مقتل الحسين وأنصاره

مقتل الحسين وأنصاره0%

مقتل الحسين وأنصاره مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 402

مقتل الحسين وأنصاره

مؤلف: العلامة المحقق الدكتور نجاح الطائي
تصنيف:

الصفحات: 402
المشاهدات: 32828
تحميل: 2282

توضيحات:

مقتل الحسين وأنصاره
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 402 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 32828 / تحميل: 2282
الحجم الحجم الحجم
مقتل الحسين وأنصاره

مقتل الحسين وأنصاره

مؤلف:
العربية

الخمر.

قال: أنا أشرب الخمر، والله إنّ الله ليعلم أنّك غير صادق وإنّك قلت بغير علم، وإنّي لست كما ذكرت، وإنّ أحقّ بشرب الخمر منّي من يلغ في دماء المسلمين، ولغاً فقتل النفس التي حرّم الله قتلها، ويقتل النفس بغير النفس، ويسفك الدم الحرام، ويقتل على الغضب والعداوة وسوء الظنّ، وهو يلهو ويلعب كأنّ للم يصنع شيئاً.

فقال ابن زياد: يا فاسق إنّ نفسك تمنّيك ما حال الله دونه ولم يرك أهله.

قال: فمن أهله يا بن زياد؟

قال: أمير المؤمنين يزيد.

قال: الحمد لله رضينا بالله حكماً بيننا وبينكم.

قال: كأنّك تظنّ أنّ لكم في الأمر شيئاً؟

قال: ما هو الظنّ ولكنّه اليقين.

قال: قتلني الله إن لم أقتلك قتلة لم يقتلها أحد في الإسلام.

قال: أما إنّك أحقّ من أحدث في الإسلام حدثاً لم يكن منه، أما إنّك لا تدع سوء القتلة وقبح المثلة وخبث السريرة ولؤم الغلبة(١) لا أحد أحقّ بها منك.

فأخذ ابن زياد يشتمه ويشتم عليّاً وحسيناً وعقيلا، وأخذ مسلم بالسكوت والإعراض عنه.

فقال ابن زياد: اصعدوا به، وأُحضر بكير، فأمره أن يضرب عنقه ويتبع برأسه جسده من أعلى القصر، فصاح مسلم بمحمد بن الأشعث: قم بسيفك دوني فقد أخفرت ذمّتك، أما والله لولا أمانك ما استسلمت.

____________________

(١) إذا غلب اللئيم تبجّح وظهر عليه التجبّر، وإذا غلب الكريم استحيى وصغرت له همّته ما فعل، فلؤم الغلبة التبجّح والاستعلاء، وكرمها التصاغر والاستيحاء

٦١

فأعرض محمد وجعل مسلم يسبّح الله ويقدّسه ويكبّره ويستغفره ويصلّي على أنبياء الله وملائكته ويقول: اللهمّ احكم بيننا وبين قومنا غرّونا وكذّبونا وأذلّونا، فأشرف به من على القصر فضربت عنقه وأتبع جسده رأسه، ونزل بكير فقال له ابن زياد: وما كان يقول؟

قال: إنّه كان يسبّح ويستغفر فلمّا أدنيته لأقتله قلت: الحمد لله الذي أقادني منك، وضربته ضربة لم تغن شيئاً، فقال لي:

أما ترى في خدش تخدشنيه وفاً من دمك أيّها العبد.

فقال ابن زياد: أوفخراً عند الموت؟ ثمّ قال: إيه.

قال: وضربته الثانية فقتلته.

ثمّ أمر ابن زياد فقتل هاني وجملة من المحبوسين وجرّت جثّتا مسلم

وهاني بحبلين في الأسواق، وقتل مسلم في اليوم الثامن من ذي الحجّة يوم خروج الامام الحسين (عليه‌السلام ) من مكّة.

قال أبو مخنف: وحدّث عبدالله بن سليم والمنذري بن المشمعل الأسديّان قالا: لـمّا قضينا حجّنا لم تكن لنا همّة إلّا اللحاق بالامام الحسين (عليه‌السلام ) في الطريق لننظر ما يكون من أمره وشأنه، فأقبلنا ترقل بنا ناقتانا مسرعين حتى لحقناه بزرود، فلمّا دنونا منه إذا نحن برجل من أهل الكوفة قد عدل عن الطريق حين رأى الامام الحسين (عليه‌السلام ). قالا: فوقف الامام الحسين (عليه‌السلام ) كأنّه يريده، ثمّ تركه ومضى، فقال أحدنا لصاحبه: إمض بنا إليه لنسأهل عن خبر الكوفة. فانتهينا إليه وسلّمنا وانتسبنا فإذا هو بكير بن المثعبة الأسدي، فاستخبرناه عن الكوفة، فقال:

ما خرجت حتى رأيت مسلماً وهانياً قتيلين يجرّان بأرجلهما في السوق، ففارقناه ولحقنا بالامام الحسين ، فسلّمنا عليه وسايرناه حتى نزل الثعلبية ممسياً،

٦٢

فدخلنا عليه وقلنا له:

يرحمك الله إنّ عندنا خبراً إن شئت حدّثناك به علانية وإن شئت سرّاً. فنظر إلى أصحابه وقال: ما دون هؤلاء سرّ. فقلنا: أرأيت الراكب الذي استقبلك عشاء أمس؟

قال: نعم وقد أردت مسألته.

فقلنا: قد استبرأنا لك خبره، وكفيناك مسألته، وهو إمرؤ من أسد منّا ذوي رأي وصدق وفضل وعقل، وإنّه حدّثنا بكيت وكيت.

فاسترجع وقال: رحمة الله عليهما وكرّره مراراً. فقلنا: ننشدك الله في نفسك وأهل بيتك إلّا انصرفت فإنّه ليس لك بالكوفة ناصر بل نتخوّف أن يكونوا عليك. فاعترضته بنو عقيل بأنّنا لا نترك ثأرنا.

