المجالس الحسنة في مناسبات السَّنَة

المجالس الحسنة في مناسبات السَّنَة0%

المجالس الحسنة في مناسبات السَّنَة مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 343

المجالس الحسنة في مناسبات السَّنَة

مؤلف: السيد أحمد الحكيم
تصنيف:

الصفحات: 343
المشاهدات: 38845
تحميل: 2383

توضيحات:

المجالس الحسنة في مناسبات السَّنَة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 343 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 38845 / تحميل: 2383
الحجم الحجم الحجم
المجالس الحسنة في مناسبات السَّنَة

المجالس الحسنة في مناسبات السَّنَة

مؤلف:
العربية

قيل: هم محصورون في المسجد فقال: لا واللَّهِ ما هذا لمن بايعنا بعذر؟ ثمّ تحرّك زيد بمن معه حتى وصل إلى (جبانة الصيّادين) وبها خمسمائة من أهل الشام فحمل عليهم زيد في أصحابه فهزمهم ثمّ مضى حتى انتهى إلى (الكناسة) فحمل على جماعةٍ من أهل الشام فهزمهم، ثمّ إنّ زيد(ع) أخذ ذات اليمين على (مصلّى خالد بن عبداللَّه) حتى دخل وسط الكوفة فطلع عليهم أهل الشام فلمّا رآهم زيد دخل ومن معَهُ في الأزقة فالتفت زيد إلى نصر بن خزيمة قائلاً له: أتخاف أهل الكوفة أن يكونوا فعلوها حسينية؟ قال: جعلني اللَّه فداك أمّا أنا فواللَّهِ لأضربنّ بسيفى هذا معك حتى أموت.

ثمّ خرج بهم زيد يقودهم نحو المسجد فخرج إليه عبيد اللَّه بن العباس الكندي في أهل الشام فالتقوا على باب (عمر بن سعد) فانهزم عبيداللَّه بن العباس وأصحابه وتبعهم زيد(ع) حتى انتهوا إلى باب الفيل ثمّ بعث يوسف ابن عمر (وهو والي‏العراق من قبل بني أمية) الريان بن سلمة في خيل إلى دار الرزق فقاتلوا زيداً قتالاً شديداً، وسقط من أهل الشام جرحى كثيرة فرجع أهل الشام مساء الأربعاء وهم بأسوأ حال.

فلمّا كان غداة يوم الخميس دعى يوسف بن عمر العباسَ بن سعد المرّي صاحبَ شرطته وضمَّ إليه أهلَ الشام فسار بهم حتى انتهوا إلى زيد في دار الرزق، فخرج إليهم زيد(ع) وعلى مجنبته (على يمينه وشماله) نصر ابن خزيمة ومعاوية بن إسحاق فاقتتلوا قتالاً شديداً في المعركة وقتل فيها نصر بن خزيمة رحمه ‌الله تعالى.

قال سعيد بن خيثم: وكنا مع زيد في خمسمائة وأهلُ الشام اثنا عشر ألفاً

٢٨١

- وكان قد بايع زيداً أكثر من اثني عشر ألفاً فغدروا - إذ انفصل من أهل الشام رجلٌ على فرسٍ له وأخذ يشتم فاطمة الزهراء بنت رسول اللَّه(ص) وسمعه زيد فجعل يبكي حتى ابتلت لحيتُهُ وجعل يقول: أما أحدٌ يغضب لفاطمة بنت رسول اللَّه(ص)؟ أما أحدٌ يغضب للَّه؟ ثمّ تحوّل الشامي عن فرسه فركب بغلة قال: وكان الناس فرقتين نظاره ومقاتلة قال سعيد فجئت إلى رجلٍ فأخذتُ منه مشملاً(١) كان معه ثمّ استترت من خلف النظارة حتى إذا صرتُ من ورائه ضربت عنقه وأنا متمكنٌ منه بالمشمل فوقع رأسُهُ بين يدي بغلته ثمّ رميت جيفته - جثته - عن السرج فكبّر أصحاب زيد وحملوا فاستنقذوني من أيد الأعداء فأتيت زيد(ع) فجعل يقبّل بين عيني ويقول: أدركت واللَّه ثأرنا، أدركت واللَّهِ شرفَ الدنيا والآخرة وذخرها، قال: وجعلت خيل أهل الشام لا تثبت لخيلِ زيد بن علي(ع) فبعث العباس بن سعد إلى يوسف بن عمر يعلمه ما يلقى من الزيدية وسأله أن يبعث إليه النّاشبة(٢) ، فبعث إليه الرّماة فجعلوا يرمون أصحاب زيد، وقاتل معاوية بن إسحاق الأنصاري يومئذٍ قتالاً شديداً فقتل بين يدي زيد، وثبت زيد وأصحابه حتى إذا كان عند جنح الليل رُمي زيد(ع) بسهمٍ فأصاب جانب جبهتِهِ اليسرى فنزل السهم في الدّماغ فرجع ورجع أصحابُهُ، وما علم اهل الشام بإصابة زيد بل ظنّوا أن الذي أرجعهم هو الليل.

