المنتخب للطريحي المنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري) الجزء ٢

المنتخب للطريحي المنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري)0%

المنتخب للطريحي المنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري) مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 272

المنتخب للطريحي المنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري)

مؤلف: الإمام الكبير والـمُصنّف الشّهير الشّيخ فخر الدّين الطريحي النّجفي
تصنيف:

الصفحات: 272
المشاهدات: 28435
تحميل: 2652


توضيحات:

الـمُنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري) الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 272 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 28435 / تحميل: 2652
الحجم الحجم الحجم
المنتخب للطريحي المنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري)

المنتخب للطريحي المنتخب في جمع المراثي والخطب المشتهر بـ (الفخري) الجزء 2

مؤلف:
العربية

الله ألبسه في يوم مغرسه

ثياب حمد نقيات من العار

رفاع معضلة حمال مثقلة

دراك وتر ودفاع لا وتار

بنوه المعصومون سادات الدُنيا وشفعاء الخلق في الاُخرى ، الجنّة دار مَن والاهم والنّار سجن مَن عاداهم , أخذ الله لهم على الخلق المواثيق , وأكّد لهم على عباده العهد الوثيق.

نُقل أنّه افتخرت النّار على الجنّة , وقالت : أنا مسكن الملوك والجبابرة والقساورة , وأنت لا يسكنك إلّا الفقراء والمساكين. فشكت الجنّة إلى ربّها , فأتاها النّداء : (( اسكتي وعزّتي وجلالي , لأزينك يوم القيامة بمُحمّد خيرتي من بريّتي , وعليّ ولي أمري وخليفتي , وفاطمة الزّهراء التي مَن أحبّها اُفطم من النّار بإرادتي , والحسن والحُسين سيّدي شباب أهل الجنّة رحمتي , والأئمة المعصومين زبدة خليقتي , وشيعتهم يتنافسون في قصورك بعطيتي )).

فيا إخواني , لقد اُصيب الإسلام بمصيبة ما أعظمها وأدهى بداهية دهماء ما أدهمها , مصيبة نكّست رؤوس أهل الإيمان وعلت مناكب الطّغيان , فليت شعري , مَن أوصى بقتلهم ومَن أمر بتبديد شملهم ؟ ويلهم كأنّهم نسوا المعاد إلى ربّ العباد ! وسيعلمون إلى أيّ مُنقلب ينقلبون :

تريدون منّي يا عواذل سلوة

عن الحزن هذا مطلب ليس يعقل

فو الله لا أنسى مصابي بسادتي

إلى أن يواريني لحود وجندل

إذا ذكرت نفسي مصاب أحبتي

يظل فؤادي والحشا يتقلقل

فاوطان قلبي بالهموم ملاءته

وباب سرور القلب بالهم مقفل

وأي نعيم خلف السبط بعده

ففي القلب حزن ثابت لا يحول

كأني به والطير يحجل حوله

سليباً رداه في التراب مرمل

كأني به والشمر ينحر نحره

ومولاي من حر الظما يتململ

ولم أنسها بنت الحُسين سكينة

تشير إلى عماتها وهي تسأل

أيا عمتا ما للأصاغر ذبحوا

وما بال قومي بالصوارم قتلوا

أيا عمتا ما للحرائر سلبوا

وما ذنبنا حتّى نهان ونرذل

ايا عمتا هذا الحُسين على الثرى

سليب الردا من حوله الطير يخجل

أيا عمتا لو تنظرين لنحره

تفيض دماء مثل ما فاض جدول

٨١

ولو عاينت عيناك ما نال جسمه

وما فعلت فيه سيوف وذبل

لقد نصعوه بالصوارم والقنا

فللسمر نقط والصوارم تشكل

ألا لعن الرحمن آل أمية

وآل زياد كلما حن بزل

نُقل عن لوط بن يحيى في تاريخه , قال : قال عبد الله بن قيس بن ورقة : كنت ممّن غزا مع أمير المؤمنين عليّ (عليه‌السلام ) في صفّين , وقد أخذ أبو أيوب الأعور السّلمي الماء وحرزه عن النّاس , فشكى الـمُسلمون العطش , فأرسل فوارس على كشفه , فانصرفوا خائبين فضاق صدره , فقال له ولده الحُسين (عليه‌السلام ) : (( أمضي إليه يا أبتاه )). فقال : (( امض يا ولدي )). فمضى مع فوارس , فهزم أبا أيوب عن الماء وبنى خيمته وحطّ فوارسه , وأتى إلى إبيه وأخبره , فبكى عليّ (عليه‌السلام ) ، فقيل له : ما يبكيك يا أمير المؤمنين وهذا أوّل فتح بوجه الحُسين ؟ قال : (( صحيح يا قوم , ولكن سيُقتل عطشاناً بطفّ كربلاء حتّى تنفر فرسه وتحمحم وتقول : الظّليمة الظّليمة من اُمّة قتلت ابن بنت نبيّها )).

تخيرتهم رشداً لأمري أنهم

على الحق بل هم خيرة الخيرات

فيا رب زدني في يقيني بصيرة

وزد حبهم يا رب في حسناتي

روى سلمان الفارسي , قال : دخلت إلى النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , فإذا الحُسين (عليه‌السلام ) على فخذه وهو يقبّل عينيه ويلثم فاه وهو يقول : (( أنت سيّد ابن السّيّد , أنت الإمام ابن الإمام , أنت حجّة ابن الحجّة أبو الحجج تسعة من صلبك تاسعهم قائمهم )).

وعن ابن عباس , قال : قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : (( فاطمة مهجة قلبي , وابناها ثمرة فؤادي , وبعلها نور بصري, والأئمّة من ولده اُمناء ربّي وحبله الممدود بينه وبين خلقه , مَن اعتصم بهم نجى ومَن تخلّف عنهم هلك )).

وعن أبي جعفر (عليه‌السلام ) , قال : (( سأل ابن الكوا أمير المؤمنين , فقال : ما معنى قوله تعالى :( وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ ) (١) ؟ فقال : نحن أصحاب الأعراف , نعرف أصحابنا بسيماهم , نقف بين الجنّة والنّار , فلا يدخل الجنّة إلّا مَن عرفنا وعرفناه , ولا يدخل النّار إلّا مَن أنكرنا وأنكرناه )) :

فمن مثل مولانا عليّ الذي له

مُحمّد خير المرسلين خليل

____________________

(١) سورة الأعراف / ٤٦.

