المجالسُ السَّنيّة في مناقب ومصائب العترة النبويّة الجزء ١

المجالسُ السَّنيّة في مناقب ومصائب العترة النبويّة0%

المجالسُ السَّنيّة في مناقب ومصائب العترة النبويّة مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 167

المجالسُ السَّنيّة في مناقب ومصائب العترة النبويّة

مؤلف: السيد محسن بن عبد الكريم الأمين
تصنيف:

الصفحات: 167
المشاهدات: 57770
تحميل: 2292


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 167 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 57770 / تحميل: 2292
الحجم الحجم الحجم
المجالسُ السَّنيّة في مناقب ومصائب العترة النبويّة

المجالسُ السَّنيّة في مناقب ومصائب العترة النبويّة الجزء 1

مؤلف:
العربية

يوم الطفّ أثر ، فسألوا زين العابدين (عليه‌السلام ) عن ذلك ، فقال : (( هذا ممّا كان ينقل الجراب على ظهره إلى منازل الأرامل واليتامى والمساكين )).

ووُجِد على ظهره (عليه‌السلام ) يوم الطفّ أثر آخر ، هو أوجع للقلوب من هذا الأثر ، وهو أثر حوافر الخيل التي داست بحوافرها صدره الشريف وظهره ؛ وذلك حين أمر ابن سعد عشرة فوارس أنْ يدوسوا بحوافر خيولهم صدره وظهره ؛ تنفيذاً لِما أمر به ابن زياد. ففعلوا ، وأقبلوا إلى ابن زياد وهم يقولون :

نحنُ رَضضْنَا الصَّدرَ بعد الظَّهْرِ

بكلِّ يعبوبٍ شديدِ الأسرِ

فقال ابن زياد : مَن أنتم ؟ قالوا : نحن الذين وطأنا بخيولنا جسد الحسين حتّى طحنّا جناجن صدره.

تَطأُ الصّواهلُ جسمَهُ وعلى القنَا

من رأسهِ المرفوعِ بدرُ سماءِ

* * *

عقَرتْ بناتُ الأعوجيّةِ هلْ دَرتْ

ما يُستباحُ بها وماذا يُصنعُ

المجلس التاسع

ممّا جاء في كرم الحسين (عليه‌السلام ) ، أنّ أعرابياً جاءه فقال : يابن رسول الله ، قد ضمنت ديّة كاملة وعجزت عن أدائها ، فقلت في نفسي : أسأل أكرم النّاس ، وما رأيت أكرم من آل محمّد (صلى‌الله‌عليه‌وآله ). فقال (عليه‌السلام ) : (( أسألك عن ثلاث مسائل ؛ فإنْ أجبت عن واحدة أعطيتك ثلث المال ، وإنْ أجبت عن اثنتين أعطيتك ثلثي المال ، وإنْ أجبت عن الكلّ أعطيتك الكلّ )). فقال الأعرابي : يابن رسول الله ، أمثلك يسأل مثلي ، وأنت من أهل العلم والشرف ؟! فقال الحسين (عليه‌السلام ) : (( بلى ، سمعت جدّي رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) يقول : المعروف بقدر المعرفة )). فقال الأعرابي : سلْ عمّا بدا لك ،

٢١

فإنْ أجبت ، وإلّا تعلمت منك. فقال الحسين (عليه‌السلام ) : (( أي الأعمال أفضل ؟ )). فقال الأعرابي : الإيمان بالله. فقال الحسين (عليه‌السلام ) : (( فما النجاة من المهلكة ؟ )). فقال الأعرابي : الثقة بالله. فقال الحسين (عليه‌السلام ) : (( فما يزين الرجل ؟ )). فقال الأعرابي : علم معه حلم. فقال الحسين (عليه‌السلام ) : (( فإنْ أخطأه ذلك ؟ )). فقال الأعرابي : مال معه مروءة. فقال الحسين (عليه‌السلام ) : (( فإنْ أخطأه ذلك ؟ )). فقال الأعرابي : فقر معه صبر. فقال الحسين (عليه‌السلام ) : (( فإنْ أخطأه ذلك ؟ )). فقال الأعرابي : فصاعقة تنزل من السّماء فتحرقه ؛ فإنّه أهل لذلك. فضحك الحسين (عليه‌السلام ) ورمى إليه بصرّة فيها ألف دينار ، وأعطاه خاتمه وفيه فصّ قيمته مئتا درهم ، وقال الحسين (عليه‌السلام ) (( يا أعرابي ، إعط ِالذهب غرماءك ، واصرف الخاتم في نفقتك )). فأخذ الأعرابي المال ، وقال : الله أعلم حيث يجعل رسالته.

وعلّم عبد الرحمن السّلمي بعض ولْد الحسين (عليه‌السلام ) سورة الفاتحة ، فلمّا قرأها الصبي على أبيه الحسين (عليه‌السلام ) ، أعطى ذلك المعلّم ألف دينار وألف حلّة وحشا فاه درّاً. فقيل له في ذلك، فقال (عليه‌السلام ) : (( وأين يقع هذا من إعطائه )) : يعني تعليمه للسورة. وأنشد الحسين (عليه‌السلام ) يقول :

إذا جادتْ الدّنيا عليك فجُدْ بها

على النّاس طُرّاً قبل أنْ تتفلّتِ

فلا الجودُ يُفنيها إذا هي أقبلتْ

ولا البخلُ يُبقيها إذا ما تولّتِ

وقال أنس : كنت عند الحسين (عليه‌السلام ) فدخلت عليه جارية ، فحيّته بطاقة ريحان ، فقال لها: (( أنتِ حرّة لوجه الله تعالى )). قال أنس : فقلت تجيئك بطاقة ريحان لا خطر لها فتعتقها ! قال (عليه‌السلام ) : (( كذا أدّبنا الله ، قال الله تعالى :( وَإِذَا حُيّيتُم بِتَحِيّةٍ فَحَيّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدّوهَا ) (١) . وكان أحسن منها عتقها )).

وقال (عليه‌السلام ) : (( صاحب الحاجة لم يكرم وجهه عن سؤالك ؛ فأكرم نفسك عن رَدّه )).

ومن كرمه العظيم وسخائه العجيب ، أنّه لـمّا التقى مع الحُرّ بن يزيد - وكان مع الحرّ زهاء ألف فارس - وكان الحسين (عليه‌السلام ) في سَحر ذلك اليوم أمر فتيانه أنْ يستقوا من الماء ويكثروا ، ففعلوا. ووقف الحرّ وخيله مقابل الحسين (عليه‌السلام ) في حَرّ الظهيرة ، فقال الحسين (عليه‌السلام ) لفتيانه : (( اسقوا القوم وارووهم من الماء ،

______________________

(١) سورة النّساء / ٨٦.

٢٢

وارشفوا الخيل ترشيفاً )) : أي أسقوها قليلاً. وأقبلوا يملؤون القصاع والطساس من الماء ثمّ يدنونها من الفرس ، فاذا عبّ فيها ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً ، عُزلت عنه وسقوا آخر حتّى سقوها عن آخرها.

