المجالس الحسنة في مناسبات السَّنَة

المجالس الحسنة في مناسبات السَّنَة0%

المجالس الحسنة في مناسبات السَّنَة مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 343

المجالس الحسنة في مناسبات السَّنَة

مؤلف: السيد أحمد الحكيم
تصنيف:

الصفحات: 343
المشاهدات: 39536
تحميل: 2545

توضيحات:

المجالس الحسنة في مناسبات السَّنَة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 343 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 39536 / تحميل: 2545
الحجم الحجم الحجم
المجالس الحسنة في مناسبات السَّنَة

المجالس الحسنة في مناسبات السَّنَة

مؤلف:
العربية

أقول: انظر بعين البصيرة إلى تفاني أنصار أبي عبداللَّه الحسين: في نصرته والذّب عنه بحيث قدّموا نصرته على حياتهم، وعيالهم، وأولادهم وهم يعلمون يقيناً أنهم لن يقابلوا جيشاً تعدادهُ ثلاثون ألفاً من فرسان المصر وأبطال العرب ممّن مارسوا الحرب وعرفوها، ولكنّها المعرفة، والمحبّة، ونداء الواجب، وأداء الوظيفة والتكليف، ومن هنا صار شهداء الطّف سادات الشهداء، لا يفوقهم سابق، ولا يَلحقهم لاحق قال الشاعر:

نصروا ابنَ بنت نبيّهم طوبى لهم

نالوا بنصرته مراتبَ سامية

قد جاوروه ههنا بقبورهم

وقصورُهم يوم الجزا متحاذية(١)

قال السيد ابن طاووس(ره): قال الرّاوي: وبات الحسين(ع) وأصحابُهُ تلك الليلة ولهم دويٌّ كدويِّ النّحل، ما بين راكعٍ وساجد وقائمٍ وقاعد.

يصفهم المرحوم السيد حيدر الحليّ في احدى روائعه الخالدة:

سِمَةُ العبيدِ من الخشوعِ عليهمُ

للَّهِ إنْ ضمّتهُمُ الأسحارُ(٢)

وروى أبو حمزة الث’ُّمالي عن الإمام زين العابدين(ع) قال: قال عليّ ابن الحسين(ع) كنت مع أبي في الليلةِ التي قُتل في صبيحتها فقال لأصحابه: هذا الليل قد غشيكُمْ فاتّخذوه جُنة، فإنّ القومَ انّما يريدونني ولو

____________________

(١) من قصيدة للمرحوم الشيخ محمّد علي الأعسم(ره).

(٢) الدُّر النَّضيد: ص١٥٨.

٢٢١

قتلوني لم يلتفتوا إليكم وأنتم في حلٍّ وسعة فقالوا: واللَّهِ لا يكون هذا أبداً فقال: انكم تقتلون غداً كلّكم ولا يفلت منكم رجل قالوا: الحمدُ للَّهِ الذي شرّفنا بالقتل معك، ثمّ دع(ع) فقال لهم: ارفعوا رؤوسكم وانظروا فجعلوا ينظرون إلى مواضعهم ومنازلهم من الجنّة وهو يقول لهم: هذا منزلك يافلان، فكان الرّجل منهم بعد ذلك يستقبل الرّماح والسيوف بصدره ووجهِهِ ليصل إلى منزله من الجنّة(١) .

وقال الشيخ المفيد(ره): قال الإمام عليّ بن الحسين(ع): إني لجالسٌ في تلك العشيّة التي قتل أبي في صبيحتها وعندي عمّتي زينب تمرّضني إذ اعتزل أبي في خباء له وعنده جون مولى أبي ذر الغفاري وهو يعالج سيفه ويصلحه وأبي يقول:

يادهرُ أفٍّ لك من خليلِ

كم لك بالإشراقِ والأصيلِ

من صاحبٍ وطالبٍ قتيلِ

والدَّهرُ لا يقنَع بالقليلِ

وانّما الأمرُ إلى الجليل

وكلُّ حيٍّ سالكٌ سبيلِ

فأعادها مرّتين أو ثلاثاً حتى فهمتُها وعرفتُ ما أراد، فخنقّتني العبرة فرددتها ولزمتُ السكوت وعلمتُ أنّ البلاء قد نزل.

وأمّا عمّتي زينب فإنّها سمعت ما سمعت وهي امرأة ومن شأنِ النّساء الرّقّة فلم تملك نفسها أن وثبت تجرُّ ثوبَها حتى انتهت إليه فقالت: واثُكلاه ليت الموتَ أعدمني الحياة، اليوم ماتت أمي فاطمة وأبي علي وأخي الحسن،

____________________

(١) نفس المهموم للمرحوم الشيخ عبّاس القمّي(ره): ص٢٣١.

