مقتل الحسين وأنصاره

مقتل الحسين وأنصاره0%

مقتل الحسين وأنصاره مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 402

مقتل الحسين وأنصاره

مؤلف: العلامة المحقق الدكتور نجاح الطائي
تصنيف:

الصفحات: 402
المشاهدات: 33372
تحميل: 2463

توضيحات:

مقتل الحسين وأنصاره
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 402 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 33372 / تحميل: 2463
الحجم الحجم الحجم
مقتل الحسين وأنصاره

مقتل الحسين وأنصاره

مؤلف:
العربية

فلمّا نظرهم الامام الحسين رفع يديه داعياً وقال(عليه‌السلام ):

اللّهمّ أنت ثقتي في كلّ كرب، وأنت رجائي في كلّ شدّة، وأنت لي في كلّ أمر نزل بي ثقةٌ وعدّة، كم من همّ يضعف فيه الفؤاد وتقلّ فيه الحيلة ويخذل فيه الصديق ويشمتُ فيه العدوّ أنزلته بك وشكوته إليك رغبة منّي إليك عمّن سواك، ففرّجته عنّي وكشفته، فأنت وليّ كلّ نعمة وصاحب كلّ حسنة ومنتهى كلّ رغبة.

ثمّ دعا براحلته فركبها ونادى بأعلى صوته:

يا أهل العراق ! - و جلّهم يسمع - إسمعوا قولي و لا تعجلوا حتّى أعظكم بما يحقّ لكم عليّ و حتّى أعتذر إليكم من مقدمي هذا وأعذِر فيكم; فإن قبلتم عذري وصدّقتم قولي وأعطيتموني النصف من أنفسكم كنتم بذلك أسعد، وإن لم تقبلوا منّي العذر و لم تعطونِ النصف من أنفسكم:( فَأَجمِعُوا أَمرَكُم و شُرَكاءَكُم ثُمَّ لا يكُن أمرُكُم عليكُم غُمَّةً ثُمَّ اقضُوا إليَّ و لا تُنظرون ) (١) ( إنّ وليِّي اللهُ الّذي نزّل الكتاب وهوَ يتولَّى الصّالحين ) (٢) .

فأنصتوا بعض الإنصات، فحمد الله وأثنى عليه وذكره بما هو أهله من المحامد، وصلّى على نبيّه محمّد وعلى ملائكته وأنبيائه بأحسن ما يجب، فلم ير متكلّم قطّ أبلغ منه; لا قبله ولا بعده، ثمّ قال:

أمّا بعد، فانسبوني من أنا ثمّ ارجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها فانظروا هل يصلُح لكم قتلي وانتهاك حرمتي؟ ألست ابن بنت نبيّكم وابن وصيّه وابن عمّه وأوّل المؤمنين المصدّق لرسول الله بما جاء به من عند ربّه؟ أوليس حمزة سيّد الشهداء عمّي؟ أوليس جعفر الطيّار في الجنّة بجناحين عمّي؟ أوليس بلغكم ما قال رسول الله لي ولأخي: هذان سيّدا شباب أهل الجنّة؟

فإن صدّقتموني بما أقول وهو الحقّ فوالله ما تعمّدت الكذب منذ علمت

____________________

(١) - سورة يونس: ٧١.

(٢) - سورة الأعراف: ١٩٦.

٨١

أنّ الله يمقت عليه أهله، وإن كذّبتموني فإنّ فيكم من إن سألتموه عن ذلك أخبركم، سلوا جابر بن عبدالله الأنصاري وأبا سعد الخدري وسهل بن سهل الساعدي وزيد بن أرقم وأنس بن مالك يخبروكم أنّهم سمعوا هذه المقالة من رسول الله، أما في هذا حاجز لكم عن دمي؟

فقطع عليه شمر كلامه وأجابه حبيب بن مظهر بما يأتي في ترجمته، فعاد الامام الحسين إلى خطبته وقال:

فإن كنتم في شكٍّ من هذا أفتشكّون أنّي ابن بنت نبيّكم؟ فوالله ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبيٍّ غيري فيكم ولا في غيركم؟ ويحكم أتطلبوني بقتيل فيكم قتلته أو مال لكم استهلكته أو بقصاص جراحة؟

فأخذوا لا يكلّمونه، فنادى: يا شبث بن ربعي ويا حجّار بن أبجر ويا قيس بن الأشعث ويا يزيد بن الحرث ،ألم تكتبوا إليّ أن قد اينعت الثمار واخضرّ الجناب وإنّما تقدم على جند لك مجنَّدة؟

فقال له قيس بن الأشعث: نحن لا ندري ما تقول ولكن إنزل على حكم بني عمّك فإنّهم لا يرونك إلّا ما تحبّ.

فقال له الامام الحسين : أنت أخو أخيك(١) ، أتريد أن تطالب بأكثر من دم مسلم؟ ثمّ قال: لا والله لا اُعطيكم بيدي إعطاء الذليل، ولا أفرّ فرار العبيد(٢) ، يا عبادالله ! إنّي عُذتُ بربّي وربّكم أن ترجمون، أعوذ بربّي وربّكم من كلّ متكبّر لا يؤمن بيوم الحساب.

خطاب الحسين (عليه‌السلام )في كربلاء

ثمّ أناخ راحلته فعقلها عقبة بن سمعان وزحف القوم إليه وجالت خيولهم، فدعا

____________________

(١) - يعني إنّ محمّد بن الأشعث الذي غدر بمسلم بن عقيل في الأمان أخوك فأنت مثله في الغدر.

(٢) - أي لا آتيكم ذليلاً معطياً باليد، ولا أهرب عنكم هرب العبد بل اُنازلكم حتّى يقضي الله ما هو قاض. ويجري في بعض الألسن: أقرّ إقرار العبيد وهو خطأ.