أتدرون ما كان جزاء الحسين (عليه‌السلام ) من الأعداء على سقيه إيّاهم الماء مع خيولهم في تلك الأرض القفراء ؟ نعم ، كان جزاؤه منهم أنْ حالوا بينه وبين ماء الفرات ، وبعث عمر بن سعد عمرو بن الحجّاج في خمسمئة فارس ، فنزلوا على الشريعة وحالوا بين الحسين (عليه‌السلام ) وأصحابه وبين الماء.

وقال الشيخ المفيد عليه الرحمة : وكان ذلك قبل قَتل الحسين (عليه‌السلام ) بثلاثة أيام.

منَعوهُ شُربَ الماءِ لا شَرِبوا غداً

من كفِّ والده البطينِ الأنزعِ

المجلس العاشر

ذكر ابن شهر آشوب في المناقب قال : دخل الحسين (عليه‌السلام ) على معاوية وعنده أعرابي يسأله حاجة ، فأمسك عنه وتشاغل بالحسين (عليه‌السلام ) ، فقال الأعرابي لبعض مَن حضر : مَن هذا الذي دخل ؟ قالوا : الحسين بن علي (عليهما‌السلام ). فقال الأعرابي للحسين (عليه‌السلام ) : أسألك يابن بنت رسول الله ، لـمّا كلّمته في حاجتي. فكلّمه الحسين (عليه‌السلام ) في ذلك ، فقضى حاجته. فقال الأعرابي :

أتيتُ العبشميَّ فلمْ يجدْ لي

إلى أنْ هزّهُ ابنُ الرسولِ

هو ابنُ المصطفى كرماً وجوداً

ومن بطنِ الـمُطهّرة البتولِ

وإنّ لهاشم فضلا ًعليكُمْ

كما فضُلَ الربيعُ على الـمَحولِ

فقال معاوية : يا أعرابي ، أعطيك وتمدحه ؟! فقال الأعرابي : يا معاوية ، أعطيتني من حقّه وقضيت حاجتي بقوله.

ولـمّا أخرج مروانُ الفرزدقَ من المدينة أتى

٢٣

الفرزدق الحسين (عليه‌السلام ) ، فأعطاه الحسين (عليه‌السلام ) أربعمئة دينار. فقيل له : إنّه شاعر فاسق. فقال (عليه‌السلام ) : (( إنّ خير مالك ما وقيت به عرضك ، وقد أثاب رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) كعب بن زهير ، وقال في العبّاس بن مرداس : اقطعوا لسانه عنّي )).

وأعظم جودٍ صدر منه (عليه‌السلام ) ، جوده بنفسه في سبيل الله ، وتسليمه إيّاها للقتل.

قال الشاعر :

يجودُ بالنّفسِ إنْ ضنَّ الجبانُ بها

والجودُ بالنّفسِ أقصى غاية الجودِ

فالحسين (عليه‌السلام ) قد جاد بنفسه وأهل بيته وعياله وأطفاله في سبيل الله ؛ فداء للدين ، ومحاماة عن شريعة جدّه سيّد المرسلين (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) حتّى أصبحوا ما بين قتيل وأسير. ولولا قتل الحسين (عليه‌السلام ) ، ما بقي لهذا الدّين من أثر ، ولولاه ما ظهر للخاصّ والعام كفر يزيد وإلحاده.

رأى قنا الدّينِ من بعد استقامتِها

مغموزةً وعليها صدعُ منكسرِ

فقام يجمعُ شملاً غيرَ مُجتمعِ

منه ويجبرُ كسراً غيرَ مُنجبرِ

المجلس الحادي عشر

ممّا جاء في تواضع الحسين (عليه‌السلام ) ، وكرم أخلاقه : أنّه (عليه‌السلام ) مرّ بمساكين قد بسطوا كساء لهم وألقوا عليه كسراً ، فقالوا له : هلمّ يابن رسول الله. فجلس وأكل معهم ، ثمّ تلا : (( إنّ اللّه لا يُحِبّ المتكبّرين )). ثمّ قال (عليه‌السلام ) : (( قد أجبتكم فأجيبوني )). قالوا : نعم يابن رسول الله. فقاموا معه حتّى أتوا منزله ، فقال لجاريته : (( اخرجي ما كنتِ تدّخرين )).

وجنى غلام له جناية توجب العقاب ، فأمر به أنْ يُضرب ، فقال : يا مولاي( وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ ) . قال (عليه‌السلام ) : (( خلّوا عنه )). فقال : يا مولاي( وَالْعَافِينَ عَنِ النّاسِ ) . فقال (عليه‌السلام ) : (( قد عفوت عنك )). فقال : يا مولاي( وَاللّهُ يُحِبّ الْمُحْسِنِين ) (١) . فقال (عليه‌السلام ) : (( أنت حرّ لوجه الله تعالى ، ولك ضعف ما كنت أعطيك )).

وممّا جاء في

______________________

(١) المقاطع الثلاث كلّها من سورة آل عمران / ١٣٤.

٢٤

عبادة الحسين (عليه‌السلام ) : أنّه حجّ خمس وعشرين حجّة ماشياً ، وأنّ النّجائب لتقاد معه.

وقيل له يوماً : ما أعظم خوفك من ربّك ! فقال : (( لا يأمن من يوم القيامة إلّا مَن خاف الله في الدنيا )).

وكان إذا توضّأ تغيّر لونه وارتعدت مفاصله ، فقيل له في ذلك ، فقال (عليه‌السلام ) : (( حقّ لـمَن وَقفَ بين يدي الملك الجبّار أنْ يصفرّ لونه وترتعد مفاصله )).

وأمّا إباؤه للضيم ، فقد ضُربت به الأمثال ونُظمت فيه الأشعار.

قال الشاعر :

وإنَّ الاُولى بالطفِّ من آلِ هاشمٍ

تآسَوا فسنّوا للكرام التآسيا

وقال بعضهم : كأنّ أبيات أبي تمّام في محمّد بن حميد الطوسي ما قيلت إلّا في الحسين (عليه‌السلام ) :

وقدْ كان فوتُ الموتِ سهلاً فردَّهُ

إليه الحفاظُ المرّ والخُلُقُ الوعرُ

ونفسٌ تعافُ الضّيمَ حتّى كأنّما

هو الكُفرُ يومَ الرّوعِ أو دونه الكفرُ

فأثبتَ في مُسْتنقعِ الموتِ رِجلَهُ

و قال لها من دون أخمصكِ الحشرُ

تردَّى ثيابَ الموت حُمراً فما دَجا

لها الليلُ إلّا وهي من سندس خُضرُ

وقيل له يوم الطفّ : انزل على حكم بني عمّك. فقال : (( لا والله ، لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ، ولا أقرّ لكم إقرار العبيد )).

