المجالسُ السَّنيّة في مناقب ومصائب العترة النبويّة الجزء ٥

المجالسُ السَّنيّة في مناقب ومصائب العترة النبويّة0%

المجالسُ السَّنيّة في مناقب ومصائب العترة النبويّة مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 767

المجالسُ السَّنيّة في مناقب ومصائب العترة النبويّة

مؤلف: السيد محسن بن عبد الكريم الأمين
تصنيف:

الصفحات: 767
المشاهدات: 73581
تحميل: 2561


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 767 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 73581 / تحميل: 2561
الحجم الحجم الحجم
المجالسُ السَّنيّة في مناقب ومصائب العترة النبويّة

المجالسُ السَّنيّة في مناقب ومصائب العترة النبويّة الجزء 5

مؤلف:
العربية

مشتقة من رسول الله نبعته طابت عناصره والخيم والشيم

الله شرفه قدما وفضله جرى بذاك له في لوحه القلم

كلتا يديه غياث عم نفعهما يستوكفان ولا يعروهما العدم

سهل الخليقة لاتخشى بوادره يزينه اثنان حسن الخلق والكرم

حمال اثقال اقوام اذا فدحوا رحب الفناء اريب حين يعتزم

ما قال لا قط الا في تشهده لولا التشهد كانت لاؤه نعم

عم البرية بالاحسان فانقشعت عنه الغيابة لا هلق ولا كهم

من معشر حبهم دين وبغضهم كفر وقربهم ملجا ومعتصم

لايستطيع جواد بعد غايتهم ولا يدانيهم قوم وان كرموا

هم الغيوث اذا ما ازمة ازمت والاسد اسد الشرى والراي محتدم

لا ينقص العسر بسطا من اكفهم سيان ذلك ان اثروا وان عدموا

يستدفع السوء والبلوى بحبهم ويسترب به الاحسان والنعم

مقدم بعد ذكر الله ذكرهم في كل بدء ومختوم به الكلم

يابى لهم ان يحل الذم ساحتهم خيم كريم وايد بالندى هضم

اي الخلائق ليست في رقابهم لاولية هذا اوله نعم

من يعرف الله يعرف اولية ذا الدين من بيت هذا ناله الامم

ثم قال هذا علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب فغضب هشام وامر بخبس الفرزدق بعسفان بين مكة والمدينةفبعق اليه علي

٤٠١

بالف دينار فردها وقال : انما قلت ما قلت غضبا لله ولرسوله فما آخذ عليه اجرا فقالعلي : نحن اهل بيت لا يعود الينا ما اعطينا فقبلها الفرزدق وهجا هشاما فقال :

ايحسبني بينم المدينة والتي اليها قلوب الناس يهوي منيبها

يقلب راسا لم يكن راس سيد وعينا له حولاء باد عيوبها

محرر العبيد

كان زين العابدين علي بن الحسين يمثل الانسانية على اعلى مستوياتها ، ويطبق رسالة الاسلام كما ارادها النبي محمد تطبيقا عمليا مثمرا.

فالاسلام الذي وضع الاسس لالغاء الرقيق ، فالغى اول ما الغى معظم منابع الرقيق ، واوضح الطرق المؤدية في نهاية الامر الى انهاء الرق. الاسلام هذا كان علي بن الحسين يمثله تمثيلا كاملا ففي الحين الذي كانت تمتلئ فيه قصور الحكام بالارقاء نساء ورجالا وكانت الدولة تسيء تطبيق قواعد الاسلام. كان علي ابن الحسين يقود تحريرالرقيق ، ويجعل من نفسه قدوة للشعب فيذلك. وكانت خطته كما يلي :

١- عندما كان يصل الارقاء الى يده كان يعاملهم معاملة الانداد ، فاذا اخطأوا لم يعاقبهم بل يسجل اخطاءهم في دفتر عنهدوينتظر حتى ياتي عيد الفطر فيجمعهم ويعرض عليهم

٤٠٢

اخطاءهم ملاطفا لهم فيعترفوا بتلك الاخطاء ، فيقول لهم عفوت عنكمفهل عفوتم عني ما كان مني اليكم ، فيقولون قد عفونا عنك وما اسات. فيقول : قولوا اللهم اعف عن علي بن الحسين كما عفا عنا ثم يحررهم ويعطيهم بعض المنال ليبدأوا به حياتهم الجديدة.