٨٢

بفرس رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) المرتجز و عمامته و درعه وسيفه; فركب الفرس و لبسالآثار ووقف قبالة القوم فاستنصتهم، فأبوا عليه، ثمّ تلاوموا فنصتوا، فخطبهم ثانية ، بعد أن حمد الله وأثنى عليه واستنشدهم عن نفسه الكريمة، وما قال فيها جدّه رسول الله (عليه‌السلام ):

تبّاً لكم أيّتها الجماعة و ترحاً، أحين استصرختمونا و الهين فأصرخناكم موجفين(١) ، سللتم علينا سيفاً لنا في أيمانكم، وحششتم(٢) علينا ناراً اتقدحناها على عدوّنا و عدوّكم، فأصبحتم ألباً(٣) لأعدائكم على أوليائكم بغير عدل أفشوه فيكم، ولا أمل أصبح لكم فيهم، فهلاّ لكم الويلات تركتمونا والسيف مَشيم(٤) ، والجأش(٥) طامن، والرأي لما يستحصف(٦) ، ولكن أسرعتم إليها كطيرة الدبا(٧) ، وتداعيتم إليها كتهافت الفراش(٨) ، فسحقاً لكم يا عبيد الاُمّة(٩) وشُذاذ(١٠) الأحزاب ،ونبذة الكتاب ،ومحرّفي الكلم ،وعصبة الإثم ،ونفثة الشيطان ،ومطفئي السنن، ويحكم أهؤلاء تعضدون وعنّا تتخاذلون ؟ أجل والله غدر فيكم قديم وشجت عليه اُصولكم، وتآزّرت عليه

____________________

(١) - أي أجبنا صراخكم مسرعين إليكم السير، والإيجاف نوع من السير فيه سرعة، والإسم منه الوجيف.

(٢) - أي أوقدتم، وأصله من جمع الحشيش للإيقاد.

(٣) - بكسر الهمزة، وفتحها - الاجتماع على الظلم والعدوان، يقال: هم إلب واحد أي مجتمعون على الظلم والعدوان.

(٤) - بفتح الميم - أي مغمد من شام السيف بمعنى أغمده.

(٥) - القلب والفكر.

(٦) - أي يستحكم، يقال: رأي حصيف أي محكم.

(٧) - بفتح الدال وتخفيف الباء المفردة - الجراد.

(٨) - بفتح الفاء - الذي يتساقط على الضوء ليلاً.

(٩) - بتخفيف الميم - بمعنى الجارية كناية عن الذلّ مأخوذة من قوله(صلى‌الله‌عليه‌وآله ): ذلّ قوم تملكهم أمة. ويجري على الألسن التشديد وهو وإن كان له ضرب من التأويل لم يتعلّق ببلاغة.

(١٠) - بضم الشين المعجمة وتشديد الذال المعجمة - أيضاً جمع شاذ وهم المتفرقون من الجمع ويعبّر عنهم بالفارطة والغوغاء.

٨٣

فروعكم، فكنتم أخبث ثمر شجاً للناظر(١) وأكلة للغاصب، ألا وإنّ الدعيّ ابن الدعي قد ركّز بين اثنتين: بين السلّة والذلّة وهيهات منّا الذلّة، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون وحجور طابت وطهرت ،واُنوف حميّة ونفوس أبيّة من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام، ألا وإنّي زاحف بهذه الاُسرة على قلّة العدد وخذلان الناصر.

ثمّ أنشد أبيات فروة بن مسيك المرادي:

فإن نَهزِم فهزّامون قدماً

وإن نُهزَم فغير مُهَزِّمينا

وما إن طِبّنا جبن ولكن

منايانا ودولة آخرينا

فقل للشامتين بنا أفيقوا

سيلقى الشامتون كما لقينا(٢)

ثمّ قال:

أما والله لا تلبثون بعدها إلّا كريث ما يركب الفرس حتّى تدور بكم دور الرحى، وتقلق بكم قلق المحور، عهد عهده إليّ أبي عن جدّي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ).

( فأجمعوا أمركم وشُركاءكم ثمَّ لا يكُن أمرُكم عليكم غُمّةً ثمّ اقضُوا إليَّ ولا تُنظرون ) (٣) ( إنّي توكّلت على الله ربِّي وربِّكُم ما من دابَّة إلّا هوَ آخذ بناصيتها إنَّ ربِّي

____________________

(١) - الشجا الحزن والشجى ما يعترض بالحلق من عظم وغيره للإنسان وغيره. قال الشاعر:

ربّ من أنضجت غيظاً قلبه

قد تمنّى لي موتاً لم يطع

ويراني كالشجى في حلقه

عسراً مخرجه ما ينتزع

وكلّ بالقصر والمعنى يحتمل كلا.

(٢) - وما إن طبّنا الخ: الطب - بكسر الطاء - العلّة والسبب، والجبن - بضم الجيم وسكون الباء - ضدّ الشجاعة - بفتح الشين - ، والدَولة - بفتح الدال - الغلبة في الحرب - وبضمّها - التداول في المملكة. قال الله تعالى:( دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ ) (سورة الحشر: ٧) والمراد به المعنى الثاني على الظاهر. والأبيات لفروة بن مسيك - بفتح فاء فروة وضم ميم مسيك - المرادي، ومعنى البيت: إن قُتلنا لم يكن عاراً علينا لأنّ سببه لم يكن عن جبن وعدم إقدام على المكافح ولكن سببه منايانا ودولة آخرين ومثل هذا لم يكن عاراً. وقال آخر يعتذر لعدوّه في ذلك

فلم يك طِبّهم جبناًولكن

رميناهم بثالثة الأثافي

أنشده ابن قتيبة في ترجمة خفاف له في كتاب معجم الشعر والشعراء.

(٣) - سورة يونس: ٧١.

٨٤

على صراط مُستقيم ) (١) .

اللّهمّ احبس عنهم قطر السماء، و ابعث عليهم سنين كسنيّ يوسف، و سلّط عليهم غلام ثقيف يسقيهم كأساً مصبّره(٢) فإنّهم كذّبونا وخذلونا، وأنت ربّنا عليك توكّلنا وإليك المصير.

و حينها خرج إليه الحرّ بن يزيد، بعدما رأى الحقَّ بجانب الحسين ،و أمر عمر بن سعد الناس بالحرب، لقتل سيد شباب أهل الجنة ،فتقدّم سالم ويسار فوقعت مبارزات، ثمّ صاح الشمر وعمرو بن الحجّاج بالناس بأنّ هؤلاء قوم مستميتون فلا يبارزنّهم أحد، فأحاطوا بهم من كلّ جانب،و تعطّفوا عليهم، و حمل شمر على الميسرة و عمرو على الميمنة فثبتوا لهم وجثوا على الركب حتّى ردّوهم، وبانت القلّة في أصحاب الامام الحسين (عليه‌السلام )بهذه الحملة التي تسمّى الحملة الاُولى، فإنّ الخيل لم يبق منها إلّا القليل، وذهبت من الرجال ما يناهز الخمسين رجلاً،شهداء كما استشهد من كان قبلهم.