فالتفت إلينا الامام الحسين (عليه‌السلام ) و قال: لا خير في العيش بعد هؤلاء، فعلمنا أنّه عزم على المسير، فقلنا له: خار الله لك، فدعا لنا، فقال له أصحابه: إنّك والله ما أنت مثل مسلم ولو قدمت الكوفة كان الناس إليك أسرع.

قال أهل السير: ولـمّا ورد الامام الحسين (عليه‌السلام ) زبالة أخرج كتاباً لأصحابه فقرأه عليهم وفيه:

أمّا بعد; فقد أتانا خبر فظيع إنّه قتل مسلم وهاني وعبدالله بن يقطر. وقد خذلنا شيعتنا; فمن أحبّ منكم الإنصراف فلينصرف ليس عليه منّا ذمام.

فتفرّق الناس عنه يميناً و شمالا إلّا صفوته.

وروى بعض المؤرّخين أنّ الامام الحسين لـمّا قام من مجلسه بالثعلبيّة توجّه نحو النساء وانعطف على ابنة لمسلم صغيرة فجعل يمسح على رأسها فكأنّها أحسّت، فقالت: ما فعل أبي؟

٦٣

فقال: يا بنيّة أنا أبوك، ودمعت عينه، فبكت البنت وبكت النساء لذلك.

قال أهل السير: ثمّ انّ ابن زياد بعث برأسي مسلم وهاني إلى يزيد مع هاني بن أبي حيّة الوداعي والزبير بن الأروح التميمي، واستوهبت الناس الجثث فدفنوها عند القصر حيث تزار اليوم، وقبراهما كلّ على حدة

قال السيد الباقر بن السيد محمد الهندي فيه:

سقتك دماً يابن عمّ الامام الحسين

مدامع شيعتك السافحة

ولا برحت هاطلات الدموع

تحيّيك غادية رائحة

لأنّك لم تروِ من شربة

ثناياك فيها غدت طائحة

رموك من القصر إذ أوثقوك

فهل سلمت فيك من جارحة

تجرّ بأسواقهم في الحبال

ألست أميرهم البارحة

أتقضي ولم تبكك الباكيات

أما لك في المصر من نائحة

لئن تقض نحباً فكم في زرود

عليك العشيّة من صائحة

ولي في ذلك:

نزفت دموعي ثمّ أسلمني الجوى

لقارعة ما كان فيها بمسلم

أجيل وجوه الفكر كيف تخاذلت

بنو مضر الحمراء عن نصر مسلم

أما كان في الأرباع(١) شخص بمؤمن

وما كان في الأحياء حيّ بمسلم(٢)

____________________

(١) - أرباع الكوفة وهي المدينة وكندة ومذحج وتميم، وتدخل ربيعة مع كندة وأسد مع مذحج وهمدان مع تميم، وتنضمّ غيرهم إليهم في الجميع يقال: أرباع الكوفة وأخماس البصرة، وقد تقّدم ذلك.

(٢) - الأوّل إسم فاعل من أسلمه إلى الشيء بمعنى أعطاه إيّاه وخذله، والثاني العلم والمترجم، والثالث إسم فاعل من أسلم خلاف كفر. ابصار العين ،السماوى

٦٤

الخوف في صفوف أهل الكوفة

لقد بث عبيد الله الاموي الخوف والرعب فى صفوف الناس فكان يقتل على الظن والشبهة ويحرق البيوت والاشجار ويذبح النساء.

مما أشاع حالة من الرعب فى صفوف المواطنين تمكن بها النظام من فرض سيطرته على الكوفة.

ويتجلى الخوف والرعب في صفوف الناس فى هذا النص :

«... إنّ المرأة كانت تأتي ابنها أو أخاها فتقول : انصرف، النّاس يكفونك ويجىء الرَّجُل إلى ابنه أو أخيه، فيقول : غداً يأتيك أهل الشَّام، فما تصنع بالحرب والشّر..؟»(١)

خوف الدولة من انضمام الناس الى معسكر الحسين (عليه‌السلام )

كان العراق وما زال مقراً لشيعة أهل البيت بكثافته السكانية لذا خاف عبيد الله بن زياد من التحاق الشيعة بالامام الحسين بملايين لا تستطيع الدولة صدها ،خاصة وان المسلمين لا يستطيعون سماع نداء الامام الحسين ورده ،وكانت الخطوات كالاتي :

رفض مشروع الحوار مع الإمام الحسين.

الاسراع في محاربة الإمام الحسين والقضاء عليه.

منع المسلمين من الالتحاق بالإمام الحسين.

استخدام شتى الوسائل الجاهلية فى سبيل القضاء على الإمام الحسين منها: العطش :استخدام هذا السلاح الى أقصى درجة ممكنة(٢) مثلما فعل طغاة قريش فى

____________________.

(١) - اُنظر، تأريخ الطّبري : ٥ / ٣٧١.

(٢) - «... ورجعت تلك الخيل (الّتي منعت الأسدين من الوصول إلى معسكر الحسين) حتّى نزلت على الفرات، وحالوا بين الحسين وأصحابه وبين الماء، فأضر العطش بالحسين وبمن معه».

٦٥

بدر و كما فعل معاوية فى صفين.

اعدام بعض الناس الممتنعين من الالتحاق بجيش الدولة لبث الذعر فى صفوف أهالي الكوفة، و منعهم من العصيان أو الالتحاق بصفوف الامام الحسين (عليه‌السلام ).

شراء ذمم الناس بالاموال وبث الوعود الدنيوية بينهم.

نشر أكبر عدد ممكن من الجواسيس.

و فى العاشر من المحرّم، استمر هذا الفعل الدنيء اذ جاء :

«حدثني من شهد الامام الحسين في عسكره أنّ حسيناً حين غُلب على عسكره ركب الـمُسناة يريد الفرات، قال : فقال رجل من بني أبان بن دارم : ويلكم حولوا بينه وبين الماء، لا تتأمّ إليه شيعته»(١) .