٢- لم يكن بيقي عنده سنة كاملة بل كان يشتريهم في الشهور التي تسبق رمضان ليسرع في تحريرهم وتي العيد.

٣- وكذلك كان يفعل في عيد الاضحى ،: فهو يشتري العبيد وليس له حاجة بهم فاذا جاء وقت الحج خرج بهم الى عرفات ، فاذا انتهى الحج ححرهم وزودهم بالمال. ولم يكن ينقص عدد المحررين في كل عيد عن العشرين انسانا.

والذي يزيد في تقديرنا لهذا العمل العظيم هو ان علي بن الحسين لم يكن ذا ثروة تساعده على التوسع في هذه الخطة ، بل كانت موارد وزقه محدودة فكان ينفق كل ما يصل الى يده في هذا السبيل وفي مساعدة ذوي الحاجات كما سنذكر فيما يلي :

مساعدته للفقراء

كان يخرج في الليل معه ما استطاع جمعه من المال ، وربما حمل الطعام والحطب ايضا ، حتى ياتي ابواب الفقراء فيقرعها بابا بابا ، ثم يناول من يخرج اليه. ويكون مغطيا وجهه

٤٠٣

لئلا يعرفه احد ، فما توفي انقطع الفقراء ما كان ياتيهم فعرفوا انه هو الفاعل.

المجلس الثاني

الامام بعد الحسين بن علي ورابع ائمة المسلمين وخلفاء الله في العالمين ابنه علي بن الحسين زين العابدينعليهم‌السلام (ولد ) بالمدينة يوم الجمعة او الخميس او الاحد لتسع او لخمس او لسبع او لثمان خلون من شعبان (وقيل) منتصف جمادي الاخرة وقيل الاولى ستة ثمان وثلاثين اوسبع وثلاثين او ست وثلاثنين من الهجرة قبل وفاة جه امير المؤمنين «ع» بسنتين وقيل باكثر وقبل وفاة عمه الحسن «ع» باثنتي عشرة سنة وكان عمره يوم قتل ابيه «ع» ثلاثا وعشرين سنة وبقي بعد ابيه اربعا وثلاثين سنة او ثلاثا وثلاثين سنة او ثلاثا وثلاثين سنة او خمسا وثلاثين (وتوفي) بالمدينة يوم السبت في المحرم في الثاني عشر منه او في الثامن عشر او التاسع عشر او الثاني والعشرين او الخامس والعشرين سنة خمس وتسعين او اربع وتسعين من الهجرة وله خمس وخمسون سنة او ست وخمسون او سبع وخمسون او ثمان وخمسون واشهر وايام وذلكم بحسب اختلاف الاقوال والروايات في تاريخ المولد

٤٠٤

والوفاة ودفن بالبقيع مع عمه الحسن بن علي بن أبي طالبعليهم‌السلام (وكانت) امامته أربعاً وثلاثين سنة أو خمساً وثلاثين أو ثلاثا وثلاثين وهي بقية ملك يزيد بن معاوية ومعاوية بن يزيد ومروان بن الحكم وعبد الملك بن مروان وتوفي في ملك الوليد بن عبد الملك (وأمه) شاهزنان وقيل شهربانو وقيل غير ذلك بنت يَزْدَ جرد بن شهريار آخر ملوك الفرس (قال المفيد) وكان أمير المؤمنين (ع) ولى حريث بن جابر الحنفي جانباً من المشرق فبعث إليه ببنتي يزدجرد فنحل ابنه الحسين (ع) شاهزنان منهما( ) فاولدها زين العابدين ونحل الأخرى محمد بن أبي بكر فولدت له القاسم فهما ابنا خالة.

