المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة وبضمنه

المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة وبضمنه0%

المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة وبضمنه مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 348

المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة وبضمنه

مؤلف: السيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي
تصنيف:

الصفحات: 348
المشاهدات: 38188
تحميل: 2221

توضيحات:

المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة وبضمنه
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 348 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 38188 / تحميل: 2221
الحجم الحجم الحجم
المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة وبضمنه

المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة وبضمنه

مؤلف:
العربية

قال: أنشدكم الله هل تعلمون أن جدّتي بنت خويلد أوّل نساء هذه الامّة إسلاماً ؟ قالوا: اللهم نعم. قال: أنشدكم الله هل تعلمون أن جعفر الطيّار في الجنّة عمّي ؟ قالوا: اللهم نعم. قال: أنشدكم الله هل تعلمون انّ هذا سيف رسول الله أنا متقلّدة ؟ قالوا: اللهم نعم. قال: أنشدكم [الله] هل تعلمون أنّ هذه عمامة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنا لابسها ؟ قالوا: اللهم نعم. قال: أنشدكم الله هل تعلمون أنّ عليّاًعليه‌السلام كان أول القوم إسلاماً ، وأعلمهم علماً ، وأعظمهم حلماً ، وانّه ولي كلّ مؤمن ومؤمنة ؟ قالوا: اللهم نعم. قال: فبم تستحلون دمي وأبي الذائد عن الحوض يذود عنه رجالاً كما يذاد البعير الصادر عن الماء ، ولواء الحمد بيد أبي يوم القيامة. قالوا: قد علمنا ذلك كلّه ونحن غير تاركيك حتى تذوق الموت عطشاً.

فلمّا خطب هذه الخطبة وسمع بناته واُخته زينب كلامه بكين وندبن ولطمن الخدود وارتفعت أصواتهن ، فوجّه إليهن أخاه العباسعليه‌السلام وعليّاً ابنه وقال لهما: سكتاهنّ فلعمري ليكثر بكاؤهن.

فلمّا لم يبق معه سوى أهل بيته خرج علي بن الحسين(١) عليه‌السلام وكان

____________________

(١) علي بن الحسين الأكبر ، يكنّى أبا الحسن ، من سادات الطالبيين وشجعانهم ، امّه ليلى بنت أبي مرّة

٢٤١

من أصبح الناس وجهاً ، وأحسنهم خلقاً ، فاستأذن أباه في القتال فأذن له ، ثم نظر إليه نظرة آيس منه ، وأرخى عينيه بالدموع وبكى ، ثم قال: اللهم اشهد فقد برز إليهم غلام أشبه الناس خلقاً وخُلقاً ومنطقاً برسولك ، وكنّا إذا اشتقنا إلى نبيّك نظرنا إليه فصاح وقال: يا بن سعد قطع الله رحمك كما قطعت رحمي ، فتقدّم نحو القوم وقاتل قتالاً شديداً وقتل جمعاً كثيراً ، ثم رجع إلى أبيه وقال: يا أبه العطش قد قتلني ، وثقل الحديد قد أجهدني ، فهل إلى شربة ماء من سبيل اتقوّى بها على الأعداء.

فبكى الحسينعليه‌السلام وقال: واغوثاه ، يا بني من أين آتي لك بالماء ؟ قاتل قليلاً فما أسرع ما تلقى جدّك محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله فيسقيك بكأسه الأوفى شربة لا تظمأ بعدها أبداً.

فرجع إلى موقف النزال وقاتل أعظم قتال ، فرماه منقذ بن مرّة العبدي(١) بسهم فصرعه فنادى:

يا أبتاه عليك منّي السلام ، هذا جدّي يقرؤك السلام ويقول لك: عجّل

(قرّة) بن عروة (عمرو) بن مسعود بن مغيث (معبد) الثقفي ، واُمّها ميمونة بنت أبي سفيان بن حرب ، كان له من العمر سبع وعشرون سنة ، وردت رواية أنّه كان متزوجاً من اُمّ ولد ، هو أوّل من قتل من بني هاشم ، طعنه مرّة بن منقذ النعمان العبدي وهو يحوم حول أبيه ويدافع عنه ويقيه ، وانهال أصحاب الحسين على مرّة فقطّعوه بأسيافهم ؛ قيل: مولده في خلافة عثمان ، وسمّاه المؤرخون الأكبر تمييزاً له عن أخيه زين العابدين علي الأصغر.

