المجالس الحسنة في مناسبات السَّنَة

المجالس الحسنة في مناسبات السَّنَة0%

المجالس الحسنة في مناسبات السَّنَة مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 343

المجالس الحسنة في مناسبات السَّنَة

مؤلف: السيد أحمد الحكيم
تصنيف:

الصفحات: 343
المشاهدات: 38838
تحميل: 2380

توضيحات:

المجالس الحسنة في مناسبات السَّنَة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 343 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 38838 / تحميل: 2380
الحجم الحجم الحجم
المجالس الحسنة في مناسبات السَّنَة

المجالس الحسنة في مناسبات السَّنَة

مؤلف:
العربية

و لما دخل مسلم بن عقيل(ع) الكوفة جعل حبيب بن مظاهر ومسلم ابن عوسجة يأخذان البيعة للحسين(ع) في الكوفة، حتى إذا دخل عبيداللَّه ابن زياد الكوفة وخذّل أهلها عن مسلم وفرّ أنصاره حبسهما عشيرتاهما واخفياهما، فلمّا نزل الإمام الحسين كربلاء خرجا إليه مختفين يسيران الليل ويكتمان النهار حتى وصلا إليه(١) .

وفي كيفيّة لحوق حبيب بن مظاهر الأسدي بالإمام الحسين(ع)، ذكر صاحب كتاب ثمرات الأعواد: انّه لما نزل الحسين(ع) كربلاء عقد اثني عشر رايةً وقسّمها على أصحابه فبقيت واحدة في يده فأقبل إليه رجلٌ من أصحابه وقال: سيدي سلّمني هذه الراية، قال(ع): أنت نعم الرجل ولكن لهذه الراية رجلاً يركّزها في صدور القوم وهو يعرفني حقّ المعرفة، وسأكتب إليه كتاباً يأتي ان شاء اللَّه تعالى، فقال الرجل: سيدي ومَن تعني بذلك؟ قال: أعني حبيب بن مظاهر الأسدي فقال الرجل: إنّه لكفؤٌ كريم قال الراوي ثمّ دعا الإمام(ع) بدوات وبياض وكتب إليه كتاباً يقول فيه بسم اللَّه الرحمن الرحيم من الحسين بن علي بن أبي طالب(ع) إلى أخيه النجيب حبيب، أما بعد يا حبيب فقد نزلنا كربلاء وقد بانت من أهل الكوفة الخيانة كما خانوا بأبي سابقاً وبأخي لاحقاً فإن كنت يا حبيب تروم أن تحظى بالسعادة الأبديّة فبادر إلى نصرتنا والسلام. ثمّ ختم الكتاب بخاتمه الشريف

____________________

(١) ابصار العين: ص٥٧.

١٢١

ودفعه إلى رجل من أصحابه فأقبل به حتى دخل الكوفة وسلّم الكتاب لحبيب فأخذه وقبّله ووضعه على عينه وعلى رأسه وفتحه فعندما علم بأنّ الحسين(ع) يستنصره قال: أفديه بنفسي وأهلي وولدي ثمّ قال للرسول ابلغ سيّدي السلام وقل له يأتي إن شاء اللَّه تعالى، ثمّ خرج الرسول فجاءت إليه زوجته وقالت: يا أبا القاسم سمعت كلمات حدّثك بها الرسول فقال حبيب لا يشعر بسرّنا أحد فقالت له: إن لم تمض لنصرة سيدي الحسين(ع) لألبسنّ ملبوس الرجال وأمضي لنصرته، ولسان حال هذه المرأة الموالية الصادقة:

