المجالس الحسنة في مناسبات السَّنَة

المجالس الحسنة في مناسبات السَّنَة0%

المجالس الحسنة في مناسبات السَّنَة مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 343

المجالس الحسنة في مناسبات السَّنَة

مؤلف: السيد أحمد الحكيم
تصنيف:

الصفحات: 343
المشاهدات: 39561
تحميل: 2548

توضيحات:

المجالس الحسنة في مناسبات السَّنَة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 343 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 39561 / تحميل: 2548
الحجم الحجم الحجم
المجالس الحسنة في مناسبات السَّنَة

المجالس الحسنة في مناسبات السَّنَة

مؤلف:
العربية

وقضى إلى جنبِ الفرات ورأسُه

بعمودِ حقدٍ هشّمتهُ لئامُها

وقضى إلى جنبِ الفرات وعينُه

أسفي عليها قد طفتها سهامُها

وقضى إلى جنبِ الفرات وجسمُهُ

بسيوفِ بغيٍ خذّمته طَغامُها(١)

لاحول ولا قوة إلّا باللَّه العليّ العظيم

وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلبٍ ينقلبون والعاقبة للمتقين

____________________

(١) طَغَام: هم أوغاد الناس

١٦١

الليلة السابعة المجلس الخامس عشر

منزلة العباس بن علي(ع)

عبست وجوهُ القومِ خوفَ الموت

والعبّاسُ فيهم ضاحكٌ يتبسَّمُ

قلبَ ‏اليمينَ على ‏الشِّمالِ ‏وغاص ‏في ‏الـ

أوساط يختطفُ النّفوسَ ويحطمُ

وثنى أبو الفضلِ الفوارسَ نُكّصاً

فرأوا أشدَّ ثباتِهم أن يهزموا

بطلٌ تورّثَ من أبيه شجاعةً

فيها أنوفُ بني الضلالةِ ترغمُ

عرفَ المواعظَ لا تفيدُ بمعشرٍ

صمّوا عن النبأ العظيم كما عَموا

وانصاع يحطمُ بالجماجم والكلا

والسيف ينثرُ والمثقَّفُ ينظمُ(١)

بطلٌ إذا ركبَ المـُطَهَّمَ خلتَهُ

جبلاً أشمَّ يخفُّ فيهِ مطهّمُ(٢)

قسماً بصارمِهِ الصقيلِ وإنّني

في غير صاعقةِ السّما لا أُقسِمُ

لولا القضا لمحى الوجودَ بسيفِهِ

واللَّهُ يقضي ما يشاء ويحكُمُ

وهوى بجنبِ العلقميِّ فليتَهُ

للشّاربين به يُدافُ العلقَمُ

فمشى لمصرعِهِ الحسينُ وطرفُهُ

بين الخيامِ وبينَهُ متقسِّمُ

فأكبَّ منحنياً عليه ودمعُهُ

صبغَ البسيط كأَنّما هو عندَمُ(٣)

قد رامَ يلثمُهُ فلم يرَ موضعاً

لم يُدمِهِ عَضُّ السّلاحِ فيُلثَمُ

نادى وقد ملأَ البواديَ صيحةً

صُمُّ الصخورِ لهولها تتألّمُ

____________________

(١) المثقّف: هو الرّمح في عرف الشعراء.

(٢) جواد مُطَهَّم: أي تام الحسن.

(٣) العندم: خشب نبات يُصبغ به. (المنجد)

١٦٢

أأخيَّ يُهنيكَ النَّعيمُ ولم أخَلْ

تَرضى بأن أُزرى وأنت منعَّمُ

أأخيَّ مَن يحمي بناتِ محمّدٍ

إن صِرْنَ يسترحِمْنَ مَن لا يرحَمُ

* * *

يعباس لمـّن صدّت العين

منّي لعد إِيديك الإثنين

دمهن يسيل اوشفت كفين

فوگ الثره ناديت صوتين

واحد نواعي أو واحد ونين

يعباس صارت طيحتك وين

يعباس آنه عضيدك حسين

وسفة يفرگ بينه البين

* * *

روى الشيخ الصّدوق – رحمه ‌الله تعالى - في (الخصال): عن أبي حمزة الثمالي قال: قال عليُّ بن الحسين(ع): (إنّ لعمّيَ العبّاسَ عند اللَّه تبارك وتعالى لمنزلةً يغبطُهُ بها جميعُ الشهداء يوم القيامة)(١) .

لا ريبَ أنّ المنزلةَ تكون بنيل الفضيلة، ونيلُ الفضيلة عند اللَّه تكون بالطّاعة له، وتعلو المنزلة وتسمو الفضيلة بكثرة الأعمال الخيريّة، فكلّما كان الإنسان حريصاً على تحصيل الفضل مجتهداً في الطّاعة كثير الخيرات يكون عند اللَّه عظيم المنزلة كبير الفضيلة سامي الدرجة(٢) .

