المجالس الحسنة في مناسبات السَّنَة

المجالس الحسنة في مناسبات السَّنَة0%

المجالس الحسنة في مناسبات السَّنَة مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 343

المجالس الحسنة في مناسبات السَّنَة

مؤلف: السيد أحمد الحكيم
تصنيف:

الصفحات: 343
المشاهدات: 38839
تحميل: 2380

توضيحات:

المجالس الحسنة في مناسبات السَّنَة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 343 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 38839 / تحميل: 2380
الحجم الحجم الحجم
المجالس الحسنة في مناسبات السَّنَة

المجالس الحسنة في مناسبات السَّنَة

مؤلف:
العربية

المجالس الحسنة

في مناسبات السَّنَة

السيد أحمد الحكيم

١

بسم اللَّه الرحمن الرحيم

اللهمَّ كُن لوليِّكَ الحجَّةِ

ابن الحسن صلواتك عليه وعلى

آبائه في هذه الساعة وفي كلِّ

ساعة وليّاً وحافظاً وقائداً وناصراً

ودليلاً وعيناً حتّى تُسكِنَه

أرضكَ طوعاً وتمتّعه

فيها طويلاً برحمتِك

يا أرحم الرّاحمين

٢

الإهداء

إليك

أيّها العبدُ الصّالح

إليك

يابابَ الحوائج إلى اللَّه

إليك

ياقمرَ بني هاشم

إليك

ياحاملَ اللواء

إليك

ياساقي عَطاشى كربلاء

إليك

ياحامي الظعينة

إليك

يامن استجار به الهدى، وكان جيشاً بوجه العدى

إليك

ياسيدي ياأبا الفضل العباس بن علي بن أبي طالب: أرفع بكلتا يديّ وريقات ولائي لعلَّها تحظى بالقبولِ فأفوز، وأحظى بالنظرةِ منكم فأجوز

فمعكم معكم لا مع غيركم... .آمنت بكم‏

خادمكم الوفي

أحمد

٣

المقدمة

بسم اللَّه الرّحمن الرّحيم

الحمدُ للَّه الذي علّمَ بالقلم علّمَ الإنسانَ ما لم يعلم، والصلاة والسلام على البشير النذير، والمعلم الخبير سيّدِ الأنبياء والمرسلين، وأقرب المقرّبين لإله العالمين أبي‏القاسم محمّد بن عبداللَّه(ص) ، وعلى آله الغرر الأوصياء الإثني عشر، من المرتضى إلى المنتظر.

واللعنُ الدّائمُ على أعدائهم ومخالفيهم، ومنكري فضائلهم، والمنحرفين عنهم، والمشكّكين فيهم أجمعين من الأوّلين والآخرين إلى قيام يوم الدّين.

وبعد:

فإنّ المتتبعَ لسيرةِ أهل البيت(ع)، والمطّلعَ على ما أدّبوا به شيعتَهم يجد أنهم قد رسموا لهم نهجاً نيّراً يُحفظون به، ويحافظون على هويتهم الأصيلة من جهة، ويبقونَ بابَ التواصلِ والارتباط معهم مفتوحاً من جهةٍ ثانية.

وقد تمثّل ذلك في إرشاد الشيعة لإحياءِ المناسبات الإسلاميّة، والشّعائر الدينيّة اليوميّة أو الشهريّة أو الحولية، كصلاة الجماعة والجمعة والعيد، أو الحج والعمرة، أو زيارة مشاهدهم، أو إقامة المآتم بوفاياتهم، أو الاحتفالات بمواليدهم، بل وحتى التجمّع في الدور والبيوت، والمزاورةِ وإقبالِ بعضهم على بعض، فإنّ ذلك من إحياء أمرهم(ع) لأنّ فيه ذكراً لفضائلهم ومناقبهم وأحاديثهم ووصاياهم، ودعوة الأتباع إلى التشبّه بهم، ولزوم طريقتهم، ومعرفة الأحكام الشّرعية الواردة عنهم، وقد ترحّموا(ع) بدورهم على كلّ من يضمّه مجلسٌ يُحيى فيه أَمرُهُم، ويدعى فيه إليهم.

٤

وقد مارسَ أئمةُ أهل البيت عليهم الصلاة والسلام ما حثّوا شيعتهم عليه، فمشوا لحجّ بيت اللَّه الحرام، وشدّوا الرّحاله لزيارةِ مرقد أمير المؤمنين(ع) في الغري، وأبي عبداللَّه الحسين والشهداء(ع) في كربلاء، وأقاموا المأتم لسيّد الشهداء(ع) وبكوا عليه في بيوتهم ودورهم وصوامعهم وجوامعهم بل في سككِ المدينة وأسواقها.