ياحبيب ابن البتولة لا تخلّي نصرته

حاير ويكسر الخاطر لو تعاين حالته

* * *

ابكربله ‏يگولون ‏سبط المصطفى حط الخيم

وماله ناصر ياحبيب وعنده اطفال وحرم

وان كان راح حسين ما يرتفع للشيعةعلم

ترضه آنه بالخدر وحسين تهتك نسوته

* * *

وگفت اتنخّي أوتنادي والعيون مدمّعه

ان كان ماتنهض ابهمّة وتطب ذيك المعمعة

جيب العمامة يبن عمي اوخذ هل مقنعه

ظل حبيب ‏ايعاين الهااوغصب هلّت دمعته

* * *

١٢٢

صاح مايحتاج هل نخوه وبطلي امن الحنين

وآنه عبد ابن الرسول وعبد امير المؤمنين

ذاب گلبي من سمعت بكربله خيّم حسين

واسمع يگولون أرذال الأعاديحاطته

ثمّ نهض حبيب وقال لغلامه خذ الجواد وانتظرني خارج البساتين فذهب الغلام، وودّع حبيب أهله وعياله ثمّ خرج حتى إذا صار قريباً من العبد سمع الغلام يكلّم الجواد وهو يقول: يا جواد ان لم يأتك صاحبك لأعلونّك وأمضي بك لنصرة سيّدي الحسين(ع) فلمّا سمع حبيب ذلك بكى وقال: بأبي أنت وأُمّي يا أبا عبداللَّه العبيد تريد نصرتك فكيف بنا ثمّ التفت إلى الغلام وقال له: اذهب أنت حرٌّ لوجه اللَّه فوقع الغلام على قدميه وهو يقول: سيدي يا حبيب أيسرّك أن تمضي إلى الجنّة وأنا أمضي إلى النار لا كان ذلك أبداً بل أمضي معك لنصرة سيّدي الحسين(ع) فقال له: بارك اللَّه فيك فأردفه خلفه وجاء حتى ورد كربلاء في اليوم الثامن من المحرّم، وكان الإمام(ع) جالساً في خيمته ومعه اخوته وأولاده وأصحابه اذ التفت إلى أصحابه وقال لهم هذا حبيب قد أقبل ثمّ انّه لما قرب من خيام الإمام الحسين(ع) نزل من على ظهر جواده إلى الأرض وأقبل يمشي حتى دخل على الإمام(ع) ووقع على قدميه يقبّلهما وهو يبكي ويقول: سيّدي لعن اللَّه غادريك، واستبشر أصحاب الحسين(ع) وأهل بيته بقدوم حبيب بن مظاهر الأسدي، وسألت العقيلة زينب(ع) مَنْ القادم؟ قالوا لها حبيب بن مظاهر الأسدي قالت: أبلغوه عنّي السلام، فلمّا أبلغوه السلام لطم وجهه وحثى

١٢٣

التراب على رأسه وهو يقول: ومَن أنا حتى تسلّم عليّ عقيلة الطالبيين ثمّ استأذن الإمام الحسين(ع) أن يسلّم عليها، فأذن له الإمام(ع) فسلّم عليها، وما زال مأنوساً بخدمة الإمام الحسين(ع) وأهل بيته حتى صار يوم العاشر فصفّ الإمام أصحابه للحرب فجعل حبيب بن مظاهر في الميسرة فكان يحمل على الأعداء مع بقية الأصحاب ورجالات أهل البيت: حتى صار وقت صلاة الظهر فقال أبو ثمامة الصائدي للإمام(ع): نفسي لك الفداء اني أرى هؤلاء قد اقتربوا منك ولا واللَّه لا تُقتل حتى أُقتل دونك وأحبّ أن ألقى اللَّه وقد صلّيت هذه الصلاة التي دنا وقتها، فرفع الإمام(ع) رأسه إلى السماء وقال: ذكرت الصلاة جعلك اللَّه من المصلّين الذاكرين، نعم هذا أوّل وقتها سلوهم أن يكفّوا عنّا حتى نصلّي فقال الحصين صلّ ياحسين فإنّ صلاتك لا تُقبل!! فقال له حبيب: أوتقبل صلاتك يابن اليهودية؟! فغضب الحصين لعنه اللَّه وبرز إليه قائلاً:

دونك ضربُ السيف ياحبيبُ

وافاك ليثٌ بطلٌ نجيب

في كفّه مهنّدٌ قضيبُ

من لمعةٍ كأنّه حليبُ

فلمّا سمع حبيب كلام اللعين ودّع الإمام(ع) وقال: إنّي أُحبُّ أن أتمّ صلاتي في الجنّة فبرز إليه وهو يقول:

أنا حبيبٌ وأبي مظهّرُ

فارسُ هيجاءٍ وحربٍ تسعَرُ

وفي يميني صارمٌ مذكّرُ

وأنتمُ ذو عددٍ وأكثرُ

ونحنُ منكم في الحروبِ أصبَرُ

أيضاً وفي كلِّ الاُمور أبصَر

١٢٤

فحمل عليه كالأسد وضايقه وضربه على أمّ رأسه، وقطع خيشوم جواده وهمّ أن يقطع رأسه فحمل عليه أصحابه واستنقذوه من بين يدي البطل الموالي حبيب، وما زال رضوان اللَّه عليه في صولةٍ وجولة مع القوم حتى اجتمعوا عليه من كلّ جانب فضربه بديل بن صريم بسيفه وطعنه آخر برمحه فوقع على الأرض صريعاً فنزل إليه التميمي واحتز رأسه، فأتاه الإمام الحسين(ع) فرآه بتلك الحالة فقال: عند اللَّه أحتسب نفسي وحماة أصحابي، للَّه درّك يا حبيب لقد كنت فاضلاً تختم القرآن في ليلةٍ واحدة، قال أبو مخنف: إنّه لما قتل حبيب بن مظاهر هدّ مقتلُهُ الحسين(ع).