لقد أثبت الإمام زين العابدين(ع) بهذه الرواية الشريفة لأبي الفضل العبّاس(ع)

____________________

(١) الخصال ج١ ص٦٨ ح ١٠١.

(٢) بطل العلقمي ج ٣ ص٣٨٤.

١٦٣

منزلةً كبرى لم ينلها غيره من الشهداء ساوى بها عمّه الطيّار جعفر بن أبي طالب(ع) فقال(ع):

رحمَ اللَّهُ عمّي العبّاس بن علي(ع) فلقد آثر وأبلى وفَدى أخاه بنفسه حتى قطعت يداه فأبدله اللَّهُ بجناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنّة كما جعل لجعفر بن أبي طالب، وأنّ للعبّاس عند اللَّه تبارك وتعالى منزلةً يغبطُهُ عليها جميع الشهداء يوم القيامة.

ولفظ (الجميع) في هذه الرواية الشريفة يشمل مثل حمزة بن عبدالمطّلب وجعفر بن أبي طالب. ولعلّ ما جاء في زيارة الشهداء يشهد له (السّلام عليكم أيّها الربّانيّون أنتم لنا فَرَطٌ(١) ونحنُ لكم تبع وأنصار، وأنتم سادةُ الشهداء في الدنيا والآخرة)(٢) .

فقد أثبت لهم السيادة على جميع الشهداء، وانّهم لم يسبقهم ولا يلحقهم أي أحد وأبو الفضل العبّاس(ع) في جملتهم بهذا التفضيل، وقد انفرد عنهم بما أثبتَهُ له الإمامُ السجّاد(ع) من المنزلةِ التي لم تكن لأيِّ شهيد، فيصبح بهذا في محلٍّ يغبطُهُ عليه جميع الشهداء يوم القيامة.

مقامٌ له عند المهيمنِ شامخٌ

وقدرٌ رفيعُ الشأنِ ما مثلُهُ قدرُ

لقد خلّدَ الرّحمنُ في الدّهرِ ذِكْرَهُ

وما الفضلُ إلّا ما أشيد له الذّكرُ

وفي الحشرِ لم يُعطى شهيدٌ عطاءَهُ

لذا صارَ مغبوطاً وهذا له سرُّ

____________________

(١) فَرطَ: سبقَ وتقدّم.

(٢) العبّاس(ع) للمقرّم عن كامل الزيارة.

١٦٤

وممّا يدلّ على منزلته العالية هو مشاطرته ومشاركتهُ لأخيه الإمام الحسين(ع) في تغسيل الإمام الحسن المجتبى(ع)، وأنت بعدما علمت مرتبةَ الإمامة وموقف صاحبها من العظمة وأنّه لا يلي أمره إلّا إمامٌ مثلُه علمت مرتبة أبي الفضل العبّاس(ع) وأنّه أعظم رجل في هذا العالم بعد أئمة الحق والهدى: وأنه تالي المعصومين في الرّتبة، لأنّ جثمان المعصوم بعد موته وعند تغسيله لا يمكن أن يقرب أو ينظر إليه إلّا من قَرُبَ من تلك الرّتبة العالية للمعصومين:، وممّا يشهد له أنّ الفضلَ بن العبّاس بن عبدالمطّلب كان يحمل الماء عند تغسيل النبيّ(ص) معاوناً لأمير المؤمنين(ع) على غسله ولكنّه عصّبَ عينيه بعصابة خشية العمى إن وقع نظرُهُ على ذلك الجسد الطّاهر(١) .

يقول المحقّق المقرّم في ذلك: وهذه الأسرار - أي عدم قدرة الإنسان العادي النظر إلى جسد المعصوم بعد الموت - لا تصل إليها أفكار البشر وليس لنا إلّا التّسليم، ولا سبيل لنا إلى الإنكار بمجرّد بعدنا عن ادراك مثلها خصوصاً بعد استفاضة النّقل - الأحاديث - في أنّ للنّبيّ والأئمّة عليهم الصلاة والسلام بعد وفاتهم أحوالاً غريبة ليس لسائر الخلق معهم شركة(٢) .

وممّا يدلّ على منزلته العالية قول الإمام أبي عبداللَّه الحسين له(ع) لما زحف القومُ على مخيّمه عشيّة التاسع من المحرّم قال: إركب بنفسيَ أنت ياأخي حتى تلقاهم وتسألهم عمّا جاءهم، فاستقبلهم العباس(ع) في

____________________

(١) العبّاس(ع) للمقرّم: ص١٢٤ - ١٢٥ بتصرّف.

(٢) المصدر السابق: ص١٢٥.

١٦٥

عشرين فارساً فيهم حبيب بن مظاهر وزهير بن القين وسألهم عن ذلك فقالوا إنّ الأمير يأمر إما النزول على حكمه أو المنازلة، فأخبر أبو الفضل أخاه أبا عبداللَّه(ع) فأرجعه ليرجئهم إلى غد(١) .