٨٢

فيا دافع الإسلام من بعد خفضه

وناصب دين الله حيث يميل

ويا أسد الله الذي مر بأسه

لأعدائه مرّ المذاق وبيل

ويا من له قلب الحوادث خافق

ويا من له صعب الأمور ذلول

أيا سيّدي يا حيدر الطهر إنني

أتيتك محزوناً وفهت أقول

أعزيك بالسبط الشهيد فرزءه

ثقيل على أهل السّماء جليل

دعته إلى كوفان شر عصابة

عصاة وعن طرق الصواب عدول

فلما أتاهم واثقاً بعهودهم

فمالوا وطبع الغادرين يميل

أحاطوا وحطوا بالفرات ولم يكن

لآل رسول الله منه نهول

فلما تناهى الأمر واقترب الردى

وذل عزيز واستعز ذليل

فمال عليه الجيش حملة واحد

ببيض وسمر ذبل ونصول

فوافاه في النحر المقدس عبطل

به أصبح الدين الحنيف عليل

فخر صريعاً ظامياً عن جواده

فاضحت ربوع السعد وهي محول

وراح إلى نحو الخيام جواده

خلياً من الندب الجواد يجول

برزن إليه الطاهرات حواسراً

لهن على المولى الحُسين عويل

فلله أمر فادح شمل الورى

ورزء على الإسلام منه خمول

بنو الوحي في أرض الطفوف حواسراً

وأبناء حرب في الديار نزول

ويسرى بزين العابدين مقيداً

على البزل مأسور اللئام عليل

ويصبح في تحت الخلافة جالساً

يزيد وفي الطف الحُسين قتيل

سليل النّبي الـمُصطفى وابن فاطم

وأين لذين الوالدين مثيل

لقد صدق الشيخ السعيد أخو العلى

عليّ وجاز الفضل حيث يقول

فما كلّ جد في الرجال محمداً

ولا كلّ أم في النساء بتول

أمولاي آمالي تأمل نصركم

وقلبي إليكم بالولاء يميل

وقد طال عمر الصبر في أخذ ثاركم

أما أن للظلم المقيم رحيل

فدونكم من عبدكم ووليكم

عروساً ولكن في الزفاف ثكول

عليكم سلام الله ما ذكر اسمكم

وذاكي مدى الأيام ليس يزول

روى السّعيد عبد الحميد عن مشايخه يرفعه إلى أنس بن مالك , قال : قال

٨٣

: جاء أبو بكر إلى النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) فجلس بين يديه , وقال : يا رسول الله , قد علمت مناصحتي وقدمي في الإسلام وإنّي وإنّي. قال(ص) : (( وماذا ؟ )). قال : تزوّجني فاطمة. فأعرض عنه , فرجع أبو بكر إلى عمر ، فقال : هلكت. قال : وما ذاك ؟ قال : خطبت فاطمة إلى النّبي فاعرض عنّي. فقال : مكانك حتّى آتيه فاطلب منه مثل الذي طلبت. فأتى عمر إلى النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) فجلس بين يديه , وقال : يا رسول الله , قد علمت قدمي في الإسلام ومناصحتي وإنّي وإنّي. قال(ص) : (( وماذا ؟ )). قال : تزوّجني فاطمة. فأعرض عنه , فرجع إلى أبي بكر ، فقال: إنّه لينظر أمراً فيها , قُم بنا إلى عليّ نأمره أن يطلب ما طلبنا. قال عليّ (عليه‌السلام ) : (( فاتياني وأنا أعالج فسيلاً لي , فقالا : إنّا جئنا من عند ابن عمّك لخطبة فاطمة , فأعرض عنّا فقم فاخطبها )).

قال عليّ (عليه‌السلام ) : (( فقمت وأنا أجرّ ردائي إلى طرف عاتقي وطرف على الأرض , حتّى أتيت النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) فجلست بين يديه وقلت : يا رسول الله , قد علمت قدمي في الإسلام وإنّي وإنّي. قال(ص) : وماذا ؟ )). قال(ع) : (( زوّجني فاطمة. قال(ص) : وما عندك ؟ )). قال(ع) : (( قُلت : فرسي وبدني. قال(ص) : أمّا فرسك فلا بدّ لك منها ، وأمّا بدنك فبعها )). قال(ع) : (( فبعتها بأربعمئة درهم وجئت بها حتّى وضعتها في حجره , فقبض منها قبضة , فقال : أين بلال ؟ اشتري بها طيباً. وأمرهم أن يجهّزوها , فجعل لها سريراً مشروطاً بالشّرط , ووسادة من آدم حشوها ليف , وملأ البيت كثيباً , وقال : يا عليّ , إذا أتتك فلا تحدث شيئاً حتّى آتيك. فجاءت مع اُمّ أيمن , فقعدت في جانب البيت وأنا في جانب , وجاء النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) فقال : ههنا أخي ؟ فقالت اُمّ أيمن : أخوك أخوك وقد زوجته ابنتك ؟! قال : نعم. ودخل رسول الله البيت , فقال : يا فاطمة , آتيني بماء. فقامت إلى قعب في البيت فأتته بماء فمج فيه , وقال لها : قومي. فصبّ بين يديها وعلى رأسها وقال : اللّهمّ , إنّي أعيذها بك وذرّيّتها من الشّيطان الرّجيم ، ثمّ قال : آتوني بماء )).

قال عليّ (عليه‌السلام ) : (( فقمت فملأت العقب ماء وأتيت به فمج فيه ، ثمّ قال لي : تقدّم. فصبّ على رأسي وبين يدي وقال : اللّهمّ , إنّي أعيذه بك وذرّيّته من الشّيطان الرّجيم ، ثمّ قال : أدبر. فأدبرت فصبّ بين كتفي وقال : اللّهمّ , إنّي أعيذه بك وذرّيّته من الشّيطان الرّجيم. ثمّ قال : ادخل بأهلك باسم الله والبركة )). فيا إخواني , ألا تتفكّرون في هؤلاء الأقوام , هلا

٨٤

نظروا في كلام النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) حين عوّذ الذّرية من الشّيطان , فيقفوا عمّا قدموا عليه من الطّغيان ؟ ولكنّها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصّدور , فتبّاً لهم ما أجرأهم على انتهاك حُرمة خاتم النّبيين , وما أقسى قلوبهم على ذرّيّته الطّاهرين الـمُطهّرين , ويحهم أين يُتاه بهم عن قصد السّبيل , وحتّى متى لا يرعون عن هذا التّضليل , كلّ هذه الدُنيا ونعيمها الزّائل المشوب بالغصص والوهم الباطل ! ولعمري , سيفارقوها عن قليل ويُقال لهم انطلقوا إلى ظلّ لا ظليل.

يا موثر الدُنيا على دينه

والحائر التائه عن قصده

أصبحت ترجو الخلد فيها وقد

أبرز ناب الموت عن حده

هيهات أن الموت ذو أسهم

من يرمه يوماً بها يرده

لا يفرج الواعظ قلب أمرء

لا يعزم الله على رشده

وعلى الأطائب من أهل البيت فليبك الباكون , وإيّاهم فليندب النّادبون , ولمثلهم تذرف الدّموع من العيون , أو لا تكونون كبعض مادحيهم حيث عرته الأحزان والأشجان , فنظم وقال فيهم :

القصيدة للسيد عبد الحميد (رحمه‌ الله تعالى )