إن يهدّ الحسينَ قتلُ حبيبٍ

فلقد هدّ قتلُهُ كلَّ ركنِ

بطلٌ قد لقى جبال الأعادي

من حديدٍ فردّها كالعهنِ

قتلوا منه للحسين حبيباً

جامعاً في معاليه كلّ حسنِ

ولسان حال الإمام الحسين(ع):

ساعد اللَّه أبواليمّه على الثرى شاف الحبيب

نايم ومگطوع راسه والجسد منّه خضيب

صاح عنداللَّه‏احتسبهم من عضيدومن حبيب

رحتوا يصحابي وتركتوني أعاني بغربتي

* * *

١٢٥

شلون اشوفنكم ضحايا وما أهل دمعة العين

حولكم ابكي يشيعه وبالخيم زاد الونين

زينب تعزّي ابوهه المرتضى وجدهه الأمين

او للخيم محني الظهر رديت انشف دمعتي

* * *

نصروا ابن بنت نبيّهم طوبى لهم

نالوا بنصرتِهِ مراتبَ ساميه

لاحول ولا قوة إلّا باللَّه العليّ العظيم

وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلبٍ ينقلبون والعاقبة للمتقين

١٢٦

الليلة السادسة المجلس الثاني عشر

شقاء عمر بن سعد وسعادة الحُرّ

ديارٌ تذكّرتُ نزّالها

فروِّيَتُ بالدّمعِ أطلالَها

فكانت رجاءً لمـَن أَمَّها

بها تبلغ الوفدُ آمالها

وكم منزلٍ قد سمى بالنزيلِ

ولو طاولتهُ السّما طالها

بنفسي كراماً سخت بالنّفوسِ

بيومٍ سمَت فيه أمثالها

وخفّوا سراعاً لنصرِ الحسين

وقد أبدت الحربُ أثقالها

رأت أنّ في الموتِ طولَ الحياة

فكادت تسابقُ آجالها

إلى أن أُبيدوا بسيفِ العدى

ونال الشّهادةَ مَن نالها

ولم يبقَ للسبطِ من ناصرٍ

يُلاقي من الحربِ أهوالها

بنفسي فريداً أحاطت به

عداهُ وجاهدَ أبطالها

ويرعى الوغى وخيامَ النّساء

فعينٌ لهنّ وأخرى لها(١)

* * *

كفوف القدر يصحابي لونكم

أعاتبكم وروحي تون لونكم

تگومون وتشوفوني لونكم

وحيد وحاطت العدوان بيّه

* * *

____________________

(١) القصيدة من نظم المرحوم الشيخ محمد علي الأعسم (ره). تقدّم ذكر ترجمته في ص٥٤.

١٢٧

قال اللَّه تعالى:( إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ) (١) .

قال المرحوم الشيخ الطبرسي في -مجمع البيان- في تفسير هذه الآية الكريمة( إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ ) اي بيّنا له الطريق، ونصبنا له الأدلّة، وأزحنا عنه العلّة حتى يتمكّن من معرفة الحق والباطل( إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ) قال الزجّاج معناه ليختار إمّا السعادة وإمّا الشقاوة، والمراد إمّا أن يختار بحسن اختياره الشكرَ للَّه تعالى والإعتراف بنعمِهِ فيصيب الحظ، وإمّا أن يكفر نعَمَ اللَّه ويجحَدْ إحسانَهُ فيكون ضالاً عن الصواب، فأيّهما اختار جوزي عليه بحسبه، وهذا كقوله تعالى فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر(٢) .

هذه الآية الشريفة صريحةٌ في أنّ ما يختاره الإنسان لنفسه ويرتضيه لها انّما هو بمحض اختياره وإرادته لا دخلَ لأحدٍ في ذلك، فلو اختار الإنسان الهدى -الإيمان- وسار عليه، أو اختار العمى -الكفر- وسار عليه، لكان ذلك الاختيار من قِبَلِهِ هو ليس غير، وذلك لأنّ اللَّه تعالى جعل في كلّ انسان قوّةً يعلم بها الخير ويميّزه عن الشرّ، وتلك هي العقل وبه أصبح الإنسان إنساناً، ففي اصول الكافي بسنده إلى محمد بن مسلم عن أبي جعفر (الباقر)(ع) قال: لما خلق اللَّه العقل قال له: أقبل فأقبل ثمّ قال له: أدبر فأدبر فقال: وعزّتي وجلالي ما خلقت خلقاً أحسنَ منك إيّاك آمر وإيّاك أنهى، وإيّاك أثيب وإيّاك أُعاقب(٣) .

____________________

(١) سورة الإنسان: الآية ٣.

(٢) مجمع البيان: ج٥ ص٤٠٧.

(٣) اُصول الكافي: ج١ ص٢٦ ح ٢٦.