قال أبو مخنف: وأدخل زيد(ع) دور أرحب وشاكر، وجاءوا له

____________________

(١) المِشْمَل كمنبر سيفٌ قصير يتغطى بثوب / من الحاشية.

(٢) الناشبة: أصحاب النشاب من الرماة.

٢٨٢

بطبيب فقال له: إنك إن نزعت السهم من رأسك متّ قال زيد: الموت أيسرُ عليّ ممّا أنا فيه. قال: فأخذ الطبيبُ الكلبتين فانتزعه فمات صلوات اللَّه عليه قال القوم: أين ندفنُهُ؟ وأين نواريه؟ قال بعضهم: نلبسُهُ درعين ثمّ نلقيه في الماء وقال بعضهم: نحتزّ رأسَه ثمّ نلقيه بين القتلى وقال بعضهم بل نحمله إلى ساقيةٍ فندفنه فيها ثمّ نجري عليه الماء فقبلوا هذا الرّأي فحملوه ودفنوه وأجروا الماء عليه، وكان معهم عبد سندي فلمّا أصبح أتى الحكم بن الصلت فدلّهم على موضِعِ قبره فاستخرجوه، وقطعوا رأسَهُ وبعثوا به إلى الشام، وصلبوا زيداً (بالكناسة) بالكوفة وصُلِبَ معَهُ معاوية بن إسحاق، وزياد الهندي، ونصر بن خزيمة العبسي(١) .

أقول: لم يكن رأس زيد الشهيد أول رأسٍ من بني هاشم فصله بنو أمية وحملوه إلى الشام، بل فصلوا قبله رأس جدّه الحسين ورؤوس أهل بيته وأصحابه في كربلاء وحملوها إلى الشام.

قال السيد ابن طاووس في (الملهوف):

روى أن بعض التابعين لما شاهدَ رأس الحسين(ع) بالشام أخفى نفسه شهراً من جميع أصحابه، فلما وجدوه بعد أن فقدوه سألوه عن سبب ذلك فقال: ألا ترون ما نزل بنا ثمّ أنشأ يقول:

جاؤوا برأسِكَ يابن بنت

محمّدٍ مترمّلاً بدمائه ترميلا

وكأنما بك يابن بنت محمّد

قتلوا جهاراً عامدين رسولا

____________________

(١) مقاتل الطالبيين لأبي فرج الأصفهاني ص٩٢ - ٩٦ بتصرّف.

٢٨٣

قتلوك عطشاناً ولما يرقبوا

في قتلك التنزيلَ والتأويلا

ويكبّرون بأن قتلت وإنما

قتلوا بك التكبيرَ والتهليلا(١)

وما حال شقيقة الحسين أم المصائب زينب الكبرى:

يحسين راسك وين ما روح

يبرالي وعلى السمهري يلوح

والجسم بالطف عفته مطروح

تلعب عليه الخيل وتروح

وسافه يالمنجي فلك نوح

بالغاضريه تمسي مذبوح

وعليلك يفت الروح بالروح

اودمعه على الوجنات مسفوح

* * *

وسروا برأسِكَ في القنا وقلوبُها

تسمو إليه ووجدُها يضنيها

إِن أخّروهُ شجاهُ رؤيةُ حالِها

أو قدّموهُ فحالُهُ يشجيها

لاحول ولا قوة إلّا باللَّه العليّ العظيم

وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلبٍ ينقلبون والعاقبة للمتقين

____________________

(١) الملهوف على قتلى الطفوف ص٢١١.

٢٨٤

الليلة السابعة المجلس الثالث

شهادة الإمام الحسن المجتبى(ع)

للَّهِ رزءٌ به كم للرشادِ هوى

ركنٌ وكم فيه بيتٌ للضلالِ بُني

رزءٌ به عرصاتُ العلم قد بقيت

دوارساً من فروضِ اللَّهِ والسُّنَنِ

لا غروَ إِن تكن الأكوانُ قد خلعت

ثوبَ ‏المحاسِن‏ من ‏حزنٍ ‏على الحَسنِ

فإنّه كانَ في الأشياءِ بهجتها

قد قامَ فيها مقامَ الرّوح في البدنِ

لم أنسَ يومَ عميد الدّينِ دس به

لجعدةَ السمَّ سرّاً عابدُ الوَثنِ

كيما تهدَّ من العليَا دعامَتها

فجرّعته الرّدى في جرعة اللبنِ

فقطعت كبداً ممّن غدا كبداً

لفاطمِ وحشاً من واحدِ الزَّمَنِ

حتى قضى بنقيعِ السُمِّ ممتثلاً

لأمر بارئهِ في السرِّ والعلنِ

من مبلغُ المصطفى والطهرَ فاطمة

أنّ الحسينَ دماً يبكي على الحسنِ

لهفى لزينبَ تدعوهُ ومقلتُها

عبرى وأدمعُها كالعارضِ الهَتُن(١)

____________________

(١) عينُ هَتُونُ الدّمع: تصبُّ الدّمع، والعارض: هو السّحاب.

والقصيدة من نظم المرحوم الشيخ عبدالحسين شكر العراقي(ره).