عز صبري وعز يوم التلاق

آه وا حسرتاه مما الاقي

أرقتني مذ فارقتني أحبابي

برغمي غداة يوم الفراق

وفؤادي أضحى غريم غرام

واصطباري نأى ووجدي باق

أحدقوا بي عواذلي يعذلوني

حين فاز الدّموع من أحداق

يا عذولي إنّي لسيع فراق

ما له بعد لسعة من راقي

أعجبوا من متيم حكم الوجد

عليه بالماء والإحتراق

نار حزني تشب بين ضلوعي

ودموعي تفيض من آماقي

حق لي بالبكاء ما لا دموعاً

وأشق الفؤاد لا أخلاق

وأزيد الحزن الشديد لرزء

السبط سبط الراقي لظهر البراق

قتلوه ظلماً ولم يرقبوا فيه

لعمري وصية الخلاق

لست أنساه يوم ظل ينادي

القوم يا عصبة الخنا والشقاق

أتراكم بم استبحتم قتالي

ورأيتم حلا عليكم شقاقي

٨٥

ونكثتم عهدي وكذبتموني

وشرعتم قتلي وقتل رفاقي

هل علمتم بأن جدّي رسول الله

خير الأنام بالإطلاق

وعلي أبي الذي كسر الأصنام

قسراً وفي القيامة ساقي

والبتول الزّهراء فاطم أمي

ثمّ عمي الطيار في الخلد راقي

هل مغيث يغيثنا وعلينا

الأجر يوم المحيا ويوم التلاق

فأجابوه قد علمنا الذي قلت

وما أنت بعد ذا اليوم باق

ثم حفوا به ببيض صقال

ودروع زغف وسمر رشاقي

ورجال إلى الحروب سراع

فوق خيل مضمرات عتاق

فغدا للقتال لا يختشي الموت

لعمري والموت مر المذاق

يورد السمر والضبا في الأعادي

فيرويهما دم الأعناق

فأحاطوا به فاردوه لـمّا

عز نصاره وقتل الباقي

ثم علوا كريمه فوق رمح

وهو يبدو كالبدر في الإشراق

وبنات النّبي يندبن لـمّا

عاينوه قد خر منه التراقي

وغدت زينب تنادي بشجو

يا أخي يا قتيل أهل النفاق

يا نبي الهدى بناتك أسرى

بتناجين من ألم الفراق

عاريات يحملن فوق المطايا

حاسرات يسحبن في الأسواق

وعلي السجاد يرفل في القيد

عليلاً مضني شديد الوثاق

يا لها من رزية تهدم الدين

لعمري لو أن دينك باق

يابن بنت الرسول يا غاية المأمول

يا عدتي غدا للتلاقي

ابن عبد الحميد عبدك ما زال

محباً لكم بغير النفاق

إن تفت نصرتي لكم واقتحامي

دونك الهول عند ضيق الخناق

لم تفت لوعتي وطول حنيني

واكتثابي وحرقتي واشتياقي

ومقامي على الكآبة والأحزان

باك بدمعة مهراق

قسماً بالحجيج والبيت والركن

وطاها وحرمة الخلاق

ما تجري يوم الطفوف على السبط

جهاراً معاشر الفساق

وسقوه كأس المنية إلّا

بعتيق ونعثل ذي النفاق

٨٦

فهت بالحق والذي يقصد الحق

يأمن فإنه لا يتاقي

حبكم عدتي وأنتم ملاذي

يوم حشري ومنكم أعراقي

فصلاة الرب الرّحيم عليكم

ما تغني الحداة خلف النياق

الباب الثّالث

أيّها المؤمنون , قاطعوا رقاد العيون واصلوا سهاد الجفون , وامسكوا عن اللذّات وابذلوا الدّموع الجاريات , فإنّ إظهار الدّموع البادية دليل على إظهار الأحزان الخافية ، وإنّي كلّما تزايدت عليّ الأفكار , يتوقّد في قلبي لهيب النّار , فلا أجد مَن ألتجىء إليه ولا أعول في بثّ حزني عليه , وكيف لا تحزن على سادات العباد وأنوار الله في البلاد , وحجج الله على الخلاق ولسانه النّاطق , والشّهود على الاُمم بين يدي بارىء النّسم ؟ :

وأعظم ما بي شجو زينب إذ رأت

أخاها طريحاً للمنايا يمارس

تقول أخي يا واحدي شمت العدا

بنا واشتفى فينا الحسود المنافس

أخي يا أخي يا خير ذخر فقدته

وأنفس شيء صابني فيه نافس

أخي يا أخي قد كان غاية منيتي

بأن يحتويني قبل فقدك غامس

أخي اليوم مات الـمُصطفى ووصيه

ولم يبق للإسلام بعدك حارس

أخي من لأطفال النبوة يا أخي

ومن لليتامى إن قضيت يوانس

أخي من يحامي عن حريم مُحمّد

ويصلح أحوالاً لها الدهر مائس

وفاطمة الصغرى تخاطب جدها

ونحو أبيها طرفها متشاوس

تقول له يا جد ليتك شاهد

وقد حكمت فينا الكلاب النواهس

لتنظر يا جدّه سبطك ظامياً

وسابحه في لجة الموت طامس

فللّه ذا من فادح ما أجله

ورزء له عرش المهيمن رائس

روي : أنّ العبّاس بن عليّ (عليه‌السلام ) كان حامل لواء أخيه الحُسين (عليه‌السلام ) , فلمّا رأى جميع عسكر الحُسين (عليه‌السلام ) قُتلوا وإخوانه وبنو عمّه , بكى وأنَّى إلى لقاء ربّه اشتاق وحنّ , فحمل الرّاية وجاء نحو أخيه الحُسين (عليه‌السلام ) وقال : يا أخي , هل رخصة ؟ فبكى الحُسين (عليه‌السلام ) بكاءاً شديداً حتّى ابتلت لحيته المباركة بالدّموع (عليه‌السلام ) ، ثمّ قال : (( يا

٨٧

أخي ! كنت العلامة من عسكري ومجمع عددنا , فإذا أنت غدوت , يؤول جمعنا إلى الشّتات وعمارتنا تنبعث إلى الخراب )). فقال العبّاس : فداك روح أخيك يا سيّدي ! قد ضاق صدري من حياة الدُنيا وأريد أخذ الثّأر من هؤلاء المنافقين. فقال الحُسين (عليه‌السلام ) : (( إذا غدوت إلى الجهاد , فاطلب لهؤلاء الأطفال قليلاً من الماء )). فلمّا أجاز الحُسين (عليه‌السلام ) أخاه العبّاس للبراز , برز كالجبل العظيم وقلبه كالطّود الجسيم ؛ لأنّه كان فارساً هماماً وبطلاً ضرغاماً , وكان جسوراً على الطّعن والضّرب في ميدان الكفاح والحرب , فلمّا توسّط الميدان , وقف وقال : يا عمر بن سعد , هذا الحُسين بن بنت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) يقول : إنّكم قتلتم أصحابه وإخوته وبني عمّه , وبقي فريداً مع أولاده وهم عُطاشا قد أحرق الظّمأ قلوبهم , فاسقوه شربة من الماء ؛ لأنّ أطفاله وعياله وصلوا إلى الهلاك , وهو مع ذلك يقول لكم : دعوني أخرج إلى أطراف الرّوم والهند , وأخلّي لكم الحجاز والعراق , والشّرط لكم , إنّ غداً في القيامة لا أخاصمكم عند الله حتّى يفعل الله بكم ما يريد.