١٢٨

إذن فالثواب والعقاب يكونان نتيجةً حتمية لما يختاره الإنسان العاقل في دار الدنيا، فإن اختار طريق الهدى كانت عاقبتُهُ النجاة، وإن اختار الضلال كانت عاقبتُهُ الهلاك، وانّ من أوضح أمثلة تقديم العمى على الهدى هو عمر بن سعد بن أبي وقاص، وتقديم الهدى على العمى هو الحر بن يزيد الرياحي، وهلمّ معي لنعرف قصّة هذين الرجلين فإنّ فيها موعظةً بليغة.

أمّا عمر بن سعد فقد كان قبل خروجه إلى كربلاء معسكراً بـ (حَمام أعين) في أربعة آلاف ليسير بهم إلى (دستبي) لأنّ الدّيلم قد غلبوا عليها، وكتب له ابن‏زياد عهداً بولاية الرّي وثغر دستبي والديلم(١) ، فغيّر ابن زياد الوجهة وطلب من عمر بن سعد أن يذهب لقتال الإمام الحسين(ع)، فلم يقبل ابن سعد فطالبه ابن زياد باسترداد العهد الذي كتب له بولاية الرّي، فاستمهله ليلةً واحدة قال ابن زياد: قد أمهلتك، فانصرف عمر بن سعد إلى منزله وجعل يستشير قومه وإخوانه ومن يثق به من أصحابه، فلم يشر عليه أحدٌ بذلك، وكان عنده رجلٌ من أهل الخير يُقال له كامل وكان صديقاً لأبيه فقاله له: يا عمر ما لي أراك بهيئة وحركة؟ ماالذي أنت عازمٌ عليه؟ فقال: اني قد ولّيتُ هذا الأمر في حرب الحسين واذا قتلته خرجت إلى ملك الرّي فقال له: أُفٍ لك أتريد ياابن سعد أن تقتل الحسين بن بنت رسول اللَّه؟ أُفٍ لك ولدينك يا عمر أسفهت الحقّ وضللتَ الهدى، أما تعلم إلى حرب مَن تخرج؟ ولِ’مَن تُقاتل؟ إنّا للَّه وإنّا إليه راجعون.

واللَّهِ لو أُعطيتُ الدنيا وما فيها على قتل رجلٍ واحدٍ من أُمّة

____________________

(١) دستبي: كورة واسعة بين همدان والرّي - مقتل المقرّم. (من الحاشية)

١٢٩

محمد(ص) لما فعلت فكيف بك وأنت تريد قتل الحسين ابن بنت رسول اللَّه(ص)؟ وما الذي تقول غداً لرسول اللَّه(ص) إذا وردت عليه وقد قتلت ولده وقرّة عينه وثمرة فؤاده وابن سيّدة نساء العالمين وابن سيّد الوصيين وهو سيّد شباب أهل الجنّة من الخلق أجمعين وانه في زماننا هذا بمنزلة جدّه في زمانه، وطاعتُهُ فرضٌ علينا كطاعته، وانّه بابُ الجنّة والنار، فاختر لنفسك ما أنت مختار، واني أشهد باللَّه إن حاربته أو قتلته أو أعنت عليه أو على قتله لا تلبث في الدنيا بعده إلا قليلاً، فقال عمر: فبالموت تخوّفني وإنّي إذا فرغتُ من قتله أكون أميراً على سبعين ألف فارس، وأتولّى ملك الرّي(١) .

وممّن نهاه عن المسير لحرب الإمام الحسين(ع) ابنُ اُخته حمزة بن المغيرة بن شعبة فقال له: اُنشدك اللَّه أن لا تسير لحرب الحسين فتقطع رحمك وتأثم بربّكِ فواللَّه لئن تخرج من دنياك ومالك وسلطان الأرض كلّه لو كان لك لكانَ خيراً لك من أن تلقى اللَّه بدم الحسين فقال عمر بن سعد أفعل إن شاء اللَّه، وبات ليلته مفكّراً في أمره، وسُمِعَ يقول(٢) :

فواللَّهِ لا أدري وإنّي لحائرٌ

أفكِّرُ في أمري على خطرَينِ

أأتركُ مُلكَ الرّيّ والريُّ منيتي

أم أرجعُ مأثوماً بقتلِ حسينِ

حسينُ ابنُ عمّي والحوادثُ جمّةٌ

لعمري ولي في الرّي قرّةُ عيني

____________________

(١) بحار الأنوار: ج٤٤ ص٣٠٦.

(٢) مقتل المقرّم: ص٢٣٧.

١٣٠

ألا إنّما الدنيا بخيرٍ معجّلٍ

وما عاقلٌ باعَ الوجودَ بدينِ

يقولون إنّ اللَّهَ خالقُ جنّةٍ

ونارٍ وتعذيبٍ وغِلِّ يدينِ

فإن صدقوا فيما يقولون إنّني

أتوبُ إلى الرحمنِ من سنتينِ

وإن كذبوا فزنا بدنياً عظيمةٍ

ومُلكٍ عقيمٍ دائمِ الحَجَلَيْنِ(١)

في كتاب (تذكرة الخواص) قال محمّد بن سيرين: وقد ظهرت كرامات عليّ بن أبي طالب(ع) في هذا، فإنّه لقى عمر بن سعد يوماً وهو شاب فقال: ويحك ياابن سعد كيف بك إذا قمت يوماً مقاماً تخيّر فيه بين الجنّة والنّار فتختار النار(٢) .