فالقيادة الاموية كانت تتوقع التحاق القبائل المجاورة وسكان المدن القريبة بالثوار فى كل لحظة، و هذا ما دفعهم لانهاء المعركة سريعا

الفصل الرابع: الحسين مع الحر

____________________

(منه(قدس‌سره )). المصدران المذكوران في هامش رقم «١».

(١) - اُنظر، تأريخ الطّبري : ٥٤ / ٤٤٩ وقد أورد ابن نما الحلّي اسم هذا المقاتل في (مثير الأحزان : ٥٣) وهو (زرعة بن أبان بن دارم) وأنّه، قال : حولوا بينه وبين الماء، ولم يذكر ابن نما عبارة (لا تتامّ إليه شيعته). (منه(قدس‌سره )).

انُظر، مقتل الحسين لأبي مخنف : ٩٨٧، مقتل الحسين للخوارزمي : ١ / ٢٤٠ و ٢٤٤، و : ٢ / ٣٢، الإرشاد للشيخ المفيد : ٢ / ٨٦، تأريخ الطّبري : ٤ / ٣٤٣ وما بعدها، الأخبار الطّوال : ٢٤٧، عوالم العُلوم : ١٧ / ٢٣٤، الكامل لابن الأثير : ٨ / ١٨٨ و ٩ / ٣٨، البداية والنهاية : ٨ / ١٧٢، أنساب الأشراف : ١٧٦، إعلام الورى : ٢٤٠ - ٢٥١، مقاتل الطّالبيّين : ٧٤، نفس المهمُوم للمّحدث القمّي: ١١٦، تأريخ ابن عساكر ترجمة الإمام الحسين : ٣٤٦، الـمُعجم الكبير : ١ / ٢٥٤ ح ٧٥، مجمع الزّوائد : ٩ / ١٩٣، الإتحاف بحبّ الأشراف للشّبراوي : ١٤٥، بتحقّيقنا.

٦٦

إلتقاء الحسين (عليه‌السلام )بالحر

ثمّ سار الحسين فمرّ ببطن العقبة(١) فنزل شراف(٢) وبات بها، فلمّا أصبح سار فطلعت خيل عليهم فلجأ إلى ذي حسم(٣) فإذا هو الحرّ بن يزيد في ألف فارس يمانعه عن السير بأمره وقد بعثه الحصين بن تميم التميمي وكان على مسلحة الطف التي نظمها ابن زياد من البصرة إلى القادسيّة، فصلّى بهم الامام الحسين الظهر، ثمّ خطبهم (عليه‌السلام ) قائلا:

أيّها الناس ! إنّي لم آتِكم حتّى أتتني كتبكم وقدمت عليّ رسلكم أن أقدم إلينا فإنّه ليس علينا إمام لعلّ الله أن يجمعنا بك على الهدى والحقّ، فإن كنتم على ذلك فأعطوني ما أطمئنّ إليه من عهودكم ومواثيقكم، وإن لم تفعلوا وكنتم لقدومي كارهين انصرفت عنكم إلى المكان الذي جئت منه إليكم.

فسكتوا عنه، ثمّ صلّى بهم العصر فخطبهم (عليه‌السلام ) فقال:

أيها الناس ! إنّكم إن تتّقوا وتعرفوا أنّ الحقّ لأهله يكن أرضى لله عنكم، ونحن أهل بيت محمّد أولى الناس بولاية هذا الأمر من هؤلاء المدّعين ما ليس لهم، والسائرين فيكم بالجور والعدوان، فإن أبيتم إلاّ كراهيّةً لنا وجهلاً بحقّنا وكان رأيكم غير ما أتتني به كتبكم وقدمت علي به رسلكم انصرفت عنكم.

فقال له الحرّ: والله ما أدري ما هذه الكتب التي تذكر.

فقال الامام الحسين لعقبة بن سمعان (غلام لزوجته الرباب ابنة إمرء القيس ): قم فأخرج الخُرجَين اللذين فيهما كتبهم.

____________________

(١) - بالحركات - موضع عند واقصة.

(٢) - بفتح الشين المعجمة - موضع عند واقصة، أيضاً بينها وبين الفرعاء.

(٣) - بضم الحاء المهملة وفتح السين المهملة والميم بعد - جبل هنالك كان النعمان يصطاد به، وفيه يقول الشاعر:

*أليلتنا بذي حسم أنيري*

ويمضي في الكتب حسب وخشب وجشم وكلّ غلط من النّساخ.

٦٧

فأتى بهما فنثرت بين يديه.

فقال الحرّ: إنّا لسنا منهم، وقد اُمرنا بملازمتك وإقدامك الكوفة على عبيدالله ابن زياد.فأبى الامام الحسين وترادّا القول في ذلك، ثمّ رضيا بكتابة الحرّ إلى ابن زياد في الاستيذان بالرجوع إلى مكة، فأجابه بالتضييق على الامام الحسين والقدوم به عليه، فأبي عليه الامام الحسين (عليه‌السلام ) فجعل يسير والحرّ يمانعه، ثمّ عزم على السير في طريق، لا يرجع به إلى مكة ولا يذهب به إلى الكوفة، فتياسر والحرّ يلازمه، فنزل وخطب أصحابه.

خطاب الامام الحسين (عليه‌السلام )عند تضييق الحر عليه

بعدما أمر ابن زياد الحر بالتضييق على الحسين (عليه‌السلام ) وأصحابه نزل الامام الحسين(عليه‌السلام ) وألقى كلمة في أصحابه قال فيها :

أمّا بعد; فإنّه قد نزل بنا من الأمر ما قد ترون، ألا و إنّ الدنيا قد تغيّرت وتنكّرت وأدبر معروفها واستمرّت حذاء(١) ولم يبق منها إلّا كصبابة الإناء وخسيس عيش كالمرعى الوبيل، ألا ترون إنّ الحقّ لا يُعمَل به، وإنّ الباطل لا يتناهى عنه، فليرغب المؤمن في لقاء ربّه محقّاً، فإنّي لا أرى الموت إلّا سعادة والحياة مع الظالمين إلّا برما.