فلمّا أوصل العبّاس إليهم الكلام عن أخيه , فمنهم من سكت ولم يرد جواباً , ومنهم من جلس يبكي , فخرج الشّمر وشبث بن ربعي لعنهما الله , فجاء نحو العبّاس وقال : يابن أبي تراب , قُل لأخيك , لو كان كلّ وجه الأرض ماءاً وهو تحت أيدينا , ما أسقيناكم منه قطرة إلاّ أن تدخلوا في بيعة يزيد. فتبسّم العبّاس ومضى إلى أخيه الحُسين وعرض عليه ما قالوا ، فطأطأ رأسه إلى الأرض وبكى حتّى بلّ أزياقه , فسمع الحُسين (عليه‌السلام ) الأطفال ينادون العطش , فلمّا سمع العبّاس ذلك , رمق بطرفه إلى السّماء وقال : إلهي وسيّدي , أريد اعتدّ بعدّتي وأملىء لهؤلاء الأطفال قربة من الماء.

فركب فرسه وأخذ رمحه والقربة في كتفه , وكان قد جعل عمر بن سعد لعنه الله تعالى أربعة آلاف خارجي موكلين على الماء , لا يدعون أحداً من أصحاب الحُسين يشربون منه , فلمّا رأوا العبّاس قاصداً إلى الفُرات , أحاطوا به من كلّ جانب ومكان , فقال لهم : يا قوم , أنتم كفرة أم مُسلمون ؟ هل يجوز في مذهبكم أو في دينكم أن تمنعوا الحُسين وعياله شرب الماء , والكلاب والخنازير يشربون منه والحُسين مع أطفاله وأهل بيته يموتون من العطش ؟ أما تذكرون عطش القيامة ؟! فلمّا سمعوا كلام العبّاس , وقف خمسمئة رجل ورموه بالنّبل والسّهام , فحمل عليهم , فتفرّقوا عنه

٨٨

هاربين كما تتفرّق الغنم عن الذّئب , وغاص في أوساطهم وقتل منهم على ما نُقل تقريباً من ثمانين فارساً , فهمز فرسه إلى الماء وأراد أن يشرب , فذكر عطش الحُسين وعياله وأطفاله , فرمى الماء من يده وقال : والله , لا أشربه وأخي الحُسين (عليه‌السلام ) وعياله وأطفاله عُطاشا , لا كان ذلك أبداً. ثمّ ملأ القربة وحملها على كتفه الأيمن وهمز فرسه وأراد أن يوصل الماء إلى الخيمة , فاجتمع عليه القوم فحمل عليهم , فتفرقوا عنه وصار نحو الخيمة , فقطعوا عليه الطّريق , فحاربهم محاربة عظيمة , فصادفه نوفل الأزرق وضربه على يده اليمنى فبراها , فحمل العبّاس القربة على كتفه الأيسر , فضربه نوفل أيضاً فبرا كتفه الأيسر من الزّند , فحمل القربة باسنانه , فجاء سهم فأصاب القربة فانفرت واُريق ماءها , ثمّ جاء سهم آخر في صدره , فانقلب عن فرسه إلى الأرض وصاح إلى أخيه الحُسين : أدركني! فساق الرّيح الكلام إلى الخيمة , فلمّا سمع كلامه , أتاه فرماه طريحاً فصاح : (( وا أخاه ! وا عبّاساه ! وا قرّة عيناه ! وا قلّة ناصراه ! )). ثمّ بكا بكاءاً شديداً وحمل العبّاس إلى الخيمة , فجدّدوا الأحزان وأقاموا العزاء( وَسَيَعْلَمُ الّذِينَ ظَلَمُوا أَيّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ) (١) :

لهفي على العبّاس لـمّا أن دنى

نحو الفرات بقلبه الحران

فأراد شرب الماء وقال بنفسه

وا لهفتاه للسيد الظمآن

عاف الشراب ولم يبل أو أمه

وجد الوجد أخيه والإخوان

لهفي على العبّاس إذ حاطوا به

من كلّ فج اقبلوا ومكان

حاطوا به واستفردوه وخرقوا

قرباً ملأها قاصد النسوان

ثاروا عليه بطعنهم وبضربهم

وبطعنهم أردوه في الميدان

فعلاه رجس فاجر بحسامه

قطع اليمين بمشرفي ويماني

وهواه آخر ضربة في رأسه

حتّى رماه بحوبة الجولاني

فأتى الحُسين إليه وهو مسارع

فرآى أخاه مكابد الحدثان

فبكى وقال جزيت خيراً من أخ

واسى أخاه بشدة وهوان

أديت حقاً للأخوة يا أخي

وحضيت وصل الحور والولدان

يا أول الشّهداء يابن الـمُرتضى

صلّى عليك الله كلّ أوان

والله تلك مصيبة لم أنساها

إلّا إذا أدرجت في الأكفان

____________________

(١) سورة الشّعراء / ٢٢٧.

٨٩

حُكي عن عليّ بن الحُسين (عليه‌السلام ) , أنّه منذ وفاة أبيه الحُسين ما أكل لحم الرؤوس ؛ حزناً على رأس أبيه ، وكان عمره يومئذ أحد عشر سنة ولم يزل يبكي على مصاب أبيه أربعين سنة , وهو مع ذلك صائم نهاره قائم ليله , فإذا اُحضر الطّعام لإفطاره , قال : (( وا كرباه لكربك يا أباه ! وا أسفاه لقتلك يا أباه ! )). ثمّ يبكي طويلاً وهو يقول: (( قُتل ابن بنت رسول الله جائعاً , قُتل ابن بنت رسول الله عطشاناً وأنا آكل الزّاد وأشرب الماء , لا هناني الأكل والشّرب , يعزّ عليك يا أبي , ليتني لم أر مصرعك )).

قال : ولم يزل يبكي حتّى تبلّ الدّموع وجهه ولحيته ويغشى عليه , فإذا أفاق أكل قليلاً وحمد الله كثيراً وقام إلى عبادة ربّه وأصبح صائماً , ولم يزل هكذا حتّى مات رحمة الله عليه ورضوانه :

وأبلج وضاح الجبين تجمعت

به من معاني المكرمات فنون

إذا أسهرت عيناه من خوف ربه

أقرت به للأولياء عيون

حكى فضيل بن عبد ربّه , أنّه قال : دخلت على الإمام موسى بن جعفر (عليه‌السلام ) , فقلت له : يا سيّدي , إنّي أنشدك قصيدة للسيد إسماعيل الحميري ؟ قال : (( أجل )). ثمّ إنّه (عليه‌السلام ) أمر بستور فسدلت وأبواب ففتحت , وأجلس حريمه من وراء السّتر ، ثمّ قال : (( أنشد يا فضيل بارك الله فيك )). فانشدته قصيدة للسيد التي أوّلها : لأم عمر باللوى مربع. فلمّا بلغت إلى : ووجهه كالشّمس إذ تطلع. سمعت نحيباً من وراء السّتر وذلك بكاء أهل بيته وعياله ، وبكى هو أيضاً (عليه‌السلام ) ؛ لأنّه كان رقيق القلب سريع العبرة , فقال لي : (( يا فضيل , لِمَن هذه القصيدة ؟ )). فقلت : هذه للسيد الحميري. فقال : (( يرحمه ‌الله ! )). فقلت : يا مولاي , إنّي رأيته يرتكب المعاصي. فقال : (( يرحمه‌ الله ! )). فقلت : إنّي رأيته يشرب النّبيذ , نبيذ الرّستاق. فقال : (( تعني الخمر ؟ )). قُلت : نعم. قال : (( يرحمه‌ الله ! وما ذاك على الله بعسير أن يغفر لمحبّ جدّي عليّ بن أبي طالب شارب الخمر )). فقلت : الحمد لله على ولايته ومحبّته. ثمّ إنّي أكملت القصيدة إلى آخرها وهو (عليه‌السلام ) مع ذلك يبكي.