ثمّ أتى عمر بن سعد لعبيداللَّه بن زياد وقال له: انّك ولّيتني هذا العمل(٣) ، وسمع الناس به، فإن رأيت أن تنفّذ لي ذلك فافعل وابعث إلى الحسين(ع) من أشراف الكوفة مَن لست أغنى ولا أجرأ في الحرب منه، وسمّى له أُناساً فقال له ابن زياد: لستُ أستأمرك فيمن أُريدُ أن أبعث فإن سرتَ بجندنا وإلّا فابعث إلينا بعهدنا على الرّي قال ابن سعد: فإني سائر وفعلاً أقبل في ذلك الجيش ونزل به كربلاء لقتال الحسين(ع)(٤) .

____________________

لأن عمر هو ابن سعد بن أبي وقّاص. وأبو الوقّاص هو مالك بن أهيب بن عبدمناف وعبدمناف جدّ النبي(ص).

(١) قال في المنجد: يوم محجّل أي مضي‏ء ومشرق بالسرور.

(٢) تذكرة الخواص للعلّامة سبط ابن الجوزي: ص٢٤٧.

(٣) وهو ان عبيداللَّه بن زياد أمّره على أربعة آلاف ليسير إلى (دستبي) حيث غلب عليها الديلم، وكتب له عهداً بولاية الرّي.

(٤) نفس المهموم: ص٢١ بتصرّف.

١٣١

وكان عمر بن سعد أوَّلَ من رمى سهماً نحو خيام الإمام الحسين(ع) وهو يقول: اشهدوا لي عند الأمير أنّي أوّلُ من رمى، وهكذا إلى أن جرّه سوءُ اختياره لقتل الحسين(ع) وسبي عياله، ولكنّه لما وصلَ إلى عبيداللَّه ابن زياد لم يجد عنده ملك الرّي ولا شيئاً ممّا كان يتمنّى وطرد من قصر الإمارة شرّ طرده، وما مضت مدّة طويلة حتى ظهر المختار وقتل هذا اللعين شرّ قتلة وعجّل بروحه إلى جهنم، ألا لعنة اللَّه على الظالمين.

فتبصّر تبصر هداك إلى الحقّ

فليس الأعمى به كالبصيرِ

ليس ‏تعمى العيون‏ لكنّما

تعمى ‏القلوب ُ‏التي‏ انطوت ‏في‏ الصّدور

وأمّا الذي قدّم الهدى واختاره على العمى فهو الحر بن يزيد الرّياحي رضوان اللَّه تعالى عليه، فإنّه كان أوّل أمره قائداً من قوّاد جيش عبيداللَّه بن زياد، وقد جعله آمراً على ألف فارس، وأرسله لمعارضة الإمام الحسين(ع) في الطريق ثمّ ليضيّق عليه بعد ذلك حتى يدخله الكوفة، ولكنّ الإمام الحسين(ع) اختار طريقاً آخر أوصله إلى كربلاء، وقبل أن يفوت الوقت وتمرّ الفرصة حكّم الحرُّ عقلَهُ وعاد إلى رشده وفكّر بين البقاء في معسكر أعداء اللَّه وبين الإنتقال إلى معسكر أحباء اللَّه تعالى فاختار الثاني، لأنّ العقل نبيّ باطن ما خاب أبداً من حكّمه وقبل حكمه.

ففي اُصول الكافي: من وصيّة الإمام باب الحوائج موسى بن جعفر(ع) لهشام قال: يا هشام إنّ للَّه على الناس حجّتين: حجّة ظاهرة وحجّة باطنة، فأمّا الظاهرة فالرّسل والأنبياء والأئمة: وأمّا الباطنة فالعقول(١) .

____________________

(١) اُصول الكافي: ج١ ص١٦.

١٣٢

قال الشيخ السماوي في (ابصار العين): روى الشيخ ابن نما أنّ الحرّ لما أخرجه ابنُ زياد إلى الحسين وخرج من القصر نودي من خلفه: أبشر يا حرّ بالجنّة قال: فالتفت فلم ير أحداً فقال في نفسه واللَّه ما هذه بشارة وأنا أسيرُ إلى حربِ الحسين(ع)، وما كان يحدّث نفسه بالجنّة، فلمّا صار مع الإمام الحسين(ع) قصّ عليه الخبر فقال له الإمام الحسين(ع): لقد أصبت أجراً وخيراً(١) .