أقول: يحارُ الإنسان ويعجز عن معرفةِ شخصية أبي الفضل(ع)، والإمام الحسين(ع) علّة الكائنات يفدّيه بنفسه في هذه الكلمة الثمينة السّامية ولكنّي أكتفي بذكر كلمةٍ للعلّامةِ المقدّس مرجع الإماميّة العام في عصره هو المرحوم الشيخ محمّد طه نجفرحمه‌الله تعالى الموجودة في كتاب (الإتقان) فإنها عظيمةٌ عند التأمّل وافية بالمطلوب بلغت على وجازتها ما لم تبلغهُ المطوّلات من العبارات وهذا نصّها: العبّاسُ بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع) أبو الفضل هو أجل من أن يذكر في المقام - وهو قسم الثِّقات من الأصحاب - بل المناسب أن يذكر عند ذكر أهلِ بيتِهِ المعصومين عليه وعليهم أفضلُ الصلاة والسّلام(٢) .

وفي الرواية عن الإمام أبي عبداللَّه الصّادق(ع) قال: كان عمُّنا العبّاسُ ابن علي(ع) نافذَ البصيرةِ، صُلْبَ الإيمان جاهدَ مع أبي عبداللَّه(ع) وأبلى بلاءاً حسناً ومضى شهيداً(٣) .

وهنا ظاهرةٌ اُخرى دلّت على منزلةٍ كبرى للعباس عند سيّد الشهداء(ع)، وذلك لما اجتمع الإمام الحسين(ع) بعمر بن سعد ليلاً وسط

____________________

(١) المصدر السابق: ص١٢٧ عن المؤرّخ الطبري.

(٢) بطل العلقمي: ج ٣ ص٤٩٣.

(٣) ابصار العين في أنصار الحسين للشيخ محمّد السماوي: ص٢٦.

١٦٦

العسكرين لإرشاده إلى سبيل الحق وتعريفه طغيان يزيد بن معاوية وتذكيره بقول الرسول(ص) في حقّه أمر(ع) مَن كان معه بالتنحّي إلّا العبّاس وابنه علي الأكبر وهكذا صنع ابن سعد حيث أبقى ابنَهُ وغلامَه. أراد(ع) في هذا أن يوعز إلى الملأ من بعده ما لأبي الفضل وعلي الأكبر من الصّفات التي لاتحدّها العقول.

ومن هنا فلو رمتَ تحليلاً لتأخّر شهادة العبّاس(ع) عن جميع الشهداء وهو حامل تلك النّفس النزّاعة إلى الفداء دون الدّين، ذلك لأهميّة موقفه عند أخيه السبط، فإنّ سيّد الشهداء يعدُّ بقاء العبّاس(ع) من ذخائر الإمامة، وانّ موتتَهُ تفتّ في العضُد يقول له: (وإذا مضيت تفرّق عسكري) حتى أنّه في الساعة الأخيرة لم يأذن له إلّا بعد أخذٍ ورد(١) .

وممّا يدلّ على منزلته بل على رتبةٍ تضاهي رتبةَ المعصومين ذلك لما حضر الإمام السجّاد(ع) لدفن الأجساد الطاهرة ساعدهُ بنو أسد في نقل الجثث الزّواكي إلى محلّها الأخير عدى جسد الإمام الحسين وسيّدنا العبّاس(ع) فقد تولّى وحده انزالهما إلى مقرّهما واصعادهما إلى حظيرة القدس وقال لبني أسد عندما طلبوا أن يساعدوه (إنّ معي مَن يعينني) أمّا الإمام فالأمر فيه واضحٌ لأنّه لا يلي أمرَه إلّا إمامٌ مثلُهُ، ولكنّ الأمر الذي لا نكاد نصل إلى حقيقته هو فعله بعمّه أبي الفضل مثل ما فعل بأبيه الوصي، وما ذلك إلّا لمنزلةِ العبّاس(ع)(٢) .

____________________

(١) العبّاس(ع) للمقرّم: ص١٢٨.

(٢) العبّاس للمقرّم: ص١٢٩ عن (الإيقاد) للسيد محمّد علي شاه عبدالعظيمي.

١٦٧

هذا في الدّنيا وأما في الآخرة فإنّ الصدّيقة فاطمة(ع) لا تبدأ بالشكايةِ بأيِّ ظلامةٍ من ظلاماتِ آلِ محمّد(ص) وهي لا تحصى إلّا بكفّي أبي الفضل المقطوعتين(١) .