قال السيد الأمين(ره) في (أعيان الشيعة) المجلد ٧ ص٤٣٨:

آل شكر أسرةٌ قديمة من الأسر العربية الشهيرة بالنجف الأشرف عرفت باسم (شُكر) أحد أجوادها الأقدمين، وأصلهم من عرب الحجاز هبطوا العراق منذ قرونٍ بعيدة واستوطنوا قرية (جبة) القرية المعروفة من أعمال بغداد ذكرها الحموي وغيره من أرباب المعاجم، ثمّ انتقلوا إلى النجف الأشرف واتخذوها موطناً لهم.

وقال المرحوم السيد جواد شبر في (أدب الطف) الجزء ٧ ص١٨٧:

٢٨٥

ولسان حالها:

أويلي اعله خويه الحسن مسموم

منّه الكبد والگلب مهموم

راح اللي گضه العمر مظلوم

وظلينه‏بعده بسودالهدوم

نبكي وتسيل دموعنه دموم

وانعه وتجاوبني أم كلثوم

* * *

عن جنادة بن أبي أميّة قال: دخلت على (الامام) الحسن بن علي بن أبي‏طالب(ع) في مرضه‏الذي‏توفي‏فيه، وبين يديه طست‏يقذف‏عليه‏الدّم‏من السمّ الذي اسقاه معاوية، فقلت له عِظني ياابن رسول اللَّه قال: (نعم استعد لسفرك وحصّل زادك قبل حلولِ أجلك، واعلم أنك تطلبُ الدنيا والموت يطلبك، ولاتحمل همَّ يومِك الذي لم يأتِ على يومك الذي أنت فيه)(١) .

قال الشيخ المفيد(ره) في (الإرشاد): الامام بعد أمير المؤمنين(ع) ابنه الحسن وابن سيّدة نساء العالمين فاطمة بنت محمد سيّد المرسلينصلى‌الله‌عليه‌وآله الطاهرين.

وكنيتُهُ أبو محمّد ولد بالمدينة ليلة النصف من شهر رمضان سنة ثلاث

____________________

هو الشيخ عبدالحسين بن الشيخ أحمد بن شكر النجفي، توفي بطهران سنة ١٢٨٥ه، وكان والده الشيخ أحمد من العلماء المصنّفين.

رثى أهل البيت: بقصائد كثيرة تزيد على الخمسين منها روضة مرتبة على الحروف، وشعره يرويه رجال المنبر الحسيني في‏المحافل الحسينية، وله في رثاء الامام الحسين(ع) هذه القصيدة وهي من أشهر قصائده ومطلعها:

البدارَ البدارَ آلَ نزارِ

قد فنيتم ما بين بيضِ الشفارِ

(١) الأنوار البهيّة: ص٧٩.

٢٨٦

من الهجرة، وجاءت به أمّه فاطمة(ع) إلى النبيّ(ص) فسمّاه حسناً وَعَقّ عنه كبشاً(١) .

هو الولد الأول من عليٍّ وفاطمة(ع)، والسبط المبارك لرسول اللَّه(ص)، وهو مع أخيه الحسين(ع) ريحانتاه من الدنيا ففي الخبر الشريف أنّ النبيّ(ص) قال: إِنّ ابنيّ هذين ريحانتاي من الدنيا(٢) .

وكان النبيّ(ص) يحبهما، ويوصي بحبهما، ويبشّر محبّهما بالجنة ففي الخبر الشريف أنّه(ص) أخذ بيد الحسن والحسين وقال: من أحبّني وأحبَّ هذين وأباهما وأمَّهما كان معي في درجتي في الجنة يوم القيامة.

وقد نظمه أبو الحسين في نظم الأخبار فقال:

أخذ النبيُّ يدَ الحسينِ وصنوِهِ

يوماً وقالَ وصَحبُهُ في مجمَع

مَن ودّني يا قومُ أو هذين أو

أبويهما فالخلدُ مسكنُهُ معي(٣)

وروي أن الامام الحسن(ع) كان يحضر مجلس رسول اللَّه(ص) وهو ابن سبع سنين، فيسمع الوحي فيحفظه، فيأتي إلى أمّه فيلقي إليها ما حفظه، وكان أمير المؤمنين(ع) كلّما دخل على الصديقة فاطمة(ع) وجد عندها علماً بالتنزيل، فسألها عن ذلك فقالت: من ولدك الحسن(ع)، (فأحبّ أمير المؤمنين(ع) أن يستمع إلى ولده وهو يقرأُ الوحي على أمّه) فتخفى يوماً في

____________________

(١) الإرشاد: ص١٨٧.

(٢) البحار ج٤٣ ص٢٧١ ح٣٨.

(٣) المصدر السابق.

٢٨٧

البيت وقد دخل الحسن(ع) وكان قد سمع الوحي فأراد أن يلقيه إليها فارتج(١) فعجبت أمّه من ذلك فقال: لا تعجبي يا اُماه قلّ بياني وكلّ لساني لعلّ سيّداً يرعاني، فخرج أمير المؤمنين(ع) وقبّله(٢) .