انظر: مقاتل الطالبيين: ٨٠ - ٨١ ، الطبقات الكبرى ١٥:١٥٦ ، ورجال الشيخ: ٧٦ ، البداية والنهاية ٨: ١٨٥ ، الأعلام ٤: ٢٢٧.

____________________

(١) كذا في الأصل وبعض المصادر ، ولكن في تاريخ الطبري ٦: ٦٢٥ ، والكامل ٤: ٣٠ ، والأخبار الطوال ٢٥٤ ورد اسمه هكذا: مرّة بن منقذ بن النعمان العبدي ثمّ الليثي.

٢٤٢

القدوم إلينا ، ثمّ شهق شهقة فمات.

فجاء الحسينعليه‌السلام حتى وقف عليه ووضع خدّه على خدّه وقال:

قتل الله قوماً قتلوك يا بني ، ما أجرأهم على الله وعلى انتهاك حرمة الرسول ، على الدنيا بعدك العفا.

قال: وخرجت زينب بنت عليعليه‌السلام تنادي: يا حبيباه يا بن أخاه ، وجاءت فانكبت عليه ، فجاء الحسينعليه‌السلام فأخذها وردّها إلى النساء.

ثمّ جعل أهل بيته يخرج منهم الرجل بعد الرجل حتى قتل القوم منهم جماعة.

فصاح الحسينعليه‌السلام في تلك الحال: صبراً يا بني عمومتي ، صبراً يا أهل بيتي ، فوالله لا رأيتم هواناً بعد هذا اليوم أبداً.

قال: وخرج غلام كأنّ وجهه شقة قمر ، فجعل يقاتل فضربه ابن فضيل الأزدي(١) على رأسه ، ففلقه ، فوقع الغلام لوجهه وصاح: يا عمّاه !

فجلس الحسينعليه‌السلام كما يجلس الصقر(٢) ، ثم شدّ شدّة ليثٍ أغضب ، فضرب ابن فضيل بالسيف ، فاتّقاها بالساعد ، فأطنّه من لدن المرفق ، فصاح صيحة سمعه أهل العسكر ، وحمل أهل الكوفة ليستنقذوه ، فوطأته الخيل حتى هلك.

[قال:] ثم قام الحسين على رأس الغلام وهو يفحص برجليه والحسين يقول: «بُعداً لقومٍ قتلوك ، ومَن خصمهم يوم القيامة فيك جدّك وأبوك».

____________________

(١) في مقاتل الطالبيين: ٨٨ ذكر اسمه: عمرو بن سعيد بن نفيل الأزدي.

(٢) كذا في الأصل ، وفي المصادر: فجلى الحسينعليه‌السلام كما يجلي الصقر.

٢٤٣

ثم قال: «عزّ والله على عمّك أن تدعوه فلا يجيبك ، أو يجيبك فلا ينفعك صوت ، والله كثر واتره وقلّ ناصره».

ثمّ حملعليه‌السلام الغلام على صدره حتى ألقاه بين القتلى من أهل بيته.

[قال:] و لمـّا رأى الحسينعليه‌السلام مصارع فتيانه وأحبّته ، عزم على لقاء القوم بمهجته ونادى:

هل من ذاب يذبّ عن حرم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

هل من موحّدٍ يخاف الله فينا ؟

هل من مغيثٍ يرجو الله بإغاثتنا ؟

هل من معينٍ يرجو الله في إعانتنا ؟

فارتفعت أصوات النساء بالعويل ، فتقدّم إلى باب الخيمة وقال لزينبعليها‌السلام : «ناوليني ولدي الصغير(١) حتى اودّعه ، فأخذه وأومأ إليه ليقبّله فرماه حرملة ابن كاهل(٢) بسهم فوقع في نحره فذبحه.

____________________

(١) هو عبد الله بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، واُمّه الرباب بنت امرئ القيس بن عدي بن أوس ، وفي اسم قاتله اختلاف ؛ فقيل: حرملة ؛ وقيل: عقبة بن بشر.