٢٢٢

ياخليفةَ الماضي. وثِمالَ(١) الباقي، فنظر إليها الحسين(ع) وقال لها: ياأخيّة لا يذهبنّ بحلمك الشيطان، وترقرقت عيناه بالدّموع وقال: لو تُرك القَطا ليلاً لنام ثمّ لطمت وجهها وأهوت إلى جيبها فشقّته وخرّت مغشيةً عليها فقام إليها الإمام الحسين(ع) فصبّ على وجهها الماء وقال لها: ياأختاه تعزّي بعزاء اللَّه واعلمي أنّ أهلَ الأرض يموتون وأنّ أهلَ السّماء لا يبقون وأنّ كلّ شي‏ءٍ هالِكٌ إلّا وجهُ اللَّه الذي خلق الخلق بقدرتِهِ ثمّ قال لها: ياأخيّة إني أقسمتُ عليك فأبرّي قسمي لا تشقّي عليّ جيباً ولا تخمشي عليّ وجهاً، ولا تَدعي بالويل والثبور إذا أنا هلكت - قضيت نحبي -، ثمّ رجع(ع) إلى مكانه، فقام الليل كلّه يصلّي ويستغفر ويدعو ويتضرّع، وقام أصحابُه كذلك يصلّون ويدعون ويستغفرون، فباتوا ولهم دويٌّ كدويِّ النّحل ما بين راكع وساجد وقائم وقاعد، وكذا كانت سجيّةُ الإمام الحسين(ع) في كثرة صلاته وكمال صفاته وكان صلوات اللَّه عليه كما وصفه إبنُه إمامُنا المهدي صلوات اللَّه عليه: للقرآن سنداً، وللأمّةِ عضداً، وفي الطّاعة مجتهداً حافظاً للعهد والميثاق ناكباً عن سبلِ الفسّاق باذلاً للمجهود طويل الرّكوع والسجود زاهداً في الدّنيا زهدَ الرّاحل عنها ناظراً إليها بعين المستوحشين منها.

____________________

(١) الثِّمال ككتاب: الغياث والذي يقوم بأمر قومه، يُقال فلانٌ ثِمالُ قومه أي غياث لهم، وفي حديث أبي طالب(ع) يمدح ابن أخيه رسول اللَّه(ص):

وأبيضَ يُستسقى الغَمامُ بوجهِهِ

ثِمالُ اليتامى عصمةٌ للأرامِلِ

مجمع البحرين: ج ٥ ص٣٣٢.

٢٢٣

وروي أنّه لما كان وقت السّحر خَفِقَ الحسين(ع) برأسه خفقةً ثمّ استيقظ فقال: أتعلمون ما رأيت في منامي الساعة؟ فقالوا: وما الذي رأيت ياابن رسول اللَّه(ص)؟ فقال: رأيت كأنّ كلاباً قد شدّت عليّ لتنهشني وفيها كلبٌ أبقع رأيته أشدّها علي أظنُّ أنّ الذي يتولّى قتلي رجلٌ أبرص من بين هؤلاء القوم(١) .

أقول: وكان ذلك اللعين هو شمر بن ذي الجوشن بعد أن سقط الإمام(ع) على الأرض جريحاً، يقول إمامنا المهدي عجّل اللَّه تعالى فرجه الشريف في الزيارة المرويّة عنه المعروفة ب (زيارة الناحية المقدّسة): فهويت إلى الأرض جريحاً تطؤُكَ الخيولُ بحوافرها وتعلوكَ الطغاةُ ببواترها قد رشحَ للموتِ جبينُكَ واختلفت بالإنقباضِ والإنبساطِ شمالُك ويمينك تُديرُ طرفاً خفيّاً إلى رَحلِكَ وبيتك وقد شُغلتَ بنفسِكَ عن ولدكَ وأهاليك وأسرع فرسُكَ شارداً إلى خيامِكَ قاصداَ محمحماً باكياً فلمّا رأينَ النّساءُ جوادَكَ مخزيّاً وسرجكَ عليه ملويّاً برزنَ من الخدور ناشراتِ الشعور على الخدودِ لاطمات وبالعويلِ داعيات وبعد العزّ مذلّلات(٢) .

يقول المرحوم الكعبي في ذلك:

وأقبلْنَ ربّاتُ الحجالِ وللأسى

تفاصيلُ لا يُحصي لهنَّ مفصِّلُ

فواحدةٌ تحنو عليه تضمُّهُ

وأخرى عليه بالرّداءِ تظلّلُ

وأخرى بفيضِ النّحرِ تصبَغُ وجهها

وأخرى لما قد نالها ليس تعقلُ

____________________

(١) نفس المهموم: ص٢٣٣ - ٢٣٤.

(٢) الصحيفة المهديّة للمرحوم الشيخ إبراهيم بن المحسن الكاشاني١: ص ٢١٣ - ٢١٤.

٢٢٤

وأخرى على خوفٍ تلوذُ بجنبِهِ

وأخرى تفدّيه وأخرى تقبّلُ

تكفّ الدّما عنهُ وتهملُ مثلها

دموعاً فلم تبرح تكفّ وتُهملُ

وجاءت لشمرٍ زينبُ ابنةُ فاطمٍ

تعنّفُهُ عن أمرِهِ وتعذّلُ

تقولُ له مهلاً فهذا ابنُ أحمدٍ

وشبلُ عليِّ المرتضى المتفضِّلُ

إلى أن يقول عزّ على المؤمنين والمؤمنات:

ومرّ يحزّ النّحرَ غيرَ مراقِبٍ

من اللَّهِ لا يخشى ولا يتوجّلُ

وزُلزلتِ الأرضونَ وارتجّت السما

وكادت له أفلاكها تتعطّلُ

واحسيناه واسيّداه واشهيداه..