وحكى سهيل بن ذبيان بن فضل هذه القصيدة أيضاً , حيث قال : دخلت على الإمام عليّ بن موسى الرّضا في بعض الأيّام قبل أن يدخل عليه أحد من النّاس , فقال لي : (( مرحباً بك يابن ذبيان , السّاعة أراد رسولنا يأتيك لتحضر عندنا )). فقلت : لماذا يابن رسول

٩٠

الله ؟ فقال(ع) : (( لمنام رأيته البارحة وقد أزعجني وأرقني )). فقلت : خيراً يكون إن شاء الله تعالى. فقال : (( يابن ذبيان , رأيت كأنّي قد نُصب لي سلّم فيه مئة مرقاة , فصعدت إلى أعلاه )). فقلت : يا مولاي , أهنئك بطول العمر وربّما تعيش مئة سنة لكلّ مرقاة سنة ؟ فقال لي : (( ما شاء الله كان )). ثمّ قال : (( يابن ذبيان , فلمّا صعدت إلى أعلى السّلّم , رأيت كأنّي دخلت في قبّة خضراء يرى ظاهرها من باطنها , ورأيت جدّي رسول الله جالساً فيها وإلى يمينه وشماله غلامان حسنان يشرق النّور من وجوههما , ورأيت امرأة بهيّة الخلقة , ورأيت بين يديه شخصاً بهيّ الخلقة جالساً عنده , ورأيت رجلاً واقفاً بين يديه وهو يقرأ هذه القصيدة : لأم عمر باللوي مربع. فلمّا رآني النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , قال لي : مرحباً بك يا ولدي يا عليّ بن موسى الرّضا , سلّم على أبيك عليّ. فسلّمت عليه ، ثمّ قال لي : سلّم على اُمّك فاطمة الزّهراء. فسلّمت عليها ، فقال لي : سلّم على أبويك الحسن والحُسين. فسلّمت عليهما ، ثمّ قال لي : وسلّم على شاعرنا ومادحنا في دار الدُنيا السّيد إسماعيل الحميري. فسلّمت عليه وجلست , فالتفت النّبي إلى السّيد إسماعيل وقال له : عد إلى ما كنّا فيه من إنشاد القصيدة. فأنشد يقول :

لأم عمرو باللوى مربع

طامسة أعلامه بلقع

فبكى النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , فلمّا بلغ إلى قوله : ووجهه كالشّمس إذ تطلع. بكى النّبي وفاطمة (عليهما‌السلام ) معه ومَن معه , ولـمّا بلغ إلى قوله : قالوا لو شئت أعلمتنا إلى من الغاية والمفزع. رفع النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) يديه , وقال : إلهي أنت الشّاهد عليّ وعليهم , إنّي أعلمتهم أنّ الغاية والمفزع عليّ بن أبي طالب. وأشار بيده إليه وهو جالس بين يديه صلوات الله عليه )).

قال عليّ بن موسى الرّضا : (( فلمّا فرغ السّيد إسماعيل الحميري من إنشاد القصيدة , التفت النّبي إليّ وقال لي : يا عليّ بن موسى الرّضا , احفظ هذه القصيدة وأمر شيعتنا بحفظها , واعلمهم إنّ مَن حفظها وأدمن قراءتها , ضمنت له الجنّة على الله )).

قال الرّضا : (( ولم يزل يكرّرها عليّ حتّى حفظتها منه )).

ونحن نتبرّك بإيراد هذه القصيدة ونجعلها خاتمة الباب وإلى الله المرجع وإليه المآب , والقصيدة هذه :

٩١

القصيدة للسيد إسماعيل الحميري (رحمه‌الله )