(وكنيته) ابو محمد وابو الحسن (ولقبه) زين العابدين وسيد العابدين والسجاد وذو الثفنات وغير ذلك (والسبب) في تسميته

٤٠٥

بزين العابدين ما رواه الصدوق في العلل الزهري كان اذا حدث عنه يقول حدثني زين العابدين فسأله سفيان بن عيينة لم تقول له ذلك قال لأني سمعت سعيد بن المسيب يحدث عن ابن عباس ان رسول الله (ص) قال اذا كان يوم القيامة ينادي مناد اين زين العابدين فكأني انظر إلى ولدي علي بن الحسن يخطر بين الصفوف (والسبب) في تسميته بسيد العابدين ما رواه ابو عمرو الزاهد في كتاب اليواقيت من ان الزهري رأى في منامه كأن يده مخضوبة فعبرها فقيل انك تبتلي بدم خطأ وكان عاملا لبني امية فعاقب رجلا فمات في العقوبة فخرج هاربا وتوحش ودخل إلى غار وطال شعره وحج علي بن الحسين (ع) فقيل له هل لك في الزهري فدخل عليه فقال له اني أخاف عليك من قنوطك ما لا اخاف عليك من ذنبك فابعث بدية إلى أهله واخرج إلى أهلك ومعالم دينك فقال فرجت عني يا سيدي والله أعلم حيث يجعل رسالته وكان الزهري بعد ذلك يقول ينادي مناد في القيامة ليقم سيد العابدين في زمانه فيقوم علي بن الحسين (ع) (والسبب) في تسميته بالسجاد ما رواه الصدوق في العلل عن الباقر (ع) انه ما ذكر لله عز وجل نعمة عليه الا سجد ولا قرأ آية من كتاب الله عز وجل فيها سجود الا سجد ولا دفع الله صلاة مفروضة الا سجد ولا وفق لاصلاح بين اثنين الا سجد وكان اثر السجود في جميع مواضع سجوده فسمي السجاد لذلك

٤٠٦

(والسبب) في تسميته بذي الثفنات ان مواضع السجود منه كانت كثفنات البعير من طول السجود وكثرته وهي ما يقع على الأرض من البعير اذا استناخ مما غلظ كالركبتين وغيرهما (وروى) الصدوق في العلل عن الباقر (ع) قال كان لأبي في موضع سجوده آثار نابتة وكان يقطعها في السنة مرتين في كل مرة خمس ثفنات فسمي ذا الثفنات لذلك (ونقش خاتمه) الحمد لله العي (وقيل) ان الله بالغ امره (وقيل) لكل غم حسبي الله (وقيل) ومال توفيقي الا بالله (وقيل) القوة لله جميعاً. (وقيل) العزة لله (وقيل) خزي وشقي قاتل الحسين بن علي (ولعله) كان له عدة خواتيم بعدة نفوش (وشاعره) الفرزدق وكثير عزة (وبوابه) أبو جبلة وقيل يحيى بن ام الطويل وقيل أبو خالد الكابلي (وملوك عصره) يزيد ابن معاوية ومعاوية بن يزيد ومروان بن الحكم وعبد الملك بن مروان والوليد بن عبد الملك (ومنه) تناسل ولد الحسين (ع) (وكان) له من الأولاد خمسة عشر ١- محمد الباقر (ع) أمه فاطمة المكناة بام عبد الله بنت الحسن السبط ٢- عبد الله ٣- الحسن ٤- الحسين الأكبر لم يعقبا امهم ام ولد ٥- زيد ٦- عمر امهما ام ولد ٧- الحسين الأصغر ٨- عبد الرحمن ٩- سليمان امهم ام ولد ١٠- علي وهو أصغر ولده ١١- خديجة امهما ام ولد ١٢- محمد الأصغر أمه ام ولد ١٣-فاطمة ١٤- علية ١٥- ام كلثوم امهن ام ولد (وعن الصادق ع) ان زين العابدين (ع) بكى على أبيه أربعين سنة صائماً نهاره قائماً فاذا حضره الافطار

٤٠٧

جاء غلامه بطعامه وشرابه فيضعه بين يديه فيقول كل يا مولاي فيقول قتل ابن رسول الله جائعاً قتل ابن رسول الله عطشان فلا يزال يكرر ذلك ويبكي حتى يبل طعامه من دموعه ثم يمزج شرابه بدموعه فلم يزل كذلك حتى لحق بالله عز وجل (وفي كشف الغمة) عن الصادق (ع) سئل علي بن الحسينعليهما‌السلام عن كثرة بكائه فقال لا تلوموني فان يعقوب فقد سبطأ من ولده فبكى حتى ابيضت عيناه ولم يعلم انه مات وقد نظرت إلى أربعة عشر رجلا من أهلي بيتي في غداة واحدة قتلى فترون حزنهم يذهب من قلبي.