خطاب الحسين (عليه‌السلام )بعد صلاة الظهر

ثمّ صلّى الامام الحسين (عليه‌السلام )الظهر أوّل وقتها صلاة الخوف، ووقعت مقاتلات قبلها وفي أثنائها ممّن وقف لمحاماته، واقتتلوا بعد الظهر، فلم يبق مع الامام الحسين أحد من أصحابه، بعدها تقدّم أهل بيته الميامين ،حتّى لم يبق منهم أحد، وعندها تقدّم إلى الحرب بنفسه فوقف بينهم وضرب بيده على كريمته الشريفة - وكانت مخضوبة كأنّها سواد السبج(٣) قد نصل(٤) منها الخضاب وقال الحسين(عليه‌السلام ):

____________________

(١) - سورة هود: ٥٦.

(٢) - أي ممزوجة بالصبر.

(٣) - بفتح السين المهملة وفتح الباء المفردة - حجارة سوداء يعمل منها الخرز.

(٤) - يقال: نصل الخضاب من اللحية إذا بانت اُصولها بأن مضى عليها أكثر من ثلاثة أيّام فهي سوداء وأصل الشعر أبيض، ويزعم بعض الناس أنّها اتصل بها الخضاب وذلك وهم لعدم فهمه المعنى وتصحيف.

٨٥

اشتدّ غضب الله على اليهود إذ قالوا عزيرٌ ابن الله، واشتدّ غضبه على النصارى إذ قالوا المسيح ابن الله، واشتدّ غضبه على قوم ارادوا قتل ابن بنت نبيّهم.

ثمّ نادى : هل من ذابٍّ يذبّ عن حرم رسول الله ؟ هل من موحّد يخاف الله فينا؟ هل من مغيث يرجو الله بإغاثتنا؟ هل من معين يرجو ما عند الله بإعانتنا ؟

فلم يجبه أحد من الكوفيين فارتفعت أصوات النساء بالعويل والبكاء لهذا المصاب الجلل ، ومضى إلى مخيّمه ليسكّت النساء ويصبرهن ، فأخذ طفلاً له من يد اُخته زينب، هو عبد الله الرضيع ،طالباً له الماء ،فرماه حرملة بسهم فوقع في نحره ،فتلقّى الدم بكفّيه ورمى به نحو السماء وقال:

هوّن علي ما نزل بي أنّه بعين الله.

ثمّ جرّد سيفه فيهم للانتقام منهم وانقاذ الارض منهم ، فرماه رجل من بني دارم بسهم فأثبته في حنكه الشريف، فانتزعه وبسط يده تحت حنكه فلمّا امتلئتا دماً رمى به نحو السماء وقال:

اللّهمّ إنّي أشكوا إليك ما يفعل بابن بنت نبيّك.

ثمّ عاد إلى مخيّمه فطلب ثوباً يلبسه تحت ثيابه، فاُتي بتُبان(١) ، فقال (عليه‌السلام ):

لا، هذا لباس من ضربت عليه الذلّة، فجيء له ببرد يماني يلمع فيه البصر(٢) ففزره و لبسه تحت ثيابه، ثمّ شدّ عليهم شدّة ليث مغضب و جراحاته تشخب دماً، فتطايروا من بين يديه، و حال من تيامن أو تياسر بينه و بين حرمه، و هجموا على مخيم النساء ، فصاح الحسين (عليه‌السلام ):

ويلكم يا شيعة آل أبي سفيان!! إن لم يكن لم دين وكنتم لا تخافون المعاد فكونوا أحراراً في دنياكم هذه ،وارجعوا إلى أحسابكم إن كنتم عرباً كما تزعمون.

____________________

(١) - بثوب قصير يلبسه الفعلة وأمثالهم.

(٢) - أي لا يثبت فيه البصر لشدّة بياضه.

٨٦

فناداه شمر: ما تقول يابن فاطمة؟

قال: أ قول: إنّي اُقاتلكم و تقاتلوني، والنساء ليس عليهنّ جناح فامنعوا عتاتكم و جهّالكم من التعرّض لحرمي ما دمت حيّاً.

فقال له شمر: لك ذلك يا بن فاطمة.

فجعل يحمل و يحملون و هو مع ذلك يطلب شربة ماء فلم يجد حتّى أثخنته جراحاته، فوقف ليستريح ،فرمي بحجر فوقع في جبهته ،فسالت الدماء على وجهه، فرفع ثوبه ليمسح الدم عن وجهه ،فرمي بسهم فوقع في قلبه ،فأخرجه من وراء ظهره ،فانبعث الدم كالميزاب، فوقف بمكانه لا يستطيع أن يحمل، فصاح شمر بن ذي الجوشن لعنه الله:

ما تنتظرون بالرجل ؟ فطعنه صالح بن وهب المزني على خاصرته فوقع من ظهر فرسه إلى الأرض على خدّه الأيمن وهو يقول (عليه‌السلام ):

بسم الله وبالله وعلى ملّة رسول الله.

ثمّ قام فضربه زرعة بن شريك على كتفه اليسرى، وضربه آخر على عاتقه فخرّ على وجهه وجعل ينوء برقبته ويكبوا فطعنه سنان(١) في ترقوته، ثمّ انتزع السنان فطعنه في بواني صدره(٢) ، ورماه سنان أيضاً بسهم فوقع في نحره، فجلس قاعداً ونزع السهم وقرن كفّيه جميعاً حتّى امتلئتا من دمائه فخضّب بهما رأسه ولحيته وهو يقول (عليه‌السلام ):

هكذا ألقى الله مخضباً بدمي مغصوباً عليّ حقّي.

وجاء مالك بن النسر الكندي(٣) فشتم الامام الحسين وقبض على كريمته وضربه بسيفه على رأسه، وبدر خَولي بن يزيد الأصبحي(٤) ليحزّ رأسه فأرعد،

____________________

(١) - بكسر السين - بن أنس بن عمرو النخعي، كان من أشراف النخع ومن الخوارج.

(٢) - البواني الأضلاع المقدّمة في الصدر.

(٣) - بالنون والسين - ويمضي في بعض الكتب النسير - بالتصغير - الكندي البدي وهم من كندة.

(٤) خولي - بفتح الخاء المعجمة وتسكين الواو واللام قبل ياء - في صورة المنسوب،

٨٧

فجاء سنان فضربه على ثغره الشريف.

