المجالس الحسنة في مناسبات السَّنَة

المجالس الحسنة في مناسبات السَّنَة0%

المجالس الحسنة في مناسبات السَّنَة مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 343

المجالس الحسنة في مناسبات السَّنَة

مؤلف: السيد أحمد الحكيم
تصنيف:

الصفحات: 343
المشاهدات: 39917
تحميل: 2629

توضيحات:

المجالس الحسنة في مناسبات السَّنَة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 343 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 39917 / تحميل: 2629
الحجم الحجم الحجم
المجالس الحسنة في مناسبات السَّنَة

المجالس الحسنة في مناسبات السَّنَة

مؤلف:
العربية

أمُّ البنينَ طابت الأبناءُ

منك كما قد طابت الآباءُ

بنت الأسودِ من بني عمرو العُلا

أمُّ الحُماةِ والأباةِ النُّبلا

أمُّ أبي الفضل وأمُّ جعفر

وأمُّ عبداللَّه شبل حيدر

وأمُّ عثمانَ الذي سمّاهُ

باسمِ بن مظعونَ الأبُ الأوّاهُ

الأنجبين الطاهرين أنفسا

الأكرمين الطيبينَ مغرسا

آجركِ اللَّهُ وإيّانا فما

أملكُ لو شئتُ أعزّيك فما(١)

وأمّا شأنه فمما لا شكّ فيه هو أن لنفسيّات الآباء ونزعاتهم وكميّاتهم من العلم والخطر أو الإنحطاط والضّعة دخلاً تامّاً في نشأة الأولاد وتربيتهم، لذا تجدُ في الغالب مشاكلةً بين الجيل الأوّل والثاني -الآباء والأبناء- في العادات والأهواء والمعارف والعلوم، وعلى هذا النّاموس(٢) يسعُنا أن نعرف مقدار ما عليه أبو الفضل(ع) من العلم والمعرفة وحسن التربية بنشوئه في البيت العلوي فهو بيت العلم والعمل بيت الجهاد والورع بيت الإيمان والمعرفة.

من هنا يعلم أنّ لم تكن كل البصائر في أبي الفضل(ع) اكتسابيّة بل كان الكثير منها موروثاً من أبيه المفدّى الذي لو كشف له الغطاء ما ازداد يقيناً، فقبل ولادته ووصوله إلى عالم الوجود كان(ع) معدن الذّكاء والفطنة واذن واعية للمعارف الإلهيّة، دعاه أمير المؤمنين(ع) وهو صغير وأجلسه في حجره وقال له: قل واحد فقال واحد فقال له: قل اثنين فامتنع وقال: انّي أستحي أن أقول اثنين بلسان قلت به واحد(٣) .

____________________

(١) المقبولة الحسينية للمرحوم الشيخ هادي كاشف الغطاء: ص٩٩.

(٢) النّاموس هو السرّ.

(٣) أشار أبو الفضل العبّاس بهذه الكلمة الشريفة وذلك بقوله: واحد إلى التوحيد ولا يليق بمن يقرّ بوحدانية اللَّه تعالى أن يجعل له شريكاً في ملكه، ولهذا امتنع أن يقول اثنين بذلك اللسان الذي قال فيه واحد.

١٤١

إذا أمعنا النظر في هذه الكلمة وهو على عهد نعومةِ أظفاره فلا نجد بُداً من الاقرار بأنّها من أشعّةِ تلك الاشراقات الإلهيّة، فما ظنّك اذن حينما يلتقي هذا الإستعداد الرفيع مع المبادئ الفيّاضة من أبيه سيّد الوصيين واخويه سيّدي شباب أهل الجنّة(١) .

وبعد هذا كلّه فقد حوى أبو الفضل(ع) من صفاء النّفس والعنصر الزّاكي والإخلاص في العمل، والمداومة على العبادات ما فتح له أبواباً من العلم وأوقفه على كنوز المعرفة، وإذا كان الحديث ينصّ على أنّ من أخلص للَّه أربعين صباحاً انفجرت ينابيعُ الحكمة من قلبه على لسانه، اذن فما ظنّك بمن أخلص للَّه طيلة عمره وهو متخلٍّ عن كلّ رذيلة، ومتحلٍّ بكلِّ فضيلة(٢) .

ومن طريف الحديث انّ رجلاً من الأفاضل قد اغترّ بعلمه وبلغ من غروره في ذلك انّه كان في مجلسٍ مع أصحابهِ وجرى ذكر أبي الفضل العباس(ع) وما حمله من المعارف والعلوم الإلهيّة التي امتاز بها على سائر الشُهداء فقال الرجل علمي أكثر من علم العباس(ع)!!

فاستغرب الحاضرون هذه الجرأة وأنكروا عليه ولاموه على هذه البادرة وانتهى المجلس والرجل على غروره لم يتراجع، و لما أصبح الصباح

____________________

(١) قمر بني هاشم: ص٣٨ بتصرّف.

(٢) قمر بني هاشم: ص٣٩ - ٤٠ بتصرّف.