ولسان حال اُخته العقيلة:

يخويه بيش أضمّك وين أودّيك

يخوية اشلون أصد عنّك وخليّك

تراني تحيّرت يامهجتي بيك

يخوية بيش أظلّلك امن الحر

هوت يمّه تشم كسر البضلعه

أخويه الماطبع يشبه الطبعه

غابت روحه وفزّت تودعه

اولن راسه ابراس الرّمح مزهر

* * *

لمـّن شافته صفگت بديها

اوشگت ثوبها ويلي عليها

ما تنلام من شافت وليها

فوگ الرّمح راسه يلوح بالبر(١)

* * *

____________________

(١) من النّصاريات الخالدة للمرحوم الشيخ محمّد نصار(ره).

٢٢٥

طأطِئوا الروسَ إنّ رأسَ حسينٍ

رفعتهُ فوق القَنا الخَطّار

لا تذوقوا المعينَ واقضوا ضمايا

بعد ظامٍ قضى بحدِّ الغِرار(١)

لاحول ولا قوة إلّا باللَّه العليّ العظيم

وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلبٍ ينقلبون والعاقبة للمتقين

____________________

(١) من قصيدة للمرحوم الشيخ عبدالحسين شكر العراقي(ره) والغِرار: هو حدُّ السّيف.

٢٢٦

يوم العاشرالمجلس الثاني والعشرون

مقتل الإمامِ الحسينعليه‌السلام

من ذا يقدّمُ لي الجوادَ ولامتي

والصَّحْبُ صرعى والنصيرُ قليلُ

فأتتهُ زينبُ بالجوادِ تقودُهُ

والدّمعُ من ذكرِ الفراقِ يسيلُ

وتقولُ قد قطّعتَ قلبي يا أخي

حُزناً فياليتَ الجبالَ تزولُ

فلمن تنادي والحماةُ على الثرى

صرعى ومنهم لا يُبلُّ غليلُ

ما في الخيامِ وقد تفانى أهلُها

إلّا نساءٌ ولَّهٌ وعليلُ

أرأيتَ أختاً قدّمت لشقيقها

فرسَ المنونِ ولا حمىً وكفيلُ

فتبادرت منه الدّموعُ وقال يا

أختاهُ صبراً فالمصابُ جليلُ

فبكت وقالت يابن أمّي ليس لي

وعليكَ ما الصّبرُ الجميلُ جميلُ

يا نورَ عيني يا حُشاشةَ مهجتي

من للنساءِ الضّائعاتِ دليلُ

ورنت إلى نحوِ الخيامِ بعولةٍ

عظمى تصبُّ الدّمعَ وهي تقولُ

قوموا إلى التوديعِ إنّ أخي دعا

بجوادِهِ إنّ الفراقَ طويلُ

فخرجنَ ربّاتُ الخدورِ عواثراً

وغدا لها حولَ الحسينِ عويلُ

اللَّه ما حالُ العليلِ وقد رأى

تلكَ المدامعَ للوداعِ تسيلُ

فيقومُ طوراً ثمّ يبكو تارةً

وعراهُ من ذكرِ الوداعِ نحولُ

فغدا ينادي والدّموعُ بوادرٌ

هل للوصولِ إلى الحسينِ سبيلُ

هذا أبيُّ الضّيم ينعى نفسَه

يا ليتني دونَ الأبيِّ قتيلُ(١)

* * *

____________________

(١) قصيدة عصماء من نظم المرحوم الشيخ محمّد نصّار(ره) أدب الطف ج٧ ص٢٣٢، وقد تقدّمت ترجمتُهُ ص٣٤.

٢٢٧

قال الامام الحسين(ع) يوم العاشر من المحرّم في ضمن خطبةٍ له:

(ألا وإنّ الدّعيَّ بنَ الدّعي قد ركز بين اثنتين بين السلّةِ والذلّة وهيهاتَ منّا الذلّة يأبى اللهُ لنا ذلك ورسولُهُ والمؤمنون، وحجورٌ طابت وطهُرت، وأنوفٌ حميَّة، ونفوسٌ أبيّة، من أن نؤثر طاعةَ اللئام على مصارعِ الكرام، ألا وإنّي زاحفٌ بهذه الأسرة على قلّةِ العدد وخذلانِ النّاصِر)(١) .

قال الشيخ المفيد(ره) في (مسار الشّيعة):

في اليوم العاشر من المحرّم قُتِلَ سيّدُنا أبو عبداللَّه الحسين بن علي(ع) سنة ٦١ إحدى وستين من الهجرة، وهو يومٌ تتجدّد فيه أحزانُ محمّدٍ وآل‏محمّد(ص) وشيعتهم، وجاءت الرّوايةُ عن (الأئمّة) الصّادقين: باجتناب الملاذ فيه، وإقامةِ سنن المصائب، والإمساك عن الطّعام والشّراب إلى أن تزول الشّمس، والتغذّي بعد ذلك بما يتغذّى أصحابُ المصائب من الألبان وأشباهها دون اللذيذ من الطّعام والشّراب، ويستحبّ فيه زيارة المشاهد، والإكثار من الصلاة على محمّدٍ وآله(ص)، والابتهالِ إلى اللهِ تعالى باللعنةِ على أعدائهم وظالميهم.