بأبيْ أبيّ الضّيمِ لا يُعطي العِدَى

حذرَ المنيةِ منه فضلَ قيادِ

بأبي فريداً أسلمتهُ يدُ الرّدَى

في دارِ غُربتهِ لجمع أعادي

ثم نادى : (( يا عباد الله ، إنّي عُذتُ بربّي وربّكم من كلّ متكبّر لا يؤمن بيوم الحساب )). وقال (عليه‌السلام ) : (( موت في عزّ خير من حياة في ذلّ )).

وكان يحمل على القوم يوم الطفّ وهو يقول :

الموتُ خيرٌ من ركوب العارِ

والعارُ أولى من دخولِ النارِ

واللهِ من هذا وهذا جاري

* * *

يأبَى له اللهُ والعضبُ المذرّبُ والـ

ـنفسُ الأبيّةُ إلّا عزّةً وإبا

٢٥

المجلس الثاني عشر

ممّا جاء في كرم الحسين (عليه‌السلام ) ، عن الحسن البصري : إنّ الحسين (عليه‌السلام ) ذهب ذات يوم مع أصحابه إلى بستانه - وكان في ذلك البستان غلام للحسين (عليه‌السلام ) اسمه صافي - فلمّا قرُب من البستان ، رأى الغلام قاعداً يأكل الخبز ، فجلس الحسين (عليه‌السلام ) عند بعض النّخل بحيث لا يراه الغلام ، فنظر إليه الحسين (عليه‌السلام ) وهو يرفع الرغيف فيرمي نصفه إلى الكلب ويأكل نصفه ، فتعجّب الحسين (عليه‌السلام ) من فعل الغلام ، فلمّا فرغ من الأكل قال : الحمد لله ربّ العالمين ، اللهمَّ ، اغفر لي واغفر لسيّدي كما باركت لأبويه برحمتك يا أرحم الراحمين.

فقام الحسين (عليه‌السلام ) وقال : (( يا صافي )). فقام الغلام فزعاً وقال : يا سيّدي وسيّد المؤمنين إلى يوم القيامة ، إنّي ما رأيتك ، فاعف عنّي. فقال الحسين (عليه‌السلام ) : (( اجعلني في حلّ يا صافي ؛ لأنّي دخلت بستانك بغير إذنك )). فقال صافي : بفضلك يا سيّدي وكرمك وسؤددك تقول هذا ! فقال الحسين (عليه‌السلام ) : (( إنّي رأيتك ترمي نصف الرغيف إلى الكلب وتأكل نصفه ، فما معنى ذلك ؟ )). فقال الغلام : إنّ هذا الكلب نظر إليّ وأنا كلّ فاستحييت منه ، وهو كلبك يحرس بستانك وأنا عبدك ، نأكل رزقك معاً.

فبكى الحسين (عليه‌السلام ) وقال : (( إنْ كان كذلك ، فأنت عتيق لله تعالى ، ووهبت لك ألفَي دينار )). فقال الغلام : إنْ أعتقتني فأنا اُريد القيام ببستانك. فقال الحسين (عليه‌السلام ) : (( إنّ الكريم ينبغي له أنْ يصدّق قوله بالفعل. أوما قلت لك اجعلني في حلّ ؟ فقد دخلت بستانك بغير إذنك ؛ فصدّقتُ قولي ووهبت البستان وما فيه لك ، فاجعل أصحابي الذين جاؤوا معي أضيافاً ، واكرمهم من أجلي ؛ أكرمك الله تعالى يوم القيامة ، وبارك لك في حسن خُلقك وأدبك )). فقال الغلام : إنْ وهبتني بستانك ، فإنّي قد سبلته لأصحابك وشيعتك.

٢٦

وأعظم جود صدر منه (عليه‌السلام ) ؛ جوده بنفسه وأهل بيته وعياله وأطفاله في سبيل الله ؛ فداء للدين ، ومحاماة عن شريعة جدّه سيّد المرسلين (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) حتّى أصبحوا ما بين قتيل وأسير. ولولا قتل الحسين (عليه‌السلام ) ، ما بقي لهذا الدّين من أثر ، ولولاه ما ظهر للخاصّ والعام كفر يزيد وإلحاده.

رأى قنا الدّينِ من بعد استقامتِها

مغموزةً وعليها صدعُ منكسرِ

فقام يجمعُ شملاً غيرَ مُجتمعِ

منه ويجبرُ كسراً غيرَ مُنجبرِ

المجلس الثالث عشر

خطب الحسين (عليه‌السلام ) فقال : (( أيّها النّاس ، نافسوا في المكارم وسارعوا في المغانم ، ولا تحتسبوا بمعروف لم تعجلوه ، واكسبوا الحمد بالنجح ولا تكسبوا بالمطل ذماً ؛ فمهما يكن لأحد عند أحد صنيعة له رأى أنّه لا يقوم بشكرها ، فالله له بمكافأته(١) فإنّه أجزل عطاءً وأعظم أجراً. واعلموا أنّ حوائج النّاس إليكم من نعم الله عليكم ، فلا تملّوا النعم فتحوّر نقماً. واعلموا أنّ المعروف مكسب حمداً ومعقب أجراً ، فلو رأيتم المعروف رجلاً ، رأيتموه حسناً جميلاً يسرّ الناظرين ، ولو رأيتم اللؤم ، رأيتموه سمجاً مشوّهاً تنفر منه القلوب ، وتُغضّ دونه الأبصار.

أيّها النّاس ، مَن جاد ساد ، ومَن بخل رذل ، وإنّ أجود النّاس مَن أعطى مَن لا يرجوه ، وإنّ أعفى النّاس مَن عفا عن قدرة ، وإنّ أوصل النّاس مَن وصل مَن قطعه. والاُصول على مغارسها بفروعها تسمو ، فمَن تعجّل لأخيه خيراً وجده إذا قدم عليه غداً. ومَن أراد الله تبارك وتعالى بالصنيعة

______________________

(١) الظاهر أنّه سقط هنا كلمة ، وهي : (زعيم) أو (كفيل) أو (مليء) أو نحو ذلك. - المؤلف -

٢٧

إلى أخيه ، كافأه الله بها في وقت حاجته ، وصرف عنه من بلاء الدنيا ما هو أكثر منه. ومَن نفّس كربة مؤمن فرّج الله عنه كرب الدنيا والآخرة ، ومَن أحسنَ أحسن الله إليه ، والله يُحب المحسنين )).

وخطب (عليه‌السلام ) أيضاً فقال : (( إنّ الحلم زينة ، والوفاء مروءة ، والصّلة نعمة ، والإستكبار صلف ، والعجلة سفه ، والسفه ضعف ، والغلوّ ورطة ، ومخالطة أهل الدناءة شرّ ، ومجالسة أهل الفسق ريبة )).

والحسين (عليه‌السلام ) معدن الفصاحة والبلاغة ، ورث ذلك عن جدّه رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ، أفصح مَن نطق بالضاد ، وعن أبيه أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) الذي علّم النّاس الفصاحة والخطب. ولقد خطب في الأعداء يوم كربلاء - حين وقف بازائهم ، وجعل ينظر إلى صفوفهم كأنّهم السيل - وقال ما لا يحصى كثرةً ، فلم يسمع متكلّم قطّ قبله ولا بعده أبلغ في منطق منه.