لم ادر أي رزية أبكي لها

أم أي نائبة لها اتوجع

المجلس الثالث

(أما) صفته في جسمه ولباسه ففي الفصول المهمة : كان أسمر قصيراً دقيقاً (وروى) ابن سعد في الطبقات الكبير انه كان يخضب بالسواد. وفي رواية بالحناء والكتم. والصبغ بالحناء والكتم يكون أسود فلا منافاة وانه كان له جمة إلى المنكب مفروقة وانه كان له كساء خز أصفر وانه رؤي عليه كساء خز

٤٠٨

وجبة خز. والخز من أفخر اللباس في ذلك العصر. وانه كان يشتري كساء الخز بخمسين دينارا فيشتو فيه ثم يبيعه ويتصدق بثمنه (وفي رواية) (كان يقول اني لأستحيي من ربي ان آكل ثمن ثوب عبدت الله فيه) ويصيف في ثوبين من ثياب مصر اشمونيين بدينار (وفي رواية) يلبس في الصيف ثوبين بخمسمائة درهم ويلبس ما بين ذا وذا من اللبوس ويقول من حرم زينة الله التي أخرج لعباده وانه كان يلبس في الشتاء الجبة الخز بخمسمائة درهم والمطرف الخز بخمسين ديناراً ويتلو قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق. وكان يلبس قلنسوة بيضاء لاطئة ويعتم بعمامة بيضاء ويرخي عمامته خلف ظهره شبراً أو فويقه.

وأما صفته في أخلاقه وأطواره فالمستفاد من عدة روايات انه كان أفضل أهل زمانه وأعلمهم وأفقههم وأورعهم وأعبدهم وأكرمهم وأحلمهم وأصبرهم وأفصحهم وأحسنهم أخلاقاً وأكثرهم صدقة وأرأفهم بالفقراء وأنصحهم للمسلمين وكان معظما مهيباً عند القريب والبعيد والولي والعدو. وكان يشبه جده أمير المؤمنينعليهما‌السلام في فقهه وعبادته عبد الله حتى اصفر لونه من السهر ورمصت عيناه من البكاء ودبرت جبهته وانخرم أنفه من السجود وورمت ساقاه وقدماه من القيام في الصلاة وكان يحسن إلى من يسيء إليه وكان يقول لمن يشتمه ان كنت صادقاً فأسأل الله ان يغفر لي وان كنت كاذباً فأسأل الله ان يغفر لك.

٤٠٩

ولما طرد أهل المدينة بني أمية في وقعة الحرة أراد مروان بن الحكم ان يستودع أهله فلم يقبل أحد ان يكونوا عنده الا علي ابن الحسين فوضعهم مع عياله وأحسن اليهم مع عداوة مروان المعروفة له ولجميع بني هاشم وعال في وقعة الحرة أربعمائة امرأة من بني عبد مناف إلى ان تفرق جيش مسرف بن عقبة.

وقال ابن حجر في صواعقه : زين العابدين هو الذي خلف أباه علماً وزهداً وعبادة وكان اذا توضأ للصلاة اصفر لونه فقيل له في ذلك فقال لا تدرون بين يدي من أقف. وكان عظيم التجاوز والعفو والصفح حتى انه سبه رجل فتغافل عنه فقال له اياك اعني فقال وعنك اعرض. أشار إلى آية (خذ العفو وامر بالمعروف واعرض عن الجاهلين).

يا سيد العباد رزؤك فادح

فأبوك والأهلون والأنصار قد

ما فقد يعقوب ليوسف بالغ

جلل تكاد له الجبال تصدع

أمسوا وهم في الطف حولك صرع

معشاره بل ما أصابك أوجع

المجلس الرابع

من أدلة امامة زين العابدين وصية أبيه الحسينعليهما‌السلام إليه (روى) الكليني عليه الرحمة بسنده عن الباقر (ع) قال ان