وهانحنُ قد وصلنا إلى نهاية هذا المجلس. ولكن يجدر بنا أن لا ننهي المجلس إلّا بذكرِ كرامةٍ من كرامات باب الحوائج أبي الفضل العبّاس(ع) لتقوى قلوبُنا، ويشتدّ إيماننا، وتزداد بصائرُنا والكرامة هي أنّ رجلاً مؤمناً كان يحمل قربة الماء على ظهره في أيّام المحرّم وذلك بمدينة كربلاء ويسقي منها الزوّار، وأرباب العزاء والنّادبين على الحسين والباكين ومحيي شعائر اللَّه تعالى وكان لهذا الرّجل ابنٌ وُلِدَ ناقصاً بحيث صار له من العمر أحد عشر عاماً وهو لا يستطيع الوقوف على قدميه فضلاً عن المشي ويزحف على يديه ورجليه، وفي ليلة التاسع من المحرّم أخذ هذا الرجل القربة وتهيّأ للذهاب لسقي محبي أبي عبداللَّه الحسين وأبي الفضل العبّاس(ع) بالماء وقبل أن يذهب قال له ابنُهُ المريض: أبه إلى أين تذهب؟ قال له: ولدي الليلة تاسوعاء الحسين وأنا ذاهب أسقي المعزّين الماء على حبّ الحسين(ع) فقال: أبه ما أراك أخذتني معك مرّةً لأشارك في عزاء أهل البيت، أبه أليس العبّاسُ باباً من أبواب الحوائج؟ قال الأب: نعم قال الابن: إذن خذني معك هذه الليلة واطلب شفائي من اللَّه تعالى ببركة مخدومك باب الحوائج أبي الفضل(ع) قال الأب: فتحيّرت ولم أدرِ ما أصنع حيث فاجأني بطلبه هذا، ولكن نزلت عند رغبته فحملتُ القربة على كتفٍ وعلى الكتف

____________________

(١) المصدر السابق: ص١٢٩.

١٦٨

الآخر حملت فلذّة كبدي المريض المقعد وجئت أسعى حتى وصلت إلى أهل العزاء فملأتُ القربة ووقفت أمام المعزّين وقلت لهم: جئتكم هذه الليلة ومعي ابني المريض وقد قال لي في المنزل كلمةً انصدع منها قلبي، أيّها المعزّون إذا شافى مخدومي أبو الفضل(ع) ولدي هذا فهو المطلوب، وإن لم يشفِ ولدي فسأترك سقاية الماء، وأضع القربة جانباً، قلت هذا وتحرّك العزاء الحسيني بأكمله، وقد أدّيت وظيفتي في سقاية الماء كأحسن ما يكون تلك الليلة حتى انتصف الليل، وتفرّق المعزّون، فنظرت إلى ابني وإذا هو على حاله لم يتحسّن فجرت دموعي على خديّ وقلت ثانياً بألمٍ وحسرة إذا لم يُشافَ ولدي فسأترك سقاية الماء في عزاء أهل البيت:، ثمّ حملت ابني وجئت به إلى الدّار وجلسنا في‏الحجرة فكنت انظر إليه وأبكي وهو ينظر إليَّ ويبكي حتى بكينا كثيراً، وإذا به يقول لي: أبة كفّ عن البكاء واعذرني ان آذيتك هذه الليلة لعلّ اللَّه لا يرى مصلحةً في شفائي ثمّ قال: اللهمّ إن كان هذا يرضيك فهو يرضيني فآلمني أكثر بكلامه ثمّ قمت من عنده وذهبت إلى حجرتي ولكني لم أهدأ فبقيت أبكي وأبكي حتى نمت على هذه الحالة ولم أستيقظ إلّا على صوت ولدي وهو يصيح: أبه أسرع إنّ مخدومك ساعدني، أبة إنّ سيدي العبّاس شافاني فقمت مسرعاً وفتحت باب غرفته وإذا بي أراهُ واقفاً على قدميه ولأول مرّة في حياتي أراه واقفاً فضممتُه إلى صدري وقلت له: ولدي عزيزي أخبرني ما الذي حدث؟ قال: عندما خَرَجْتَ من الحجرة وبقيتُ وحدي أبكي فبينا أنا كذلك وإذا أرى الحجرةَ وقد امتلأت نوراً ساطعاً ورأيتُ رجلاً مهيباً أمامي وهو يقول لي: قم

١٦٩

وقف على قدميك قلت: سيدي لا أستطيع القيام أنا مريض قال لي قل مرّةً واحدة ياأبا الفضل وقم فقلت: ياأبا الفضل وقمت على قدمي وغاب عنّي أبه لم يردّ العبّاس طلبنا قال الأب: فحملت ابني على كتفي وخرجتُ إلى النّاس وأنا أصيح بصوت عالٍ: أيّها المعزّون إنّ العبّاس الوفي شافى ولدي هذا، وعاد يسقي الماء على حبّ أبي الفضل(ع)(١) .