(٢) وهو خبيث ملعون ، لمـّا قُبض على حرملة ورآه المختار ، بكى المختار وقال: يا ويلك أما كفاك ما فعلت حتى قتلت طفلاً صغيراً وذبحته ، يا عدوّ الله ، أما علمت أنّه ولد النبي ، فأمر به فجعلوه مرمى ، فرمي بالنشاب حتى مات.

وقيل: إنّه لمـّا نظر المختار إلى حرملة قال: الحمد لله الذي مكّنني منك يا عدوّ الله ، ثم أحضر الجزّار فقال له: اقطع يديه ورجليه ، فقطعهما ، ثم قال: عليّ بالنار ، فاحضرت بين يديه ، فأخذ قضيباً من حديد وجعله في النار حتى احمرّ ثم ابيضّ ، فوضعه على رقبته ، فصارت رقبته تجوش من النار وهو يستغيث حتى قطعت رقبته. انظر: حكاية المختار: ٥٥ و٥٩.

٢٤٤

فقال لزينب: خذيه ، ثم تلقّى الدم بكفّيه ، فلمّا امتلأت رمى بالدم نحو السماء ثم قال:

هون عليّ ما نزل بي ، انّه بعين الله تعالى.

قال الباقرعليه‌السلام : فلم يسقط من ذلك الدم قطرة إلى الأرض.(١)

قال الراوي: واشتدّ العطش بالحسينعليه‌السلام فركب المسنّاة يريد الفرات والعبّاس أخوه بين يديه فاعترضته خيل ابن سعد ، فرمى رجل من بني دارم الحسينعليه‌السلام بسهم فأثبته في حنكه الشريف ، فانتزع السهم وبسط يديه تحت حنكه حتى امتلأت راحتاه من الدم ثم رمى به وقال:

اللهم انّي أشكوا إليك ما يفعل بابن بنت نبيّك ، ثم انهم اقتطعوا العباس عنه وأحاطوا به من كل جانب حتى قتلوه قدس الله روحه ، فبكى الحسين لقتله بكاءً شديداً ، وفي ذلك يقول الشاعر(٢) :

أحقّ الناس أن يُبكى عليه

فتىً أبكى الحسين بكربلاء

أخوه وابن والده عليّ

أبو الفضل المضرّج بالدماء

ومن واساه لا يثنيه شيء

وجاد له على عطش بماء(٣)

ولما دخل بشير بن حذلم المدينة المنورة لينعى الحسينعليه‌السلام التقى باُم البنين(٤) «وهي ام العباس» فقال لها:

____________________

(١) الملهوف: ١٦٩ ، كفاية الطالب: ٢٨٤ ، إحقاق الحقّ: ٤٥٤.

(٢) وهو: الفضل بن الحسن بن عبيد الله بن العباس بن أمير المؤمنينعليه‌السلام من أعلام القرن الثاني.

(٣) الملهوف: ١٧٠ ، مقاتل الطالبيين: ٨٤ ، الغدير ٣: ٣.

(٤) هي فاطمة بنت حَزام بن خالد بن ربيعة بن عامر ، واُمّها ثمامة بنت سهيل بن عامر ، وتكنّى: «امّ البنين» قبل تزويجها الإمام عليعليه‌السلام لأنها من بيت (ام البنين العامريّة) التي قيل فيها:

٢٤٥

عظّم الله لك الأجر بولدك عبد الله.

قالت له: أسألك عن سيدي ومولاي الحسين.

قال لها: عظّم الله الأجر بولدك جعفر.

قالت له: أسألك عن سيّدي ومولاي الحسين.

قال لها: عظم الله لك الأجر بولدك عثمان.

قالت له: أسألك عن سيّدي ومولاي الحسين.

قال لها: عظّم الله لك الأجر بولدك العباس.

قالت له: أسألك عن سيّدي ومولاي الحسين. فقال:

يا أهل يثرب لا مقام لكم بها

قُتل الحسين فأدمعي مدرارُ

الجسم منه بكربلاء مضرّج

والرأس منه على القناة يدارُ

فصاحت ولطمت خدّها ، وشقّت جيبها ونادت: وا حسيناه وا سيّداه ، ثمّ أنشدت:

لا تدعوني ويك امّ البنين

تذكريني بليوث العرين

كانت بنون لي اُدعى بهم

واليوم أصبحت ولا من بنين

أربعة مثل نسور الربى

قد واصلوا الموت بقطع الوتين

تنازع الخرصان أشلاءهم

فكلّهم أمسى صريعاً طعين

وكانت من بيت كرم وشجاعة وفصاحة ومعرفة.