لأم عمرو باللوى مربع

طامسة أعلامه بلقع

تروح عنه الطير وحشية

والأسد من خيفته تفزع

برسم دار ما بها مؤنس

إلّا ظلال في الثرى وقع

رقش يخات الموت من نفثها

والسم في أنيابها منقع

لما وقفن العيس من رسمها

والعين من عرفانه تدمع

ذكرت من قد كنت ألهو به

فبت والقلب شج موجع

كأن بالنّار لـمّا شفني

من حُبّ أروى كبد تلذع

عجبت من قوم أتوا أحمداً

بخطبة ليس لها موضع

قالوا له لو شئت أعلمتنا

إلى من الغاية والمفزع

إذا توفيت وفارقتنا

وفيهم في الملك من يطمع

فقال لو أعلمتكم مفزعاً

كنتم عسيتم فيه إن تصنعوا

صنيع أهل العجل إذ فارقوا

هارون فالترك له أودع

وفي الذي قال بيان لمن

كان إذا يعقل أو يسمع

ثم أتته بعد ذا عزمة

من ربه ليس لها مدفع

أبلغ وإلّا لم تكن مبلغاً

والله منهم عاصم يمنع

فعندها قام النّبي الذي

كان بما يأمره يصدع

يخطب مأمور وفي كفه

كف عليّ ظاهراً يلمع

رافعها أكرم بكف الذي

يرفع والكف الذي ترفع

يقول والأملاك من حوله

والله فيهم شاهد يسمع

من كنت مولاه فهذا له

مولى فلم يرضوا ولم يقنع

فاتهموه وجنت منهم

على خلاف الصّادق الأضلع

وظل قوم غاضهم فعله

كأنما آنافهم تجدع

حتى إذا واروه في قبره

وانصرفوا عن دفنه ضيع

ما قال بالأمس وأوصى به

واشتروا الضر بما ينفع

وقطعوا أرحامه بعده

فسوف يجزون بما قطع

٩٢

وازمعوا غدراً بمولاهم

تباً لـمّا كان به أزمع

لا هم عليه يردوا حوضه

غداً ولا هو فيهم يشفع

حوض له ما بين صنعا إلى

أيلة والعرض به أوسع

ينصب فيه علم للهدى

والحوض من ماء له مترع

يفيض من رحمته كوثر

أبيض كالفضة أو انصع

حصاه ياقوت ومرجانة

ولؤلؤ لم تجنه أصبع

بطحاءه مسك وحافاته

يهتز منها مونق مربع

أخضر ما دون الورى ناضر

وفاقع أصفر أو انصع

فيه أباريق وقد حانه

يذب عنها الرجل الأصلع

يذب عنها ابن أبي طالب

ذباً كجرباء إبل شرع

والعطر والريحان أنواعه

ذاك وقد هبت به زعزع

ريح من الجنّة مأمورة

ذاهبة ليس لها مرجع

إذا دنوا منه لكي يشربوا

قال لهم تباً لكم فارجع

دونكم فالتمسوا منهلا

يرويكم أو مطمع يشبع

هذا لمن والى بني أحمد

ولم يكن غيرهم يتبع

فالفوز للشارب من حوضه

والويل والذل لمن يمنع

والناس يوم الحشر راياتهم

خمس فمنها هالك أربع

فراية العجل وفرعونها

وسامري الأمة المشنع

وراية يقدمها أذلم

عبد لئيم لكع أكوع

وراية يقدمها حبتر

للزور والبهتان قد أبدع

وراية يقدمها نعثل

لا برد الله له مضجع

أربعة في سقر أودعوا

ليس لهم من قعرها مطلع

وراية يقدمها حيدر

وراية الحمد له ترفع

غدا يلاقي المصطفى حيدر

وراية الحمد له ترفع

مولا له الجنّة مأمورة

والنار من إجلاله تفزع

إمام صدق وله شيعة

يرووا من الحوض ولم يمنع

٩٣

بذاك جاء الوحي من ربنا

يا شيعة الحق فلا تجزع

الحميري مادحكم لم يزل

ولو يقطع أصبع أصبع

وبعدها صلوا على الـمُصطفى

وصنوه حيدرة الأصلع

المجلس الخامس

من الجزء الثّاني في الليلة الثّامنة من عشر الـمُحرّم

وفيه أبواب ثلاثة

الباب الأوّل

أيّها الإخوان والأصحاب ، كيف لا يعظم عليكم المصاب والحزن والاكتئاب , وقد أصبح لهم آل الرّسول ثاوياً على التّراب ، وتلك الأبدان المعظّمة عارية من الثّياب , ودماءهم مسفوكة بسيوف أهل الضّلال , ووجوه بناته مبذولة لأعين الأنذال ؟

فياليت فاطمة تنظر إلى الفاطميات بين العدى حاسرات , وهن ما بين نادبة : وا أخاه ! وقائلة : وا أباه ! وصارخة : يا جدّاه ! وباكية : وا كرباه ! مشققات الجيوب , مفجوعات بفقد المحبوب , ناشرات للشعور , بارزات من الخدور , لا طمات للخدود , عادمات للجدود , متعبات بالنّياحة والعويل , فاقدات للمحامي والكفيل. فيا عظم ما اُصيب به الرّسول وابتلي فيه أولاد البتول ! فالحكم لله ولا حول ولا قوّة إلّا بالله :

ألا يا رسول الله لو كنت فيهم

لشاهدتهم في حالة تذهل الفكرا

فهم بين أطفال يتامى ونسوة

أيامى وصرعى كالندامى سقوا خمرا

رؤوسهم فوق القنا وعيالهم

بأيدي أعاديهم تسوقهم قهرا

ومن أفظع الأشياء يا خير مرسل

مساومة استرقاق فاطمة الصغرى

مصاب بكت منه السّماء وأهلها

واشفت به الشم الرعان على المسرا

فيا ويلهم كأنّهم لم يسمعوا ما قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : (( إنّ الله عزّ وجلّ قد حرّم الجنّة على مَن ظلم أهل بيتي وقاتلهم وسالبهم والمعرض عنهم , أولئك

٩٤

لاخلاق لهم في الآخرة , ولا يكلّمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم )). آياتهم باهرة ومعجزاتهم واضحة ظاهرة وهم أعلام الـمُسلمين في الدُنيا والآخرة.

روي عن يحيى اُمّ الطّويل , أنّه قال : كنت عند مولاي الحُسين (عليه‌السلام ) إذ دخل عليه شاب وهو يبكي , فقال له الحُسين (عليه‌السلام ) : (( ما الذي يبكيك يا شاب ؟ )). قال : يابن رسول الله , إنّ اُمّي ماتت في هذه السّاعة وقد تركت مالاً عظيماً , ولم توصي إليّ شيء ولم أعلم أين دفنته , وقد حرمته. فقال الحُسين (عليه‌السلام ) : (( ما الذي قالت لك عند موتها ؟ )). قال : قالت لي : إذا أردت أن تفعل أمراً من الاُمور لا تعلمه إلاّ بما يشير به إليك الحُسين ابن بنت رسول الله. فما تأمرني به يا مولاي ؟ فقال الحُسين (عليه‌السلام ) : (( أتحبّ أن يحيي الله اُمّك وتخبرك بما تريد ؟ )). فقال الشّاب : يا حبّذا. فقام الحُسين (عليه‌السلام ) مع الشّاب والنّاس معهما حتّى أتى منزل اُمّه , فوقف عليها ودعا إلى الله تعالى بدعوات لم نفهمها , ثمّ قال لها : (( قومي يا أمة الله بإذن الله تعالى , وأوصي إلى ابنك بما تريدين )). فقامت وهي تشهد وتقول : السّلام عليك يابن رسول الله , اعلم أنّ عندي مالاً جزيلاً موضوعاً في مكان كذا وكذا , فاستخرجه وخذ ثلثيه لك أنفقه بما شئت , وثلثه الآخر ادفعه لابني هذا إن كنت تعلم أنّه محبّ لكم وموال لكم , وإن كان مخالفاً فامنعه عنه ؛ لأنّ مالي مُحرّم على مَن يبغضكم أهل البيت. ثمّ إنّها ماتت رحمها الله تعالى , فأمر الحُسين (عليه‌السلام ) بتغسيلها وتكفينها وصلّى عليها ودفنها.

انظروا يا إخواني إلى هذا الأمر العظيم والخطب الجسيم , وهو ليس بكثير منهم ولا بمستبعد عنهم , وقد ظهر لهم من الفضل ما لا يحصى ومن المعجزات ما لا يستقصى , فالويل لِمَن خذلهم وهوى غيرهم ورد لهم.

وروي عن أبي الحصين (رضي‌الله‌عنه ) , قال : رأيت شيخاً مكفوف البصر فسألته عن السّبب , فقال : إنّي من أهل الكوفة وقد رأيت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) في المنام , وبين يديه طشت فيه دم عظيم من دم الحُسين (عليه‌السلام ) , وأهل الكوفة كلّهم يُعرضون عليه فيلطخهم بالدّم دم الحُسين (عليه‌السلام ) , حتّى انتهيت إليه وعُرضت عليه , فقلت : يا رسول الله , ما ضربت بسيف ولا رميت بسهم ولا كثرت السّواد عليه. فقال لي : (( صدقت , ألست من أهل الكوفة ؟ )). فقلت : بلى. قال : (( فلِمَ لا نصرت ولدي ولِمَ لا

٩٥

أجبت دعوته ؟ ولكنّك هويت قتلة الحُسين وكنت من حزب ابن زياد )). ثمّ إنّ النّبي أومى إليّ بإصبعه فأصبحت أعمى , فوالله , ما يسرّني أن يكون لي حمر النّعيم , ووددت أن أكون شهيداً بين يدي الحُسين (عليه‌السلام ).