٤١٠

الحسين (ع) لما حضره الذي حضره دعا ابنته فاطمة الكبرى فدفع اليها كتابا ملفوفا ووصية ظاهرة (وفي رواية) فدفع اليها وصية ظاهرة ووصية باطنة وكان علي بن الحسين (ع) ورجع أهل بيته إلى المدينة دفعت فاطمة الكتاب إلى علي بن الحسين (ع) ثم صار ذلك الكتاب والله الينا (وروى) الكليني ايضا يسنده عن الصادق (ع) ان الحسين (ع) لما سار إلى العراق استودع ام سلمة رضي الله عنها الكتب والوصية فلما رجع علي بن الحسين (ع) دفعتها إليه (وورد) النص على امامته في احاديث كثيرة روتها ثقات شيعته يضيق المقام عنها (ومن ادلة امامتهعليه‌السلام ) انه كان افضل اهل زمانه علما وعملا وزهدا وورعا وعبادة وحلما وسخاء فيكون احق بالخلافة والامامة (قال) المفيد في الارشاد كان علي ابن الحسينعليهما‌السلام افضل خلق الله بعد ابيه علما وعملا وقد روى عنه فقهاء العامة من العلوم ما لا يحصى كثرة وحفظ عنه من المواعظ والادعية وفضائل القرآن والحلال والحرام والمغازي والايام ما هو مشهور بين العلماء (وقال) ابن شهر اشوب في المناقب قلما يوجد كتاب زهد وموعظة ليس فيه قال علي بن الحسين أو قال زين العابدين.

ومما جاء في علم زين العابدين (ع) وفضله ما رواه المفيد في الارشاد بسنده عن عبد الله بن الحسن بن الحسن قال كانت أمي فاطمة بنت الحسين (ع) تأمرني أن أجلس إلى خالي علي بن الحسين

٤١١

(ع) فما جلست إليه قظ الا قمت بخير قد أفدته اما خشية لله تحدث في قلبي لما أرى من خشيته لله أو علم قد استفدته منه.

(ومما) جاء في فضله ما رواه المفيد بسنده عن الزهري قال كان علي بن الحسين (ع) أفضل هاشمي أدركناه (وفي رواية اخرى) عن الزهري لم أدرك أحداً من أهل البيت (يعني بيت النبي (ص) أفضل من علي بن الحسين (وعن) أبي حازم وسفيان بن عيينة والزهري قال كل واحد منهم ما رأيت هاشمياً أفضل من علي بن الحسين ولا أفقه منه (وروى) المفيد أيضاً بسنده انه لما ولي عبد الملك بن مروان الخلافة رد إلى علي بن الحسين صدقات رسول الله (ص) وصدقات علي بن أبي طالب (أي اوقافهما) وكانتا مضمومتين فخرج عمر بن علي إلى عبد الملك يتظلم إليه من ابن أخيه فقال عبد الملك أقول كما قال ابن أبي الحقيق :

انا اذا مالت دواعي الهوى

واصطرع الناس بالبابهم

لا نجعل الباطل حقاً ولا

نخاف ان تسفه أحلامنا

وأنصت السامع للقائل

تقضي بحكم عادل فاصل

نلط دون الحق بالباطل

فنخمل الدهر مع الخامل

(وبسنده) قال حج علي بن الحسين (ع) فاستجهر الناس من

٤١٢

جماله وتشوفوا له وجعلوا يقولون من هذا من هذا تعظيما له واجلالا لمرتبته وكان الفرزدق هناك فأنشأ يقول :

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته

هذا ابن خير عباد الله كلهم

يكاد يمسكه عرفان راحته

يغضي حياء ويغضى من مهابته

أي الخلائق ليست في رقابهم

من يعرف الله يعرف أولية ذا

اذا رأته قريش قال قائلها

والبيت يعرفه والحل والحرم

هذا التقي النقي الطاهر العلم

ركن الحطيم اذا ما جاء يستلم

فما يكلم الا حين يبتسم

لأولية هذا أوله نعم

فالدين من بيت هذا ناله الأمم

إلى مكارم هذا ينتهي الكرم

أمثل هذا الأمام في علمه وفضله وجلالة قدره التي اعترف بها المؤالف والمخالف امام أهل البيت في عصره ووارث علوم أبيه وجده يقاد أسيراً إلى أولاد البغايا تارة إلى ابن مرجانة وسمية وتارة إلى ابن هند والغل في عنقه كأنما هو من اسارا الكفار أو من قطاع الطرق وهو حجة الله على خلقه وخليفة جده في أمته وأحد الثقلين اللذين لا يضل من تمسك بهما وذلك بمرأى ومسمع من امة تدعي انها على دين الإسلام.