والحق أنّ الحرّ كان مؤدّباً مع الإمام الحسين(ع) عندما اجتمع به في الطريق في الخبر الآتي ذكرُهُ، ولعلّ هذا الأدب كان جزء السّبب في هداية هذا الشهيد الخالد:

ففي الخبر المعروف حين التقى الحرُّ وأصحابُهُ مع الإمام الحسين(ع) وأهله وأصحابه حدث شيئان يدلّان على أدب الحرّ العالي وهما:

١ - صلّى الحر خلف الإمام الحسين(ع) صلاتي الظهر والعصر، وذلك عندما قال الإمام(ع) للحر صلّ بأصحابك وأصلّي بأصحابي قال: بل تصلّي ونصلّي بصلاتك.

٢ - بعد صلاة العصر أراد الإمام(ع) الانصراف بمن معه فحال القوم بينه وبين الحركة فقال الإمام(ع) عندها للحر: ثكلتك أمّك ما تريد؟ فقال الحر: اما واللَّه لو غيرك من العرب يقولها لي وهو على مثل هذه الحالة التي

____________________

(١) ابصار العين: ص١١٦.

١٣٣

دنا منهم قلبَ تُرْسهُ(١) فقالوا مستأمن -طالب الأمان- حتى إذا عرفوه سلّم على الإمام الحسين(ع) وقال:

جعلني اللَّه فداك يابن رسول اللَّه أنا صاحبُك الذي حبستك عن الرجوع وسايرتك في الطريق وجعجعت بك في هذا المكان، واللَّه الذي لا إله إلّا هو ما ظننتُ أنّ القوم يردّونَ عليك ما عرضت عليهم أبداً، ولا يبلغون منك هذه المنزلة، واني قد جئتك تائباً ممّا كان مني إلى ربي ومواسياً لك بنفسي حتى أموت بين يديك افترى لي توبة؟ قال الإمام(ع): نعم يتوب اللَّه عليك ويغفر لك فانزل قال: أنا لك فارساً خيرٌ مني راجلاً أقاتلهم على فرسي ساعة والى النزول يصير آخر أمري قال(ع): فاصنع ما بدا لك.

ثمّ تقدّم أمام الأصحاب ثمّ قال: أيّها القوم أما تقبلون من الحسين(ع) هذه الخصال التي عرض عليكم فيعافيكم اللَّه من حربه قالوا: كلّم الأمير عمر بن سعد فكلّمه فقال عمر: قد حرصت ولو وجدت إلى ذلك سبيلاً فعلت، عندها التفت الحر إلى أهل الكوفة وقال: يا أهل الكوفة لأمّكم الهبل والعَبر دعوتم ابن رسول اللَّه(ص) حتى إذا أتاكم أسلمتموه؟ وزعمتم أنّكم قاتلوا أنفسكم دونه ثمّ عدوتم عليه لتقتلوه، امسكتم بنفسه وأخذتم بكظمه وأحطتم به من كلّ جانب لتمنعوه التوجّه في بلاد اللَّه العريضة حتى يأمنَ ويأمن أهلُ بيته فأصبح في أيديكم كالأسير منعتموه ونساءَه وصبيَتَهُ وأصحابه عن ماء الفرات الجاري الذي يشربه اليهودي والنصراني وتمرّغ فيه خنازير السواد وكلابه فهاهم قد صرعهم العطش بئسما خَلَفْتُم

____________________

(١) التُرْس - جمعة أتراس: صفحة من الفولاذ تحمل للوقاية من السّيف.

١٣٤

محمد(ص) في ذريّته لا سقاكم اللَّهُ يوم الظما إن لم تتوبوا وتنزعوا عمّا انتم عليه من يومكم هذا في ساعتكم هذه، فحملوا عليه يرمونه بالسهام فأقبل حتى وقف أمام الإمام الحسين(ع) سيدي كنت أوّل خارج عليك فأذن لي أن أكون أوّل قتيل بين يديك فأذن له الإمام فبرز وهو يقول:

إني أنا الحرُّ ومأوى الضيف

أضرب في أعناقكم بالسيفِ

عن خيرِ مَن حلّ بأرضِ الخَيف

أضربكم ولا أرى من حيفِ

فلم يزل يُقاتل حتى قتل جمعاً كثيراً ثمّ عقروا فرسه وبقي يُقاتل راجلاً حتى قتل أربعين فارساً وخمسة عشر راجلاً فتكاثروا عليه وقتلوه رضوان اللَّه تعالى عليه.