ومن مناقبه العالية كان(ع) أعبدَ أهل زمانه وأزهدهم وأفضلهم، وكان إذا حجّ حجّ ماشياً وربما مشى حافياً، وكان(ع) إذا ذكر الموت بكى، وإذا ذكر القبر بكى، وإذا ذكر البعث والنشور بكى، وإذا ذكر الممرّ على الصراطِ بكى، وإذا ذكر العرضَ على اللَّه تعالى شهق شهقةً يُغشى عليه منها، وكان(ع) إذا قام إلى الصلاة ترتعدُ فرائصُهُ بين يدي اللَّه تعالى.

وكان إذا ذكر الجنة والنار اضطرب اضطرابَ السّليم وسألَ اللَّهَ الجنة وتعوّذ به من النار، وكان لا يقرأ من كتاب اللَّه تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) إلّا قال لبيك اللهمّ لبيك، ولم يُرَ في شي‏ءٍ من أحوالِهِ إلّا ذاكراً للَّه سبحانه.

وكان(ع) أصدقَ الناس لهجةً، وكان إذا توضأ ارتعدت مفاصلُهُ واصفرّ لونه فقيل له في ذلك فقال: حقّ على كلّ من وقف بين يدي ربّ العرش أن يصفرّ لونُهُ وترتعد مفاصلُهُ، وكان إذا بلغ باب المسجد رفع رأسَهُ وقال: إلهي ضيفك ببابك يامحسنُ قد أتاك المسي‏ء فتجاوز عن قبيح ما عندي بجميلِ ما عندك ياكريم، وكان إذا فرغ من صلاة الفجر لم يتكلّم حتى تطلع الشمس.

ولقد حجّ عليه الصلاة والسلام خمساً وعشرين حجّةً ماشياً وإِنّ

____________________

(١) أي فاضطرب، من الحاشية.

(٣) الأنوار البهيّة للمرحوم الشيخ عباس القمي: ص٧٦.

٢٨٨

النجائب(١) لتقادُ معَهُ، وقاسم اللَّهَ تعالى مالَهُ مرّتين وروي ثلاث مرّات حتى انه كان يعطى من ماله نعلاًويمسك خفاً(٢) .

ومن حمله (ع) روي أنّ رجلاً من أهل الشام رآهُ راكباً فجعل يلعنُهُ، والامام الحسن (ع) لا يردّ عليه حتى فرغ الرجل عندها أقبل الامام الحسن(ع) وسلّم عليه وتبسّم في وجههِ وقال له: أيّها الشيخ أظنك غريباً ولعلّك شبّهت فلو سألتنا أعطيناك، ولو استرشدتنا أرشدناك، وإن كنت جائعاً أشبعناك، وإن كنت محتاجاً أغنيناك، وإن كنت طريداً آويناك، وإن كانت لك حاجة قضيناها لك، لأنّ لنا موضعاً رحباً وجاهاً عريضاً ومالاً كثيراً، فلمّا سمع الرجل الشامي كلام الامام(ع) بكى ثمّ قال: أشهد أنك خليفة اللَّه في أرضِهِ، اللَّه أعلم حيث يجعل رسالته، كنت أنت وأبوك أبغضَ خلق اللَّه إليَّ، ثمّ حوّلَ رحله إلى الامام(ع) وكان ضيفَهُ إلى أن إِرتَحلَ وصار معتقداً لمحبتهم.

وروي أنه لما مات الامام الحسن(ع) أخرجوا جنازتَهُ فحمل مروان بن الحكم سريره - جنازته - فقال له الامام الحسين(ع): تحمل اليوم جنازته وكنتَ بالأمس تجرّعه الغيظ قال: نعم كنت أفعل ذلك بمن يوازن حلمُهُ الجبال(٣) .

____________________

(١) النجيب مؤنثه نجيبة وجمعها نجائب: وهي كلّ نفيسٍ في نوعه كالفرس والبعير. لسان العرب ج٦

(٢) الأنوار البهيّة ص٧٥. والخف دون النعل: فكان(ع) يعطي الأحسن من مالِهِ.

(٣) الأنوار البهيّة: ص٧٧-٧٦.

٢٨٩

ومن مواعظه وكلماته الشريفة ما رواه العلّامة المجلسي(ره) في البحار منها:

قوله(ع): (القريبُ من قرّبته المودّةُ وإِن بَعُدَ نسبُهُ، والبعيدُ من باعدتهُ المودّةُ وإن قربَ نسبُهُ)(١) .

وقوله(ع): (الفرصةُ سريعة الفوت بطيئةُ العود)(٢) .

وقيل له: كيف أصبحت ياابن رسول اللَّه(ص)؟ قال: (أصبحتُ ولي ربٌّ فوقي، والنارُ أمامي، والموتُ يطلبني، والحسابُ محدقٌ بي، وأنا مرتهنٌ بعملي لا أجدُ ما أحبّ ولا أدفعُ ما أكره، والأمورُ بيد غيري، فإن شاءَ عذّبني وإن شاءَ عفا عني، فأيّ فقيرٍ أفقرُ منّي)(٣) .