وعندما رأى الشيعة أئمتهم وسادتهم وقادتهم يفعلون ذلك، ويشفعونَهُ بالحثّ والتأكيد وهم (ساسةُ العبادِ وأركانُ البلادِ، وأبوابُ الإيمانِ وأمناءُ الرّحمن) تمسّكوا به، وحافظوا عليه حتى صارت الشّعائرُ والمشاعرُ شعاراً لهم يتوارثونه جيلاً بعد جيل في كلّ زمانٍ ومكان.

ولا أجد أني أكشف سرّاً إذا قلت: لقد كان لهذا النّهج القويم أبلغُ الأثر في غزارةِ معارف عموم الشيعة، وثقافتهم الإيمانية، وطريقتهم الولائيّة.

حتى أنك صرتَ لا تجدُ اُسبوعاً إلّا وفيه مناسبةُ أو أكثر من ولادةٍ مباركة، أو شهادة مؤلمة، أو زيارة مأثورة، أو واقعةٍ مشهورة.

ومن هنا انبثقت فكرة هذا الكتاب، فهو عبارة عن مجالس مرتّبة تتبّعتُ فيها مناسبات السّنة كلّها من شهر محرّم الحرام إلى آخر ذي الحجّة المكرّم، وأسميتُه المجالس الحَسنة في مناسبات السّنة وما كان هدفي من وراء ذلك إلّا أن أكون معدوداً في زُمرة المشاركين في إحياءِ أمر محمّدٍ وآلِ محمّد(ص)

ومن اللَّه تعالى أستمدّ العون، وأطلب السداد والتوفيق متوسّلاً إليه بأحبِّ الخلق إليه، وأعزّهم عليه، وأخصّهم لديه محمّدٍ وآله الطيبين الطاهرين المنتجبين، والحمدُ له سبحانه والمجد والصلاة والسلام على محمّدٍ وآل محمّد، وعلى أعدائهم اللعنُ المؤبد.

قم المقدسة

في السادس من ذي الحجّة الحرام

سنّة ١٤٢٦ه / أحمد الحكيم

٥

مناسبات شهر محرّم الحرام

١ - الليلة الأولى:

أ - فضل البكاء على سيّد الشهداء(ع)

ب - فوائد المجالس الحسينية

٢ - الليلة الثانية:

أ - فضائل الامام الحسين(ع)

ب - الخروج من المدينة إلى مكّة

٣ - الليلة الثالثة:

أ - كرم الأمام الحسين(ع)

ب - الخروج من مكّة إلى العراق

٤ - الليلة الرابعة:

أ - حياة مسلم بن عقيل(ع)

ب - مسلم سفير الامام الحسين(ع)

٥ - الليلة الخامسة:

أ - فضل أصحاب الامام الحسين(ع)

ب - مواقف أنصار الامام الحسين(ع)

٦ - الليلة السادسة:

أ - الصحابي الجليل حبيب بن مظاهر الأسدي

ب - شقاء عمر بن سعد وسعادة الحر

٦

٧- الليلة السابعة:

أ - فضل أبي الفضل العبّاس(ع)

ب - أبو الفضل العبّاس(ع) الكنى والألقاب

ج- منزلة العبّاس بن عليّ(ع)

٨ - الليلة الثامنة:

أ - التفكّر والاعتبار

ب - شهادة القاسم بن الحسن(ع)

٩- الليلة التاسعة:

أ - برّ الوالدين

ب - شهادة عليٍّ الأكبر(ع)

١٠ - الليلة العاشرة:

أ - شهادة عبداللَّه الرضيع

ب - الإمام(ع) وأصحابه ليلة العاشر

١١ - يوم العاشر:

- مقتل الامام أبي الأحرار الحسين بن عليّ(ع)

١٢ - يوم الثالث عشر:

- دفن الأجساد الطاهرة

١٣ - يوم الخامس والعشرون:

- شهادة الامام زين العابدين(ع)

٧

الليلة الاُولى المجلس الأوّل

فضل البُكاء على سيّد الشهداء(ع)