و لما قُتل مشى لمصرعه الحسين(ع) وجلس عند رأسه وهو يقول: أنت حرٌّ كما سمّتك أُمّك حرٌّ في الدنيا وسعيدٌ في الآخرة، ورثاه عليّ بن الحسين(ع):

لنعمَ الحرُّ حرُّ بني رياحِ

صبورٌ عند مشتبك الرّماحِ

ونعم الحرُّ إذ واسى حسيناً

وجاد بنفسه عند الصباحِ

ولسان الحال:

صال وجال بالعسكر بهمّه

ودفع العدو عن حسين همّه

يوسفه طاح وتخضّب بدمّه

ولفاه امن الخيم يبچي ابو اليمّه

١٣٥

حسين ورفع راسه وگعد يمّه

مسح بيده جبينه وصاح باسمه

حر وما خطت من سمّته اُمّه

وعندما انتهت المعركة جاء الأعداء وفصلوا رؤوس الشهداء عن أجسادهم، وعندما وصلوا إلى الحر قامت عشيرتهُ بنو رياح وقالوا: لا واللَّه لا يفصل رأس زعيمنا وفينا عِرق يضرب فقال عمر بن سعد: دعوا لبني رياح زعيمهم فحملوه أمام أنظار بنات رسول اللَّه(ص) ولسان الحال:

الحر للعدل خط رايه ولا ظل

بحر الشمس لا كاسر ولا ظل

العشيره شالته الجسمه ولا ظل

الماعدهم اهل ظلّوا رمي

ويقول الآخر:

العشيره شالته بحرّ الظهيره

الكل منهم عليه شالته الغيره

بس ظلّوا الماعدهم عشيره

عرايه اعله الثره من غير تغسي

* * *

جادوا بأنفسهم عن نفسِ سيّدهم

والجودُ بالنفس اقصى غاية الجود

لاحول ولا قوة إلّا باللَّه العليّ العظيم

وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلبٍ ينقلبون والعاقبة للمتقين

١٣٦

الليلة السابعة المجلس الثالث عشر

فضلُ أبي الفضل العباس(ع)

هيهاتَ أن تجفو السُّهادَ جفوني

أو أنّ داعيةَ الأسى تجفوني

أنّى ويومُ الطفِّ أضرمَ في الحشا

جذواتِ وجدٍ من لضى سجينِ

يومٌ أبو الفضلِ استفزّت بأسَهُ

فتياتُ فاطمَ من بني ياسينِ

في خيرِ أنصارٍ براهم ربُّهُمْ

للدّينِ أوّلَ عالَمِ التكوينِ

فأغاث صبيَته الظّما بمزادةٍ

من ماءِ مرصودِ الوشيج معينِ

حتى إذا قطعوا عليه طريقَهُ

بسدادِ جيشٍ بارزٍ وكمينِ

ودعتُه أسرارُ القضا لشهادةٍ

رسمت له في لوحها المكنونِ

حسموا يديه وهامَهُ ضربوه في

عَمدِ الحديدِ فخرّ خيرَ طعينِ

ومشى إليه السبطُ ينعاه كسر

تَ الآن ظهري ياأخي ومعيني

عباسُ كبشَ كتيبتي وكنانتي

وسريَّ قومي بل أعزَّ حصوني

ياساعدي في كلِّ معتركٍ به

أسطو وسيفَ حمايتي بيميني

لمن اللِوى أُعطي ومَن هو جامعٌ

شملي وفي ضنكِ الزّحام يقيني

عبّاسُ تسمعُ زينباً تدعوك مَن

لي ياحمايَ إذا العدى نهروني

أولستَ تسمعُ ما تقول سكينة

عمَّاهُ يوم الأسر مَن يحميني(١)

____________________

(١) القصيدة من نظم المرحوم الشيخ حسن قفطان(ره).

قال السيد جواد شبر في (أدب الطف) الجزء السابع ص١٠٦:

ولد في النجف الأشرف سنة ١١٩٩ه ، وكان فاضلاً ناسكاً تقيّاً محبّاً للأئمة الطاهرين، وأكثر

١٣٧

كفوفة مگطوعات والراس انطبر

وسال دمع حسين يشبه للمطر

وصاح ياخوية الظهر منّي انكسر

يابدرنه شلون غطّاك الخسوف

* * *

رحت عني وانته لي سور الحديد

فجعت گلبي والعدة صار إله عيد

شلون أظل بعدك يبو فاضل وحيد

وتجمّعت كوفانها وصارت الوف

* * *

كنت أعذل ولوم اليون ونه

وصرت أنشد بيوت الحزن ونه

اويلي شلون ونّه حسين ونه

على العباس يوم أصبح رمية

* * *

من زيارةِ الإمام أبي عبداللَّه الصادق(ع) لعمّه أبي الفضل العباس(ع): (سلامُ اللَّهِ وسلامُ ملائكَتِهِ المقرَّبينَ وأنبيائِهِ الـمُرسَلينَ وعبادِهِ الصّالحينَ وجميعِ الشُهداءِ والصدّيقينَ والزاكياتُ الطيّباتُ فيما تغتدي وتَروحُ عليكَ يابنَ أمير المؤمنينَ أشهدُ لكَ بالتسليمِ والتّصديقِ والوفاءِ والنّصيحةِ لِخَلَف النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله الـمُرسَل والسّبطِ المنتجبِ والدّليلِ العالِمْ والوصيِّ الـمُبلِّغ والمظلومِ المهتضمِ فجزاكَ اللَّهُ عن رسولِهِ وعن أميرِ المؤمنينَ وعن

____________________

شعره فيهم(ع)، درس الفقه على الشيخ علي بن الشيخ الأكبر الشيخ جعفر حتى نبغ فيه وعُدّ من الأعلام الأفاضل، واختصّ أخيراً بصاحب الجواهر وكان يعدّ من أجلّ طلابه وأفاضلهم.