وتعال معي للبكاء على مصيبته(ع) قال السماوي في (ابصار العين): لما رأى العبّاس(ع) وحدةَ أخيه بعد قتل أصحابه وجملة من أهل بيته قال لأخوته من أمّه: تقدّموا لأحتسبكم عند اللَّه تعالى فتقدّموا حتّى قتلوا فجاء إلى الإمام واستأذنه في القتال فقال له: أنت حاملُ لوائي فقال: لقد ضاق صدري وسئمت الحياة فقال له: إن عزمت فاستسقِ لنا ماءاً، فأخذ قربتَهُ وحمل على القوم حتّى ملأ القربة قالوا: واغترف من الماء غَرفة فتذكّر عطش الحسين(ع) فرمى الماء من يده وقال:

يانفسُ من بعدِ الحسين هوني

وبعده لا كنت أن تكوني

هذا الحسينُ واردُ المنونِ

وتشربين باردَ المَعِين

ثمّ عاد فأخذوا عليه الطريق فجعل يضربهم بسيفه وهو يقول:

لا أرهبُ الموتَ إذا الموتُ رقا

حتى أوارى في المـَصاليت(٢) لُقى

____________________

(١) عن كتاب (چهره درخشان) باللغة الفارسية للشيخ علي ربّاني الخلخالي : ص ٣٨٩ - ٣٩٠.

(٢) المصاليت: الشجعان.

١٧٠

إنّي أنا العبّاسُ أغدو بالسّقا

ولا أهابُ الموتَ يوم الملتقى

فضربه حكيم بن طفيل السنبسي على يمينه فقطعها فأخذ اللواء بشماله وهو يقول:

واللَّهِ إن قطعتموا يميني

إنّي أحامي أبداً عن ديني

وعن إمامٍ صادقِ اليقينِ

سبطِ النبيّ الصادقِ الأمينِ

فضربه زيد بن ورقاء الجهني على شماله فقطعها فضمّ اللواءَ إلى صدره وهو يقول:

يانفسُ لا تَخْشَي من الكفّار

وأبشري برحمةِ الجبّار

قد قطعوا ببغيهم يساري

فأصلهم ياربِّ حرَّ النّار

فحمل عليه رجلٌ تميمي فضربه بعمود على رأسِهِ فخرّ صريعاً إلى الأرض، ونادى بأعلى صوته أدركني ياأخي، فانقضّ عليه أبو عبداللَّه كالصّقر فرآه مقطوعَ اليمين واليسار مرضوخ الجبين مشكوك العين بسهم مرتثاً بالجراح فوقف عليه منحنياً وجلس عند رأسه يبكي(١) .

ولسان الحال:

يعبّاس هذا حسين يمّك

يبكي وخلط دمعه بدمّك

حاير يبو فاضل بلمّك

وسكنة تسكت الطفل بسمك

ساعة ويجيب الماي عمّك

____________________

(١) ابصار العين: ص٢٩ - ٣٠.

١٧١

يقولون: بينما الحسين(ع) عند أبي الفضل وإذا بامرأة خرجت من المخيّم شابكةً عشرها على رأسها وهي تنادي واأخاه واعبّاساه فترك الإمام الحسين أخاه العبّاس(ع) في مكانه ولم يحمله ودنى وإذا بها العقيلة زينب فقال لها: إلى أين ارجعي قالت: أراك جئتني وحدك أين ابن والدي فاختنق الإمام بعبرته ولسان الحال:

يگللهه يزينب راح عبّاس

راح الضيغم اللي يرفع الراس

وظل يبكي عليه الدّرع والطاس

فعندما سمعت ذلك كأني بها أرادت أن تأتي إلى مصرعه وتلقي عليه نظرة الوداع فمنعها الإمام وهو يقول إلى أين؟ قالت بلسان الحال:

أنه رايحة العبّاس أشوفه

وركّب اعله زنوده كفوفه

أخوي وعلي زاد معروفه

كفيل الحرم وشلون أعوفه

وعندما سمعت سكينة نادت بلسان الحال:

عبّاسُ ياراعي الشريعة والحرم

بحماك قد نامت سكينةُ في الخَيمْ

صرخت ونادت يوم قد سقط العَلَمْ

اليوم نامت أعينٌ بك لم تنم

وتسهّدت أخرى فعزَّ منامُها

* * *

لاحول ولا قوة إلّا باللَّه العليّ العظيم

وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلبٍ ينقلبون والعاقبة للمتقين

١٧٢

الليلة الثامنة المجلس السادس عشر

التفكُّر والإعتبار

يادوحةَ المجدِ من فهرٍ ومن مُضَرِ

قد جفّ ماءُ الصِّبا من غُصنِكَ النَّظِرِ

مهذّبُ الخَلْقِ والأخلاقِ إن ترَهُ

كأنّهُ مَلَكٌ في صورةِ البشرِ

قد أحدقت فيه آلافٌ يصولُ بها

كأنّهُ أسدٌ قد شدَّ في حُمُرِ(١)