فقام أصحابه وأجابوه بما اقتضى خالص الدين، وأوجب محض الإيمان، فركب وتياسر عن طريق العذيب والقادسيّة فمرّ بقصر بني مقاتل ثمّ سار، فأتى إلى الحر أمرٌ من عبيدالله بالتضيّق عليه، فنزل كربلا يوم الخميس ثاني محرّم الحرام من سنة

____________________

(١) - استمرّت دامت، وحذاء - بالحاء المهملة المشدّدة المعجمة - الناقة الماضية بسرعة ونشاط، والناقة المقطوعة الذنب، والرحم التي لم يعلّق بها أحد وينقطع عنها كلّ أحد، وفُسّرت الفقرة في التاج بالمعاني الثلاثة; فعلى الأوّل يكون المعنى أنّ الدنيا أدبر معروفها واستمرّت على ذلك ومضت بسرعة، وعلى الثاني استمرّت على ذلك لم يبق لها شيء يمسكه اللاحق ولا ذنب لها فيقبض، وعلى الثالث استمرّت على ذلك لم يصلها واصل

٦٨

إحدى وستّين وضرب أخبيته هناك، فأتاه عمر بن سعد(١) بالسيل الجارف من الرجال والخيل.

سقى الحسينُ (عليه‌السلام )أعدائه الماء وحرَّموه عليه

وسقى الإمام الحسين (عليه‌السلام ) جيش يزيد بن معاوية الماء في صحراء كربلاء ، ولـمّا سيطروا على الماء منعوا الامام الحسين (عليه‌السلام ) وأهله وصحبه منه فقتلوهم عطشاً(٢) .

الفصل الخامس :علم الانبياء والاوصياء بشهادة الحسين.

(٢) - ابن أبي وقاصّ و هو مالك بن أهيب بن عبد مناف، بن زهرة بن كلاب بن مرّة، يكنى بأبي حفص، لكنه فى الحقيقة من بني عذرة ،و تحالف مع بني زهرة القرشية ،فاصبح قرشي ،و اُمّه أمة، و اُمّ أبيه حمنة بنت سفيان بن اُميّة بن عبد شمس و هو ابن ابن عمّ هاشم المرقال بن عتبة بن أبي وقّاص صاحب عليّ(عليه‌السلام ).

إخبار علي (عليه‌السلام ) المسلمين بمكان شهادة الحسين (عليه‌السلام )

أخبر الإمام علي (عليه‌السلام ) الناس بشهادة الامام الحسين و مكانها في كربلاء و قال للبراء ابن عازب ذلك و أنّه لا ينصره في شهادته فقال البراء :صدق علي بن أبي طالب (عليه‌السلام )، قُتل الامام الحسين (عليه‌السلام ) ولم أنصره. ثمّ أظهر الحسرة على ذلك والندم(٣) .

لـمّا توجّهنا مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه‌السلام ) إلى صفّين ، فبلغنا طفوف كربلاء ، وقف (عليه‌السلام ) ناحية من العسكر ، ثمّ نظر يميناً وشمالا واستعبر ثمّ قال : هذا - والله - مناخ ركابهم وموضع منيّتهم.

فقيل له : ياأمير المؤمنين ، ما هذا الموضع ؟

____________________

(١) - ابن أبي وقاصّ وهو مالك بن أهيب بن عبد مناف، بن زهرة بن كلاب بن مرّة، يكنى بأبي حفص، لكنه فى الحقيقة من بني عذرة ،وتحالف مع بني زهرة القرشية ،فاصبح قرشي ،واُمّه أمة، واُمّ أبيه حمنة بنت سفيان بن اُميّة بن عبد شمس وهو ابن ابن عمّ هاشم المرقال بن عتبة بن أبي وقّاص صاحب عليّ(عليه‌السلام ).

(٢) الاخبار الطوال ٢٤٨ ، تاريخ ابن عساكر في ترجمة الامام الحسين ٤٤٧.

(٣) الإرشاد ١ / ٣٣١ ، المناقب لابن شهر آشوب ٢ / ٢٧٠ نحوه.

٦٩

قال : هذه كربلاء ، يقتل فيها قوم يدخلون الجنّة بغير حساب. ثمّ سار(١) .

فلمّا حاذى الإمام علي (عليه‌السلام ) وجيشه نينوى وهو منطلق إلى صفّين ، نادى علي (عليه‌السلام )اصبر أبا عبدالله ، اصبر أبا عبدالله بشطّ الفرات.

قلت : وماذا ؟

قال : دخلت على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ذات يوم وعيناه تفيضان ، قلت : يانبيّ الله ، أأغضبكَ أحدٌ، ما شأن عينيك تفيضان ؟

قال : بل قام من عندي جبريل قبل فحدّثني أنّ الامام الحسين يقتل بشطّ الفرات.

قال : فقال : هل لك إلى أن أشمّك من تربته ؟

قال : قلت : نعم.

فمدّ يده فقبض قبضةً من تراب فأعطانيها ، فلم أملك عينيّ أن فاضتا(٢) .

ثمّ قال النبي: كيف أنتم إذا نزل بذرّية نبيّكم بين ظهرانيكم ؟

قالوا : إذاً نُبْلى الله فيهم بلاءً حسناً.

فقال : والذي نفسي بيده ، لينزلنّ بين ظهرانيكم ولتخرجنّ إليهم فلتقتلنّهم ، ثمّ أقبل يقول :

هم أوردوهم بالغَرور وعرَّدوا

أحبّوا نجاةً لا نجاةً ولا عُذَر(٣)

____________________

(١) الإرشاد ١ / ٣٣٢ ، وراجع خصائص الأئمّة (عليهم‌السلام ) ٤٧ ، وقرب الإسناد ٢٦ / ٨٧ ، ووقعة صفّين : ١٤٢ ، وكامل الزيارات ٤٥٣ / ٦٨٥ ، وذخائر العقبى ١٧٤.