١٤٢

ما كان للجماعة همٌّ إلّا معرفة خبر هذا الرّجل وانّه هل بقي على غيّه أو أنّ الهداية الإلهيّة شملتهُ فقصدوا داره وطرقوا الباب فقيل لهم انه ذهب إلى حرم أبي الفضل العباس(ع)!! فأسرعوا إلى الحرم لمعرفة الخبر فإذا الرجل قد ربط نفسه في الضريح الأقدس بحبل شدّ طرفه بعنقه والآخر بالضريح وهو تائب نادم ممّا فرط فسألوه عن شأنه وخبره فقال:

لما نمتُ البارحة وأنا على الحال الذي فارقتكم عليه رأيت نفسي في مجتمع من أهل الفضل وإذا رجل دخل وهو يقول: إنّ أبا الفضل العباس(ع) قادمٌ إليكم، فأخذ ذكرُهُ من القلوب مأخذاً ثمّ دخل(ع) والنّور الإلهي يسطع من أسارير جبهته والجمالُ العلوي يزهو في محيّاه فاستقرّ على كرسي في صدر المجلس، وقد دخلني من الرّهبة والخوف والقلق شي‏ءٌ كثير لما فرّطت في حقّ أبي الفضل(ع) ثمّ بدأ يسأل ويحيي واحداً واحداً حتى وصلت النّوبة إليّ فقال لي: ماذا تقول أنت؟ فلم أستطع الكلام وبعد برهة كرّرت نفس الكلام الذي قلته لكم أمس فقال(ع): أمّا أنا فقد درست عند أبي أمير المؤمنين وأخويّ الإمامين الحسن والحسين عليهم الصلاة والسلام، وأنا على يقين من ديني بما تلقيّتُهُ من مشايخي من الحقائق ونواميس الإسلام، وأنت شاكٌ بدينك شاكٌّ في إمامك أليس الأمر هكذا؟ فلم أقدر انكار ذلك ثمّ قال(ع): وأمّا شيخك -اُستاذك- الذي قرأت عليه الدروس وأخذت منه فهو أتعس منك حالاً، وما عسى أن يكون عندك من اُصول وقواعد مضروبة للجاهل بالأحكام يعمل بها إذا أعوزه الوصول إلى الواقع، واني غير محتاج إليها لمعرفتي بواقع الأحكام من مصدر الوحي

١٤٣

الإلهي، ثمّ بد(ع) يعدّد بعض ما انطوت عليه ذاتُهُ القدسيّة من كرم وصبر ومواساة وجهاد إلى غيرها، فانتبهت من نومي فزعاً مرعوباً معترفاً بالتقصير، ولم أجد طريقة غير التوسّل به والإنابة إليه صلوات اللَّه عليه وعلى آبائه الطاهرين(١) .

ولقرب هذا العبد الصالح من ربّه تعالى، ولوجاهتِهِ الكبيرة عنده، صار احدى أهم الوسائل المتقرّب بها إلى اللَّه تعالى لنيل القرب وقضاء الحوائج وشفاء الأسقام ينقل المرحوم السيّد المقرّم في كتابه (العبّاس(ع)) هذه الكرامة عن الشيخ حسن الجواهري وهو بدوره ينقل عن الحاج منيشد الذي شاهد الكرامة بنفسه قال: كان رجل من عشيرة البراجعة اسمُهُ (مخيلف) مصاباً بمرضٍ في رجليه وطال ذلك حتى يبسَتا وصارتا ضعيفتين لا يحملنهُ، وبقي على هذا ثلاث سنين وشاهده الكثير من أهل المحمّرة وكان يحضر الأسواق ومجالس عزاء الإمام الحسين(ع) وهو يزحف على إليتيه ويديه على الأرض، وقد عجز عن الـمُباشرة -العلاج- ويئس وكان للشيخ خزعل بن جابر الكعبي في المحمّرة حسينيّة يُقيم فيها عزاء الإمام الحسين(ع) في العشرة الأولى من المحرّم ويحضر هناك خلقٌ كثير حتى النساء يجلسنَ في الطابق الأعلى من الحسينيّة والعادة المعروفة في تلك البلاد ونواحيها هي أنّ الخطيب النّائح إذا وصل في قراءته إلى الشهادة قام أهل المجلس يلطمون بلهجات مختلفة وهكذا النّساء، في اليوم السابع من المحرّم كان المتعارف ذكر مصيبة أبي الفضل العباس(ع)، وجاء هذا

____________________

(١) العبّاس(ع) للمحقّق المقرّم: ص٩٦.

١٤٤

المـُصاب مخيلف وجلس تحت المنبر وحينما وصل الخطيب إلى ذكر المصيبة أخذت الحالة المعتادة مَن في المجلس رجالاً ونساءاً وبيناهم على هذا الحال اذ يرون ذلك الرجل المـُصاب بالزّمانة في رجليه وهو مخيلف واقفاً معهم يلطم وهو يقول بلهجته (آنه مخيلف گيّمني العبّاس) وبعد أن عرف الناس هذه الكرامة من أبي الفضل(ع) فتهافتوا عليه وخرّقوا ثيابه للتبّرك بها وازدحموا عليه يقبّلون رأسه ويديه فأمر الشيخ خزعل غلمانه أن يرفعوه إلى احدى الغرف ويمنعوا النّاس عنه وصار ذلك اليوم في المحمّرة أعظم من يوم العاشر من المحرّم لكثرة البُكاء والعويل من الرجال والنساء، قال العلّامة الشيخ حسن: ثمّ أنّه سئل مخيلف عمّا رآه وشاهده فقال: بينما الناس يلطمون على العبّاس(ع) أخذني النّوم وأنا تحت المنبر فرأيت في المنام رجلاً جميلاً طويلاً على فرس أبيض عال في المجلس وهو يقول لي: يا مخيلف لِمَ لا تلطم على العبّاس مع النّاس؟ قلت له: سيدي لاأقدر وأنا بهذا الحال فقال: قُم والطُم على العباس مع الناس، قلت له: يامولاي أنا لا أقدر على القيام على قدمي، قال قم والطم، قلت له: يا مولاي اعطني يدك لأقوم، فقال: أنا ما عندي يدين، وإذا بيديه مقطوعتين، فقلت له: كيف أقوم؟ قال الزم الركاب وقم فقبضتُ على ركاب الفرس وأخرجني من تحت المنبر وغاب عني(ع)(١) .