ما اخضرّ عارضُهَ ما دبَّ شاربُهُ

لكن جرى‏ القدرُ الجاري على القَدرِ

فاغتالَ مَفْرِقَهُ الأزدي بمُرْهَفِهِ

فخرَّ لكن بخدٍّ منه منعفِرِ

إِن يبكه عمُّهُ حزناً لمصرعِه

فما بكى قمرٌ إلّا على قمرِ

ياساعدَ اللَّهُ قلبَ السبطِ ينظُرُهُ

فرداً ولم يبلغ العشرينَ في العمر

لابن الزكيِّ الا يامقلتي انفجري

من الدّموعِ دماً يامهجتي انفطري

قد كنتُ أحذرُ أنّي لا أراك على

وجهِ الصّعيدِ ولكن جاءني حذري

ما كنتُ آمُلُ في الرّمضاءِ أبصرُهُ

ياليتَ فارقني من قبل ذا بصري

ما كنتُ آملُ أن أبقى وأنت على

حرِّ الصّعيدِ ضجيعَ الصخرِ والحجرِ

مرمّلاً مذ رأتهُ رملةٌ صرخت

يامهجتي وسروري ياضيا بصري

خلّفت والدةً ولهى محيَّرةً

مدهوشةً ليس من حامٍ ومنتصرِ

بنيّ تقضي على شاطي الفراتِ ظَماً

والماءَ أشربُهُ صفواً بلا كدَرِ

بُنيّ في لوعةٍ خلّفتَ والدةً

ترعى نجومَ ‏الدّجى في ‏الليلِ ‏بالسّهَرِ(٢)

____________________

(١) الحُمُر: جمع حِمار وهو الحيوان المعروف.

(٢) القصيدة من نظم المرحوم السيّد صالح الحِلّي١، وقد تقدّمت ترجمتُهُ ص٧٤.

١٧٣

ردتك ما ردت دنيه ولا مال

تحضرني لو وگع حملي ولا مال

يقاسم خابت ظنوني ولامال

عند الضيق يبني أقطعت بيّه

* * *

(روي عن أمير المؤمنين(ع) أنه قال: تفكّرُ ساعة خيرٌ من عبادةِ ستين سنة)(١) .

أوجد اللَّهُ تعالى المخلوقات جميعاً وجعلَ الإنسانَ سيّدَها، والذي ميّز الإنسان عن سائر المخلوقات هو العقل، إذ لولاه لما صار الإنسان أشرف المخلوقات والتفكّر الذي نتحدّث عنه هو نتاجُ هذا العقل، وقد مدحته الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة، وحبّبت إلى النّاس التفكّر والتدبّر.

ففي القرآن الكريم على سبيل المثال قوله تعالى:( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوِاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ َلآيَاتٍ لأُولِي الْأَلْبَابِ× الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ) (٢) وقوله تعالى:( قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إلّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ) (٣) وقوله تعالى:( أَوَ لَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إلّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ ) (٤) وغيرها كثير.

____________________

(١) لئالِئُ الأخبار للتسيركاني١: ج١ ص١٨٤.

(٢) سورة آل عمران: الآية ١٩٠ - ١٩١.

(٣) سورة سبأ: الآية ٤٦.

(٤) سورة الروم: الآية ٨.

١٧٤

وأمّا ما جاء في السنّة الشريفة ففي الخصال عن الإمام أبي عبداللَّه الصادق(ع) أنّه قال: كان أكثر عبادة أبي ذرّ - رحمة اللَّه عليه - خَصلتين: التفكّر والإعتبار(١) .

وعن أمير المؤمنين(ع) قال: نبّه بالتفكّر قلبك، وقال: لا عبادة مثل التفكّر، وقال: التفكّر يدعو إلى البرِّ والعمل به وأنّه مرآةٌ صافية(٢) .

وعنه(ع) قال: من ألزمَ قلبَه الفكر، ولسانَه الذّكر ملأ اللَّهُ قلبَه إيماناً ورحمةً ونوراً وحكمة، إنّ الفكر والإعتبار يخرجان من قلبِ المؤمن عجائِبَ المنطق في الحكمة، فتسمع له أقوالاً يرضاها العلماء ويخشع لها العقلاء، ويعجب منها الحكماء(٣) .

والتفكّر هو عملية جولان بين المعارف للحصول على معرفةٍ جديدة، فإذا حصلت عند الإنسان معرفة وازدوجت مع معرفةٍ اُخرى حصل منهما نتاج آخر لم يكن موجوداً، وهكذا تتمادى العلوم والمعارف، ويتمادى الفكر، مثال ذلك: مَن مالت نفسُهُ إلى الدّنيا وأراد أن يعرف أنّ الآخرةَ أولى بالإيثار من الدّنيا فله طريقان: أحدهما: أن يسمع من غيرِهِ أنّ الآخرة أولى بالإيثار من الدّنيا فيقلّده ويصدّقُهُ من غير بصيرة بحقيقةِ الأمر فيميل إلى إيثار الآخرة اعتماداً على قول الغير وهذا يسمّى تقليداً ولا يسمّى معرفة، الطريق الثاني: أن يعرف أن الأبقى أولى بالإيثار [معرفة أولى] ثمّ يعرف أنّ

____________________

(١) الخصال: ج ١ ص٤٢ باب الإثنين.