(٢) مسند ابن حنبل ١ / ١٨٤ / ٦٤٨ ، مسند أبي يعلى ١ / ٢٠٦ / ٣٥٨ ، تهذيب التهذيب ١ / ٥٨٩ / ١٥٧٧ ، الطبقات الكبرى (الطبقة الخامسة) ١ / ٤٢٩ / ٤١٧ عن عامر الشعبي ، تاريخ دمشق ١٤ / ١٨٧ / ٣٥١٧ ، المعجم الكبير ٣ / ١٠٥ / ٢٨١١ نحوه الملاحم والفتن ٢٣٧ / ٣٤٤ وص٣٣٣ / ٤٨٤.

(٣) المعجم الكبير ٣ / ١١٠ / ٢٨٢٣ ، المناقب لابن شهر آشوب ٢ / ٢٧٠ عن عمر بن محمّد الزيّات نحوه.

٧٠

فنزل بكربلاء وقال لابن عبّاس : أتدري ما هذه البقعة ؟

قال : لا.

قال : لو عرفتها لبكيت بكائي. ثمّ بكى بكاءً شديداً ، ثمّ قال : مالي ولآل أبي سفيان ؟!

ثمّ التفت إلى الامام الحسين (عليه‌السلام ) وقال : صبراً يابني فقد لقي أبوك منهم مثل الذي تلقى بعده(١) .

وقال الإمام علي (عليه‌السلام ) : كأنّي بالقصور قد شيّدت حول قبر الامام الحسين ، وكأنّي بالمحامل تخرج من الكوفة إلى قبر الامام الحسين ، ولا تذهب الليالي والأيّام حتّى يسار إليه من الآفاق ، وذلك عند انقطاع ملك بني مروان(٢) .

وقال (عليه‌السلام ) : واهاً أيّتها التربة ، ليحشرنّ منك قوم يدخلون الجنّة بغير حساب.

فلمّا رجع هرثمة من غزوته إلى امرأته - وهي جرداء بنت سمير ، وكانت شيعةً لعلي - فقال لها زوجها هرثمة : ألا أُعجّبك من صديقك أبي الحسن ؟ لـمّا نزلنا كربلاء رفع إليه من تربتها فشمّها وقال : واهاً لك ياتربة ، ليحشرنّ منك قوم يدخلون الجنّة بغير حساب ! وما علمه بالغيب ؟

فقالت : دعنا منك أيّها الرجل ، فإنّ أمير المؤمنين لم يقل إلّا حقّاً.

فلمّا بعث عبيدالله بن زياد البعث الذي بعثه إلى الامام الحسين بن علي وأصحابه، قال : كنت فيهم في الخيل التي بعث إليهم ، فلمّا انتهيت إلى القوم وحسين وأصحابه عرفت المنزل الذي نزل بنا عليٌّ فيه ، والبقعة التي رفع إليه من ترابها ، والقول الذي قاله ، فكرهت مسيري ، فأقبلت على فرسي حتّى وقفت على الامام الحسين ،

____________________

(١) مقتل الحسين ، الخوارزمي ١ / ١٦٢.

(٢) عيون أخبار الرضا ٢ / ٤٨ / ١٩٠ ، صحيفة الإمام الرضا (عليه‌السلام ) ٢٤٨ / ١٦١ ، بحار الأنوار ٤١ / ٢٨٧ / ٩.

٧١

فسلّمت عليه ، وحدّثته بالذي سمعت من أبيه في هذا المنزل.

فقال الامام الحسين : معنا أنت أو علينا ؟

فقلت : يابن رسول الله ، لا معك ولا عليك ، تركت أهلي وولدي أخاف عليهم من ابن زياد.

فقال الامام الحسين : فولِّ هارباً حتّى لا ترى لنا مقتلا ، فوالذي نفس محمّد بيده لا يرى مقتلنا اليوم رجل ولا يغيثنا إلّا أدخله الله النار.

قال : فأقبلت في الأرض هارباً حتّى خفي عليَّ مقتله(١) .

لذلك قال الصادق (عليه‌السلام ) : « من زار قبر الامام الحسين عارفاً بحقّه كتب الله له في علّيين »، و « إنّ حول قبر الامام الحسين (عليه‌السلام ) سبعين ألف ملك شعثاً غبراً يبكون عليه إلى يوم القيامة »(١) .

العلماء :

وقال الزهري وعبدالملك بن مروان : ما رفع بالشام حجر يوم قتل الامام الحسين بن علي (عليه‌السلام ) إلّا عن دم(٢) .

اخبار الامام علي بمقتل جويرية وميثم وعن مقتل جويرية كان جويرية بن مسهر العبدي صالحاً ، وكان لعلي بن أبي طالب صديقاً ، وكان علي يحبّه ، ونظر يوماً إليه وهو يسير ، فناداه : ياجويرية

____________________

(١) شرح الأخبار ٣ / ١٤١ ، وقعة صفّين ١٤٠ ، الأمالي للصدوق ١٩٩ / ٢١٣.

(٢) مجمع الزوائد ٩ / ١٩٦ ، سنن البيهقي ٣ / ٣٢٧ ، ذخائر العقبى ١٤٥ ، تفسير الطبري ٢٥ / ٧٤ ، حلية الاولياء ٢ / ٢٧٦ ، فيض القدير ١ / ٢٤٠.

٧٢

، الحق بي ، فإنّي إذا رأيتك هويتك.

وساروا مع علي (عليه‌السلام ) يوماً فالتفت فإذا جويرية خلفه بعيداً ، فناداه : ياجويرية ، الحق بي لا أباً لك ! ألا تعلم أنّي أهواك وأُحبّك ! قال : فركض نحوه ، فقال له : إنّي محدّثك بأُمور فاحفظها.