أقول: لم يكن(ع) مقطوع الكفين فقط بل كانت السهام موزّعة على بدنه الشريف فسهمٌ أصاب عينه، وسهمٌ أصاب قلبه، وسهمٌ أصاب القِربة فأُريق

____________________

(١) العبّاس(ع) للمقرّم: ص١٤٤ - ١٤٥.

١٤٥

ماؤها، وإذا بعمود الحديد يرضخ هامَه الشريف فسقط على وجهه أي واعبّاساه واسيّداه وامظلوماه:

عمدُ الحديدِ بكربلا خسفَ القمر

فلتبكهِ السّاداتُ من عَليا مُضر

أوَما درتْ عن سرجِهِ العبّاسُ خَرْ

ومشى إليه السبطُ ينعاهُ كسرْ

تَ الآن ظهري يا أخي ومُعيني

* * *

يخويه العلم گلي وين أوديه

ينور العين دربي بيش أجدّيه

حنه ظهره يولي واشبك إيديه

عليه وصاح خويه اللَّه وأكبر

* * *

يخويه انكسر ظهري ولا أگدر اگوم

وصرت مركز يخويه الكل الهموم

يخويه استوحدوني عگبك الگوم

ولا واحد عليّ بعد ينغر

* * *

أأخيَّ يُهنيك النّعيمُ ولم أَخل

ترضى بأن أرزى وأنت منعّم

أأخيَّ مَن يحمي بناتِ محمّدٍ

إن صِرْنَ يسترحِمْنَ مَن لا يرحَمُ

لاحول ولا قوة إلّا باللَّه العليّ العظيم

وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلبٍ ينقلبون والعاقبة للمتقين

١٤٦

الليلة السابعة المجلس الرابع عشر

أبو الفضل العباس(ع) الكنى والألقاب

إذا كان ‏ساقي ‏الحوض ‏في ‏الحشرِ حيدرٌ

فساقي ‏عَطاشى كربلاءَ أبوالفضلِ

على أنّ ساقي ‏النّاس في الحشرِ قلبُهُ

مريعٌ وهذا بالظّما قلبُهُ يَغلي

وقفتُ على ماءِ الفراتِ ولم أزل

أقولُ له والقولُ يحسنُهُ مثلي

علامك تجري لا جريتَ لواردٍ

وأدركتَ يوماً بعضَ عارِكَ بالغسلِ

أما نشفت أكبادُ آلِ محمّدٍ

لهيباً وما ابتلّت بعَلٍّ ولا نَهْلٍ(١)

من الحقِّ أن تذوي غصونُكَ ذبّلاً

أسىً وحياءاً من شفاهِهُمُ الذّبل

فقال استمع للقولِ إن كنت سامعاً

وكن قابلاً عذري ولا تكثرن عذلي

برغمي أرى مائي يَلذُّ سواهُمُ

به وهُمُ صرعى على عطشٍ حولي

جزى اللَّهُ عنهم في المواساةِ عمَّهم

أبا الفضل خيراً لو شهدتَ أباالفضلِ

لقد كان سيفاً صاغَهُ بيمينه

عليٌّ فلم يحتج شَباه(٢) إلى الصّقلِ

ولم أرَ ظامٍ حوله الماءُ قبلَهُ

ولم يَروَ منه وهو ذو مهجةٍ تغلي

يميناً بيمناك القطيعةِ والتي

تسمّى شمالاً وهي جامعةُ الشّملِ

بصبرك دون ابنِ النبيّ بكربلا

على الهولِ أمرٌ لا يحيطُ به عقلي

ووافاكَ لا يدري أفقدُكَ راعَهُ

أم الكونُ غالتهُ المقاديرُ بالشَّلِّ(٣)

____________________

(١) بعَلٍ ولا نَهْلٍ قال في المنجد: عَلَلٌ بعد نَهَلْ أي الشرب المتوالي بعد الشربةِ الأولى فالشربة الاُولى نَهل والشرب المتكرّر عَلْ.