توفي(ره) سنة ١٢٧٥ه ودفن في الصحن العلوي الشريف عند الإيوان الكبير المتصل بمسجد عمران.

١٣٨

الحسنِ والحسينِ صلواتُ اللَّهِ عليهم أفضلَ الجزاءِ بما صَبرْتَ واحتسبتَ وأعَنْتَ فَنعمَ عُقبى الدّار)(١) .

بهذه الكلمات المضيئة والعبارات العالية التي تحملُ كلَّ معاني الفضل والتوقير والتّبجيل والاحترام، يعلّم الإمام أبو عبداللَّه الصادق(ع) كافّة المؤمنين والمؤمنات كيفيّة زيارة العبد الصالح أبي الفضل العباس(ع).

قوله(ع): سلام اللَّه وسلام ملائكته...الخ بيانٌ عن جليل مقام أبي الفضل(ع) عند اللَّه تعالى بحيث صار موضعاً لنزول رحمته -سبحانه ورحمة ملائكته وأنبيائه ورسله وعباده الصالحين وجميع الشُهداء والصدّيقين.

ثمّ عدّد الإمام الصادق(ع) بعض ما انطوت عليه ذاتهُ الإلهيّة من كمالات كانت سبباً لسلام اللَّه وملائكته وأنبيائه وهي: اشهد لك بالتسليم والتصديق والنّصيحة لخلف النبيّ(ص)، وهذه شهادة ثمينة جداً يعرف قيمتها أهل الفضل وقد قيل (لا يعرف الفضلَ إلّا أهلُهُ).

هذه كلمات قليلة أحببت أن تكون مقدّمةً ومفتاحاً ندخل بواسطته إلى رحاب أبي الفضل باب الحوائج لنتعرّف أكثر على هذه الشخصيّة الإسلامية الكبيرة.

ولد(ع) في المدينة يوم الرابع من شعبان سنة ست وعشرين للهجرة فكان هو وأخوه الإمام الحسين(ع) من مصاديق قوله تعالى في التأويل:

____________________

(١) مفاتيح الجنان للمرحوم الشيخ عباس القمّي عن كامل الزيارات لابن قولويه القمّي(ره).

١٣٩

( وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا ) (١) فمولد الإمام الحسين يوم الثالث من شعبان ومولد العباس(ع)

يوم الرابع منه، ولم يسبق أبوالفضل أخاه أبا عبداللَّه(ع) بقول استفاده منه أو بعملٍ اتبعه فيه ولا بنفسيّة هي ظلّ نفسيّته، ولا بمنقبةٍ هي شعاعُ نوره الأقدس المنطبع في مرآة غرائزه الصقيلة، وقد تابع إمامَه في كلّ أطواره حتى في بروز هيكله القدسي إلى عالم الوجود(٢) .

أمّه السيّدة الجليلة والعالمة الفاضلة اُم البنين فاطمةُ بنتُ حَزام الكلابيّة العامريّة، تزوّجها الإمام أمير المؤمنين(ع) بعد وفاة سيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء(ع).

قال المحقّق المقرّم في (قمر بني هاشم) فولدت لأمير المؤمنين(ع) أربعةً وهم العبّاس وعبداللَّه وجعفر وعثمان وعاشت بعده مدّة طويلة ولم تتزوّج من غيره، وكانت من النساء الفاضلات العارفات بحقّ أهل البيت: مخلصةً في ولائهم ممحّضةً في مودّتهم ولها عندهم الجاه الوجيه والمحل الرّفيع وقد زارتها زينب الكبرى بعد وصولها المدينة تعزّيها بأولادها الأربعة كما كانت تزورها أيّام العيد.

وبلغ من عظمتها ومعرفتها وتبصّرها بمقام أهل البيت: أنّها لما أدخلت على أمير المؤمنين(ع) وكان الحسنانِ مريضين أخذت تلاطف القول معهما وتلقي إليهما من طيب الكلام ما يأخذ بمجامع القلوب(٣) .

____________________

(١) الشمس / ١و٢.

(٢) قمر بني هاشم للمرحوم السيد عبدالرزاق المقرّم: ص١٧.

(٣) المصدر السابق نفسه: ص١٦.

١٤٠