يُعيدكَ للتأريخ بالدّمعِ والدّمِ

متى لاحَ مكسوفاً هلالُ محرّمِ

وكم قائلٍ لي وهو مني هازلٌ

أتبكي لهذا العالَمِ المتبسِّمِ

يجادُلني في مأتمِ السّبطِ قائلاً

من الظّلمِ أن يَحيى الحسينُ بمأَتمِ

ولو قَبِلَ الجمهورُ قولي جَعلتُ مِن

محرّم للأفراحِ أبهجَ موسمِ

فيومٌ به الإسلامُ شادَ كيانَهُ

جديرٌ بأن يهنى به كلُّ مسلمِ

فقلتُ له قد فاتكَ القصدُ فاتّئِدْ

لتُهدى إلى معنى وتحظى بمغنَمِ

بكائي لآلامٍ على السبطِ قد جرت

متى أتذكّر شجوَها أتألّمِ

يرى صحبَهُ‏ صرعى على الأرض‏ح ولَه

ونسوتَهُ مذعورةً في المخيَّمِ

وفي حجرهِ الطّفلُ الرّضيعُ مُرفرفاً

يعالجُ سهماً في وريديه مُرتَمي

وقد شَعَبَ السَّهمُ المثلَّثُ قلبَهُ

وزادَ على آلامِهِ أنّهُ ظَمي

ويذبَحُهُ شمرٌ ويرفعُ رأسَهُ

سنانٌ ويُهدى مِن دعيٍّ لمجرمِ

وتُسبى حريمُ اللَّهِ وهي ثواكلٌ

تحِنُّ إلى خدرٍ وتبكي على حَمي(١)

____________________

(١) هذه القصيدة من نظم المرحوم آية اللَّه السيد محمّد جمال الهاشمي. ديوان مع النبيّ وآله: ص١٩٣.

وُلد آيةُ اللَّه السيّد محمد جمال الهاشمي عام ١٣٣٢ه في النجف الأشرف، وتوفي فيها عام ١٣٩٧ ه في شهر ربيع الأول. ونشأ وترعرع هناك في معقل العلم العريق، وفي بيت علميٍّ سامي الذّرى. فوالده آية اللَّه العظمى المرحوم السيد جمال الدين الهاشمي كان يُعَدُّ أحدَ أكبر مراجع الدين في عصره، ودرس الفقه والأصول وغيرهما من العلوم المتداولة =

٨

بگلبي ماتمك يحسين ينصاب

وذكرك من يمر الدمع ينصاب

گلبي بدال گلبك ريت ينصاب

وخدّي دون خدَّك عل وطيّة

* * *

روى الشيخ المجلسي؛ في البحار بسنده إلى الإمام الحسين(ع) قال:

(ما من عبدٍ قطرت عيناه فينا قطرةً، أو دمعت عيناه فينا دمعةً إلا بوَّأهُ اللَّهُ بها في الجنّةِ حُقباً)(١) .

لقد حثّ أهلُ البيت: شيعتَهم على البكاء وإظهار الحزن لمصيبة أبي‏الأحرار وسيّد الشُهداء الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب٨ بأحاديثهم الكثيرة المُنتشرة، والمبثوثة في كتبنا المُعتبرة التي ألّفها أصحابُنا القُدماء والمتأخّرون (رضوانُ اللَّه عليهم أجمعين).

منها الحديث المروي عن إمامنا أبي جعفر الباقر(ع) وهو قوله: (أيّما مؤمنٍ دمعت عيناه لقتل الحسين(ع) دمعةً حتّى تسيلَ على خدِّه بوّأهُ اللَّهُ في الجنّة غرفاً يَسْكنُها أحقاباً)(٢) .

.____________________

= في حوزة علم النجف الأشرف، وعلى يد علماء كبار أمثال والدِهِ، وآية اللَّه العظمى الشيخ ضياء الدين العراقي، وآية اللَّه العظمى السيد أبوالحسن الاصفهاني، وغيرهم من الفطاحل، وانعكست هذه الشخصيّة العلمية على مختلف مؤلفاته القيّمة وخصوصاً على تفسيره الذي ما زال مخطوطاً. من مقدّمة ديوانه (مع النبي وآله) ص٦.

(١) بحار الأنوار: ج٤٤ ص٢٦٩ طبعة طهران.

(٢) بحار الأنوار: ج٤٤ ص٢٨٥ طبعة طهران.

٩

وعن الإمام أبي عبداللَّه الصادق(ع) قال: (لكلِّ شي‏ء ثوابٌ إلّا الدّمعةَ فينا)(١) .