(٢) شَباه : حَدُّ كلّ شي‏ء

(٣) الشَّلْ : يبوسة اليد

١٤٧

أخي كنت لي درعاً ونصلاً كلاهما

فقدتُ فلا درعي لديَّ ولا نصلي(١)

* * *

فگدك نحّل عظامي ولي سل

ودمعي ما جرى الغيرك ولي سل

جفاني ولا نشد عني ولي سل

گطع حبل المودّة وگطع بيّه

* * *

بذلتَ أيا عبّاسُ نفساً نفيسةً

لنصرِ حسينٍ عزّ بالنّصر من مثلِ

أبيتَ إلتذاذَ الماءِ قبلَ التذاذه

فحسنُ فعالِ المرءِ فرعٌ عَن الأصلِ

فأنت أخو السبطينِ في يومِ مفخَرٍ

وفي يوم بذلِ الماءِ أنت أبو الفضلِ

____________________

(١) القصيدة من نظم المرحوم الخطيب الأديب الشيخ محسن أبو الحب الحائري.

قال السيد جواد شبر في (أدب الطف) ج٧ ص٥٦:

الشيخ محسن خطيب بارع وشاعرٌ واسع الآفاق خصبُ الخيال.

ولد سنة ١٢٣٥ه ونشأ بعناية أبيه وتربيته، ينحدّر من أسرةٍ عربيّةٍ تعرف بآل أبي الحَبْ تمتّ بنسبها إلى قبيلةِ خثعم.

تدرّج على نظم الشعر ومحافل الأدب وندوات العلم، ولا سيّما مجالس أبي الشهداء(ع) فإنّها مدارس سيّارة، وهي من أقوى الوسائل لنشر الأدب وقرض الشّعر، وشاعرنا الشيخ محسن نظم فأجاد، وأكثر من النوح والبكاء على سيّد الشهداء(ع)، وصوّر بطولات شهداء الطف تصويراً شعرياً لا زالت الأدباء ومجالس العلماء تترشّفهُ وتستعيده وتتذوّقه.

كتب عنهُ الشيخ محمد السماوي في كتابهِ (الطليعة) فقال:

محسن بن محمد الحويزي الحائري المعروف بأبي الحَبْ كان خطيباً ذاكراً بليغاً متصرّفاً في فنون الكلام إذا ارتقى الأعواد تنقلَ في المناسبات المختلفة.

توفي في كربلاء ليلة الاثنين ٢٠ ذي القعدة سنة ١٣٠٥ه ودفن في الروضة الحسينية المقدسة إلى جوار مرقد السيد إبراهيم المجاب.

١٤٨

عرف سيّدنا أبو الفضل العبّاس(ع) بكنى وألقابٍ كثيرة، منها ما كان له قبل الطّف، ومنها ما عرف به أثناء الطّف، ومنها ما عرف به بعد شهادته ودفنه.

أمّا الكنى التي عرف بها فهي:

١ - (أبو الفضل) وذلك من جهة أنّ له ولداً اسمُهُ الفضل، وكان(ع) حريّاً بها، فإنّ فضله لا يخفى ونوره لإخ‏خ‏اً يطفى(١) .

أبا الفضلِ يامَن أسسَ الفضلَ والإبا

أبا الفضلُ إلّا أن تكون له أبا

وقال الشيخ عبدالواحد المظفر في كتابه (بطل العلقمي) إنّ هذه الكنية -أبا الفضل- قد اشتّقت من فضائله، فإنّه(ع) قد توسّموا فيه سمات الفضل منذ الصغر وزمن الطفولة فلقّبوه به، وكنّوه أبا الفضل عند ظهور تلك الامارات والدلائل وقد قيل:

قَلَمُ العُلا قد خَطَّ فوق جبينه

أثرُ النّجابةِ ساطعُ البرهانِ(٢)

٢ - (أبو القاسم) وذلك من جهة أنّ له ولداً اسمُهُ القاسم ذكر ذلك المحقّق المظفّر في (بطل العلقمي) حيث قال: محمّد والقاسم هما ولدا العبّاس(ع) ولا عقب لهما، واستشهدا مع عمّهما الحسين(ع)(٣) . وقد خاطبه

____________________

(١) العبّاس(ع) للمقرّم: ص٧٠.

(٢) بطل العلقمي: ج٢ ص٩.

(٣) بطل العلقمي: ج٣ ص٤٣٣.

١٤٩

بهذه الكنية جابر بن عبداللَّه الأنصاري في زيارة الأربعين، قال: السلامُ عليك يا أبا القاسم السلامُ عليك يا عبّاسَ بن علي(١) .

٣ - (أبو قربة)(٢) وذلك لحمله الماء في مشهد الطفّ أكثر من مرّة وقد سدّت الشرائع ومنع الورود على ابن المصطفى(ص)، ولكنّ أبا الفضل لم يرعه جمعهم، ولا أوقفه عن الإقدام تلك الرّماح المشرعة ولا السيوف المجرّدة فجاء بالماء وسقى عيال أخيه الإمام الحسين(ع) وأصحابه(٣) ، وهذه الكنية عرف بها في أثناء الطف.

إذا كان ‏ساقي ‏الحوض ‏في ‏الحشرِ حيدرٌ

فساقي‏ عَطاشى كربلاءَ أبوالفضلِ

أمّا الألقاب:

عرّف النحويون اللقب فقالوا: هو ما أشعرَ برفعة المسمّى أوضعته، فاللقب يكسب الإنسان شهرةً في المدح أو الذم، ومثال ما أشعر برفعة المسمى كالصادق الأمين، وزين العابدين، وكاظم الغيض وغيرها.