وقال الإمام عليعليه‌السلام - بعد وفاة الصديقة الزهراءعليها‌السلام - لأخيه عقيل - وكان نسّابة العرب وعرّافة بأحسابها وعاداتها -: «أبغني امرأة قد ولدتها الفحولة من العرب لأتزوّجها فتلدني غلاماً فارساً».

فقال له عقيل: أين أنت عن فاطمة بنت حزام بن خالد الكلابيّة ؟

انظر: تاريخ بغداد ١٢: ١٣٦ ، عمدة الطالب: ٣٢٤.

٢٤٦

يا ليت شعري أكما أخبروا

بأن عبّاساً قطيع اليمين(١)

ثم انّ الحسينعليه‌السلام دعا الناس إلى البراز فلم يزل يقتل كلّ من برز إليه حتى قتل مقتلة عظيمة وهو في ذلك يقول:

القتل أولى من ركوب العار

والعار أولى من ركوب النار

قال بعض الرواة: فو الله ما رأيت مكثوراً قط قد قتل ولده وأهل بيته وأصحابه أربط جأشاً منه ، وان كانت الرجال لتشدّ عليه فيشدّ عليها بسيفه فتنكشف عنه انكشاف المعزى إذا شدّ فيها الذئب ، ولقد كان يحمل فيهم وقد تكملوا ثلاثين ألفاً فينهزمون بين يديه كأنّهم الجراد المنتشر ، ثم يرجع إلى مركزه وهو يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله.

قال الراوي: ولم يزل يقاتلهم حتى حالوا بينه وبين رحله فصاح:

ويلكم يا شيعة آل أبي سفيان ، إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد فكونوا أحراراً في دنياكم هذه ، وارجعوا إلى أحسابكم إن كنتم عرباً كما تزعمون.

قال: فناداه شمر: ما تقول يا بن فاطمة ؟

فقال: أقول: انّي اُقاتلكم وتقاتلوني والنساء ليس عليهن جناح فامنعوا عتاتكم وجهالكم وطغاتكم من التعرّض لحرمي ما دمت حيّاً.

فقال شمر: لك ذلك يا بن فاطمة.

فقصدوه بالحرب فجعل يحمل عليهم ويحملون عليه وهو في ذلك يطلب شربة من ماء فلا يجد ، حتى أصابه اثنتان وسبعون جراحة فوقف يستريح ساعة

____________________

(١) انظر: مقاتل الطالبيين: ٨٥ ، ابصار العين: ٣٦.

٢٤٧

وقد ضعف عن القتال ، فبينا هو واقف إذ أتاه حجر فوقع على جبهته ، فأخذ الثوب ليمسح الدم عن جبهته ، فأتاه سهم مسموم له ثلاث شعب فوقع على قلبه فقال:

بسم الله وبالله وعلى ملّة رسول الله.

ثم رفع رأسه وقال:

إلهي أنت تعلم انّهم يقتلون رجلاً ليس على وجه الأرض ابن نبي غيره ، ثم أخذ السهم فأخرجه من وراء ظهره فانبعث الدم كأنّه ميزاب فضعف عن القتال ووقف.

فكلّما أتاه رجل انصرف عنه كراهة أن يلقى الله بدمه ، حتى جاءه رجل من كندة يقال له مالك بن النسر فشتم الحسينعليه‌السلام وضربه على رأسه الشريف بالسيف ، فقطع البرنس ووصل السيف إلى رأسه فامتلأ البرنس دماً.

قال الراوي: فاستدعى الحسين بخرقة فشدّ بها رأسه ، واستدعى بقلنسوة فلبسها واعتمّ عليها ، فلبثوا هنيئة ثم عادوا إليه وأحاطوا به.

فخرج عبد الله بن الحسن بن علي(١) وهو غلام لم يراهق من عند النساء يشتدّ حتى وقف إلى جنب الحسينعليه‌السلام فلحقته زينب بنت علي لتحبسه فأبى وامتنع امتناعاً شديداً فقال: لا والله لا اُفارق عمّي.