ثمّ اشتركا في الحديث سرّاً ، فقال له جويرية : ياأمير المؤمنين ، إنّي رجل نسيّ.

فقال له : إنّي أُعيدُ عليك الحديث لتحفظه ، ثمّ قال له في آخر ما حدّثه إيّاه : ياجويرية ، أحبب حبيبنا ما أحبّنا ، فإذا أبغضنا فأبغضه ، وأبغض بغيضنا ما أبغضنا ، فإذا أحبّنا فأحبّه.

قال : فكان ناس ممّن يشكّ في أمر علي (عليه‌السلام ) يقولون : أتراه جعل جويرية

وصيّه كما يدّعي هو من وصيّة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ؟

قال : يقولون ذلك لشدّة اختصاصه له ، حتّى دخل جويرية على علي (عليه‌السلام ) يوماً ، وهو مضطجع ، وعنده قوم من أصحابه ، فناداه : أيّها النائم استيقظ ، فلتُضربنّ على رأسك ضربة تخضب منها لحيتك ، فتبسّم أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) وقال :

و أُحدّثك ياجويرية بأمرك ; أما و الذي نفسي بيده لتعتلنّ إلى العتلّ الزنيم ، فليقطعنّ يدك و رجلك و ليصلبنّك تحت جذع كافر.

قال : فوالله ما مضت إلّا أيّام على ذلك حتّى أخذ زياد جويرية ، فقطع يده ورجله وصلبه إلى جانب جذع ابن مكعبر ، وكان جذعاً طويلا ، فصلبه على جذع قصير إلى جانبه.

وعن مقتل ميثم التمّار وانتصار المختار : كان ميثم التمّار مولى علي بن أبي طالب(عليه‌السلام ) عبداً لامرأة من بني أسد ، فاشتراه علي (عليه‌السلام ) منها وأعتقه ، وقال له : ما اسمك ؟فقال : سالم.

٧٣

فقال : إنّ رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أخبرني أنّ اسمك الذي سمّاك به أبوك في العجم : ميثم.

فقال : صدق الله ورسوله ، وصدقت ياأمير المؤمنين ، فهو والله اسمي.

قال : فارجع إلى اسمك ، ودع سالماً ، فنحن نكنّيك به ، فكنّاه أبا سالم.

قال : وقد كان قد أطلعه علي (عليه‌السلام ) على علم كثير ، وأسرار خفيّة من أسرار الوصيّة ، فكان ميثم يحدّث ببعض ذلك ، فيشكّ فيه قوم من أهل الكوفة ، وينسبون علياً (عليه‌السلام )في ذلك إلى المخرقة والإيهام والتدليس ، حتّى قال له يوماً بمحضر من خَلْق كثير من أصحابه ، وفيهم الشاكّ والمخلص :

ياميثم ، إنّك تؤخذ بعدي وتصلب ، فإذا كان اليوم الثاني ابتدر منخراك وفمك

دماً ، حتّى تخضب لحيتك ، فإذا كان اليوم الثالث طعنت بحربة يقضى عليك ، فانتظر ذلك. والموضع الذي تصلب فيه على باب دار عمرو بن حريث ، إنّك لعاشر عشرة أنت أقصرهم خشبة ، وأقربهم من المطهّرة - يعني الأرض - ولأرينّك النخلة التي تصلب على جذعها.

ثمّ أراه إيّاها بعد ذلك بيومين ، وكان ميثم يأتيها ، فيصلّي عندها ، ويقول : بوركت من نخلك لك خُلقت ، ولي نبتّ ، فلم يزل يتعاهدها بعد قتل علي (عليه‌السلام ) ، حتّى قطعت ، فكان يرصد جذعها ، ويتعاهده ويتردّد إليه ، ويبصره ، وكان يلقى عمرو بن حريث ، فيقول له :

إنّي مجاورك فأحسن جواري. فلا يعلم عمرو ما يريد ، فيقول له : أتريد أن تشتري دار ابن مسعود ، أم دار ابن حكيم ؟!

قال : وحجّ في السنة التي قتل فيها ، فدخل على أُمّ سلمة رضي ‌الله ‌عنها ، فقالت له : من أنت ؟!

قال : عراقي. فاستنسبته ، فذكر لها أنّه مولى علي بن أبي طالب. فقالت : أنت

٧٤

هيثم. قال : بل أنا ميثم.

فقالت : سبحان الله ! والله لربما سمعت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) يوصي بك علياً في جوف الليل.

فسألها عن الامام الحسين بن علي ، فقالت : هو في حائط له ، قال :

أخبريه أنّي قد أحببت السلام عليه ، ونحن ملتقون عند ربّ العالمين إن شاء الله ، ولا أقدر اليوم على لقائه ، وأُريد الرجوع.

فدعت بطيب فطيّبت لحيته ، فقال لها : أما إنّها ستخضب بدم.

فقالت : من أنبأك هذا ؟ قال : أنبأني سيّدي.

فبكت أُمّ سلمة ، وقالت له : إنّه ليس بسيّدك وحدك ; هو سيّدي وسيّد المسلمين ، ثمّ ودّعته. فقدم الكوفة ، فأُخذ وأُدخل على عبيدالله بن زياد. وقيل له : هذا كان من آثر الناس عند أبي تراب. قال : ويحكم ! هذا الأعجمي ؟!

قالوا : نعم. فقال له عبيدالله : أين ربّك ؟ قال : بالمرصاد.

قال : قد بلغني اختصاص أبي تراب لك. قال : قد كان بعض ذلك ، فما تريد ؟

قال : وإنّه ليقال إنّه قد أخبرك بما سيلقاك. قال : نعم ، إنّه أخبرني.

قال : ما الذي أخبرك أنّي صانع بك ؟ قال : أخبرني أنّك تصلُبني عاشر عشرة وأنا أقصرهم خشبة ، وأقربهم من المطهّرة. قال : لأُخالفنّه.