وجاء شمر فاحتزّ رأسه، ثمّ سلبوا جسده الكريم، وحزّت رؤوس أصحابه، ووطئت أجسادهم بعوادي الخيول، وانتهبت الخيام واُسر من فيها، وذهبوا بالرؤوس والسبايا إلى الكوفة ومنها إلى الشام، ومنها إلى المدينة وطن جدّهم عليه وعليهم ‌السلام

فاجعة إن أردت أكتبها

مجملةً ذكرةً لمدّكر

جرت دموعي فحال حائلها

ما بين لحظ الجفون والزبر

وقال قلبي بقياً عليّ فلا

والله ما قد طبعت من حجر

بكت لها الأرض والسماء وما

بينهما في مدامع حمر

واهتز عرش الجليل واضطربت

فرائص الكاتبين للقدر(١)

ابن زياد يقطع أعضاء النساء ويبنى بجثث الشهداء كان ابن زياد يقتل النساء فى مجلسه ويتشفى بمشاهدتهن يعذبن وتقطَّع أطرافهن /بلاغات النساء ١٣٤،أنساب الاشراف ٥ / ٢٨٩.وغضب على رجل تمثَّل يآية من القرآن فأمر أن يبنى عليه ركن من أركان قصره / المحاسن والمساوىء ٢ / ١٦٥.ولما جىء له بسيد من سادات العراق أدناه ثم ضرب وجهه بقضيب كان فى يده حتى كسر أنفه وشقَّ حاجبيه ونثر لحم وجنته وكسر القضيب على وحهه ورأسه / مروج الذهب ٢ / ٤٤.

لذا قال الحسن البصرى: ما رأينا شراً من ابن زياد / أنساب الاشراف ٥ / ٨٣.

فعاش ابن زياد مكروهاً عند أهل العراق / الامامة والسياسة ٢ / ١٦، ومهيناً عند

____________________

(١) - راجع ابصار العين ،السماوي ،انصار الحسين ،شمس الدين ،مقتل الحسين ،المقرم ،مقتل الحسين أبو مخنف .

٨٨

أهل الحجاز / الاغانى ١٨ / ١٦.وكان غادراً مثل بقية اهل السياسة النواصب فحاول أن يكون ملكاً بعد يزيد ففشل.الفرج بعد الشدة ٢ / ١٠١.وبعد يزيد لما شاهد المعارضة الشعبية له تنصَّل من قتل الحسين قائلا :أما قتلي الحسين فانه أشار اليَّ يزيد بقتله أو قتلي فاخترت قتله / الكامل فى التاريخ ٣ / ٨.

سجن ابن زياد للانصار

اعتقل عبيد الله بن زياد إثنا عشر ألفاً من الشيعة الانصار خوف نصرهم للامام الحسين منهم سليمان بن صرد الخزاعي والمختار بن ابى عبيدة الثقفي وابراهيم بن مالك الاشتر وأربعمائة من الاعيان ،وكانوا مقيدين مغلولين يطعمون يوماً ويمنعون آخر /تنقيح المقال ٢ / ٦٣ ،قاموس الرجال ٥ / ٢٨٠ ،وسجن الاصبغ بن نباتة والحارث الاعور الهمدانى /مقتل الحسين ،المقرم ١٥٧ ،وقال الطبرى :جعل ابن زياد جعلا لمن يأتيه بالمختار وعبد الله بن الحارث ،تاريخ الطبرى ٣ / ٢٩٤.

٨٩

القسم الثاني :حركة الانصار الى المدنية

الباب الاول :الانصار

الفصل الاول :عدد الانصار

تخمين الانصار

قال أبو مخنف :

«كان الامام الحسين لا يمر بأهل ماء إلاّ اتّبعوه حتَّى إذا انتهى إلى زُبالة(١) سقط إليه مقتل أخيه من الرِّضاعة عبدالله بن يقطُر، وكان سرّحه إلى مسلم بن عقيل من الطّريق وهو لا يدري أنّه قد أُصيب... فأتى ذلك الخبر حُسيناً وهو بزُبالة(٢)

____________________

(١) - منزل بطريق مكّة من الكوفة، وتبعُد عن الشقوق أحد وعشرون ميلاً، وهي بضم الزّاء الـمُعجمة، فيها حصن وجامع لنبي أسد سُمّي الموضع باسم زُبالة بنت مسعر امرأة العمالقة، ويوم زُبالة من أيّام العرب ونُسب إلى المكان جماعة من الّمحدّثين. اُنظر، مُعجم البلدان : ٣ / ١٢٩ وذكر هذا الموضع الطّبري في تأريخه : ٦ / ٢٢٦، و : ٤ / ٣٠٠ طبعة آخر، ومقتل الحُسين للخوارزمي : ١ / ٢٢٩، ومقتل الحسين لأبي مخنف : ٧٨، اللُّهوف : ٣٢، عوالم العلوم : ١٧ / ٢٢٤.

(٢) - عبدالله بن يقطُر : رضيع الحُسين، كان أحد رُسله إلى الكوفة، قبض عليه عُبيد الله بن زياد، ورمى به من فوق القصر فتكسر، وقام إليه عمرو الأزدي فذبحه، ويُقال : بل فعل ذلك عبدالملك بن عُمير اللَّخمي. اُنظر، الا رشاد : ٢ / ٧٠ وهو الّذي بعثهُ الإمام الحُسين(عليه‌السلام ) إلى أهل الكوفة علماً بأنّ الشيخ المفيد ذكره بلفظ : بل بعض أخاه من الرِّضاعة، وهو كذا «يقطر» في المصادر المُعتمدة عند الإماميّة إلاّ أنّ ابن داود : ١٢٥ رقم «٩٢٠» ذكره بالباء - بَقطُر - كعصفر - وهو قول الطّبري في تأريخه : ٤ / ٣٠٠ ٣٥٩، و ٥ / ٣٩٨، البداية النّهاية : ٨ / ١٨٢، الكامل في التأريخ : ٤ / ٤٢، القاموس الُمحيط : ٢٧٦ الثّقات لابن حبّان : ٢ / ٣١٠، الإصابة : ٥ / ٨ رقم «٦١٨٠».

٩٠

فأخرج للنّاس كتاباً فقرأ عليهم.

«بسم الله الرّحمن الرَّحيم : أمّا بعد فإنّه أتاني خبر فظيع قتل مُسلم بن عقيل وهانىء بن عرّوة، وعبدالله بن يقطُر، وقد خذلنا شيعتنا فمن أحبَّ منكُم الإنصراف فلينصرف في غير حرج، ليس عليه منَّا ذمام(١) .

«فتفرق عنه النّاس تفرقاً، فأخذوا يميناً و شمالاً حتّى بقي في أصحابه الّذين جاؤوا معه من مكّة(٢) ، و إنّما فعل ذلك لأنّه ظنّ انما اتّبعه الأعراب لأنّهم ظنوا أنّ يأتي بلداً قد استقامت طاعة أهله، فكره أن يسيروا معه إلّا و هم يعلمون علام يقدمون. و قد علم أنّهم إذا بيّن لهم لم يصحبه إلّا من يريد مواساته والموت معه»(٣) .