لهُ من عليٍّ في الحروبِ شجاعةٌ

ومن أحمدٍ عند الخطابةِ قيلُ

فكان ممّا قال (عليه‌السلام ) : (( الحمد لله الذي خلق الدنيا فجعلها دار فناء وزوال ، متصرّفة بأهلها حالاً بعد حال ، فالمغرور مَن غرّته والشقيّ مَن فتنته ؛ فلا تغرّنكم هذه الدنيا ، فإنّها تقطع رجاء مَن ركن إليها ، وتخيب طمع مَن طمع فيها. وأراكم قد اجتمعتم على أمر قد أسخطتم الله فيه عليكم ، وأعرض بوجهه الكريم عنكم ، وأحلّ بكم نقمته ، وجنّبكم رحمته ، فنِعمَ الربّ ربّنا ، وبئس العبيد أنتم ! أقررتم بالطاعة وآمنتم بالرسول محمّد (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ثمّ إنّكم زحفتم على ذرّيّته وعترته تريدون قتلهم ! لقد استحوذ عليكم الشيطان فأنساكم ذكر الله العظيم )).

فقال ابن سعد : ويلكم كلّموه فإنّه ابن أبيه ! ولو وقف فيكم هكذا يوماً جديداً لما انقطع ولما حصر. فتقدّم شمر فقال : يا حسين ، ما هذا الذي تقول ؟ أفهمنا حتّى نفهم. فقال (عليه‌السلام ) : (( أقول : اتّقوا الله ربّكم ولا تقتلوني ؛ فإنّه لا يحلّ لكم قتلي وانتهاك حرمتي ؛ فإنّي ابن بنت نبيّكم ، وجدّتي خديجة زوجة نبيكم ، ولعلّه قد بلغكم قول نبيكم : الحسن والحسين

٢٨

سيّدا شباب أهل الجنّة )). فقال له قيس بن الأشعث : ما ندري ما تقول ، ولكن انزل على حكم بني عمّك فإنّهم لن يروك إلّا ما تحب. فقال له الحسين (عليه‌السلام ) : (( لا والله ، لا اُعطيكم بيدي إعطاء الذليل ، ولا أقرّ إقرار العبيد)).

سامَوهُ أنْ يردَ الهوانَ أو المنيـ

ـيَة والمسوَّدُ لا يكون مَسودَا

* * *

فأبى أنْ يعيش إلّا عزيزاً

أو تجلّى الكفاحُ وهو صريعُ

المجلس الرابع عشر

روى صاحب كشف الغمّة : أنّه لـمّا قَتل معاوية حجرَ بن عدي (رحمه‌الله ) وأصحابه ، لقي في ذلك العام الحسين (عليه‌السلام ) ، فقال : يا أبا عبد الله ، هل بلغك ما صنعت بحجر وأصحابه من شيعة أبيك ؟ قال (عليه‌السلام ) : لا. قال : إنّا قتلناهم وكفّناهم وصلّينا عليهم. فضحك الحسين (عليه‌السلام ) ثمّ قال : (( خصمك القوم يوم القيامة يا معاوية. أما والله ، لو ولينا مثلها من شيعتك ما كفّناهم ولا صلينا عليهم ، وقد بلغني وقوعك بأبي حسن وقيامك به واعتراضك بني هاشم بالعيوب. وأيم الله ، لقد أوترت غير قوسك ورميت غير غرضك ، وتناولتها بالعداوة من مكان قريب. ولقد أطعت امرءاً (يريد عمرو بن العاص) ما قدم إيمانه ولا حدث نفاقه وما نظر لك ، فانظر لنفسك أو دَع )).

وكان لمعاوية عين بالمدينة يكتب إليه بما يكون من اُمور النّاس ، فكتب إليه : إنّ الحسين بن علي أعتق جارية له وتزوّجها. فكتب معاوية إلى الحسين (عليه‌السلام ) : من أمير المؤمنين معاوية الى الحسين بن علي : أمّا بعد ، فإنّه بلغني أنّك تزوّجت جاريتك وتركت أكفاءك من قريش ممّا تستنجبه للولد وتمجّد به في الصهر ، فلا لنفسك نظرت ولا لولدك انتقيت.

فكتب إليه الحسين (عليه‌السلام ) : (( أمّا بعد ، فقد بلغني كتابك وتعييرك إيّاي بأني تزوجت مولاتي وتركت

٢٩

أكفائي من قريش ، فليس فوق رسول الله منتهى في شرف ولا غاية في نسب ؛ وإنّما كانت ملك يميني خرجت عن يدي بأمر التمست فيه ثواب الله ، ثمّ ارتجعتها على سنّة نبيّه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ، وقد رفع الله بالإسلام الخسيسة ووضع عنّا به النقيصة ، فلا لوم على امرئ مسلم إلّا في مأثم ، وإنّما اللوم لوم الجاهلية )).

فلمّا قرأ معاوية كتابه نبذه إلى يزيد ، فقرأه وقال : لشدّ ما فخر عليك الحسين. قال : لا ، ولكنّها ألسِنَة بني هاشم الحداد التي تفلق الصخر وتغرف من البحر.

ولم ينسَ يزيد قول أبيه ، إنّ لبني هاشم ألسنة تفلق الصخر وتغرف من البحر ؛ ولذلك لـمّا قال له زين العابدين (عليه‌السلام ) بالشام : (( أتأذن لي أنْ أصعد هذه الأعواد فأتكلّم بكلمات لله فيهنّ رضاً ، ولهؤلاء الجلساء فيهنّ أجر وثواب ؟ )) أبى يزيد عليه ذلك ، فقال النّاس : يا أمير المؤمنين ، إئذن له فليصعد المنبر فلعلّنا نسمع منه شيئاً. فقال : إنّه إنْ صعد لم ينزل إلّا بفضيحتي وفضيحة آل أبي سفيان. فقيل له : وما قدر ما يحسن هذا ؟ فقال : إنّه من أهل بيت زقّوا العلم زقّا. فلم يزالوا به حتّى أذِنَ له.

فصعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ثمّ خطب خطبة أبكى فيها العيون وأوجل منها القلوب ، وخشي يزيد أنْ تكون فتنة ؛ فأمر المؤذّن فقطع عليه الكلام ، فلمّا قال المؤذّن : الله أكبر الله أكبر، قال علي بن الحسين (عليه‌السلام ) : (( لا شيء أكبر من الله )). فلمّا قال : أشهد أنْ لا إله إلّا الله ، قال (عليه‌السلام ) : (( شهد بها شعري وبشري ، ولحمي ودمي )). فلمّا قال المؤذّن : أشهد أنّ محمّداً رسول الله ، قال (عليه‌السلام ) : (( محمّد هذا جدّي أم جدّك يا يزيد؟ فإنْ زعمت أنّه جدّك فقد كذبت وكفرت ، وإنْ زعمت أنّه جدّي ، فلِمَ قَتلت عترته ؟ )).