ومثال ما أشعر بضعةِ المسمى: كالدوانيقي(٤)

____________________

(١) العبّاس(ع) للمقرّم: ص٨٠

(٢) ذكر هذه الكنية أبو الفرج الأصفهاني في مقاتل الطالبيين: ص٥٥.

(٣) العبّاس(ع): ص٨٠.

(٤) لقب أبي جعفر المنصور الملك العبّاسي والدّانَقِ بالفتحِ والكسر سدس الدّرهم وجمع المفتوح دوانق، والمكسور دوانيق ولقّب الدوانيقي لشدّةِ بُخله حتى أنّه كان يصرف في كلّ السّنة ألفي درهم!! و لما مات كان عنده من المال مائة ألف ألف درهم. (عن الكنى والألقاب)

١٥٠

والأعمش(١) والجاحظ(٢) وغيرها، وهذا في العرب كثير، أمّا أهل البيت: فليس لهم لقبُ ذمٍ أصلاً إنّما

ألقابهم للمدح خاصّة لأنّه لا عيب فيهم في خَلْق ولا خُلْق(٣) قال الشاعر مخاطباً جدّهم رسول اللَّه(ص):

وأحسنَ منكَ لم ترَ قطُّ عينٌ

وأجمَلَ منك لم تلدِ النّساءُ

خُلقت مبرّءاً من كلِّ عيبٍ

كأنّك قد خُلقتَ كما تَشاءُ

وأبو الفضل العباس(ع) ورقةٌ من تلك الشجرة الطيّبة، وفرعٌ من ذلك الأصل الطاهر، فكانت ألقابُه الشريفة الكثيرة ما أشعر برفعة المسمّى، ومن هذه الألقاب التي عُرف بها:

١) العبدُ الصّالح: وهذا اللقب الشريف منحه ايّاه الإمام أبو عبداللَّه الصادق(ع) في الزيارة المخصوصة به التي رواها أبو حمزة الثمالي حيث يقول: (السلام عليك أيّها العبدُ الصالح) وهذه الصّفة أرقى مراتب الإنسان الكامل، ولا نعني بهذه المرتبة أن يكون العبد مواظباً على العبادات المسقطة للواجب والرافعة للعتاب فحسب وانّما نقصد منه ما إذا عبدَ اللَّه تعالى حقّ

____________________

(١) الأعمش: لقبٌ لأبي محمّد سليمان بن مهران الأسدي معروف بالفضل والجلالة والتشيّع والإستقامة، والعَمَش في العين ضعف الرؤية مع سيلان دمعها.

(عن الكنى والألقاب)

(٢) الجاحظ: لقبٌ لأبي عثمان عمرو بن بحر بن محبوب الليثي، كان مائلاً إلى العثمانية ويظهر النصب والعداء لأهل البيت(ع)، وكان قبيحاً دميماً، قال الشاعر:

لو يُمسَخُ الخنزيرُ مسخاً ثانياً

ما كان إلا دون قبح الجاحظ

والجاحظ: هو عظيم المقلة ناتئُها.

(٣) بطل العلقمي: ج٢ ص١١.

١٥١

عبادته النّاشئة عن فقهٍ وبصيرةٍ ومعرفة بالمعبود الذي يجب أن يعبد من دون النظر إلى الثواب والعقاب، ولولا أنّ هذه الصّفة أسمى الصّفات التي يتّصف بها العبد لما خصّ اللَّه تعالى أنبياءه بها، فقال سبحانه:

( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ) (١) وقوله تعالى:( وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ) (٢) وقوله تعالى:( وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ ) (٣) .

وقد كان في وسع الباري تعالى أن يقول وهو يخاطب نبيّه محمد بن عبداللَّه(ص): وان كنتم في ريبٍ مّما نزّلنا على رسولنا ونحوه مّما يدلّ على النبوّة والرّسالة، ولكن حيث كان حبيبَ اللَّه وصفيّه فانياً في سبيل خدمة الحقّ تعالى لا يرى في الوجود غيرَهُ، استحقّ أن يهبَهُ الباري تعالى أرقى صفة تليق بهذا المقام، ومن جانب آخر فأنت لازلت تقول في الفرائض والنّوافل في اليوم والليلة في التشهّد: أشهدُ أنّ محمّداً عبدُهُ ورسوله، ولم تقل خاتمُ الأنبياء أو علّة الكائنات أو سرّ الموجودات أو حبيبُ اللَّه حيث أنّك علمت أنّ أسمى هذه الصّفات وأجل ما يليق بالعبد حال اتّصاله بربّه تعالى هو وصفه بالعبودية، فاعرف اذن أهميّة هذا اللقب الشريف لأبي الفضل العباس(ع)(٤) .

____________________

(١) سورة الإسراء / آية ١.

(٢) سورة ص / آية ٣٠.

(٣) سورة ص/ آية ٤٥.

(٤) العبّاس(ع) للمقرّم: ص٨٢ بتصرّف.