وعن الريّان بن شبيب قال: دخلت على الإمام الرّضا(ع) في أوّل يومٍ من المحرَّم فقال لي: (ياابن شبيب أصائمٌ أنت؟ فقلت: لا فقال: إنَّ هذا اليوم هو اليوم الّذي دعا فيه زكريّا ربَّه عزّوجلّ فقال:( رَبّ هَبْ لِي مِن لَدُنْكَ ذُرّيّةً طَيّبَةً إِنّكَ سَمِيعُ الدّعَاءِ ) (٢) . فاستجاب اللَّهُ له وأمرَ الملائكةَ فنادت زكريّا وهو قائمٌ يصلّي في المحراب أنّ اللَّهَ يُبشّرُكَ بيحيى، فمَن صام هذا اليوم ثمّ دعا اللَّهَ عزّوجلّ استجاب اللَّهُ له كما استجاب لزكريّا.

ثمَّ قال: ياابن شبيب إنَّ المحرّم هو الشهر الّذي كان أهلُ الجاهليّة فيما مضى يحرّمون فيه الظّلمَ والقتالَ لحرمته، فما عرفت هذه الاُمّةُ حرمةَ شهرها، ولا حرمةَ نبيِّها، لقد قتلوا في هذا الشّهر ذرّيته، وسبَوا نسائه وانتهبوا ثقلَه فلاغفر اللَّه لهم ذلك أبداً.

يا ابن شبيب إن كنت باكياً لشي‏ءٍ فابكِ للحسين بن عليّ بن أبي‏ طالب(ع) فإنَّه ذُبحَ كما يُذبح الكبش، وقُتل معه من أهل بيته ثمانيةَ عشرَ رجلاً، ما لهم في الأرض شبيهون، ولقد بكت السماواتُ السبعُ والأرضون لقتله، ولقد نزل إلى الأرض من الملائكة أربعةُ آلافٍ لنصره، فوجدوه قد قُتل فهم عند قبره شعثٌ غبرٌ حتى يقوم القائم فيكونون من أنصاره وشعارهم (يالثارات الحسين).

____________________

(١) كامل الزيارات: ص١٠٦ الحديث ٦ المطبعة المرتضوية - النجف.

(٢) آل عمران: الآية ٣٨.

١٠

ياابن شبيب لقد حدّثني أبي عن أبيه عن جدّه أنّه لما قُتل جدّي الحسين(ع) أمطرت السماءُ دماً وتراباً أحمر.

ياابن شبيب إن بكيت على الحسين(ع) حتى تصيرَ دموعُكَ على خدّيك غفر اللَّهُ لك كلَّ ذنبٍ أذنبتَهُ صغيراً كان أو كبيراً، قليلاً كان أو كثيراً.

ياابن شبيب إن سرّكَ أن تلقى اللَّه عزّوجلّ ولا ذنبَ عليك فزُر الحسين(ع)

ياابن شبيب إن سرَّكَ أن تسكنَ الغرفَ المبنيّة في الجنّة مع النبيّ(ص) فالعن قتلةَ الحسين(ع)

ياابن شبيب إن سرَّكَ أن يكون لك من‏الثواب مثلُ ما لِمَن استُشهد مع الحسين(ع) فقل متى ما ذكرته (ياليتني كنت معهم فأفوز فوزاً عظيماً).

ياابن شبيب إن سرَّكَ أن تكون معنا في الدّرجات العلى من الجنان فاحزن لحزننا، وافرح لفرحنا، وعليك بولايتنا، فلو أنَّ رجلاً تولّى حجراً لحشره اللَّه معه يوم القيامة)(١) .

إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة البالغة حدَّ التواتر، ولكن ما هو الغرض من ذلك؟ وما هو المغزى الّذي توخّاهُ أهل البيت: يا تُرى؟

نقول في الجواب: إنَّ الغرض ليس إلّا أنَّ الدمعةَ لا تُفاض إلا عند انفعال النّفس وتأثّرها مما يصيبها أو يصيب مَن تمت به بنحو من أسباب الصّلة، ولا شكّ

____________________

(١) بحار الأنوار: ج٤٤ ص٢٨٥. طبعة طهران.

١١

أنا نرى النفسَ عند تأثّرها بذلك تكون متأثّرةً بشي‏ءٍ آخر وهو العداء والبغض لكلّ من أوقع تلكَ الفوادح والآلام، فالأئمة: حيث أنّهم أعرفُ الناس بمقتضياتِ الأحوال والملابسات التي تؤكّد دعوتهم كانوا يتحرّونَ التوصّل إلى أغراضهم بكلّ صورة، وكان من الوسائل التي توجب انحراف الاُمّة عن أعداءِ اللَّه ورسوله(ص) أمرهم بالبكاء على مصاب الحسين(ع) لما فيه من استلزام تذكّر تلك القساوة المستلزم لانفعال النّفس وانقباضها عمّا لا يلائم خطّتهمعليهم‌السلام (١) .