وقال الدّينوري: «وقد كان صحبه قوم من منازل الطّريق فلمّا سمعوا خبر مسلم، وقد كانوا ظنّوا أنّه يُقدِم على أنصار وعضُد، تفرقوا عنه، ولم يبق معه إلّا

____________________

(١) - اُنظر، تأريخ الطّبري : ٤ / ٣٠٠. ٣ / ٣٠٣، الإرشاد : ٢ / ٧٥ طبعة مُؤسَّسة آل البيت (عليهم‌السلام ) اللُّهُوف في قتلى الطُّفوف : ٣٢، البداية والنّهاية : ٨ / ١٨٢، بحار الأنوار : ٤٤ / ٣٧٤، أعيان الشيعة : ١ / ٥٩٥، وقعة الطَّفّ : ١٦٦، الكامل في التَّأريخ : ٤ / ٤١ - ٤٣، مقتل الحُسين لأبي مخنف : ٧٩.

(٢) - في رواية الطّبري عن أبي مخنف: «من المدينة» ونُرجح أنّ هذا خطأ، فأثبتنا نصّ ابن الأثير : ٣ / ٢٧٨. (منه(قدس‌سره )). اُنظر، الفُصول الـمُهمّة لابن الصّباغ المالكي : ٢ / ١٣٠. بتحقَّقيقنا، «مكّة» وفيه أيضاً : غير حرج ليس عليه ذمام، وقريب من هذا في تأريخ الطّبري: ٣ / ٣٠٣، البداية والنهاية ٨ / ١٨٣، بحار الأنوار : ٤٤ / ٣٧٤، عوالم العُلُوم : ١٧ / ٢٢٥، أعيان الشّيعة للَّسيد مُحسن الأمين العاملي : ١ / ٥٩٦، وقعة الطّفّ لأبي مخنف : ١٦٧، مُنتهى الآمال في تواريخ النّبي والآل للشَّيخ عبّاس القمي : ١ / ٦٠٦ طبعة نشر جامعة مدرسين طبعة (١٤١٥ ه) تعريب السَّيِّد هاشم الميلاني، أنساب الأشراف: ١٦٨، الكامل في التأريخ لابن الأثير: ٣ / ١٨، ينابيع المودّة : ٣ / ٦٢ طبعة اُسوة.

(٣) - اُنظر، تأريخ الطّبري : ٥ / ٣٩٨ - ٣٩٩، وابن الأثير : ٣ / ٢٧٨. (منه(قدس‌سره )). تأريخ الطّبري : ٤ / ٣٠٠، والكامل في التّأريخ : ٣ / ٢٧٨، مقتل الحُسين لأبي مخنف : ٧٩ مقتل الحُسين للخوارزمي : ١ / ٢٢٩، الإرشاد للشّيخ المفيد : ٢ / ٧٥، الفصول المهمّة لابن الصّباغ المالكي : ٢ / ١٣٠، بتحقّيقنا.

٩١

خاصّته»(١) .

لذا بقي معه المخلصون من رجال الثّورة الحقيقيون بعد أن انجلى الموقف وتبين المصير.

الاختبار الاول :وكان الامتحان الاول لانصار الحسين في زبالة المتسبب في فرار أهل الدنيا وبقاء أهل الاخرة.

وقد أدّى إُلى تفرق الكثيرين الّذين رافقوه عن رغبة وطمع، وبقي معه هؤُلاء

____________________

(١) - اُنظر، الأخبار الطّوال : ٢٤٨ ويبدو أنّه قد كان يسُود في تلك الأيّام، حتّى في أوساط الخاصّة من النّاس، الإعتقاد بأنّ أمر الخلافة سيصير إلى العلويين أو - إلى الهاشميّين بوجه عام.

ففي حديث لبطة بن الفرزدق الشّاعر : أنّ عبدالله بن عمرو بن العاص قال له حين أخبره لبطة بلقائه للحسين حين خروجه من مكّة : «ويلك، فهلاّ اتّبعته، فوالله ليملكن ولا يجوز السِّلاح فيه، ولا في أصحابه. قال (لبطة). فهممت والله أن الحقّ به، ووقع في قلبي مقالته، ثُمَّ ذكرت الأنبياء وقتلهُم فصدني ذلك عن اللِّحاق بهم. قال : وكان أهل ذلك الزمان يقولون ذلك الأمر وينتظرونه في كُلّ يوم وليلة. قال : وكان عبدالله بن عمرو يقول : لا تبلغ الشجرة ولا النّخلة، ولا الَّصغير حتّى يظهر هذا الأمر. اُنظر تأريخ الطّبري : ٥ / ٣٨٦ - ٣٨٧» نُلاحظ أنّ داعي الإتباع هو الأمل في أن يملك الحسين. ولعل كثيرين من هؤلاء اتّبعوه من الأعراب قد تأثروا في اتّباعهم له بهذا الإعتقاد : أنّه لابُدَّ أن يملك، وأنّه (لا يجوز السِّلاح فيه، ولا في أصحابه) فلمّا اكتشفوا نتيجة لمقتل من أخبر الحُسين بإنّهم قُتلوا - أنّ السِّلاح يجوز في أصحابه، تفرقوا عنه.

وهذا الخبر مروي في مقتل الخوارزمي : ١ / ٢٢٢ بصورة أُخرى، وفيه: «أمّا أنّه لا يُحيك فيه السِّلاح».

و نعتقد أنّه قد سقطت من الخبر في الرّوايتين بعض الحلقات الهامّة الّتي تصور بعض الإعتقادات الشَّعبيّة في ذلك الحين، وتأثير العوامل السِّحري في مواقف النّاس.

وقد عاش لبطة بن الفرزدق حتّى خرج على أبي جعفر المنصور مع إبراهيم بن عبدالله بن الحسن (قتيل باخمرى) وجعله إبراهيم من قواده، وقد قُتل بعد مقتل إبراهيم. اُنظر، مقاتل الطّالبيِّين : ٣٦٩. اُنظر، تأريخ الطّبري : ٤ / ٢٩٠، مقتل الطّالبيّين : ٢٤٥، الثُّقات لا بن حبّان : ٧ / ٣٦١، بيان خطأ البُخاري للرّازي : ١٠٩ تأريخ دمشق، ١٤ / ٢١٢، الجرح والتّعديل للرّازي : ٧ / ١٨٣.

٩٢

الرِّجال النّادرون المعروفون باسم «أنصار الامام الحسين ».