فأهوى بحر بن كعب(٢) ؛ وقيل: حرملة بن كاهل إلى الحسينعليه‌السلام بالسيف ، فقال له الغلام: ويلك يا بن الخبيثة ، أتقتل عمّي ؟ فضربه بالسيف

____________________

(١) عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، واُمّه بنت السليل بن عبد الله أخي عبد الله بن جرير البجلي ؛ وقيل: اُمّه اُمّ ولد ؛ وقيل: الرباب بنت امرئ القيس ، كان عمره حين قتل إحدى عشرة سنة. انظر: الارشاد: ٢٤١ ، مقاتل الطالبيين: ٨٩ ، رجال الشيخ: ٧٦.

(٢) وقيل اسمه: أبجر بن كعب.

٢٤٨

فاتّقاها الغلام بيده فأطنّها إلى الجلد فإذا هي معلّقة.

فنادى الغلام: يا عماه !

فأخذه الحسينعليه‌السلام وضمّه إليه وقال: يا بن أخي اصبر على ما نزل بك واحتسب في ذلك الخير فان الله يلحقك بآبائك الصالحين.

قال الراوي: فرماه حرملة بن كاهل بسهم فذبحه وهو في حجر عمّه الحسينعليه‌السلام .

قال الراوي: ولمّا اُثخن الحسينعليه‌السلام بالجراح وبقي كالقنفذ ، طعنه صالح بن وهب المري على خاصرته فسقط الحسينعليه‌السلام عن فرسه إلى الأرض على خدّه الأيمن وهو يقول: بسم الله وبالله وعلى ملّة رسول الله.

وخرجت زينب من باب الفسطاط وهي تنادي: وا أخاه وا سيّداه وا أهل بيتاه ، ليت السماء اُطبقت على الأرض ، وليت الجبال تدكدكت على السهل.

وكان ما كان ممّا لست أذكره.

يا رسول الله لو عاينتهم

وهم ما بين قتل وسبا

من رميض يمنع الظل ومن

عاطش يسقى أنابيب القنا

جزروا جزر الأضاحي نسله

ثم ساقوا أهله سوق الاما

قتلوه بعد علم منهم

انّه خامس أصحاب الكسا

ليس هذا لرسول الله يا

اُمة الطغيان والكفر جزا(١)

____________________

(١) ديوان الرضي ١: ٤٤ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١: ٣٨٦.

٢٤٩

٢٥٠

الفصل الثاني

في هدي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وسيرته وذكر خصائصه المقدّسة

٢٥١

٢٥٢

[المجلس الثالث عشر]

إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قد اتسعت أعلام نبوّته ، وتواترت دلائل رسالته ، ونطقت له السماوات قبل بعثته.

نوّهت باسمه السماوات والأر

ض كما نوّهت بصبح ذكاها

هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرّة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.

وهو أحمد الذي بشر به عيسىعليه‌السلام ، وهو المصطفى والمختار والمحمود ، والماحي الذي يمحو الله به الذنوب ، والعاقب والحاشر والمهيمن ، وكنيته: أبو القاسم ، وفي ذلك يقول الشاعر:

لله ممّن قد برا صفوة

وصفوة الخلق بنو هاشم

وصفوة الصفوة من هاشم

محمد النور أبو القاسم

كان مولده المبارك عام الفيل وطير الأبابيل لسبع عشرة خلون من ربيع الأول ، وقيل: يوم الثاني عشر منه ، وقيل: لثمان خلون منه قبل الهجرة المباركة بثلاث وخمسين سنة.(١)

ولدصلى‌الله‌عليه‌وآله بمكّة المعظمة بدار ابن يوسف التي بنتها بعد ذلك

____________________

(١) قالرحمه‌الله : القول الأول هو المشهور وعليه أكثر علماء الإمامية ، والثاني رواه الكليني في الكافي وعليه أكثر علماء السنّة ، والثالث قال به بعض من شذّ من المخالفين.

٢٥٣

الخيزران امّ الهادي والرشيد مسجداً ، وكان أبوه عبد الله غائباً بأرض الشام ، فانصرف مريضاً فقضى نحبه بالمدينة الطيّبة والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حمل.