هذا وقد جاء في الحديث المرويّ عن الإمام الحسين(ع) نفسِه أنّه قال: (أنا قتيلُ العَبرة لا يذكرني مؤمنٌ إلا استعبر!!) فما معنى هذا الحديث؟ وما المقصود منه؟

لم يقصد سيّد الشهداء(ع) بهذه الجملة (أنا قتيلُ العبرة) خصوص التعريف بأنَّ قتله كان لأجل أن يُبكى عليه فيستحقّ به الأجر في الآخرة بحيث لا يكون هناك أثرٌ آخر يترتّب على قتله سوى البكاء عليه كيف وهنالك آثارٌ اُخر أهمّها إحياءُ شريعة الحقّ، وتقويم ما اعوجّ من علم الهداية، ونشر الإصلاح بين الاُمّة، وتعريف الملأ ما عليه اُمراء الجور من السير وراء المطامع.

ولكنَّ الوجه في هذه الإضافة - قتيلُ العبرةِ - تأكّد الصلة بين ذكر مقتله وبين البُكاء عليه فإنَّ لوعةَ المُصاب لا تطفى ومضض الاستياء له لا ينفد لاجتماع الكوارث عليه وملاقاته لها بصدرٍ رحيب وصبرٍ تعجّبت منه ملائكة السماء.

____________________

(١) مقتل الحسين (ع) للمقرّم: ص١٠٢.

١٢

فأوّل ما يتأثّر به السّامع لها أن تُستدرَّ دموعُهُ فلا يذكر الحسين(ع) إلا والعَبرةُ تسبقُ الذّكر، أضف إلى ذلك المودّة الكامنة له في قلوب أحبّائه بحيث إذا انضمّت إلى تلك كانت أدعى لتأكّد الصّلة بين ذكره(ع) وبين البُكاء عليه، فمن هنا استحقّ إضافة القتل إليه فقال: (أنا قتيلُ العبَرة).

وعلى هذا سار العربُ في كلامهم فإنّهم إذا رأوا بين الإنسان وبين بعض حالاته وصفاته صلة أكيدة أضافوه إلى ذلك الحال فقالوا مضرَ الحمراء وربيعةَ الخيل، وزيدَ النّار، ومُسمِّة الأزواج. فإنّ ربيعة ومضر لم يتخلّيا عن كلّ صفةٍ حميدةٍ سوى اللواء والخيل، ولا زيد بن موسى بن جعفر(ع) لم يتّصف بشي‏ء حسن أو قبيح إلّا حرقه دور بني العباس بالبصرة. ولا أنَّ جعدة بنت الأشعث لم تتّصف بالرّذائل إلّا سمّها أبا محمّد الحسن السبط(ع) ولكن لما كانت هذه الآثار هي الظاهرة بين الناس قيل لمُضَرِ الحمراء ولربيعة الخيل ولزيد النار ولجعدة مُسمّة الأزواج.

فقول الإمام الحسين(ع) (أنا قتيلُ العبرة) وقول الإمام الصّادق(ع): (بأبي قتيلَ العبرة) من هذا القبيل وهو ما ذكرناه من تأكّد الصّلة بين ذكر مقتله وبين استدرار الدّموع(١) .

ولم يكتفِ أهل البيت عليهم الصّلاة والسلام بحثّ الناس على البُكاء بل رغّبوهم بالتباكي وإظهار الحُزن على مصاب الإمام الحسين(ع) وأهل البيت(ع).

____________________

(١) مقتل الحسين (ع) للسيّد المقرّم: ص١٠٢ - ١٠٤.

١٣

فعن الإمام الصّادق(ع) : (من أنشد في الحسين(ع) فتباكى فله الجنّة)(١) .

ولا يخفى أنَّ الباكي والمُتباكي كلاهما يسعدان ويواسيان بذلك فاطمة سيدة نساء العالمين(ع)، روى ابن قولويه في كامل الزيارات بسند معتبر عن زرارة قال: قال أبو عبداللَّه الصّادق(ع) في حديث طويل يذكر فيه بكاءَ السماء والأرض والشمس والجبال والملائكة على الإمام الحسين(ع) إلى أن يقول: (وما من عينٍ أحبُّ إلى اللَّه ولا عبرةٍ من عينٍ بكت ودمعت عليه - أي على الحسين(ع) - وما من باكٍ يبكيه إلا وقد وصلَ فاطمة(ع) وأسعدها عليه، ووصل رسول اللَّه(ص) وأدّى حقّنا)(٢) .