يعظمون له أعواد منبره وتحت أرجلهم أولاده وضعوا

٤١٣

المجلس الخامس

مما جاء في عبادة زين العابدين (ع) وشدة خوفه من الله تعالى وكثرة بكائه من خشية الله وانقطاعه عن الخلق وانصرافه بكله إلى الله تعالى ما ذكره غير واحد من العلماء انه كان اذا توضأ اصفر لونه (وفي رواية) كان اذا فرغ من وضوء الصلاة وصار بين وضوئه وصلاته أخذته رعدة ونفضة (وفي رواية) كان اذا قام إلى الصلاة تغير لونه وأصابته رعدة وتغير أمره فقيل له في ذلك فقال ويحكم أتدرون إلى من أقوم ومن أريد اناجي أو من اريد اتأهب للقيام بين يديه (وفي رواية) اني اريد الوقوف بين يدي ملك عظيم (وفي رواية) كان اذا قام في صلاته غشي لونه لون آخر (وفي رواية) كان اذا سجد لم يرفع رأسه حتى يرفض عرقاً (وكان) اذا وقف في الصلاة لم يشتغل بغيرها ولم يسمع شيئاً لشغله بالصلاة (وفي رواية) كان يقوم إلى الصلاة كأنه ساق شجرة لا يتحرك منه شيء الا ما حرك الريح مه ( وفي الخصال) عن الباقر (ع) كان قيام علي بن الحسين (ع) في صلاته قيام العبد الذليل بين يدي الملك الجليل كانت اعضاؤه ترتعد من خشية الله عز وجل وكان يصلي صلاة مودع يرى انه لا يصلي بعدها أبداً ولقد صلى ذات يوم فسقط الرداء عن أحد منكبيه فلم يسوه حتى فرغ من صلاته

٤١٤

فسأله بعض أصحابه عن ذلك فقال ويحك أتدري بين يدي من كنت ان العبد لا يقبل من صلاته الا ما أقبل منها عليه بقلبه (وفي كشف الغمة) كان لا يحب ان يعينه على طهوره احد وكان يستقي الماء لطهوره ويخمره (أي يغطيه) قبل ان ينام فاذا قام من الليل بدأ بالسواك ثم توضأ ثم يأخذ في صلاته وكان لا يدع صلاة الليل في السفر والحضر (وقال الشيخ في المصباح) كانت له خريطة فيها تربة الحسين (ع) وكان لا يسجد الا على التراب (وروى) المفيد بسنده عن الصادق (ع) انه قال والله ما أكل علي بن أبي طالب من الدنيا حراماً قط حتى مضى لسبيله وما عرض له أمران لله رضا الا أخذ باشدهما عليه في دينه وما نزلت برسول الله (ص) نازلة قط الا دعاه ثقة به وما اطاق عمل رسول (ص) من هذه الأمة غيره وان كان ليعمل عمل رجل كأن وجهه بين الجنة والنار يرجو ثواب هذه ويخاف عقاب الآخرة ولقد اعتق من ماله الف مملوك في طلب وجه الله والنجاة من النار مما كد بيديه ورشح مه جبينه. وما أشبهه من ولده ولا أهل بيته احد اقرب شبها به في لباسه وفقهه من علي بن الحسين (وروى) المفيد بسنده انه (ع) حج ماشياً فسار عشرين يوماً من المدينة إلى مكة وانه حج مرة فالتاثت عليه الناقة في سيرها (أي أبطأت) فاشار اليها بالقضيب ثم قال آل لولا القصاص ورد يده عنها (وروي) انه (ع) حج على ناقته عشرين حجة فما قرعها بسوط. (وكفى) في عبادته وتذل-له لله تعالى الأدعية المأثورة عنه

٤١٥

فانها مع كثرتها وما هي عليه من بلوغ أقصى درجات الفصاحة والبلاغة فيها من أنواع التعبد والخضوع والاستكانة لله تعالى وصنوف التوسل لبلوغ رضى الله تعالى ما يحير العقول ويذهل الألباب ويبين للناظر فيه امتناع صدور هذه المواهب الجليلة من غير أهل بيت النبوة وان هذه الجواهر لا يمكن ان توجد في سوى هذه المعادن (وكفى) في ذل الصحيفة الكاملة انجيل آل محمد وما جمع بعدها من الصحائف الأربع من أدعيته (ع) التي جمع مؤلف هذا الكتاب احداها.