(٢) لئالي الأخبار: ج ١ ص١٨٤.

(٣) المصدر السابق نفسه.

١٧٥

الآخرةَ أبقى [معرفة ثانية] فيحصل من هاتين المعرفتين معرفة ثالثة وهي: أنّ الآخرةَ أولى بالإيثار، وهذه العمليّة تسمى تفكيراً، وهي لا تتوقّف عند الإنسان إلّا بالفناء، وثمرةُ التفكير هي العلوم المختلفة والمعارف.

وفي الرواية سُئل الإمام الصّادق(ع) كيف يتفكّر؟ قال: تمرُّ بالخربةِ أو بالدّار فتقول أين ساكنوك وأين بانوك مالَكِ لا تتكلّمين(١) .

يقول أحدهم دخلت خربةً وإذا قد كُتب فيها هذان البيتان:

هذه منازلُ أقوامٍ عهدتهُم

في خَفضِ(٢) عيشٍ وعزٍّ مالَهُ خطَرُ

صاحت بهم نائباتُ الدّهر فانقلبوا

إلى القبورِ فلا عينٌ ولا أثَرُ

والتفكّر خيرُ من العبادة من وجوه:

الأول: هو أنّ التفكّر يورث صاحبَه مقتَ الدّنيا ويقصّر الأمل الذي هو أقوى أسباب حبّ الدّنيا، ومعلوم أنّ جميع بلاء الإنسان ومصائبه الأخرويّة إنّما هو من حبّ الدّنيا وطول الأمل فإذا كان التفكّر مقتاً للدّنيا ومقصّراً لطول الأمل فلابدّ أن يكون أفضل من العبادة، كان ذو القرنين يسير في البلاد حتّى مرَّ بشيخ يقلّب جماجمَ الموتى فوقف عليه بجنوده فقال له: أخبرني أيّها الشيخ لأيّ شي‏ءٍ تقلّب هذه الجماجم؟ قال: لأعرف الشريفَ من الوضيع، والغنيَّ من الفقير فما عرفت ذلك، وإنّي لأقلّبها منذ عشرين سنة فقال ذو القرنين: ما عنيت بهذا غيري(٣) . قيل: فترك الدّنيا ولبس مسوحَ العبّاد.

____________________

(١) لئالئُ الأخبار ج١ ص١٨٥.

(٢) خَفُضَ العيشُ: أي سَهُلَ وكان هنيئاً. (منجد)

(٣) خلاصة الأسرار من بحار الأنوار: ج ١ ص٢٧١.

١٧٦

روي عن أمير المؤمنين(ع) وقد زار القبور:

سلامٌ على أهلِ القبورِ الدوارس

كأنّهُمُ لم يجلِسوا في المجالِسِ

ولم يشربوا من باردِ الماءِ شربةً

ولم يأكلوا من خير رطبٍ ويابسِ

ألا خبّروني أين قبرُ ذليلكم

وقبرُ العزيزِ الباذخِ المتنافِسِ(١)

الثاني: إنّ التفكّر ساعة أو أقلّ منها كثيراً ما يَقلِبُ الرجلَ إلى حالةٍ حسنة فتصدر منه العبادات في طول تلك المدّة كما حصل لكثير من الزهّاد والعبّاد والأخيار والأبدال والسلاطين، بخلاف العبادة(٢) .

جاء في سبب توبةِ بشر الحافي أنّه اجتازَ مولانا الإمامُ موسى بن جعفر(ع) على دارهِ ببغداد فسمع الملاهي وأصوات الغناء تخرج من تلك الدّار فخرجت جارية وبيدها قمامة فرمت بها في الدّرب فقال لها: ياجارية صاحبُ هذه الدّار حرٌّ أم عبد؟ قالت: بل حرٌّ قال(ع): صدقتِ لو كان عبداً خاف من مولاه فلمّا دخلت قال لها بشر وهو على مائدةِ السّكر ما أبطأكِ؟ قالت: حدّثني رجل بكذا وكذا فخرج حافياً حتى لقي مولانا الإمام الكاظم(ع) فتاب على يديه واعتذر وبكى لديه استحياءاً من عملِهِ، وكان ممّن فاقَ أهلَ عصرِهِ في الورع والزّهد، وتفرّد بوفور العقل وأنواع الفضل(٣) .

وكان له ذكرٌ حسنٌ جميلٌ بين النّاسِ، قال السيد الأمين في (أعيان الشيعة)

____________________

(١) الديوان المنسوب لأمير المؤمنين(ع): ص٧٣.