ورُويَ من زار قبرَ الحسين(ع) يوم عاشوراء فكأنّما زار اللَّهَ في عرشه، ورويَ من زاره وبات عنده ليلة عاشوراء حتى يُصبح حشره للَّه تعالى ملطّخاً بدم الحسين(ع) في جملة الشهداء معه، ورويَ أنّه من أراد أن يقضي حقّ رسولِ اللَّه(ص) وحق أمير المؤمنين وفاطمة والحسن

____________________

(١) إبصارُ العين للمرحوم الشيخ محمّد السَّماوي ص١١.

٢٢٨

والحسين: فليزر قبر الحسين(ع) في يوم عاشوراء(١) .

فاللازم على الموالي المتأسّي بالنبيِّ الأعظم(ص) الباكي على ولدِهِ بمجرّد تذكر مصابه أن يقيم المأتم على سيّد الشهداء ويأمر مَن في دارِهِ بالبكاء عليه وليعزّ بعضهم بعضاً بالحسين(ع) فيقول كما في حديث الإمام الباقر(ع): (عظّمَ اللَّهُ أجورَنا بمصابِنا بالحسين وجعلنا وإيّاكم من الطالبين بثأرِهِ مع ولدِهِ المهديّ من آلِ محمّد(ص))(٢) .

وفي الحديث أنه دخل عبداللَّه بن سنان على أبي عبداللَّه الصادق: في يوم عاشوراء فرآه كاسف اللون، ظاهر الحزن، ودموعه تنحدر على خدّيه كاللؤلؤ فقال له: مِمَّ بكاؤكَ يابن رسول اللَّه قال(ع): (أوَ في غفلةٍ أنت، أما علمت أنّ الحسين أُصيب في هذا اليوم ثمّ أمرَهُ أن يكون كهيئة أرباب المصائب يحلّل أزرارَهُ، ويكشف عن ذراعيه ويكون حاسراً، ولا يصوم يوماً كاملاً وليكن الإفطار بعد العصر بساعة على شربةٍ من ماء ففي ذلك الوقت تجلّت الهيجاء عن آلِ محمّد(ص)) ثمّ قال(ع): (لو كان رسول اللَّه حيّاً لكان هو المعزّى به).

وأما الإمام الكاظم(ع) فلم يُر ضاحكاً أيام العشرة وكانت الكآبةُ غالبةً عليه ويوم العاشر يوم حزنه ومصيبته.

ويقول الإمام الرّض(ع): (فعلى مثل الحسين فليبكِ الباكون، إنّ يوم الحسين أقرح جفوننا وأذلّ عزيزَنا بأرض كربٍ وبلاء).

____________________

(١) مسار الشيعة: ص٢٤ - ٢٥.

(٢) كامل الزيارات: ص٣٢٦ طبعة مؤسسة النشر الإسلامي.

٢٢٩

وفي زيارة الناحية يقول حجّةُ آلِ محمّد عجّل اللَّه تعالى فرجَه الشريف مخاطباً جدّه الحسين: (فلأندبنكَ صباحاً ومساءاً ولأبكينّ عليك بدلَ الدّموعِ دماً)(١) .

وقال الشيخ القمّيرحمه‌الله تعالى في (مفاتيح الجنان): (وينبغي للشيعة أن يمسكوا فيه عن السّعي في حوائج دنياهم وأن لا يدخروا فيه شيئاً لمنازلهم وأن يتفرّغوا فيه للبكاء والنّياح وذكر المصائب وأن يقيموا مأتم الحسين(ع) كما يقيمونه لأعزّ أولادهم وأقاربهم)(٢) .

وها نحن نذكر هنا مصائب الإمام الحسين(ع) وما جرى عليه بعد أن قُتل أصحابُه وأهل بيته وبقي وحيداً لا ناصر له ولا معين قال الراوي: ثمّ أنّ الحسين(ع) لما نظرَ إلى مصارع أنصارِه وأهلِ بيته والتفت يميناً فلم يرَ أحداً، والتفت شمالاً فلم يرَ أحداً، استعبر واستغاث استغاثته الثانية ونادى: (هل من ذابٍ يذبّ عن حُرَمِ(٣) رسول اللَّه؟ هل من موحّدٍ يخاف اللَّه فينا؟ هل من مغيثٍ يرجو اللَّهَ في إغاثتنا؟) فلم يجبه سوى الإمام زين العابدين(ع) فمنعتهُ أمّ كلثوم لما بِهِ من المرض فقال: دعيني ياعمتاه أقاتلُ بين يدي ابن رسول اللَّه فصاح الإمام الحسين(ع): (خذيه ياأختاه لئلّا تبقى الأرض خاليةً من نسل آل محمّد(ص)

ثمّ عزم على لقاءِ القوم بنفسِهِ فجاء إلى الخيام للتوديع ثاني مرّة فنادى:

____________________

(١) مقتل المقرّم: ص٢٧٣ - ٢٧٤.

(٢) مفاتيح الجنان للمرحوم الشيخ عباس القمّي: ص٢٨٨.

(٣) حُرَم رسول اللَّه: ما لا يجوز انتهاكُهُ.

٢٣٠

(يا زينب، ياأم كلثوم، ياسكينة، يا فاطمة عليكنّ مني السلام) ثمّ جعل يوصيهنّ بالصّبر والسكينة والتسليم لقضاءِ اللَّه.