أمّا اُمّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : فانّها آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرّة بن كعب... وفي السنة الاولى من مولده رفع إلى حليمة بنت عبد الله ابن الحارث ترضعه فكانت تقول وهي تلاعبه:

الحمد لله الذي أعطاني

هذا الغلام الطيّب الأردان

قد ساد في المهد على الغلمان

أعيذه بالبيت ذي الأركان

فبقى في بني سعد إلى السنة الرابعة من مولده ، وفي تلك السنة أرجعته مرضعته حليمة إلى اُمّه آمنة في مستهل السادسة من عمره الشريف ، وبين ذلك وبين عام الفيل خمس سنين وشهران وعشرة أيّام.

وفي السنة السابعة من مولده خرجت به اُمّه إلى أخواله تزورهم فت-وفّيت بالأبواء(١) ، وقدمت به اُمّ أيمن إلى مكّة بعد خمسة أيّام من موت اُمّه.

وفي السنة الثامنة من مولده توفّي جدّه شيبة الحمد - أعني عبد المطلب - وضمّه عمّه أبو طالب إليه ، وكان في حجره يؤثره على ولده ونفسه.

وخرج مع عمّه إلى الشام وله ثلاث عشرة سنة ، ثم خرج في تجارة لخديجة بنت خويلد ومعه غلامها ميسرة وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله ابن خمس وعشرين سنة ، فنظر تشطور الراهب وهو في صومعته إليه وقد ظلّلته الغمامة

____________________

(١) الأبواء - بالفتح ثمّ السكون وواو وألف ممدودة -:... قال ثابت: سمّيت بذلك لتبوّء السيول بها ، وهي قرية من أعمال الفرع من المدينة ، بينها وبين الجُحفة كما يلي المدينة ثلاثة وعشرون ميلاً ؛ وقيل: هي جبل بين مكة والمدينة. انظر معجم البلدان ١: ٧٩.

٢٥٤

فقال: هذا نبي وهو آخر الأنبياء وخاتم الرسل.(١)

وكان منه ما قد تواترت به الأخبار ، واشتهر اشتهار الشمس في رائعة النهار.

و لمـّا هدمت الكعبة بالسيل بنتها قريش فرفعت سمكها ، وتأتي لها ما أرادت في بنيانها من الخشب الذي ابتاعوه من السفينة التي رمى بها البحر إلى ساحلهم ، وكان قد بعث بها ملك الروم من القلزم من بلاد مصر إلى الحبشة لتبنى هنالك له كنيسة ، وانتهت قريش إلى موضع الحجر الأسود وتنازعوا أيّهم يضعه ، فاتّفقوا على تحكيم الصادق الأمين محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وكان يعرف عندهم جميعاً بالأمين ، وكانوا على اختلاف مشاربهم ونزعاتهم وضغائنهم ، واعجاب كلّ قبيلة من قبائلهم بنفسها مجمعين على حبّه وأمانته وعدالته في كلّ شؤونه ، فحكموه فيما تنازعوا فيه ، وانقادوا إلى قضائه.

فبسط رداءه وأخذ الحجر فوضعه في وسطه ، ثم قال لأربعة من زعماء قريش ، وأهل الرياسة فيها - وهم عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف ، والأسود بن عبد المطلب بن أسد بن عبد العزّى بن قصي ، وأبو حذيفة بن المغيرة بن عمرو بن مخزوم ، وقيس بن عدى السهم ليأخذ كلّ واحد منكم بجنب من جنبات هذا الرداء ، فشالوه حتى ارتفع ودنا من موضعه فأخذهصلى‌الله‌عليه‌وآله ووضعه في مكانه وقريش كلّها حضور.

فقال قائل لمن حضر من قريش متعجّباً من فعلهم وانقيادهم إلى أصغرهم سنّاً: «واعجباً لقوم أهل شرف ورياسة كهولاً وشيوخاً عمدوا إلى أصغرهم سنّاً

____________________

(١) انظر قصّة ولادة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله في: الفضائل لابن شاذان ٢٠ ، تاريخ بغداد ٣: ٣ - ٢١ ، بحار الأنوار ١٥: ١٤٦ ح ٨ ، وص ٢٨١ ح ١٧ ، وص ٣٤١ ح ١٣.

٢٥٥

فجعلوه عليهم رئيساً وحكماً ؟ أما واللات والعزّى ليقسمنّ بينهم حظوظاً وجدوداً ، وليكوننّ له بعد هذا اليوم شأن ونبأ عظيم».