نقل لي بعض أهل العلم أنَّ قريةً بأطراف مدينة (كاشان) الإيرانية فيها عالمٌ جليل يعود إليه أهل تلك القرية وغيرهم في مسائلهم الدينيّة كما كان يحظى باحترام كبير عند كافّة الطبقات وذلك لصدقه وإخلاصه وحسن نيّته. وفي يومٍ من أيام شهر المحرّم - وكان اليوم الحادي عشر منه - خرج هذا العالم من بيته بحالةٍ ما اعتاد الناس أن يرونه بها فإنّه كان حافي القدمين وحاسر الرّأس وهو مع ذلك بهيئة المُصاب الفاقد لأعزّ أحبّتهِ، وهو متّجهٌ إلى خارج تلك القرية.

فلمّا رآهُ الناس بتلك الحالة لم يكلّمهُ أحدٌ منهم لهيبته ولكنّهم اكتفوا بالسير خلفه، حتى وصل العالِم إلى رجلٍ من التجّار الّذين يملكون عدداً كبيراً من رؤوس

____________________

(١) آمالي الشيخ الصّدوق: ص١٢٢ المجلس ٢٩

(٢) جلاء العيون للسيّد عبداللَّه شبّر: ج٢ ص٥٠.

١٤

الأغنام يوزّعها صباحَ كلِّ يوم على مجموعةٍ من أفراد تلك القرية فيسرحوا بها طلباً للماءِ والعلف إزاء أجرٍ معيّن، فعندما وصلَ العالِم إلى ذلك التاجر قال له: أعرض عليّ عمّالَك، فامتثل الرجل ونادى عمّاله بأسمائهم والعالِم ينظر إليهم ويقول: ليس هذا اُريد، حتى لم يبقَ منهم إلّا شاب في مقتبل العمر فعندما حضر ونظر إليه العالِم وعرفَهُ وقع على قدمي ذلك الشاب يتبرّك بهما فامتنع الشاب إشد الامتناع وقال للعالِم: ياشيخنا نحن أحقّ بتقبيل يديك ورجليك. عندها سأل الحاضرون العالِم عن معنى ذلك طالبين منه توضيحاً لذلك فقال: عندما انتهينا من مراسم العزاء يوم العاشر وليلة الحادي عشر ذهبت إلى بيتي وأنا في غاية التعب والعناء فنمت نوماً عميقاً ورأيت فيما يرى النائم أنَّ الإمام الحسين(ع) واُمّه الزّهراء(ع) في رعيل من الملائكة جاءوا إلى هذه القرية لتكريم وشكر كلّ مَن شارك في مراسم العزاء الحسيني وعاشوراء فالّذي قرأ العزاء كرّمه الإمام الحسين(ع)، والّذي فرش داره وأعدّه للعزاء كرّمه الإمام الحسين(ع)، والّذي لطم صدرَهُ أو بكت عيناه أو تباكى أو شارك بأيّ نحوٍ من المُشاركة صغيرة أو كبيرة كرّمه الإمامُ وقدّم له الشكر، حتّى وصلَ(ع) إلى هذا الشاب وهمّ بإكرامه قامت سيّدتي ومولاتي فاطمة الزّهراء(ع) وقالت: ولدي حسين دعني أنا الّذي أُكرّم هذا الشاب لأنّه أدخل السرور على قلبي بمواساته لي بالأمس.

لما سمع الحاضرون هذا الكلام من العالِم ضجّوا بالبكاء حتى ارتفعت الأصوات!! فلمّا هدأت فورتهم قال العالِم للشاب: أخبرني ماذا فعلت أمس حتى رضيت عنك سيّدتي الزهراء(ع) كلّ هذا الرّضا؟!

١٥

قال: جئت صباح يوم أمس - وكان يوم العاشر - فقلتُ لربِّ العمل هذا: إنّ اليوم هو العاشر من محرّم وهو يوم حزن على أهل البيت وشيعتهم وأنا لا أستطيع العمل فاسمح لي أن أذهب إلى الحسينيّة للمشاركة في المواكب الحسينية العزائية فقال: لا بل تأخذ الأغنام وتخرج إلى العمل كباقي الأيّام.

قال: فكرّرتُ عليه الطّلب وقلت له: اسمح لي بالتعطيل اليوم وأنا أُعوّضك يوماً مثله فقال: لا بل تعمل اليوم.