الاختبار الثاني :وقد مرّوا في اختبار ثان حين حثهُم الامام الحسين على النّجاة بأنفسهم في ليلة العاشر من الُمحرّم قائلاً لهم :

«هذا سواد اللّيل قد غشيكُم فاتّخذوه جملاً، وليأخذ كُلّ رجل منكم بيد رجل من أهلِ بيتي، فجزاكم الله جميعاً خيراً، وتفرّقوا في سوادكم ومدائنكم، فإنَّ القوم إنّما يطلبوني، ولو أصابوني لذهلوا عن طلب غيري...»(١) .

وكانت النتيجة :رفض الانصار وأهل بيته للفرار من الاعداء واصرارهم على الجهاد حتى الموت

رواية المسعُودي: وهي : «فلمّا بلغ الامام الحسين القادسية لقيه الحُرّ بن يزيد الّتميمي... فعدل إلى كربلاء، وهو في المقدار خمسمئة فارس من أهل بيته وأصحابه، ونحو مئة راجل»(٢) .

أقول :هذه الرواية بعيدة عن الواقع فيما يتعلق بعدد الانصار عند لقائهم الحر الرياحي.وكان المسعودي من المؤرخين المحققين ،لذا يمكن أن يكون حدث تصحيف في عدد الانصار من قبل نساخ كتاب المسعودي.

شمس الدين : قال شمس الدين :إنّ المسعُودي لم يذكر مُستنده في هذه الرّواية،

____________________

(١) - اُنظر، تأريخ الطبري : ٥ / ١٩، تأريخ اليعقوبي : ٢ / ٢٣١، مقتل الخوارزمي : ١ / ٢٤٧. (منه(قدس‌سره )) اُنظر، مقتل الحُ سين لأبي مخنف : ٧٩ - ٨٠ مع اختلاف يسير، الإرشادَ للشّيخ المفيدغ : ٢ / ٧٦، مقتل الحسين للخوارزمي : ١ / ٢٢٨٧، تأريخ الطّبري : ٤ / ٣٠١، الكامل في التأريخ لابن الأثير : ٣ / ١٧ و ١٨، البداية والنّهاية لابن كثير : ٨ / ١٦٨ و ١٧١، الأخبار الطّوال : ٢٤٨.

(٢) - اُنظر، مُرُوج الذهب : ٣ / ٧٠، يظهر من المسعودي في مقدّمة كتابه مروج الذَّهب أنّه قد اعتمد على رصيد ضخم من المراجع التّأريخيّة، وكُتب الأنساب والجغرافيا، لكنّه نادراً ما يذكر في صلب كتابه مصدره الخاص لما ينقله من أحداث بالنسبة إلى الرواية موضوع البحث : نحتمل أنّ المسعودي وقع ضحية التباس وتصحيف بين (خمسة) و (خمسمئة). (منه(قدس‌سره )).

٩٣

ومع أنَّ المسعُودي يتَّسم بالدِّقة في تأريخه إلّا أنّنا لا يمكن أن نقبل العدد الوارد في هذه الرّواية على أنّه العدد الّذي وصل مع الامام الحسين (عليه‌السلام ) إلى كربلاء، فهي من هذه الجهة تُخالف كلّ الرُّوايات المعروفة الّتي نعرف مُستنداتها، دون أن تمتاز هذه الرّواية بما يجلعها حُرّيَّة دون غيرها.

يُمكن أن تكُون هذه الرّواية صادقة إلى حدِّ بعيد إذا أخرجناها من إطارها الجُغرافي وتأخرنا بها في الزّمان قليلاً عن لقاء الامام الحسين (عليه‌السلام ) للحُرّ، وأعتبرنا أنّها تُعبّر عن العدد الّذي قبل أن يُعلن الامام الحسين (عليه‌السلام ) عن مقتل مسلم بن عقيل، وعبدالله بن بقطُر، وهانيء بن عُروة، وأمّا بعد ذلك فمن الـمُؤكّد أنّ عدد الأصحاب ليس بالمقدار الّذي ورد في رواية المسعودي.

وتقديرنا الخاص نتيجة لما انتهى بنا إليه البحث هو أنّ أصحاب الامام الحسين الّذين نقدر أنّهم استشهدوا معه في كربلاء من العرب والموالي يُقاربون مئة رجل أو يبلغونها وربّما زادوا قليلاً على المئة(١) .

ولا نستطيع أن نعيّن عدداً بعينه، لأنّه لابدّ من افتراض نسبة من الخطأ تنشأ من تصحيف الأسماء، ومن عدم دقّة الرُّواة الّذين نقلوا الأحداث وأسماء رجالها، ولكن نسبة الخطأ المفترضة ليست كبيرة قطعاً.

وهذه النّتيجة تتوافق إلى حدّ كبير مع الرُّوايات الّتي تصور ما حدث في الحملة.

____________________

(١) - إنّ الأسماء الّتي انتهى بحثنا في هذه الدّراسة إلى اعتبارها دالّة على رجال تأريخيين تطمئن النّفس بكونهم استشهدوا مع الحسين في كربلاء واحداً وثمانين اسماً فيهم ثلاثة موالي للإمام الحسين. وقد ذكر ابن شهر آشوب : ٤ / ١١٣ أنّ ممّن قُتل في الحملة الأُولى عشرة من مواللي الحسين واثنان من موالي أميرالمؤمنين عليّ، فيبقى منهم تسعة، ولا نستطيع الجزم بأنّ جميع الأسماء التّسعة وعشرين الّتي وردت في الجدول الثّاني لرجال وهميين، بل نطمئن أنّ في هذه الأسماء عدداً صغيراً لرجال تأريخيين وإن كنّا لا نستطيع تمييز هذه الأسماء بأعيانهاو. (منه(قدس‌سره )).

٩٤

الأُولى من القتال

الرّواية الثّانية: رواية عمّار الدّهني:

عن أبي جعفر (مُحمّد بن عليّ بن الامام الحسين - الإمام الباقر-) وقد جاء فيها : «... حتّى إذا كان بينه وبين القادسية ثلاثة أميال لقيه الحُرّ بن يزيد التميمي... فلمّا رأى ذلك عدل إلى كربلاء... فنزل وضرب ابنيتهُ وكان أصحابه خمسة وأربعين فارساً ومئة راجل»(١) .

ابن نما الحلي:وقد أورد ابن نما الحليّ هذا العدد، إلّا أنّ الرّواية عنده تختلف في التوقيت عن رواية عمّار، فرواية عمّار تُؤقّت العدد بساعة النُّزّول في كربلاء، وقد كان ذلك في اليوم الثَّاني من الُمحَرّم(٢) ، وابن نما يُؤقت العدد في اليوم العاشر من الُمحر ّم عند التَّعبئة، قال : «.. وعبّأ الامام الحسين أصحابه، وكانوا خمسة وأربعين فارساً ومئة راجل»(٣) ، و كذلك الحال عند ابن طاوس و قد صرّح بإسناد الرّواية إلى الإمام الباقر(٤) .