وكان أبو طالب حاضراً ، فلمّا سمع هذا الكلام انشأ يقول:

إنّ لنا أوّله وآخره

في الحكم العدل لن ينكره

قاتل الله أهل العناد( فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا کَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْکَافِرِينَ‌ ) (١) ، كذّبوه وانّهم ليعلمونه الصادق الأمين ، وأنكروا نبوّته ، وهم منها على يقين( وَ جَحَدُوا بِهَا وَ اسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ) (٢) ، ثم لم يألوا جهداً ، ولم يدخروا وسعاً في اطفاء نور الله من مشكاته( وَ يَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ... وَ لَوْ کَرِهَ الْمُشْرِکُونَ ) (٣) .

ظلموه وشتموه وأجلوه عن حرم الله عز وجل مسقط رأسه ، ومحل اُنسه ، ثم لم يكتفوا بما كان منهم في مكة المعظمة من فضائع وفجائع ، واُمور تستك منها المسامع ، حتى غزوه وهو في دار هجرته ، ومحل غربته ، فكانت حروب تشيب الأطفال ، وتميد بها الجبال ، لكنّها والحمد لله طحنتهم بكلكلها ، وقرّت الكلاب أشلاءهم ،( وَ رَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ کَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَ کَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَ کَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً ) (٤) .

بأبي أنت واُمّي يا رسول الله ، بأبي أنت واُمّي يا نبي الرحمة ، كم أسديت لهذه الاُمّة من نعمة ، وكم لك عليها من يد بيضاء تستوجب الشكر والثناء.

____________________

(١) سورة البقرة: ٨٩.

(٢) سورة النمل: ١٤.

(٣) سورة التوبة: ٣٢ - ٣٣.

(٤) سورة الأحزاب: ٢٥.

٢٥٦

وحين فتحت مكّة بعد أن أجلوك عنها ، وكان من أبي سفيان ما كان من التحريض على قتلك ومحاربتك ، فأمرت مناديك ينادي: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن.

ثم لم يتم على ولدك وسبطك وريحانتك ما تمّ.

ملكنا فكان العفو منّا سجية

فلمّا ملكتم سال بالدم أبطح

وحللتم قتل الاسارى وطالما

نمرّ على الأسرى نعفو ونصفح

وحسبكم هذا التفاوت بيننا

وكلّ اناءٍ بالذي فيه ينضح

قال عبد الله بن العبّاسرحمه‌الله : انّه لمـّا اشتدّ برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مرضه الذي مات فيه وقد ضمّ الحسين إلى صدره يسيل من عرقه عليه وهو يجود بنفسه ويقول:

مالي وليزيد لا بارك الله فيه ، اللهم العن يزيد ، ثمّ غشي عليه طويلاً وأفاق وجعل يقبّل الحسينعليه‌السلام وعيناه تذرفان ويقول: أما أنّ لي ولقاتلك مقاماً بين يدي الله عزّ وجل.

وقال ابن عبّاس أيضاً: كنت عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جالساً ، إذ أقبل الحسنعليه‌السلام ، فلمّا رآه يبكي وقال له: إليّ إليّ ، فأجلسه على فخذه اليمنى.

ثم أقبل الحسينعليه‌السلام ، فلمّا رآه بكى وقال له: إليّ إليّ ، فأجلسه على فخذه اليسرى.

ثم أقبلت فاطمةعليها‌السلام ، فلمّا رآها بكى فقال لها: إليّ إليّ ، فأجلسها بين يديه.

٢٥٧

ثم أقبل عليعليه‌السلام فرآه وقال له: إليّ إليّ ، وأجلسه إلى جانبه الأيمن.

فقال له أصحابه: يا رسول الله ، ما ترى واحداً من هؤلاء الا وبكيت أوَ ما فيهم من تسرّ برؤيته ؟

فقال: والذي بعثني بالنبوّة على جميع البرية ما على وجه الأرض نسمة أحب إليَّ منهم ، وانّما بكيت لما يحل بهم بعدي وما يصنع بهذا ولدي الحسين كأنّي به ، وقد استجار بحرمي وقبري فلا يجار ثمّ يرتحل إلى أرض مقتله ومصرعه أرض كرب وبلاء تنصره عصابة من المسلمين ، اولئك سادة شهداء اُمّتي يوم القيامة ، فكأنّي انظر إليه وقد رمي بسهم فخرّ عن فرسه صريعاً ثمّ يذبح كما يذبح الكبش مظلوماً.