قلت: أُعطّل اليوم وأعوّضك يومين أو ثلاث إن شئت. فلم يقبل ذلك أيضاً، وخشيت من تكرار الطّلب تعكير مزاجه ولعلّه لأجل ذلك يخرجني من العمل نهائياً. فأخذت الأغنام وذهبت بها حتى بعدت عن الناس والبيوت فنظرت خلفي فلم أرَ أحداً فأخذت أجول في البريّة وحدي وأقرأ ما كنت أحفظ من أشعار رثاء سيّدي الحسين وأهل بيته وأصحابه، وصرت أندبُ تارةً وأبكي اُخرى وألطم ثالثاً حتى أخذت شوطاً من البُكاء والنحيب فاستراح قلبي وسكن فؤادي بمواساتي لسيدتي فاطمة الزهراء(ع).

فقال العالِم: هذه الندبة والمؤاساة هي التي أدخلت السرور على قلب فاطمة الزهراء(ع).

أقول: وكأنّي بها مثل هذه الأيام تتنقّل في مجالسِ المؤمنين والمؤمنات لابسةً ثياب الحزن ولسان الحال:

وينه اليواسيني بشيعة

على حسين وأولاده ورضيعه

١٦

وابن ‏والده ‏عين‏ الطليعة

على ‏العلگمي كفوفه گطيعه

عباس نايم عل شريعة

أنا الوالده يحسين يابني

يمن ريت ذبّاحك ذبحني

اسعدني على ابني يالتحبني

مصابة تره بگلبي وشعبني

ونسّاني الضلّع وسواد متني

أيطيبُ عيشيَ بعد وقعةِ كربلا

وأكونُ فيما أرتديه أنيقا

وأذوقُ طعمَ الماءِ وابنُ محمّد

ما ذاقَهُ حتى الحِمامَ أذيقا

لا عذرَ للشيعيِّ يرقا دمعُه

ودمُ الحسين بكربلاء أريقا

يايوم عاشورا لقد خلّفتني

ما عشتُ في بحر الهموم غريقا(١)

لاحول ولا قوة إلّا باللَّه العليّ العظيم

وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلبٍ ينقلبون والعاقبة للمتقين

____________________

(١) البيت الأول للخطيب الأديب الشيخ محمد سعيد المنصوري، وبقية الأبيات لمحمد ابن عبدالعزيز السوسي الكاتب.

١٧

الليلة الاُولى المجلس الثاني

فوائدُ المجالس الحسينيّة

خذ بالبكاءِ فقد أتاك محرّمُ

واعلم بأنّ به السُلُوَّ محرّمُ

وأذل به دمعاً أذلّ عزيزَه

يومٌ يُذلُّ الدِّينُ فيه فيُهظَمُ

للحزنِ فوق جبينِ كلِّ موحِّد

وسْمٌ برغمِ عدوِّهِ هو مِيسَمُ

فيحقُّ أن يُجري مدامعَهُ دماً

عبدٌ جرى من نحرِ سيِّده الدَّمُ

إنّي ألِفتُ وما سَئِمْتُ من البُكا

سئمتني العلياءُ إن أنا أسأمُ

فوقَ البسيطةِ للأنامِ وتحتَها

للجنِّ فيه للنّياحةِ موسِمُ

والحِجْرُ أعولَ والمشاعِرُ كلُّها

والرّكنُ ضُعضِعَ والحطيمُ وزمزمُ

وتجاوبت بالنّوحِ أنديةُ العُلى

والمَكرُماتُ وكلُّ نادٍ مأتمُ

شهرٌ به شهرَت أميّةُ مِخذَماً

فتكَت به في الدّين فهو مُخذَّمُ

فعجِبْتُ حتى قلتُ لِمْ لا حلَّهُم

غضبُ الإلهِ وكيفَ عنهم يَحْلُمُ

وبعينه زُمَرُ الضّلالةِ أقبلت

عدواً على حَرَمِ الإمامةِ تهجمُ

صاحوا به نهباً فها هو مقسمٌ

بين العدى وبناتُ أحمدَ مغنَمُ

ما وقّروا من آلِهِ شيخاً

ولم ينجُ الشبابُ وطفلُهُمْ لا يُرحَمُ(١)

____________________

(١) القصيدة من نظم الأديب والخطيب المرحوم الشيخ كاظم سبتي.

قال السيد الأمين١ في (أعيان الشيعة) المجلد ٩ ص٥:

هو الشيخ كاظم بن حسن بن علي سبتي البغدادي النجفي المعروف بالشيخ كاظم السبتي.