(٢) لئالئ الأخبار: ج ١ ص١٨٥.

(٣) الكنى والألقاب: ج ٢ ص١٦٨.

١٧٧

عن سفيان بن محمّد قال: رأيت بشر بن الحارث في النوم - بعد موته - فقلت له: ما فعلَ اللَّهُ بك؟ قال: غفر لي وأباح لي نصف الجنّة وقال لي: يابشر لو سجدت على الجمر ما أدّيت شكرَ ما جعلتُ لك في قلوب عبادي(١) .

الثالث: إنّ التفكّر ولو قليلاً يورث سعادةً لا تحصل بالقيام بجميع العبادات في طول العمر، كما وقع لكثير من الشهداء الكبار الذين منهم الحرّ بن يزيد الريّاحي رضوان اللَّه تعالى عليه حيث خرج إلى حرب الإمام الهمام أبي عبداللَّه(ع)، فبلغ بالتفكّر في نفسه ساعة ما بلغ من الدرجة العليا(٢) .

ومن هنا ما يذكر من أنّ الإمام الحسين(ع) لم يأذن لإبن أخيه القاسم بن الإمام الحسن السبط(ع) بالمبارزة فجلس مهموماً متألّماً فذكر أنّ أباه(ع) قد ربط في عضده عوذة وقال له: إذا مرّ بك حزن شديد فافتح العوذة واعمل بكلّ ما تراه مكتوباً فيها فقال القاسم: لم يمّر عليّ مثل هذا الموقف المحزن فحلّ العوذة وإذا فيها: ولدي قاسم أوصيك أنك إذا رأيت عمّك الحسين في كربلاء وقد أحاطت به الأعداء فلا تبخل عليه بروحك وكلّما نهاك عن القتال عاوده حتّى يأذن لك لتحظى بالسعادة الأبديّة فقام القاسم من ساعته وجاء إلى عمّه وعرض عليه الكتاب فلما رآه الإمام الحسين(ع) بكى وقال ياابن أخي وأنا عندي وصية أخرى منه، فأدخل القاسم خيمة ونادى عوناً وعبّاساً وقال عليّ بالصندوق فأخرج منه ملابس

____________________

(١) أعيان الشيعة: المجلد الثالث ص٥٩٧.

(٢) لئالئ الأخبار: ج ١ ص١٨٥.

١٧٨

الإمام الحسن الشهيد المظلوم ولفّ على رأس القاسم عمامة الحسن(ع) وعقد له على ابنته المسماة له وأفرد له خيمة وأخذ بيد ابنته ووضعها بيد القاسم وخرج عنهما، فأخذ القاسم ينظر بوجه ابنةِ عمّه ويبكي وهي تنظر بوجهه وتبكي وهو يسمع صوت عمّه الحسين(ع) ينادي: واقلّة ناصراه فخرج القاسم وهو يقول لبّيك ياسيّدي فأرجعه الإمام إلى ثلاث مرّات وفي المرّة الأخيرة قال له اذهب إلى أُمّك ودّعها فذهب إليها ولسان حالها:

يا ماي عيني يالولد

رايح كأنك ما ترد

ويّاك إلي حاجة وگصد

ليكون عنّي تغفل

قاسم تناهه وليه اجت

أمّه وعلى فراگه بكت

شمّت خدوده وهلهلت

ما تدري بيه ينقتل

گالله عينك والتمس

منك وكل مطلع شمس

ذكري شبابي والعرس

واللي طلبتيه سهل

أقول: بهذه اللوعة التي يصوّرها الشاعر ودّعت السيّدة رملة ولدها القاسم ليت شعري كيف كان حالها عندما جي‏ء به إلى الخيام محمولاً مضروباً على رأسه لا حراك فيه ولسان الحال:

رملة طلعت تلطم ‏صدرهه ‏بدمع‏ همّال

تنادي‏ يغصن البان عني گوض وشال

ظليت حرمه بلا ولي من غير رجال

وصارت الضجّه في خدور الهاشميه

* * *

١٧٩

وصلت لعدقاسم ‏او منها الگلب‏ مهموم

صاحت ييمّه ياشباب المات محروم

مرمي ‏على‏ الرّمض او متخضّب‏ بالدموم

لبكي على فرگاك كل صبح ومسيه

* * *

يبني ما ذكرت أُمّك وحنيت

تركتني امن انطبگ ظهري وحنيت

يقاسم خضّبت شيبي وحنيت

بدمك ياشباب الغاضريّة

* * *

بنيّ في لوعةٍ خلّفت والدةً

ترعى نجوم‏الدّجى في‏الليل بالسهرِ

لاحول ولا قوة إلا باللَّه العليّ العظيم

وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلبٍ ينقلبون والعاقبة للمتقين

١٨٠