وقال لهنّ: (استعدّوا للبلاء، واعلموا أنّ اللَّهَ حافظُكُم وحاميكم، وسينجّيكم من شرّ الأعداء، ويعذّب أعداءكم بأنواع العذاب، ويعوّضكم عن هذه البليّة بأنواع النّعَم والكرامة، فلا تشكّوا، ولا تقولوا بألسنتكم ما يُنقصُ من قدركم ويحبط أجركم).

قال أرباب المقاتل: انه حين بقي وحيداً وتقدّم للحرب صار يتقدّم إليه من جندِ ابن سعد من صناديد الأبطال وفرسان الرّجال واحدٌ بعد واحد فيقتله(ع)، فصاح عمر بن سعد بأصحابه: الويلُ لكم أتدرون لمن تقاتلون؟ هذا ابن الأنزع البطين، هذا ابن قتّال العرب، فاحملوا عليه بأجمعكم حملة رجلٍ واحد.

فحملوا عليه من كلّ جانب حتى جعلوه في مثل الدائرة وهو(ع) يغوص في الأوساط ويقلب الميمنة على الميسرة حتى قتل عامّتهم، وأقام قيامتهم، ولم يزل يقتلُ في كلّ حملةٍ جملة، وفي كلّ كرّةٍ كثرة، وفي كلّ زحوفٍ اُلوف.

قال حميد بن مسلم: فواللَّهِ ما رأيتُ مكثوراً قطّ قد قُتِلُ ولدُهُ وأصحابُهُ أربطَ جأشاً ولا أمضى جَناناً ولا أشدّ إقداماً منه قط، وإن كانت الرجال لتشدّ عليه فيشدّ عليها بسيفه فتنكشف عنه انكشاف المعزى إذا شدّ فيها الذّئب ولقد كان يحملُ فيهم وقد تكاملوا ثلاثين ألفاً فينهزمون من بين يديه كأنّهم الجراد المنتشر.

وكان(ع) يقاتلُ في كلّ برهة فارساً على فرسه (المرتجز) واُخرى

٢٣١

على غيره، ولكنّ الظاهر أن الحجرَ المشؤوم والسّهمَ المسموم ذي الثلاث شعب وطعنة صالح بن وهب أوجبت في وجوده المقدّس ما لا يستطيع القلمُ أن يسطّره ولا اللسان أن يذكره، ولكن لما خلا سرجُ ذي الجناح من هيكل الوحي والتنزيل، أو فقل هوى على الأرض عرش الملك الجليل جعل(ع) يقاتل وهو راجل قتالاً أقعد الفوارس وأرعد الفرائص وأذهل عقولَ فرسان العرب، قال ابن الأثير(١) :

قاتل (ع) راجلاً قتال الفارس الشجاع يتّقي الرمية، ويتفرّس العودة ويشدّ على الخيل وهو يقول: (ويحكم أعلى قتلي تجتمعون؟!) ثمّ يرجع إلى مركزه وهو يقول: (لا حول ولا قوّة إلّا باللَّه العليّ العظيم).

قال العلّامة المجلسيرحمه‌الله في البحار:

ثمّ حمل عليهم كالليث المغضب فجعل لا يلحقُ أحداً إلّا بعجه بسيفه فقتله، والسهامُ تأخذُهُ من كلّ ناحية وهو يتّقيها بنحره وصدرِه ويقول: (ياأُمّة السوء بئسما خلفتهم نبيّكم محمّداً في عترته).

ولم يزل(ع) على هذا وأمثاله حتى اقتطعوه وحالوا بينه وبين رَحْلِه فصاح: (ويحكم ياشيعة آل أبي سفيان إن لم يكن لكم دين وكنتم لاتخافون المعاد، فكونوا أحراراً في دنياكم، وارجعوا إلى أحسابكم وأنسابكم إن كنتم عرباً كما تزعمون) فناداه شمر: ما تقول يابن فاطمة؟

قال: (أقول أنا الذي اُقاتلكم وتقاتلوني والنساء ليس عليهنّ جناح، فامنعوا عتاتكم عن التعرّض لحُرَمي ما دمتُ حيّ).

____________________

(١) الكامل في التأريخ ج٤ ص٧٨، طبعة دار صادر بيروت.

٢٣٢

فقال الشمر: لك ذلك يابن فاطمة ثمّ قال: اقصدوه بنفسه فلعمري لهو كفؤٌ كريم، ثمّ جعل يحملُ ويحملون عليه وهو في ذلك يطلب شربة من الماء ويتلظّى كبدُه من الظمأ، ويلوك لسانه من شدّة العطش وقد صار كالخشبة اليابسة.

ثمّ لما اشتدّ به الاعياء والعناء، وضعف عن القتال وقف ليستريح هنيئة ولكنّ طعنة سنان ابن أنس وضربة سيف بن زرعة لم يتمكن الإمام معهما حتى من الوقوف على الأرض وكان قد أعيا فقعد.