ومما جاء في عبادة زين العابدين (ع) ما روي (عن طاوس) قال دخلت الحجر في الليل فاذا علي بن الحسينعليهما‌السلام قد دخل فقام يصلي ما شاء الله تعالى ثم سجد سجدة فأطال فيها فقلت رجل صالح من بيت النبوة لأصغين إليه فسمعته يقول :

عبدك بفنائك مسكينك بفنائك سائلك بفنائك فقيرك بفنائك (قال طاوس) فوالله ما صليت ودعوت بهن في كرب الا فرج عني ( وعن) طاوس أيضاً قال رأيت علي بن الحسين (ع) يطوف من العشاء إلى السحر ويتعبد فلما لم ير احداً رمق السماء بطرفه وقال الهي غارت نجوم سماواتك وهجعت عيون أنامك وأبوابك مفتحات للسائلين جئتك لتغفر لي وترحمني وتريني وجه جدي محمد (ص) في عرصات القيامة (ثم بكى وقال) وعزتك وجلالك ما أردت بمعصيتي مخالفتك وما عصيتك اذ عصيتك وأنا بك شاك ولا بنكالك جاهل ولا لعقوبتك معترض ولكن سولت لي نفسي

٤١٦

وأعانني على ذلك سترك المرخى عليّ فالآن من عذابك من يستنقذني وبحبل من أعتصم ان قطعت حبلك عني فواسوأتاه غداً من الوقوف بين يديك اذا قيل للمخفين جوزوا وللمثقلين حطوا أمع المخفين أجوز أم مع المثقلين أحط ويلي كلما طال عمري كثرت خطاياي ولم أتب أما آن لي أن أستحي من ربي ثم بكى وأنشأ يقول :

أتحرقني بالنار يا غاية المنى

أتيت باعمال قباح زرية

فأين رجائي ثم أين محبتي

وما في الورى خلق جنى كجنايتي

وقال : سبحانك تعصى كانك لا ترى وتحلم كانك لم تعص تتودد إلى خلقك بحسن الصنيع كان بك الحاجة اليهم وأنت يا سيدي الغني عنهم فقال له طاوس يا ابن رسول الله ما هذا الجزع والفزع ونحن يلزمنا ان نفعل مثل هذا ونحن عاصون جانون أبوك الحسن بن علي وأمك فاطمة الزهراء وجدك رسول الله (ص) فالتفت اليّ وقال هيهات هيهات يا طاوس دع عني حديث أبي وأمي وجدي خلق الله الجنة لمن أطاعة وأحسن ولو كان عبداً حبشياً وخلق النار لمن عصاه ولو كان ولداً قرشياً أما سمعت قوله تعالى : فاذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون. والله لا ينفعك غداً الا تقدمه تقدمها من عمل صالح.

٤١٧

المجلس السادس

مما جاء في حلم زين العابدين (ع) ما رواه المفيد بسنده انه وقف عليه رجل من أهل بيته فاسمعه وشتمه فلم يكلمه فلما انصرف قال لجلسائه احب ان تمضوا معي إليه فتسمعوا ردي عليه فمشى وهو يقول والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين فعلموا انه لا يقول له شيئاً فخرج إليه متوثبا للشر وهو لا يشك انه انما جاءه مكافياً له على شتمه فقال له علي بن الحسين يا أخي انك قد وقفت عليّ آنفا وقلت وقلت فان كنت قد قلت ما فيّ فأنا استغفر الله منه وان كنت قلت ما ليس فيّ فغفر الله لك فقبل الرجل بين عينيه وقال بل قلت فيك ما ليس فيك وانا احمق به (وقال) له رجل ان فلانا قد وقع فيك بحضوري فقال انطلق بنا إليه فانطلق معه وهو يرى انه يستنصر لنفسه فلما أتاه قال يا هذا ان كان ما قلت في حقا فأسأل الله ان يغفره لي وان كان باطلا فأسأل الله أن يغفره لك ثم ورى عنه (وانتهى) إلى قوم يغتابونه فقال ان كنتم صادقين فغفر الله لي وان كنتم فان ما اخفي عنه منا اكثر (وفي رواية) اقبل عليه فقال ما ستر عنك من امرنا اكثر ثم قال الك حاجة نعينك عليها فخجل