١٥٢

٢) قمر بني هاشم: لوضائته وجمال هيئته، وكان وجهُهُ الكريم يضي‏ء كالبدر المُنير فلا يحتاج في الليلة الظلماء إلى ضياء(١) . قال أبو الفرج الاصفهاني في (مقاتل الطالبيين): وكان العبّاسُ رجلاً وسيماً جميلاً يركب الفرس المطهَّم ورجلاه تخطّان في الأرض ويُقالُ له: قمر بني هاشم(٢) والأشخاص الذين لقّبوا بالقمر ثلاثة: عبدُ المطّلب يلقّب (قمر البطحاء)، وعبداللَّه بن عبدالمطلب والد النبي(ص) يلقّب (قمر قريش)، والعباسُ بن علي بن أبي طالب: يلقّب (قمر بني هاشم). وحسبك بمن يكون قمرَ هذه العشيرة الفائقة على عامّة البشر بجمالها الباهر وحسنها الزاهر، وقد أكثر الشُعراء من نعته بالجمال في مراثيه الكثيرة، وأوّل من فتح لهم هذا الباب سيّد الشُهداء أبو عبداللَّه الحسين(ع)، ففي (أسرار الشهادة) للفاضل الدربنديرحمه‌الله تعالى قال فيه الإمام الحسين(ع) لما وقف عليه:

أيابن أبي نصحتَ أخاك حتّى

سقاكَ اللَّهُ كأساً من رحيق

وياقمراً منيراً كنت عوني

على كلّ النّوائب في المضيقِ(٣)

٣) السقّاء: وهو لقبٌ نبيل اختصّ به أبو الفضل العبّاس(ع) حتى بلغ من شهرته انّه إذا أطلق هذا اللقب انصرف إليه، وقد شاركه فيه أبوه أميرالمؤمنين(ع) وأسلافُهُ الكرام.

____________________

(١) المصدر السابق: ص٨١.

(٢) مقاتلُ الطالبيين : ص ٥٦

(٣) بطل العلقمي: ج ٢ ص١٥١.

١٥٣

والسّقايةُ هي إرواء العطاشى من البشر في حالتي السّلم والحرب، وأشرفُها سقاية الحرب، وهي فضيلةٌ من الفضائل الإنسانيّة، وأحد المكارم والمآثر الشريفة واحد مفاخر العرب الممدوحة(١) .

ومن أجل مجي‏ء العباس(ع) بالماء إلى عيال أخيه الإمام الحسين(ع) وصحبه في الأيام العشرة من المحرّم سمّي (السقّاء).

٤) كبش الكتيبة: هو لقبٌ تطلقه العرب على مقدّم العسكر أميراً كان أو ملكاً، ولا يطلق الكبش في الحرب عند العرب إلّا على مَن تكاملت فيه سمات البطولة وجمعت فيه صفات الرّجولة، وهذا اللقب اختصّ به أبو الفضل العبّاس(ع) دون سائر شهداء كربلاء، وقد اختصّه بهذا اللقب أخوه الإمام الحسين(ع) وجعله من ألقابه المميّزة، وعرف بهذا اللقب قبل أبي الفضل العبّاس بن علي(ع) رجلان من العرب، أحدهما بطل المشركين بلا منازع وهو طلحة بن أبي طلحة القرشي كان يلقّب كبش الكتيبة قتله أميرُ المؤمنين(ع) يوم أُحد فسُرّ بقتله رسول اللَّه(ص)، وبقتله فُلّت شوكةُ المشركين وكُسر حدّهم، والثاني هو بطل المسلمين غير مدافع مالك بن الحارث الأشتر النّخعي؛ صاحب أمير المؤمنين(ع) عليَّ بن أبي‏طالب(ع)، وكان يلقّب أيضاً ب (كبش العراق)(٢) .

٥) حامي الظّعينة: هذا لقبٌ مشهورٌ شايع اطلاقُهُ على أبي الفضلِ العبّاس بن أمير المؤمنين(ع) قال السيد جعفر الحِلي في تأبينه:

____________________

(١) بطل العلقمي: ج ٢ ص١٢.

(٢) بطل العلقمي: ج ٢ ص٥٣.

١٥٤

حامي الظعينةِ أينَ منهُ ربيعةٌ

أم أين من عَليا أبيه مكدَّمُ

وقد خُصّ بهذا اللقب للفرق بينه وبين أخيه سيّد الشهداء الإمام الحسين(ع) المـُلقّب بحامي الإسلام وحامي الشّرع المقدّس، ورتبة العبّاس(ع) دون رتبة الحسين(ع) وحماية الظعينة أدنى من حماية الشّريعة الغرّاء رتبةً، ومن جهةٍ ثانية ان الإمام الحسين(ع) هو الأمير والسيّد والقائد ولا يباشر كل المهمّات بنفسه وأنّه لابُدّ للرئيس من معتمَدْ يقوم مقامه وينوب عنه في المهمّات ويكون من أهل الكفاءة وله الأهليّة في القيام بواجبه ليحصل الاعتماد في ما رشّحَ له وحيث لم يكن عند سبط النّبي(ص) أهم من القيام بحياطة العائلة المخدّرة وحمايتها وحفظها في تلك الفيافي الموحشة والمفاوز المقفرة وكان من أوثق القادمين معه في نفسه أخوه العبّاسُ الأكبر وابنه عليّ الأكبر، فكانا يقومان بترحيل العائلة وانزالها ويتوليان حراستَها مع فتيان العلويين، وكانت حماية العبّاس(ع) للظعائن من حين سار الإمام الحسين(ع) من المدينة إلى أن نزل الغاضرية وكذلك العشرة أيام التي أقامه(ع) في كربلاء حتى استُشهد، وكان العباس(ع) أمير الحرس الحسيني الذي يقوم بحماية المخيّم(١) .