وبينا هو (ع) جالس على الرّمضاء خرج من الخيام غلامٌ كأنّ وجهَهُ فلقةُ قمر، وفي أذنيه قرطان يتذبذبان، فجعل يعدو ويركض حتى جاء إلى عمّه الحسين(ع)، وكأنه لما رأى عمّه (على) تلك الحال والدماءُ تسيلُ من جميع جوانبِه وجوارِحِه أُدهِشَ وذهل، وبينا هو واقف ينظر إلى عمّه مبهوتاً أهوى بحرُ بن كعب إلى الحسين(ع) بسيفه ليضربه، فقال له الغلام، أتضرب عمّي؟ يابن الخبيثة، فعدل بضربته إلى الغلام فأصابت يده فأطنّها من المرفق وإذا هي معلّقة، فصاح الغلام، واعمّاه فأخذه عمُّه وضمّه إليه وأجلسه في حجره، فرماه حرملةُ بن كاهل فذبحه وهو في حجر عمّه فاحتسبه عند اللَّه وقال: (هوّنَ عليّ ما نزل بي أنّه بعين اللَّه)، ثمّ انتهى به الحال(ع) أنه من كثرة نزف الدماء، ومن شدّة العطش، ومن حرارة الشمس ولفح الهجير، وترادف المصائب والرزايا لم يتمكّن حتى البقاء جالساً على الأرض فصنع له وسادةً من الرّمل ونام عليها قال بن شهرآشوب:

لمـّا صرع الحسين(ع) جعل فرسُهُ يحامي عنه، فيثب على الفارس

٢٣٣

فيخبطه على سرجه ويدوسه برجله، حتى قتل جماعة، ثمّ تمرّغ في دم الحسين(ع) ثمّ قصد الخيمة وله صهيلٌ عال، وهو يضرب بيديه الأرض ويقول في صهيله:

الظليمةُ الظليمة من أمّةٍ قتلت ابن بنت نبيّها!!

قال: فخرجت زينب بنت علي(ع) من الفسطاط تنادي:

واأخاه، واسيّداه، ليت السماءَ اُطبقت على الأرض وليت الجبال تدكدكت على السّهل، يابن سعد أيقتلُ أبو عبداللَّه وأنت تنظر إليه؟!

فصرف وجهَهُ الخبيث عنها ودموعُهُ تسيلُ على لحيته المشؤومة، والحسين في كلّ ذلك مغمىً عليه، تحاماه الناس(١) .

ثمّ نادى عمر بن سعد: أما فيكم من يذبحُ الحسين ويأتيني برأسه؟ فبدر إليه الشمر فرفسه برجله وجلس على صدره، وقبض على شيبته المقدّسة، وضربه بالسيف اثنتي عشرة ضربة واحتزّ رأسه المقدّس:

واإماماه، واسيّداه، واحسيناه، وامظلوماه

ومرَّ يحزُّ النّحرَ غيرَ مراقبٍ

من اللَّهِ لا يخشى ولا يتوجّلُ

وزُلزلت الأرضونَ وارتجّت السّما

وكادت له أفلاكُها تتعطّلُ(٢)

لاحول ولا قوة إلّا باللَّه العليّ العظيم

وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلبٍ ينقلبون والعاقبة للمتقين

____________________

(١) إلى هنا نقلته عن (مقتل الحسين(ع)) للمرحوم آية اللَّه الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء١، تحقيق الخطيب فضيلة الشيخ هادي الهلالي.

(٢) من قصيدة عصماء للمرحوم الشيخ هاشم الكعبي.

٢٣٤

يوم الثالث عشر المجلس الثالث والعشرون

دفنُ الأجساد الطّاهرة

لم أنسَهُ اذ قام فيهم خاطباً

فاذا هُمُ لا يملكون خطابا

يدعو ألستُ أنا ابنَ بنتِ نبيّكم

وملاذَكم إذْ صرفُ دهرٍ نابا

هل جئتُ في دينِ النبيِّ ببدعةٍ

أم كنتُ في أحكامِهِ مرتابا

أم لم يوصِّ بنا النبيُّ وأودعُ

الثّقلين فيكم عترةً وكتابا

إن لم تَدينوا بالمعادِ فراجعوا

أحسابَكم ان كنتُمُ أعرابا

فغدوا حيارى لا يرونَ لوعظه

إلّا الأسنّةَ والسّهام جوابا

حتى إذا أَسِفَتْ علوجُ أميّةٍ

أن لا ترى قلبَ النبيِّ مصابا

صلّت على جسمِ الحسين سيوفُهم

فغدى لساجدةِ الظُّبى محرابا

ومضى لهيفاً لم يجد غيرَ القنا

ظِلاً ولا غيرَ النجيعِ شرابا

ظمآنَ ذابَ فؤادُهُ من غُلّةٍ

لو مَسّت الصخرَ الأصمَّ لذابا

لهفي لجسمكَ في الصعيد مجرّداً

عُريانَ تكسوهُ الدّماءُ ثيابا

تربَ الجبين وعينُ كلِّ موحّدٍ

ودّت لجسمك لو تكون تُرابا

لهفي لرأسِكَ فوق مسلوبِ القنا

يكسوهُ من أنوارِهِ جلبابا

يتلو الكتابَ على السّنانِ وإنما

رفعوا بِهِ فوقَ السنانِ كتابا(١)

____________________

(١) القصيدة العصماء هذه للمرحوم السيد رضا الموسوي الهنديرحمه‌الله تعالى.