قال شمس الديم :ونحن نُرجحّ أنّ ابن نما - كابن طاوس - قد استند إلى رواية عمّار الدّهني هذه، وليس لديه مصدر آخر غيرها، وأنّ أختلافهما عن رواية عمّار في التوقيت نأشيء من عدم دقتهما في قراءة الرّواية.

إنَّ عمّار الدّهني قد تلقى الرّواية من أوثق المصادر وهو الإمام الباقر، والمفروض

____________________

(١) - اُنظر، تأريخ الطّبري : ٥ / ٣٨٩. ونصّت بعض المصادر التّأريخة : (وكان أصحابه خمسة وأربعين فارساً ونحواً من مئة راجل). اُنظر، البداية والنّهاية : ٨ / ٢١٤، تأريخ الطّبري: ٤ / ٢٩٢، سير أعلام النُّبلاء : ٣ / ٣٠٨، تهذيب الكمّال : ٦ / ٤٢٧، تهذيب التّهذيب : ٢ / ٣٠٤.

(٢) - اُنظر، تأريخ الطّبري: ٥٤ / ٣٨٩، الخوارزمي : ١ ٢٣٧. (منه(قدس‌سره )). اُنظر، ينابيع المودّة :

(٣) - اُنظر، مُثير الأحزان : ٣٩. (منه(قدس‌سره )). ونصّت بعض المصادر : (وكان معه اثنان وثلاثون فارساً وأربعُون راجلاً). اُنظر، تأريخ الطّبري: ٤ / ٣٢٠، مقتل الحسين لأبي مخنف : ١١٣، الإرشاد للشيخ الـمُفيد : ٢ / ٩٥، الأخبار الطّوال : ٢٥٦.

(٤) - اُنظر، اللُّهوف في قتلى الطّفوف : ٤٢ (منه(قدس‌سره )). بحار الأنوار : ٤٥ / ٢٣.

٩٥

أنّه قد تلقى صورة حيّة ودقيقة لما حدث، فقد طلب الحديث بقوله «حدثني عن مقتل الامام الحسين كأنّي حضرته» ولذا فإنّ ممّا يبعث على الدّهشة أن نجد في الرّواية تحريفاً منكراً لوقائع التّأريخ، فهي تخالف، من عدّة وجوده، بعض الحقائق الهامّة الـمُتّصلة بمعركة كربلاء، ونرجّح أنّ ذلك ناشيء من تلاعب الرُّواة بها كما ذكرنا آنفاً، إلّا أنّ هذا لا يمنع من قبول العدد الوارد في هذه الرّواية بصورة مبدئية.

ونلاحظ أنّ رواية عمّار تتفق من حيث الزمان والمكان مع رواية المسعودي الّتي طرحناها.

الروايات الصحيحة في عدد الانصار :

الرّواية الاولى : رواية أبي مخنف :

عن الضّحاك بن عبدالله المشرقي، قال «... فلمّا صلّى عمر بن سعد الغداء... وكان ذلك اليوم يوم عاشوراء، خرج فيمن معه من النّاس... وعبّأ الامام الحسين أصحابه وصلّى بهم صلاة الغداة، وكان معه اثنان وثلاثون فارساً وأربعون راجلاً»(١) .

وكان أبو مخنف من المؤرخين الدقيقين فى نقل أحداث حركة الامام الحسين.

الرّواية الثانية :رواية الحُصين بن عبدالرّحمن :

عن سعدَ بن عبيدةُ، قال: «إنّ أشياخاً من أهل الكوفة لوقوف على التّل يبكون ويقولون: أللّهم أنزل نصرك.

قال: قلت: يا أعداء الله ألا تنزلون فتنصرونه! قال: فأقبل الامام الحسين يُكلم

من بعث إليه ابن زياد، قال : وإني لأنظر إليه وعليه جُبة من برُود، فلمّا كلمهم انصرف، فرماه رجل من بني تميم يُقال له عمَر الطّهوي بسهم فإنّي لأنظر إلى السَّهم

____________________

(١) - اُنظر، تأريخ الطّبري : ٥ / ٤٢٢ وفي ٤٢٩ كرر أبو مخنف ذكر عدد الفرسان، (منه(قدس‌سره )). اُنظر، تأريخ الطّبري : ٤ / ٣٢٠، مقتل الحسين لأبي مخنف : ١١٣، الإرشاد للشيخ المفيد : ٢ / ٩٥، الأخبار الطّوال : ٢٥٦.

٩٦

بين كتفيه مُتعلقاً في جُبّته، فلمّا أبوا عليه رجع إلى مصافه، وإنّي لأنظر إليهم، وإنّهم لقريب من مئة رجل، فيهم من صلب عليّ بن أبي طالب(عليه‌السلام ) خمسة، ومن بني هاشم ستة عشر، ورجل من بني سليم حليف لهم، ورجل من بني كنانة حليف لهم، وابن عمر بن زياد»(١) .

إنّ هذه الرّواية منقولة عن شاهد عيان هو : (سعد بن عبيدة)، ويبدو أنّه كان مع عمر بن سعد، وأنّه كان مقرباً منه، فهو يقول في رواية أُخرى : «إنّا لـمُستنقعون في الماء مع عمر بن سعد»(٢) ، بينّما تشتمل الرّواية موضوع البحث على ملاحظة تدلّ على أنّه كان مُتعاطفاً مع الإمام الحسين ومع الثورة : «.. قلت : يا أعداء الله ألا تنزلون فتنصرونه...»(٣)

الرواية الثالثة :رواية أبي حنيفة الدِّينوري:

قال أبو حنيفة الدِّينوري: «... وعبّأ الامام الحسين (عليه‌السلام )أيضاً أصحابه، وكانوا اثنين وثلاثين فارساً وأربعين راجلاً»(٤) .

والدينوري يرجع إلى مصدر آخر غير مصدر أبي مخنف في روايته هذه.

الرواية الرابعة :رواية اليعقوبي: قال: «... وكان الامام الحسين في اثنين وستين أو اثنين وسعبين رجلاً من أهل بيته وأصحابه»(٥) .

____________________

(١) - انظر، تأريخ الطّبري : ٥ / ٣٩٢ - ٣٩٣. (منه(قدس‌سره )).

(٢) - اُنظر، تأريخ الطّبري : ٥ / ٣٩٢. (منه(قدس‌سره )).