٦) حامل اللواء: لقد شاع هذا اللقبُ بين النّاس، وعرفه المسلمون القدماء بحامل لواء الحسين(ع)، وكان هذا اللقب أشهر ألقاب أبي‏الفضل العبّاس(ع)، لأنّ ذلك قد صدر من أخيه الإمام الحسين(ع) فعلاً وقولاً أما الفعل فقد دفع إليه لواءه باتّفاقِ حملة الأثر وأهل العلم بالخبر، وأمّا القول

____________________

(١) المصدر السابق نفسه: ص٧١.

١٥٥

فقد تكرّر منه(ع) مراراً منها لما أراد أبو الفضل(ع) الحملةَ على الأعداء قال له الإمام الحسين(ع): أنت حامل(١) لوائي، ومنها لما وقف عليه صريعاً وقد أكثر الشعراء في ذكره بحامل اللواء قال أحدهم عن لسان الإمام الحسين(ع):

لمن اللوا أُعطي ومَن هو جامعٌ

شملي وفي ضَنْكِ(٢) الزّحامِ يقيني

(ع)) بابُ الحوائج: اشتهر سيّدنا أبو الفضل العبّاس(ع) بين الخاصّة والعامّة بأنّه باب(٣) الحوائج لكثرة ما صدر منه من الكرامات وقضاء الحاجات ولنعم ما قال المرحوم السيّد حيدر الحِلي:

بابُ الحوائجِ ما دعتهُ مروعةٌ

في حاجةٍ إلا ويقضي حاجَها

بأبي أبا الفضل الذي من فضله

السّامي تعلّمَتْ الورى منهاجَها(٤)

حدّثني المرحوم الحاج السيّد ناصر الحلو - أبو عدنان - أنّ الشاعر المرحوم الشيخ كاظم السوداني حدّث والدي فقال: ذهبتُ إلى كربلاء في احدى زياراتي لها، وقدّمت باب الحوائج أبا الفضل العبّاس(ع) في الزيارة حيث كنّا نعتبره باب الحسين(ع):

____________________

(١) اُنظر: ابصار العين للسماوي: ص٢٩.

(٢) الضَّنْك: الضّيق من كلّ شي‏ء.

(٣) المعروف بين المؤمنين أنّ أبوابَ الحوائج أربعة - وإن كان أهلُ البيت: كلُّهم أبواب الحوائج وهم: الإمام باب الحوائج موسى بن جعفر(ع)، وسيّدنا أبو الفضل العبّاس(ع)، وسيّدنا مسلم بن عقيل(ع)، ورضيع الإمام الحسين عبداللَّه(ع).

(٤) العبّاس(ع) للمقرّم: ص٨١.

١٥٦

أبا الفضل أنتّ البابُ للسّبطِ مثلما

أبوك عليٌّ كان باباً لأحمدَ

يقول: عندما دخلت الحرم الشريف لفت نظري وجود امرأة جالسة قريب الضريح المطهّر وبين يديها صبيّ نائم عمرُهُ حدود ١٢ سنة، والمرأة - الأم - تتكلّم مع أبي الفضل(ع)، وكان كلامُها عتاباً شديداً مرّاً، وصوتها مسموع بشكلٍ واضح، فأدهشتني طريقة الحديث مع أبي الفضل(ع) لأنّها حادّة وفيها عتاب شديد، فرأيت رجلاً بجنبي فجئت إليه وقلت له: ألا تسمع هذه المرأة كيف تتكلّم مع سيّدنا أبي الفضل(ع) هذه الطريقة غير مناسبة في حضرة هؤلاء الأطهار؟ فقال لي: هذه المرأة زوجتي وهي ابنة عمّي ولم تمضِ على زواجي منها مدّة حتّى رزقني اللَّه تعالى منها ولداً ذكراً سويّاً ولكنه عندما وصل إلى السنة الثالثة من عمره مرض ومات، فحزنت عليه أمُّه فعزّيتها وهوّنت الأمرَ عليها وقلت لها لا زلنا شباب واللَّه تعالى كريم وكما رزقناه سيرزقنا آخر بخيرٍ وعافية، وفعلاً حملت بالثاني وولدته ذكراً سويّاً ولكنّه ما وصل إلى الثالثة حتّى مرض كأخيه ومات، وهكذا الولد الثالث، فقلت لها ليس لنا إلّا باب الحوائج أبو الفضل العبّاس(ع) قومي نذهب إليه ونتوسّل به ليرزقنا اللَّه تعالى ولداً يدفع عنه الأمراض والأسقام، وفعلاً جئنا لزيارةِ أبي الفضل(ع) وطلبنا منه طلبتنا بحالة البكاء والحزن، وعدنا إلى المنزل وحملت زوجتي وولدت مولوداً سويّا وكبر الصّبي وتجاوزه عمره ثلاث سنوات وأربع وخمس وهو بصحّةٍ جيدة حتى وصل

١٥٧

إلى هذا العمر فظهرت عليه نفس أعراض المرض الذي مات بسببه أخوته قبله فقلنا ليس لنا باب إلى اللَّه تعالى إلّا باب العبّاس(ع) حيث حصلنا على هذا الولد ببركة التوسّل به ونحن نريده منه.