قال المرحوم السيد جواد شبر في (أدب الطف) الجزء التاسع ص٢٤٢:

السيد رضا الهندي شيخ الأدب في العراق، العالم الجليل والمؤرّخ والبحّاثة الشّهير هو ابن

٢٣٥

نعي

ثلث تيام ظل مطروح الحسين

على الرّمضا وهو عزّ المسلمين

وحوله مطرّحه كل هله الطيبين

واصحابه الصناديد الميامين

جثث مله عشيره ولاله معين

بس زينب بگت تصفگ بالايدين

وتهيل دموعه دم على الخدّين

وتصيح بألم وبلوعات صوتين

صوتٍ يا علي يالبالغريين

وصوتٍ ياليوث الهاشميين

____________________

السيد محمد بن السيد هاشم الموسوي الهندي - ينتهي نسبُهُ إلى الإمام العاشر من أئمة أهل البيت: وهو الإمام الهادي(ع) -.

ولد(ره) في الثامن من شهر ذي القعدة سنة ١٢٩٠ه في (النجف الأشرف)، وهاجر إلى سامراء بهجرةِ أبيه سنة ١٢٩٨ه وذلك حين اجتاح النجف وباءُ الطاعون، ومكث يواصل دروسه في سامراء، وكان موضع عناية آية اللَّه المجدّد الشيرازي لذكائه وسرعة بديهتِهِ وسعة اطلاعه، وفي النجف الأشرف واصل جهوده العلمية على أساطين العلم حتى نال درجة الاجتهاد، وشهد له مراجع الطائفة كالشيخ محمد حسن صاحب الجواهر، والشيخ الشربياني والملا محمد كاظم الخراساني (صاحب الكفاية)، وقد انتدبه المرحوم السيد أبو الحسن الأصفهاني (وكيلاً) عنه للإرشاد.

ومن روائعه التي اشتهرت وحفظها القاصي والدّاني قصيدته (الكوثرية) في مدح أمير المؤمنين(ع).

وأما الرّائعة التي ختم بها حياته وطلب أن تكون معَهُ في قبره فهي هذه القطعة الوعظية (ومطلعُها):

أرى عمري مؤذَناً بالذّهابِ

تمرُّ لياليه مرَّ السَّحابِ

كانت وفاتُهُ بالمشخاب فجأةً وذلك بعد ظهر يوم الأربعاء ٢٢ جمادى الأولى سنة ١٣٦٢ه المصادف ٢٦ مارس سنة ١٩٤٣م وحمل جثمانه على الأعناق إلى قضاء أبي صخير فالنجف في صبيحة اليوم الثاني وكان يوماً مشهوداً حتى دفن بمقبرة الأسرة الخاصّة، وأقام زعيم الحوزة العلمية السيد أبو الحسن الفاتحة على روحه في مسجد الشيخ الأنصاري(ره).

٢٣٦

تعالوا يا أهلنه ودفنوا الحسين

وشوفوا شعمل بينه خلافه البين

* * *

روي ان الامام الحسين(ع) كان كثيراً ما ينشدُ هذه الأبيات:

لئن كانت الأفعالُ يوماً لأهلها

كمالاً فحسنُ الخُلْقِ أبهى وأكملُ

وإن كانت الأرزاقُ رزقاً مقدّراً

فقلّةُ جُهدٍ المرءِ في الكسب أجمَلُ

وإن كانت الدنيا تُعَدُّ نفيسةً

فدارُ ثوابِ اللَّه أعلى وأنبلُ

وإن كانت الأموالُ للتركِ جمعُها

فما بالُ متروكٍ به المرءُ يبخلُ

وإن كانت الأبدانُ للموتِ اُنشِئت

فقتلُ امرئٍ بالسيفِ في اللَّهِ أفضلُ(١)

تعرّض الامام(ع) في هذه الأبيات لذكر مجموعةٍ من المفاهيم التي يحتاجُها الانسان المسلم في حياته اشدّ الإحتياج، وسأبدأُ - بعد الإستعانة باللَّه - بشرحها ولو على نحو الإختصار.

البيت الأول: ذكر فيه الامام الحسين(ع) أفعال الإنسان وأنّ أكملها وأبهاها هو حسن الأخلاق، وقد ذكر القرآنُ الكريم ذلك في معرض مدح رسول اللَّه(ص) حيث قال تعالى:( وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) (٢) مع أنّ النبيّ(ص) كان عظيماً في كلّ خصاله لا يدانيه فيها أحد من الخلق، إلّا أنّه تعالى خصّ فيه هذه الخصلة الشريفة بالذكر، ووصفها ب (خُلُقٍ عظيم) لأنها أكملُ الأفعال وأحسن الخصال، وقد حفلت السنّةُ الشريفة بأحاديث جمّة

____________________

(١) الأنوار البهيّة للمرحوم الشيخ عبّاس القمّي: ص٩٨.

(٢) سورة القلم: الآية ٤.

٢٣٧

تثني وتبشّر صاحب الخلق الحسن بسعادة الدّارين منها على سبيل المثال:

عن النبيّ(ص): (ما يوضع في ميزان امرئٍ يوم القيامة أفضلُ من حسن الخُلُق)(١) . وأفضل في هذا الحديث الشريف بمعنى أثوب.

وعن الإمام الصادق(ع) عن جدّه رسول اللَّه(ص) قال: (إنّ صاحبَ الخُلُقِ الحسن له مثلُ أجرِ الصّائم القائم)(٢) .

يعني أنّ ثواب صاحب الأخلاق الحَسنة، كثوابِ المؤمن الذي يصوم نهارَه، ويقوم ليلَه ما دامَ حيّاً.