ألا يابنَ هندٍ لا سقَى اللهُ تربةً

ثويتَ بمثواها ولا اخضرّ عودُها

أتسلبُ أثوابَ الإمامة هاشماً

وتطردُها عنها وأنت طريدُها

٣٠

المجلس الخامس عشر

روى ابن عساكر في تاريخ دمشق : أنّ نافع بن الأزرق - وهو من رؤساء الخوارج - قال للحسين (عليه‌السلام ) : صف لي إلهك الذي تعبده. فقال (عليه‌السلام ) : (( يا نافع ، مَن وضَعَ دينه على القياس ، لم يزل الدهر في الالتباس ، مائلاً إذا كبا عن المنهاج ، ظاعناً بالاعوجاج ، ضالاً عن السبيل قائلاً غير الجميل. يابن الأزرق ، أصف إلهي بما وصف به نفسه ؛ لا يُدرك بالحواس ولا يُقاس بالنّاس ، قريب غير ملتصق وبعيد غير مستقصى ، يوحَّد ولا يبعَّض ، معروف بالآيات موصوف بالعلامات ، لا إله إلّا هو الكبير المتعال )).

فبكى ابن الأزرق وقال : ما أحسن كلامك ! فقال (عليه‌السلام ) : (( بلغني أنّك تشهد على أبي وعلى أخي بالكفر وعليَّ )). قال ابن الأزرق : أما والله يا حسين ، لئن كان ذلك لقد كنتم منار الإسلام ونجوم الأحكام. فقال له الحسين (عليه‌السلام ) : (( إنّي سائلك عن مسألة )). فقال : سل. فسأله عن قوله تعالى :( وَأَمّا الجِدَارُ فَكَانَ لِغُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ ) (١) . فقال (عليه‌السلام ) : (( يابن الأزرق ، مَن حفظ في الغلامين ؟ )). فقال أبوهما. فقال الحسين (عليه‌السلام ) : (( أبوهما خيرٌ أمْ رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ؟ )). فقال ابن الأزرق : قد أنبأ الله تعالى عنكم أنّكم قوم خصمون.

أجل والله ، إنّ هذه الاُمّة لم تحفظ رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) في ولدَيه الحسنَين (عليهما‌السلام ) ، فجرّعت ولده الحسن (عليه‌السلام ) الغصص ودفعته عن مقامه ، وأسلمته إلى عدوّه حتّى قضى شهيداً بالسمّ ، ومنعت من دفنه عند جدّه ؛ وخذلت ولده الحسين (عليه‌السلام ) ولم تنصره ، وحاربته وقتلته هو وأولاده وأهل بيته حتّى طفله الرضيع ، وقتلت أنصاره ، وسبت نساءه من بلد الى بلد ، وهنّ عقائل بيت الوحي والنبوّة.

يا اُمّةٌ باعتْ بضائعَ دينِها

يومَ الطّفوفِ بخيبةٍ وشَقاءِ

خانتْ عهودَ محمّد في آلهِ

من بعدهِ وجزتْهُ شرَّ جزاءِ

______________________

(١) سورة الكهف / ٨٢.

٣١

المجلس السّادس عشر

روى ابن قتيبة في الإمامة والسياسة ، والكشي في كتاب الرجال : أنّ مروان بن الحكم كتب الى معاوية - وهو عامله على المدينة - : أمّا بعد ، فقد ذكر لي أنّ رجالاً من أهل العراق ووجوه أهل الحجاز يختلفون إلى الحسين بن علي ، وإنّه لا يؤمن وثوبه ، وقد بحثت عن ذلك فبلغني أنّه يريد الخلافة.

فكتب إليه معاوية : إيّاك أنْ تعرض للحسين في شيء ، واترك حسيناً ما تركك. وكتب معاوية إلى الحسين (عليه‌السلام ) : قد انتهت إليّ اُمور عنك ، إنْ كانت حقاً فإنّي أرغب بك عنها. ولعمر الله ، إنّ مَن أعطى الله عهده وميثاقه لجدير بالوفاء ، وإنّ أحقّ النّاس بالوفاء مَن كان مثلك في خطرك وشرفك ومنزلتك التي أنزلك الله بها ، ونفسك فاذكر وبعهد الله أوفِ ؛ فانّك متى تنكرني أنكرك ، ومتى تكدني أكدك ، فاتّقِ شقّ عصا هذه الاُمّة وأنْ يردهم الله على يديك في فتنة. وانظر لنفسك ولدينك ولاُمّة محمّد ، ولا يستخفنّك السفهاء والذين لا يعلمون.

فكتب إليه الحسين (عليه‌السلام ) : (( أمّا بعد ، فقد بلغني كتابك تذكر فيه أنّه انتهت إليك عنّي اُمور أنت لي عنها راغب وأنا بغيرها عندك جدير ، فإنّ الحسنات لا يهدي لها ولا يسدد إليها إلّا الله تعالى ؛ وأمّا ما ذكرت إنّه رقي إليك عنّي ، فإنّه إنّما رقاه إليك الملاّقون المشّاؤون بالنميمة ، المفرّقون بين الجمع ، وكذب الغاوون ، ما أردت لك حرباً ولا عليك خلافاً ، وإنّي لأخشى الله في ترك ذلك منك ومن الأعذار فيه إليك وإلى أوليائك القاسطين الملحدين ، حزب الظلمة وأولياء الشياطين.

ألستَ القاتل حِجْر بن عدي أخا كندة وأصحابه المصلّين العابدين ، الذين كانوا ينكرون الظلم ويستفضعون البدع ، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ولا يخافون في الله لومة لائم ، ثمّ قتلتهم ظلماً وعدواناً من بعد ما أعطيتهم الأيمان المغلّظة والمواثيق المؤكّدة ، لا تأخذهم بحدث كان بينك وبينهم ؛ جرأة على الله واستخفافاً بعهده ؟!

٣٢

أولست قاتل عمرو بن الحمق صاحب رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ، العبد الصالح الذي أبلته العبادة فنحل جسمه واصفرّ لونُه ، فقتلته بعدما أمّنته وأعطيته من العهود ما لو فهمته العصم لنزلت من رؤوس الجبال ؟!

أولست المدّعي زياد بن سميّة المولود على فراش عبيد بن ثقيف ، فزعمت أنّه ابن أبيك ؛ وقد قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : الولد للفراش وللعاهر الحَجَر. فتركت سنّة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) تعمّداً ، وتبعت هواك بغير هدىً من الله ، ثمّ سلّطته على أهل الإسلام يقتلهم ويقطّع أيديهم وأرجلهم ويسمل أعينهم ويصلبهم على جذوع النّخل ، كأنّك لست من هذه الاُمّة وليسوا منك ؟!