وكان يقول(ع): (ياابنَ آدم إِنك لم تزل في هدم عمرِكَ منذ سقطتَ من بطن أُمّك، فخذ ممّا في يديك لما بين يديك، فإنّ المؤمنُ يتزوّد والكافرُ يتمتّع،وكان ينادي‏مع‏هذه‏الموعظة:( وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ) (٤) )(٥) .

ومن كراماته وكرمه ما رواه العلّامة المجلسي(ره) عن الامام الصادق عن آبائه: أنّ الامام الحسن(ع) خرج إلى مكّة ماشياً فتورّمت قدماه فقيل له لو ركبت ليسكن عنك هذاالورم فقال: كلا ولكنّا إذا أتينا المنزل(٦)

____________________

(١) بحار الأنوار ج٧٨ ص١٠٦.

(٢) البحار ج٧٨ ص١١٣.

(٣) البحار ج٧٨ ص١١٣.

(٤) سورة البقرة / ١٩٧.

(٥) البحار ج٧٨ ص١١٧.

(٦) المنزل: هو المحل الذي يرتاح فيه المسافرون على الطريق.

٢٩٠

فإنه يستقبلكم رجل أسود معه دهن يصلح لهذا الورم فاشتروا منه ولا تماكسوه(١) فقال له بعض مواليه ليس أمامنا منزل فيه أحد يبيع هذا الدواء؟ فقال الامام(ع): بلى إنّه أمامنا وساروا أميالاً فإذا الأسود قد استقبلهم فقال الامام لأحد مواليه: دونك‏الرجل فخذ منه الدّهن بثمنه، وفعلاً أخذه منه فقال الأسود لمن تأخذ هذا الدّهن؟

قال: للحسن بن علي بن أبي طالب: قال: انطلق بي إليه، فلمّا وصلَ‏إلى الإمام قال الرجل الأسود: ياابن رسول اللَّه أنا من مواليكم ادع اللَّه‏أن يرزقني ولداً ذكراً سويّاً يحبّكم أهلَ البيت فإني خلّفتُ امرأتي تمخض فقال: انطلق إلى منزلك فإنّ اللَّه تعالى قد وهب لك ولداً ذكراً سويّاً وهو من شيعتنا فرجع الرجل من فوره فإذا امرأته قد ولدت غلاماً سويّاً ثمّ رجع الأسود إلى الإمام الحسن(ع) ودعا له بالخير بولادة الغلام له، ثمّ ان الامام الحسن(ع) قد مسح رجليه بذلك الدهن فما قام عن موضعه حتى زال الورم(٢) .

وعرف الامام الحسن المجتبى(ع): ب (كريم أهل البيت(ع)) وهي الصفة الغالبة في حياته وإلّا فجميع أهل البيت: كرماء بطبعهم وإلى ذلك يشير الشاعر الموالي:

كريمُ أهلِ البيتِ أكرمْ به

وكلّهم بالطّبع أهلُ الكرمْ

____________________

(١) ماكَسَ: استحطه الثمن واستنقصَهُ إياه، ويسمى باللغة العامية (معاملة).

(٢) البحار ج٤٣ ص٣٢٤.

٢٩١

لكن لكلِّ منهُمُ خصلةٌ

شاعَتْ له فهو بتلك عَلَمْ(١)

ومن ذلك ما رواه العلامة المجلسي(ره) في البحار فقال: خرج (الامام) الحسن والحسين وعبداللَّه بن جعفر: حُجاجاً ففاتهُمْ(٢) أثقالُهم، فجاعوا وعطشوا فمرّوا بعجوزٍ في خباءٍ لها فقالوا: هل من شراب؟ فقالت: نعم، فنزلوا وليس لها إلّا شويهة في الخيمة فقالت: احلبوها وامتذقوا لبنَها، ففعلواذلك وقالوا لها: هل من طعام؟ قالت: لا إلّا هذه فليذبحها أحدكم حتى أهيئ لكم شيئاً تأكلون، فقام إليها أحدهم فذبحها وكشطها ثمّ هيأت لهم‏طعاماً فأكلوا ثمّ أقاموا حتى أبردوا(٣) فلما أرادوا الرحيل قالوا لها: نحن‏نفرٌ من قريش نريدُ هذا الوجه، فإذا رجعنا سالمين فألمّي بنا فإنّا صانعون ‏إليكِ خيراً ثمّ ارتحلوا. وأقبل زوجُها وأخبرته عن القوم والشاة فغضب‏ الرجل وقال: ويحك تذبحين شاتي لأقوامٍ لا تعرفينهم ثمّ تقولين: نفرٌ من‏قريش ثمّ بعد مدّة ألجأتهم الحاجة لدخول المدينة، فمرّت العجوز في بعض‏طرق المدينة فرآها الامام الحسن(ع) فعرفها فقال لها: ياأمة اللَّه تعرفيني؟ قالت لا قال: أنا ضيفك يوم كذا فقالت العجوز: بأبي أنت وأمي فأمرلها الامام الحسن(ع) بألف شاة وألف دينار وبعث معها رسولاً إلى الامام‏الحسين(ع) فأمر لها بمثل ما أمر الامام الحسن(ع) وبعث معها رسولاًإلى عبداللَّه بن جعفر فأمر لها بمثل ذلك العطاء، فرجعت إلى زوجها بذلك ‏كلّه(٤) .