ثم انتحبصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبكى من حوله وارتفعت أصواتهم بالضجيج ثم قام وهو يقول:

اللهم انّي أشكو إليك ما يلقى أهل بيتي بعدي.

والمسلمون بمنظرٍ وبمسمعٍ

لا منكر منهم ولا متفجّع

كحلت بمنظرك العيون عماية

وأصم رزؤك كلّ اذن تسمع

أيقظت أجفاناً وكنت لها كرى

وأنمت عيناً لم تكن بك تهجع(١)

____________________

(١) معجم الأدباء ١٠: ١١٠.

٢٥٨

[المجلس الرابع عشر]

ولد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله - أعلى الأنبياء قدراً ، وأرفع الرسل في الملأ الأعلى ذكراً الذي بشّرت الرسل بظهوره ، وخلقت الأنوار بعد نوره - يوم السابع عشر من ربيع الأوّل ؛ وقيل: يوم الثاني عشر منه ، بمكّة المشرّفة في شعب أبي طالب يوم الجمعة بعد الزوال أو عند الفجر عام الفيل وطير الأبابيل.

وهو أبو القاسم محمد المصطفى بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرّة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك ابن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان....

واُمّه آمنة بنت وهب.

وأزواجه خمسة عشر ، وفي المبسوط: ثمانية عشر ، سبع من قريش ، وواحدة من حلفائهم ، وتسع من سائر القبائل ، وواحدة من بني إسرائيل من هارون بن عمران.

واتّخذ من الاماء ثلاثة عجميتين وعربية.

وله من الأولاد من خديجة: القاسم ، ورقيّة ، وزينب ، واُمّ كلثوم - وفي رقيّة وزينب خلاف - وبعد المبعث ولد من خديجة: الطيّب ، والطاهر ، وسيّدة نساء العالمين ، وله ولد أيضاً من مارية القبطيّة اسمه إبراهيم.

ونزل عليه الوحيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتحمل أعباء الرسالة يوم السابع

٢٥٩

والعشرون من رجب وهو ابن أربعين سنة..... واصطفاه ربّه بالمدينة مسموماً يوم الاثنين لليلتين بقيتا من صفر سنة احدى عشر من الهجرة المباركة وله ثلاث وستّون سنة ، ودفن في حجرته المنورة.

ومات أبوه هو ابن شهرين ؛ وقيل: سنتان وأربع أشهر ؛ وقيل: مات وهو حمل ، وماتت اُمّه في الأبواء.

وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله كما وصفه ولده باقر علوم الأوّلين والآخرينعليه‌السلام : أبيض اللون مشرّباً بحمرة ، أدعج العينين ، مقرون الحاجبين ، عظيم المنكين ، إذا التفت التفت جميعاً ، سائل الأطراف ، كأنّ عنقه ابريق فضّة ، وإذا تكفاً كأنّه إلى منحدر ، لم ير الراؤون مثل نبي الله قبله ولا بعده.

وأمّا معاجزه الباهرة ، وآياته الظاهرة ، فقد قصرت عن حصرها الحسّاب ، وكلّت عن سطرها الكتّاب ، كانشقاق القمر ، وتظليل الغمام ، وحنين الجذع ، وتسبيح الحصى ، وتكليم الموتى ، ومخاطبة البهائم ، واثمار يابس الشجر ، وغرس الأشجار وأثمارها على الفور ، وقصة الغزالة مع خشفيها ، وخروج الماء من بين أصابعه ، وانتقال النخلة بأمره ، واخبار الذراع له بالسم ، والنصر بالرعب ، ونوم عينيه دون قلبه ، وعدم طول قامة أحد على قامته ، واكثار اللبن من شاة اُمّ معبد ، ورؤيته من خلفه كما يرى من أمامه ، واطعامه من القليل الجم الغفير ، وطيّ البعيد له ، وشفاء الأرمد إن تفل في عينيه ، وقصة الأسد ، ونزول المطر بدعائه ، ودعائه على سراقة فساخت به الأرض ، وأخباره بالمغيبات ، كأنبائه عن العترة الطاهرة واحداً بعد واحد ، وما يجري عليهم من الأعداء في أرض كربلاء.

ففي البحار وغيره: لمـّا ولدت فاطمة الحسينعليه‌السلام جاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال:

٢٦٠