وروي في بعض الأخبار : أنّ رسول الله كان نائماً في بيت عائشة وقت القائلة , فاستيقظ من نومه وهو يبكي , فقالت له عائشة : ما يبكيك يا رسول الله فداك أبي واُمّي ونفسي ؟! قال لها : (( إنّ جبرائيل أتاني في نومي وقال : ابسط يدك يا مُحمّد. فناولني قبضة من تراب أحمر , وقال لي : هذه تربة من أرض كربلاء يُقتل فيها ابنك الحُسين (عليه‌السلام ) , تقتله اُمّتك يا محمد )).

قالت عائشة : فجعل النّبي يحدّثني وهو يبكي ويقول : (( مَن ذا يقتل ابني حُسيناً ؟ مَن ذا يقتل قرّة عيني حُسيناً ؟ لا أناله الله شفاعتي يوم القيامة ))

ثمّ قالت عائشة : والله , لقد قال لي رسول الله : (( ادع لي ابنتي فاطمة الزّهراء )). فأسرعت إليها , فجاءت وهي تقود ابنيها الحسن والحُسين كلّ واحد منهما بيد , وجاء عليّ (عليه‌السلام ) يمشي خلفهما حتّى دخلوا حجرة النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , فأجلس عليّاً عن يمينه وأجلس فاطمة عن شماله وأجلس الحسنين بين يديه , ثمّ تناول كساء جرباً فلفّهم فيه جميعاً , وأخذ بيده اليمنى طرفاً من الكساء وبيده اليسرى الطّرف الآخر , ورفع رأسه إلى نحو السّماء وقال : (( اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي ، اللّهمّ اذهب عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيراً )). حتّى قالها ثلاث مرّات. فقالت عائشة : ثمّ جاءت جارية فاطمة ومعها إناء فيه عصيدة وخبز في طبق , فوضعته بين أيديهم , فجعلوا يأكلون جميعاً والنّبي يقول لهم : (( كلوا هنيئاً مريئاً قد أذهب الله عنكم الرّجس وطهّركم تطهيراً )) :

أعيني جودا في دموع غزيرة

فقد حق إشفاقي وما كنت أحذر

أعيني هذا شافعوا الناس واصلوا

المنايا فمنهم دارعون وحسر

من الأكرمين الغر من آل هاشم

لهم سلف من واضح المجد يذكر

مصابيح أمثال الأهلة إذ هم

لدى الجود أو دفع الكريهة أبصر

بهم فجعتنا والفوادح كأسمها

تميم أو بكر والسكون وحمير

وهمدان قد جاشت علينا وأجلست

هوازن في أفناء قيس واعصر

وفي كلّ حي نضحة من دمائنا

بني هاشم يعلو سناها ويشهر

٩٦

فللّه محيانا وكان مماتنا

وللّه قتلانا تدان وتنشر

لكل دم مولى ومولى دمائنا

لمرتقب يعلو عليكم ويظهر

فسوف يرى أعداءنا حين نلتقي

لأي الفريقين النّبي المطهر

روى ابن وهب (رضي‌الله‌عنه ) , قال : دخلت يوم عاشوراء إلى دار إمامي جعفر الصّادق (عليه‌السلام ) فرأيته ساجداً في محرابه , فجلست من ورائه حتّى فرغ , فأطال في سجوده وبكائه , فسمعته يناجي ربّه وهو ساجد يقول : (( اللّهمّ , يا مَن خصّنا بالكرامة ووعدنا الشّفاعة , وحملنا الرّسالة وجعلنا ورثة الأنبياء , وختم بنا الاُمم السّالفة وخصّنا بالوصية , وأعطانا علم ما مضى وما بقي , وجعل الأفئدة من النّاس تهوي إلينا. اغفر اللّهمّ لإخواني ولزوّار أبي عبد الله الحُسين (عليه‌السلام ) , الذين انفقوا أموالهم في حبّه وشخصوا أبدانهم , رغبة في برّنا ورجاء لما عندك في صلتنا , وسروراً أدخلوه على نبيّك مُحمّد (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) , وإجابة منهم لأمرنا وغيظاً أدخلوه على عدوّنا ؛ وأرادوا بذلك رضوانك.

اللّهمّ , فكافهم عنّا بالرّضوان , واكلأهم بالليل والنّهار , واخلفهم في أهاليهم وأولادهم الذين خلفوا أحسن الخلف , واكفهم شرّ كلّ جبّار عنيد , وكلّ ضعيف من خلقك وشديد , وشرّ شياطين الإنس والجن , وأعطهم أفضل ما أملوه منك في غربتهم عن أوطانهم , وما آثرونا به على أبنائهم وأهاليهم وأقربائهم.

اللّهمّ , إنّ أعداءنا عابوا عليهم خروجهم , فلم ينههم ذلك عن النّهوض والشّخوص إلينا ؛ خلافاً منهم على مَن خالفنا , فارحم تلك الوجوه التي غيّرتها الشّمس , وارحم تلك الخدود التي تقلّبت على قبر أبي عبد الله الحُسين , وارحم تلك الأعين التي جرت دموعها رحمة لنا , وارحم تلك القلوب التي حزنت لأجلنا واحترقت بالحزن , وارحم تلك الصّرخة التي كانت لأجلنا.

اللّهمّ , إنّي استودعك تلك الأنفس وتلك الأبدان حتّى ترويهم من الحوض يوم العطش الأكبر , وتدخلهم الجنّة وتسهّل عليهم في يوم الحساب , إنّك أنت الكريم الوهّاب )).

قال : فما زال الإمام (عليه‌السلام ) يدعو لأهل الإيمان ولزوّار قبر الحُسين وهو ساجد في محرابه , فلمّا رفع رأسه , أتيت إليه وسلّمت عليه وتأمّلت وجهه , وإذا هو كاشف اللون متغيّر الحال ظاهر الحزن , ودموعه تنحدر على خدّيه كاللؤلؤ الرّطب , فقلت : يا سيّدي , ممّ بكاؤك لا أبكى الله لك عيناً ؟ وما الذي حلّ بك ؟ فقال لي : (( أوفي غفلة عن

٩٧

هذا اليوم ؟ أما علمت أنّ جدّي الحُسين قد قُتل في مثل هذا اليوم ؟! )). فبكيت لبكائه وحزنت لحزنه , فقلت له: يا سيّدي , فما الذي أفعل في مثل هذا اليوم ؟ فقال لي : (( يابن وهب , زر الحُسين (عليه‌السلام ) من بعيد أقصى ومن قريب أدنى , وجدّد الحزن عليه وأكثر البكاء والشّجون له )). فقلت : يا سيّدي , لو أنّ الدّعاء الذي سمعته منك وأنت ساجد كان كمن لا يعرف الله تعالى , لظننت أنّ النّار لا تطعم منه شيئاً , والله , لقد تمنّيت إنّي كنت زرته قبل أن أحج. فقال لي : (( فما الذي يمنعك من زيارته يابن وهب ؟ ولِمَ تدع ذلك ؟ )).