____________________

(١) هذان البيتان للخطيب الأستاذ الشيخ محسن الفاضلي النجفي.

(٢) بمعنى تقدّمت عليهم القافلة التي فيها الماء والطعام وتأخرو عنها.

(٣) أبردوا بمعنى زالت حرارة المس وبرد الهواء وهو الوقت المناسب للمسير.

(٤) البحار ج٤٣ ص٣٤٨.

٢٩٢

وروي عنه(ع) هذه الأبيات في السخاء:

إنّ السخاءَ على العبادِ فريضةٌ

للَّهِ يُقرأُ في كتابٍ محكمِ

وعدَ العبادَ الأسخياءَ جنانَهُ

وأعدَّ للبخلاءِ نارَ جهنّمِ

من كان لا تندى يداه بنائلٍ

للراغبين فليس ذاك بمسلم(١)

وكتب إليه أعرابي يقول:

لم يبقَ لي شي‏ءٌ يباعُ بدرهمٍ

يكفيكَ رؤيةُ منظري عن مخبري

إلّا بقايا ماءٍ وجهٍ صنتُهُ

إلّا يباعَ وقد وجدتك مشتري

فأجابه(ع):

عاجلتنا فأتاكَ وابلُ بِرِّنا

طَلّاً ولو أمهلتنا لم نقصِرِ

فخذ القليلَ وكن كأنك لم تبع

ما صِنتَهُ وكأننا لم نشترِ(٢)

أعودُ إلى الرواية الشريفة التي افتتحتُ بها المجلس عن جنادة بن أبي أمية قال: دخلت على الحسن بن علي بن أبي طالب(ع) في مرضه الذي توفّي فيه، وبين يديه طستٌ يقذف الدم فيه، ويخرج كبده قطعةً قطعةً من

____________________

(١) البحار ج٤٣ ص٥٥٢.

(٢) معالي السبطين الطبعة الحجرية ص١٢.

٢٩٣

السم الذي أسقاه معاوية فقلت يامولاي مالك لا تعالج نفسك فقال: ياعبداللَّه بماذا أعالج الموت!؟ قلت: إنّا للَّه وإنّا إليه راجعون ثمّ التفت إليّ فقال: واللَّهِ لقد عهِدَ إلينا رسول اللَّه(ص) أنّ هذا الأمر يملكه اثنا عشر إماماً من ولد عليٍّ وفاطمة(ع) ما منّا إلّا مسموم أو مقتول، فقلت له: عظني ياابن رسول اللَّه(ص) قال: نعم استعد لسفرك وحصّل زادك قبل حلول أجلك، واعلم أنك تطلب الدنيا والموت يطلبك، ولا تحمل همَّ يومك الذي لم يأتِ على يومكَ الذي أنت فيه وساق الكلام في ذكر موعظته(ع) إلى أن قال: ثمّ انقطع نفسُهُ واصفرّ لونُهُ حتى خشيتُ عليه، ودخل عليه الإمام الحسين(ع) وانكبّ عليه حتى قبّلَ رأسه وعينيه.

يقولون وفي هذه الأثناء وإذا بالصرخة على الباب فالتفت الامام الحسن إلى أخيه الحسين وهو يقول له: أبا عبداللَّه ارفع هذا الطست عنّي فلا أحبّ أن تراه أختنا زينب:

يحسين شيل الطشت عنّي

خواتك يبو السجاد اجني

يردن يشبعن شوف منّي

ويردن يخوية يودّعني

للَّه صبرُ العقيلة زينب حيث انها بعد فقد جدّها وأمّها وأبيها ها هي ترى الامام الحسن(ع) بهذه الحالة مطروحاً على فراش المنية وقد اصفرّ لونُه.

ثمّ أخذ الامام الحسن يوصي أخاه الامام الحسين(ع) وممّا قال له: إذا أنا متّ فهيّئني ثمّ وجهني إلى قبر جدّي رسول اللَّه(ص) لأجدّد به عهداً

٢٩٤

ثمّ ردّني إلى قبر جدتي فاطمة بنت أسد فادفني هناك، وستعلم ياابن أمي أنّ القوم يظنون أنكم تريدون دفني عند رسول اللَّه(ص) فيجلبون(١) في ذلك ويمنعونك منه، وباللَّه أقسم عليك أن لا تهرق في أمري محجَمَة(٢) دم، ثمّ وصّى إليه بأهله وولده وتركاته وما كان أوصى إليه أمير المؤمنين(ع) حين استخلفه(٣) .

كأني بالامام(ع) قد استقبل القبلة ومدّد يديه ورجليه وغمّض عينيه وخمد أنينُه، وعرق جبينُه وفاضت روحُهُ الطاهرة واسيداه واإِماماه وامسموماه.

