً آه للشلو الطعين

وغدت زينب تبكي بعويل ورنين

وتنادي وا رجالاه فقد خابت طنوني

أين جدّي أين حملات أبي أين حصوني

ليرونا والعدى هتكوا كل مصون

حاسرات يسحبونا في سهول وحزون

وتنادي والمطايا تشتكي شد الوضين

واضلالي لوجوه كبدور في دجون

واعنائي في يتامي في البكا قد أقرحوني

وأشقائي في أسارى في قيود يرمقوني

يا لها صفقة مغبون ولوعات حزين

يحمل الرأس السماوي إلى الرجس اللعين

وبنات الـمُصطفى تهدي إلى كلب مهين

يا بني (طه ويس وحم ونون)

بكم استعصمت من شر خطوب تعتريني

فإذا خفت فأنتم لنجاتي كالسفين

وعليكم ثقل ميزاني وأنتم تنقذوني

فاحشروا العبد الخليعي إلى ذات اليمين

واليكم مدحاً أسنى من الدر الثمين

يا حجاب الله والمحمي عن رجم الظنون

فيك داريت أناساً عزموا أن يقتلوني

وتحصنت بقول الصّادق الحبر الأمين

إتقوا إن التقي من دين آبائي وديني

ولأوصافك وريت كلامي وحنيني

وإلى مدحكم أظهرت ظهوري وبطوني

وكفاني علمك الشاهد للسر المصون

ومعاذ الله أن ألوي عن الحبل المتين

وأساوي بين مفضال ومفضول ضنين

وعليم وعديم وأمين وخئوني

بين من قال : أقيلوني ومن قال : اسألوني

هل يساويه بعلم أو فضل أو بدين

الباب الثّالث

أيّها الرّؤساء الأعلام , كيف يلتذّ العاقل منكم بطعام وقد حكمت في مواليه الكفرة اللئام ، أو بشراب وقد قُتلوا في الظّلماء [الظّماء](١) والماء حولهم قد طما , أو

____________________

(١) من إضافات المقوّم.

١٨٠