٤١٨

الرجل فاعطاء ثوبه وامر له بالف درهم فانصرف صارخا يقول اشهد انك ابن رسول الله (وفي رواية) اشهد انك من اولاد الرسل (وشتمه) آخر فقال له يا فتى ان بين ايدينا عقبة كؤودا فان جزت منها فلا ابالي بما تقول وان اتحير فيها فالناشر مما تقول (وسبه) رجل فسكت عنه فقال اياك اعني فقال وعنك اغضي (وكسرت) جارية له قصعة فيها طعام فاصفر وجهها فقال لها اذهبي فأنت حرة لوجه الله (وكان) عنده ضيوف فاستعجل خادما له بشواء كان في التنور فاقبل به الخادم مسرعا فسقط السفود منه على رأس بني كان لعلي بن الحسين (ع) تحت الدرجة فأصاب رأسه فقتله فقال للغلام وقد تحير واضطرب انت حر فانك لم تعتمده واخذ في جهاز ابنه ودفنه (وجعلت) جارية تسكب عليه الماء ليتهيأ للصلاة فسقط الابريق من يدها عليه فشجه فرفع رأسه اليها فقالت له والكاظمين الغيظ قال قد كظمت غيظي قالت والعافين عن الناس قال لها عفا الله عنك قالت والله يحب المحسنين قال اذهبي فأنت حرة لوجه الله (ودعا) مملوكا له مرتين فلم يجبه وأجابه في الثالثة فقال له يا بني أما سمعت صوتي قال بلى قال فما بالك لم تجبني قال أمنتك قال الحمد لله الذي جعل مملوكي يامنني (وكان) له ابن عم فكان علي بن الحسين (ع) ياتيه بالليل متنكراً فيناوله شيئاً من الدنانير فيقول له لكن علي ابن الحسين لا يواصلني لا جزاه الله عني خيراً فيسمع ذلك ويحتمل

٤١٩

ويصبر ولا يعرفه بنفسه فلما مات (ع) فقدها فعلم أنه هو فجاء الى قبره وبكى عليه (وعن) تاريخ الطبري وغيره عن الواقدي أن هشام بن اسماعيل كان أمير المدينة فلقي منه علي بن الحسين أذى شديداً فلما عزل أمر به الوليد أن يوقف للناس فمر به علي بن الحسين وهو واقف عند دار مروان فسلم عليه وكان (ع) تقدم الى خاصته ان لا يعرض أحد له بكلمة (وفي رواية) أنه أرسل اليه انظر الى ما أعجزك من مال تؤخذ به فعندنا ما يسعك فطب نفساً منا ومن كل من يطيعنا فنادى هشام الله أعلم حيث يجعل رسالته (ومن) حلم زين العابدين (ع) العظيم ورزانته ورجاحة عقله أنه لما أتي به وباخواته وعماته ومن تخلف من أهل بيته اسارى الى يزيد بالشام وأتي بهم باب دمشق فأوقفوه على درج باب المسجد الجامع حيث يقام السبي جاء الشيخ فدنا من نساء الحسين (ع) وعياله وقال الحمد لله الذي أهلككم وقتلكم علي بن الحسين (ع) بمثل كلامه حلماً منه ورزانة عقل بل قال له يا شيخ هل قرأت القرآن قال نعم قال فهل عرفت هذه الآية : قل لا أسألكم عليه أجراً الا المودة في القربى قال قد قرأت ذلك فقال له علي فنحن القربى يا شيخ فهل قرأت هذه الآية : واعلموا انما غنمتم من شيء فان لله خمسه وللرسول ولذي القربى قال نعم فقال له علي فنحن القربى يا شيخ ولكن هل قرأت إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً قال قد قرأت

٤٢٠