فقلت : جعلت فداك ! لم أدر أنّ الأجر يبلغ كلّه حتّى سمعت دعاءك لزوّاره. فقال لي : (( يابن وهب , إنّ الذي يدعو لزوّاره في السّماء أكثر ممّن يدعو لهم في الأرض , فإيّاك أن تدع زيارته لخوف من أحد , فمَن تركها لخوف , رأى الحسرة والنّدم حتّى أنّه يتمنّى أنّ قبره نبذه. يابن وهب , أما تحبّ أن يرى الله شخصك ؟ أما تحبّ أن تكون غداً ممّن رأى وليس عليه ذنب يتبع به ؟ أما تحبّ أن تكون غداً ممّن يصافحه رسول الله يوم القيامة ؟ )).

قُلت : يا سيّدي , فما قولك في غير تبييت ؟ فقال لي : (( لا تجعله صوم يوم كامل , وليكن إفطارك العصر بساعة على شربة من ماء ؛ فإنّه في ذلك الوقت انجلت الهيجاء عن آل الرّسول وانكشفت الغمّة عنهم , ومنهم في الأرض ثلاثون قتيلاً من مواليهم من أهل البيت , يعزّ على رسول الله مصرعهم ولو كان حيّاً لكان هو المعزّى بهم )).

قال : وبكى الصّادق (عليه‌السلام ) حتّى اخضلت لحيته بدموعه , ولم يزل حزيناً كئيباً طول يومه ذلك وأنا معه أبكي لبكائه وأحزن لحزنه ، وها نحن كيف لا نبكي لِمَن بكى لفقده الرّسول ! وكيف لا نحزن لِمَن حزنت لأجله البتول ! وكيف لا نبكي لبكاء سادتنا ! وكيف لا نحزن لفقد هُداتنا ! أو لا تكونون كبعض مادحيهم حيث عرته الأحزان وتتابعت عليه الأشجان , فنظم وقال فيهم :

القصيدة للشيخ مغامس (رحمه ‌الله تعا لى)

لغيرك يا دنيا نعيت عناني

وذاك لأمر عن غناك غناني

ومن كان في الدُنيا مثلي عارفاً

لواه الذي عن حبهن لواني

نعيت إلى نفسي زمان شبيبتي

وشيبي إلى هذا الزمان نعاني

وانفذت في اللذات أيام صحتي

فلمّا لحى عظمي السقام لحاني

٩٨

لقد ستر الستار حتّى كأنه

بعفو عن اسم المذنبين محاني

ولو أنني أديت في ذاك شكره

لكنت رعيت الحق حين رعاني

ولكنني بارزته بجرائم

كأن لم يكن عن مثلهن نهاني

أقول لنفسي إن أردت سلامة

فديني فما لي في الغداة بداني

ذري حذري يذري دموعي لعله

إذا ما سقاني بالدموع شفاني

فإني لأخشى أن يقول امرته

بأمر وقد امهلته فعصاني

ولي عنده يوم النشور وسيلة

بها أنا راج صفح ما أنا جاني

بنو الـمُصطفى الغر الذين اصطفاهم

وميزهم من خلقه بمعاني

أناف بهم في الفخر عبد منافهم

فما لهم عند المدان مداني

أبروا حمى من يرجي ويتقي

ليوم طعام أو ليوم طعان

وإن لهم في سالف الدهر وقعة

لدى الطف تجري الدمع بالهملان

غداة ابن سعد يستعد لحربهم

بكل معدي وكل يماني

غداة تسمى مسلماً وهو خادم

لنجل عقيل مسلم ولهاني

غداة دعوا النصاب سبط مُحمّد

خداعاً بإيمان لهم وأماني

غداة أتى من أهله في عصابة

يجوبوا بها البيداء بغير تواني

غداة دعوة فيهم أقبلت قاصداً

لأنت مريب قاصداً لبيان

غداة دعا كاتبتموني فاقبلت

هجائن عزمي نحوكم وهجاني

غداة دعوا فأنزل الحكم أميرنا

وإلّا لحرب يا حسين عواني

غداة دعا أن لم تنيبوا لربكم

فخلوا سبيلي والرجوع لشاني

غداة أبو أن يرجع السبط فانثنى

وما هو فيما بينهم بمعاني

غداة استحث اليعملات فلم تسر

وقد ضربت في كربلاء بحران

غداة دعا انصاره الآن فانزلوا

نزول تفان لا نزول تهان

ففي هذه حقاً تجول رجالنا

وقطع أكف بيننا وبنان

وفي هذه حقاً تجول خيولنا

مجال قتال لا مجال رهان

وفي هذه حقاً تعلى رؤوسنا

على مستقيمات الكعوب لدان

ودارت بهم خيل الأعادي فجرعوا

كؤوس المنايا والحتوف دواني

٩٩

فلم يبق إلّا السبط يحمل فيهم

لدى لبدة في حومة الجولان

إذا ما التقاه الجحفل اللحب رده

بعضب له ذي رونق وسنان

إلى حيث أرداه سنان برمحه

فخر كطوب من هضاب رهان

واقبل شمر ساحب الذيل نحوه

وفي كفه ماضي الغروب يماني

فقال له من أنت قال أنا الذي

اسمي بشمر والضباب نماني

فقال وهل بي أنت يا شمر عارف

أم أنت كفور أم جهلت مكاني

فقال له أنت الحُسين ابن فاطم

وما لك في هذه البرية ثاني

فجاءته تمشي زينب إبنة فاطم

مقرحة الأحشاء في لهفاني

فقالت لشمر ذي الخنا وهو مثخن

بحلق حسين للمهند حاني

أيا شمر أم والله لو كنت مسلماً

لربك أو أيقنت أنك فان

لما كنت يا شمر أجترءت عظيمة

بها يوم تأتي يشهد الملكان

أيا شمر جهلاً قد جنيت جناية

لأمثالها لم يجن قبلك جاني

أيا شمر إن الخصم فيها مُحمّد

وحيدر والزهراء والحسنان

أيا شمر أبشر سوف تلقى مُحمّد

فتشقى ولا تسقى رحيق جنان

أيا شمر هذا واحدي قد قتلته

وحسبي به حسبي به وكفاني

أيا شمر من ذا للزمان نعده

إذا ما زماني بالخطوب رماني

أيا شمر ألا قبل ذاك قتلتني

فما لي عيش بعد ذاك بهاني

أيا شمر من ذا يرعوي لأرامل

أراها تسح الدمع حين تراني

ولما رنت نحو الحُسين ونحوه

خضيب بما قد اسبل الودجان

دعت يا أخي يعز عليك بأنني

أراك قطيع الرأس رأي عياني

أخي إن بكت نفسي أساً فلعلني

بكيت لأمر عن أساك عنان

أخي ما الحجالي عن حجالي بحاجب

ولا عنك إذا بكى نهاي نهاني

أخي أي أحداث الطوارق اشتكي

فقد قض دمعي طارق الحدثان

اخي من عمادي في الزمان وناصري

ولم يبق إلّا شقوتي وهوان

أخي إن رمتني الحادثات بريبها

فقد كنت فيها عدتي وأماني

أخي ليس للمبقي لحالي بقية

عليك مصاب شفني وبراني

١٠٠