والحسين ودمعته بخده جريه

حط راسه‏ بحجره ‏وگضه‏ نحبه‏ الشفيه

ينادي يبو محمد يخويه گطعت بيه

ودعتك اللَّه يالحسن ياگرة العين

عگب ذيك المصيبة وذيك الهموم

تاليها رحت والكبد مسموم

عيد أصبح لهالي الشام هل يوم

يخوية وعل هواشم أصبح أظلم

ولما قُبض الامام الحسن(ع) غسّله الامام الحسين(ع) وكفّنه وحمله على سريره وانطلق به إلى قبر جدّه ليجدّد به عهداً، ولم يشك مروان بن الحكم وبنو أمية أنّهم سيدفنونه عند رسول اللَّه(ص) فتجمّعوا ولبسوا السلاح وأقبلوا بجمعهم ولحقتهم الحميراء على بغل وهي تقول: مالي ولكم تريدون

____________________

(١) أجلَبَ القوم: تجمّعوا للحرب وضجّوا واختلطت أصواتُهم.

(٢) آلة الحجّام وهي شي‏ءٌ كالكأس، الحاشية.

(٣) الأنوار البهيّة ص٨٠.

٢٩٥

أن تدخلوا بيتي من لا أحب وجعَلَ مروان يقول: ياربَّ هيجاء هي خيرٌ من دَعَه أيدفن عثمان في أقصى المدينة ويدفن الحسن مع النبيّ لا يكون ذلك أبداً وأنا أحمل السيف وكادت الفتنة أن تقع بين بني هاشم وبني أمية(١) ، يقولون: كان الامام الحسين(ع) يقول لبني هاشم: اللَّه اللَّه في وصيّة أخي الحسن فإنه أمرني أن لا أهرق في أمره محجمة دم ولكنه التفت وإذا بأبي الفضل العباس قد سلّ سيفه لقتال القوم حيث رموا جنازة الإمام الحسن بسبعين سهماً، فوضع الحسين يده على سيف أبي الفضل وقال: أخي أبا الفضل اغمد هذا السيف فإنّ له يوماً آخر ألا وهو يوم كربلاء:

الدنيه خاليه امن الفرح بسهام

صدگ نعش الحسن ينصاب بسهام

وبوفاضل بسل السيف بسهام

مثل عوده تگيّد بالوصيه

وعندما علم الأمويّون أن ليس من نيّة بني هاشم دفن الامام الحسن(ع) عند جدّه رسول اللَّه(ص) تركوهم حتى جدّدوا به عهداً بزيارة قبر جدّه ثمّ جاءوا به إلى البقيع ودفنوه عند قبر جدّته فاطمة بنت أسد، وجلس الامام الحسين على القبر الشريف وهو يقول:

أأدهنُ رأسي أم تَطيبُ محاسني

ورأسُكَ معفورٌ وأنت سليبُ

بكائي طويلٌ والدموعٌ غزيرةٌ

وقبرك قلبي والمزارُ قريبُ

غريبٌ وأطراف البيوت تحوطُهُ

ألا كلّ مَن تحت التراب غريب

____________________

(١) الأنوار البهيّة ص٨١.

٢٩٦

وليس حريباً من أصيب بمالِهِ ولكنّ من وارى أخاه حريبُ(١)

كأني بالهاشميين وقد تقدّموا إلى سيّدهم وزعيمهم الامام الحسين(ع) وأقاموه من قبر أخيه الامام الحسن الشهيد، وعادوا به إلى داره يحوطونه من كلّ جانب، وللحسين جلوس آخر، عند أخٍ شهيد آخر، ليت شعري من أقامه، ومن عزّاه، ومن أحاط به، وذلك عندما جلس عند أبي الفضل وقد رآه مقطوع الشمال واليمين، والسهم نابتُ في العين، والمخ سائلٌ على الكتفين عندها نادى الآن انكسر ظهري وقلّت حيلتي وشمت بي عدوّي.

يقولون خرجت امرأة من المخيم تقوم وتقعد شابكةً عشرها على رأسها وهي تنادي: واأخاه واعباساه، عندما رآها الامام ترك أخاه على المشرعة وقرب منها وإذا بها العقيلة زينب، فأخبرها الامام بمصرع أبي‏الفضل وعزّاها.

يگلله يزينب راح عباس

راح الضيغم البيه نرفع الراس

وظل يبكي عليه الدرع والطاس

كأني بالعقيلة وقد حاولت أن تفلت من يد الامام الحسين لتأتي لمصرع كفيلها أبي الفضل والامام يقول: إلى أين يازينب:

أنا رايحه العباس أشوفه

وركب اعله زنوده كفوفه

____________________

(١) معالي السبطين ص٣٦ الطبعة الحجرية، والحريب: الذي أخذ مالُهُ كلُّهُ. لسان العرب

٢٩٧

وشيل السهم والدم أروفة

ابن والدي واشلون أعوفه

* * *

عباس تسمع زينباً تدعوك من

لي ياحماي إذا العدى نهروني

لاحول ولا قوة إلّا باللَّه العليّ العظيم

وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلبٍ ينقلبون والعاقبة للمتقين

٢٩٨

السابع عشر من صفر المجلس الرابع

شهادة الإمام أبي الحسن الرّضا(ع)