أولست صاحب الحضرميين الذين كتب فيهم ابن سميّة أنّهم على دين علي صلوات الله عليه ، فكتبت إليه : أنْ اقتل كلّ مَن كان على دين علي ؛ فقتلهم ومثّل بهم بأمرك ، ودين علي هو دين ابن عمّه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) الذي كان يضرب عليه أباك ويضربك ، وبه جلست مجلسك الذي أنت فيه. ولولا ذلك لكان شرفك وشرف آبائك تجشّم الرحلتين ؛ رحلة الشتاء والصيف ؟! وقلتَ فيما قلت : انظر لنفسك ولدينك ولاُمّة محمّد (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) واتّق شقّ عصا هذه الاُمّة وأنْ تردهم إلى فتنة!! وإنّي لا أعلم فتنة أعظم على هذه الاُمّة من ولايتك عليها ، ولا أعظم نظراً لنفسي ولديني ولاُمّة محمّد (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أفضل من أنْ اُجاهدك ، فإنْ فعلت فإنّه قربة إلى الله ، وإنْ تركته فإنّي أستغفر الله لديني وأسأله توفيقَه لأرشاد أمري.

وقلتَ فيما قلت : إنْ أنكرتك تنكرني ، وإنْ أكِدك تكدني ! فكدني ما بدا لك ، فإنّي أرجو أنْ لا يضرني كيدك ، وأنْ لا يكون على أحد أضرّ منه على نفسك ؛ لأنّك قد ركبت جهلك وتحرصت على نقض عهدك ، ولعمري ما وفيتَ بشرط ، ولقد نقضت عهدك بقتل هؤلاء النفر الذين قتلتهم بعد الصلح والأيمان والعهود والمواثيق ، فقتلتهم من غير أنْ يكونوا قاتَلوا وقتلوا ، ولم تفعل ذلك بهم إلاّ لذكرهم فضلنا وتعظيمهم حقّنا ؛ فقتلتهم مخافة أمرٍ لعلّك لو لم تقتلهم متّ قبل أنْ يفعلوا ، أو ماتوا قبل أنْ يدركوا.

٣٣

فأبشر يا معاوية بالقصاص ، واستيقن بالحساب ، واعلم أنّ لله تعالى كتاباً لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلّا أحصاها ، وليس الله بناسٍ لأخذك بالظنّة ، وقتلك أولياءه على التهم ، ونفيك أولياءه من دورهم إلى دار الغربة ، وأخذك للناس ببيعة ابنك غلام حدث ؛ يشرب الشراب ويلعب بالكلاب ، ما أراك إلاّ خسرتَ نفسك وبترت دينك ، وغششتَ رعيّتك وأخربت أمانتك ، وسمعتَ مقالة السفيه الجاهل وأخفت الورع التّقي ، والسّلام )). فلمّا قرأ معاوية الكتاب ، قال : لقد كان في نفسه شيء ما أشعر به. فقال يزيد : أجبه جواباً يصغر إليه نفسه ؛ تذكر فيه أباه بشرّ فعله.

ودخل عبد الله بن عمرو بن العاص ، فقال معاوية : أما رأيت ما كتب به الحسين ؟ وأقرأه الكتاب. فقال : وما يمنعك أنْ تجيبه بما يصغر إليه نفسه ؟ - وإنما قال ذلك في هوى معاوية - فقال يزيد : رأيت يا أمير المؤمنين رأيي ؟ فضحك معاوية وقال : أخطأتما ، أرأيتما لو أنّي ذهبت لعيب عليّ محقاً ، فما عسيت أنْ أقول فيه ؟ ومتى ما عبت رجلاً بما لا يعرفه النّاس لم يُحفل به وكذّبه النّاس ، وما عسيت أنْ أعيب حسيناً ! فو الله ، ما أرى للعيب فيه موضعاً.

ومناقبٍ شهِدَ العدوُّ بفضلِها

والفضلُ ما شهدتْ بهِ الأعداءُ

تفديك نفسي يا أبا عبد الله ، أنت الذي علّمت النّاس الأنَفَة والشمم والإباء ؛ أبيت أنْ تخضع لتهديد معاوية ووعيده كما أبيت أنْ تخضع وتنقاد ليزيد ، وجدت بنفسك في سبيل الدّين والعزّ والشرف حتّى قُتلت عطشان ظامئاً غريباً مظلوماً ، وآثرت المنيّة على الدنيّة وموت العزّ على حياة الذلّ ، وقلت فيما قلت : (( والله ، لو لم يكن في الدنيا ملجأ ، لما بايعت يزيد بن معاوية )).

أرادتْ لها الويلاتُ تسليمَهُ لها

وكيف تنالُ الشمسَ أيدي اللوامسِ

وهيهات أنْ يرضى الحسينُ بذلّةٍ

أبتها اُصولٌ زاكياتُ المغارسِ

٣٤

المجلس السّابع عشر

في مناقب ابن شهر آشوب ، عن عبد الله بن عمير والحاكم والعبّاس قالوا : خطب الحسن (عليه‌السلام ) عائشة بنت عثمان ، فقال مروان : اُزوّجها عبد الله بن الزّبير. فلما قُبض الحسن (عليه‌السلام ) ومضت أيام من وفاته ، كتب معاوية إلى مروان - وهو عامله على الحجاز - يأمره أنْ يخطب اُمّ كلثوم بنت عبد الله بن جعفر لابنه يزيد. فأتى عبدَ الله بن جعفر فأخبره بذلك ، فقال عبد الله: إنّ أمرها ليس إليّ إنما هو إلى سيّدنا الحسين (عليه‌السلام ) وهو خالها ، فأخبر الحسين (عليه‌السلام ) بذلك ، فقال : (( أستخير الله تعالى. اللهمَّ ، وفّق لهذه الجارية رضاك من آل محمّد (عليهم‌السلام ) )).

فلمّا اجتمع النّاس في مسجد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ، أقبل مروان حتّى جلس إلى الحسين (عليه‌السلام ) وعنده من الجِلّة وقال : إنّ أمير المؤمنين معاوية أمرني أنْ أخطب اُمّ كلثوم بنت عبد الله بن جعفر لابنه يزيد ، وأنْ أجعل مهرها حكم أبيها بالغاً ما بلغ ، مع صلح ما بين هذين الحَييّن ، مع قضاء دَين أبيها. واعلم أنّ مَن يغبطكم بيزيد أكثر ممَّن يغبطه بكم. والعَجب كيف يستمهر يزيد وهو كفو من لا كفو له وبوجهه يستسقى الغمام ؟! فردْ خيراً يا أبا عبد الله.