وسئل النبيّ(ص): أيُّ الأعمال أفضل؟ قال: (حسنُ الخلق)(٣) .

وقال(ص): (أكثر ما تلجُ - اي تدخل - به أمّتي الجنة تقوى اللَّه وحسنُ الخلق، يعمران الديار ويزيدان في الأعمار)(٤) .

وفي الكافي عن الامام أبي جعفر محمّد بن علي الباقر(ع) قال: (إنّ أكملَ المؤمنين إيماناً أحسنُهم خلقاً)(٥) .

وعن الامام أبي عبداللَّه جعفر بن محمّد الصادق(ع) قال: (ما يتقدّم المؤمنُ على اللَّه عزّوجلّ بعملٍ بعد الفرائض أحبُّ إلى اللَّه تعالى من أن يسع الناس بخلقه)(٦) .

____________________

(١) الأخلاق للمرحوم السيد عبداللَّه شبّر: ص٥.

(٢) المصدر السابق.

(٣) المصدر السابق: ص٥ و ٦.

(٤) المصدر السابق.

(٥) المصدر السابق.

(٦) المصدر السابق نفسه.

٢٣٨

البيت الثاني: ذكر فيه الامامُ(ع) رزق اللَّه تعالى لعباده، وأكد أن الرزق مقدّرٌ فلا تصرفوا الوقت كلّه في طلبه، وانما أجملوا فيه. روي عن النبيّ(ص) قال: (اقتصدوا في الطلب فإنّ ما رُزقتموه أشدُّ طلباً لكم منكم له، وما حُرمتموه فلن تنالوه ولو حرصتم)(١) .

وقد ورد الحثّ على التكسّب في القرآن الكريم والسنّة الشريفة.

فأما القرآن الكريم فكقوله تعالى:( فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاة فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) (٢) .

وقوله تعالى:( هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ) (٣) .

وأما السنّة الشريفة فكثيرٌ منها:

عن النبيّ(ص) قال: (من طلب الدنيا حلالاً تعفّفاً عن المسألة، وتوسيعاً على عياله، وتعطّفاً على جاره لقيَ اللَّهَ ووجهُهُ كالقمر ليلة البدر)(٤) .

وعن الامام الصادق(ع) قال: (الكادُّ على عيالِهِ كالمجاهد في سبيل اللَّه)(٥) .

وروي أنّ النبيّ عيسى على نبيّنا وآله وعليه‌السلام رأى رجلاً فقال له: ما تصنع؟ فقال: أتعبّد قال: ومَنْ يعولُكَ؟ قال: أخي قال: أخوك أعبدُ منك(٦) .

____________________

(١) نور الحقيقة للشيخ عز الدين الحسين بن عبد الصّمد والد الشيخ البهائي: ص١٥٨.

(٢) الجمعة: الآية ١٠.

(٣) الملك: الآية ١٥.

(٤) المحجّة البيضاء ج٣ ص١٤٠.

(٥) المحجّة البيضاء ج٣ ص١٤٣.

(٦) المحجّة البيضاء ج٣ ص١٤١.

٢٣٩

وعن أبي حمزة الثمالي عن الامام أبي جعفر الباقر(ع) قال: قال رسول اللَّه(ص) في حجّة الوداع: ألا إنّ الروح الآمين نفث في رُوعي أنّه لا تموت نفسٌ حتى تستكمل رزقها فاتّقوا اللَّه عزّوجلّ وأجملوا في الطّلب ولا يحملنّكم استبطاءُ شي‏ءٍ من الرزق أن تطلبوه بشي‏ءٍ من معصيةٍ اللَّه عزّوجلّ فإنّ اللَّه تبارك وتعالى قسّم الأرزاق بين خلقه حلالاً ولم يقسّمها حراماً، فمن اتقى اللَّه عزّوجلّ وصبر أتاه اللَّه برزقه من حلِّه، ومن هتك حجابَ السّتر وعجّل فأخذ من غير حلّه قُصّ به من رزقه الحلال وحوسب عليه يوم القيامة(١) .

أقول: أمر النبيّ(ص) في كلامه الشريف هذا بالإجمالِ في طلب الرزق، ولم يقل اتركوا الرزق، ولا اصرفوا وقتكم وجهدكم كلّه فيه، بل أَمَرَ بالإجمال فيه.

وفي الكافي عن أبي عبداللَّه الصادق(ع) قال: (إنّ محمّد بن المنكدر كان يقول: ما كنت أرى أنّ عليّ بن الحسين(ع) يَدَعُ خَلَفاً أفضَلَ منه حتى رأيت ابنَهُ محمّد بن علي(ع) فأردتُ أن أعظه فوعظني فقال له أصحابُهُ: بأيّ شي‏ء وعظك؟ قال: خرجت إلى بعض نواحي المدينة في ساعة حارّة فلقيني أبوجعفر محمّد بن علي - الباقر - (ع) وهو متكئ على غلامين أسودين فقلت في نفسي: سبحان اللَّه شيخٌ من أشياخ قريش في هذه الساعة على هذه الحال في طلب الدنيا أما لأعظنّه، فدنوت منه فسلّمت عليه فردّ

____________________

(١) المحجة البيضاء ج٣ ص١٤٢.

٢٤٠