(٣) - يبدو أنّ هذه الظّاهرة كانت موجودة بالنسبة إلى الكثيرين، فهم متعاطفون مع الثورة، ولكنهم يقفون عملياً ضدّها، وهذه الظّاهرة تصورها بدقة الفرزدق للحسين عندما لقيه : «قلوب النّاس معك وسيوفهم مع بني أميّة» إنّ هذا من مظاهر ما سنشر إليه من فضل (الدلالات) عن وجود حالة ثورية في جهاز نفسي مشلول. (منه(قدس‌سره )).

(٤) - اُنظر : الأخبا الطّول : ٢٥٦.

(٥) انظر: تاريخاليعقوبي:٢/٢٣٠.الاتحاف بحب الاشراف للشبراوي:١٥١ بتحقيقنا.

٩٧

الرواية الخامسة :ومنهم الشّيخ المفيد(١) .

الرواية السادسة :رواية الخوارزمي: رواية الخوارزمي عن عدد من خرج مع الامام الحسين من مكّة وأنّه كان اثنين وثمانين رجلاً(٢) .

قال الخوارزمي: «ولـمّا أصبح الامام الحسين (عليه‌السلام ) عبّأ أصحابه، وكان معه إثنان وثلاثون فارساً وأربعون راجلاً».

ذكر الخوارزمي : ان عددهم كان حين الخروج من مكة (اثنين وثمانين رجلاً) ثمّ ازداد العدد كثيراً في الطريق، ثمّ تقلص حتّى عاد إلى العدد الأوّل، وربّما يكون قد نقص عنه قليلاً، ثمّ تغير بنسبة صغيرة قبيل المعركة نتيجة مجيء بعض الأنصار الى معسكر الحسين ، وتحول بعض جنود الجيش الأموي إلى معسكر الامام الحسين.

قال الخوارزمي في روايته عن أبي مخنف :

«... فلمّا رموهم هذه الرّمية قلّ أصحاب الامام الحسين (عليه‌السلام )، فبقي في هؤلاء القوم الّذين يذكرون في المبارزة. وقد قُتل ما يُنيف على خمسين رجلاً»(٣) .

____________________

انظر الارشاد (١) :٢٣٣(منه) الارشادللشيخ المفيد ايضا: ٢/٩٥ تاريخ الطبري:٦/٢٤١ الكامل في التاريخ:٤/٢٤ الاخبار الطوال:٢٥٤ اخبار الاسلام :١٠٨ اعلام الور:١٤٢ جواهر المطالب في مناقب الامام علي لابن الدمشقي:٢/٢٨

انظر (٢) الدمعه الساكبة:٣٢

٩٨

و الّذين ذكرهم ابن شهر آشوب يبلغون أربعين رجلاً(١) .

و لما كان عدد القتلى فى المبارزة خمسين على رواية أبى مخنف تكون الفاصلة قريبة من بعض و هنا ينبغي أن نعي أنّ التّفاوت أمر مقبول و معقول، لأنَّ الرُّواة في جميع رواياتهم عن عدد أصحاب الامام الحسين تأثروا بحركة الانصار من فرار البعض وزيادة العدد من القادمين الجدد.

و هذه الحركة المسايرة لانصار الحسين من مكة الى كربلاء هي الاس الاساس في هذا الاختلاف.

أما ما قاله الشيخ شمس الدين بان مرجع ذلك الى عدم اعتمادهم طريقة الاحصاء واتباعهم طريقة الرؤية العينية للاحداث فهذا غير صحيح لان أغلبهم اتبع الاحصاء وذكر عدد الانصار وبالخصوص فى كربلاء.

فحركة الانصار بين قادم وراحل هي أساس التّفاوت بين رواية أبي مخنف وبين رواية عمّار الدّهني الذي يبلغ النِّصف تقريباً، والاختلاف بين رواية عمّار ورواية الحُصين يبلغ الثُلث تقريباً.

والذي أثر على العدد ايضا هو بقاء الامام الحسين وأنصاره مدة ثماني أيام فى كربلاء ،وفي هذه المدة حصل الاختلاف في احصاء عددهم فرواية عمّار الدّهني عن أبي جعفر تبين العدد حين النّزول في كربلاء في اليوم الثاني من المحرّم، وبين هذا التأريخ، والتّأريخ الّذي تُعبّر عنه روايتا الحُصين، وأبي مخنف ثمانية أيّام حدثت فيها بعض التغيرات في عدد الرِّجال، اذ ذهب بعض إلى البصرة برسائل من الامام الحسين.

كما ان بعضهم اختلف في احصاء الخدم الرقيق جزءاً من الانصار وعدم احصائه.

____________________

(١) انظر المناقب لابن شهر اشوب:٤/١١٣.منهقدس‌سره

٩٩

وهم عشرون رجلاً من الموالي : عشرة من موالي الامام الحسين ، واثنان من موالي الامام علي، وتسعة آخرون فتكون النتيجة سد الاختلاف الحاصل فى عدد الانصار.أما رواية الحصين بن عبدالرّحمن فهي تبين العدد في اليوم العاشر من المحرّم قبل بدأ القتال، وتبين عدد الُمحاربين، هاشميين وعرباً وموالي، دون احتساب الخدم الرقيق. وهناك من أحصى الصبيان قبل المعركة وهناك من لم يحصهم لعدم دخولهم فى عدد الانصار المرتب قبل المعركة.

قال المسعودي : «.. وقُتل معه (مع الامام الحسين ) من الأنصار أربعة وباقي من قتل معه من أصحابه - على ما قدّمنا من العدّة - من سائر العرب»(١) .

وقال أيضاً : «وكان جميع من قُتل مع الامام الحسين في يوم عاشوراء بكربلاء سبعة وثمانين منهم ابنه علي بن الحسين الأكبر»(٢) .

فتكون النتيجة قريبة من اثنين وسبعين مناصراً كانوا مع الحسين في كربلاء.

رواية ابن طاوس :ومن الروايات الاخرى عن عدد الانصار ما قاله السيّد بن طاوس في مقتله المّسمّى (اللُّهُوف على قتلى الطُّفُوف) وهي:

«... وبات الامام الحسين وأصحابه تلك اللّيلة (ليلة العاشر من الُمحرّم) ولهم دوّي كدّوي النّحل، ما بين راكع وساجد، وقائم وقاعد، فعبر إليهم في تلك اللّيلة من عسكر عمر بن سعد اثنان وثلاثون رجلاً»(٣) .

____________________

انظر مروج الذهب:٣/٧

انظر مروج الذهب:٣/٧١.تاريخ خليفة:٢٣٥ بلفظ:اصيب مع الحسين ستة عشر رجلا من اهل بيته و في رواية سبعة عشر رجلا الامامة و السياسة:٢/١

١٠٠