فقال الحسين (عليه‌السلام ) : (( الحمد لله الذي اختارنا لنفسه وارتضانا لدينه واصطفانا على خلقه )) ثمّ قال (عليه‌السلام ) : (( يا مروان ، قلت فسمعنا ؛ أمّا قولك مهرها حكم أبيها بالغاً ما بلغ ، فلعمري ، لو أردنا ذلك ما عدونا سنّة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) في بناته ونسائه وأهل بيته ؛ وهو اثنتا عشرة أوقية ، يكون أربعمئة وثمانين درهماً ؛ وأمّا قولك مع قضاء دَين أبيها ، فمتى كنّ نساؤنا يقضين عنّا ديوننا ؟ وأمّا صلح ما بين هذين الحييّن ، فإنّا قوم عاديناكم في الله فلم نكنْ نصالحكم للدنيا ، فلعمري ، لقد أعيا النسب فكيف السبب ؛ وأمّا قولك العجب ليزيد كيف يستمهر ، فقد استمهر مَن هو خير من يزيد ومن أبي يزيد ومن جدّ يزيد ؛ وأمّا قولك أنّ يزيد كفو مَن لا كفو له ، فمَن كان كفوه قبل اليوم فهو كفوه اليوم ، ما زادته إمارته في

٣٥

الكفاءة شيئاً ؛ وأمّا قولك بوجهه يستسقى الغمام ، فإنّما كان ذلك بوجه رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ؛ وأمّا قولك مَن يغبطنا به أكثر ممَن يغبطه بنا ، فإنّما يغبطنا به أهل الجهل ويغبطه بنا أهل العقل )). ثمّ قال (عليه‌السلام ) : (( فاشهدوا جميعاً أنّي قد زوّجت اُمّ كلثوم بنت عبد الله بن جعفر من ابن عمّها القاسم بن محمّد بن جعفر على أربعمئة وثمانين درهماً ، وقد نحلتها ضيعتي بالمدينة - أو قال : أرضي بالعقيق - وأنّ غلّتها في السّنة ثمانية آلاف دينار ، ففيها لهما غنى إنْ شاء الله )).

قال : فتغيّر وجه مروان وقال : غدراً يا بني هاشم ، تأبون إلّا العداوة. فذكّره الحسين (عليه‌السلام ) خطبة أخيه الحسن (عليه‌السلام ) عائشة وفعله ، ثمّ قال (عليه‌السلام ) : (( فأين موضع الغدر يا مروان ؟ )).

فقال مروان :

أردْنا صهرَكمْ لنجدَّ ودّاً

قدْ اخلَقهُ بهِ حدثُ الزّمانِ

فلمّا جئتكمْ فجبهتُموني

وبحتمْ بالضّميرِ من الشّنانِ

فأجابه ذكوان مولى بني هاشم :

أماط اللهُ عنهمْ كلَّ رجسٍ

وطهّرهُمْ بذلك في المثاني

فما لهمُ سواهُمْ منْ نظيرٍ

ولا كفوٌ هناك ولا مُداني

أتجعلُ كلَّ جبّارٍ عنيدٍ

إلى الأخيارِ منْ أهلِ الجنانِ

وما زالت هذه الأضغان في نفس يزيد حتّى أظهرها لمّا جيء إليه برأس الحسين (عليه‌السلام ) ، فجعل يقول :

نفلّقُ هاماً من رجالٍ أعزّةٍ

علينا وهمْ كانوا أعقَّ وأظلما

ودعا بقضيب خيزران فجعل ينكت به ثنايا الحسين (عليه‌السلام ) ، ثمّ قال : يوم بيوم بدر. ثمّ قال:

ليتَ أشياخي ببدرٍ شهدوا

جَزعَ الخزْرجِ منْ وقْعِ الأسلْ

لأهلّوا واسْتهلّوا فرحاً

ثمّ قالوا يا يزيدُ لا تشلْ

قد قتلنا القَرمَ منْ ساداتهمْ

وعدلناه ببدرٍ فاعتَدلْ

٣٦

لعبتْ هاشمُ بالـمُلكِ فلا

خبرٌ جاء ولا وحيٌ نَزلْ

لستُ من خِندفَ إنْ لم أنتقمْ

مِن بني أحمدَ ما كانَ فعلْ

***

أتنكثُها شُلّتْ يمينُكَ إنّها

وجوهٌ لوجْهِ اللهِ طالَ سجودُهَا

المجلس الثامن عشر

قال الامام الرضا (عليه‌السلام ) : (( إنّ المحرّم شهر كان أهل الجاهليّة فيما مضى يحرّمون فيه الظلم والقتال ، فاستُحلّت فيه دماؤنا ، وهُتكت فيه حرمتنا ، وسُبي ذرارينا ونساؤنا ، واُضرمت النيران في مضاربنا وانتهب منها ثقلنا ، ولم ترعَ لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) حرمة في أمرنا. إنّ يوم الحسين أقرح جفوننا وأسال دموعنا ، وأذلّ عزيزنا بأرض كرب وبلاء ، وأورثنا الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء؛ فعلى مثل الحسين فليبك الباكون )). ثم قال الامام (عليه‌السلام ) : (( كان أبي إذا دخل شهر المحرّم لا يرى ضاحكاً ، وكانت الكآبة تغلب عليه حتّى تمضي منه عشرة أيّام ، فإذا كان اليوم العاشر ، كان ذلك اليوم يوم مصيبته وحزنه وبكائه ، ويقول : هو اليوم الذي قتل فيه جدّي الحسين (عليه‌السلام ) )).

وقال الامام الرضا (عليه‌السلام ) : (( مَن ترك السعي في حوائجه يوم عاشوراء ، قضى الله له حوائج الدنيا والآخرة. ومَن كان يوم عاشوراء يوم مصيبته وحزنه وبكائه ، جعل الله عزّ وجلّ يوم القيامة يوم فرحه وسروره ، وقرّت بنا في الجنان عينه. ومَن سمَّ يوم عاشوراء يوم بركة وادّخر فيه لمنزله شيئاً ، لم يبارك له فيما ادّخر ، وحُشر يوم القيامة مع يزيد وعبيد الله بن زياد وعمر بن سعد لعنهم الله إلى أسفل درك من النار )).

أقول: وأمّا اتخاذ يوم عاشوراء يوم

٣٧

عيد وفرح وسرور فهي سنّة اُمويّة ، وقد اتّبعها مَن اتّبعها جهلاً بالحال ، وإلّا فلا يُظنّ بمسلم أنّه يفرح في يوم قتل ابن بنت نبيّه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ، الذي لو كان حياًّ لكان هو المعزّى به والباكي عليه كما بكى عليه في حياته.

يا يومَ عاشوراء كمْ لكَ لوعةً

تترقّصُ الأحشاءُ منْ إيقادِها

ما عُدْتَ إلَإ عاد قلبي غُلّةٌ

حرّى ولو بالغتُ في إبرادِها

مثلُ السّليمِ مضيضةٌ آناؤهُ

خُزرُ العيونِ تعودُهُ بعيادِها

كانتْ مآتمُ بالعراقِ تعدّها

اُمَويّةٌ بالشّامِ منْ أعيادِها

المجلس التاسع عشر

حكى دعبل الخزاعي قال : دخلت على سيّدي ومولاي علي بن موسى الرضا (عليه‌السلام ) في أيام عشر المحرّم ، فرأيته جالساً جلسة الحزين الكئيب وأصحابه من حوله ، فلمّا رآني مقبلاً ، قال لي : (( مرحباً بك يا دعبل ، مرحباً بناصرنا بيده ولسانه )). ثم إنّه وسع لي في مجلسه وأجلسني إلى جانبه ، ثمّ قال (عليه‌السلام ) : (( يا دعبل ، اُحبّ أنْ تنشدني شعراً ؛ فإنّ هذه الأيام أيام حزن كانت علينا أهل البيت ، وأيام سرور كانت على أعدائنا خصوصاً بني اُميّة )). ثمّ إنّه (عليه‌السلام ) نهض وضرب ستراً بيننا وبين حرمه ، وأجلس أهل بيته من وراء السّتر ليبكوا على مصاب جدّهم الحسين (عليه‌السلام ) ، ثمّ التفت إليّ وقال لي : (( يا دعبل ، إرث الحسين ، فأنت ناصرنا ومادحنا ما دمت حيّاً ، فلا تقصّر عن نصرنا ما استطعت )).