أَقوَتْ معالِمُ دينٍ أنتَ حاميهِ

وكادَ يُنسخُ ثقلٌ أنت ثانيهِ

تُغضي وقد أصبحَ الإسلام منطمسَ

الأعلامِ قد حُكسسّمت فيه أعاديه

وعاد فينا غريباً لا نصيرَ له

كأنّه وهو فردٌ في مباديه

وإنّ ديناً أقامتهُ صوارمُكُم

قد قامت اليومَ في الدُّنيا نواعيه

ألستَ تسمعُ ياابنَ الصيدِ دعوتَهُ

وهل سواكَ مجيبٌ صوتَ داعيه

ياحجّةَ اللَّه قد ضاق الخناقُ بنا

فأيَّ هولٍ من الدُّنيا نقاسيهِ

جورَ العدى أم هوانَ الغاصبينَ لنا

أم طولَ غيبةٍ مولىً عن مواليه

أكُلُّ يومٍ لكم ياابن الزّكيِّ دمٌ

يُطلُّ هدراً ولا من ثائرٍ فيه

فمن قتيلٍ قضى بين الظُبا عطشاً

وبينَ عُجفِ المطا سيقت ذراريهِ

ومن طريدٍ لكم لم يحوهِ بلدٌ

ولم يجدْ ملجأً في الأرضِ يؤويهِ

وبين مَن ماتَ صبراً بعدما سُقيت

بالسُّمِّ أحشاؤُهُ ويلٌ لساقيهِ

ياطاويَ البيدِ يرجو نيلَ مقصَدِهِ

أرحْ بطوسَ تفُز فيما ترجّيهِ

إِنزل وحيِّ بها عنّي ضريحَ عُلاً

أهلُ السماواتِ لا زالت تحييهِ

فيه عليُّ بنُ موسى لم يَخِبْ أبداً

لاجٍ إليهِ ولا راجٍ أياديهِ

أفدي غريباًعن‏الأوطانِ‏قد شحطت

بهِ النّوى عن مغانيهِ وأهليهِ

لم أنسَ مذ غالَهُ المأمونُ حيثُ غدا

يُبدي له غيرَ ما في القلبِ يُخفيه(١)

____________________

(١) هذه القصيدة العصماء من نظم المرحوم الشيخ محمد علي اليعقوبي(ره).

قال المرحوم السيد جواد شبر(ره) في (أدب الطفّ) الجزء العاشر ص١٩٠:

٢٩٩

____________________

= ولد الشيخ محمد علي اليعقوبي في النجف الأشرف في شهر رمضان عام ١٣١٣ه ، ونشأ برعاية والده الخطيب التقي والواعظ الشهير.

هاجر والدُهُ إلى مدينة الحلّة الفيحاء فنشأ الشيخ محمد علي في مستهلّ صباه ومطلع شبابه في مدينة الأدب والشّعر وكان عندما يختار له والدُهُ القصيدة يحفظها وينشدها في الجامع الذي يصلّي فيه العلّامة السيد محمّد القزويني بمحضر من المصلّين هناك.

وفي سنة ١٣٢٩ه انتقل والده إلى رحمة ربّه فانقطع حينذاك إلى ملازمة العلّامة السيد محمّد القزويني فغمره بألطافِهِ، وأفاضَ عليه من علمِهِ وأدبهِ الجمّ وأخلاقه العالية، وكان اليعقوبي دائماً يشكر هذا الفضل.

وكان اليعقوبي في كلِّ ما يقوله من نظم ونثر سهلٌ ممتنع لا تكاد تفوته مناسبة من المناسبات إلّا ونظم فيها البيتين والثلاث أو القطعة المسكوكة كسبيكة الذهب تتداولها العقول والأفواه معجبة بها مستلذّة بترديدها مع أنه قد نظمها بلا تكلّف إنما أرسلها إرسالاً فاسمعه حين يداعب الشيخ محمّد السماوي يوم أحيل على التقاعد في عهد السيد محمد الصدر رئيس الوزراء:

قل للسماويِّ الذي

فلكُ القضاء به يدور

الناسُ تضربها الذيول

وأنت تضربك الصدور

ودخلتُ عليه مرةً أعودُهُ وكان يشكو ألماً حادّاً من عينيه ورأسه ولا أنسى أنه كان يوم ٢٧ من رجب يوم توافدت الوفود لزيارة مخصوصةٍ لأمير المؤمنين علي بن أبي‏طالب(ع) فأنشدني هو:

أبا حسنٍ عذراً إذا كنتُ لم أُطقِ

زيارةَ مثواكَ الكريم مع الناس

فلولا أذى عيني ورأسي لساقني

إليك الولا سعياً على العينِ والرأسِ

وقال:

غرستُ بقلبي حبَّ آلِ محمّدٍ

فلم أَجِنِ غيرَ الفوز من ذلك الغرسِ

ومَن حادَ عنهم واقتفى إثرَ غيرهم

فقد باعَ منه الحظَّ بالثمنِ البخسِ

وكان - رحمه‌ الله تعالى - بالاضافة إلى الخدمة المنبرية والتبليغ باللسان فقد أضاف

٣٠٠