قال : ويحك ! كيف تخالفه ؟! إنّما أخبر عن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ، وأخبر رسول الله عن جبرائيل ، وأخبر جبرائيل عن الله ، فكيف تخالف هؤلاء ؟! أما والله لقد عرفت الموضع الذي أُصلب فيه أين هو من الكوفة ، وإنّي لأوّل خلق الله أُلجم في الإسلام بلجام كما يلجم الخيل.

فحبسه وحبس معه المختار بن أبي عبيدة الثقفي ، فقال ميثم للمختار - وهما في

٧٥

حبس ابن زياد - : إنّك تفلت وتخرج ثائراً بدم الامام الحسين (عليه‌السلام ) ، فتقتل هذا الجبّار الذي نحن في سجنه ، وتطأ بقدمك هذه على جبهته وخدّيه.

فلمّا دعا عبيدالله بن زياد بالمختار ليقتله طلع البريد بكتاب يزيد بن معاوية إلى عبيدالله بن زياد ، يأمره بتخلية سبيله ، وذاك أنّ أُخته كانت تحت عبدالله بن عمر بن الخطّاب ، فسألت بعلها أن يشفع فيه إلى يزيد فشفع ، فأمضى شفاعته ، وكتب بتخلية سبيل المختار على البريد ، فوافى البريد ، وقد أُخرج ليضرب عنقه ، فأُطلق.

وأمّا ميثم فأُخرج بعده لِيُصلب ، وقال عبيدالله : لأمضين حكم أبي تراب فيه.

فلقيه رجل ، فقال له : ما كان أغناك عن هذا ياميثم ؟

فتبسّم ، وقال :لها خلقت ، ولي غُذِيتْ.

فلمّا رفع على الخشبة اجتمع الناس حوله على باب عمرو بن حريث ، فقال عمرو : لقد كان يقول لي : إنّي مجاورك. فكان يأمر جاريته كلّ عشية أن تكنس تحت خشبته وترشّه ، وتجمّر بالمجمر تحته.

فجعل ميثم يحدّث بفضائل بني هاشم ، ومخازي بني أُميّة ، وهو مصلوب على الخشبة ، فقيل لابن زياد : قد فضحكم هذا العبد.

فقال : ألجموه فأُلجم ، فكان أوّل خلق الله أُلجم في الإسلام. فلمّا كان في اليوم الثاني فاضت منخراه وفمه دماً ، فلمّا كان في اليوم الثالث طُعِن بحربة فمات.

وكان قتل ميثم قبل قدوم الامام الحسين (عليه‌السلام ) العراق بعشرة أيّام

٧٦

الباب الثالث : ليلة و يوم العاشر

الفصل الاول: منع الماء و قتل النساء و الاطفال مشروع جاهلي

منع الماء عن الحسين (عليه‌السلام ) و أصحابه

قضية الحرب على الماء قضية قديمة، فقد حاول الكافرون دائماً السيطرة على الماء ومنع المسلمين منه لقتلهم عطشاً(١) .

فقد منع المشركون الماء عن عبدالمطّلب بن هاشم وصحبه لقتلهم عطشاً في صحراء الجزيرة،و لـمّا نبع الماء تحت قدميه لم يمنعه عبدالمطّلب من قريش ،بل سقاهم منه.

و منع المشركون الماء عن المسلمين في بدر بعد سيطرتهم على آبارها، ولـمّا سيطر رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) على الماء لم يمنعهم منه(٢) .

و سيطر الكافرون على الماء في غزوة الحديبية لقتل النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) و المسلمين عطشاً، فجاء هم علي (عليه‌السلام ) بالماء في منطقة الجحفة وبارك لهم الله تعالى في عين الحديبية بدعاء رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )(٣) .

ومنع طلحة بن عبدالله الماء عن عثمان بن عفان وصحبه وأهله أثناء الثورة على

____________________

(١) راجع موضوع الماء كسلاح في الحروب.

(٢) البحار ٣٢ / ٤٤٧.

(٣) البحار ٤١ / ٦٨.

٧٧

عثمان ،وردّ شفاعة الإمام علي بن أبي طالب(عليه‌السلام ) في إعطاء الماء لهم(١) .

بينما حُرِّم قطع الماء عن المسلمين وغيرهم ،وان النبي لم يقطع الماء عن المسلمين والكافرين.

و منع معاوية بن أبي سفيان الماء عن أمير المؤمنين علي (عليه‌السلام ) و جيشه في معركة صفّين و لـمّا سيطر الإمام علي (عليه‌السلام ) على الماء سمح لمعاوية وجيشة بالشرب منه(٢) .

و سقى الإمام الحسين (عليه‌السلام ) جيش يزيد بن معاوية الماء في صحراء كربلاء، ولـمّا سيطروا هم على الماء منعوا الامام الحسين (عليه‌السلام ) و أهله وصحبه منه فقتلوهم عطشاً(٣) .وقالوا: يا حسين الا تنظر الى الماء كأنه كبد السماء والله لا تذوق منه قطرة حتى تموت عطشاً.

فقال الامام الحسين : اللهم اقتله عطشاً ولا تغفر له أبداً.

قال حميد بن مسلم - راوي الخبر - والله اني عدته بعد ذلك فى مرضه فوالله الذي لا اله الا هو لقد رأيته يشرب حتى يبغر ثم يقيء ثم يعود فيشرب حتى يبغر فما زال ذلك دأبه حتى لفظ غصته (يعنى نفسه).

الفصل الثاني :خطب الحسين المهمة

كلمة الامام الحسين (عليه‌السلام )في أصحابه

ولـمّا جاء كتاب مسلم إلى الامام الحسين ، عزم الامام على الخروج، فجمع

أصحابه في الليلة الثامنة من ذي الحجّة فخطبهم فقال:

____________________

(١) البحار ٣١ / ٢٨٧.