ولد في حدود سنة ١٢٥٥ه وتوفي سنة ١٣٤٢ه في النجف ودفن بها، عالمٌ فاضلٌ

١٨

الشيعة تحزن بعاشور من هل

ودمعها يشبه الطوفان من هل

دگلي يلدفنت حسين منهل

ترابه وجمّع أوصاله الرّميّة

* * *

جديرةٌ بالفضل والثناءِ

مآتمٌ تُعقَدُ للعزاءِ

يقيمُها الرّجالُ والنّساءُ

يدعو إليها الحبُّ والولاءُ

مصابُ أهلِ البيت فيها يُذكَرُ

وذنبُ مَن يبكي عليهم يُغفَرُ

يُنشَرُ فيها ذِكرُ أهلِ الذِّكرِ

يُحيى بها أمرُ وُلاةِ الأمرِ

مجالسٌ قال الإمامُ معلِنا

إنّي أحبُّها فأحيوا أمرنا

____________________

أديبٌ شاعر خطيبٌ ماهر، وهو خطيبٌ الذاكرين لمصيبة الامام الحسين(ع) في عصره لا يماثلهُ أحدٌ منهم لا يكون إلقاؤه في مجالس ذكره أقلّ من ساعة يصغي إليه فيها المستمعون بكلّهم وبغير ملل، ويستفيدون وتفيض منهم العيون، وهو مع ذلك ضعيف الصّوت، وله شعرٌ جيّد في مديح أهل البيت: ورثائهم، عالمٌ بالعربية يتكلّم في إلقائه باللغة الفصحى فلا يلحن كما قال فيه السيد جعفر الحلي:

عربيٌّ له فصاحةُ سحبا

نَذكيٌّ له ذكاءُ إياس

مدحُهُ في بني النبوّةِ لا في الـ

ـعبشميينَ أو بني العبّاس

تتمنّى منابرُ الذكر أن لا

يرتقي غيرُهُ من الجلّاسِ

وله ديوان شعرٍ كبير في المراثي الإمامية رأيناه في النجف الأشرف بخطّ بعض أولادِهِ ومن شعره قوله:

تمسّك بحبِّ المرتضى علمِ الهدى

فما خابَ يوماً مَنْ به يتمسّكُ

وأمسِكْ أقرّ اللَّهُ دينَكَ بالذي

به الأرضُ والسبعُ السماواتُ تُمسَكُ

فلا أرشدَ اللَّهُ امرءً غيرَ سالكٍ

سبيلَ عليٍّ وهو للرّشدِ مسلكُ

فتىً حارَ كلُّ العالمين بكنهِهِ

ففي أمرِهِ تحيى أناسٌ وتهلَكُ

١٩

دعا لمحيي أمرِهِمْ بالرّحمة

فيالها من مِنّةٍ ونعمة(١)

إنَّ من السُننَ الخيّرة - الحسنة - التي اعتاد عليها أتباعُ أهل البيت: في كلّ عامٍ من عشرةِ شهر المحرّم هي إقامةُ مجالس العزاءْ، وإظهار الحزن، وإبراز الحداد إحياءً لذكرى وقعة الطّف الفجيعة التي أورثت الأئمة: وشيعتهم الحزنَ والبلاء إلى يوم الإنقضاء.

فتجد المآتم في الحسينيّات والمساجد، والمدارس والأسواق، والدور والطرقات في الأماكن العامّة والخاصّة على حدِّ سواء.

وإلى ذلك يشير المرحوم السيد جعفر الحلّي في احدى روائعه:

في كلِّ عامٍ لنا في العشر واعيةٌ

تطبّقُ الدّورَ والأحياءَ والسِّككا

وكان هذا بإيعاز مباشرٍ من أئمة أهل البيت عليهم الصلاة والسّلام، فهاهو الإمام الصّادق جعفر بن محمّد(ع) وهو سادس أئمة الحقّ والخلق من آل ‏محمّد(ص) يقول لأحد أصحابه وهو الفضيل بن يَسار: (أتجلِسون وتتحدّثون؟

قال: نعم جعلت فداك قال(ع) : إنَّ تلك المجالس أُحبُّها فأحيوا أمرَنا يافضيل فرحمَ اللَّهُ مَن أحيى أمرنا، يافضيل مَن ذكرَنا أو ذُكِرنا عنده فخرج من عينهِ مثلُ جَناحِ الذّباب غفر اللَّه له ذنوبَهُ ولو كانت أكثرَ من زَبَدِ البحر)(٢) .

____________________

(١) المقبولة الحسينيّة للمرحوم الشيخ هادي كاشف الغطاء: ص٣٧.

(٢) بحار الأنوار: ج٤٤ ص٢٨٢.

٢٠