قال: فتعجّبت من ذلك، وتألّمت لحالِ الأم والأب ثمّ ودّعتُهُ وذهبت لزيارة الإمام الحسين(ع) وعدت إلى المنزل وفي تلك الليلة رأيتُ رؤيا عجيبة وهي:

رأيت كأني دخلت إلى حرم الإمام الحسين(ع) وإذا بالنّبيّ الأكرم(ص) وأمير المؤمنين(ع) وسيّدة النساء والإمامين الحسن والحسين عليهم أفضل الصلاة والسلام جلوس والنّور يشرق منهم كأنهم الأقمار الزّاهرة، فوقفت أتأمّل المنظر وإذا برجل بهي المنظر جميل الوجه يشرق منه النّور لم أرَ في حياتي هكذا إنسان ولإ؛ددٌّ أستطيع أن أصفه ولكنّي أقول هو من أهل الجنّة لا من أهل الدّنيا فعندما وصل قريباً منهم قام النبيّ إليه وقام أهلُ البيت: وإذا هو باب الحوائج أبو الفضل العبّاس(ع) فسأله رسول اللَّه(ص) عن سبب مجيئه فقال: أريد أن أعرف مصير هذا الولد فإنّ أمّه تتوسّل إلى اللَّه تعالى بي، وإذا بالنّبيّ(ص) يخبره عن قرب موت الصّبي وهذا هو المقدّر فقال أبو الفضل: سيّدي يارسول اللَّه أخبر ربّك تعالى أنه امّا أن يشفى هذا الصّبيّ واما يرفع عني لقباً عرفت به بين النّاس ونشره تعالى وهو باب الحوائج وإذا بالنبيّ قد قام وذهب ثمّ عاد وهو يقول: أقر اللَّه عينيك ياأبا الفضل أنت باب الحوائج إلى اللَّه تعالى والولد يُعافى ويعود إلى والديه، عندها عاد أبو الفضل(ع) وهو يشرق فرحاً وسروراً، يقول السوداني:

١٥٨

فاستيقظت وإذا بصوت المؤذن يرفع أذان الفجر. فأسبغت الوضوء وأسرعت لحرم أبي الفضل(ع) وإذا بالمرأة جالسة والولدُ بين يديها دنوت منها سلّمت عليها وقلت لها: أبشري بشفاء الولد ببركة قمر بني هاشم(ع) فرفعت رأسها ودعت لي بالخير ولكنّها غير مصدّقة قال: فتنحّيت وجلست في مكان بحيث أُشاهد المرأة وابنها فما مضت مدّة طويلة وإذا بالولد المريض يحرّك رجله ثمّ يده ثمّ رأسه ويفتح عينيه والأم تنظر إليه بدهشة وإذا به يجلس. وأول شي‏ء فعله قام وتمسّك بضريح أبي الفضل فرفعت المرأة صوتها بالهلاهل وكادت أن تموت لشدّة الفرح، فتجمّع الناس على الولد وأخذوا من ثيابه قطعاً يتبرّكون بها.

أقول: لهذه الفضائل والكمالات، والأوصاف والألقاب، جعله الإمام الحسين(ع) آخر أصحابه وأهل بيته، وهو حامل اللواء. وأشرف مَن في العسكر بعد أخيه الإمام الحسين(ع)، وهو جيشٌ وحده، ولكنّ المقدّر كائن، والشهادة في سبيل اللَّه تعالى تاجٌ على رؤوس أولياء اللَّه وخاصّته، ولهذا ترجّل لها أبو الفضل(ع) وذهب إلى المشرعة وعيون الحسين وأخواته تشيّعه فما غاب كثيراً وإذا بالرّاية الخفّاقة تسقط على الأرض فعلم الإمام أنّ أخاه سقط فجاءه ولكن بأيّةِ حالة:

تعنّه من الخيم للعلگمي حسين

يصيح بصوت ‏يعضيدي ‏وگعت ‏وين

بعدما شوف دربي ياضوه العين

يخويه الكون كلّه بعيني أظلم

١٥٩

فلما وصل إليه رآه بتلك الحالة التي تعزّ على كلّ موالي ومحب فعندها قال كلمته المعروفة: الآن انكسر ظهري، وقلّت حيلتي، وشمُت بي عدوّي، ولسان الحال على طريقة الحدي:

يگله يعبّاس الأخو

ظهري انكسر من شوفتك

نايم على حرِّ الفلا

وحيلي انهدم من نومتك

مگطعة كفوفك والعمد

يعضيدي هشّم هامتك

وجسمك معفّر بالترب

والسهم فاري گربتك

لولا السهام مجمّعة

بنفسي أقبّل جبهتك

هذه اُمنية - على لسان الشاعر - ما تحقّقت حيث أراد الإمام الحسين(ع) توديعه بتقبيل جبهته ولكن منعته السهام المتجمّعة عليه، وللعبّاس أمنية أيضاً اسمعها بلسان الحال:

ون العضيد وناشده

تصعب عليّه حالتك

وحدك يبو سكينة تظل

وهذي الأعادي حاطتك

هذا أمر اللَّه ونزل

وبأمره تعاني بغربتك

أدري صرت محني الظهر

ريحة الخوّة جابتك

لوما دمه عيني جمد

بنفسي أشوفن غرّتك

* * *

١٦٠