(٢) صفّين ١٦٠ - ١٦٦، تاريخ أبي مخنف ١ / ١٥٩ - ١٦٢.

(٣) الأخبار الطوال ٢٤٨، تاريخ ابن عساكر في ترجمة الإمام الحسين٧ ٤٤٧.

٧٨

الحمد لله وما شاء الله ولا قوّة إلّا بالله، خُطَّ الموت على ولد آدم مخطّ القلادة(١) على جيد الفتاة، وما أولهني(٢) إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف، وخير لي(٣) مصرع أنا لاقيه، فكأنّي بأوصالي تقطّعها عسلان الفلوات(٤) بين النواويس(٥) وكربلا فيملأنّ منّي أكراشاً جوفاً(٦) وأجربةً سغباً(٧) ، ولا محيص عن يوم خُطَّ بالقلم، رضاء الله رضانا أهل البيت، نصبر على بلائه ويوفّينا اُجور الصابرين ولن تشذّ(٨) عن رسول الله لحمته(٩) وهي مجموعة في حظيرة موطّناً على لقاء الله نفسه فليرحل فإنّي راحل مصبحاً إنشاء الله.

____________________

(١) - يعني موضع خط القلادة وهي في الحقيقة الجلد المستدير من الجيد، فكما أنّ ذلك الجلد لازم على الرقبة كذلك الموت على ولد آدم، هذا إذا قلنا أنّ مخط إسم مكان، وإن قلنا إسم مصدر بمعنى خطّ فيعني به أنّ الموت دائرة لا يخرج ابن آدم من وسطها كما أنّ القلادة دائرة لا يخرج الجيد منها في حال تقلّده.

(٢) - يعني ما أشدّ شوقي، والوله شدّة الشوق.

(٣) - يعني خار الله لي مصرعاً أي اختار. ويمضي على بعض الألسنة وفي بعض الكتب خيّر بالتشديد وهو غلط فاحش.

(٤) - بضم العين وسكون السين - جمع عاسل وهو المهتز والمضطرب، يقال للرمح وللذئب وأمثالها، والمراد هنا المعنى الثاني.

لا يقال: إنّ العسلان لا تتسلّط على أوصال صفوة الله لطفاً من الله وإيثاراً له.

لأنّا نقول: إنّ الكلام جرى على القواعد العربيّة والأساليب الفصيحة كما يقول قائلهم: عندي جفنة يقعد فيها الخمسة يعني لو كانت ممّا يفعل به ذلك لقعد فيها خمسة رجال، فيكون معنى الكلام: لو جاز، ذلك على أوصالي لفعل بها، وهذا كناية عن قتله وتركه بالعراء.

(٥) - جمع ناوس في الأصل وهو القبر للنصراني، والمراد به هنا القرية التي كانت عند كربلا.

(٦) - بضم الجيم وسكون الواو - جمع الوفاء وهي الواسعة، ويجري على بعض الألسن تحريك الواو أو تشديدها وهو غلط.

(٧) - أجربة جمع جراب كأغلمة وغلام والمراد به البطن مجازاً، وسغباً - بضمّتين - جمع السغب وهو الجوع. ورأيت في نسخة «أحوية» فكأنّه جمع لحوية لبطن وهي أمعاؤها والمعروف حوايا، فالن وردت أحوية فما أحسبها إلاّ خيراً من أجربة.

(٨) - لن تنفرد وتتفرّق.

(٩) - بضم اللام - وهي القرابة.

٧٩

خطاب الحسين (عليه‌السلام ) ليلة العاشر

لـمّا دجا الليل بات أولئك الأنجاب بين قائم وقاعد وراكع وساجد، وإنّ الحرس لتسمع منهم في التلاوة دويّاً كدويّ النحل، ثمّ جاءهم سيّدهم الامام الحسين (عليه‌السلام ) فخطبهم وقال:

اُثني على الله أحسن الثناء وأحمدُه على السرّاء والضرّاء، اللّهمّ إنّي أحمدك على أن أكرمتنا بالنبوّة و علّمتنا القرآن وفقّهتنا في الدين و جعلت لنا أسماعاً وأبصاراً وأفئدة فاجعلنا من الشاكرين.

أمّا بعد; فإنّي لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي ولا أهل بيت أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي، فجزاكم الله عنّي خيراً، ألا وإنّي لأظنّ أنّ لنا يوماً من هؤلاء، ألا وإنّي قد أذنتُ لكم فانطلقوا جميعاً في حِلٍّ ليس عليكم منّي ذمام، وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً ودعوني و هؤلاء القوم فإنّهم ليس يريدون غيري.

فأبى عليه أهل بيته و أصحابه، و التمسوه مناصرته و الشهادة بين يديه ،و أجابوه بما شكرهم عليه، فخرج عنهم وتركهم على ما هم عليه من العبادة ينظر في شؤونه ويوصي بمهمّاته، شاكراً الله تعالى على ما أعطاه من مناصرين.

فلمّا أصبح الامام الحسين (عليه‌السلام ) عبّأ أصحابه و كان معه أثنان و ثلاثون فارساً و أربعون راجلاً، فجعل الميمنة لزهير، و الميسرة لحبيب، وأعطى أخاه العباس الراية، وجعل البيوت خلف ظهورهم، وعمل خندقاً وراءها ،فأحرق فيه قصباً وحطباً لئلاّ يؤتى من خلف البيوت. وأصبح عمر بن سعد فعبّأ أصحابه وقد بلغوا إلى ذلك اليوم ثلاثين ألفاً، فجعل الميمنة لعمرو بن الحجاج(١) ، والميسرة لشمر بن ذي الجوشن ،وعلى الخيل عزرة بن قيس، وعلى الرجّالة شبث بن ربعي،

وأعطى مولاه دريداً الراية.

____________________

(١) - بن سلمة الزبيدي، سيّد زبيد، وله شرف فيهم وذكر في المغازي،أحد مكاتبي الامام الحسين أن أقدم علينا.

٨٠