قال دعبل : فاستعبرت وسالت عبرتي ، وأنشأت أقول :

أفاطمُ لو خِلتِ الحسينَ مُجدّلا

وقد مات عطْشاناً بشطِّ فُراتِ

إذاً للطمتِ الخدَّ فاطمُ عندَهُ

وأجريتِ دمعَ العينِ في الوجناتِ

٣٨

أفاطمُ قومي يابنةَ الخيرِ واندُبي

نجومَ سَماواتٍ بأرضِ فلاةِ

قبورٌ بكوفانٍ واُخرَى بطَيبةٍ

واُخرَى بفخٍّ نالَها صلواتي

قبورٌ بجنب النّهرِ من أرضِ كربَلا

معرّسُهمْ فيها بشطِّ فراتِ

توفوا عطاشَى بالفُراتِ فليتَني

توفّيتُ فيهِم قبلَ حينِ وفاتي

إلى اللهِ أشكو لوعةً عندَ ذكرِهمْ

سَقتني بكأسِ الثُّكلِ والفظعاتِ

سأبْكيهُمُ ما حجَّ لله راكبٌ

وما ناح قُمريٌّ على الشّجراتِ

فيا عينُ بكّيهمْ وجُودي بعبرةٍ

فقدْ آنَ للتّسكابِ والهَملاتِ

سأبكيهُمُ ما ذرَّ في الاُفقِ شارقٌ

ونادى منادي الخيرِ للصَلواتِ

وما طلُعتْ شمسٌ وحَانَ غُروبُها

وبالليلِ أبكيهمْ وبالغُدواتِ

وفي عيون أخبار الرضا (عليه‌السلام ) بسنده عن عبد السّلام بن صالح الهروي قال : دخل دعبل بن علي الخزاعيرحمه‌الله على أبي الحسن علي بن موسى الرضا (عليه‌السلام ) بمرو فقال له : يابن رسول الله ، إنّي قد قلت فيكم قصيدة وآليت على نفسي أنْ لا أنشدها أحداً قبلك. فقال (عليه‌السلام ) : (( هاتها )). فأنشده :

مدارسُ آياتٍ خلتْ من تلاوةٍ

ومنزلُ وحيٍ مُقفِرُ العَرَصاتِ

فلمّا بلغ إلى قوله :

أرى فيئَهُمْ في غيرِهمْ مُتَقسَّماً

وأيديَهُمْ من فيئِهمْ صَفِراتِ

بكى أبو الحسن الرضا (عليه‌السلام ) وقال له : (( صدقت يا خزاعي )).

فلما بلغ إلى قوله :

إذا وُتِروا مَدُّوا إلى واترِيهُمُ

أكفّاً عن الأوتَارِ مُنْقَبضَاتِ

جعل أبو الحسن (عليه‌السلام ) يقلّب كفّيه ويقول : (( أجل ، والله منقبضات )).

فلمّا بلغ إلى قوله :

لقدْ خِفتُ في الدُّنيَا وأيامِ سَعْيهَا

وإنّي لأرجُو الأمنَ بَعدَ وفاتي

قال الرضا (عليه‌السلام ) : (( آمنك الله يوم الفزع الأكبر )). ثمّ أعطاه مئة دينار من الدنانير المضروب عليها اسم الرضا (عليه‌السلام ) ، فقال دعبل : والله ما لهذا جئت ، ولا قلت هذه القصيدة طمعاً في شيء. وردّ الصّرة ، وسأل ثوباً من ثياب الرضا (عليه‌السلام )

٣٩

ليتبرّك به ، فأنفذ إليه الرضا (عليه‌السلام ) جبّة خزّ مع الصرّة ، فأخذهما دعبل وانصرف.

لا أضحَكَ اللهُ سِنَّ الدَّهرَ إنْ ضَحِكتْ

وآلُ أحمدَ مظلُومُونَ قدْ قُهرُوا

مُشرَّدونَ نُفوا عَنْ عُقرِ دارِهُمُ

كأنّهمُ قدْ جَنَوا ما ليسَ يُغتَفرُ

* * *

إذا العينُ قرّتْ في الحياةِ وأنتُمُ

تخافُونَ في الدّنيا فأظلمَ نُورُها

المجلس العشرون

عن معاوية بن وهب قال : دخلت يوم عاشوراء إلى دار مولاي جعفر الصادق (عليه‌السلام ) ، فرأيته ساجداً في محرابه ، فجلست من ورائه حتّى فرغ فأطال في سجوده وبكائه ، فسمعته يناجي ربّه وهو ساجد وهو يقول : (( اللهمّ ، يا من خصّنا بالكرامة ووعدنا بالشفاعة وحمّلنا الرسالة ، وجعلنا ورثة الأنبياء ، وختم بنا الاُمم السّالفة ، و خصّنا بالوصيّة ، وجعل أفئدة من النّاس تهوي إلينا ، اغفر اللهمَّ لي ولإخواني ولزوّار أبي عبد الله الحسين (عليه‌السلام ) الذين أنفقوا أموالهم في حبّه ، وأشخصوا أبدانهم ؛ رغبة في برّنا ، ورجاء لما عندك في صلتنا ، وسروراً أدخلوه على نبيّك محمّد (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ، وإجابة منهم لأمرنا ، وغيظاً أدخلوه على عدوّنا وأرادوا بذلك رضوانك. اللهمَّ ، فكافهم عنّا بالرضوان ، واكلأهم بالليل والنّهار ، وأخلفهم في أهاليهم وأولادهم الذين خلّفوا أحسن الخلف ، واكفهم شرّ كلّ جبّار عنيد وكلّ ضعيف من خلقك وشديد ، وشرّ شياطين الإنس والجنّ ، وإعطهم أفضل ما أمّلوه منك في غربتهم عن أوطانهم ، وما آثرونا به على أبنائهم وأهاليهم وقرابتهم. اللهمَّ ، إنّ أعداءنا عابوا عليهم خروجهم فلم ينههم ذلك عن النّهوض والشخوص إلينا ؛ خلافاً منهم على مَن خالفنا ، فارحم تلك الوجوه التي غيّرتها الشمس ، وارحم

٤٠